المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللفظ هذا تنويه من الله بذكر عباده المؤمنين وذكر فلاحهم وسعادتهم وباي شيء وصلوا الى ذلك وفي ضمن ذلك الحث على الاتصاف بصفاتهم والترغيب فيها فليزن العبد نفسه وغيره على هذه الايات يعرف ما معه وما مع غيره من الايمان زيادة ونقصا كثرة وقلة فقوله اي قد فازوا وسعدوا ونجحوا وادركوا كل ما يرام. المؤمنون الذين امنوا بالله وصدقوا المرسلين. الذين من صفات الكاملة. الذين هم في صلاتهم خاشعون. والخشوع في الصلاة هو حضور القلب بين يدي الله تعالى تحضيرا لقربه فيسكن لذلك قلبه. وتطمئن نفسه وتسكن حركاته. ويقل التفاته. متأدبا بين يدي ربه مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته. من اول صلاته الى اخرها فتنتفي بذلك الوساوس والافكار الردية. وهذا روحك الصلاة والمقصود منها وهو الذي يكتب للعبد. فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب. وان كانت مجزئة مثابا عليها ان الثواب على حسب ما يعقل القلب منها. والذين هم عن اللغو وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة معرضون. رغبة عنه وتنزيها لانفسهم وترفعا عنه. واذا مروا باللغو مروا كراما واذا كانوا معرضين عن اللغو فاعراضهم عن المحرم من باب اولى واحرى. واذا ملك العبد لسانه وخزنه الا في الخير. كان ملكا لامره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ابن جبل حين وصاه بوصايا قال الا اخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله. فاخذ بلسان نفسه وقال كف عليك هذا. فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة كف السنتهم عن اللغو والمحرمات. والذين هم للزكاة فاعلون. اي مؤدون لزكاة اموالهم على اختلاف اجناس اموال مزكين لانفسهم من ادناس الاخلاق ومساوئ الاعمال. التي تزكوا النفس بتركها وتجنبها. فاحسنوا في عبادة الخالق في الخشوع في الصلاة واحسنوا الى خلقه باداء الزكاة. والذين هم لفروجهم حافظون عن الزنا. ومن تمام حفظها تجنب ما يدعو الى ذلك كالنظر واللمس ونحوهما. فحفظوا فروجهم من كل لاحد الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم من الاماء المملوكات. فانهم غير ملومين بقربهما. لان الله تعالى احلهما ذلك فاولئك هم العادون. فمن ابتغى وراء ذلك غير الزوجة والسرية. الذين تعدوا ما احل الله الى ما حرمه المتجرؤون على محارم الله وعموم هذه الاية يدل على تحريم نكاح المتعة فانها ليست زوجة حقيقية مقصودا بقاؤها ولا مملوكة وتحريم نكاح المحلل لذلك. ويدل قوله او ما ملكت ايمانهم انه يشترط في حل المملوكة ان تكون كلها في ملكه. فلو كان له بعضها لم تحل. لانها ليست مما ملكت يمينه. بل هي ملك له ولغيره. فكما انه لا يجوز ان يشترك في المرأة الحرة زوجان فلا يجوز ان يشترك في الامة المملوكة سيدان اي مراعون لها ضابطون حافظون حريصون على القيام بها وتنفيذها هذا عام في جميع الامانات التي هي حق لله. والتي هي حق للعباد. قال تعالى انا عرضنا الامانة على السماوات والارض جبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان. فجميع ما اوجبه الله على عبده امانة. على العبد حفظها بالقيام التام بها وكذلك يدخل في ذلك امانات الادميين. كامانة الاموال والاسرار ونحوهما. فعلى العبد مراعاة الامرين الامانتين ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. وكذلك العهد يشمل العهد الذي بينهم وبين ربهم الذي بينهم وبين العباد وهي الالتزامات والعقود التي يعقدها العبد. فعليه مراعاتها والوفاء بها. ويحرم عليه التفريط فيها واهمالها والذين هم على صلواتهن يحافظون اي يداومون عليها في اوقاتها وحدودها واشراطها اركانها فمدحهم بالخشوع بالصلاة وبالمحافظة عليها. لانه لا يتم امرهم الا بالامرين. فمن يداوم على الصلاة من غير خشوع او على الخشوع من دون محافظة عليها فانه مذموم ناقص. هم الوارثون اولئك الموصوفون بتلك الصفات هم الوارثون خالدون الذين يرثون الفردوس الذي هو اعلى الجنة. ووسطها وافضلها لانهم من صفات الخير اعلاها وذروتها. او المراد بذلك جميع الجنة ليدخل بذلك عموم المؤمنين. على درجاتهم ومراتبهم. كل كن بحسب حاله هم فيها خالدون لا يطعنون عنها ولا يبغون عنها حولا لاشتمالها على اكمل النعيم وافضله واتمه من غير مكدر ولا منغص ذكر الله في هذه الايات اطوار الادمي وتنقلاته. من ابتداء خلقه الى اخر ما يصير اليه فذكر ابتداء خلق ابي النوع البشري ادم عليه السلام وانه من سلالة من طين اي قد سلت واخذ من جميع الارض. ولذلك جاء بنوه على قدر الارض. منهم الطيب والخبيث. وبين ذلك. والسهل والحزن وبين ذلك ثم جعلناه اي جنس الادميين نطفة تخرج من بين الصلب والتراب فتستقر في قرار مكين وهو الرحم. محفوظة من الفساد والريح وغير ذلك فخلقنا العنق مضغة فخلقنا المضغة عظاما. ثم خلقنا النطفة التي قد استقرت قبل قبل علقة اي دما احمر بعد مضي اربعين يوما من النطفة ثم خلقنا العلقة بعد اربعين يوما مضغة اي قطعة لحم صغيرة بقدر ما يمضغ من صغرها. فخلقنا المضغة اللينة عظاما صلبة. قد تخللت اللحم بحسب فبحاجة البدن اليها الله فتبارك الله احسن الخالقين. فكسونا العظام لحما. اي جعلنا اللحم كسوة العظام كما جعلنا العظام عمادا للحم. وذلك في الاربعين الثالثة. ثم انشأناه خلقا اخر نفخ فيه الروح فانتقل من كونه جمادا الى ان صار حيوانا. فتبارك الله تعالى وتعاظم وكثر خيره. احسن الخالقين الذي احسن كل شيء خلقه. وبدأ خلق الانسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه. وجعل لكم السمع والابصار والافئدة. قليلا ما تشكرون خلقه كله حسن. والانسان من احسن مخلوقاته. بل هو احسنها على الاطلاق. كما قال تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ولهذا كان خواصه افضل المخلوقات واكملها ثم انكم بعد ذلك الخلق ونفخ الروح لميتون. في احد اطواركم وتنقلاتكم ثم انكم يوم القيامة تبعثون فتجازون ما لكم حسنها وسيئها. قال تعالى ايحسب الانسان ان يترك سدى؟ الم يك نطفة من مني يمنى؟ ثم انا على قدم فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والانثى. اليس ذلك بقادر على ان يحيي الموتى خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين. لما ذكر تعالى خلق الادمي ذكر سكنه وتوفر النعم عليه من كل وجه. فقال ولقد خلقنا فوقكم سقفا للبلاد ومصلحة للعباد سبع طرائق اي سبع سماوات طباقا كل طبقة فوق الاخرى قد زينت بالنجوم والشمس والقمر واودع فيها من مصالح الخلق فيما اودع. فكما ان خلقنا عام لكل مخلوق. فعلمنا ايضا محيط بما خلقنا فلا نغفل مخلوقا ولا ننساه. ولا نخلق خلقا فنضيعه. ولا نغفل عن السماء فتقع على الارض. ولا ننسى ذرة في لجج البحار جوانب الفلوات ولا دابة الا سقنا اليها رزقها. وما من دابة في الارض الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها استودعها وكثيرا ما يقرن تعالى بين خلقه وعلمه كقوله الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ بلى وهو الخلاق العليم لان خلق المخلوقات من اقوى الادلة العقلية على علم خالقها وحكمته على ذهاب وانزلنا من السماء ماء يكون رزقا لكم ولانعامكم بقدر ما يكفيكم. فلا ينقص بحيث لا يكفي الارض والاشجار. فلا يحصل منه المقصود. ولا يزيده زيادة لا تحتمل. بحيث يتلف المساكن. ولا تعيش معه النبات والاشجار بل انزلهم وقت الحاجة لنزوله. ثم صرفه عند التضرر من دوامه. اي انزل عليها فسكن واستقر. واخرج بقدرة منزله. جميع الازواج النباتية. واسكنه ايضا معدا في خزائن الارض. بحيث لم يذهب نازلا حتى لا يوصل اليه ولا يبلغ قعره قيل قادرون. اما بالا ننزله او ننزله فيذهب نازلا لا يوصل اليه. او لا يوجد منه المقصود منه. وهذا تنبيه منه لعباده ان يشكروه على نعمته. ويقدر عدمها. ماذا يحصل به من الضرر؟ كقوله تعالى قل ارأيتم ان اصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون. فانشأنا لكم به اي بذلك الماء جنات اي بساتين من نخيل واعناب خصت على هذين النوعين مع انه ينشئ منه غيرهما من الاشجار لفضلهم ومنافعهما التي فاقت بها الاشجار. ولهذا ذكر العامة في قوله لكم فيها اي في تلك الجنات فواكه كثيرة ومنها تأكلون من طين واترج ورمان وتفاح وغيرها نسينا تنبت بالدهن وصبغ للاكلين. وشجرة تخرج من طور سيناء هي شجرة الزيتون اي جنسها خصت بالذكر. لان مكانها خاص في ارض الشام. ولمنافعها التي ذكر بعضها في قوله تنبت بالدهن وصبغ للاكلين. اي فيها الزيت الذي هو دهن يكثر استعماله من الاستصباح به واصطباغ الاكلين ان يجعلوا اداما للاكلين وغير ذلك من المنافع