المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. ولوطا اتيناه حكما وعلما ونجيناه من القضية التي كانت انهم كانوا قوم سوء فاسقين. هذا ثناء من الله على رسوله لوط عليه السلام بالعلم الشرعي والحكم بين الناس بالصواب والسداد. وان الله ارسله الى قومه يدعوهم الى عبادة الله وينهاهم عما هم عليه من الفواحش. فلبث يدعوهم فلم يستجيبوا له. فقلب الله عليهم ديارهم وعذبهم عن اخرهم انهم كانوا قوم سوء فاسقين. لانهم قوم سوء فاسقين. كذبوا الداعي وتوعدوه الاخراج ونجى الله لوطا واهله. فامره ان يسري بهم ليلا ليبعدوا عن القرية. فسروا ونجوا من فضل الله عليهم ومنته وادخلناه في رحمتنا انه من الصالحين وادخلناه في رحمتنا التي من دخلها كان من الامنين من جميع المخاوف. النائلين كل خير وسعادة وبر وسرور وثناء. وذلك لانه من الصالحين الذين صلحت اعمالهم وزكت احوالهم واصلح الله فاسدهم. والصلاح هو السبب لدخول العبد برحمة الله. كما ان الفساد سبب لحرمانه الرحمة خير واعظم الناس صلاحنا الانبياء عليهم السلام. ولهذا يصفهم بالصلاح. وقال سليمان عليه السلام وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين ونوحا اذ نادى من قبل فاستجبنا له من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا باياتنا انهم كانوا قوم سوء اي واذكر عبدنا ورسولنا نوحا عليه السلام مثنيا مادحا حين ارسله الله الى قومه ففيهم الف سنة الا خمسين عاما يدعوهم الى عبادة الله وينهاهم عن الشرك به. ويبدي فيهم ويعيد ويدعوهم سرا وجهارا وليلا ونهارا فلما رآهم لا ينجح فيهم الوعظ ولا يفيد لديهم الزجر نادى ربه وقال رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا فاستجاب الله له فاغرقهم ولم يبق هم احدا ونجى الله نوحا واهله ومن معه من المؤمنين في الفلك المشحون وجعل ذريته هم الباقين. ونصره الله على قومه المستهزئين. وداوود وسليمان اذ يحكمان في الحرف حكمهم شاهدين. اي واذكر هذين النبيين الكريمين داوود وسليمان مثنيا مبجلا. اذ اتاهم الله العلم الواسع والحكم بين العباد بدليل قوله اذ يحكمان في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم اي اذ تحاكم اليهما صاحب حرف نفش فيه غنم القوم الاخرين اي رعت ليلا فاكلت ما في اشجاره ورعت زرعه فقضى فيه داوود عليه السلام بان الغنم تكون لصاحب الحرف نظرا الى تفريط اصحابها فعاقبهم بهذه العقوبة وحكم فيها سليمان بحكم موافق للصواب من اصحاب الغنم يدفعون غنمهم الى صاحب الحرث. فينتفع بدرها وصوفها ويقومون على بستان صاحب الحرف. حتى يعود الى حاله الاولى فاذا عاد الى حاله ترادى ورجع كل منهما بماله. وكان هذا من كمال فهمه وفطنته عليه السلام. ولهذا قال فهمنا سليمان ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما الماء ففهمناها سليمان. اي فهمناه هذه القضية. ولا يدل ذلك ان داود لم يفهمه الله في غيرها. ولهذا خصها الذكر بدليل قوله وكلا من داود وسليمان اتينا حكما وعلما. وهذا دليل على ان الحاكم قد يصيب الحق والصواب وقد يخطئ ذلك وليس بملوم اذا اخطأ مع بذل اجتهاده. ثم ذكر ما خص به كلا منهما فقال داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين. وذلك انه كان من اعبد الناس واكثرهم لله ذكرا وتسبيحا وتمجيدا. وكان قد اعطاه الله من حسن الصوت ورقته ورخامته. ما لم يؤته احدا من الخلق. فكان اذا سبح واثنى على جاوبته الجبال الصم والطيور البهم. وهذا فضل الله عليه واحسانه. فلهذا قال وعلمناه صنعة لبوس لكم. اي علم الله داوود عليه السلام صنعة الدروع. فهو اول من صنعها وعلمها وسارت صناعته الى يا من بعده فالان الله له الحديد وعلمه كيف يسردها. والفائدة فيها كبيرة. لتحصنكم من بأسكم. اي هي وقاية لكم وحفظ عند الحرب واشتداد البأس. فهل انتم شاكرون نعمة الله عليكم؟ حيث طه على يد عبده داوود كما قال تعالى وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر والسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون. يحتمل ان تعليم الله لداوود صنعة الدروع. والانتها امر خارق للعادة. وان يكون كما قاله المفسرون الله الان له الحديد حتى كان يعمله كالعجين والطين. من دون اذابة له على النار. ويحتمل ان تعليم الله له على جار العادة وان إلانة الحديد له بما علمه الله من الأسباب المعروفة الآن لاذابتها وهذا هو الظاهر. لأن الله امتن بذلك على العباد وامرهم بشكرها ولولا ان صنعته من الامور التي جعلها الله مقدورة للعباد. لم يمتن الله عليهم بذلك ويذكر فائدتها من الدروع التي صنع داوود عليه السلام متعذر ان يكون المراد اعيانها وانما المنة بالجنس والاحتمال الذي ذكره المفسرون دليل عليه الا قوله والنا له الحديد. وليس فيه ان الامانة من دون سبب. والله اعلم بذلك ولسليمان الريح اي سخرناها عاصفة اي سريعة في مرورها تجري بامره حيث دبرت امتثلت امره غدوها شهر ورواحها شهر. الى الارض التي باركنا فيها وهي ارض الشام. حيث كان مقره. فيذهب على الريح شرقا وغربا ويكون مأواها ورجوعها الى الارض المباركة. قد احاط علمنا بجميع الاشياء وعلمنا من داوود وسليمان ما اوصلناهما به الى ما ذكرنا اعملون عملا دون ذلك. وهذا ايضا من خصائص سليمان عليه السلام ان الله سخر له الشياطين والعفاريت على تسخيرهم في الاعمال التي لا يقدر على كثير منها غيرهم. فكان منهم من يغوص له في البحر ويستخرج الدر واللؤلؤ وغير ذلك ومنهم من يعمل له محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وسخر طائفة منهم لبناء بيت المقدس ومات وهم على عمل ايه؟ وبقوا بعده سنة حتى علموا موته كما سيأتي ان شاء الله تعالى اي لا يقدرون على الامتناع منه وعصيانه. بل حفظهم الله بقوته وعزته وسلطانه