ينزه تعالى نفسه المقدسة ويعظمها لان له الافعال العظيمة والمنن الجسيمة التي من جملتها انه اسرى بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام الذي هو اجل المساجد على الاطلاق الى المسجد الاقصى الذي هو من المساجد الفاضلة. وهو محل الانبياء. فاسري به في ليلة واحدة الى مسافة بعيدة جدا ورجع في ليلته. واراه الله من اياته. ما ازداد به هدى وبصيرة. وثباتا وفرقانا المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم باركنا حوله لنريه من اياتنا انه هو السميع وهذا من اعتنائه تعالى به ولطفه. حيث يسره لليسرى في جميع اموره. وخوله نعما فاق بها الاولين والاخرين وظاهر الاية ان الاسراء كان في اول الليل وانه من نفس المسجد الحرام. لكن ثبت في الصحيح انه اسري به من بيت امي هانئ فعلى هذا تكون الفضيلة في المسجد الحرام لسائر الحرم. فكله تضاعف فيه العبادة كتضاعفها في نفس مسجد وان الاسراء بروحه وجسده معا. والا لم يكن في ذلك اية كبرى. ومنقبة عظيمة. وقد تكاثرت الاحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاسراء. وذكر تفاصيل ما رأى انه اسري به الى بيت المقدس. ثم عرج به منه هناك الى السماوات حتى وصل الى ما فوق السماوات العلا ورأى الجنة والنار والانبياء على مراتبهم وفرض الله عليه الصلوات خمسين. ثم ما زال يراجع ربه باشارة موسى الكليم. حتى صارت خمسا في الفعل وخمسين في الاجر والثواب وحاز من المفاخر تلك الليلة هو وامته ما لا يعلم مقداره الا الله عز وجل. وذكره هنا وفي مقام الانزال للقرآن ومقام التحدي بصفة العبودية لانه نال هذه المقامات الكبار بتكميله لعبودية ربه وقوله الذي باركنا حوله اي بكثرة الاشجار والانهار والخصب الدائم. ومن بركته تفضيله على غيره في من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة. وانه يطلب شد الرحل اليه للعبادة والصلاة فيه. وان الله اختصه محله لكثير من انبيائه واصفيائه كثيرا ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم وبين كتابيهما وشريعتيهما. لان كتابيهما افضل الكتب وشريعتيهما اكمل الشرائع ونبوتيهما اعلى النبوات. واتباعهما اكثر المؤمنين. ولهذا قال هنا فاتينا موسى الكتاب الذي هو التوراة وجعلناه هدى لبني اسرائيل يهتدون به في ظلمات الجهل الى العلم بالحق اي وقلنا لهم ذلك وانزلنا اليهم الكتاب لذلك ليعبدوا الله وحده وينيبوا اليه ويتخذوه وحده وكيلا ومدبرا لهم في امر دينهم ودنياهم. ولا يتعلق بغيره من المخلوقين. الذين لا يملكون شيئا ولا ينفعونهم بشيء ان يا ذرية من من عليهم وحملناهم مع نوح. ففيه التنويه بالثناء على نوح عليه السلام بقيامه بشكر الله واتصافه بذلك. والحث لذريته ان يقتدوا به في شكره يتابعوه عليه وان يتذاكروا نعمة الله عليهم. اذ ابقاهم واستخلفهم في الارض واغرق غيرهم وقضينا الى بني اسرائيل اي تقدمنا وعهدنا اليهم واخبرناهم في كتابهم انهم لابد ان يقع منهم افساد في الارض مرتين بعمل المعاصي والبطر لنعم الله والعلو في الارض والتكبر فيها وانه اذا وقع واحدة منهما الله عليهم الاعداء وانتقم منهم وهذا تحذير لهم وانذار. لعلهم يرجعون فيتذكرون فاذا جاء وعد اولاهما في اولى المرتين اللتين يفسدون فيهما اي اذا وقع منهم ذلك الفساد بعثنا عليكم بعثا قدريا وسلطنا عليكم تسليطا كونيا جزائيا عبادا لنا اولي بأس شديد. اي ذوي شجاعة وعدد وعدة فنصرهم الله عليكم فقتلوه هم وسبوا اولادكم ونهبوا اموالكم. فجاسوا خلال الديار وهتكوا الدور ودخلوا المسجد الحرام وافسدوه. وكان وعدا مفعول لابد من وقوعه لوجود سببه منهم. واختلف المفسرون في تعيين هؤلاء المسلطين. الا انهم اتفقوا على انهم قوم كفار اما من اهل العراق او الجزيرة او غيرها. سلطهم الله على بني اسرائيل لما كثرت فيهم المعاصي وتركوا كثيرا من شريعتهم وطغوا في الارض ثم رددنا لكم الكرة عليهم اي على هؤلاء الذين سلطوا عليكم فاجليتموهم من دياركم وامددناكم باموال وبنين. اي اكثرنا ارزاقكم وكثرناكم وقويناكم عليهم. وجعلناكم اكثرنا كثيرا منهم وذلك بسبب احسانكم وخضوعكم لله وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوا ان احسنتم احسنتم لانفسكم لان ان النفع عائد اليكم حتى في الدنيا كما شاهدتم من انتصاركم على اعدائكم. وان اسأتم فلها اي فلانفسكم يعود الضرر كما اراكم الله من تسليط الاعداء. فاذا جاء وعد الاخرة اي المرة الاخرة التي تفسدون فيها في الارض. سلطنا عليكم الاعداء ليسوءوا وجوهكم بانتصارهم عليكم وسبيكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة. والمراد بالمسجد مسجد بيت المقدس وليتبروا ان يخربوا ويدمروا ما علوا عليه تتبيرا. فيخربوا بيوتكم ومساجدكم انما للكافرين حصيرا. عسى ربكم ان يرحمكم فيديل لكم الكرة عليهم. فرحمهم جعل لهم الدولة وتوعدهم على المعاصي فقال وان عدتم الى الافساد في الارض عدنا الى عقوبتكم فعادوا لذلك سلط الله عليهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم. فانتقم الله به منهم فهذا جزاء الدنيا. وما عند الله من النكال اعظم واشنع ولهذا قال يصلونها ويلازمونها لا يخرجون منها ابدا. وفي هذه الايات التحذير لهذه الامة من العمل بالمعاصي الا يصيبهم ما اصاب بني اسرائيل. فسنة الله واحدة لا تبدل ولا تغير. ومن نظر الى تسليط الكفرة والظلمة على المسلمين عرف ان ذلك من اجل ذنوبهم عقوبة لهم وانهم اذا اقاموا كتاب الله وسنة رسوله مكن الله لهم في الارض نصرهم على اعدائهم ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. ويبشر المؤمنين الذين يعملون يخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته وانه ويهدي للتي هي اقوم. اي اعدل واعلى من العقائد والاعمال والاخلاق. فمن اهتدى بما يدعو اليه القرآن. كان اكمل الناس واقومهم واهداهم في جميع الامور. ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات من الواجبات والسنن اعده الله لهم في دار كرامته لا يعلم وصفه الا هو فالقرآن مشتمل على البشارة والنذارة وذكر الاسباب التي تنال بها البشارة وهو الايمان والعمل الصالح. والتي تستحق بها النذارة وهو ضد ذلك وكان وهذا من جهل الانسان وعجلته. حيث يدعو على نفسه واولاده بالشر عند الغضب. ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير. ولكن الله بلطفه يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر. ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي اليهم اجلهم اية الليل وجعلنا اية النهار مبصرة لتبتغوا لتبتغوا فضلا وكل شيء تفصيلا. يقول تعالى وجعلنا الليل والنهار ايتين. اي دالتين على كمال قدرة الله وسعة رحمته انه الذي لا تنبغي العبادة الاله. فمحونا اية الليل اي جعلناه مظلما للسكون فيه والراحة. وجعلنا اية اهالي مبصرة اي مضيئة لتبتغوا فضلا من ربكم. في معايشكم وصنائعكم وتجاراتكم واسفاركم اعلموا بتوالي الليل والنهار. واختلاف القمر عدد السنين والحساب. فتبنون عليها ما تشاؤون من مصالحكم اي بينا الايات وصرفناها لتتميز الاشياء ويتبين الحق من الباطل كما قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء في عنقه. ونخرج له يوم القيامة وهذا اخبار عن كمال عدله. ان كل انسان يلزمه طائره في عنقه. اي ما عمل من خير وشر يجعله الله ملازما له لا يتعداه الى غيره فلا يحاسب بعمل غيره. ولا يحاسب غيره بعمله فيه عمله من الخير والشر حاضرا صغيره قوة كبيرة ويقال له وهذا من اعظم العدل والانصاف. ان يقال للعبد حاسب نفسك ليعرف ما عليه من الحق الموجب للعقاب ولا تزر وازرة وزر اخرى وما كنا معذبين حتى نبقى بعث رسولا اي هداية كل احد وضلاله لنفسه. ولا يحمل احد ذنب احد ولا يدفع عنه مثقال ذرة من الشرق والله تعالى اعدل العادلين لا يعذب احدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة واما من للحجة او لم تبلغه حجة الله تعالى فان الله تعالى لا يعذبه. استدل بهذه الاية على ان اهل الفترات واطفال المشركين لا يعذبهم الله حتى يبعث اليهم رسولا لانه منزه عن الظلم