المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ولا تنقص المكيال والميزان اني اراكم بخير واني اخاف عليكم عذاب يوم محيط اي وارسلنا الى مدين القبيلة المعروفة الذين يسكنون مدين في ادنى فلسطين اخاهم في النسب شعيبا لانهم وليتمكنوا من الاخذ عنه. فقال لهم يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. اي اخلصوا له العبادة فانهم كانوا يشركون وكانوا مع شركهم يبخسون المكيال والميزان. ولهذا نهاهم عن ذلك فقال ولا تنقصوا المكيال والميزان بل اوفوا الكيل والميزان انا بالقسط اني اراكم بخير اي بنعمة كثيرة وصحة وكثرة اموال وبنين فاشكروا الله على ما اعطاكم ولا تكفروا نعمة الله فيزيلها عنكم اني اخاف عليكم عذاب يوم محيط. اي عذابا يحيط بكم ولا يبقي منكم باقية. ويا قوم ويا قومي اوفوا المكيال والميزان بالقسط اي بالعدل الذي ترضون ان تعطوه ولا تبخسوا الناس اشياءهم اي لا تنقص من اشياء الناس باخذها بنقص المكيال والميزان. ولا تعثوا في الارض مفسدين فان الاستمرار على المعاصي يفسد الاديان والعقائد والدين والدنيا ويهلك الحرث والنسل بقية الله خير لكم. ان يكفيكم ما ابقى الله لكم من الخير. وما هو لكم فلا تطمعوا في امر لكم عنه غنية وهو ضار لكم جدة ان كنتم مؤمنين فاعملوا بمقتضى الايمان وما انا عليكم بحفيظ. اي لست بحافظ لاعمالكم ووكيل عليها. وان ما الذي يحفظها الله تعالى؟ واما انا فابلغكم ما ارسلت به او ان نفعل في اموالنا ما نشاء. انك قالوا يا شعيب اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد اباؤنا؟ اي قالوا ذلك على وجه التهكم بنبيهم استبعاد لاجابتهم له. ومعنى كلامهم انه لا موجب لنهيك لنا. الا انك تصلي لله وتتعبد له. افان كنت كذلك افيوجب لنا ان نترك ما يعبد اباؤنا لقول ليس عليه دليل الا انه موافق لك. فكيف نتبعك ونترك ابائنا الاقدمين؟ اولي العقول الباب وكذلك لا يوجب قولك لنا ان تفعل في اموالنا ما قلت لنا من وفاء الكيل والميزان واداء الحقوق الواجبة فيها بل لا نزال نفعل فيها ما شئنا لانها اموالنا فليس لك فيها تصرف. ولهذا قالوا في تهكمهم انك لانت الحليم الرشيد. اي انك انت الذي الحلم والوقار لك خلق. والرشد لك سجية فلا يصدر عنك الا رشد. ولا تأمر الا برشد ولا تنهى الا عن غي. اي ليس الامر كذلك وقصدهم انه موصوف بعكس هذين الوصفين بالسفه والغواية اي ان المعنى كيف تكون انت الحليم الرشيد ها هنا هم السفهاء الغاوون. وهذا القول الذي اخرجوه بصيغة التهكم. وان الامر بعكسه ليس كما ظنوه. بل الامر كما قالوه. ان صلاة تأمره ان ينهاهم عما كان يعبد اباؤهم الضالون. وان يفعلوا في اموالهم ما يشاؤون. فان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. واي فحشاء ومنكر اكبر من عبادة غير الله. ومن منع حقوق عباد الله او سرقتها بالمكاييل والموازين. وهو عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد قال لهم شعيب آآ يا قومي ارأيتم ان كنت على بينة من ربي اي يقين وطمأنينة في صحة ما جئت به ورزقني منه رزقا حسنا. اي اعطاني الله من اصناف المال ما اعطاني. وانا لا اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم فلست اريد ان انهاكم عن البخس في المكيال والميزان. وافعله انا. وحتى تتطرق الي التهمة في ذلك. بل ما انهاكم عن امر الا انا اول مبتدر لتركه. ان اريد الا الاصلاح ما استطعت. اي ليس لي من المقاصد الا ان تصلح احوالكم وتستقيم منافعكم. وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي شيء بحسب استطاعتي. ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس دفع هذا بقوله وما توفيقي الا بالله وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير والانفكاك عن الشر. الا بالله تعالى لا بحولي ولا بقوة. عليه توكلت اي اعتمدت في امور وثقت في كفايته واليه انيب في اداء ما امرني به من انواع العبادات. وفي هذا التقرب اليه بسائر افعال الخيرات وبهذين الامرين تستقيم احوال العبد وهما الاستعانة بربه والانابة اليه. كما قال تعالى فاعبده وتوكل عليه. وقال اياك نعبد واياك نستعين. ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما اصاب قوم ويا قومي لا يجرمنكم شقاقي اي لا تحملنكم مخالفتي ومشاقتي ان يصيبكم من العقوبات مثل ما اصاب قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد. اي لا في الدار ولا في الزمان. واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه واستغفروا ربكم عما اقترفتم من الذنوب ثم توبوا اليه فيما يستقبل من اعمالكم بالتوبة النصوح والانابة اليه بطاعته وترك مخالفته. ان ربي رحيم ودود لمن تاب واناب. يرحمه فيغفر له. ويتقبل توبته ويحبه ومعنى الودود من اسمائه تعالى انه يحب عباده المؤمنين ويحبونه. فهو فعول بمعنى فاعل وبمعنى مفعول. قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا. ولولا رهفك لرجمنا قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول اي تضجروا من نصائحه ومواعظه لهم فقالوا ما نفقه كثيرا مما تقول. وذلك لبغضهم لما يقول ونفرتهم عنه. وانا لنراك فينا ضعيفا اي في نفسك لست من الكبار والرؤساء بل من المستضعفين. ولولا رهقك اي جماعتك وقبيلتك لرجمناك. وما انت علينا بعزيز. اي ليس لك قدر في صدورنا ولا احترام في انفسنا. وانما احترمنا قبيلتك بتركنا اياك. فقال لهم مترققا لهم. قال يا قومي ارهقي اعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ان ربي بما تعملون محيطا. يا قومي ارهطتي اعز عليكم من الله. اي كيف تراعوني لاجل رهطي؟ ولا تراعوني لله اعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا اين بذتم امر الله وراء ظهوركم ولم تبالوا به ولخفتم منه ان ربي بما تعملون محيط. لا يخفى عليه من اعمالكم مثقال ذرة في الارض ولا في السماء. فسيجازيكم على ما عملتم اتم الجزاء ولما اعيوه وعجز عنهم قال يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذبه. وارتقبوا اني معكم رقيب. يا قومي اعملوا على مكانتكم اي على حالتكم ودينكم. اني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه. ويحل عليه عذاب مقيم انا ام انتم وقد علموا ذلك حين وقع عليهم العذاب؟ وارتقبوا ما يحل بي اني معكم رقيب ما يحل بكم ولما جاء امرنا نجينا شعيبا والذين امنوا معه برحمة من واخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين. ولما جاء امرنا باهلاك قوم شعيب نجينا شعيبا والذين امنوا معه برحمة منا. واخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين. لا اسمعوا لهم صوتا ولا ترى منهم حركة كأن لم يغنوا فيها. اي كأنهم ما اقاموا في ديارهم. ولا تنعموا فيها حين اتاهم العذاب. الا مدين اذ اهلكها الله واخزاها كما بعد الثمود. اي قد اشتركت هاتان القبيلتان في السحق والبعد والهلاك. وشعيب عليه السلام كان يسمى خطيب الانبياء لحسن مراجعته لقومه. وفي قصته من الفوائد والعبر شيء كثير. منها ان الكفار كما يعاقبون كانوا يخاطبوني باصل الاسلام فكذلك بشرائعه وفروعه. لان شعيبا دعا قومه الى التوحيد. والى ايفاء المكيال والميزان. وجعل الوعيد ثمن على مجموع ذلك. ومنها ان نقص المكاييل والموازين من كبائر الذنوب. وتخشى العقوبة العاجلة على من تعاطى ذلك. ان ذلك من سرقة وللناس واذا كان سرقتهم في المكاييل والموازين موجبة للوعيد. فسرقتهم على وجه القهر والغلبة من باب اولى واحرى. ومنها ان الجزاء من جنس العمل. فمن بخس اموال الناس يريد زيادة ماله عوقب بنقيض ذلك. وكان سببا لزوال الخير الذي عنده من الرزق. لقوله اني اراكم بخير. اي فلا تسببوا الى زواله بفعلكم. ومنها ان على العبد ان يقنع بما اتاه الله. ويقنع بالحلال عن الحرام وبالمكاسب المباحة عن المكاسب المحرمة. وان ذلك خير له لقوله بقية الله خير لكم. ففي ذلك من البركة وزيادة الرزق ما ليس في التكالب على الاسباب المحرمة من المحق. وضد البركة. ومنها ان ذلك من لوازم الايمان واثاره. فانه رتب العمل على وجود الايمان فدل على انه اذا لم يوجد العمل فالايمان ناقص او معدوم. ومنها ان الصلاة لم تزل مشروعة للانبياء المتقدمين وانها من افضل الاعمال حتى انه متقرر عند الكفار فضلها. وتقديمها على سائر الاعمال. وانها تنهى عن الفحشاء والمنكر. وهي ميزان وشرائعه فباقامتها تكمن احوال العبد وبعدم اقامتها تختل احواله الدينية ومنها ان المال الذي يرزقه الله الانسان كان الله قد خوله اياه فليس له ان يصنع فيه ما يشاء فانه امانة عنده. عليه ان يقيم حق الله فيه باداء ما فيه من الحقوق. والامتناع المكاسب التي حرمها الله ورسوله. لا كما يزعمه الكفار ومن اشبههم ان اموالهم لهم ان يصنعوا فيها ما يشاؤون ويختارون. سواء وافق اسم الله او خالفه. ومنها ان من تكملة دعوة الداعي وتمامها ان يكون اول مبادر لما يأمر غيره به. واول منته عما ينهى غيره عنه كما قال شعيب عليه السلام وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه. ولقوله تعالى يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما الا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. ومنها ان وظيفة الرسل وسنتهم وملتهم ارادة الاصلاح بحسب القدرة والامكان فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها او بتحصيل ما يقدر عليه منها. وبدفع المفاسد وتقليلها ويراعون المصالح العامة على المصالح الخاصة وحقيقة المصلحة هي التي تصلح بها احوال العباد. وتستقيم بها امورهم الدينية والدنيوية. ومنها ان من قام بما يقدر عليه من الاصلاح لم يكن ملوما ولا مذموما في عدم فعله ما لا يقدر عليه. فعلى العبد ان يقيم من الاصلاح في نفسه وفي غيره ما يقدر عليه. ومنها ان العبد ينبغي له ان لا يتكل على نفسه طرفة عين. بل لا يزال مستعينا بربه متوكلا عليه. سائلا له التوفيق. واذا حصل له شيء من التوفيق توفيق فلينسبه لموليه ومسديه ولا يعجب بنفسه لقوله وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب منها الترهيب باخذات الامم وما جرى عليهم. وانه ينبغي ان تذكر القصص التي فيها ايقاع العقوبات بالمجرمين. في سياق الوعظ والزجر كما انه ينبغي ذكر ما اكرم الله به اهل التقوى عند الترغيب والحث على التقوى. ومنها ان التائب من الذنب كما يسمح له عن ذنبه. ويعفى عنه فان الله تعالى يحبه ويوده. ولا عبرة بقول من يقول ان التائب اذا تاب فحسبه ان يغفر له. ويعود عليه العفو. واما عود الود والحب فانه لا يعود. فان الله قال واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربي رحيم ودود. ومنها ان الله يدفع عن المؤمنين باسباب كثيرة. قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئا منها. وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم او اهل وطنهم الكفار كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه. وان هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الاسلام والمسلمين. لا بأس بالسعي فيها ما تعين ذلك لان الاصلاح مطلوب على حسب القدرة والامكان. فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهوريا يتمكن فيها الافراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان اولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية وتحرص على ابادتها وجعلهم عملة وخدما لهم. نعم ان امكن ان تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو المتعين. ولكن لعدم امكان هذه المرتبة. فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة. والله اعلم