فان الله لا يصلح اعمال الذين يسعون في ارض الله بما يكرهه كالسحرة فلا يتمها لهم فينتفعون بها ولا يثيبهم عليها بل ان الله يبطل هذا العمل ولا يصلحه ولا ينتفعون به بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعه باحسان الى يوم الدين اما بعد قال تعالى وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم وقال فرعون لقومه جيئوني بكل ساحر خبير بالسحر ملطقين لله اذا وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم اي وقال فرعون لقومه احضروا الي من المدائن كل ساحر ماهر بالسحر متقنا لصنعته وهذا كما قال تعالى قال الملأ من قوم فرعون ان هذا لساحر عليم يريد ان يخرجكم من ارضكم فماذا تأمرون قالوا ارجح واخاه وارسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر علم ثم قال تعالى فلما جاء السحرة قال لهم موسى القوا ما انتم ملقون فلما جاءوا فرعون بالسحرة قال لهم موسى واثقا بانتصاره عليهم. اطرحوا ايها السحرة ما انتم طارحون وتأمل هذه الاية الكريمة وهذا الثبات والتوكل على الله تعالى. فلما جاء السحرة قال له موسى القوا ما انتم ملقون. تأمل القوا ما انتم من يعني فيه تخسيس وتقليل واعلام ان سحرهم شيء قليل لا يلتفت اليه فلما جاء السحرة قال لهم موسى القوا ما انتم ملقون اي فلما جاء السحرة قال لهم موسى اطرحوا على الارض ما تريدون طرحه مما معكم من امور السهلة من الحبال والعصي وغير ذلك من اموركم كما قال الله تعالى وجاء السحرة فرعون قالوا ان لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين؟ قال نعم وانكم لمن المقربين قالوا يا موسى اما ان تلقي واما ان نكون نحن الملقين. قال القوا وفي سورة طه قالوا يا موسى اما ان تلقي واما ان نكون اول من القى قال بل القوا فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم انها تسعى اذا كان سحرهم هو سحر اعين الناس وانما امرهم موسى بان يبتدئوا بالقاء سحرهم اظهارا لقوة حجته بان شأن المبتدئ بالعمل المتباري فيه ان يكون امكن في ذلك العمل من يباريه ولا سيما الاعمال التي قوامها التمويه والترهيب والتي يتطلب المستنصر فيها السبق الى تأثر الحاضرين واعجابهم. فهذا يدل على كمال قوة ثقة موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فلما القوا قال موسى ما جئتم به السحر ان الله سيبطله. ان الله لا يصلح عمل المفسدين فلما طرحوا ما عندهم من السحر قال لهم موسى الذي اظهرتموه هو السحر ان الله سيصير ما صنعتم باطلا لا اثر له انكم بسحركم مفسدون في الارض والله لا يصلح عمل من كان مفسدا اذا فلما القوا قال موسى اي فلما القوا ما القوا من العصي والحبال. قال موسى ما جئتم به السحر اذا واجه موسى السحرة المتوكلا على الله ونفسه مملوءة ثقة بالله تعالى وهكذا الانسان لما يرسخ بالعلم من امور الوحي يكون قويا في هذا. فلما القوا قال موسى ما جئتم به السحر اي لما القى السحرة قبالهم واعصيهم وحين ذاك سحر اعين الناس قال موسى للسحرة الذي جئتم به هو السحر وليس ما جئتكم به مما اسميتموه سحرا وليس سحر قال ان الله سيبطله اي لا يبقي له اثرا فان الله سيذهب سحركم ويظهر بطلانه للناس بما يظهره على يدي من المعجزة ولذلك امر المعجزة فيه ابطال لامر السحر وربنا قال فلما القوا سحروا اعين الناس وسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم واوحينا الى موسى ان القي عصاك. فاذا هي تلقف ما في الكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وتأمل بان هذه الاية الكريمة ختمت بقوله ان الله لا يصلح عمل المفسدين ويحتمل ان هذا من خلال موسى ويحتمل انه من كلام الله سبحانه وتعالى. كلاهما محتمل وتأمل ان الله لا يصلح عمل المفسدين وانما كان السحرة مفسدين لان قصدهم تضليل عقول الناس ليكونوا مسخرين لهم ولا يعلم اسباب الاشياء فيبقوا الة فيما تأمرهم السحرة ولا يهتدون الى اصلاح انفسهم اما السحرة الذين خاطبهم موسى عليه السلام في افسادهم اظهر لانهم يحاولون ابطال دعوة الحق والدين القويم وترويج الشرك والضلال ولذلك تجد اهل السحر في كل زمان ومكان انما يريدون ان ينتفعوا من الناس المخدوعين بهم ثم قال تعالى ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون ويثبت الله الحق ويمكن له بكلماته القدرية وبما في كلماته الشرعية من الحجج والبراهين ولو كره ذلك الكافرون المجرمون من ال فرعون وتأمل فيه فان الله يثبت الحق اما العمل الباطل فان الله سبحانه وتعالى يذهبه ويحق الله الحق. طب من هنا اظهار اسم الجلالة لتربية المهابة في النفوس. ويحق الله الحق بكلماته اي باوامره واحكامه ومعنى الاية اي يثبت الله الحق الذي جاء من عنده ويوضحه ويظهره على من خالفه بكلماته الكونية وكلماته التنزيلية التي يوحيها الى رسله ومنها الاخبار باظهار الحق واعزازه وربنا قال ويريد الله ان يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ولذلك ينبغي على الانسان ان يعمل لاجل نصرة الحق واثبات دين الله تعالى وتأمل الاية ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون لان ارادته سبحانه وتعالى هي النافذة وقدرته سبحانه وتعالى هي الغالبة فمعنى الاية ان يحق الله الحق وان كره الحصاة الاثمون ذلك فربنا جل جلاله ينصر دينه وربنا جل جلاله ينصر من قام بهذا الدين لوجه الله تعالى ثم قال تعالى فما امن لموسى الا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم ان يفتنهم وان فرعون لعالم في الارض وانه لمن المسرفين صمم القوم على الاعراب فما صدق بموسى مع ما جاء به من الايات الظاهرة والحجج الواضحة الا شباب من قومه بني اسرائيل. مع خوف من فرعون وكبراء قومه اي يصرفوهم عن ما لهم بما يذيقونهم من العذاب انكشف امرهم وان فرعون لمتكبر متسلط على مصر واهلها وانه لمن المتجاوزين للحد في الكفر والتقتيل والتعذيب لبني اسرائيل وتأمل بان دعوة الرسل دائما يتبعهم من؟ يتبعهم الضعفاء فما امن لموسى الا ذرية من قومه. اي فلم يصدق بموسى في اول دعوته. ويقر له بالنبوة الا قليل من اولاد قومه بني اسرائيل وهنا فما امن لموسى الا ذرية من قومه يا شباب من بني اسرائيل والحكمة والله اعلم بكونه ما امن لموسى الا ذرية من قومه ان الذرية والشباب اقبلوا للحق واسرع لهم قيادا بخلاف كثير من الشيوخ ونحوهم ممن تربع على الكفر فانهم بسبب ما مكث في قلوبهم من عقائد فاسدة ابعد من الحق من غيرهم واذا اصحاب الاموال كثيرا ما يخافون على اموالهم ومصالحهم لما تجذر في قلوبهم حب المال. قال على خوف من فرعون وملئهم اي يفتنهم على خوف اي على خوف من فرعون وخوف من اشراف واغنياء بني اسرائيل فانهم كانوا يخيفون شباب بني اسرائيل بسبب اموالهم وبسبب مصالحهم اي امنوا على خوف من فرعون وملائهم ان يفتنهم اي امنوا وهم خائفون من فرعون ومن اشراف قومهم الذين كانوا على مثل من كان عليه فرعون ان يصرفهم فرعون عن اتباع الحق بمحنة وبلية ان يوقعها ان يوقعها عليهم وربنا جل جلاله بين السبب في ذلك. فقال تعالى وان فرعون لعالم في الارض وانه لمن المسرفين اي وان فرعون لجبار متكبر على الحق والخلق في ارض مصر حين ذاك وانه لمن المجاوزين الحد في الكفر والقتل والبغي. اذا هو كان مسرف في الظلم والفساد ثم قال تعالى وقال موسى يا قومي ان كنتم امنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين وقال موسى لقومه يا قومي ان كنتم امنتم بالله ايمانا حقا فعلى الله وحده اعتمدوا ان كنتم مسلمين فالتوكل على الله يدفع عنكم السوء ويجلب لكم الخير وهكذا التوكل على الله رحمة من عند الله تعالى وطمأنينة وربنا جل جلاله لما ذكر خوفهم وعذرهم اتبعه ما يوجب طمأنينتهم وهو التوكل على الله الذي من راقبه يعني تلاشى عنده كل شيء يخيفه وقال موسى يا قومي ان كنتم امنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين اي وقال موسى لقومه بني اسرائيل يا قومي ان كنتم امنتم بالله حقا فاعتمدوا عليه وحده باعتبار ان التوكل هو الصدق واعتماد القلب فاعتمدوا عليه وحده في نصركم ودفع الظر عنكم وبه ثقوا ولامره سلموا ان كنتم مدعنين له بالطاعة وقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين فاجاب موسى فقالوا على الله وحده توكلنا ربنا لا تسلط علينا الظالمين فيفتنوننا عن ديننا بالتعذيب والقتل والاغراء وقالوا على الله توكلنا اي فقال بنو اسرائيل على الله وحده اعتمدنا واليه فوضنا امرنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين اي قال قوم موسى ربنا لا تغفر الكافرين بنا وتسلطهم علينا فيعتقد ان غلبتهم علينا لم تقع الا لانهم على الحق. ونحن على الباطل فيفتن بذلك ويعرضوا عن الاقرار بالحق واتباعه اذا فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين. اي لا تمكنهم من عذابنا فيقول لو كان هؤلاء على الحق ما عددناهم فيفتنون بذلك. فتأمل رحمتهم من ايدي ان لا يفتن الاخرون بهم. وهكذا ينبغي على الانسان ان يسعى ان لا يأتين الاخرين بل يسعى لجلب الخير للاخرين وهنا تقديم التوكل على الدعاء وان كان بيانا لامتثال امر موسى لهم فيه تلويح بان الداعي حقه ان يبني دعاءه على التوكل على الله تعالى. فانه ارجع للاجابة ولا يتوهمن ان التوكل مناف للدعاء لانه احد الاسباب المقصودة فالانسان ان يتوكل على الله والانسان يأخذ بالاسباب من ذلك الدعاء يدعو الانسان ربه والدعاء عبادة عظيمة وهكذا تأخذ هذه الايات ونجنا برحمتك من القوم الكافرين. ايوه خلصنا برحمتك ربنا من ايدي قوم فرعون الكافرين. فقد استعبدونا واذونا بالتعذيب والقتل ونجنا اي وخلصنا يا ربنا برحمتك من بطشك وسلطان فرعون وقومه الكافرين الذين يذيقون العذاب الشديد ثم قال تعالى واوحينا الى موسى واخيه ان تبوأ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة الصلاة وبشر المؤمنين واوحينا الى موسى واخيه هارون ان اختاره واتخذوا لقومكما بيوتا لعبادة الله وحده. وسيروا بيوتكم متجهة الى جهة القبلة بيت المقدس واتوا بالصلاة كاملة واخبر يا موسى المؤمنين بما يسرهم من نصر الله وتأييده واهلاك عدوهم واستخلافهم في الارض وهنا لما اجابوه الى اظهار الاعتماد والتوكل على الله وفوضوا الامر اليه اتبعه ما يزيدهم طمأنينة من التوطن في ارض العدو اشارة الى عدم المبالاة واشارة الى الصبر والتحمل وان الانسان اذا اوذي في الله صبر فان الله تعالى يعطي الانسان على صبره واوحينا الى موسى واخيه ان تبوأ لقومكما بمصر بيوتا. ايوة اوحينا الى موسى واخيه هارون ان اتخذ لقومكما بني اسرائيل في ارض مصر مساكن. طبعا مساكن يسكن فيها الانسان والله تعالى قد جعل لنا بيوتا نسكن فيها واجعلوا بيوتكم قبلة اي واجعلوا مساكنكم مساجد تصلون فيها وكان من دينهم انهم لا يصلون الا في البيع والكنائس ما داموا على امن فاذا خافوا فقد اذن لهم ان يصلوا في بيوتهم. طبعا هذا التفسير الذي نختاره بخلاف التفسير الذي قد اختير في المختصر في التفسير. نعم ولذلك لما حصلت هذه الازمة وقد بدأت تنفرد بشيئا فشيء صار الناس يصلون في بيوتهم فاصبح في كل بيت مسجدا ولكل بيت اماما واقيموا الصلاة اي وادوا ما امركم الله به من الصلوات بحدودها في اوقاتها وبشر المؤمنين. ايوة بشر يا موسى المؤمنين بالنصر والثواب فبشرهم بالنصر في الدنيا والجنة في الاخرة والامر لموسى هو امر لهارون اي امرنا كلا من موسى وهارون بان يبشروا المؤمنين بالسعادة الابدية في جنات النعيم يوم الدين وبحياة طيبة معجلة في الدنيا مع تأييد ونصر من الله سبحانه وتعالى وقال موسى ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينة واموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك. ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم وقال موسى ربنا انك اعطيت فرعون والاشراف من قومه من زخرف الدنيا وبهارجها زينة واعطيتهم اموالا في هذه الحياة الدنيا فلم يشكروك على ما اعطيتهم بالاستعانة به على الاضلال عن سبيلك. ربنا امح اموالهم وامحقها واجعل قلوبهم قاسية فلا يؤمنون الا حين يشاهدون العذاب الموجع حين لا ينفعهم ايمانهم اذا وقال موسى ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينة واموالا في الحياة الدنيا وقال موسى يا ربنا انك اعطيت فرعون واشراف قومه زينة يتزينون بها في الاثاث والذهب والفضة وانواع الحلوي والثياب والبيوت والمراكب واعطيتهم اموالا كثيرة في هذه الحياة الدنيا. ربنا ليضلوا عن سبيلهم. باعتبار انه قد اعطاهم ابتلاء واختبارا لهم لكن ما الذي حصل؟ صاروا يضلون الناس عن سبيل الله ويصدونهم عن دينهم اي قال موسى يا ربنا انك اعطيتهم الزينة والاموال استدراجا منك واختبارا وامتحانا وابتلاء فحصل ما حصل ففتنوا الناس بذلك وذلك النعمة ذا لا يؤدي الانسان شكرها تتحول الى نقمة ربنا اطمس على اموالهم باعتبار ذكر الاموال هي اعز ما ادخر. دعا بالطموس عليها ربنا اطمس على اموالهم وهذه الدعوة كانت لموسى عليه السلام غضبا لله وغضبا لدينه على فرعون وملأه الذين تبين له انهم لا خير فيهم ولا يجيء منهم شيء كما دعا نوح عليه السلام فقال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك. ولا يلدوا الا فاجرا كفطارا طبعا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على اهل المشرفين في مكة ايضا كانت دعوة عليهم ربنا اطمس على اموالهم اي يا ربنا اتلف اموال فرعون وملأه فلا ينتفع بها واشدد على قلوبهم اي واطبع يا ربنا على قلوبهم بالكفر واجعلها قاسية فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم. اي فلا يؤمن بالحق حتى يعاينوا العذاب الموجع الذي يهلكون به فلا ينفعهم ايمانهم حينئذ من فوائد الايات اولا فالثقة بالله وبنصره والتوكل عليه ينبغي ان تكون من صفات المؤمن القوي بيان اهمية الدعاء وانه من صفات المتوكلين تأكيد اهمية الصلاة ووجوب اقامتها في كل الاديان وفي كل الاحوال مشروعية الدعاء على الظالم هذه الفوائد التي ذكرت فيها طبعا مشروعية الدعاء على الظالم اللي هو غير المسلم. اما المسلم فلا ندعو على المسلم ابدا واذا اوقع الظرر بنا نقول والله حسبنا في فلان وبالامكان ان نضيف اربعة فوائد. اولا نقول كل صاحب عمل مفسد شاع بين الناس مدة فان فان عمله سيزل فيما بعد ويضمحل اما اهل الصلاح الذين قصدوا بعملهم وجه الله فان عملهم لا ينقطع ثانيا التوكل على الله دلالة على صدق الايمان ثالثا ينبغي على المؤمن ان لا يتمنى البلاء بل عليه ان يسأل الله العافية والسلامة لدينه ودنياه. لانه لا يدري كيف يكون محاله عند نزول البلاء بانه لا يدري كيف يكون حاله عند نزول البلاء رابعا لا يتم الابتلاء في الحياة الدنيا الا بامداد الناس لاسباب الابتلاء والعطاء. اذا ربنا ما اعطاه للناس انما ويمتحنهم. هذا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته