المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي باعراضك عنها. اي تترك في العذاب فاجيب بان هذا هو عين عملك. والجزاء من جنس العمل وكما عميت عن ذكر ربك وعشيت عنه ونسيته ونسيت حظك منه. اعمى الله بصرك في الاخرة. وحشرت الى النار اعمى اصم ابكم واعرض عنك ونسيك في العذاب. وكذلك نجزي من اسرف ولم يؤمن وكذلك اي هذا الجزاء نجزي من اسرف من تعدى الحدود وارتكب المحارم وجاوز ما اذن له. ولم يؤمن بايات ربه الدالة على جميع مطالب الايمان. دلالة واضحة صريحة فالله لم يظلمه ولم يضع العقوبة في غير محلها وانما السبب اسرافه وعدم ايمانه اشد وابقى. والعذاب الاخرة اشد من عذاب الدنيا اضعافا مضاعفة. وابقى لكونه لا ينقطع. بخلاف عذاب الدنيا فانه منقطع. فالواجب الخوف والحذر من عذاب الاخرة اي افلم يهدي هؤلاء المكذبين معرضين ويدلهم على سلوك الطريق الرشاد وتجنب طريق الغي والفساد ما احل الله بالمكذبين قبلهم من القرون الخالية والامم المتتابعة الذين يعرفون قصصهم ويتناقلون اسمارهم وينظرون باعينهم مساكنهم من بعدهم. كقوم هود وصالح ولوط وغيرهم وانهم لما كذبوا رسلنا واعرضوا عن كتبنا اصبناهم بالعذاب الاليم. فما الذي يؤمن هؤلاء ان يحل بهم ما حل باولئك اكفاركم خير من اولئكم؟ ام لكم براءة في الزبر؟ ام يقولون نحن جميعا منتصر؟ لا شيء من هذا كله فليس هؤلاء الكفار خيرا من اولئك حتى يدفع عنهم العذاب بخيرهم بل هم شر منهم لانهم كفروا باشرف الرسل وخير الكتب وليس لهم براءة مجبورة وعهد عند الله. وليسوا كما يقولون ان جمعهم ينفعهم ويدفع عنهم. بل هم اذلوا واحقر ومن ذلك فاهلاك القرون الماضية بذنوبهم من اسباب الهداية. لكونها من الايات الدالة على صحة رسالة الرسل الذين جاؤوهم ما هم عليه. ولكن ما كل احد ينتفع بالايات. انما ينتفع بها اولو النهى. اي العقول السليمة والفطر المستقيمة الباب التي تزجر اصحابها عما لا ينبغي هذا تسلية للرسول وتصبير له عن المبادرة الى اهلاك المكذبين المعرضين. وان كفرهم وتكذيبهم سبب لحلول العذاب بهم ولزومه لهم. لان الله جعل العقوبات سببا وناشئا عن الذنوب. ملازما لها وهؤلاء قد اتوا بالسبب ولكن الذي اخره عنهم كلمة ربك المتضمنة لامهالهم وتأخيرهم وضرب الاجل المسمى. فالاجل المسمى ونفوذ كلمة هو الذي اخر عنهم العقوبة الى ابان وقتها. ولعلهم يراجعون امر الله ويتوب عليهم ويرفع عنهم العقوبة. اذا لم عليهم الكلمة. ولهذا امر الله رسوله بالصبر على اذيتهم بالقول بك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وامره ان يتعوض عن ذلك ويستعين عليه بالتسبيح بحمده ربه في هذه الاوقات الفاضلة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. وفي اطراف النهار اوله واخره عموم بعد خصوص اوقات الليل وساعاته لعلك ان فعلت ذلك. ترضى بما يعطيك ربك من الثواب العاجل والاجل. وليطمئن قلبك وتقر عينك ربك وتتسلى بها عن اذيتهم. فيخف حينئذ عليك الصبر اي لا تمد عينيك معجبا. ولا تكرر النظر مستحسنا الى احوال الدنيا والممتعين بها. من المآكل والمشارب الذي ايه ده؟ والملابس الفاخرة والبيوت المزخرفة والنساء المجملة. فان ذلك كله زهرة الحياة الدنيا. تبتهج بها نفوس المغترين وتأخذ اعجابا بابصار المعرضين ويتمتع بها بقطع النظر عن الاخرة القوم الظالمون. ثم تذهب سريعا وتمضي جميعا وتقتل محبيها وعشاقها. فيندمون حيث لا تنفع الندامة. ويعلمون ما هم عليه اذا قدموا في القيامة. وانما جعلها الله فتنة ليعلم من يقف عندها ويغتر بها ومن هو احسن عملا. كما قال تعالى انا جعلنا ما على الارض زينة لها وهم ايهم احسن عملا. وانا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا. ورزق ربك خير وابقى. ورزق وربك العادل من العلم والايمان وحقائق الاعمال الصالحة والاجل من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار الرب الرحيم خير مما متعنا به ازواجا في ذاته وصفاته. وابقى لكونه لا ينقطع. اكلها دائم وظلها. كما قال تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وابقى. وفي هذه الاية اشارة الى ان العبد اذا رأى من نفسه طموحا الى زينة الدنيا واقبالا عليها ان يذكرها ما امامها من رزق ربه. وان يوازن بين هذا وهذا اي حث اهلك على الصلاة وازعجهم اليها من فرض ونفل. والامر بالشيء امر بجميع ما لا يتم الا به. فيكون امرا بتعليمهم ما يصلح الصلاة ويفسد ويكملها واصطبر عليها. اي على الصلاة باقامتها بحدودها واركانها وادابها وخشوعها. فان ذلك مشق على النفس ولكن ينبغي اكراهها وجهادها على ذلك. والصبر معها دائما فان العبد اذا اقام صلاته على الوجه المأمور به. كان لما سواها من دينه احفظ واقوم واذا ضيعها كان لما سواها اضيع. ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق. والا يشغله الاهتمام به عن اقامة دينه فقال نحن نرزقك اي رزقك علينا قد تكفلنا به كما تكفلنا بارزاق الخلائق كلهم. فكيف بمن قام بامرنا واشتغل بذكرنا؟ ورزق الله عام للمتق وغيره. فينبغي الاهتمام بما يجلب سعادة الابدية وهو التقوى. ولهذا قال والعاقبة في الدنيا والاخرة للتقوى التي هي فعل المأمور وترك المنهي من قام بها كان له العاقبة كما قال تعالى والعاقبة للمتقين اي قال المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم سيأتينا باية من ربه يعنون ايات الاقتراح كقولهم وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا او تكون لك من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا. او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا. او تأتي بالله والملائكة قبيلا وهذا تعنت منهم وعناد وظلم. فانهم هم الرسول بشر عبيد لله. فلا يليق منهم الاقتراح بحسب اهوائهم وانما الذي ينزلها ويختار منها ما يختار بحسب حكمته هو الله. ولان قولهم لولا انزل عليه ايات من ربه يقتضي ان انه لم يأتهم باية على صدقه ولا بينة على حقه. وهذا كذب وافتراء فانه اتى من المعجزات الباهرات والايات القاهرات فيحصل ببعضه المقصود ولهذا قال اولم تأتيهم انكار كانوا صادقين في قولهم وانهم يطلبون الحق بدليله بينة ما في الصحف الاولى. اي هذا القرآن العظيم المصدق لما في الصحف الاولى من والانجيل والكتب السابقة المطابق لها المخبر بما اخبرت به. وتصديقه ايضا مذكور فيها ومبشر بالرسول بها وهذا كقوله تعالى اولم يكفهم انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟ ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون. فالايات تنفي المؤمنين ويزداد بها ايمانهم وايقانهم. واما المعرضون عنها المعارضون لها فلا يؤمنون بها. ولا ينتفعون بها ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم وانما الفائدة في سوقها اليهم ومخاطبتهم بها لتقوم عليهم حجة الله. ولان لا يقولوا حين ينزل بهم العذاب من قبل ان نذل ونخزى بالعقوبة. فها قد جاءكم رسولي ومعه اياتي وبراهيني فان كنتم كما تقولون فصدقوه قل يا محمد مخاطبا للمكذبين لك الذين يقولون تربصوا به ريب المنون. قل كل متربص فتربصوا بي الموت. وانا اتربص بكم العذاب. قل هل تربصون بنا الا احدى الحسنيات اي الظفر او الشهادة. ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده او بايدينا. فتربصوا تعلمون من اصحاب الصراط السوي ومن اهتدى. فستعلمون من اصحاب الصراط السوي اي المستقيم ومن اهتدى بسلوكه انا ام انتم فان صاحبه هو الفائز الراشد الناجي المفلح ومن حاد عنه خاسر صائب معذب وقد علم ان الرسول هو الذي بهذه الحالة واعداؤه بخلافه. والله اعلم