المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل واما التوحيد الذي دعت اليه رسل الله ونزلت به كتبه فوراء ذلك كله وهو نوعان توحيد في المعرفة والاثبات وتوحيد في الطلب والقصد فالاول هو اثبات حقيقة ذات الرب تعالى واسمائه وصفاته وافعاله وعلوه فوق سماواته على عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده واثبات عموم قضائه وقدره وحكمه وقد افصح القرآن عن هذا النوع حد الافصاح كما في اول الحديد وسورة طه واخر سورة الحشر واول تنزيل السجدة واول ال عمران وسورة الاخلاص بكمالها وغير ذلك النوع الثاني مثل ما تضمنته سورة قل يا ايها الكافرون وقوله قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم مم الاية واول سورة تنزيل الكتاب واخرها واول سورة يونس ووسطها واخرها واول سورة الاعراف واخرها وجملة سورة الانعام وغالب سور القرآن بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد بل نقول قولا كليا ان كل اية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية اليه فان القرآن اما خبر عن الله واسمائه وصفاته وافعاله فهو التوحيد العلمي الخبري واما دعوة الى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه فهو التوحيد الطلبي الارادي واما امر ونهي والزام بطاعته ونهيه وامره فهو من حقوق التوحيد ومكملاته واما خبر عن كرامة الله لاهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الاخرة فهو جزاء توحيده واما خبر عن اهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبر عن حكم من خرج عن التوحيد فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك واهله وجزائهم فالحمد لله توحيد رب العالمين توحيد الرحمن الرحيم توحيد مالك يوم الدين توحيد اياك نعبد توحيد اياك نستعين توحيد اهدنا الصراط المستقيم توحيد متضمن لسؤال الهداية الى طريق اهل التوحيد الذين انعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين الذين فارقوا التوحيد ثم اطال الكلام في هذا الموضع بما لا يستغني عنه المؤمن والصدق توحيد الارادة وهو بذل نو لجهدنا كسلا ولا متواني والسنة المثلى لسانكها فتوا الطريق الاعظم فلواحد كن واحدا في واحد اعني سبيل الحق والايمان يعني ان التوحيد لا يتم الا بثلاثة امور توحيد المراد وهو الاخلاص كما تقدم وتوحيد الارادة وهي الا تكون الارادة منقسمة بان يبذل العبد جهده ومقدوره بالقيام بما امر الله به علما وعملا ووصفا من غير كسل ولا توان ولا انحلال عزيمة فهذا حقيقة الصدق وتوحيد الطريق وهو اتباع السنة ظاهرا وباطنا ثم اجمل الثلاثة في قوله فلواحد اي الله وحده وهو الاخلاص كن واحدا اي مجتمع الارادة والقصد والعمل وهو الصدق في واحد وهي المتابعة فسره بقوله اعني سبيل الحق والايمان اي وما سواها من الطرق فانها طرق الغي والضلال والكفر والوبال هذه ثلاث مسعدات للذي قد نالها والفضل للمنان فاذا هي اجتمعت لنفس حرة بلغت من العلياء كل مكان يعني ان من اجتمعت له هذه الامور الثلاثة بان يكون الاخلاص خلقه ووصفه واعماله مقرونة به والصدق والاجتهاد قرينه وحامله واتباع الرسول طريقه فهو السابق حقا المستولي على الغاية التي لا غاية فوقها والكمال الذي لا كمال فوقه وحصلت له السعادة والفلاح والفوز والارباح فان تخلف كمال العبد وحرمانه مداره على فقد واحد من هذه الثلاثة او اثنين او كلها لله قلب شامهاتي كالبروء طمن الخيام فهم بالطيران لولا التعلل بالرجاء لتصدعت اعشاره كتصدع البنيان وتراه يبسطه الرجاء فينثني متمايلا كتمايل النشوان ويعود يقبضه الياس لكونه متخلفا عن رفقة الاحسان فتراه بين القبض والبسط الذي لافق سمائه قطبان وبدا له سعد السعود فصار مس راهوا عليه لا على الدبران لله ذياك الفريق فانهم خصوا بخالصة من الرحمن شدت ركائبهم الى معبودهم ورسوله يا خيبة الكسلان يتعجب المؤلف رحمه الله ويستعظم من قلب من الله عليه بالتحقق بالصدق والاخلاص والمتابعة حتى صارت له نعتا وصارت رغبته كلها في مراضي ربه في كل وقت فكلما بدا له منزلة من منازل السائرين وخصلة من خصال العاملين بادر اليها شوقا ومحبة وانقاد لها طوعا واختيارا بمنزلة من طالع البروق من خيام الاحبة على بعد فصار قلبه ينازعه حتى يكاد يهم ان يطير الى احبابه ويتمتع بلقائهم الذي هو الذ للمحبين يمر عليهم من ارواحهم فلولا ان المحب يتعلل بقرب اللقاء ويحدث نفسه باجتماعه باحبته لتصدعت اعشار قلبه اي جوانبه كتصدع الحيران الذي حيره الحب وذهب بشعوره فذلك المحب لله تعالى يجهد نفسه في مراضيه حتى تنمو محبة الله في قلبه ويحدث له الشوق والقلق فلولا انه يلاطف نفسه برجاء اللقاء لذابت نفسه واحترق لبه ثم اذا نظر الى نفسه وتقصيره وتخلفه عن رفقة السابقين قبضه اليأس فتجده بين الخوف والرجاء الذين هما لعبادته واعماله كالقطبين في النجوم فالعبادات كلها تدور على الخوف والرجاء فيرجوا العبد قبولها وتقريبها لربه ويخاف من ردها وعدم القيام بها وبحقوقها ان نظر الى رحمة الله ولطفه انفتح له باب الرجاء والطمع وان نظر الى تقصيره وما يستحقه الله من العبودية التي لا يمكن العبد القيام بها احدث له القبض وباعتدال الخوف والرجاء يعتدل سير العبد فاذا رجح جانب الرجاء خي فالامن من مكر الله وحصل الاذلال والشطح الذي لا يليق بالمخلوق وان رجح جانب الخوف خف منه اليأس والقنوط من رحمة الله وهذه المراتب الثلاث المحبة والخوف والرجاء اصل اعمال القلوب وبها تستقيم الاعمال الظاهرة والباطنة كما جمعها الله في قوله اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محظورا وقول المصنف وبدا له سعد السعود البيت يحتمل ان مراده بهذا التشبيه ان سير هذا الفريق لما كان مصاحبا للخوف والرجاء وكانت روحه المحبة كان سيرا محمودا مآله الى العز والفلاح والعلو وحصول الارباح بخلاف من كان سيره سير اهل الكسل فان سيرهم الى وراء قال تعالى لمن شاء منكم ان يتقدم او يتأخر ويحتمل انه اراد بسعد السعود السير على متابعة الرسول والاقتداء بهديه وتجنب السير على الدبران كالسير خلف كل من خالف الرسول وقوله لله دياك الفريق اي الموصوف بتلك الصفات الحميدة وهذا التصوير المراد به التعظيم والتعجب من حسن حالهم وعلو قدرهم ولهذا قال فانهم خصوا بخالصة من الرحمن اي اخلصهم الله من كل كدر واختصهم بولايته قال تعالى عن خيار انبيائه انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار اي جعلنا ذكر الدار الاخرة في قلوبهم والعمل لها صفوة وقتهم والاخلاص والمراقبة لله وصفهم الدائم وجعلناهم ذكر الدار يتذكر باحوالهم المتذكر ويعتبر بهم المعتبر ويذكرون باحسن الذكر وقوله شدت ركائبهم الى معبودهم هذا هو الاخلاص لله ورسوله بالمتابعة يا خيبة الكسلان الذي تخلف عن فريقهم ولم يسلك مسلكهم في طريقهم