المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم يقول تعالى مقربا لما وعد به محققا لوقوعه. اتى امر الله فلا تستعجلوه فانه ات وما هو ات فانه قريب. سبحانه وتعالى عما يشركون من نسبة الشريك والولد والصاحبة. والكفء وغير ذلك مما نسبه اليه المشركون مما لا يليق بجلاله او ينافي كماله. ولما نزه نفسه عما وصفه به اعداءه ذكر الوحي الذي ينزله على انبيائه مما يجب اتباعه في ذكر ما ينسب لله من صفات الكمال. فقال ينزل الملائكة بالروح من امره اي بالوحي الذي به حياة الارواح على من يشاء من عباده ممن يعلمه صالحا لتحمل رسالته. وزبدة دعوة المرسلين كلهم ومدارها على قوله ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون. اي على معرفة الله تعالى وتوحده في صفات العظمة. التي هي صفات الالوهية وعبادته وحده لا شريك له. فهي التي انزل الله بها كتبه ارسل رسله وجعل الشرائع كلها تدعو اليها وتحث وتجاهد من حاربها وقام بضدها. ثم ذكر الادلة والبراهين على ذلك فقال خلق السماوات والارض بالحق تعالى عما يشركون. هذه السورة تسمى سورة النعم فان الله ذكر في اولها اصول النعم وقواعدها. وفي اخرها متمماتها ومكملاتها. فاخبر انه خلق السماوات والارض بالحق ليستدل فيها العباد على عظمة خالقهما. وما له من نعوت الكمال. ويعلم انه خلقهما مسكنا لعباده الذين يعبدونه. بما يأمرهم به من الشرائع التي انزلها على السنة رسله. ولهذا نزه نفسه عن شرك المشركين به فقال تعالى عما يشركون. اي تنزه وتعاظم عن شركهم فانه الاله حقا. الذي لا تنبغي العبادة والحب والذل الاله تعالى. ولما ذكر خلق السماوات والارض ذكر خلق ما فيهما وبدأ باشرف ذلك وهو الانسان فقال خلق الانسان من نطفة لم يزل يدبرها ويرقيها وينميها. حتى صارت بشرا تاما. كاملا الاعضاء الظاهرة والباطنة قد غمره بنعمه الغزيرة. حتى اذا استتم فخر بنفسه واعجب بها. فاذا هو خصيم مبين. يحتمل وان المراد فاذا هو خصيم لربه يكفر به ويجادل رسله. ويكذب باياته. ونسي خلقه الاول. وما انعم الله عليه به من النعم فاستعان بها على معاصيه ويحتمل ان المعنى ان الله انشأ الادمي من نطفه ثم لم يزل ينقله من طور الى طور حتى صار متكلما ذا ذهن ورأي يخاصم ويجادل فليشكر العبد ربه الذي اوصله الى هذه الحال التي ليس في امكانه القدرة على شيء منها والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون الانعام خلقها لكم اي لاجلكم ولاجل منافعكم ومصالحكم من جملة منافعها العظيمة ان لكم فيها دفء مما تتخذون من واوبارها واشعارها وجلودها من الثياب والفرش والبيوت. ولكم فيها منافع غير ذلك. ومنها تأكلون. ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون. اي في وقت راحتها وسكونها ووقت حركتها وسرحها ذلك ان جمالها لا يعود اليها منه شيء. فانكم انتم الذين تتجملون بها كما تتجملون بثيابكم واولادكم واموالكم. وتعجبون لذلك وتحمل اثقالكم من الاحمال الثقيلة بل وتحملكم انتم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس. ولكن الله ذللها لكم. فمنها ما تركبونه ومنها ما تحملون عليه ما تشاؤون من الاثقال الى البلدان البعيدة والاقصى الشاسعة ان ربكم لرؤوف رحيم. اذ سخر لكم ما تضطرون اليه وتحتاجونه. فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وسعة جوده وبره والخيل والبغال والحمير سخرناها لكم لتركبوها وزينة اي تارة تستعملونها للضرورة في الركوب وتارة للجمال والزينة ولم يذكر الاكل. لان البغال والحمر محرم اكلها. والخيل لا تستعمل في الغالب للاكل. بل ينهى عن ذبحها لاجل الاكل خوفا من انقطاعها والا فقد ثبت في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم اذن في لحوم الخيل ويخلق ما لا تعلمون مما يكون بعد نزول في القرآن من الاشياء التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو. ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم. فانه لم يذكرها باعيانها. لان الله تعالى لا يذكر في كتابه الا ما يعرفه العباد. او يعرفون نظيره. واما ما ليس له نظير فانه لو ذكر لم يعرفوه. ولم يفهموا المراد منه يذكر اصلا جامعا يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون. كما ذكر نعيم الجنة وسمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره. كالنخل والاعناب والرمان واجمل ما لا نعرف له نظيرا في قوله فيهما من كل فاكهة زوجان. فكذلك هنا ذكر ما نعرفه من المراكب كالخيل والبغال والحمير والابل والسفن واجمل الباقي في قوله ويخلق ما لا تعلمون. ولما ذكر تعالى الطريق الحسي وان الله قد جعل للعباد ما به من الابل وغيرها ذكر الطريق المعنوي الموصل اليه فقال وعلى الله قصد السبيل ومنها جن ولو شاء لهداكم اجمعين. وعلى الله قصد السبيل اي الصراط المستقيم الذي هو اقرب الطرق واخسرها موصل الى الله. واما الطريق الجائر في عقائده واعماله. وهو كل ما خالف الصراط المستقيم وقاطع عن الله موصل الى دار الشقاء. فسلك المهتدون الصراط المستقيم باذن ربهم. وضل الغاوون عنه وسلكوا الطرق الجائرة لو شاء لهداكم اجمعين. ولكنه هدى بعضا كرما وفضلا. ولم يهد اخرين حكمة منه وعدلا ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيب ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون بذلك على كمال قدرة الله الذي انزل هذا الماء من السحاب الرقيق اللطيف. ورحمته حيث جعل فيه ماء غزيرا منه يشربون. وتشرب مواشيهم منه حروفهم فتخرج لهم الثمرات الكثيرة والنعم الغزيرة والنجوم مسخرة بامره ان في ذلك لايات لقوم يعقلون اي لكم هذه الاشياء لمنافعكم وانواع مصالحكم. بحيث لا تستغنون عنها ابدا. فبالليل تسكنون وتنامون وتستريحون. وبالنهار تنتشر في معايشكم ومنافع دينكم ودنياكم وبالشمس والقمر من الضياء والنور والاشراق واصلاح الاشجار والثمار والنبات وتجفيف الرطوبات وازالة البرودة الضارة للارض والابدان. وغير ذلك من الضروريات والحاجيات التابعة لوجود الشمس والقمر. وفيهما وفي النجوم من زينة للسماء والهداية في ظلمات البر والبحر. ومعرفة الاوقات وحساب الازمنة ما تتنوع دلالاتها وتتصرف اياتها ولهذا جمعها في قوله ان في ذلك لايات لقوم يعقلون. اي لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر. فيما هي مهيئة مستعدة تعقل ما تراه وتسمعه. لا كنظر الغافلين الذين حظهم من النظر حظ البهائم التي لا عقل لها اي فيما ذرأ الله ونشرا للعباد من كل ما على وجه الارض من حيوان واشجان ونبات وغير ذلك. مما تختلف الوانه وتختلف منافعه. اية على كمال قدرة الله وعميم احسانه وسعة بره. وانه الذي لا تنبغي العبادة الا له وحده لا شريك له. لقوم يتذكرون ان في ذاكرتهم ما ينفعهم من العلم النافع. ويتأملون ما دعاهم الله الى التأمل فيه. حتى يتذكروا بذلك ما هو دليل عليه وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها اي هو وحده لا شريك له الذي سخر البحر وهيأه لمنافعكم المتنوعة. لتأكلوا منه لحما طريا. وهو السمك والحوت الذي يصطادونه منه. وتستخرجوا منه حلية تلبسونها فتزيدكم جمالا وحسنا الى حسنكم. وترى الفلك اي السفن والمراكب مواخر فيه. اي تنخر البحر العجاج الهائلة بمقدمها حتى تسلك فيه من قطر الى اخر. تحمل المسافرين وارزاقهم وامتعتهم وتجاراتهم. التي يطلبون بها الارزاق فضل الله عليهم. ولعلكم تشكرون الذي يسر لكم هذه الاشياء وهيأها. وتثنون على الله الذي من بها. فلله تعالى الحمد والشكر سناء حيث اعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم فوق ما يطلبون واعلى مما يتمنون واتاهم من كل ما سألوه لا نحصي ثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه والقى في الارض رواسي ان تميد بكم وانهارا وسبلا لعلكم تهتدون اي والقى الله تعالى لاجل عباده في الارض رواسي. وهي الجبال العظام لا تميد بهم وتضطرب بالخلق. فيتمكنون من حرث الارض والبناء والسير عليها. ومن رحمته تعالى ان جعل فيها انهارا. يسوقها من ارض بعيدة الى ارض مضطرة اليها لسقيهم وسقي مواشيهم وحروفهم انهارا على وجه الارض وانهارا في بطنها يستخرجونها بحفرها حتى يصلوا اليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والالات ونحوها. ومن رحمته ان جعل في الارض سبلا اي طرقا توصل الى الديار للمتناهية لعلكم تهتدون السبيل اليها. حتى انك تجد ارضا مشتبكة بالجبال مسلسلة فيها. وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين