المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي كان اهل الكتاب او المشركون سألوا رسول الله صلى الله الله عليه وسلم عن قصة ذي القرنين. فامره الله ان يقول ساتلو عليكم منه ذكرا. فيه نبأ مفيد وخطاب عجيب. اي ساتلوا عليكم من احوالهم ما يتذكر فيه ويكون عبرة واما ما سوى ذلك من احواله فلم يتلوه عليهم انا مكنا له في الارض اي ملكه الله تعالى ومكنه من النفوذ في اقطار الارض وانقيادهم له. واتيناه من كل شيء سببا فاتبع سببا. اي اعطاه الله من الاسباب الموصلة له لما وصل اليه ما به يستعين على قهر البلدان وسهولة الوصول الى اقاصي العمران. وعمل بتلك الاسباب التي اعطاه الله اياها. اي استعملها على وجهها. فليس كل كل من عنده شيء من الاسباب يسلكه. ولا كل احد يكون قادرا على السبب. فاذا اجتمع القدرة على السبب الحقيقي والعمل به حصل المقصود. وان عدم او احدهما لم يحصل. وهذه الاسباب التي اعطاه الله اياها لم يخبرنا الله ولا رسوله بها. ولم تتناقلها الاخبار على وجه يفيد العلم فلهذا لا يسعنا غير السكوت عنها. وعدم الالتفات لما يذكره النقلة للاسرائيليات ونحوها. ولكننا نعلم بالجملة انها اسباب قوية كثيرة داخلية وخارجية بها صار له جند عظيم ذو عدد وعدد ونظام. وبه تمكن من قهر الاعداء ومن تسهيل الوصول الى مشارق الارض ومغاربها انحائها فاعطاه الله ما بلغ به مغرب الشمس حتى رأى الشمس في مرأى العين كانها تغرب في عين حمأة. اي سوداء وهذا المعتاد لمن كان بينه وبين افق الشمس الغربي ماء. رآها تغرب في نفس الماء وان كانت في غاية الارتفاع اما ان تتخذ فيهم حسنا. ووجد عندها اي عند مغربها قوما. قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان اتخذ فيهم حسنا اي اما ان تعذبهم بقتل او ضرب او اسر ونحوه. واما ان تحسن اليهم فخير بين الامرين. لان الظاهر انهم اما كفار او فسقى او فيهم شيء من ذلك لانهم لو كانوا مؤمنين غير فساق لم يرخص له في تعذيبهم. فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح ثناء لتوفيق الله له لذلك فقال ساجعلهم قسمين ثم يرد الى ربه فيعذبه عذاب النكرا. اما من ظلم بالكفر فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا. اي تحصل له العقوبتان. عقوبة الدنيا وعقوبة الاخرة الحسنى وسنقول له من امرنا يسرا واما من امن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى. اي فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة وسنقول له من امرنا يسرا. اي وسنحسن اليه ونلطف له بالقول ونيسر له المعاملة. وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين والاولياء العادلين العالمين. حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل احد بما يليق بحاله ماء اي لما وصل الى مغرب الشمس كر راجعا قاصدا مطلعها متبعا للاسباب التي اعطاه الله فوصل الى مطلع الشمس اي وجدها تطلع على اناس ليس لهم ستر من الشمس اما لعدم استعدادهم في المساكن وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم وعدم من دونهم واما لكون الشمس دائمة عندهم لا تغرب عنهم غروبا يذكر. كما يوجد ذلك في شرقي افريقيا الجنوبي. فوصل الى موضع انقطع عنه علم اهل الارض فضلا عن وصولهم اياه بابدانهم. ومع هذا فكل هذا بتقدير الله له وعلمه به. ولهذا قال اي احطنا بما عنده من الخير والاسباب عظيمة وعلمنا معه حيث توجه وسار. ثم اتبع سببا حتى اذا بلغ بين السدين قال المفسرون ذهب متوجها من المشرق قاصدا للشرق فوصل الى ما بين السدين وهما سدان كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان سدا بين يأجوج ومأجوج وبين الناس وجد من دون السدين قوما لا يكادون يفقهون قولا. لعجمة السنتهم واستعجام اذهانهم وقلوبهم. وقد اعطى الله ذي القرنين من الاسباب العلمية ما فقه به السنة اولئك القوم وفقههم وراجعهم وراجعوه. فاشتكوا اليهم ضرر يأجوج ومأجوج. وهما امتان عظيمتان من بني يا ادم فقالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض بالقتل واخذ الاموال وغير ذلك. فهل نجعل لك خرجا اي جعلا؟ على ان تجعل بيننا وبينهم سدا. ودل ذلك على عدم اقتدارهم بانفسهم على بنيان السد. وعرفوا اقتدار ذي القرنين عليه. فبذلوا له اجرة ليفعل ذلك. وذكر له السبب الداعي وهو افسادهم في الارض. فلم يكن ذو القرنين اذا طمع ولا رغبة في الدنيا ولا تاركا لاصلاح احوال الرعية بل كان قصده الاصلاح. فلذلك اجاب طلبتهم لما فيها من المصلحة ولم خذ منهم اجرة وشكر ربه على تمكينه واقتداره. فقال لهم ما مكني فيه ربي خير اي مما تبذلون لي وتعطوني انما اطلب منكم ان تعينوني بقوة منكم بايديكم. اجعل بينكم وبينهم ردما. اي مانعا من عبورهم عليكم نرى الحديث حتى اذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا نارا قال اتوني زبر الحديد اي قطع الحديد فاعطوه ذلك. حتى اذا ساوى بين الصدفين اي الجبلين الذين بنى بينهما السد قال انفخوا النار. اي اوقدوها ايقادا عظيما. واستعملوا لها المنافيخ لتشتد. فتذيب النحاس. فلما ابا النحاس الذي يريد ان يلصقه بين زبر الحديد. اي نحاسا مذابا افرغ عليه القطر فاستحكم السد استحكاما هائلا. وامتنع به من وراءه من الناس من ضرر يأجوج ومأجوج. فما اسطاعوا ان اي فما لهم من استطاعة ولا قدرة على الصعود عليه الارتفاع ولا على نقبه لاحكامه وقوته. فلما فعل هذا الفعل الجميل والاثر الجليل اضاف النعمة الى موليها وقال اذا جاء وعد ربي جعله دكا وكان وعد ربي حقا هذا رحمة من ربي. اي من فضله واحسانه علي. وهذه حال الخلفاء الصالحين. اذا من الله عليهم بالنعم الجليلة ازداد شكرهم واقرارهم واعترافهم بنعمة الله. كما قال سليمان عليه السلام لما حضر عنده عرش ملكة سبأ مع البعد العظيم. قال هذا من فضل ربي ليبلوني اشكر ان اكفر بخلاف اهل التجبر والتكبر والعلو في الارض. فان نعم الكبار تزيدهم اشرا وبطرا. كما قال قارون لما اتاه الله من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة اولي القوة. قال انما اوتيته على علم عندي. وقوله فاذا جاء وعد ربي اي خروج يأجوج ومأجوج جعله اي ذلك السد المحكم المتقن دكا اي دكه فانهدم واستوى هو والارض وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموت في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وتركنا ان بعضهم يومئذ يموج في بعض. يحتمل ان الضمير يعود الى يأجوج ومأجوج. وانهم اذا خرجوا على الناس من كثرتهم واستيعابهم للارض كلها. يموج بعض وهم ببعض كما قال تعالى حتى اذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. ويحتمل ان الضمير يعود الى الخلائق يوم القيامة. وانه يجتمعون فيه فيكفرون ويموج بعضهم ببعض من الاهوال والزلازل العظام. بدليل قوله ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا. وعرضنا جهنم اما يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت اعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا اي اذا نفخ اسرافيل في الصور اعاد الله الارواح الى الاجساد. ثم حشرهم وجمعهم لموقف القيامة. الاولين منهم والاخرين والكافرين والمؤمنين ليسألوا ويحاسبوا ويجزون باعمالهم. فاما الكافرون على اختلافهم فان جهنم جزاؤهم خالدين فيها ابدا