المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. يقول تعالى ولقد ارسلنا موسى ابن عمران باياتنا الدالة على صدق ما جاء به. كالعصا واليد ونحوهما من الايات التي اجراها الله على يدي موسى عليه السلام. وسلطان مبين بحجة ظاهرة بينة ظهرت ظهور الشمس الى فرعون وملأه. اي اشراف قومه لانهم المتبوعون وغيرهم تبع لهم. فلم ينقادوا لما مع موسى من الايات التي اراهم اياها. كما تقدم بسطها في سورة الاعراف. ولكنهم فاتبعوا امر فرعون وما امر فرعون برشيد. بل هو ضال غاو لا يأمر الا بما وضرر محض لا جرم لما اتبعه قومه ارداهم واهلكهم ارى بئس الورد المورود واتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفت المرفود واتبع في هذه اي في الدنيا لعنة ويوم القيامة. ان يلعنهم الله وملائكته والناس اجمعون في الدنيا والاخرة مرفوض اي بئس ما اجتمع لهم. وترادف عليهم من عذاب الله. ولعنة الدنيا والاخرة. ولما ذكر قصص هؤلاء الامم مع رسولهم قال الله تعالى لرسوله ذلك من انباء القرآن اقصه عليك لتنذر به. ويكون اية على رسالتك وموعظة وذكرى للمؤمنين. منها لم يتلف بل بقي من اثار ديارهم ما يدل عليهم ومنها حصيد قد تهدمت مساكنهم واضمحلت منازلهم فلم يبق لها اثر وما ظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم فما اغنت عنهم الهتهم التي يدعون من دون الله وما ظلمناهم باخذهم العقوبات ولكن ظلموا انفسهم بالشرك والكفر والعناد. فما اغنت عنهم الهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء امر ربك وهكذا كل من التجأ الى غير الله لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد. وما زادوهم غير تطبيب اي خسائر ودمار. بالضد مما ببالهم فيقسمهم بالعذاب ويبيدهم. ولا ينفعهم ما كانوا يدعون من دون الله من شيء ان في ذلك المذكور من من اخذه للظالمين بانواع العقوبات لاية لمن خاف عذاب الاخرة. اي لعبرة ودليلا على ان اهل الظلم والاجرام لهم العقوبة الدنيوية والعقوبة الاخروية ثم انتقل من هذا الى وصف الاخرة فقال ذلك يوم مجموع له الناس اي جمعوا لاجل ذلك اليوم للمجازاة وليظهر لهم من عظمة الله وسلطانه وعدله العظيم. ما به يعرفونه حق المعرفة. وذلك يوم مشهود. اي يشهده الله وملائكته وجميع المخلوقين وما نؤخره اي اتيان يوم القيامة الا لاجل معدود اذا انقضى اجل الدنيا وما قدر الله فيها من الخلق. فحينئذ ينقلهم الى الدار الاخرى ويجري عليهم احكامه الجزائية. كما اجرى عليهم في الدنيا احكامه الشرعية يوم ياتي ذلك اليوم ويجتمع الخلق لا تكلم نفس الا باذنه حتى الانبياء والملائكة الكرام لا يشفعون الا باذنه فمنهم اي الخلق شقي وسعيد. فالاشقياء هم الذين كفروا بالله وكذبوا رسله وعصوا امره. والسعداء هم المؤمنون المتقون واما جزاؤهم فاما الذين نشقوا اي حصلت لهم الشقاوة والخزي والفضيحة. ففي النار منغمسون في عذابها. مشتد عليهم عقابها. لهم فيها من شدة ما هم فيه زفير وشهيق وهو اشنع الاصوات واقباحها. خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا خالدين فيها اي في النار التي هذا عذابها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك. اي خالدين فيها ابدا الا المدة التي شاء الله الا يكونوا فيها. وذلك قبل دخولها كما قاله جمهور المفسرين. والاستثناء على هذا راجع الى ما قبل دخولها. فهم خالدون فيها جميع الازمان. سوى الزمن الذي قبل الدخول فيها ان ربك فعال لما يريد. فكل ما اراد فعله واقتضته حكمته فعله تبارك وتعالى لا يرده احد عن مراده واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك واما الذين سعدوا اي حصلت لهم السعادة والفلاح والفوز ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك. ثم اكد ذلك بقوله عطاء غير مجذوذ. اي اعطاهم الله من النعيم المقيم واللذة العالية. فانه دائم مستمر. غير منقطع بوقت من الاوقات. نسأل الله الكريم من فضله ما يعبدون الا كما يعبد يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فلا تكفي مرية مما يعبد هؤلاء المشركون. اي لا تشك في حالهم وان ما هم عليه باطل. فليس لهم دليل شرعي ولا عقلي وانما دليلهم وشبهتهم انهم ما يعبدون الا كما يعبد اباؤهم من قبل. ومن المعلوم ان هذا ليس بشبهة. فضلا عن ان يكون دليلا لان اقوال ما عدا الانبياء يحتج لها لا يحتج بها. خصوصا امثال هؤلاء الضالين الذين كثر خطأهم وفساد اقوالهم في اصول الدين فان اقوالهم وان اتفقوا عليها فانها خطأ وضلال وانا لموفوهم نصيبهم غير منقوص. اي لابد ان ينالهم نصيبهم من الدنيا. مما كتب لهم. وان وذلك النصيب اوراق في عينك فانه لا يدل على صلاح حالهم فان الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الايمان والدين الصحيح الا من يحب والحاصل انه لا يغتر باتفاق الضالين على قول الضالين من ابائهم الاقدمين. ولعل ما خولهم الله واتاهم من الدنيا ولقد اتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وانهم يخبر تعالى انه اتى موسى الكتاب الذي هو التوراة الموجبة للاتفاق على اوامره ونواهيه ولكن مع هذا فان المنتسبين اليه اختلفوا فيه اختلافا اضر بعقائدهم وبجامعتهم الدينية. ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخير خيرهم وعدم معاجلتهم بالعذاب لقضي بينهم باحلال العقوبة بالظالم ولكنه تعالى اقتضت حكمته ان اخر القضاء بينهم الى يوم القيامة وبقوا في شك منه مريب. واذا كانت هذه حالهم مع كتابهم. فمع القرآن الذي اوحاه الله اليك غير مستغرب من طائفة اليهود الا يؤمنوا به وان يكونوا في شك منهم مريب انه بما يعملون خبير. وان كلا لم ليوفينهم ربك اعمالهم. اي لابد ان الله يقضي بينهم يوم القيامة بحكمه العدل فيجازي كلا بما يستحقه. انه بما يعملون من خير وشر خبير. فلا يخفى عليه شيء من اعمالهم دقيقها فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا ثم لما اخبر بعدم استقامتهم التي اوجبت اختلافهم وافتراقهم امر نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين ان يستقيموا كما امروا فيسلك ما شرعه الله من الشرائع. ويعتقد ما اخبر الله به من العقائد الصحيحة. ولا يزيغ عن ذلك يمنة ولا يسرة. ويدوم على ذلك. ولا ان يتجاوزوا الله لهم من الاستقامة. وقوله انه بما تعملون بصير اي لا يخفى عليه من اعمالكم شيء. وسيجازيكم عليها ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة وترهيب من ضدها. ولهذا حذرهم عن الميل الى من تعدى الاستقامة. فقال حين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من اولياء ثم ينصرون ولا تركنوا اي لا تميلوا الى الذين ظلموا. فانكم اذا ملتم اليهم وافقتموهم على ظلمهم. او رضيتم ما هم عليه من الظلم فتمسكم النار ان فعلتم ذلك. وما لكم من دون الله من اولياء يمنعونكم من عذاب الله. ولا يحصلون لكم شيئا من ثواب الله ثم لا تنصرون اي لا يدفع عنكم العذاب اذا مسكم. ففي هذه الاية التحذير من الركون الى كل ظالم. والمراد بالركون والانضمام اليه بظلمه وموافقته على ذلك والرضا بما هو عليه من الظلم. واذا كان هذا الوعيد في الركون الى الظلمة فكيف حال الظلمة بانفسهم نسأل الله العافية من الظلم