وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا اي بظلمهم لا بظلم منا وجعلنا لمهلكهم موعدا. اي وقتا مقدرا لا يتقدمون عنه ولا يتأخرون ولا يدنيهم. ولما ذكر حال من اشرك به في الدنيا وابطل هذا الشرك غاية الابطال. وحكم بجهل صاحبه وسفهه. اخبر عن حاله مع ركائهم يوم القيامة فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا. وان الله يقول لهم نادوا المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي كما ان انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم اصلا. ولمن قام بوراثته بعده تبعا. اضرب للناس مثل الحياة الدنيا يتصورها حق التصور ويعرف ظاهرها وباطنها فيقيس بينها وبين الدار الباقية ويؤثر ايهما اولى بالايثار وان مثل هذه الحياة الدنيا كمثل المطر ينزل على الارض فيختلط نباتها تنبت من كل زوج بهيج. فبين زهرتها وزخرفها تسر الناظرين. وتفرح المتفرجين وتأخذ بعيون الغافلين اذ اصبحت هشيما تذروه الرياح فذهب ذلك النبات الناظر والزهر الزاهر والمنظر البهي فاصبحت الارض غبراء قد انحرف عنها النظر وصدف عنها البصر واوحشت القلب كذلك هذه الدنيا. بينما صاحبها قد اعجب بشبابه وفاق فيها على واترابه وحصل درهمها ودينارها واقتطف من لذته ازهارها. وخاض في الشهوات في جميع اوقاته. وظن انه لا يزال فيها سائر ايامه اذ اصابه الموت او التلف لماله فذهب عنه سروره وزالت لذته وحضوره واستوحش قلبه من الالام وفارق شبابه وقوته له وماله وانفرد بالصالح او سيء اعماله. هنالك يعض الظالم على يديه حين يعلم حقيقة ما هو عليه. ويتمنى العودة الى الدنيا لا تكمل الشهوات بل ليستدرك ما فرط منه من الغفلات. بالتوبة والاعمال الصالحات. فالعاقل الحازم الموفق يعرض على نفسه هذه الحالة اقول لنفسه قدري انك قد مت ولابد ان تموتي فاي الحالتين تختارين؟ الاغترار بزخرف هذه الدار والتمتع بها كتمتع الانعام السارحة ام العمل لدار اكلها دائم وظلها؟ وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه وربحه من خسرانه ولهذا اخبر تعالى المال والبنين زينة الحياة الدنيا. اليس وراء ذلك شيء؟ وان الذي يبقى للانسان وينفعه ويسره. الباقيات الصالحات. وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله وحقوق عباده. من صلاة وزكاة وصدقة وحج وعمرة وتسبيح. وتحميد وتهليل وتكبير وقراءة وطلب علم نافع وامر بمعروف ونهي عن منكر. وصلة رحم وبر والدين وقيام بحق الزوجات والمماليك والبهائم. وجميع وجوه الاحسان الى الخلق كل هذا من الباقيات الصالحات. فهذه خير عند الله ثوابا وخير املا. فثوابها يبقى ويتضاعف على الاباد. ويؤمن اجرها وبرها ونفعها عند الحاجة. فهذه التي ينبغي ان يتنافس بها المتنافسون. ويستبق اليها العاملون. ويجد في تحصيلها المجتهدون. وتأمل كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها؟ ذكر ان الذي فيها نوعان نوع من زينتها يتمتع به قليلا ثم يزول بلا فائدة يعود لصاحبه بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون. ونوع يبقى وينفع صاحبه على الدوام. وهي الباقيات الصالحات ويوم نسير الجبال وترى الارض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا وعلى ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة. بل زعمتم ان لن نجعل يخبر تعالى عن حال يوم القيامة وما فيه من الاهوال المقلقة والشدائد المزعجة فقال ويوم نسير جبال اي يزيلها عن اماكنها يجعلها كثيبا ثم يجعلها كالعهن المنفوش ثم تضمحل وتتلاشى وتكون هباء منثورا وتبرز الارض فتصير قاعا صفصفا. لا عوج فيه ولا امتى. ويحشر الله جميع الخلق على تلك الارض. فلا يغادر منهم احدا. بل يجمع الاولين والاخرين من بطون الفلوات وقعور البحار ويجمعهم بعدما تفرقوا ويعيدهم بعدما تمزقوا خلقا جديدا في عرضون عليه صفا ليستعرضهم وينظر في اعمالهم ويحكم فيهم بحكمه العدل الذي لا جور فيه ولا ظلم. ويقول لهم اي بلا مال ولا اهل ولا عشيرة. ما معهم الا الاعمال التي عملوها. والمكاسب في الخير والشر التي كسبوها. كما قال الله الله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء. وقال هنا مخاطبا للمنكرين للبعث. وقد شاهدوه عيانا انا لكم موعدا. اي انكرتم الجزاء على الاعمال ووعد الله ووعيده. فها قد رأيتموه وذقتموه الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه. فحينئذ تحظر كتب الاعمال التي كتبتها الملائكة الكرام فتطير لها القلوب وتعظم من وقعها الكروب وتكاد لها الصم الصلاب تذوب ويشفق منها المجرمون فاذا رأوها مسطرة عليهم اعمالهم محصن عليهم اقوالهم وافعالهم قالوا ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها اي لا لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة الا وهي مكتوبة فيه محفوظة لم ينسى منها عمل سر ولا علانية ولا ليل ولا نهار ووجدوا ما عملوا حاضرا لا يقدرون على انكاره ولا يظلم ربك احدا. فحينئذ يجازون بها ويقررون بها ويخزون. ويحق عليهم العذاب. ذلك بما قدمت ايديهم وان الله ليس بظلام للعبيد. بل هم غير خارجين عن عدله وفضله افتتخذون بئس للظالمين بدلا يخبر تعالى عن عداوة ابليس لادم وذريته وان الله امر الملائكة بالسجود لادم اكراما وتعظيما وامتثالا لامر الله فامتثل ذلك الا ابليس كان من الجن ففسق عن امر ربه. وقال ااسجد لمن خلقت طينا؟ وقال انا خير منه. فتبين بهذا عداوته لله ولابيكم ولكم. فكيف تتخذونه وذريته؟ اي الشياطين اولياء من دوني وهم لكم عدو اي بئس ما اختاروا لانفسهم من ولاية الشيطان. الذي لا يأمرهم الا بالفحشاء والمنكر عن ولاية الرحمن. الذي كل السعادة والفلاح والسرور في ولايته وفي هذه الاية الحث على اتخاذ الشيطان عدوا. والاغراء بذلك وذكر السبب الموجب لذلك وانه لا يفعل ذلك الا ظالم. واي ظلم اعظم من ظلم من اتخذ عدوه الحقيقي وليا. وترك الولي الحميد. قال الله تعالى الله ولي الذين امنوا ويخرجهم من الظلمات الى النور. والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت. يخرجونهم من النور الى الظلمات. وقال تعالى انهم اتخذوا الشياطين او رياء من دون الله يقول تعالى ما اشهدت الشياطين وهؤلاء المضلين خلق السماوات والارض فخلق انفسهم اي ما احضرتهم ذلك ولا شاورتهم عليه. فكيف يكونون خالقين لشيء من ذلك؟ بل المنفرد بالخلق والتدبير والحكمة والتقدير هو الله خالق الاشياء كلها. المتصرف فيها بحكمته. فكيف يجعل له شركاء من الشياطين؟ يوالون ويطاعون كما يطاع الله وهم لم يخلقوا ولم يشهدوا خلقا ولم يعاونوا الله تعالى. ولهذا قال وما كنت متخذا المضلين عضدا. اي معاونين مظاهرين الله على شأن من الشؤون. اي ما ينبغي ولا يليق بالله ان يجعل لهم قسطا من التدبير. لانهم ساعون في اضلال الخلق والعداوة لربهم. فاللائق ان شركائي بزعمكم اي على موجب زعمكم الفاسد والا فبالحقيقة ليس لله شريك في الارض ولا في السماء. اي نادوهم لينفعوكم خلصوكم من الشدائد فدعوهم فلم يستجيبوا لهم. لان الحكم والملك يومئذ لله لا احد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه ولا لغيره وجعلنا بينهم اي بين المشركين وشركائهم موبقا. اي مهلكا يفرق بينهم وبينهم. ويبعد بعضهم من بعض. ويتبين حين اذا عداوة الشركاء لشركائهم وكفرهم بهم وتبريهم منهم كما قال الله تعالى واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادة كافرين اي لما كان يوم القيامة وحصل من الحساب ما حصل. وتميز كل فريق من الخلق باعمالهم. وحق كلمة العذاب على المجرمين فرأوا جهنم قبل دخولها فانزعجوا واشتد قلقهم لظنهم انهم مواقعوها وهذا الظن قال المفسرون انه بمعنى اليقين. فايقنوا انهم داخلوها ولم يجدوا عنها مصرفا. اي معدلا يعدلون اليه ولا شافع لهم من دون اذنه. وفي هذا من التخويف والترهيب ما ترعد له الافئدة والقلوب وكان الانسان اكثر شيء جدلا. يخبر الله تعالى عن عظمة القرآن وجلالته وعمومه. وانه صرف فيه من كل اي من كل طريق موصل الى العلوم النافعة. والسعادة الابدية. وكل طريق يعصم من الشر والهلاك. ففيه امثال الحلال والحرام. وجزاء الاعمال والترغيب والترهيب والاخبار الصادقة النافعة للقلوب اعتقادا وطمأنينة ونورا. وهذا مما يوجب التسليم لهذا القرآن. وتلقيهم بالانقياد والطاعة وعدم المنازعة لهم في امر من الامور. ومع ذلك كان كثير من الناس يجادلون في الحق بعدما تبين. ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ولهذا قال اي مجادلة ومنازعة فيه مع ان ذلك غير لائق بهم ولا عدل منهم. والذي اوجب له ذلك وعدم الايمان بالله. انما هو الظلم والعناد. لا لقصور في بيانه وحجته وبرهانه. والا فلو جاءهم العذاب وجاءهم ما جاء قبلهم لم تكن هذه حالهم. ولهذا قال جاءهم الهدى اذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم الا ان تأتيهم سنة اي ما منع الناس من الايمان والحال ان الهدى الذي يحصل به الفرق بين الهدى والضلال والحق والباطل قد وصل اليهم وقامت عليهم حجة الله فلم يمنعهم عدم البيان بل منعهم الظلم والعدوان عن الايمان فلم يبق الا ان تأتيهم سنة الله وعادته في الاولين من انهم اذا لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب او يرون العذاب قد اقبل عليهم ورأوه مقابلة ومعاينة. اي فليخافوا من ذلك وليتوبوا من كفرهم قبل ان يكون العذاب الذي لا مرد له. وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا اياتي وما انذروا هزوا اي لم نرسل الرسل عبثا ولا ليتخذهم الناس اربابا ولا ليدعوا الى انفسهم بل ارسلناهم يدعون الناس الى كل خير وينهون عن كل شر ويبشرونهم على امتثال ذلك بالثواب العاجل والاجل. وينذرونهم على معصية ذلك بالعقاب العاجل والاجل. فقامت بذلك حجة الله على العباد ومع ذلك يأبى الظالمون الكافرون الا المجادلة بالباطل. ليدحضوا به الحق. فسعوا في نصر الباطل مهما امكنهم. وفي دحض الحق وابطاله تهزأ برسول الله واياته. وفرحوا بما عندهم من العلم. ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. ويظهر الحق على الباطل. بل نقذف الحق على الباطل فيدمغه. فاذا هو زاهق. ومن حكمة الله ورحمته ان تقييده المبطلين المجادلين الحق بالباطل. من اعظم الاسباب الى وضوح الحق وتبين شواهده وادلته وتبين الباطل وفساده. فبضدها تتبين الاشياء ذكر بايات ربه فاعرض عنها ونسي ما قدمت يداه. انا جعلنا على قلوبهم اكن يخبر تعالى انه لا اعظم ظلما ولا اكبر جرما من عبد ذكر بايات الله وبين له الحق من الباطل والهدى من الضلال. وخوف ورغب فاعرض عنها فلم يتذكر بما ذكر به. ولم يرجع عما كان عليه. ونسي ما قدمت يداه من الذنوب. ولم يراقب علام الغيوب. فهذا ما اعظم ظلما من المعرض الذي لم تأتيه ايات الله ولم يذكر بها. وان كان ظالما. فانه اخف ظلما من هذا. لكون العاصي على بصيرة وعلم ممن ليس كذلك. ولكن الله تعالى عاقبه بسبب اعراضه عن اياته. ونسيانه لذنوبه ورضاه لنفسه حالة الشر مع علمه بها. ان سد عليه ابواب الهداية بان جعل على قلبه اكنة. اي اغطية محكمة تمنعه ان يفقه الايات وان سمعتها. فليس في امكانها الفقه الذي يصل الى القلب وفي اذانهم واقرأ اي صمم من يمنعهم من وصول الايات. ومن سماعها على وجه الانتفاع. واذا كانوا بهذه الحالة فليس لهدايتهم سبيل لان الذي يرجى ان يجيب الداعي للهدى من ليس عالما. واما هؤلاء الذين ابصروا ثم عموا ورأوا طريق الحق حقا فتركوه. وطريق الضلال ضلالا فسلكوه. وعاقبهم الله باقفال القلوب والطبع عليها. فليس في هداية كم حيلة ولا طريق. وفي هذه الاية من التخويف لمن ترك الحق بعد علمه. ان يحال بينهم وبينه. ولا يتمكن منه بعد ذلك ما هو اعظم مرهب اجر عن ذلك ثم اخبر تعالى عن سعة مغفرته ورحمته وانه يغفر الذنوب ويتوب الله على من يتوب فيتغمده برحمته ويشمله باحسانه وانه لو اخذ العباد على ما قدمت ايديه من الذنوب لعجل لهم العذاب ولكنه تعالى حليم لا يعجل بالعقوبة بل يمهل ولا يهمل والذنوب لابد من وقوع اثارها. وان تأخر عنها مدة طويلة. ولهذا قال اي لهم موعد يجازون فيه باعمالهم ولابد لهم منه ولا من لهم عنه ولا ملجأ ولا محيد عنه وهذه سنته في الاولين والاخرين الا يعادلهم بالعقاب بل يستدعيهم الى التوبة والانابة. فان تابوا وانابوا غفر لهم ورحمهم وازال عنهم العقاب. والا فان استمروا على ظلمهم وعنادهم وجاء الوقت الذي جعله موعدا لهم انزل بهم بأسه. ولهذا قال