المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المثال العشرون في مسألة فعل المحلوف عليه ناسيا او جاهلا. قال المستعين بالله وان حلف ففعل المحلوف عليه ناسيا او جاهلة ففي طلاق وعتاق ولم يحنث في اليمين بالله تعالى والفرق بينهما ان الطلاق والعتاق فيهما حق ادمي الم يعف فيه عن الخطأ النسيان بخلاف اليمين بالله فان الله تعالى قد عفا عن الخطأ والنسيان فلا يحنث بذلك. وقال المتوكل على الله ليس بين اليمين بالله وبين الطلاق والعتاق فرق. وكلها حق لله تعالى. وقد يكون ايقاع الطلاق اشد على المرأة من الرجل. والله تعالى لم يفرج بين الامرين هذا من جهة دخولها بالنص. واما من جهة مقصود الحالفين فظاهر جدا فانه اذا حلف على زوجته الا تفعل شيئا اه فان غرضه منعها وانها تمتنع بحلفه والا تقصد مخالفته. فاذا فعلت ذلك نسيانا او خطأ فان غرضه لم ينتقض ومقصود من عدم مخالفتها له باق فانها لم تتعمد ذلك. وحقيقة الحنف هو فعل ما حلف على تركه او ترك ما حلف على فعله على وجه القصد والعمد. فاذا طبقت الحنف على هذه المسألة عرفت انه لا حنث فيها. فالشارع رفع المؤاخذة عن الناس والمخطئ. العرف الذي في عقول الناس وفطرهم انه غير حانث ولا ملوم. فتعين القول بهذا ووجب مساواة الجميع لاستوائها في المعنى الذي لاجله اللي هي رفعت المؤاخذة اثما وتحنيثا وهو المطلوب. وقال المستعين بالله الحق والله ما قلت. ولقد جاءني هذا البرهان وانا في غاية تعطش والاضطرار اليه نصا وعلى قلبي احلى من الماء البارد العذب للظمآن الشديد ظمأه في اليوم الشديد حره. ولي في هذا الموضوع وهي قصة عجيبة هي انه كانت لي زوجة وكنت مشغوفا بها جدا بحيث الهتني عن كثير من مصالحي وهي اشد مني شغفا فكانت غاية امنيتي في حياتي وهي كذلك حتى ظننا انه لا يفرقنا الا الموت وكانت كريمة سخية لا ترد مستوهبا ولا مستعيرا كائنا من كان اتفق ذات يوم ان حلفت عليها بالطلاق الثلاث الا تعير هذا المتاع. متاعا كنا كثيرا ما نستعمله وحاجتنا فيه مستمرة فمن المصادفات الغريبة انه طلب منها بعض اقاربي الذين كانت تعرف شدة رغبتي لصلتهم وانهم بمنزلة نفسي استعارة هذا المتاع الذي حلفت عليه لغرض ضروري بدا له حملتها معرفتها لقوة رغبتي في عدم منعه ان بادرت لاعطائه هذا المتاع. ساهية انحلفي وكانت بالطبع اشد مني على التزامها لهذا اليمين. فما هو الا ان ذكرت الحلف بعدما خرج المتاع من يدها واسقط في يدها وبقي اذ تتغشاها سكرات هذه الفجيعة التي هي اعظم عليها من موت اولادها وكل حبيب لها. وكل سكرة تتغشاها يخشى ان تخرج معها روحها فدخلت الدار ورأيتها على هذه الحال المدهشة. واخبرني اهل الدار بالواقعة وقد عهدت من نفسي اني امرؤ لا تؤثر في المصائب ولا تزعجني الكوارث لكنه اضمحل هذا كله فاصابني من الفجيعة اعظم مما اصابها ومكثنا على هذه مدة جزم اهلنا اننا نفارق دنيا ثم ذهبت الى اهلها ذاهبة بقلبي وروحي وراحتي وابقت عندي ما قابل ذلك من قلبها وروحها وراحتها فحملني بعد هذه شدة الوله وقوة الحب وعدم تماسك الصبر. اني جعلت اتتبع المشهورين بالعلم لعلهم يجدون لي فتوى تسوغ لي الرجوع ولو كان في ذلك انسلاخي من جميع موجوداتي. فبينما انا كذلك اذ قال لي بعض اصحابي الذي اعرف قوة نصحهم. يا عجبا لك يا فلان! كيف حملك الهوى وغرض النفس على تتبع اقوال كنت تعتقد خلافها. فما دمت تعتقد ان الناس يحنث في يمين الطلاق؟ كيف تطلب من يفتي لك بخلاف ذلك؟ هب انك وجدت مفتيا بخلاف ما كنت تعتقد هل يحل لك ذلك؟ وقلت الضرورة حملتني والفجيعة حيرتني حتى صبري قللت ورعي فقال لي هذا من المحن والابتلاء الذي يبتليك الله. فاذا قدمت طاعته على هواه كان ما اعطاك اعظم مما اصابك وادركت السعادتين واعانك الله على الصبر وحصلت لك العواقب الحميدة فلم يزل في نصحي حتى استسلمت لحكم الله وسلمت لقضائه. ووطنت نفسي على الصبر العظيم الذي لو وضع على الجبال لفتتها ثم استمررت على ذلك لا تزيد في الاوقات الا ولها جمعني واياك ايها الاخ هذا المجلس وتناظرنا في هذه المسألة من دون قصد مني. فلما تجلت لي البراهين التي اوردتها علي ان تجلت عن قلبي تلك الكروب وعرفت انها فرج من الله ساقه الي حين وطنت نفسي على طاعته والصبر عن معصيته فحينئذ راجعت حبيبتي ورجعت الينا ارواحنا وراحاتنا وصار لهذا الامر موقع لا يمكن التعبير عن كونه. وشكرنا الله على هذه الحالة التي عندما جاءت وأسست على العلم الشرعي الطريق المرضي وكل قول وعمل وحال تأسس على العلم وكان تابعا للعلم فانه مؤسس على التقوى ثابت لا يتزعزع مثمر لخير الدنيا والاخرة. ولنقتصر على هذه الامثلة التي هي من مشهور مسائل الخلافيات في الفقه مقتصرين فيها على الاشارة الى الادلة على وجه التنبيه والاختصار تاركين لذكر القائلين بكل من القولين من الائمة الاعلام ام الا في الشيء النادر منها طلبا للاختصار. ومن فوائد ذلك ان الاقوال التي يراد المقابلة بينها ومعرفة راجحها من ان يقطع الناظر والمناظر النظر عن القائلين فانه ربما كان ذكر القائل مغترا عن مخالفته. وتوجب له الهيبة كف عن قول ينافي ما قاله. ومن اسباب الاتفاق على القول الحق الصواب اذا كان كل من المتناظرين ليس له قصد الا الحق والراجح وايثاره فبذلك تتم المباحثة والمناظرة ويحصل مقصودها كما تجد في قصة هذين الرجلين الموفقين المتسابقين الى معرفة الحق وايثاره والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وسلم تسليما. تم على يد الفقير الى الله عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي وذلك في الثامن من جمادى الاخرة عام اربعة وستين وثلاثمائة والف من الهجرة