المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمضنا يخبر تعالى انه اذا اراد ان يهلك قرية من القرى الظالمة ويستأصلها بالعذاب امر مترفيها امرا قدريا ففسقوا فيها واشتدت طغيانهم. فحق عليها القول اي كلمة العذاب التي لا مرد لها وكم اهلكنا من وهؤلاء امم كثيرة ابادهم الله بالعذاب. من بعد قوم نوح كعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم. من عاقبهم الله لما كثر بغيهم واشتد كفرهم انزل الله بهم عقابه العظيم فلا يخافون منه ظلما وانه يعاقبهم على ما عملوه يخبر تعالى ان من كان يريد العاجلة اي دنيا المنقضية الزائلة فعمل لها وسعى ونسي المبدأ والمنتهى ان الله يعجل له من حطامها ومتاعها ما يشاءه ويريده مما كتب له في اللوح المحفوظ. ولكنه متاع غير نافع ولا دائم له. ثم يجعل له في الاخرة جهنم اما يصلاها اي يباشر عذابها. اي في حالة الخزي والفضيحة والذم من الله ومن خلقه والبعد عن رحمة الله فيجمع له العذاب والفضيحة وهؤلاء من عطاء ربك وما كان ومن اراد الاخرة فرضيها واثرها على الدنيا وسعى لها سعيها الذي دعت اليه الكتب السماوية والاثار النبوية. فعمل بذلك على قدر امكانه وهو مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله اليوم الاخر اي مقبولا منمى مدخرا اجرهم وثوابهم عند ربهم. ومع هذا فلا يفوتهم نصيبهم من الدنيا. فكلا يمده الله منها لانه عطاؤه اي ممنوعا من احد بل جميع الخلق راكعون بفضله واحسانه انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض في الدنيا بسعة الارزاق وقلتها واليسر والعسر والعلم والجهل والعقل والسفه. وغير ذلك من الامور التي فضل الله العباد بعضهم على بعض بها فلا نسبة لنعيم الدنيا ولذاتها الى الاخرة وجه من الوجوه فكم بين من هو في الغرف العاليات واللذات المتنوعات والسرور والخيرات والافراح ممن هو يتقلب في الجحيم يعذب بالعذاب الاليم. وقد حل عليه سخط الرب الرحيم. وكل من الدارين بين اهلها من التفاوت. ما لا يمكن احدا عده لا تجعل مع الله اله اخر فتقعد مذموما مخدولا اي لا تعتقد ان احدا من المخلوقين يستحق شيئا من العبادة. ولا تشرك بالله احدا منهم فان ذلك داع للذم والخذلان الله وملائكته ورسله قد نهوا عن الشرك وذموا من عمله اشد الذنب ورتبوا عليه من الاسماء المذمومة والاوصاف المقبولة ما كان به متعاطيه اشنع الخلق وصفا واقبحهم نعتا وله من الخذلان في امر دينه ودنياه بحسب ما تركه من التعلق بربه. فمن تعلق بغيره فهو مخذول. قد وكل الى من تعلق به. ولا احد من الخلق ينفع احدا الا باذن الله كما ان من جعل مع الله الها اخر له الذم والخذلان. فمن وحده واخلص دينه لله وتعلق به دون غيره فانه محمود معان في جميع احواله وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما فلا تقل لهما وقل لهما قولا كريما. لما نهى تعالى عن الشرك به امر بالتوحيد فقال وقضى ربك قضاء دينيا وامرا شرعيا الا تعبدوا احدا من اهل الارض والسماوات الاحياء والاموات الا اياه لانه الواحد الاحد الفرد الصمد الذي له كل صفة كمال وله من كل صفة اعظمها على وجه لا يشبهه احد من خلقه. وهو المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة. الدافع لجميع النقم الخالق الرازق المدبر لجميع الامور. فهو المتفرد بذلك كله. وغيره ليس له من ذلك شيء. ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوليد فقال اي احسنوا اليهما بجميع وجوه الاحسان. القول والفعل لانهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والاحسان اليه والقرب. ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر. اما يبلغن ان عندك الكبر احدهما او كلاهما اي اذا وصل الى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والاحسان ما هو معروف فلا تقل لهما اف. وهذا ادنى مراتب الاذى نبه به على ما سواه. والمعنى لا تؤذهما ادنى اذية لا تنهرهما اي تزجرهما وتتكلم كلاما خشنا. وقل لهما قولا كريما. بلفظ يحب وتأدب وتلطف معهما بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما وذلك يختلف باختلاف الاحوال والعوائد والازمان اي تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للاجر لا لاجل الخوف منهما او الرجاء لما لهما. ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد وقل رب ارحمهما اي ادعوا لهما بالرحمة احياء وامواتا جزاء على تربيتهما اياك صغيرا. وفهم من هذا انه كلما ازدادت التربية ازداد الحق. وكذلك من تولى تربية الانسان في دينه ودنياه. تربية صالحة غير الابوين. فان على من رباه حق التربية غفورا. اي ربكم تعالى مطلع على ما اكنته سرائركم من خير وشر. وهو لا ينظر الى اعمالكم وابدانكم. وانما ينظر الى قلوبكم وما فيها من الخير والشر. ان تكونوا صالحين بان تكون ارادتكم ومقاصدكم دائرة على مرضات الله. ورغبتكم فيما يقربكم اليه. وليس في قلوبكم ايرادات قرة لغير الله فانه كان للاوابين غفورا. اي الرجاعين اليه في جميع الاوقات غفورا. فمن اطلع الله على وعلم انه ليس فيه الا الانابة اليه ومحبته ومحبة ما يقرب اليه فانه وان جرى منه في بعض الاوقات ما هو مقتصد الطبائع البشرية فان الله يعفو عنه ويغفر له الامور العارضة غير المستقرة مسكين وبنى السبيل ولا تبدل تبذيرا. يقول تعالى واتي ذا القربى حقه. من البر والاكرام والمسنون وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الاحوال والاقارب والحاجة وعدمها والازمنة والمسكين اته من الزكاة ومن غيرها لتزول مسكنته. وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به عن بلده. ولا تبذر تبذيرا. يعطي الجميع من المال على وجه لا يضر المعطي ولا يكون زائدا على المقدار اللائق. فان ذلك تبذير وقد نهى الله عنه واخبر ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا. واما تعرضن ولا تجعل يدك الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. لان الشيطان لا يدعو الا الى كل خصلة نميمة فيدعو الانسان الى البخل والامساك. فاذا عصاه دعاه الى الاسراف والتبذير. والله تعالى انما يأمر باعدل الامور ويمدح عليه كما في قوله عن عباد الرحمن الابرار والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان حين ذلك قواما. وقال هنا ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك. كناية عن شدة الامساك والبخل. ولا تبسطها كل البسط فتنفق فيما لا ينبغي وزيادة على ما ينبغي. فتقعد ان فعلت ذلك ملوما اي تلام على ما فعلت. محسود اي حاسر اليد فارغها فلا بقي ما في يدك من المال ولا خلفه مدح وثناء. وهذا الامر بايتاء ذي القربى مع القدرة والغنى فاما مع العدم او تعثر النفقة الحاضرة فامر تعالى ان يردوا ردا جميلا فقال واما تعرضن ابتغاء رحمة من ربك ترجوها. اي تعرضن عن اعطائهم الى وقت اخر. ترجو فيه من الله تيسير الامر اي لطيف برفق ووعد بالجميل عند سنوح الفرصة. واعتذار بعدم الامكان في الوقت الحاضر. لينقلبوا مطمئنة خواطرهم. كما قال تعالى قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها اذى. وهذا ايضا من لطف الله تعالى بالعباد امرهم بانتظار الرحمة والرزق منه. لان انتظار ذلك عبادة. وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسير. عبادة حاضرة لان الهم بفعل الحسنة حسنة. ولهذا ينبغي للانسان ان يفعل ما يقدر عليه من الخير. وينوي فعل ما لم يقدر عليه ليثاب على ذلك. ولعل الله ييسر له بسبب رجائه. ثم قال تعالى ان ربك يبسط الرزق لمن يشاء ومن عباده ويقدر ان يضيقه على من يشاء. فيجزيهم على ما يعلمه صالحا لهم. ويدبرهم بلطفه وكرمه