المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. ونضع الموازين القسط ليوم القيامة يخبر تعالى عن حكمه العدل وقضاء القسط بين عباده اذا جمعهم في يوم القيامة وانه يضع لهم الموازين العادلة التي يبين فيها مثاقيل الذر التي توزن بها الحسنات والسيئات نفسي شيئا. فلا تظلم نفس مسلمة او كافرة شيئا بان تنقص من حسناتها. او يزاد في سيئاتها وان كان مثقال حبة من خردل التي اصر الاشياء واحقرها من خير او شر. اتينا بها واحضرناها ليجازى بها صاحبها كقوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. وقالوا يا ويلتنا ما لهذا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ووجدوا ما عملوا حاضرا. وكفى بنا حاسبين يعني بذلك نفسه الكريمة. فكفى به حاسبا. اي عالما باعمال العباد. حافظا لها مثبتا لها في كتاب عالما بمقاديرها ومقادير ثوابها وعقابها واستحقاقها. موصلا للعمال جزاءها وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين. كثيرا ما يجمع تعالى بين هذين الكتابين بين الجليلين الذين لم يطرق العالم افضل منهما. ولا اعظم ذكرى ولا ابرك ولا اعظم هدى وبيانا. وهما التوراة والقرآن فاخبر انه اتى موسى اصلا وهارون تبعا الفرقان. وهو التوراة الفارقة بين الحق والباطل. والهدى والضلال انها ضياء اي نور يهتدي به المهتدون. ويأتم به السالكون وتعرف به الاحكام. ويميز به بين الحلال والحرام. وينير في ظلمة الجهل والبدع والغواية. وذكرا للمتقين. يتذكرون به ما ينفعهم وما يضرهم. ويتذكر به الخير والشر. وخاصة المتقين بالذكر لانهم المنتفعون بذلك علما وعملا ثم فسر المتقين فقال الذين يخشون ربهم بالغيب اي يخشونه في حال غيبتهم وعدم شاهدت الناس لهم فمع المشاهدة اولى. فيتورعون عما حرم. ويقومون بما الزم اي خائفون وجيلون. لكمال معرفتهم بربهم. فجمعوا بين الاحسان والخوف. والعطف هنا من باب عطف الصفات المتغايرة الواردة على شيء واحد وموصوف واحد وهذا اي القرآن ذكر مبارك انزلناه فوصفه وصفين جليلين كونه ذكرا يتذكر به جميع المطالب. من معرفة الله باسمائه وصفاته وافعاله. ومن صفات الرسل والاولياء احوالهم ومن احكام الشرع من العبادات والمعاملات وغيرها. ومن احكام الجزاء والجنة والنار. فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية نقلية وسماه ذكرى لانه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر. من التصديق بالاخبار الصادقة والامر بالحسن عقلا والنهي عن القبيح عقلا. وكونه مباركا يقتضي كثرة خيراته. ونماءها وزيادتها ولا شيء اعظم بركة من هذا القرآن فان كل خير ونعمة وزيادة دينية او دنيوية او اخروية فانها بسببه. واثر عن العمل به فاذا كان ذكرا مباركا وجب تلقيه بالقبول والانقياد والتسليم. وشكر الله على هذه المنحة الجليلة والقيام بها استخراج بركته بتعلم الفاظه ومعانيه. واما مقابلته بضد هذه الحالة من الاعراض عنه. والاضراب عنه صفحا. وان كاره وعدم الايمان به. فهذا من اعظم الكفر واشد الجهل والظلم. ولهذا انكر تعالى على من انكره. فقال ولقد اتينا ابراهيم رشده من قبل لما ذكر تعالى موسى ومحمدا صلى الله عليهما وسلم وكتابيهما قال ولقد اتينا إبراهيم رشده من قبل اي من قبل ارسال موسى ومحمد ونزول كتابيهما. فاراه الله ملكوت السماوات والارض. واعطاه من الرشد الذي كمل به نفسه ودعا الناس اليه ما لم يؤته احدا من العالمين غير محمد. واضاف الرشد اليه لكونه رشدا بحسب حاله وعلو مرتبته فكل مؤمن له من الرشد بحسب ما معه من الايمان. اي اعطيناه رشدا. واختصصناه بالرسالة والخلة واصطفيناه في الدنيا والاخرة. لعلمنا انه اهل لذلك وكفؤ له بذكائه وذكائه. ولهذا ذكر محاجته لقومه ونهيهم عن الشرك وتكسير الاصنام والزامهم بالحجة. فقال التماثيل التي انتم لها عاكفون. اذ قال لابيه وقومه ما هذه التماثيل التي مثلتموها؟ نحتموها بايديكم على صور بعض المخلوقات التي انتم لها عاكفون. مقيمون على عبادتها ملازمون لذلك فما هي؟ واي فضيلة تثبت لها واين عقولكم التي ذهبت حتى افنيتم اوقاتكم بعبادتها؟ والحال انكم مثلتموها ونحتموها بايديكم فهذا من اكبر العجائب تعبدون ما تنحتون. فاجابوا بغير حجة. جواب العاجز الذي ليس بيده ادنى شبهة وجدنا اباءنا لها عابدين. فقالوا وجدنا اباءنا كذلك يفعلون. سلكنا سبيلهم وتبعناهم على عبادتها. ومن المعلوم ان فعل احد من الخلق سوى الرسل ليس بحجة. ولا تجوز به القدوة خصوصا في اصل الدين وتوحيد رب العالمين. ولهذا قال لهم ابراهيم مضلل للجميع اباؤكم في ضلال مبين. اي ضلال بين واضح. واي ضلال ابلغ من ضلالهم في الشرك وترك التوحيد كيف ليس ما قلتم يصلح للتمسك به؟ وقد اشتركتم واياهم في الضلال الواضح البين لكل احد قالوا على وجه الاستغراب لقوله والاستعظام لما قال وكيف بدأهم بتسفيههم وتسفيه لابائهم اجئتنا بالحق ام انت من اللاعبين؟ اي هذا القول الذي قلته والذي جئتنا به؟ هل هو حق وجد؟ ام كلامك لنا كلام لاعب مستهزئ لا يدري ما يقول. وهذا الذي ارادوا. وانما رددوا الكلام بين الامرين. لانهم نزلوه منزلة المتقرر المعلوم عند كل احد ان الكلام الذي جاء به ابراهيم كلام سفيه لا يعقل ما يقول. فرد عليهم ابراهيم ردا بين به وجه سفههم وقلة عقولهم فقال فجمع لهم بين الدليل العقلي والدليل السمعي. اما الدليل العقلي فانه قد علم كل احد حتى هؤلاء الذين جادلهم ابراهيم ان الله وحده الخالق لجميع المخلوقات من بني ادم والملائكة والجن والبهائم والسماوات السماوات والارض المدبر لهن بجميع انواع التدبير. فيكون كل مخلوق مفطورا مدبرا متصرفا فيه. ودخل في ذلك جميع ما عبد من من دون الله. افيليق عند من له ادنى مسكة من عقل وتمييز ان يعبد مخلوقا متصرفا فيه. لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا لا حياة ولا نشورا. ويدع عبادة الخالق الرازق المدبر. واما الدليل السمعي فهو المنقول عن الرسل عليهم الصلاة والسلام فان ما جاءوا به معصوم لا يغلط ولا يخبر بغير الحق. ومن انواع هذا القسم شهادة احد من الرسل على ذلك. فلهذا قال ابراهيم وانا على ذلكم اي ان الله وحده المعبود وان عبادة ما سواه باطل من الشاهدين. واي شهادة بعد شهادة الله اعلى من شهادة الرسل. خصوصا اولي العزم منهم. خصوصا خليل الرحمن ولما بين ان اصنامهم ليس لها من التدبير شيء. اراد ان يريهم بالفعل عجزها وعدم انتصارها. وليكيد كيدا يحصل به اقرارهم ذلك فلهذا قال وتالله والله لاكيدن اصنامكم اي اكثروها على وجه الكيد. بعد ان تولوا مدبرين عنها الى عيد من اعيادهم. فلما تولوا مدبرين ذهب اليها بخفية. فجعلهم اي كسرا وقطعا. وكانت مجموعة في بيت واحد. فكسرها كلها الا كبيرا لهم. اي الا صنمهم الكبير فانه تركه لقصد سيبينه. وتأمل هذا الاحتراز العجيب. فان كل ممقوت عند الله لا يطلق عليه الفاظ التعظيم. الا على اضافته لصاحبه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا كتب الى ملوك الارض المشركين يقول الى عظيم الفرس الى عظيم الروم ونحو ذلك. ولم يقل الى العظيم. وهنا قال تعالى الا كبيرا لهم ولم يقل كبيرا من اصنامهم هذا ينبغي التنبيه له والاحتراز من تعظيم ما حقره الله الا اذا اضيف الى من عظمه. وقوله اي ترك ابراهيم تكسير صنمهم هذا لاجل ان يرجعوا اليه. ويستملوا حجته ويلتفتوا اليها ولا يعرضوا عنها ولهذا قال في اخرها فرجعوا الى انفسهم. فحين رأوا ما حل باصنامهم من الاهانة والخزي هل هذا بالهتنا انه لمن الظالمين فرموا ابراهيم بالظلم الذي هم اولى به حيث كسرها ولم يدروا ان تكسيره لها من افضل مناقبه ومن عدله وتوحيده. وانما الظالم من اتخذها الهة. وقد رأى ما يفعل بها يذكرهم يقال له ابراهيم. قالوا سمعنا فتى يذكرهم اي يعيبهم ويذمهم ومن هذا شأنه لابد ان يكون هو الذي كسرها. او ان بعضهم سمعه يذكر انه سيكيدها. يقال له ابراهيم فلما تحقق انه ابراهيم قالوا فاتوا به اي بابرا ابراهيم على اعين الناس اي بمرأى منهم ومسمع. اي يحضرون ما يصنع بمن كسر الهتهم وهذا الذي اراد ابراهيم وقصد ان يكون بيان الحق بمشهد من الناس ليشاهدوا الحق وتقوم عليهم الحجة. كما قال موسى حين واعد فرعون موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى. فحين حضر الناس واحضر ابراهيم قالوا له فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم. اانت فعلت هذا اي التكسير الهتنا يا ابراهيم وهذا استفهام تقرير. اي فما الذي جرأك؟ وما الذي اوجب لك الاقدام على هذا الامر؟ فقال ابراهيم والناس شاهدون اي كسرها غضبا عليها لما عبدت معه واراد ان تكون العبادة منك قم لصنمكم الكبير وحده. وهذا الكلام من ابراهيم. القصد منه الزام الخصم. واقامة الحجة عليه. ولهذا قال ان كانوا ينطقون. واراد الاصنام المكسرة اسألوها لما كسرت والصنم الذي لم يكسر اسألوه لاي شيء كسرها. ان كان عندهم نطق فسيجيبونكم الى ذلك. وانا وانتم وكل احد يدري انها لا تنطق ولا اتكلم ولا تنفع ولا تضر. بل ولا تنصر نفسها ممن يريدها باذى انكم انتم الظالمون. فرجعوا الى انفسهم اي ثابت عليهم عقولهم ورجعت اليهم احلامهم. وعلموا انهم ضالون في عبادتها واقروا على انفسهم بالظلم والشرك. فحصل بذلك المقصود ولزمتهم الحجة باقرارهم ان ما هم عليه باطل. وان فعلهم كفر وظلم. ولكن لم يستمروا على هذه الحالة. ولكن نكسوا على رؤوسهم اي انقلب الامر عليهم وانتكست عقولهم وضلت احلامهم. فقالوا لابراهيم فكيف تهكم بنا وتستهزئ بنا وتأمرنا ان نسألها وانت تعلم انها اتنطق فقال ابراهيم موبخا لهم ومعلنا بشركهم على رؤوس الاشهاد. ومبينا عدم استحقاق الهتهم للعبادة. قال افتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم. فلا نفع ولا دفع. اف انكم ولما تعبدون من دون الله فلا تعقلون. اي ما اضلكم واخسر صفقتكم وما اخسكم انتم وما عبدتم من دون الله ان كنتم تعقلون عرفتم هذه الحال. فلما عدمتم العقل وارتكبتم الجهل والضلال على بصيرة صارت البهائم احسن حالا منكم. فحين اذ لما افحمهم ولم يبينوا حجة استعملوا قوتهم في معاقبته وانصروا الهتكم ان كنتم فاعلين. اي اقتلوه اشنع القتلات بالاحراق لالهتكم ونصرة لها فتعسى لهم تعسى. حيث عبدوا من اقروا انه يحتاج الى نصرهم واتخذوه الها. فانتصر الله خليله لما القوه في النار وقال لها كوني بردا وسلاما على ابراهيم. فكانت عليه بردا وسلاما. لم ينله فيها اذى. ولا احس بمكروه. وارادوا وارادوا به كيدا. حيث عزموا على احراقه. فجعلناهم الاخسرين في الدنيا والاخرة كما جعل الله خليله واتباعه هم الرابحين المفلحين. ونجيناه ولوطا من الارض التي ونجيناه ولوطا. وذلك انه لم يؤمن به من قومه الا لوط عليه السلام. قيل انه ابن اخيه فنجاه الله وهاجر. اي الشام فغادر قومه في بابل من ارض العراق وقال اني مهاجر الى ربي انه هو العزيز الحكيم. ومن بركة الشام ان كثيرا من الانبياء كانوا فيها وان الله اختارها مهاجرا لخليله. وفيها احد بيوته الثلاثة المقدسة. وهو بيت المقدس ووهبنا له حين اعتزل قومه اسحاق ويعقوب ابن اسحاق نافلة بعدما كبر. وكانت زوجته عاقرا. فبشرته الملائكة باسحاق. ومن وراء اسحاق يعقوب ويعقوب هو اسرائيل الذي كانت منه الامة العظيمة. واسماعيل ابن ابراهيم الذي كانت منه الامة الفاضلة العربية ومن ذريته سيد الاولين والاخرين. وكلا من ابراهيم واسحاق ويعقوب اجعلنا صالحين اي قائمين بحقوقه وحقوق عباده. ومن صلاحهم ائمة انه جعلهم ائمة يهدون بامره. وهذا من اكبر نعم الله على عبده ان يكون اماما يهتدي به المهتدون. ويمشي خلفه وذلك لما صبروا وكانوا بايات الله يوقنون. وقوله اي يهدون الناس لا يأمرون باهواء انفسهم بل بامر الله ودينه واتباع مرضاته. ولا يكون العبد اماما حتى يدعو الى امر الله عينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا واوحينا اليهم فعل الخيرات يفعلونها ويدعون الناس اليها. وهذا شامل لجميع الخيرات من حقوق الله وحقوق العباد واقام الصلاة وايتاء الزكاة. هذا من باب عطف الخاص على العام. لشرف هاتين العبادتين وفضلهما ولان من كملهما كما امر كان قائما بدينه. ومن ضيعهما كان لما سواهما اضيع. ولان الصلاة افضل الاعمال التي فيها حقه والزكاة افضل الاعمال التي فيها الاحسان لخلقه. وكانوا لنا اي لا لغيرنا عابدين اي مديمين على العبادات القلبية والقولية والبدنية في اكثر اوقاتهم. فاستحقوا ان تكون العبادة وصفهم فاتصفوا بما امر الله به الخلق وخلقهم لاجله