وان كانت بدر اذكر في الناس وان كانت بدر اذكر في الناس منها وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك اني لم اكن قط اقوى ولا ايسر مني بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعه باحسان الى يوم الدين اما ابعد قال الله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم انفسهم وظنوا ان لا ملجأ من الله الا اليه ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم ولقد تاب الله على الثلاثة وهم كعب ابن مالك ومرارة ابن الربيع وهلال ابن عمية الذين خلفوا عن التوبة واخر قبول ثوبتهم بعد تخلفهم عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك فامر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بهجرانهم واصابهم حزن وغم على ذلك حتى ضاقت عليهم الارض على سعتها وضاقت صدورهم بما حصل لهم من الوحشة وعلموا ان لا ملجأ لهم يلجأون اليه الا الى الله وحده فرحمهم لتوفيقهم للتوبة ثم قبل توبتهم انه هو التواب على عباده الرحيم بهم ربنا جل جلاله لما ذكر انه قد تاب على من قارب الزيغ وخلط معهم اهل الثبات في ذلك الماح الى ان كل احد فقير الى الله تعالى وان الانسان قد يقع في بعض التقصير لاجل ان يخظع الى ربه ومولاه فما يحصل من وقوع الناس في الهنات والتقصير لاجل ان يتضرعوا الى ربهم وهذه الاية الكريمة لها سبب نزول وهناك سبب نزول صريح كمان سنقرأ الحديث من صحيح البخاري وكذلك مناسبة نزول لكن هذا هو سبب نزول وليس مناسبة اذا كعب ابن مالك صحابي تخلف وحكى قصته وهي من اعذب القصص. يقول لم اتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط الا في غزوة تابوت غير اني قد تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب احدا تخلف عنه انما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا على الاسلام وما احب ان لي بها مشهد بدر حين تخلفت عنه في تلك الغزوة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل عدوا كثيرا فجلى للمسلمين امرهم ليتأهبوا عقبة غزوهم فاخبرهم بوجههم الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد بذلة الديوان. قال كعب فقل رجل يريد ان يتغيب يظن ان ذلك سيخفى له. ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والضلال فانا اليها اصعب اي امير وانظر فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه وطفقت اغدو لكي اتجهز معهم فارجعوا ولم اقض شيئا واقول في نفسي انا قادر على ذلك اذا اردت فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد فاصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ولم اقض من جهازي شيئا ثم غدوت فرجعت ولم اقض شيئا فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى اسرع وتفارق الغزو اي فات وسبق فهممت ان ارتحل فادركهم فيا ليتني فعلت ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت اذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني اني لا ارى لي اسوة الا رجلا مغموصا عليه بالنفاق اي متهم او رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب بن مالك قال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه والنظر فيه يعني انه كان معجبا بلبسه وزيه ومنظره فقال له معاذ ابن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه الا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو على ذلك فرأى رجلا مبيرا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن ابا خيتم فاذا هو ابو خيثم الانصاري وهو الذي تصدع وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون فقال كعب بن مالك فلما بلغني ان رسول الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك حضرني بث اللي هو اشد الحزن فطفقت اتذكر الكذب واقول بما اخرج من سخطه غدا واستعين على ذلك كل ذي رأي من اهلي فلما قيل لي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اظل قادما زاح عني الباطل حتى عرفت اني لن انجو منه بشيء ابدا فاجمعت صدقه وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما وكان اذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون اليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نيتهم وبائعهم واستغفر لهم ووطن سرائرهم الى الله حتى جئتم فلما سلمت تبسم تبسم مغضب ثم قال تعال فجئت امشي حتى جلست بين يديه فقال لي ما خلفك الم تكن قد ابتأت ظهرك قال قلت يا رسول الله اني والله لو جلست عند غيرك من اهل الدنيا لرأيت اني ساخرج من سخطه بعذر ولقد اعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله ان يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه اني لارجو فيه عقبى الله يعني العاقبة من عند الله تعالى والله ما كان لي عذر والله ما كنت اقوى قط ما كنت قط اقوى ولا ايسر مني حين تخلفت عنك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك اذنبت ذنبا قبل هذا لقد عجزت في ان لا تكون اعتذرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به اليه المخلفون فقد كان شافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك قال فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى اردت ان ارجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكذب نفسي قال ثم قلت لهم هل لقي هذا معي من احد قالوا نعم لقيه معك رجلان قال مثلما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك قال قلت من هما قالوا مرارة بن ربيعة العامري وهلال ابن امية الواقفين قال فذكروا لي رجلين صالحين قد شهد بدرا فيهما اسوأ قال فمضيت حين ذكروهما لي. قال ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا ايها من بين من تخلف عنه قال فاجتنبنا الناس وقال تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الارض فما هي بالارض التي اعرف فلمتنا على ذلك خمسين ليلة فاما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان واما انا فكنت اشد القوم واجلدهم فكنت اخرج فاشهد الصلاة واطوف في الاسباب ولا يكلمني احد واتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فاقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام ام لا ثم اصلي قريبا واسارقه النظر فاذا اقبلت على صلاتي نظر الي واذا التفت نحوه اعرض عني حتى اذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط ابي قتادة وهو ابن عمي واحب الناس الي فسلمت عليه فوالله مارد علي السلام فقلت له يا ابا قتادة انشدك بالله هل تعلمن اني احب الله ورسوله؟ قال فسكت فعدت فناشدت فسكت فعدت فناشدته فقال الله ورسوله اعلم ففاضت عيناي وتوليتم حتى تسورت الجدار فبين انا امشي في سوق المدينة اذا نبطي طبعا نبضهم فلاحو العجم اذا انا بضي من نبض اهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب ابن مالك قال فطفق الناس يشيرون له اليه حتى جاءني فدفع الي كتابا من ملك غسان وكنت كاتبا فقرأته فاذا فيه اما بعد فانه قد بلغنا ان صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة تلحق بنا نواسك قال فقلت حين قرأتها. وهذه ايضا من البلاء التي اممت بها التنور اي قصدت بها التنور فسجرته بها اي حرقت الكتاب حتى اذا مضت اربعون من الخمسين واستلبث الوحي اي تأخر الوحي ولم ينزل اذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال اذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تعتزل امرأتك قال فقلت اطلقها ام ماذا افعل قال لا بل اعتزلها فلا تقربنها قال فارسل الى صاحبي بمثل ذلك. قال فقلت لامرأتي الحقي باهلك اتركوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الامر قال فجاءت امرأة هلال ابن امية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له يا رسول الله ان هلال بن امية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره ان اخدمه قال لا ولكن لا يقربنك فقالت انا والله ما به حركة الى شيء ووالله ما زال يبكي منذ كان من امره ما كان الى يومه هذا قال فقال لي بعض اهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد اذن لامرأته هلال ابن امية ان تخدمه قال فقلت لا استأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استأذنته فيها وانا رجل شاب قال فلبثت بذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا قال ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبين انا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا قد ظاقت علي نفسي وضاقت علي الارض بما رحبت سمعت صوت صارخ اوفى على سلع اي صعد على مكان مرتفع وجمل يقول باعلى صوته يا كعب ابن ما لك ابشر قال فخررت ساجدا وعرفت ان قد جاء فرج قال فاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا اي اعلم حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل الي فرسا وسعى ساع من اسلم قبله واوفى الجبل فكان الصوت اسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني فنزعت له ثوبي فكسوتهما اياه ببشارته والله ما املك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت اتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم اي اقصد يتلقان الناس فوجا فوجا. يهنئونني بالتوبة ويقولون لتهنأك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال فكان كعب لا ينساها لطلحة قالت فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور ويقول ابشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك امك قال فقلت امن عندك يا رسول الله؟ ام من عند الله؟ قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سر استنار وجهه وكان وجهه قطعة القمر قال وكنا نعرف ذلك. قال فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله ان من توبتي ان انخلع من مالي صدقة الى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسك بعض ما لك فهو خير لك قال فقلت فاني امسك سهمي الذي بخيل. قال وقلت يا رسول الله ان الله انما انجاني بالصدق وان من توبتي ان لا احدث الا صدقا ما بقيت. قال فوالله ما علمت ان احدا من المسلمين ابلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومي هذا احسن مما ابلاني الله به والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومي هذا واني لارجو ان يحفظني الله فيما بقي. فانزل الله عز وجل لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب طريق منهم ثم تاب عليهم انه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم انفسهم وظنوا ان لا ملجأ من الله الا اليه ثم تاب عليهم ليتوبوا. ان الله هو التواب الرحيم يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين قال كا والله ما انعم الله علي من نعمة قط بعد اذ هداني الله للاسلام اعظم في نفسي من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا اكون كذبته. فاهلك كما هلك الذين كذبوا ان الله قال للذين كذبوا حين انزل الوحي شر ما قال لاحد وقال الله سيحلفون بالله لكم اذا طلبتم اليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم. انهم ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين قال كعب كنا خلفنا ايها الثلاثة عن امر اولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وارجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم امرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله عز وجل وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذي ذكر الله مما خلفنا تخلفنا عن الغزو. وانما هو تخليفه ايانا وارجاؤه امرنا عمن حلف له واعتذر اليه فقبل منه اذا هذه الاية الكريمة وردت فيها هذه القصة وهذا الحديث من الاحاديث المهمة ومن بر الانسان بوالديه ان يقرأ هذا الحديث على والديه وكانني اذكر الان حينما جلست قبل عشرين عاما اقرأه من صحيح البخاري على امي وابي يرحمهم الله تعالى ويرحم الله امة الاسلام اجمعين. اذا وعد الثلاثة الذين خلفوا اي وتاب الله عليه فاصحاب النبي الثلاثة الذين اخر عليه الصلاة والسلام الحكم في امرهم الى ان يحكم الله تعالى فيهم ويبت في شأنهم هؤلاء صدقوا اخروا خمسين يوما لكن نزل بهم قرآن يتلى الى يوم القيامة وحث الله تعالى على ان نكون مع الصادقين فقال يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين اذا النجاة في الصدق قال تعالى حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رهبت اي حتى اذا ضاقت الارض على هؤلاء الثلاثة مع سعة هذه الارظ وذلك وتقدم في الرواية انهم قد امروا باعتزال ازواجهم ومنع المسلمون من معاملتهم وكلامهم مع اعراض النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا هو يسمى الزجر بالهجر وهو مقرون بالمصلحة الشرعية وليس لكل احد وضاقت عليهم انفسهم اي وضاقت عليهم انفسهم بسبب الهم والكرب والحزن الذي اصابهم بسبب هذه العقوبة الطويلة والهجرة والمقاطعة الكبيرة وظنوا ان لا ملجأ من الله الا اليه ايوة اي قانون فظن تأتي بمعنى ظن المعروف وتأتي بمعنى اليقين فهذه هنا ظن بمعنى اليقين ايقن انه لا شيء لهم يرجعون اليه ليسلموا من عذاب الله وسخطه. ويرتفع عنهم الكرب والبلاء الا الله وحده دون من سواه اذا لا يأتي بالخير الا الله ولا يدفع الشر الا الله سبحانه وتعالى. قال تعالى ثم تاب عليهم ليتوبوا. اي ثم وفقهم بالتوبة لتقع منهم التوبة فيرجعون الى الله تعالى ويستقيموا على طاعته. فيقبل الله تعالى توبتهم ان الله هو التواب الرحيم اي ان الله وكثير قبول التوبة فيوفق من يشاء من عباده للتوبة ويقبلها منهم وهو واسع الرحمة ومن رحمته ان لا يعاقب التائبين بعد توبتهم ثم قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين يا ايها الذين امنوا بالله واتبعوا رسوله وعملوا بشرعه اتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب نواهيه وكونوا مع الصادقين في ايمانهم واقوالهم واعمالهم فلا من جاز لكم الا في الصدق اذا الله سبحانه وتعالى بعد ان ذكر قصة هؤلاء امر بان نكون مع الصادقين. اي يا ايها المؤمنون اتقوا الله بامتثال اوامره وربنا جل جلاله لا يترك اثابة محسن بل ان الله تعالى محسنا محسن لعباده وربنا جل جلاله مع المحسنين وفي سورة النساء ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها واجتناب نواهيه وكونوا مع الصادقين اي كونوا ايها المؤمنين في زمرة الصادقين في ايمانهم واقوالهم وافعالهم ولا تتخلف عن صحبتهم ونصرتهم واتبعوا سبيلهم والزموا الصدق لتكونوا معهم في الاخرة فاذا هذا النص الجليل ينبغي للانسان ان يعنى به غاية العناية ثم قال تعالى ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بانفسهم عن نفسه ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصبوا ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ كفار ولا ينالون من عدو ميلا الا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين ليس لاهل المدينة ولا لمن حولهم من سكان البادية ان يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج الى الجهاد بنفسه وليس لهم ان يشحوا بانفسهم ويصونوها عن نفسه بل الواجب عليهم ان يبذلوا انفسهم دون نفسه ذلك لانهم لا ينالهم عطش ولا تعب ولا مجاعة في سبيل الله ولا ينزلون مكانا يثير وجودهم به غيظ الكفار ولا يصيبون من عدو قتلا او اسرا او غنيمة او هزيمة الا كتب الله لهم بذلك ثواب عمل صالح يقبله منهم ان الله لا يضيع اجر المحسنين بل يوفيهم اياه كاملا ويزيدهم عليه سبحانه وتعالى ولذلك الانسان يجد بطاعة الله سبحانه وتعالى. فربنا جل جلاله لا يفوت على الانسان اي عمل او اي شيء يصيبه فربنا جل جلاله يعطي الانسان الثواب على كل شيء اذا لما امر الله تعالى بقوله وكونوا مع الصادقين امر الله تعالى بوجوب ان نكون في موافقة الرسول في جميع الغزوات والمشاهد اكد ذلك فنهى في هذه الاية عن التخلف مع الله فقال ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله اي ما كان ينبغي للمسلمين من سكان مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ومن حولهم من سكان البوادي ان يتخلفوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال ولا يرغب بانفسهم عن نفسه اي ما كان ينبغي لهم ان يترفعوا بانفسهم عن نفس النبي صلى الله عليه وسلم في صحبته في الجهاد في سبيل الله ويرظوا لانفسهم الراحة. والنبي صلى الله عليه وسلم في تعب ومشقة وجهاد ثم رغب الله تعالى فالثواب الذي يناله الانسان حينما يكون على طاعة. قال ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب اي ما كان ينبغي لهم ذلك بانه لا يصيبه في الجهاد من عطش ولا تعب الا ولهم فيه اجر كبير عند الله تعالى قال ولا مخمصة في سبيل الله اي لا يصيب هم من مجاعة شديدة في جهادهم لاعلاء كلمة له الا اجروا اجرا كبيرا ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار اي ولا تصل اقدامهم الى الارض وفي هذا الوصول يغضب الكفار من وصولهم اليه. يؤجرون اجرا عظيما ولا ينالون من عدو نينة اي ولا يصيبون من الكفار من شيء قليل او كثير من قتل او جراح او اسر او غنيمة وهزيمة الا كتب لهم به عمل صالح اي كتب الله لهم بهذه الاعمال اعمالا صالحة وثوابا جزيلا عند الله تعالى ونحن نعلم بان العمل الصالح لا يذهب ولذلك في صحيح الامام البخاري رقم الفين وثمان مئة واثني عشر حديث عظيم في هذا الباب الفين وثمان مئة وستين ايضا الخير ثلاثة هي لرجل اجر ولرجل وزر ولرجل ستر وشرح النبي صلى الله عليه وسلم قال فاما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ولواء على اهل الاسلام فهي له وزر. واما الذي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينسى حق الله في ظهورها ولا رقابها فهي له ستر واما التي هي له اجر فرجل ربطها في سبيل الله لاهل الاسلام في مرج وروضة فما اكلت من ذلك المرد او الروضة من شيء الا كتب له عدد ما اكلت حسنات وكتب له عدد ارواحها وابوالها حسنات ولا تقطع طوالها اي الحد الذي تربط به فاستنت شرفا او شرفين يعني ذهبت وعادت الا كتب الله له عدد اثارها وارواتها حسنات ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد ان يسقيها الا كتب الله له عدد ما شربت حسنات وهذا الحديث شرحه الشراح ومن احسن من شرحه ابن الملقن في التوضيح وايضا لما ذكر هذا الخبر بين قيمة العلم ومكانة العلم وربطه بربط عجيب دل على حجته وقوته وربنا لما ذكر هذا الثواب قال ان الله لا يضيع اجر المحسنين ربنا جل جلاله يعطي عباده الاجور لانهم محسنون ويؤتي من لدنه اجرا عظيما ثم قال الله تعالى بعد هذا ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون ولا يبذلون مالا قليلا كان او كثيرا ولا يتجاوزون واديا الا كتب لهم ما عملوه من من بذل ومن سفر ليكافئهم الله فيعطيهم في الاخرة اجر احسن ما كانوا يعملون فربنا جل جلاله يعدد الخصال التي تضاعف لهم الحسنات ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة اي لا ينفق الغازون في سبيل الله نفقة صغيرة ولا نفقة كبيرة ولا يجاوزون في غزوهم واديا ذاهبين او راجعين الا كتب لهم ثواب ذلك قال ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون. اي كتب لهم ثواب عملهم ذلك ليجزيهم الله عليه كاحسن ما يجزيهم على احسن اعمالهم التي كانوا يعملونها وربنا جل جلاله يعطي الثواب الكبير على العمل صغيرا كان او كبيرة وهذا من رحمة الله. وكلما عظمت نية الانسان فان الله سبحانه وتعالى يعظم ثاني اجرح ثم قال تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون وما ينبغي للمؤمنين ان يخرجوا للقتال جميعا حتى لا يستأصلوا اذا ظهر عليهم عدوهم. فهلا خرج للجهاد فريق منهم وبقي فريق ليرافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتفقه في الدين بما يسمعونه منه صلى الله عليه وسلم. من القرآن واحكام الشرع وينذر قومهم اذا رجعوا اليهم بما تعلموه. رجاء ان يحذروا من عذاب الله وعقابه فيمتثل اوامره ويجتنب نواهيه وكان هذا في السرايا التي كان يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم الى النواهي ويختار لها طائفة من اصحابه اذا هذه الاية عظيمة وايضا هي اية تدل على اهمية العلم ومكانته وما كان المؤمنون لينفروا كافر. اي وما ينبغي للمؤمنين ان ينفروا كلهم في وقت واحد للجهاد في سبيل الله. اذا كيف ينفرون؟ قال فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين اي فهلا نفر من كل قبيلة او اهل مدينة جماعة من المسلمين للقتال تحصل بهم الكفاية ليتأتى لجملة المؤمنين القاعدين تعلم دين الله والتفقه. لماذا؟ لان الفقه يحتاجه المجاهد وغير المجاهد قال ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ايوة ليعلم القاعدون قومهم الذين نفروا الى الغزو اذا رجعوا اليهم ويخوفوهم ويعظوهم من اجل ايه ان يحذروا المعاصي لان المعاصي جراح ولاجل ان لا يعملوا بخلاف ما تعلموا لان الانسان انما يتعلم لاجل العمل من فوائد الايات وجوب تقوى الله والصدق وانهما سبب للنجاة من الهلاك عظم فضل النفقة في سبيل الله وجوب التفقه في الدين مثله مثل الجهاد وانه لا قيام للدين الا بهما مع هذه الفوائد هي الفوائد التي ذكرها الاخوة في مركز تفسير اذا في هذه الصفحة الكريمة فوائد عديدة وهذا الحديث حديث توبة كعب بن مالك من الاحاديث التي ينبغي ان يعتنى بها والسيرة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة اصحابه كان الصحابة والتابعون يعلمونها ابناءهم ويحفظونهم اياها كما يحفظونهم القرآن وهذا الحديث حديث عظيم وفيه فوائد في هذا الحديث الذي قرأناه ذكر تهيؤ النبي صلى الله عليه وسلم بالذهاب الى غزوة تبوك وامره لاصحابه بذلك. فتسارعوا الى الاستجابة لامره مع ما كان فيهم من المشقة والضعف والقلة في الزاد والركائب ونحو ذلك وفيه ذكر قصة تخلف كعب بن مالك رضي الله عنه ونزول هذه الايات في حقه بعد مدة هي اصعب الاوقات التي مرت به كما صرح هو بذلك فجاء في كتاب الله توبة الله عليه وعلى الرجلين الذين معه ثانيا في هذا الحديث الكثير من الفوائد فلا يمكن الاحاطة بها جميعها في هذا المكان لا سيما درسنا طال وانا اختصرت الفوائد من بقية الايات فنقتصر على ذكر بعض منها ومن ذلك ان على المؤمن ان يحذر من تعليق قلبه بالدنيا ومتعها وذلك لان الدنيا اذا تعلقت في قلب العبد صرفته عن طاعة ربه ومولاه ثالثا دل الحديث على مشروعية عدم اظهار المقصد عند ارادة الغزو لئلا يستعد العدو لملاقاتهم وليدخل في ذلك عنصر المفاجئة للعدو فيكون سببا من اسباب النصر عليهم رابعا جواز اظهار مدى الخطر للجيش ليستعدوا لملاقاته ويتخذوا الاسباب التي تعين على ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستعدوا ببعد لبعد الطريق وقلة الزاد وقلة الماء ومر معنا في المجلس السابق ان الله قد سماه بساعة العسرة خامسا على المؤمن الموفق اذا هم لفعل طاعة من الطاعات ان يبادر الى فعلها. على الفور وان لا يسوف ولا يتوانى لان التسويف والتوالي قد يصرفه عن ذلك العمل سادسا من صفات عباد الله المتقين التي امرهم الله بالتخلق بها هو ان يحب المؤمن لاخيه الخير كما يحبه لنفسه وليس هناك خير اعظم نفعا من التوفيق الى طاعة الله سبحانه وتعالى سابعا ان الله تعالى قد فظل بعض العباد على بعض ومن ذلك التفضيل في القوة في قوة البدن او قوة اللسان فينبغي على من وهب شيئا من هذه القوى ان يستثمرها في الطاعة وان يحذر من تسخيرها في المعصية لان ذلك سيؤدي الى صرفها عنه ثامنا في الحديث حسن ظن المؤمنين بعضهم ببعض تاسعا يستحب لمن رجع من السفر ان يبادر الى الصلاة قبل اي شيء اخر تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم عاشرا مشروعية هجر المؤمن اذا بذرت منه معصية تدعو الى مثل ذلك على ان الهجر يكون لمن يرجى توبته اذا رأى هجر اخوانه له اما اذا كان الهجر يتسبب في زيادة بعده وانحرافه فلا يشرع هجره بل ينبغي التقرب اليه ووعده وارشاده حتى يعد. اذا الزجر بالهجر مقرون بالمصلحة الشرعية حادي عشر ان من خير متاع الدنيا المرأة الصالحة التقية التي تعين زوجها على طاعة الله سبحانه وتعالى لذا يستحب للمؤمن الذي يرغب بالزواج ان يلتمس صاحبة الدين والتقوى قبل اي شيء اخر تاني عشر الترغيب في الصدق في السراء والضراء لان الصدق من اسباب النجاة في الدنيا والاخرة ثالث عشر ان اعظم ما يدخل السرور في قلب المؤمن علمه بان الله قد تاب عليه ويعرف ذلك بالتوفيق الى العبادة والثبات عليها بعد التوبة رابع عشر يدل الحديث على شدة محبة النبي صلى الله عليه وسلم كعب ابن مالك رضي الله عنه لذا فقد سر به سرورا عظيما عند نزول الاية التي فيها توبة الله عليك خامس عشر يستحب لمن حلت عليه نعمة من نعم الله تعالى ان يبادر الى شكر هذه النعمة بعمل طاعة من الطاعات كالصدقة ونحو ذلك سادس عشر على المؤمن ان يكون على حذر من الانتكاس بعد التوفيق الى الطاعة. فيكثر من سؤال الله الثبات سابع عشر مشروعية سجود الشكر عند ظهور النعمة فينبغي للعبد ان يطالع هذه النعم وان يبادر الى شكرها وان يتقرب الى الله تعالى فيها هذا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته