المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يعني ان الخبر اشتهر وشاع في البلد وتحدث به النسوة فجعلن يلمنها ويقل امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا. اي هذا امر مستقبح. هي امرأة كبيرة القدر وزوجها كبير القدر. ومع هذا لم تزل تراود فتاها الذي تحت يدها وفي خدمتها عن نفسه. ومع هذا فان حبه قد بلغ من قلبها مبلغا عظيما قد شغفها حبا اي وصل حبه الى شغاف قلبها وهو باطنه وسويداؤه وهذا اعظم ما يكون من الحب. انا لنراه في ضلال مبين. حيث وجدت منها هذه الحالة التي لا تنبغي منها. وهي حالة تحط قدرها وتضعه عند الناس. وكان هذا القول منهن ذكرى ليس المقصود به مجرد اللوم لها والقدح فيها. وانما اردنا ان يتوصلن بهذا الكلام الى رؤية يوسف الذي فتنت به امرأة العزيز تحنق امرأة العزيز وتريهن اياه ليعذرنها. ولهذا سماه مكرا فقال قالت اخرج عليهن فلم رأينه اكبرنه وقطعن ايديهن وقلن حاشا لله ما فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن تدعوهن الى منزلك للضيافة واعتدت لهن متكئا اي محلا مهيئا بانواع الفرش والوسائد. وما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة. وكان في جملة ما اتت به واحضرته في تلك الضيافة طعام يحتاج الى سكين. اما اترج او غيره واتت كل واحدة منهن سكينا فيها ذلك الطعام وقالت ليوسف اخرج عليهن في حالة جماله وبهائه. فلما رأيناه اكبرنه اي اعظمنه في ورأينا منظرا فائقا لم يشاهدن مثله. وقطعن من الدهش ايديهن بتلك السكاكين اللاتي معهن. وقلن حاشا لله اي لله ما هذا بشرا؟ ان هذا الا ملك كريم. وذلك ان يوسف اعطي من الجمال الفائق والنور والبهاء ما كان به للناظرين وعبرة للمتأملين فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر. واعجبهن غاية وظهر منهن من العذر لامرأة العزيز شيء كثير. ارادت ان تريهن جماله الباطن بالعفة التامة فقالت معلنة لذلك ومبينة لحبه الشديد غير مبالية. ولان اللوم انقطع عنها من النسوة. ولقد عن نفسه فاستعصم. اي امتنع وهي مقيمة على مراودته. لم تزدها مرور الاوقات الا قلقا ومحبة وشوقا لوصاله وتوبة ولهذا قالت له بحمرتهن ولئن لم يفعل ما امره ليسجنن وليكونن من الصاغرين. لتلجأه بهذا الوعيد الى مقصودها منه فعند ذلك اعتصم يوسف بربه واستعان به على كيدهن وقال رب السجن احب الي مما يدعونني اليه. قال وهذا يدل على ان النسوة جعلن يشرن على يوسف في مطاوعة سيده. وجعلنا يكدنه في ذلك فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة توجب العذاب الشديد. والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن. اي امل اليهن فاني ضعيف عاجز ان لم تدفع عني السوء واكن ان صبوت اليهن من الجاهلين فان هذا جهل لانه اثر لذة قليلة منغصة على لذات متتابعات وشهوات متنوعات في جنات النعيم. ومن اثر هذا على هذا فمن اجهل منه؟ فان العلم والعقل يدعو الى تقديم اعظم المصلحتين واعظم اللذتين. ويؤثر ما كان محمود العاقبة فاستجاب له ربه حين دعاه فصرف عنه كيدهن فلم تزل تراوده وتستعين عليه بما تقدر عليه من الوسائل. حتى ايسها وصرف الله عنه كيدها. انه هو السميع لدعاء الداعي بنيته الصالحة وبنيته الضعيفة المقتضية لامداده بمعونته ولطفه. فهذا ما نجى الله به يوسف من هذه الفتنة الملمة والمحنة الشديدة. واما اسياده فانه لما اشتهر الخبر وبان. وصار الناس فيها بين عازل ولائم وقادح بعد ما رأوا الايات ليسجننه حتى بدا لهم اي ظهر لهم من بعد ما رأوا الايات اي ظهر لهم من بعد ما رأوا الايات الدالة على برائته ليسجننه حتى حين. اي لينقطع بذلك الخبر ويتناساه الناس فان الشيء اذا شاع فان الشيء اذا شاع لم يزل يذكر ويشاع مع وجود اسبابه. فاذا عدمت اسبابه نسي. فرأوا ان هذا مصلحة لهم فادخلوه في السجن اي ولما دخل يوسف السجن كان في جملة من دخل معه السجن فتيان اي شابان فرأى كل واحد منهما رؤيا فقصها على يوسف ليعبرها. فقال احدهما اني اراني اعصر خمرا. وقال الاخر اني اراني احمل فوق رأسي خبزا وذلك الخبز تأكل الطير منه. نبئنا بتأويله اي بتفسيره. وما يؤول اليه امرهما وقولهما انا نراك من المحسنين. اي من اهل الاحسان الى الخلق فاحسن الينا في تعبيرك لرؤيانا. كما احسنت الى غيرنا فتوسلا ليوصل باحسانه ذلكما مما علمني ربي اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة فقال لهما مجيبا لطلبتهما لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما اي فلتطمئن قلوبكما فاني سابادر الى تعبير رؤياكما. فلا يأتيكما غداؤكما او عشاؤكما. اول ما يجيء الا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما. ولعل يوسف عليه الصلاة والسلام قصد ان يدعوهما الى الايمان في هذه الحال التي حاجتهما اليه ليكون انجع لدعوته واقبل لهما. ثم قال ذلكما التعبير الذي ساعبره لك ما علمني يا ربي اي هذا من علم الله علمني واحسن الي به وذلك اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة هم كافرون والترك كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه. يكون لمن لم يدخل فيه اصلا. فلا يقال ان يوسف كان من قبل على غير ابراهيم. واتبعت ملة ابائي ابراهيم واسحاق ويعقوب ما كان لنا ان نشرك بالله من شيء. ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن اكثر الناس الناس لا يشكرون. واتبعت ملة ابائي ابراهيم واسحاق ويعقوب. ثم فسر تلك الملة بقوله ما كان لنا اي ما ينبغي ولا يليق بنا ان نشرك بالله من شيء. بل نفرد الله بالتوحيد ونخلص له الدين والعبادة. ذلك من فضل الله وعلى الناس اي هذا من افضل مننه واحسانه وفضله علينا. وعلى من هداه الله كما هدانا. فانه لا افضل من منة الله على العباد بالاسلام الدين القويم. فمن قبله وانقاد له فهو حظه. وقد حصل له اكبر النعم واجل الفضائل. ولكن اكثر الناس لا يعلمون. فلذلك ستأتيهم المنة والاحسان فلا يقبلونها ولا يقومون لله بحقه. وفي هذا من الترغيب للطريق التي هو عليها ما لا يخفى. فان الفتيين لما فتقرر عنده انهما رأياه بعين التعظيم والاجلال. وانه محسن معلم ذكر لهما ان هذه الحالة التي انا عليها كلها من فضل الله واحسانه حيث من علي بترك الشرك وباتباع ملة ابائه. فبهذا وصلت الى ما رأيتما فينبغي لك ما ان تسلكا ما سلكت. ثم لهما بالدعوة فقال يا صاحبي السجن. اارباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار؟ اي ارباب عاجزة ضعيفة لا تنفع ولا تضر ولا تعطي ولا تمنع وهي متفرقة ما بين اشجار واحجار وملائكة واموات وغير ذلك من انواع المعبودات التي يتخذها المشركون اتلك خير ام الله؟ الذي له صفات الكمال؟ الواحد في ذاته وصفاته وافعاله. فلا شريك له في شيء من ذلك. القهار الذي انقادت الاشياء لقهره وسلطانه. فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها. ومن المعلوم ان من هذا شأنه ووصفه خير من الالهة المتفرقة التي هي مجرد اسماء لا كمال لها ولا افعال لديها. ولهذا قال ما تعبدون انزل الله بها من سلطان. ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم اي كسوتموها اسماء وسميتموها الهة وهي لا شيء ولا فيها من صفات الالوهية شيء ما انزل الله بها من سلطان. بل انزل الله السلطان بالنهي عن عبادتها وبيان بطلانها. واذا لم ينزل الله بها سلطانا لم يكن تطبيق ولا وسيلة ولا دليل لها. لان الحكم لله وحده فهو الذي يأمر وينهى ويشرع الشرائع ويسن الاحكام. وهو الذي امركم الا تعبدوا الا اياه. ذلك الدين القيم. اي المستقيم الموصل الى كل خير. وما سواه من الاديان. فانها غير مستقيمة المعوجة توصل الى كل شر. ولكن اكثر الناس لا يعلمون حقائق الاشياء. والا فان الفرق بين عبادة الله وحده لا شريك له. وبين الشرك امهر الاشياء وابينها. ولكن لعدم العلم من اكثر الناس بذلك حصل منهم ما حصل من الشرك. فيوسف عليه السلام دعا صاحبي السجن لعبادة الله وحده واخلاص الدين له فيحتمل انهما استجابا وانقادا فتمت عليهما النعمة. ويحتمل انهما لم يزالا على شركهما فقامت عليهما بذلك الحجة. ثم انه عليه السلام شرعا يعبر رؤياهما. بعدما وعدهما ذلك فقال