الحمد لله الكبير المتعال احمده سبحانه العفو عن كثير من الافعال والاقوال واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد فهذه الكلمة الاخلاق عن التغافل هذه الصفة هذه الصفة الجليلة الدقيقة التي هي خلق جميل من اخلاق الكبار وهو من فضل الله تبارك وتعالى على عباده الابرار اولا ما معنى التغافل التغافل تفاعل من الغفلة وهو ان يتكلف الانسان نفسه الصفح عن الناس والعفو عنهم والتجاوز عن زلاتهم والتغاظي عنهم فهو يري من نفسه انه غافل عنهم وهو ليس كذلك والمتيقظ الطبع فانه لا يظع الغفلة الا في موظعها الذي آآ لا يذم فيه فتجده يتغافل عن البحث والتقصي ويتغافل فهما للحقيقة واضرابا عن الطيش ويستعمل الحلم لكن لا يتغافلوا عما يخرم المروءة ولكي نفهم معنى التغافل لننظر الى بعض الامثلة على التغافل فمثال التغافل التغافل كون الانسان يعلم ان فلانا تكلم من ورائي ولكنه لا يجابه بذلك ويعلم ان فلانا اذا كان امامه يحسن واذا كان من ورائه فانه يسيء اليه فيتغافل عنه ويعامله بظاهر ما يظهر هذا من اجل صور التغافل وهذا التغافل لا يقدر عليه الا اصحاب النفوس الكبيرة والعزائم العظيمة وهذا يدلنا على ان التغافل تكرم من اصحاب الاخلاق العالية وترفع من اصحاب الهمم الرفيعة وبعد عن سفاسف الامور. وما قد يأتي بسبب القيل والقال والنقاش والجدال ومن امثلة التغافل التغافل عن المطالبة بالحق وهو تعمد للترك وتجاوز عن الزلات والعيوب والاخطاء وهنا لابد ان ننتبه ان التغافل وغظ الطرف عن العوار لم يكن مذموما اذا لم يكن الوصف الذي انشغل به المتغافل عنه معيبا او مشينا من الناحية الشرعية فالانسان يتغافل فيما يتعلق بحق نفسه لا فيما يتعلق بحرق شرعة ربه فان كان الحق متعلقا بحق الشرع وجب السؤال والتفتيش فان التغافل انما يمدح انما يمدح في امر المعاشي وفي المسامحة في كلمة واهمال ادب من اداب الزوجة مع زوجها والابن مع ابيه والجاري مع جاره والصاحب مع صاحبه ونحو ذلك واما في امر الدين والعرظ فلا يحسن التغافل لا سيما عن الواجبات ولهذا قيل ان الغفلة عن المحرمات او المكروهات ان الغفلة عن المحرمات او المكروهات ومباشرتها قسوة في القلب ونقص في الايمان واما التغافل عن الزلات وحقوقك على الناس لين في القلب وزيادة في الايمان ومما يدل على التغافل ما جاء في كتاب الله عز وجل وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام السلف فقد قال الله تعالى في سورة التغابن التي هي على وزن التغافل من لم يتغافل يغبن قال جل وعلا يا ايها الذين امنوا ان من ازواجكم واولادكم عدوا لكم فاحذروهم وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم وان تعفو وتصفحوا فان الله غفور رحيم فلما ذكر العفو والصفح مع من قد يكون عدوا لنا فهذا من اعظم ما يدل على التغافل وانه ينبغي للانسان ان يعفو وان يصفح وان يتغافل عن حقه تجاه اولاده وتجاه زوجته وتجاه اصحابه ووجه اخوانه قال عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم نعفو عن الخادم وفي رواية انه قال ان لي خادما يسيء ويظلم يعني يجمع بين الامرين بين ظلم بحق السيد وبين الاساءة في في في العمل او في الادب يسيء ويظلم وهنا قال كم نعفو عن الخادم؟ يعني كم مرة ثم اعاد عليه الكلام فصمت فلما كان الثالثة قال صلى الله عليه وسلم اعف عنه كل يوم سبعين مرة رواه الامام احمد في مسنده وهو حديث صحيح ولا يمكن العفو عن الخادم وعن المتعامل معه وعن الاصحاب والخلان سبعين مرة ما لم يكن معه تغافل والا فيحصل الشحناء والبغضاء وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في قصة النسوة الاحدى عشر اللائي النسوة الاحدى عشرة لا يجتمعن فتعاهدنا وتعاقدنا الا يكتمن من اخبار ازواجهن شيئا قالت احداهن زوجي اذا دخل فهد واذا خرج اسد ولا يسأل عما عهد وكونه لا يسأل عما عهد يدخل فيه انواع من التغافل وهذا الحديث رواه البخاري في باب حسن المعاشرة مع الاهل قال عمرو بن عثمان المكي المروءة التغافل عن زلل الاخوان ومعلوم ان المروءة من صفات الكمال وروى البيهقي في مناقب الامام احمد رحمه الله تعالى عن عثمان بن زائدة قال العافية عشرة اجزاء تسعة منها في التغافل قال فحدثت به احمد بن حنبل فقال العافية عشرة اجزاء كلها في التغافل فاذا اراد الانسان ان يكون متعافيا في عرظه متعافيا عن قيل وقال الناس متعافيا عن شبهات الناس وعن شكوكهم فعليه بالتغافل وقال جعفر بن محمد الصادق عظموا اقداركم بالتغافل فالاب يعظم قدره في البيت اذا تغافل لكن لو دقق على كل صغيرة وكبيرة صغر قدره وذهب وذهبت هيبته ومن عجيب ما ذكر من قصص التابعين في التغافل ما جاء وحكي عن بنت عبدالله بن مطيع وهي تابعية انها قالت لزوجها طلحة بن عبدالرحمن بن عوف وهو تابعي وكان اجود قريش في زمانه قالت ما رأيت قوما الأم من اخوانك يعني زوجته تعيب عليه قال مه ولم ذلك قالت اراهم اذا ايسرت لزموك يعني صاروا حولك وجاؤوك في الديوان وجلسوا معك وقاموا معك واذا اسرت تركوك اذا صار ما عندك مال ولا عندك جاه ما جاؤوك قال طلحة بن عبدالله عبد الرحمن بن عوف هذا والله من كرمهم يأتوننا في حال القوة بنا عليهم ويتركوننا في حال الضعف بنا عنهم فانظر يا رعاك الله كيف تأول بكرمه هذا التأويل حتى جعل قبيح فعلهم حسنا وظاهر غدرهم وفاء وهذا لا ريب انه محض الكرم ولباب الفضل وبمثل هذا يلزم ذوي الفضل ان يتأول الهفوات من اخوانهم ومن اقرانهم ومن اترابهم ومن ارحامهم ومن اصحابهم اذا ما بدت من صاحب لك زلة فكن انت محتالا لزلته عذرا قال بعض الحكماء رحمهم الله تعالى وجدت اكثر امور الدنيا لا تجوز الا بالتغافل وقال اكثم بن صيفي من شدد نفر ومن تراخى تألف والشرف في التغافل وقال شبيب ابن شيبة الاديب العاقل هو الفطن المتغافل وقال الطائي ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي ومما يتبع هذا الفصل من الكلام التغافل عن الاعداء بعدم تتبع زلاتهم وتألفهم بما ينأيهم عن البغضاء ويعطفهم الى المحبة وذلك يكون بصنوف من البر الا ترى ان الله امرنا بالبر لابائنا وامهاتنا واهلينا ولو كانوا كفارا اذا لم يظهروا العداوة مع انهم كفار ومشركون معادون لله ولرسوله فقال تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسط اليهم ان الله يحب المقسطين والمنصوص عن الامام احمد رحمه الله في اكثر الروايات انه لا لم يستحب ان يفتش الانسان عما استراقب فيه فالمنصوص عنه انه قال لا يعرظ له وانه لا يفتش عما استراب به ولهذا لا يجوز للانسان ان يتتبع الظنون ولهذا قال جل وعلا يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن وقال النبي صلى الله عليه وسلم اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث ولهذا لا يجوز للانسان ان يظن بالناس سوءا او ان يقول فيهم سوءا او يظن في مقالتهم سوءا ظنا منه لان لانه ليس من رعى كمن سمع او ظن فمن سلامة الانسان تغافله عن معاصي الناس واخطائهم ما لم يجاهروا بها وسلامة لسانه عن الظنون في الناس وسلامة فكره عن الظنة في الناس ومن اسباب سلامة الانسان ايضا عدم تدقيقه في كل صغيرة وكبيرة فيجب الحذر من تتبع عورات المسلمين عموما فكيف بالاقربين وكيف باهل الدين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال يا معشر من اسلم بلسانه ولم يفظي الايمان الى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فانه من تتبع عورة اخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله قال ونظر ابن عمر يوما الى البيت او الى الكعبة فقال ما اعظمك واعظم حرمتك والمؤمن اعظم حرمة عند الله منك رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب فنتأمل ان بعض الناس نجده عفيفا عن اكل الحرام لكنه سليط بالخوض في اعراض المسلمين والمسلمات تحت مسميات شتى وتحت تأويلات متنوعة وهذا من تدليس ابليس فالحذر الحذر والله لو قيل لاحدهم خذ السيف واقطع رأس فلان لا يفعل ثم هو يتسلط بلسانه عليه في عرظه ومعلوم ان الخوظ في الاعراظ قريب من الخوظ في الدماء ان لم يكن مثله قال الاعمش رحمه الله التغافل يطفئ شرا كثيرا وقال الحسن البصري رحمه الله ما زال التغافل من فعل الكرام وقال كثير غزة يسير عزه ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب ومن يتطلب جاهدا كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر ولا يسلم له الدهر صاحبه وقيل في الامثال لا يكون المرء عاقلا حتى يكون عما لا يعنيه غافلا وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه نسأل الله الكريم رب العرش العظيم ان يخلقنا واياكم بالاخلاق الحسنة وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين