المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم اي لما تولى يوسف عليه السلام خزائن الارض دبرها احسن التدبير فزرع في ارض مصر جميعها في السنين من مخصبة زروعا هائلة. واتخذ لها المحلات الكبار وجب من الاطعمة شيئا كثيرا وحفظه. وضبطه ضبطا تاما. فلما دخل قالت السنون المجدبة وسار الجدب حتى وصل الى فلسطين التي يقيم فيها يعقوب وبنوه. فارسل يعقوب بنيه لاجل الميرة الى مصر وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون. اي لم يعرفوه قال ائتوني باخ لكم من ابيكم الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين ولما جهزهم بجهازهم اي كان لهم كما كان يكيل لغيرهم وكان من تدبيره الحسن انه لا يكيل لكل واحد اكثر من حمل بعير وكان قد سألهم عن حالهم فاخبروه ان لهم اخا عند ابيه وهو بنيامين. فقال لهم ائتوني باخ لكم ابيكم ثم رغبهم في الاتيان به فقال الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين في الضيافة والاكرام. ثم رهبهم الاتيان به فقال وذلك لعلمه قرارهم الى الاتيان اليه. وان ذلك يحملهم على الاتيان به فقالوا سنراود عنه اباه. دل هذا على ان يعقوب عليه السلام كان مولعا به لا يصبر عنه. وكان يتسلى به بعد يوسف. فلذلك احتاج الى مراودة في بعثه معهم وانا لفاعلون لما امرتنا به. وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحاب وقال يوسف لفتيانه الذي في خدمته اجعلوا بضاعتهم اي الثمن الذي اشتروا به من الميرة في رحالهم لعلهم يعرفونها. اي بضاعتهم اذا رأوها بعد ذلك في رحالهم لعلهم يرجعون. لاجل التحرج من اخذها على ما قيل. والظاهر انه اراد ان يرغبهم في احسانه اليهم بالكيل لهم كيلا وافيا. ثم اعادة بضاعتهم اليهم على وجه لا يحسون بها. ولا يشعرون لما يأتي. فان الاحسان يوجب للانسان الثاني تمام الوفاء للمحسن فلما رجعوا الى ابيهم قالوا يا ابانا منع منا الكيل. اي ان لم ترسل معنا اخانا ارسل معنا اخانا نكتل اي ليكون ذلك سببا لكيلنا ثم التزموا له بحفظه فقالوا وانا له لحافظون وانا له لحافظون من ان يعرض له ما يكره قال لهم يعقوب عليه السلام هل امنكم عليه الا كما امنتكم على اخيه من قبل؟ اي تقدم منكم التزام اكثر من هذا في حفظ يوسف. ومع هذا لم بما عقدتم من التأكيد فلا اثق بالتزامكم وحفظكم. وانما اثق بالله تعالى فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين اي يعلم حالي وارجو ان يرحمني في حفظه ويرده علي. وكأنه في هذا الكلام قد لان لارساله معهم. ثم انهم لما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم. ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم قالوا يا ابانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا ونمير اهلنا ونحفظ اخاك هذا دليل على انه قد كان معلوما عندهم ان يوسف قد رد عليهم بالقصد. وانه اراد ان يملكهم اياها. فقالوا لابيهم ترغيبا في ارسال اخيهم معهم. يا ابانا ما نبغي اي شيء نطلب بعد هذا الاكرام الجميل. حيث وفى لنا الكيل ورد علينا بضاعتنا على الوجه الحسن. المتضمن للاخلاص ومكاره الاخلاق هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا. اي اذا ذهبنا باخينا صار سببا لكيله لنا. فمرنا اهلنا اتينا لهم بما هم مضطرون اليه من القوت. ونحفظ اخانا ونزداد كيل بعير بارساله معنا. فانه يكيل لكل واحد حمل بعير ذلك كيل يسير. اي سهل لا ينالك ضرر لان المدة لا تطول. والمصلحة قد تبينت. فقال لهم يعقوب قال ما اتوه موسيقهم قال الله على ما نقول وكيل. لن ارسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله اي عهدا ثقيلا وتحلفون بالله لتأتونني به الا ان يحاط بكم. اي الا ان يأتيكم امر لا قبل لكم به. ولا دفعة فلما اتوه موثقهم على ما قال واراد قال الله على ما نقول وكيل. اي تكفينا شهادته علينا وحفظه كفائته. ثم لما ارسله معهم وصاهم اذا هم قدموا مصر. وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد توكلت عليه فليتوكل المتوكلون. الا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة وذلك انه خاف عليهم العين لكثرتهم وبهاء منظرهم لكونهم ابناء رجل واحد. وهذا سبب والا فما اغني من الله من شيء فالمقدر لابد ان يكون ان الحكم الا لله اي القضاء قضاؤه. والامر امره فما قضاه وحكم لابد ان يقع عليه توكلت اي اعتمدت على الله لا على ما وصيتكم به من السبب. وعليه فليتوكلي المتوكلون ان بالتوكل يحصل كل مطلوب ويندفع كل مرهوب. ولما دخلوا من حيث امرهم ابوهم ما كان يغنيهم ما علمناه ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ولما ذهبوا ودخلوا من حيث امر وهم ابوهم ما كان ذلك الفعل يغني عنه من الله من شيء. الا حاجة في نفس يعقوب قضاها. وهو موجب الشفقة والمحبة الاولاد فحصل لهم في ذلك نوع طمأنينة وقضاء لما في خاطره. وليس هذا قصورا في علمه فانه من الرسل الكرام والعلماء الربانيين ولهذا قال عنه وانه لذو علم اي لصاحب علم عظيم لما علمناه اي لتعليمنا اياه لا بحوله وقوته ادركه. بل بفضل الله وتعليمه. ولكن اكثر الناس لا يعلمون عواقب الامور ودقائق الاشياء. وكذلك اهل العلم منهم يخفى عليهم من العلم واحكامه ولوازمه شيء كثير