المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم اي هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا قصه عليك ونفصله تفصيلا يعرف به حالة نبيه زكريا واثاره الصالحة ومناقبه الجميلة فان في قصها عبرة المعتبرين واسوة للمقتدين. ولان في تفصيل رحمته لاوليائه وباي سبب حصلت لهم مما يدعو الى محبة الله تعالى والاكثار من ذكره ومعرفته. والسبب الموصل اليه وذلك ان الله تعالى اجتبى واصطفى زكريا عليه السلام لرسالته وخصه بوحيه فقام بذلك قيام امثاله من المرسلين. ودعا العباد الى ربه وعلمهم ما علمه الله. ونصح لهم في حياته وبعد مماته. كاخوة اخوانهم من المرسلين ومن اتبعهم. فلما رأى من نفسه ضعف وخاف ان يموت ولم يكن احد ينوب منابه في دعوة الخلق الى ربهم والنصح لهم. شكى الى ربه ضعفه الظاهر والباطن ناداه نداء خفيا ليكون اكمل وافضل واتم اخلاصا. فقال قال ربي اني وهن العظم مني اي وها وضعف واذا ضعف العظم الذي هو عماد البدن ضعف غيره واشتعل الرأس شيبا. لان الشيب دليل الضعف والكبر. ورسول الموت ورائده ونذيره. فتوسل الى الله تعالى بضعفه وعجزه. وهذا من من احب الوسائل الى الله لانه يدل على التبري من الحول والقوة وتعلق القلب بحول الله وقوته ولم اكن بدعائك ربي شقيا. اي لم تكن يا رب تردني خائبا ولا محروما من الاجابة لم تزل بي حفيا ولدعائي مجيبا. ولم تزل الطافك تتوالى علي واحسانك واصلا الي. وهذا توسل الى الله بانعامه عليك واجابة دعواته السابقة. فسأل الذي احسن سابقا ان يتمم احسانه لاحقا. واني خفت الموالي من فهب لي من لدنك وليا. واني شفت الموالي من ورائي واني خفت من يتولى على بني اسرائيل من بعد موتي الا يقوموا بدينك حق القيام. ولا يدعو عبادك اليك وظاهر هذا انه لم يرى فيهم احدا فيه لياقة للامامة في الدين. وهذا فيه شفقة زكريا عليه السلام ونصحه. وان طلب للولد ليس كطلب غيره قصده مجرد المصلحة الدنيوية. وانما قصده مصلحة الدين. والخوف من ضياعه. ورأى غيره غير صالح لذلك وكان بيته من البيوت المشهورة في الدين ومعدن الرسالة ومظنة للخير. فدعا الله ان يرزقه ولدا يقوم من بعده واشتكى ان امرأته عاقر اي ليست تلد اصلا. وانه قد بلغ من الكبر عتيا. اي عمرا يندر معه وجود الشهوة والولد وهذه الولاية ولاية الدين وميراث النبوة والعلم والعمل. ولهذا قال يرثني ويرث من ال يعقوب واجعله ربي رضيا. يرثني ويرث من ال يعقوب واجعله ربي رضيا. اي عبدا صالحا ترضاه وتحببه الى عبادك. والحاصل انه سأل الله ولدا ذكرا صالحا. يبقى بعد موته ويكون وليا من بعده. ويكون نبيا مرضيا عند الله وعند خلقه. وهذا افضل ما يكون من الاولاد. ومن رحمة الله بعبده ان يرزقه ولدا صالح صالح جامعا لمكارم الاخلاق ومحامد الشيم. رحمه ربه واستجاب دعوته فقال سنبشرك بغلام اسمه يحيى اي بشره الله تعالى على يد الملائكة يحيى وسماه الله له يحيى. وكان اسما موافقا لمسماه. يحيى حياة حسية فتتم به المنة. ويحيى حياة معنوية وهي حياة القلب والروح بالوحي والعلم والدين. اي لم يسمي هذا الاسم قبله احد ويحتمل ان المعنى لم نجعل له من قبل مثيلا ومساميا. فيكون ذلك بشارة بكماله واتصافه بالصفات الحميدة. وانه فاق من قبله ولكن على هذا الاحتمال هذا العموم لابد ان يكون مخصوصا بابراهيم وموسى ونوح عليهم السلام ونحوهم ممن هو افضل من يحيى قطعا فحينئذ لما جاءته البشارة بهذا المولود الذي طلبه استغرب وتعجب وقال في غلام وكانت امرأتي عاقرا. وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا اه ربي انا يكون لي غلام؟ والحال ان المانع من وجود الولد موجود بي وبزوجتي. وكأنه وقت دعائه لم يستحضر هذا المانع لقوة الوارد في قلبه. وشدة الحرص العظيم على الولد. وفي هذه الحال حين قبلت دعوته تعجب من ذلك. فاجابه الله بقوله وعلي هين اي الامر مستغرب في العادة وفي سنة الله في الخليقة. ولكن قدرة الله تعالى صالحة لايجاد الاشياء بدون اسبابها كذلك هين عليه ليس باصعب من ايجاده قبل ولم يكن شيئا الا تكلم الناس ثلاث ليال سويا. قال ربي اجعل لي اية اي يطمئن بها قلبي وليس هذا شكا في خبر الله وانما هو كما قال الخليل عليه السلام رب ارني كيف تحيي الموتى قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبك قلبي فطلب زيادة العلم والوصول الى عين اليقين بعد علم اليقين. فاجابه الله الى طلبته رحمة به. فقال قال ايتك الا تكلم الناس ثلاث ليال سويا. وفي الاية الاخرى الا تكلم الناس ثلاث ستة ايام الا رمزا والمعنى واحد لانه تارة يعبر بالليالي وتارة بالايام ومؤداها واحد. وهذا من الايات العجيبة فان منعه من الكلام مدة ثلاثة ايام. وعجزه عنه من غير خرس ولا افة. بل كان سويا لا نقص فيه. من الادلة على قدرة الله الخارقة للعوائد. ومع هذا ممنوع من الكلام الذي يتعلق بالادميين وخطابهم. واما التسبيح والتهليل والذكر ونحوه فغير ممنوع منه. ولهذا قال في الاية الاخرى واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار. فاطمئن قلبه واستبشر بهذه البشارة العظيمة وامتثل لامر الله له بالشكر بعبادته وذكره. فعكف في محرابه فخرج على قومه منه فاوحى اليهم اي بالاشارة والرمز ان سبحوا بكرة وعشيا. لان البشارة بيحيى في حق الجميع مصلحة دينية كتاب بقوة واتيناه الحكم صبيا. دل الكلام السابق على ولادة يحيى وشبابه وتربيته ما وصل الى حالة يفهم فيها الخطاب امره الله ان يأخذ الكتاب بقوة اي بجد واجتهاد. وذلك بالاجتهاد في حفظ الفاظه وفهم والعمل باوامره ونواهيه. هذا تمام اخذ الكتاب بقوة. فامتثل امر ربه واقبل على الكتاب. فحفظه وفهمه. وجعل على الله فيه من الذكاء والفطنة ما لا يوجد في غيره. ولهذا قال واتيناه الحكم صبيا. اي معرفة احكام الله اهي والحكم بها وهو في حال صغره وصباه اتيناه ايضا حنانا من لدنا. اي رحمة ورأفة. تيسرت بها اموره وصلحت بها احواله. واستقامت بها افعاله زكاة اي طهارة من الافات والذنوب. فطهر قلبه وتزكى عقله. وذلك يتضمن زوال الاوصاف المذمومة. والاخلاق الرديئة. وزيادة الاخلاق الحسنة والاوصاف المحمودة. ولهذا قال اي فاعلا للمأمور تاركا للمحظور من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا. وكان من اهل الجنة التي اعدت للمتقين. وحصل له من الثواب الدنيوي والاخروي ما كتبه الله على التقوى. وكان ايضا بوالديه اي لم يكن عاقا ولا مسيئا الى ابويه بل كان محسنا اليهما بالقول والفعل. ولم يكن جبارا عصيا. اي لم يكن متجبرا متكبرا عن عبادة الله. ولا مترفعا على عباد الله ولا على والديه. بل كان متواضعا متذللا مطيعا وابا لله على الدوام. فجمع بين القيام بحق الله وحق خلقه. ولهذا حصلت له السلامة من الله في جميع احواله. مبادئها وعواقبها فلهذا قال سلامته من الشيطان والشر والعقاب في هذه الاحوال الثلاثة وما بينها. وانه سالم من النار والاهوال. ومن اهل دار السلام فصلوات الله وسلامه عليه وعلى والده وعلى سائر المرسلين. وجعلنا الله من اتباعهم انه جواد كريم