حجة لكم على رد ما جئناكم به. وقولكم فاتونا بسلطان مبين. فان هذا ليس بايدينا. وليس لنا من الامر شيء وما كان لنا ان نأتيكم بسلطان الا باذن الله. فهو الذي ان شاء جاءكم به اليها وذلك اذا تمرنوا على العربية ونشأ عليها صغيرهم وصارت طبيعة لهم. فحينئذ قد اكتفوا المؤنة وصلحوا ولان يتلقوا عن الله وعن رسوله ابتداء كما تلقى عنهم الصحابة رضي الله عنهم المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب وويل للكافرين من عذاب يخبر تعالى انه انزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لنفع الخلق ليخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والاخلاق السيئة وانواع المعاصي. الى نور العلم والايمان والاخلاق الحسنة. وقوله باذن ربهم اي لا يحصل منهم المراد المحبوب لله الا بارادة من الله ومعونة ففيه حث للعباد على الاستعانة بربه ثم فسر النور الذي يهديهم اليه هذا الكتاب فقال اي الموصل اليه والى دار كرامته المشتمل على العلم بالحق والعمل به. وفي ذكر العزيز الحميد بعد ذكر الصراط الموصل اليه اشارة الى ان من سلكه فهو عزيز بعز الله قوي ولو لم يكن له انصار الا الله. محمود في اموره حسن العاقبة يدل ذلك على ان صراط الله من اكبر الادلة على مال الله من صفات الكمال ونعوت الجلال. وان الذي نصبه لعباده عزيز السلطان حميد في اقواله وافعاله واحكامه. وانه مألوه معبود بالعبادات التي هي منازل الصراط المستقيم. وانه كما ان له السماوات والارض خلقا ورزقا وتدبيرا. فله الحكم على عباده باحكامه الدينية. لانهم ملكه ولا يليق به ان يتركهم سدى فلما بين الدليل والبرهان توعد من لم ينقد لذلك فقال وويل للكافرين من عذابه لا يقدر قدره ولا يوصف امره ثم وصفهم بانهم الدنيا على الاخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا الذين يستحبون الحياة الدنيا على الاخرة فرضوا بها واطمأنوا وغفلوا عن الدار الاخرة ويصدون الناس عن سبيل الله التي نصبها لعباده. وبينها في كتبه وعلى السنة رسله. فهؤلاء قد نابذوا مولاهم العادات والمحاربة ويبغونها اي سبيل الله عوجا. اي يحرصون على تهجينها وتقبيحها للتنفير عنها لكن يأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. اولئك الذين ذكر وصفهم لانهم ضلوا واضلوا وشاقوا الله ورسوله وحاربوهما. فاي ضلال ابعد من هذا؟ واما اهل الايمان فبعكس هؤلاء يؤمنون بالله واياته ويستحبون الاخرة على الدنيا. ويدعون الى سبيل الله ويحسنونها مهما امكنهم. ويبينوا هنا استقامتها يشاء فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهذا من لطفه بعباده انه ما ارسل رسولا الا قومه ليبين لهم ما يحتاجون اليه. ويتمكنون من تعلم ما اتى به. بخلاف ما لو كان على غير لسانهم. فانهم يحتاجون الى ان يتعلموا تلك اللغة التي يتكلم بها ثم يفهمون عنه. فاذا بين لهم الرسول ما امروا به ونهوا عنه. وقامت عليهم حجة الله فيضل الله من يشاء ممن لم ينقض للهدى ويهدي من يشاء ممن اختصه برحمته الذي من عزته انه انفرد بالهداية والاضلال. وتقليب القلوب الى ما شاء. ومن حكمته انه لا يضع هدايته ولا اضلاله الا بالمحل اللائق به. ويستدل بهذه الاية الكريمة على ان علوم العربية الموصلة الى تبيين كلامه وكلام رسوله امور مطلوبة محبوبة لله. لانه لا يتم معرفة ما انزل على رسوله الا بها. الا اذا كان الناس بحالة لا يحتاجون ان في ذلك يأتي لكل صبار شكور. يخبر تعالى انه ارسل موسى باياته العظيمة الدالة على صدق ما جاء به وصحته وامره بما امر الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم. بل وبما امر به جميع الرسل قومهم. ان اخرج قومك من الظلمات الى النور. اي ظلمات الجهل والكفر وفروعه. الى نور العلم والايمان وتوابعه. وذكرهم بايام الله اي بنعمه عليهم واحسانه اليهم وبايامه في الامم المكذبين. ووقائعه بالكافرين. ليشكروا نعمه وليحذروا عقابه ان في ذلك اي في ايام الله على العباد. اي صبار في الضراء والعسر والضيق شكور على السراء والنعمة. فانه يستدل بايامه على كمال قدرته وعميم احسانه. وتمام عدله وحكمته ولهذا امتثل موسى عليه السلام امر ربه فذكرهم نعم الله فقال وان قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله يصومونكم سوء العذاب اذكروا نعمة الله عليكم اي بقلوبكم والسنتكم اذ انجاكم من ال فرعون يسومونكم اي يولونكم سوء العذاب اي اشده وفسر ذلك بقوله ويذبحون ابنائكم ويستحيون نسائكم اي يبقونهن فلا يقتلونهن وفي ذلكم الانجاء. اي نعمة عظيمة او وفي ذلكم العذاب الذي ابتلى به من فرعون وملأه ابتلاء من الله عظيم لكم. لينظر هل تصبرون ام لا؟ وقال لهم حاثا على شكر نعم الله واذ تأذن ربكم اي اعلم ووعد لان شكرتم لازيدنكم من نعمي ومن ذلك انه يزيل عنهم النعمة التي انعم بها عليهم. والشكر هو القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضات الله تعالى وكفر النعمة ضد ذلك وقال موسى ان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا فلن تضروا الله شيئا فالطاعات لا تزيد في ملكه والمعاصي لا تنقصه وهو كامل الغنى. حميد في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله. ليس له من الا كل صفة حمد وكمال. ولا من الاسماء الا كل اسم حسن. ولا من الافعال الا كل فعل جميل والذين من بعدهم لا ثم قالوا وقالوا انا كفرنا بما ارسلتم به وانا لفي شك مما تدعون اليه مريب. يقول تعالى مخوفا عباده ما احله بالامم المكذبة حين جاءتهم الرسل. فكذبوهم فعاقبهم بالعقاب العاجل الذي رآه الناس وسمعوه فقال الم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود وقد ذكر الله قصصهم في كتابه وبسطها والذين من بعدهم لا يعلمهم الا الله من كثرتهم وكون اخبارهم اندرست فهؤلاء كلهم جاءتهم رسلهم بالبينات اي بالادلة الدالة على صدق ما جاءوا به. فلم يرسل الله رسولا الا اتاه من الايات يأتي ما يؤمن على مثله البشر. فحين اتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها. بل استكبروا عنها. فردوا ايديهم في افواههم اي لم يؤمنوا بما جاءوا به. ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الايمان. كقوله جعلوا اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت وقالوا صريحا لرسلهم انا كفرنا بما ارسلتم به اي موقع في الريبة وقد كذبوا في ذلك وظلموا. ولهذا قالت لهم رسلهم ثم في الله شك فاقر السماوات والارض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخر افي الله شك؟ اي فانه اظهر الاشياء واجلاها. فمن شك في الله فاطر السماوات والارض الذي وجود الاشياء مستند الى وجوده لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات. ولهذا خاطبتهم الرسل خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه. يدعوكم الى منافعكم ومصالحكم. ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم الى اجل اي ليثيبكم على الاستجابة لدعوته بالثواب العاجل والاجل. فلم يدعكم لينتفع بعبادتكم بل عائد اليكم فردوا على رسلهم رد السفهاء الجاهلين وقال قالوا لهم ان انتم الا بشر مثلنا. اي فكيف تفضلوننا بالنبوة والرسالة فكيف نترك رأي الاباء وسيرتهم لرأيكم؟ وكيف نطيعكم وانتم بشر مثلنا بسلطان مبين. اي بحجة وبينة ظاهرة ومرادهم بينة يقترحونها هم. والا فقد تقدم ان رسلهم جائتهم بالبينات من عباده وما كان لنا ان نأتيكم بسلطان وعلى الله فليتوكل المؤمنون. قالت لهم رسلهم مجيبين عن اقتراحهم واعتراضهم ان نحن الا بشر مثلكم اي صحيح وحقيقة انا بشر مثلكم ولكن ليس في ذلك ما يدفع ما جئنا به من الحق فان الله يمن على من يشاء من عباده. فاذا من الله علينا بوحيه ورسالته. فذلك فضله واحسانه. وليس لاحد ان على الله فضله ويمنعه من تفضله. فانظروا ما جئناكم به. فان كان حقا فاقبلوه. وان كان غير ذلك فردوه. ولا تجعلوا حالنا وان شاء لم يأتكم به وهو لا يفعل الا ما هو مقتضى حكمته ورحمته. وعلى الله لا على غيره فيعتمدون عليه في جلب مصالحهم ودفع مضارهم. لعلمهم بتمام كفايته وكمال قدرته. وعميم احسانه. ويثقون في تيسير ذلك وبحسب ما معهم من الايمان يكون توكلهم. فعلم بهذا وجوب التوكل وانه من لوازم الايمان ومن العبادات الكبار التي يحبها الله ويرضاها. لتوقف سائر العبادات عليه اي اي شيء يمنعنا من التوكل على الله؟ والحال اننا على الحق والهدى. ومن كان على الحق والهدى فان هداه يوجب له تمام التوكل. وكذلك ما يعلم من ان الله متكفل بمعونة المهتدي وكفايته. يدعو الى ذلك بخلاف من لم يكن على الحق والهدى فانه ليس ضامنا على الله. فان حاله مناقضة لحال المتوكل. وفي هذا كالاشارة من الرسل عليهم الصلاة والسلام السلام لقومهم باية عظيمة. وهو ان قومهم في الغالب لهم القهر والغلبة عليهم. فتحدتهم رسلهم بانهم متوكلون على الله في دفع كيدهم ومكرهم وجازمون بكفايته اياهم. وقد كفاهم الله شرهم مع حرصهم على اتلافهم واطفاء ما معهم من فيكون هذا كقول نوح لقومه. يا قومي ان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بايات الله. فعلى الله توكلت فاجمعوا امركم وشركائكم ثم لا يكن امركم عليكم امة ثم اقضوا الي ولا تنظرون. وقول هود عليه السلام قال اني اشهد الله اشهد اني بريء مما تشركون من دونه. فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون اي ولنستمرن على دعوتكم ووعظكم وتذكيركم. ولا نبالي بما منكم من الاذى فانا سنوطن انفسنا على ما ينالنا منكم من الاذى احتسابا للاجر ونصحا لكم لعل الله ان يهديكم مع كثرة التذكير وعلى الله وحده لا على غيره. فان التوكل عليه مفتاح لكل خير واعلم ان الرسول عليهم الصلاة والسلام توكلهم في اعلى المطالب واشرف المراتب. وهي التوكل على الله في اقامة دينه ونصره وهداية عبيده وازالة الضلال عنهم. وهذا اكمل ما يكون من التوكل