المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم باقامة الصلاة تامة ظاهرا وباطنا في اوقاتها لدلوك الشمس اي ميلانها الى الافق الغربي بعد الزوال. فيدخل في ذلك صلاة الظهر وصلاة العصر الى غسق الليل اي ظلمته. فدخل في ذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء. وقرآن الفجر اي صلاة الفجر وسميت قرآنا لمشروعية اطالة القراءة فيها اطول من غيرها ولفضل القراءة فيها حيث شهدها الله وملائكة الليل والنهار. ففي هذه الاية ذكر الاوقات الخمسة للصلوات المكتوبات. وان الصلوات الموقعة فيها فرائض تخصيصها بالامر. ومنها ان الوقت شرط لصحة الصلاة. وانه سبب لوجوبها لان الله امر باقامتها لهذه الاوقات وان الظهر والعصر يجمعان والمغرب والعشاء كذلك للعذر لان الله جمع وقتهما جميعا. وفيه فضيلة صلاة الفجر وفضيلة اطالة القراءة فيها وان القراءة فيها ركن لان العبادة اذا سميت ببعض اجزائها دل على فرض قضية ذلك وقوله ومن الليل فتهجد به اي صل به في سائر اوقاته نافلة لك. اي لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو القدر ورفع الدرجات بخلاف غيرك فانها تكون كفارة لسيئاته. ويحتمل ان يكون المعنى ان الصلوات الخمسة فرض عليك وعلى المؤمنين بخلاف صلاة الليل فانه فرض عليك بالخصوص. ولكرامتك على الله ان جعل وظيفتك اكثر من غيرك وليكثر ثوابك. وتنال بذلك المقام المحمود. وهو المقام الذي يحمدك فيه الاولون والاخرون الشفاعة العظمى حين يتشفع الخلائق بادم. ثم بنوح ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى. وكلهم يعتذر ويتأخر عنها حتى يستشفعوا بسيد ولد ادم. ليرحمهم الله من هول الموقف وكربه. فيشفع عند ربه فيشفع ويقيمه مقاما يغبطه به الاولون والاخرون. وتكون له المنة على جميع الخلق. وقوله نصيرا. اي اجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك. وعلى مرضاتك. وذلك لتضمنها الاخلاص. وموافقتها الامر واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. اي حجة ظاهرة وبرهانا قاطعا على جميع وما اذره. وهذا اعلى حالة ينزلها الله العبد ان تكون احواله كلها خيرا ومقربة له الى ربه. وان يكون انه على كل حال من احواله دليل ظاهر وذلك متضمن للعلم النافع والعمل الصالح للعلم بالمسائل والدلائل وقوله وقل جاء الحق وزهق الباطل والحق هو وما اوحاه الله الى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فامره الله ان يقول ويعلن قد جاء الحق الذي لا يقوم له شيء وزهق الباطل اي اضمحل وتلاشى. ان الباطن كان زهوقا. اي هذا وصف الباطل. ولكنه قد يكون له ورواج اذا لم يقابله الحق فعند مجيء الحق يطمحل الباطل فلا يبقى له حراك. ولهذا لا يروج الباطل الا في الازمان والامكنة الخالية من العلم بايات الله وبيناته. وقوله ولا يزيد الظالمين الا خسارا اي في القرآن مشتمل على الشفاء والرحمة. وليس ذلك لكل احد. وانما ذلك للمؤمنين به. المصدقين باياته. العاملين بها واما الظالمون بعدم التصديق به او عدم العمل به. فلا تزيدهم اياته الا خسارا. اذ به تقوم عليهم الحجة. فالشفاء والذي تضمنه القرآن عام لشفاء القلوب من الشبه والجهالة والاراء الفاسدة والانحراف السيء والقصود السيئة انه مشتمل على العلم اليقين. الذي تزول به كل شبهة وجهالة. والوعظ والتذكير الذي يزول به كل شهوة تخالف امر الله ولشفاء الابدان من الامها واسقامها. واما الرحمة فان ما فيه من الاسباب والوسائل التي يحث عليها متى العبد فاز بالرحمة والسعادة الابدية والثواب العاجل والاجل هذه طبيعة الانسان من حيث هو الا من هداه الله فان الانسان عند انعام الله عليه يفرح بالنعم ويبتر بها ويعرض وينأى بجانبه عن ربه فلا يشكره ولا يذكره. واذا مسه الشر كالمرض ونحوه كان يؤوسا من الخير. قد قطع من ربه رجاءه. وظن ان ما هو فيه دائم واما من هداه الله فانه عند النعم يخضع لربه ويشكر نعمته وعند الضراء يتضرع ويرجو من من الله عافيته وازالة ما يقع فيه وبذلك يخف عليه البلاء ربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا. اي قل كل من الناس يعمل على شاكلته. اي على ما يليق بهم من الاحوال ان كانوا من الصفوة الابرار لم يشاكلهم الا عملهم لرب العالمين. ومن كانوا من غيرهم من المخذولين لم يناسبهم ان العمل للمخلوقين ولم يوافقهم الا ما وافق اغراضهم. فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا اه فيعلم من يصلح للهداية فيهديه. ومن لا يصلح لها فيخذله ولا يهديه وهذا متضمن لردع من يسأل المسائل التي يقصد بها التعنت والتعجيز ويدع السؤال عن المهم. فيسألون عن الروح التي هي من الامور الخفية التي لا يتقن وصفها وكيفيتها كل احد وهم قاصرون في العلم الذي يحتاج اليه العباد. ولهذا امر الله رسوله ان يجيب سؤالهم بقوله اي من جملة مخلوقاته التي امرها ان تكون فكانت فليس في سؤالي عنها كبير فائدة مع عدم علمكم بغيرها. وفي هذه الاية دليل على ان المسؤول اذا سئل عن امر الاولى فيه ان يعرض عن اجابة السائل عما سأل عنه. ويدله على ما يحتاج اليه ويرشده الى ما ينفعه يخبر تعالى ان القرآن والوحي الذي اوحوا الى رسوله رحمة منه عليه وعلى عباده وهو اكبر النعم على الاطلاق على رسوله. فان فضل الله عليه كبير لا يقادر قدره. فالذي تفضل به قادر على ان يذهب به. ثم لا تجد رادا يرده ولا وكيلا يتوجه عند الله فيه. فلتغتبط به ولتقر به في عينك ولا يحزنك تكذيب المكذبين ولا استهزاء الضالين. فانهم عرضت عليهم اجل النعم. فردوها لهوانهم على الله وخذلانه لهم لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وهذا دليل قاطع. وبرهان ساطع على صحة ما جاء به الرسول وصدقه. حيث تحدى الله الانس والجن ان يأتوا بمثله واخبر انهم لا يأتون بمثله ولو تعاونوا كلهم على ذلك لم يقدروا عليه. ووقع كما اخبر الله فان دواعي اعدائه المكذبين به متوفرة على رد ما جاء به. باي وجه كان وهم اهل اللسان والفصاحة. فلو كان عندهم ادنى تمكن من ذلك لفعلوه فعلم بذلك انهم اذعنوا غاية الاذعان طوعا وكرها وعجزوا عن معارضته. وكيف يقدر المخلوق تراب الناقص من جميع الوجوه الذي ليس له علم ولا قدرة ولا ارادة ولا مشيئة ولا كمال ولا كلام. الا من ربه ان يعارض كلام رب الارض والسماوات. المطلع على سائر الخفيات الذي له الكمال المطلق. والحمد المطلق والمجد العظيم الذي لو ان البحر يمده من بعده سبعة ابحر مدادا. والاشجار كلها اقلام. لنفد المداد وفنيت الاقلام لم تنفد كلمات الله فكما انه ليس احد من المخلوقين مماثلا لله في اوصافه. فكلامه من اوصافه التي لا يماثلها فيها احد فليس كمثله شيء في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله تبارك وتعالى. فتبا لمن اشتبه عليه كلام يخالط لكلام المخلوق وزعم ان محمدا صلى الله عليه وسلم افتراه على الله واختلقه من نفسه وقال او تكون لك جنة فتفجر الانهار خلالها طبيلا او يكون لك بيت من زخرف او ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه. قل سبحان ربي هل كنت الا قل سبحان ربي يقول تعالى ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل. اي نوعنا فيه المواعظ والامثال وثنينا فيه المعاني التي يضطر اليها العباد. لاجل ان يتذكروا ويتقوا. فلم يتذكر الا القليل منهم الذين سبقت لهم من الله سابقة السعادة. واعانهم الله بتوفيقه. واما اكثر الناس فابوا الا كفورا لهذه النعمة التي هي اكبر من جميع النعم وجعلوا يتعنتون عليه باقتراح ايات غير اياته. يخترعونها من تلقاء انفسهم الظالمة الجاهلة. فيقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اتى بهذا القرآن المشتمل على كل برهان واية اي انهارا جارية او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتستغفر بها عن المشي في الاسواق والذهاب والمجيء. او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا. اي قطعا من العذاب. او بالله والملائكة قبيلا. اي جميعا او مقابلة ومعاينة يشهد لك بما جئت به او يكون لك بيت من زخرف اي مزخرف بالذهب وغيره او ترقى في السماء رقيا حسيا ومع هذا لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه. ولما كانت هذه تعنتات وتعجيزات وكلام اسفه الناس اظلمهم المتضمنة لرد الحق وسوء ادب مع الله. وان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يأتي بالايات امره الله ينزهه فقال سبحان ربي ما تقولون علوا كبيرا. وسبحانه ان تكون احكامه واياته تابعة لاهوائهم الفاسدة. وارائهم الضالة. هل كنت الا بشرا رسولا ليس بيده شيء من الامر وهذا السبب الذي منع اكثر الناس من الايمان حيث كانت الرسل التي ترسل اليهم من جنسهم بشرا وهذا من رحمته بهم ان ارسل اليهم بشرا منهم فانهم لا يطيقون التلقي من الملائكة قل لو كان في الارض ملائكته يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم لنزلنا عليهن من السماء ملك الرسولا. قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين يثبتون على رؤية الملائكة والتلقي عنهم ليمكنهم التلقي عنه بيني وبينكم انه كان بعباده خبيرا بصيرا. فمن شهادته لرسوله ما ايده به من المعجزات وما انزله عليه من الايات ونصره على من عاداه وناوأه. فلو تقول عليه بعض الاقاويل لاخذ منه باليمين ثم لقطع منه الوتين فانه خبير بصير. لا تخفى عليه من احوال العباد خافية