المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم يخاطب الله الناس كافة. بان يتقوا ربهم الذي رباهم بالنعم الظاهرة والباطنة. فحقيق بهم ان يتقوه بترك الشرك الفسوق والعصيان ويمتثل اوامره مهما استطاعوا. ثم ذكر ما يعينهم على التقوى ويحذرهم من تركها. وهو الاخبار باهوال يوم القيامة فقال لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه. ذلك بانه اذا وقعت الساعة رجفت الارض وارتجت وزلزلت زلزالها وتصدعت الجبال واندكت وكانت كثيبا مهيلا ثم كانت هباء المنبث ثم انقسم الناس ثلاثة ازواج. فهناك تنفطر السماء وتكور الشمس والقمر. وتنتثر النجوم. ويكون من القلاقل والبلابل ما تنصدع له القلوب وتجل منه الافئدة وتشيب منه الولدان وتذوب له الصم الصلاب. ولهذا قال لا تذهل كل مرضعة عن ما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها. وترى الناس سكارى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت مع انها مجبولة على شدة محبتها لولدها خصوصا في هذه الحال التي لا يعيش الا بها. وتضع كل ذات حمل حمله من شدة الفزع والهول اي تحسبهم ايها الرائي لهم سكارى من الخمر وليسوا سكارى فلذلك اذهب عقولهم وفرغ قلوبهم وملأها من الفزع. وبلغت القلوب الحناجر وشخصت الابصار. وفي ذلك اليوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. ويومئذ يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. وهناك يعض الظالم على يديه. يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. وتسود حينئذ وجوه وتبيض وجوه. وتنصب الموازين التي يوزن بها مثاقيل الذر من الخير والشر. وتنشر وصحائف الاعمال وما فيها من جميع الاعمال والاقوال والنيات. من صغير وكبير ويوصل الصراط على متن جهنم. وتزلف الجنة للمتقين الجحيم للغاوين اذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغما وزفيرا واذا القوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ويقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدة وادعوا ثبورا كثيرا. واذا نادوا ربهم ليخرجهم منها. قال اخسئوا فيها لا تكلمون قد غضب عليهم الرب الرحيم. وحضرهم العذاب الاليم. وايسوا من كل خير. ووجدوا اعمالهم كلها. لم يفقدوا منها نقيرا ولا قطميرا. هذا والمتقون في روضات الجنات يحضرون. وفي انواع اللذات يتفكهون. وفيما اشتهت انفسهم خالدون. فحقيق بالعاقلين من الذي يعرف ان كل هذا امامه ان يعد له عدته وان لا يلهيه الامل فيترك العمل وان تكون تقوى الله شعارا وخوفه دثارا ومحبة الله وذكره رح اعماله اي ومن الناس طائفة وفرقة سلكوا طريق الضلال وجعلوا يجادلون بالباطل الحق يريدون احقاق الباطل وابطال الحق. والحال انهم في غاية الجهل ما عندهم من العلم شيء. وغاية ما عندهم تقليد ائمة الضلال من كل شيطان مريد المتمردين على الله وعلى رسله معاند لهم قد شاق الله ورسوله وصار من الائمة الذين يدعون الى النار كتب عليه اي قدر على هذا الشيطان المريد انه من تولاه اي اتبعه فانه يضله عن الحق. ويجنبه الصراط المستقيم ويهديه الى عذاب السعير. وهذا نائب ابليس حقا. فان الله قال عنه انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير فهذا الذي يجادل في الله قد جمع بين ضلاله بنفسه وتصديه الى اضلال الناس وهو متبع ومقلد لكل شيطان مريد. ظلمات بعضها فوق بعض ويدخل في هذا جمهور اهل الكفر والبدع فان اكثرهم مقلدة يجادلون بغير علم يقول تعالى يا ايها الناس ان كنتم في غيب من البعث اي شك واشتباه وعدم علم بوقوعه. مع ان الواجب عليكم ان تصدقوا ربكم وتصدقوا رسله في ذلك. ولكن اذا ابيتم الا الريب فهاكم دليلين عقليين تشاهدونهما. كل واحد منهما يدل دلالة قطعية على ما شككتم فيه. ويزيل عن قلوبكم الريب احدهما الاستدلال بابتداء خلق الانسان وان الذي ابتدأه سيعيده فقال فيه فانا خلقناكم من تراب وذلك بخلق ابي البشر ادم عليه السلام ثم من نطفة ايمني وهذا ابتداء اول التخليق ثم من علقة اي تنقلب تلك النطفة باذن الله دما احمر. ثم من مضغة اينتقل الدم مضغة اي قطعة لحم بقدر ما يمضغ. وتلك المضغة تارة تكون مخلقة اي مصور منها خلق الادمي وغير مخلقة تارة. بان تقذفها الارحام قبل تخليقها. لنبين اصل نشأتكم مع قدرته تعالى على تكميل خلقه في لحظة واحدة. ولكن ليبين لنا كمال حكمته وعظيم قدرته وسعة ايها نقر اي نبقي في ارحامي من الحمل الذي لم تقذفه الارحام. ما نشاء ابقاءه الى اجل مسمى. وهو مدة الحمل لتبلغوا اشدكم. ثم نخرجكم من بطون امهاتكم طفلا لا تعلمون شيئا. وليس لكم قدرة وسخرنا لكم امهات واجرينا لكم في ثديه الرزق ثم تنتقلون طورا بعد طور حتى تبلغوا اشدكم وهو كمال القوة والعقل ومنكم من يتوفى من لان يبلغ سن الاشد. ومنكم من يتجاوزه فيرد الى ارض للعمر. اي اخسه وارذله. وهو سن الهرم والتخريب. الذي به يزول العقل ويضمحل كما زالت باقي القوى وضعفت. اي لاجل الا يعلم هذا المعمر شيئا مما كان يعلمه قبل ذلك. وذلك لضعف عقله. فقوة الادمي محفوفة بضعفين. ضعف الطفولية ونقصها وضعف الهرم ونقصه. كما قال قال الله تعالى الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير والدليل الثاني احياء الارض بعد موتها. فقال الله فيه وربت. وترى الارض هامدة اي خاشعة مغبرة لا نبات فيها ولا خضر. فاذا اذا انزلنا عليها الماء اهتزت اي تحركت بالنبات وربت. اي ارتفعت بعد خشوعها. وذلك لزيادة نباتها ارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج وانبتت من كل زوج اي صنف من اصناف النبات بهيج اي يبهج الناظرين ويسر المتأملين فهذان الدليل القاطعان يدلان على هذه المطالب الخمسة وهي هذه يحيي الموتى وانه على كل شيء قدير. ذلك الذي انشأ الادمي مما وصف لكم. واحيا الارض بعد موتها بان الله هو الحق. اي الرب المعبود الذي لا تنبغي العبادة الاله. وعبادته هي الحق. وعبادة غيره باطلة. وانه يحيي موتى كما ابتدأ الخلق وكما احيا الارض بعد موتها. كما اشهدكم من بديع قدرته وعظيم صنعته ما اشهدكم وان الساعة اتية لا ريب فيها فلا وجه لاستبعادها. وان الله يبعث من في القبور فيجازيكم باعمالكم حسنها وسيئها المجادلة المتقدمة للمقلد. وهذه المجادلة للشيطان المريد الداعي الى البدع. فاخبر انه تجادل في الله اي يجادل رسل الله واتباعهم بالباطل ليدحض به الحق بغير علم صحيح ولا هدى اي غير متبع في جداله هذا من يهديه لا عقل مرشد ولا متبوع مهتد ولا كتاب منير. اي واضح بين فلا له حجة عقلية ولا نقلية. ان هي الا شبهات يوحيها اليه الشيطان وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم. ومع هذا سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق. ثاني عطفه اي لاوي جانبه وعنقه. وهذا كناية عن كبره عن الحق. واحتقاره للخلق. فقد فرح بما معه من العلم غير النافع. واحتقر اهل الحق وما معهم من الحق ليضل الناس اي ليكون من دعاة الضلال ويدخل تحت هذا جميع ائمة الكفر والضلال ثم ذكر عقوبتهم الدنيوية والاخروية فقال له الدنيا خزي ان يفتضح هذا في الدنيا قبل الاخرة. وهذا من ايات الله العجيبة. فانك لا تجد داعيا من دعاة الكفر والضلال. الا وله من المقت دين العالمين واللعنة والبغض والذم ما هو حقيق به. وكل بحسب حاله اي نذيقه حرها الشديد وسعيرها البليغ وذلك بما قدمت يداه اي ومن الناس من هو ضعيف الايمان لم يدخل الايمان قلبه ولم تخالطهم بشاشته. بل دخل فيه اما خوفا واما عادة على وجه لا يثبت عند المحن. فان اصابه خير اطمأن به. اي ان استمر رزقه رغدا ولم يحصل له من المكاره شيء اطمأن بذلك الخير لا بايمانه. فهذا ربما ان الله يعافيه ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف عن دينه. وان اصابته فتنة من حصول مكروه او زوال محبوب انقلب على وجهه اي ارتد عن دينه خسر الدنيا والاخرة. اما في الدنيا فانه لا يحصل له وبالردة ما امله الذي جعل الردة رأسا لماله وعوضا عما يظن ادراكه فخاب سعيه ولم يحصل له الا ما قسم له. واما الاخرة فظاهر حرم الجنة التي عرضها السماوات والارض. واستحق النار. اي الواضح البين ذلك هو الضلال البعيد يدعو هذا الراجع على وجهه من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه. وهذا صفة كل مدعو ومعبود من دون الله. فانه لا يملك نفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا. ذلك هو الضلال البعيد الذي قد بلغ في البعد الى حد النهاية حيث اعرض عن عبادة نافع الضار الغني المغني. واقبل على عبادة مخلوق مثله او دونه. ليس بيده من الامر شيء. بل هو حصول ضد مقصوده اقرب. ولهذا قال فان في العقل والبدن والدنيا والاخرة معلوم. لبئس المولى اي هذا المعبود ولبئس العشير اي القرين الملازم على صحبته. فان المقصود من المولى والعشير حصول النفع ودفع الضرر. فاذا لم يحصل شيء من هذا فان انه مذموم ملوم