المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. اجل الكتب واعلاها هذا الكتاب المبين والذكر الحكيم. فان ذكر فيه الاخبار كانت اصدق الاخبار واحقها. وان ذكر فيه الامر والنهي كانت اجل الاوامر والنواهي واعدلها واقسطها. وان ذكر فيه الجزاء والوعد والوعيد كان اصدق الانباء واحقها وادل لها على الحكمة والعدل والفضل. وان ذكر فيه الانبياء والمرسلون كان المذكور فيه اكمل من غيره وافضل. ولهذا كثيرا ما يبدئ تعيد في قصص الانبياء الذين فضلهم على غيرهم. ورفع قدرهم واعلى امرهم بسبب ما قاموا به من عبادة الله ومحبته والانابة اليه والقيام بحقوقه وحقوق العباد. ودعوة الخلق الى الله والصبر على ذلك. والمقامات الفاخرة والمنازل العالية فذكر الله في هذه السورة جملة من الانبياء يأمر الله رسوله ان يذكرهم لان في ذكرهم اظهار الثناء على الله وعليهم وبيان فضله واحسانه اليهم. وفيه الحث على الايمان بهم ومحبتهم والاقتداء بهم. فقال واذكر جمع الله له بين الصديقية والنبوة. فالصديق كثير الصدق فهو الصادق في اقواله وافعاله واحواله المصدق بكل ما امر بالتصديق به. وذلك يستلزم العلم العظيم الواصل الى القلب مؤثر فيه الموجب لليقين والعمل الصالح الكامل وابراهيم عليه السلام هو افضل الانبياء كلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم وهو الاب الثالث للطوائف الفاضلة. وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب. وهو الذي دعا الخلق الى الله وصبر على اما ناله من العذاب العظيم. فدعا القريب والبعيد واجتهد في دعوة ابيه مهما امكنه. وذكر الله مراجعته اياه. فقال اذ اذ قال لابيه مهجنا له عبادة الاوثان. يا ابتي لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. اي لم تعبد اصناما ناقص في ذاتها وفي افعالها فلا تسمع ولا تبصر. ولا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا. بل لا تملك لانفسها شيئا من النفع ولا تقدر على شيء من الدفع فهذا برهان جلي دال على ان عبادة الناقص في ذاته وافعاله مستقبح عقلا وشرعا. ودل بتنبيهه واشارته ان الذي يجب يحسن عبادة من له الكمال. الذي لا ينال العباد نعمة الا منه. ولا يدفع عنهم نقمة الا وهو الله تعالى يا ابتي اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك. اي يا ابتي لا تحقرني وتقول اني وان عندك ما ليس عندي بل قد اعطاني الله من العلم ما لم يعطك. والمقصود من هذا قوله اي مستقيما معتدلا. وهو عبادة الله وحده لا شريك له. وطاعته في جميع الاحوال. وفي هذا من لطف ولينه ما لا يخفى فانه لم يقل يا ابتي انا عالم وانت جاهل اوليس عندك من العلم شيء وانما اتى بصيغة تقتضي ان عندي وعندك علما. وان الذي وصل الي لم يصل اليك. ولم يأتك. فينبغي لك ان تتبع الحجة وتنقاد لها يا ابتي لا تعبدي الشيطان لان من عبد غير الله فقد عبد الشيطان كما قال تعالى الم اعهد اليكم يا بني ادم الا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو فمن اتبع خطواته فقد اتخذه وليا وكان عاصيا لله بمنزلة الشيطان وفي ذكر اضافة العصيان الى اسم الرحمن. اشارة الى ان المعاصي تمنع العبد من رحمة الله. وتغلق عليه ابوابها كما ان الطاعة اكبر الاسباب لنيل رحمته. ولهذا قال من الرحمن فتكون للشيطان وليا. يا ابتي اني اخاف ان يمسك عذاب من الرحمن. اي بسبب اصرارك على الكفر وتماديك في الطغيان. اي في الدنيا والاخرة. فتنزل بمنازله الذميمة وترتع في مراتعه الوخيمة. فتدرج الخليل عليه السلام بدعوة ابيه. بالاسهل فالاسهل. فاخبره بعلمه وان ذلك موجب لاتباع اعك اياي وانك ان اطعتني اهتديت الى صراط مستقيم. ثم نهاه عن عبادة الشيطان واخبره بما فيها من المضار ثم حذره عقاب الله ونقمته ان اقام على حاله وانه يكون وليا للشيطان. فلم ينجع هذا الدعاء بذلك الشقي واجاب بجواب جاهل وقال اراغب اراغب انت عن الهتي يا ابراهيم فتبجح بالهته التي هي من الحجر والاصنام. ولام ابراهيم عن رغبته عنها. وهذا من الجهل المفرط. والكفر الوخيم يتمدح بعبادة الاوثان ويدعو اليها مليا. لان لم تنتهي اي عن شتم الهتي ودعوتي الى عبادة الله لارجمنك. اي قتلا بالحجارة واهجرني مليا. اي لا تكلمني زمانا طويلا. فاجابه الخليل جواب عباد الرحمن عند خطاب الجاهلين. ولم يشتمه. بل صبر ولم يقابل اباه بما يكره وقال سلام عليك. اي ستسلم من خطابي اياك بالشتم والسب وبما تكره. ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا اي لا ازال ادعو الله لك بالهداية والمغفرة. بان يهديك للاسلام الذي تحصل به المغفرة. انه كان بي حفيا رحيم رؤوفا بحالي معتنيا بي. فلم يزل يستغفر الله له رجاء ان يهديه الله. فلما تبين له انه عدو الله وانه لا فيفيد فيه شيئا ترك الاستغفار له وتبرأ منه. وقد امرنا الله باتباع ملة ابراهيم. فمن اتباع ملته سلوك طريقه في الدعوة الى الله بطريق العلم والحكمة واللين والسهولة. والانتقال من مرتبة الى مرتبة. والصبر على ذلك. وعدم السآمة منه والصبر على ما ينال الداعي من اذى الخلق بالقول والفعل. ومقابلة ذلك بالصفح والعفو. بل بالاحسان القولي والفعلي. فلما ليس من قومه وابيه قال واعتزلكم لا اكون بدعاء ربي شقيا. واعتزلكم وما تدعون من دون الله. اي انتم واصنامكم وادعو ربي وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة. عسى ان لا اكون بدعاء ربي شقيا. اي عسى الله ان يسعدني باجابة دعائي وقبول اعمالي. وهذه وظيفة من ايس ممن دعاهم. فاتبعوا اهواءهم. فلم تنجح فيهم المواعظ. فاصروا في انهم يعمهون ان يشتغل باصلاح نفسه. ويرجو القبول من ربه. ويعتزل الشر واهله. ولما كان مفارقة الانسان لوطنه ومألفه واهله وقومه من اشق شيء على النفس بامور كثيرة معروفة ومنها انفراده عمن يتعزز بهم ويتكثر وكان من ترك فشيئا لله عوضه الله خيرا منه. واعتزل ابراهيم قومه قال الله في حقه وكلا من اسحاق ويعقوب جعلنا نبيا فحصل له هبة هؤلاء الصالحين المرسلين الى الناس الذين خصهم الله بوحيه واختارهم لرسالته واصطفاهم من العالمين ووهبنا لهم اي لابراهيم وابنيه من رحمتنا. وهذا يشمل جميع ما وهب الله له من الرحمة من العلوم النافعة والاعمال الصالحة وذرية الكثيرة المنتشرة. الذين قد كثر فيهم الانبياء والصالحون جعلنا لهم لسان صدق عليا. وهذا ايضا من الرحمة التي وهبها لهم. لان الله وعد كل محسن ان ينشر له ثناء صادقا فباحسانه وهؤلاء من ائمة المحسنين فنشأ الله الثناء الحسن الصادق غير الكاذب العالي غير الخفي. فذكرهم ملأ والثناء عليهم ومحبتهم امتلأت بها القلوب وفاضت بها الالسنة. فصاروا قدوة للمقتدين وائمة للمهتدين ولا تزال اذكارهم في سائر العصور متجددة. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم اي واذكر في هذا القرآن العظيم موسى ابن عمران على وجه التبجيل له والتعظيم والتعريف بمقامه الكريم واخلاقه الكاملة. انه كان مخلصا. قرأ بفتح الله على معنى ان الله تعالى اختاره واستخلصه واصطفاه على العالمين. وقرأ بكسرها على معنى انه مخلص لله تعالى في جميع اعماله واقواله ونياته. فوصفه الاخلاص في جميع احواله. والمعنيان متلازمان. فان الله اخلصه لاخلاصه واخلاصه موجب لاستخلاصه. واجل حالة يوصف بها العبد الاخلاص منه. والاستخلاص من ربه اي جمع الله له بين الرسالة والنبوة. الرسالة تقتضي تبليغ كلام المرسل. وتبليغ جميع ما جاء به من الشر دقه وجله والنبوة تقتضي ايحاء الله اليه وتخصيصه بانزال الوحي اليه. فالنبوة بينه وبين ربه والرسالة بينه وبين الخلق بل خصه الله من انواع الوحي باجل انواعه وافضلها وهو تكليمه تعالى وتقريبه مناجيا لله تعالى وبهذا اختص من بين الانبياء بانه كليم الرحمن. ولهذا قال انني وقربناه نجيا. وناديناه من جانب الطور الايمن اي الايمن من موسى في وقت مسيره. او الايمن اي ابرك من اليمن والبركة. ويدل على هذا المعنى قوله تعالى ان بورك من في النار ومن حولها والفرق بين النداء والنداء ان النداء هو الصوت الرفيع والنداء ما دون ذلك. وفي هذه اثبات الكلام لله تعالى وانواعه من النداء والنداء. كما هو مذهب اهل السنة والجماعة. خلافا لمن انكر ذلك من الجهمية والمعتزلة. ومن نحى نحو فهم وقوله ووهبنا له من رحمتنا اخاه هارون نبيا ووهبنا له من اخاه هارون نبيا. هذا من اكبر فضائل موسى واحسانه. ونصحه لاخيه هارون. انه سأل ربه ان يشركه في امره ان يجعله رسولا مثله فاستجاب الله له ذلك ووهب له من رحمته اخاه هارون نبيا. فنبوة هارون تابعة لنبوة موسى عليهما السلام فساعده على امره واعانه عليه اي واذكر في القرآن الكريم هذا النبي العظيم الذي خرج منه الشعب عربي افضل الشعوب واجلها. الذي منهم سيد ولد ادم. انه كان صادق الوعد. اي لا يعد وعدا الا وفى به شامل الوعد الذي يعقده مع الله او مع العباد. ولهذا لما وعد من نفسه الصبر على ذبح ابيه له. وقال ستجدني ان شاء الله من الصابرين وفى بذلك ومكن اباه من الذبح الذي هو اكبر مصيبة تصيب الانسان ثم وصفه بالرسالة والنبوة التي هي اكبر منن الله على عبده. واهلها من الطبقة العليا من الخلق وكان يأمر اهله بالصلاة والزكاة اي كان مقيما لامر الله على اهله فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للاخلاص للمعبود. وبالزكاة المتضمنة للاحسان الى العبيد. فكمل نفسه وكمل غيره وخصوصا اخص الناس عنده وهم اهله لانهم احق بدعوته من غيرهم. وذلك بسبب امتثاله لمراضي ربه واجتهاده فيما يرضيه. ارتضاه الله وجعله من خواص عباده واوليائه المقربين. رضي الله عنه ورضي هو عن ربه اي اذكر في الكتب على وجه التعظيم والاجلال. والوصف بصفات الكمال ادريس جمع الله له بين الصديقية الجامعة للتصديق التام والعلم الكامل واليقين الثابت والعمل الصالح وبين اصطفائه لوحيه واختياره لرسالته اي رفع الله ذكره في العالمين ومنزلة بين المقربين فكان عالي الذكر عالي المنزلة الذين انعم الله عليهم من النبيين من النبيين من ابراهيم وممن هدينا واجتبينا تتلى عليهم ايات الرحمن خر سجدا وبكيا لما ذكر هؤلاء الانبياء المكرمين وخواص المرسلين. وذكر فضائلهم ومراتبهم. قال اولئك كالذين انعم الله عليهم من النبيين اي انعم الله عليهم نعمة لا تلحق ومنة لا تسبق من النبوة والرسالة وهم الذين امرنا ان ندعو الله ان يهدينا صراط الذين انعمت عليهم وان من اطاع الله كان مع الذين انعم الله عليهم من النبيين وان بعضهم من ذرية ادم وممن حملنا مع نوح اي من ذريته ومن ذرية ابراهيم واسرائيل. فهذه خير بيوت العالم اصطفاهم الله واختارهم واجتباهم وكان حالهم عند تلاوة ايات الرحمن عليهم متضمنة للاخبار بالغيوب والصفات علام الغيوب. والاخبار باليوم الاخر والوعد والوعيد. خروا سجدا وبكيا. اي خضعوا لايات الله وخشعوا لها واثرت في قلوبهم من الايمان والرغبة والرهبة. ما اوجب لهم البكاء والانابة والسجود لربهم لم يكونوا من الذين اذا سمعوا ايات الله خروا عليها صما وعميان. وفي اضافة الايات الى اسمه الرحمن دلالة على ان اياته من بعباده واحسانه اليهم. حيث هداهم بها الى الحق وبصرهم من العمى وانقذهم من الضلالة. وعلمهم من الجهالة