المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. تلك ايات ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. يقول تعالى معظما لكتابه مادحا له تلك ايات الكتاب اي الايات الدالة على احسن المعاني وافضل المطالب وقرآن مبين للحقائق باحسن لفظ واوضحه. وادله على المقصود. وهذا مما يوجب على الخلق الانقياد يا دلة والتسليم لحكمه وتلقيه بالقبول والفرح والسرور. فاما من قبل هذه النعمة العظيمة بردها والكفر بها فانه من المكذبين الضالين الذين سيأتي عليهم وقت يتمنون انهم مسلمون. اي منقادون لاحكامه. وذلك حين ينكشف الغطاء وتظهر اوائل الاخرة ومقدمات الموت فانهم في احوال الاخرة كلها يتمنون انهم مسلمون. وقد فات وقت الامكان ولكنهم في هذه الدنيا مغترون ذرهم يأكلوا ويتمتعوا بلذاتهم ويلهيهم الامل اي يؤملون البقاء في الدنيا فيلهيهم عن الاخرة ان ما هم عليه باطل. وان اعمالهم ذهبت خسرانا عليهم. ولا يغتروا بامهال الله تعالى. فان هذه سنة في الامم. وما اهلكنا من قرية كانت مستحقة للعذاب الا ولها كتاب معلوم. مقدر لاهلاكها اجلها وما يستأخرون. والا فالذنوب لا بد من وقوع اثرها وان تأخر. وقالوا اي وقال المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم استهزاء وسخرية. يا ايها الذي نزل عليه الذكر على زعمك لمجنون. اذ تظن انا سنتبع ونترك ما وجدنا عليه اباءنا بمجرد قولك ما ننزل الا بالحق وما كانوا اذا لو ما تأتينا بالملائكة يشهدون لك بصحة ما جئت به فلما لم تأتي بالملائكة فلست بصادق. وهذا من اعظم الظلم والجهل. اما الظلم فظاهر فان هذا تجرؤ على الله بتعيين الايات التي لم يخترها. وحصل المقصود والبرهان بدونها من الايات الكثيرة. الدالة على صحة ما جاء به. واما الجهل فانهم جهلوا مصلحتهم من مضرتهم. فليس في انزال الملائكة خير لهم. بل لا ينزل الله الملائكة الا بالحق. الذي لا على من لم يتبعه وينقد له. وما كانوا اذا اي حين تنزل الملائكة الى لم يؤمنوا ولن يؤمنوا بمنظرين اي بممهلين. فصار طلبهم لانزال الملائكة تعجيلا لانفسهم بالهلاك والدمار. فان ان الايمان ليس في ايديهم وانما هو بيد الله. ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى. وحشرنا عليهم كل شيء قبل لما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون. ويكفيهم من الايات ان كانوا صادقين. هذا القرآن العظيم ولهذا قال هنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون انا نحن نزلنا الذكر اي القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة. وفيه يتذكر من اراد التذكر اي في حال انزاله وبعد انزاله ففي حال انزاله حافظون له من استراحة كل شيطان رجيم. وبعد انزاله اودعه الله في قلب رسوله. واستودعه فيها ثم في قلوب امته. وحفظ الله الفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ومعانيه من التبديل. فلا يحرف محرف معنى من معانيه. الا وقيض الله له من يبين الحق المبين هذا من اعظم ايات الله ونعمه على عباده المؤمنين. ومن حفظه ان الله يحفظ اهله من اعدائهم. ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الاولين اي فرقهم وجماعتهم رسلا وما يأتيه من رسول يدعوهم الى الحق والهدى كذلك نسلكه في قلوب المجرمين. كذلك نسلكه اي ندخل التكذيب اي الذين وصفهم الظلم والبهت عاقبناهم لما اشتبهت قلوبهم بالكفر والتكذيب تشابه معاملتهم لانبيائهم ورسلهم بالاستهزاء والسخرية وعدم الايمان. ولهذا قال لا يؤمنون به وقد خلت اي عادة الله فيهم باهلاك من لم يؤمن بايات الله انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم اي ولو جاءتهم كل اية عظيمة لم يؤمنوا وكابروا ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فصاروا يعرجون فيه ويشاهدونه عيانا بانفسهم. لقالوا من ظلمهم وعنادهم منكرين لهذه الاية. انما سكرت ابصارنا اصابها سكر وغشاوة حتى رأينا ما لم نرى. اي ليس هذا بحقيقة بل هذا سحر وقوم وصلت بهم الحال الى هذا الانكار. فانه لا مطمع فيهم ولا رجاء. ثم ذكر الايات الدالات على ما جاءت به الرسل من الحق فقال يقول تعالى مبينا كما لاقتداره ورحمته بخلقه. ولقد جعلنا في السماء بروجا اي نجوما كالابراج والاعلام يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. فانه لولا النجوم لما كان للسماء هذا المنظر البهي والهيئة العجيبة. وهذا مما يدعو الناظرين الى التأمل فيها. والنظر في معانيها والاستدلال بها الاباريها وحفظناها من كل شيطان رجيم. اذا استرق السمع اتبعته الشهب الثواقب. فبقي السماء ظاهرها مجملا بالنجوم النيرات. وباطنها محروسا ممنوعا من الافات اتبعه شهاب مبين. الا من استرق السمع اي في بعض الاوقات. قد يسترق بعض الشياطين السمع بخفية واختلاس اتبعه شهاب مبين. اي بين منير يقتله او يخبله. فربما ادركه الشهاب قبل ان ان يوصلها الشيطان الى وليه. فينقطع خبر السماء عن الارض. وربما القاها الى وليه قبل ان يدركه الشهاب. فيضمها ويكذب معها مائة كذبة ويستدل بتلك الكلمة التي سمعت من السماء. والارض مددناها والقينا فيها رواسي والارض مددناها اي وسعناها سعة يتمكن ادميون والحيوانات كلها على الامتداد بارجائها. والتناول من ارزاقها والسكون في نواحيها. والقينا فيها رواسب اي جبالا عظاما تحفظ الارض باذن الله ان تميد. وتثبتها ان تزول اي نافع متقوم يضطر اليه العباد والبلاد ما بين نخيل واعناب واصناف اشجار وانواع النبات. وجعلنا لكم فيها معايش. ومن لستم له برازقين وجعلنا لكم فيها معايش من الحرث ومن الماشية ومن انواع المكاسب والحرف اي انعمنا عليكم بعبيد واماء وانعام لنفعكم ومصالحكم وليس عليكم رزقها بل خولكم الله اياها تكفل بارزاقها اي جميع الارزاق واصناف الاقدار لا يملكها احد الا الله. فخزائنها بيده يعطي من يشاء ويمنع من يشاء بحسب حكمته ورحمته الواسعة. وما ننزله اي المقدر من كل شيء من مطر وغيره الا بقدر معلوم. فلا يزيد على ما قدره الله ولا ينقص منه فاسقيناكم اي وسخرنا الرياح رياح الرحمة تلقح السحاب كما يلقح الذكر الانثى فينشأ عن ذلك الماء باذن الله فيسقيه الله العباد ومواشيهم وارضهم. ويبقى في الارض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم. ما هو اقتضى قدرته ورحمته. اي لا قدرة لكم على خزنه وادخاره. ولكن الله يخزنه لكم ويسلكه ينابيع في الارض رحمة بكم واحسانا اليكم. وانا لنحن نحيي ونميت الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ربك هو يحشرهم انه حكيم عليم. اي هو وحده لا شريك له الذي يحيي الخلق من العدم بعد ان لم يكونوا شيئا مذكورا. ويميتهم لاجالهم التي قدرها كقوله انا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون. وليس ذلك بعزيز ولا ممتنع على الله. فانه تعالى يعلم المستقدمين من الخلق والمستأخرين منهم. ويعلم ما تنقص الارض منهم. وما تفرق من اجزائهم. وهو الذي قدرته لا يعجزها معجز. فيعيد عباده خلقا جديدا ويحشرهم اليه. انه حكيم عليم. انه حكيم يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها. ويجازي كل عامل بعمله. ان خيرا فخير وان شرا فشر. ولقد قد خلقنا الانسان من صلصال من حمئ مسنون يذكر تعالى نعمته واحسانه على ابيه ادم عليه السلام وما جرى من عدوه ابليس. وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته. فقال تعالى ولقد خلقنا اي ادم عليه السلام اي من طين قد يبس بعدما خمر حتى صار له صلصلة وصوت كصوت الفخار والحمأ المسنون. الطين المتغير لونه وريحه من طول مكثه خلقناه من قبل من نار السماء. والجان وهو ابو الجن اي ابليس خلقناه من قبل خلق ادم من نار السموم. اي من النار الشديدة الحرارة. فلما اراد الله وادم قال للملائكة اني خالق بشر فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعودا فاذا سويته جسدا تاما ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فامتثلوا امر ربهم فسجد الملائكة كلهم اجمعون. تأكيد بعد تأكيد ليدل على انه لم يتخلف منهم احد وذلك تعظيما لامر الله واكراما لادم حيث علم ما لم يعلموا. الا ابليس ابى ان يكون مع الساجدين. وهذه اول عداوته لادم وذريته. قال الله قال لم اكن لاسجد لبشر خلقتهم فاستكبر على امر الله وابدى العداوة لادم وذريته. واعجب بعنصره وقال انا خير من ادم. قال الله معاقبا له على كفره واستكباره. قال فاخرج منها فانك رجيم اي مطرود مبعد من كل خير. وان عليك اللعنة اي الذم والعيب والبعد عن رحمة الله. ففيها وما اشبهها دليل على انه سيستمر على كفره وبعده من الخير. قال ربي انظرني اي امهلني الى يوم يبعثون وليس اجابة الله لدعائه كرامة في حقه. وانما ذلك امتحان وابتلاء من الله له وللعباد. ليتبين الصادق الذي يطيع الله دون عدوه ممن ليس كذلك. ولذلك حذرنا منه غاية التحذير. وشرح لنا ما يريده منا ليتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين. اي ازين لهم الدنيا وادعوهم الى اثارها على الاخرة حتى يكونوا منقدين لكل معصية اي اصدهم كلهم عن الصراط المستقيم. الا عبادك منهم المخلصين. اي الذين اخلصتهم بيتهم لاخلاصهم وايمانهم وتوكلهم. قال الله تعالى اي معتدل موصل الي والى دار كرامتي ان عبادي ليس لك عليهم سلطان تميلهم به الى ما تشاء من انواع الضلالات. بسبب لربهم وانقيادهم لاوامره. اعانهم الله وعصمهم من الشيطان. الا من اتبعك فرضي بولايتك وطاعتك بدلا من طاعة الرحمن من الغاويين والغاوي ضد الراشد. فهو الذي عرف الحق وتركه. والضال الذي تركه ومن غير علم منه به. اي ابليس وجنوده لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء لها سبعة ابواب. كل باب اسفل من الاخر. لكل باب منهم اي من اتباع ابليس. جزء بحسب اعمالهم قال الله تعالى فكبكبوا فيها هم الغاوون وجنود ابليس اجمعون. ولما ذكر تعالى ما لاعدائه اتباع ابليس من النكال والعذاب الشديد. ذكر ما اعد لاوليائه من الفضل العظيم. والنعيم المقيم. فقال