المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يخبر تعالى عن مشركين المكذبين لرسوله انهم اقسموا بالله جهد ايمانهم اي حلفوا ايمانا مؤكدة مغلظة على تكذيب الله وان الله لا يبعث ولا يقدر على احيائهم بعد ان كانوا ترابا. قال تعالى مكذبا لهم بلى سيبعثهم ويجمعهم ليوم لا ريب فيه. وعدا عليه حق لا يخلفه ولا يغيره. ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ومن جهلهم العظيم انكارهم للبعث والجزاء. ثم ذكر الحكمة في الجزاء والبعث فقال كانوا كاذبين. انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون ليبين لهم الذي يختلفون فيه من المسائل الكبار والصغار. فيبين حقائقها ويوضحها. وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين حين يرون اعمالهم حسرات عليهم. وما نفعتهم الهتهم التي يدعون مع الله من شيء لما جاء امر ربك وحين يرون ما يعبدون حطبا لجهنم وتكور الشمس والقمر وتتناثر النجوم ويتضح لمن يعبدها انها عبيد مسخرات انهن مفتقرات الى الله في جميع الحالات. وليس ذلك على الله بصعب ولا شديد. فانه اذا اراد شيئا قال له كن فيكون. من غير منازعة ولا امتناع بل يكون على طبق ما اراده وشاءه والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوءنهم في الدنيا حسنة يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين الذين هاجروا في الله اي في سبيله وابتغاء مرضاته. من بعد ما ظلموا بالاذية والمحنة من قومهم. الذين يفتنونهم ليردوهم الى الكفر والشرك. فتركوا الاوطان والخلان وانتقلوا عنها لاجل طاعة الرحمن. فذكر لهم ثوابين ثوابا عاجلا في الدنيا من الرزق الواسع والعيش الهنيء. الذي رأوه عيانا بعدما هاجروا وانتصروا على اعدائهم وافتتحوا البلدان وغنموا منها الغنائم العظيمة. فتمولوا واتاهم الله في الدنيا حسنة. ولاجر الاخرة الذي وعدهم الله على لسان رسوله اكبر من اجر الدنيا. كما قال الله تعالى الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون. يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها ابدا. ان الله عنده اجر عظيم. وقوله لو كانوا يعلمون. اي لو كان لهم علم ويقين بما عند الله من الاجر والثواب لمن امن به وهاجر في سبيله لم يتخلف عن ذلك احد. ثم ذكر وصف اوليائه فقال الذين صبروا على اوامر الله وعن نواهيه وعلى اقدار الله وعلى الاذية فيه والمحن وعلى ربهم يتوكلون. ان يعتمدون عليه في تنفيذ محابه لا على انفسهم. وبذلك تنجح وامورهم وتستقيم احوالهم. فان الصبر والتوكل ملاك الامور كلها. فما فات احدا شيء من الخير الا لعدم صبره وبذل جهد فيما اريد منه او لعدم توكله واعتماده على الله وانزلنا اليك الذكر يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وما ارسلنا من قبلك الا رجالا. اي لست ببدع من الرسل. فلم نرسل قبلك ملائكة بل رجالا كاملين انسة نوحي اليهم من الشرائع والاحكام ما هو من فضله واحسانه على العبيد. من غير ان يأتوا بشيء من قبل انفسهم. فاسألوا اهل الذكر اي الكتب السابقة ان كنتم لا تعلمون نبأ الاولين وشككتم هل بعث الله رجالا؟ فاسألوا اهل العلم بذلك الذين نزلت عليهم الزبر قوى البينات فعلموها وفهموها. فانهم كلهم قد تقرر عندهم ان الله ما بعث الا رجالا يوحي اليهم من اهل القرى. وعموم هذه في الاية فيها مدح اهل العلم. وان اعلى انواعه العلم بكتاب الله المنزل. فان الله امر من لا يعلم بالرجوع اليهم في جميع الحوادث وفي ضمنه تعديل لاهل العلم وتزكية لهم. حيث امر بسؤالهم وان بذلك يخرج الجاهل من التبعة. فدل على ان الله ائتمنهم على وحيه تنزيله وانهم مأمورون بتزكية انفسهم والاتصاف بصفات الكمال. وافضل اهل الذكر اهل هذا القرآن العظيم. فانهم اهل الذكر على الحقيقة واولى من غيرهم بهذا الاسم. ولهذا قال الله تعالى وانزلنا اليك الذكر. اي القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج اليه العباد من امور دين ودنياهم الظاهرة والباطنة لتبين للناس ما نزل اليهم. وهذا شامل لتبيين الفاظه وتبيين معانيه. ولعلهم يتفكرون فيه فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم واقبالهم عليه ان يخسف الله بهم الارض او يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون او يأخذهم في تقلبهم هذا تخويف من الله تعالى لاهل الكفر والتكذيب وانواع المعاصي. من ان يأخذهم بالعذاب على غرة وهم لا يشعرون. اما ان يأخذهم العذاب من فوقهم او من اسفل منهم بالخسف وغيره. واما في حال تقلبهم وشغلهم. وعدم خطور العذاب ببالهم. واما في حال تخوفهم من عذاب فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الاحوال. بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده. ولكنه رؤوف رحيم لا يعاجل حصينا بالعقوبة بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم. وهم يؤذونه ويؤذون اولياءه. ومع هذا يفتح لهم ابواب التوبة. ويدعوهم الى الاقلاع من السيئات التي تضرهم. ويعدهم بذلك افضل الكرامات ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب. فليستحي المجرم من ربه ان تكون نعم الله عليه في نازلة في جميع اللحظات ومعاصيه صاعدة الى ربه في كل الاوقات. وليعلم ان الله يمهل ولا يهمل. وانه اذا اخذ العاصي اخذه عزيز مقتدر فليتب اليه وليرجع في جميع اموره اليه. فانه رؤوف رحيم. فالبدار البدار الى رحمته الواسعة وبره العميم وسلوك الطرق الموصلة الى فضل الرب الرحيم. الا وهي تقواه والعمل بما يحبه ويرضاه يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمال يقول تعالى اولم اي الشكون في توحيد ربهم وعظمته وكماله الى ما خلق الله من شيء اي الى جميع مخلوقاته وكيف تتفيأ اظلتها عن وعن الشمائل سجدا لله. اي كلها ساجدة لربها خاضعة لعظمته وجلاله وهم داخرون. اي ذليلون تحت التسخير التدبير والقهر ما منهم احد الا وناصيته بيد الله وتدبيره عنده والملائكة والملائكة وهم لا يستكبرون. ولله يسجد ما في السماوات وما في الارض من دابة. من الحيوانات الناطقة والصامتة. والملائكة الكرام خصهم بعد العموم لفضلهم وشرفهم وكثرة عبادتهم. ولهذا قال وهم لا يستكبرون. اي عن عبادته على كثرة وعظمة اخلاقهم وقوتهم. كما قال الله تعالى لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون يخافون ربهم من لما مدحهم بكثرة الطاعة والخضوع لله مدحهم بالخوف من الله الذي هو فوقهم بالذات والقهر. وكمال الاوصاف فهم اذلاء تدبيره ويفعلون ما يؤمرون اي مهما امرهم الله تعالى امتثلوا لامره طوعا واختيارا. وسجود المخلوقات لله تعالى قسمان سجود اضطرار ودلالة على ما له من صفات الكمال. وهذا عام لكل مخلوق. من مؤمن وكافر وبر وفاجر. وحيوان ناطق وغير وسجود اختيار يختص باوليائه وعباده المؤمنين من الملائكة وغيرهم من المخلوقات وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد فاياي فارهبون. يأمر تعالى بعبادته وحده لا شريك له. ويستدل على ذلك بانفراده بالنعم والوحدانية. فقال لا تتخذوا الهين اثنين اي تجعلون له شريكا في الهيته وهو انما هو اله واحد. متوحد في الاوصاف العظيمة. متفرد بالافعال كلها. فكما انه الواحد في ذاته واسمائه ونعوته وافعاله. فلتوحدوه في عبادته. ولهذا قال فاياي فارهبون. اي خافوني وامتثلوا امري واجتنبوا نهي من غير ان تشركوا بي شيئا من المخلوقات فانها كلها لله تعالى مملوكة في الارض وله الدين واصبا افغير الله تتقون. وله ما في السماوات والارض وله الدين واصبا. اي الدين والعبادة باتت والذل في جميع الاوقات لله وحده على الخلق ان يخلصوه لله وينصبغوا بعبوديته. افغير الله تتقون من اهل الارض او اهل السماوات فانهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا. والله المتفرد بالعطاء والاحسان وما بكم من نعمة ظاهرة وباطنة من الله لا احد يشركه فيها. ثم اذا مسكم الضر من فقر ومرض وشدة فاليه تجأرون. اي تضجون بالدعاء والتضرع لعلمكم انه لا يدفع الضر والشدة الا هو. فالذي انفرد باعطائكم ما تحبون. وصرف ما تكرهون هو الذي لا تنبغي العبادة الا له واحدة ولكن كثيرا من الناس يظلمون انفسهم ويجحدون نعمة الله عليهم اذا نجاهم من الشدة فصاروا في حال الرخاء. اشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة ولهذا قال ليكفروا بما اتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ليكفروا بما اتيناهم اي اعطيناهم حيث نجيناهم من الشدة وخلصناهم من المشقة فتمتعوا في دنياكم قليلا فسوف تعلمون عاقبة كفركم