جاءهم منذر منهم. فقال الكافرون هذا شيء عجيب. ائذا متنا وكنا ترابا؟ ذلك رجع بعيد. فقال في جوابهم قد علمنا ما تنقص الارض منهم اي في البلاء وعندنا كتاب حفيظ المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون. اي ومن نعمه عليكم ان سخر لكم الانعام الابل والبقر والغنم فيها عبرة للمعتبرين. ومنافع للمنتفعين. نسقيكم مما في بطونها من لبن يخرج من بين فرث خالص سائغ للشاربين. ولكم فيها منافع كثيرة من اصوافها واوبارها واشعارها. وجعل لكم من جلود للانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم اقامتكم. ومنها تأكلون افضل المآكل من لحم وشحم وعليها وعلى الفلك تحمل اي جعلنا سفنا لكم في البر تحملون عليها اثقالا الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس. كما جعل لكم السفن في البحر تحملكم وتحمل متاعكم. قليلا كان او كثيرا فالذي انعم بهذه النعم وصنف انواع الاحسان وادر علينا من خيره المدرار. هو الذي يستحق كمال الشكر وكمال الثناء والاجتهاد في عبوديته والا يستعان بنعمه على معاصيه اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. افلا تتقون. يذكر تعالى رسالة عبده ورسوله نوح عليه السلام اول رسول ارسله لاهل الارض فارسله الى قومه وهم يعبدون الاصنام. فامرهم بعبادة الله وحده. فقال يا قومي اعبدوا الله اي اخلصوا له العبادة. لان العبادة لا تصح الا باخلاصها. ما لكم من اله غيره فيه ابطال الوهية غيره لله واثبات الالهية لله تعالى. لانه الخالق الرازق الذي له الكمال كله. وغيره بخلاف ذلك افلا تتقون ما انتم عليه من عبادة الاوثان والاصنام؟ التي صورت على صور قوم صالحين فعبدوها مع الله فاستمر على ذلك يدعوهم سرا وجهارا وليلا ونهارا الف سنة الا خمسين عاما وهم لا يزدادون الا عتوا ونفوا فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا الا بشر مثلكم يريد ان يتفضل فقال الملأ من قومه الاشراف والسادة المتبوعون على وجه المعارضة لنبيهم نوح والتحذير من اتباعه يريد ان يتفضل عليكم. اي ما هذا الا بشر مثلكم؟ قصده حين ادعى النبوة ان يزيد عليكم فضيلة ليكون متبوعا. والا فما الذي يفضله عليكم؟ وهو من جنسكم. وهذه المعارضة ما زالت موجودة في مكذبي الرسل وقد اجاب الله عنها بجواب شاف على السنة رسله كما في قوله قالوا اي لرسلهم ان انتم لا بشر مثلنا تريدون ان تصدونا عما كان يعبد اباؤنا. فائتونا بسلطان مبين. قالت لهم رسلهم ان نحن الا بشر مثل ولكن الله يمن على من يشاء من عباده. فاخبروا ان هذا فضل الله ومنته. فليس لكم ان تحجروا على الله. وتمنعوه من ايصال فضله علينا. وقالوا هنا سمعنا بهذا في ابائنا الاولين. ولو شاء الله لانزل ملائكة. وهذه ايضا مضت بالمشيئة باطلة فانه وان كان لو شاء لانزل ملائكة فانه حكيم رحيم. حكمته ورحمته تقتضي ان يكون الرسول من جنس الادميين لان الملك لا قدرة لهم على مخاطبته. ولا يمكن ان يكون الا بصورة رجل. ثم يعود اللبس عليهم كما كان. وقول ما سمعنا بهذا اي بارسال رسول في ابائنا الاولين واي حجة في عدم سماعهم ارسال رسول في ابائهم الاولين. لانهم لم يحيطوا علما بما تقدم فلا يجعلوا جهلهم حجة لهم. وعلى تقدير انه لم يرسل فيهم رسولا. فاما ان يكونوا على الهدى. فلا حاجة لارسال الرسول اذ ذاك واما ان يكونوا على غيره فليحمدوا ربهم ويشكروه ان خصهم بنعمة لم تأت اباءهم ولشعروا بها ولا يجعلوا عدم الاحسان على غيرهم سببا لكفرهم للاحسان اليهم ان هو الا رجل به جنة اي مجنون فتربصوا به اينتظروا به حتى حين؟ الى ان يأتيه الموت وهذه الشبه التي اوردوها معارضة لنبوة نبيهم دالة على شدة كفرهم وعنادهم. وعلى انهم في غاية الجهل والضلال فانها لا تصلح للمعارضة بوجه من الوجوه. كما ذكرنا بل هي في نفسها متناقضة متعارضة. فقوله ما هذا الا بشر مثل يريد ان يتفضل عليكم. اثبتوا ان له عقلا يكيدهم به. ليعلوهم ويسودهم. ويحتاج مع هذا ان يحذر منه لان لا به فكيف يلتئم مع قولهم ان هو الا رجل به جنة؟ وهل هذا الا من مشبه ضال منقلب عليه الامر قصده الدفع باي طريق اتفق له غير عالم بما يقول. ويأبى الله الا ان يظهر خزي من عاداه وعادى رسله. فلما رأى نوح انه لا يفيدهم دعاؤه الا فرارا فاستنصر ربه عليهم غضبا لله. حيث ضيعوا امره وكذبوا رسوله. وقال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ان ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا. قال تعالى ولقد نادنا نوح فلن المجيبون فاوحينا اليه ان نصنع الفلك باعيننا ووحينا. فاوحينا اليه عند استجابتنا له سببا ووسيلة للنجاة قبل وقوع اسبابه. ان اصنع الفلك اي السفينة باعيننا ووحينا. اي بامرنا لك ومعونتنا وانت في حفظنا وكلاءتنا بحيث نراك ونسمعك ظروف اسلك فيها من كل زوجين اثنين واهلك. فاذا جاء امرنا بارسال الطوفان الذي عذبوا به ثار التنور اي ثارة الارض وتفجرت عيونا حتى محل النار الذي لم تجري العادة الا ببعده عن الماء اثنين واهلك. اي ادخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات. ذكرا وانثى. تبقى ما النسل لسائر الحيوانات التي اقتضت الحكمة الربانية ايجادها في الارض واهلك اي ادخلهم عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون. الا لا من سبق عليه القول كابنه ولا تخاطبني في الذين ظلموا. اي لا تدعني ان انجيهم. فان القضاء والقدر قد حتم انهم مغرقون. فاذا استويت انت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله. فقل الحمد لله بسم الله الذي نجانا من القوم الظالمين. فاذا استويت انت ومن معك على الفلك اي علوتم عليها واستقلت هم في تيار الامواج ولجج اليم فاحمدوا الله على النجاة والسلامة. فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. وهذا تعليم منه له ولمن معه ان يقولوا هذا شكرا له وحمدا على نجاتهم. من القوم الظالمين في عملهم وعذابهم انزلني منزلا مباركا وانت خير المنزلين اي وبقيت عليكم نعمة اخرى فادعوا الله فيها. وهي ان ييسر الله لكم منزلا مباركا. فاستجاب الله دعاءه. قال الله وقضي الامر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين الى ان قال قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى ممن معك ان في ذلك اي في هذه القصة لا ايات تدل على ان الله وحده المعبود. وعلى ان رسوله نوحا صادق وان قومه كاذبون وعلى رحمة الله بعباده حيث حملهم في صلب ابيهم نوح في الفلك لما غرق اهل الارض والفلك ايضا من ايات الله قال تعالى ولقد تركناها اية فهل من مدكر؟ ولهذا جمعها هنا لانها تدل على عدة ايات ومطالب ثم انشأنا من بعدهم قرنا عن اخرين. لما ذكر نوحا وقومه وكيف اهلكهم؟ قال الظاهر انهم ثمود قوم صالح عليه السلام. لان هذه القصة تشبه قصتهم افلا تتقون. فارسلنا فيهم رسولا منهم من جنس بهم يعرفون نسبه وحسبه وصدقه ليكون ذلك اسرع لانقيادهم اذا كان منهم وابعد عن اشمئزازهم فدعا الى دعت اليه الرسل اممهم. ان اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. فكلهم متفق على هذه الدعوة. وهي اول دعوة يدعون بها اممهم الامر بعبادة الله والاخبار انه المستحق لذلك والنهي عن عبادة ما سواه. والاخبار ببطلان ذلك وفساده. ولهذا قال افلا تتقون. افلا تتقون ربكم فتجتنبوا هذه الاوثان والاصنام؟ وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الاخرة واترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا الا بشر مثلكم اي قال الرؤساء الذين جمعوا بين الكفر والمعاندة واطغاهم طرفهم في الحياة الدنيا. معارضة لنبيهم وتكذيبا وتحذيرا منه. ما هذا الا بشر مثلكم؟ اي من جنسكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون. فما الذي يفضله عليكم؟ فهلا كان ملكا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولئن اطعتم بشرا مثلكم انكم اذا لخاسرون. اي ان تبعتموه وجعلتموه لكم رئيسا وهو مثلكم انكم لمسلوب العقل نادمون على ما فعلتم وهذا من العجب. فان الخسارة والندامة حقيقة لمن لم يتابعه ولم ينقد له. والجهل والسفه العظيم لمن تكبر عن الانقياد لبشر خصه الله بوحيه. وفضله برسالته ابتلي بعبادة الشجر والحجر. وهذا نظير قولهم قالوا ابشر منا واحدا نتبعه انا اذا لفي ضلال وسعر. االقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب اشر. فلما انكروا رسالته وردوها انكروا ما جاء به من البعث بعد الموت. والمجازاة الاعمال فقالوا ايعدكم انكم اذا متم كنتم ترابا وعظاما هيهات هيهات لما توعدون. اي بعيد بعيد ما يعدكم به من البعث. بعد ان تمزقتم وكنتم ترابا وعظاما. فنظروا نظرا قصرا ورأوا هذا بالنسبة الى قدرهم غير ممكن. فقاسوا قدرة الخالق بقدرهم. تعالى الله فانكروا قدرته على احياء الموتى وعجزوه غاية التعجيز ونسوا خلقهم اول مرة وان الذي انشأهم من العدم فاعادته لهم بعد اهون عليه وكلاهما هين لديه. فلما لا ينكرون اول خلقهم ويكابرون المحسوسات؟ ويقولون اننا لم نزل موجودين حتى سلم لهم انكارهم للبعث. وينتقل معهم الى الاحتجاج على اثبات وجود الخالق العظيم. وهنا دليل اخر وهو ان الذي احيا الارض بعد موته ان ذلك لمحيي الموتى انه على كل شيء قدير. وثم دليل اخر وهو ما اجاب به المنكرين للبعث في قوله. بل عجبوا يا وما نحن بمبعوثين ان هو الا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين ان هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا. اي يموت اناس ويحيا اناس. وما نحن بمبعوثين. ان هو الا رجل به جنة. فلهذا اتى بما اتى به من توحيد الله. واثبات المعاد فتربصوا به حتى حين. اي ارفعوا عنه العقوبة بالقتل وغيره احتراما له. ولانه مجنون غير مؤاخذ بما يتكلم به. اي فلم يبقى بزعمهم الباطل مجادلة معه بصحة ما جاء به فانهم قد عرفوا بطلانه. وانما بقي الكلام هل يوقعون به ام لا؟ فبزعمهم ان عقولهم الرزينة اقتضت الابقاء عليه وترك الايقاع به مع قيام موجب. فهل فوق هذا العناد والكفر غاية؟ ولهذا لما اشتد كفرهم ولم ينفع فيهم الانذار دعا عليهم نبيهم فقال رب انصرني بما كذبون اي باهلاكهم وخزيهم الدنيوي قبل الاخرة. قال الله مجيبا لدعوته فجعلنا فاخذتهم الصيحة بالحق لا بالظلم والجور بل بالعدل وظلمهم اخذتهم الصيحة فاهلكتهم عن اخرهم. اي هشيم من يبسا بمنزلة غثاء السيل الملقى في جنبات الوادي. وقال في الاية الاخرى انا ارسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم من محتضر. اي اتبعوا مع عذابهم البعد واللعنة والذم من العالمين. فما بكت بهم السماء والارض وما كانوا منظرين من امة اجلها وما يستأخرون. ثم ارسلنا رسلنا تترا كلما جاء اي ثم انشأنا من بعد هؤلاء المكذبين المعاندين قرونا اخرين. كل امة في وقت مسمى واجل محدود لا تتقدم عنه ولا تتأخر. وارسلنا اليهم رسلا متتابعة. لعلهم يؤمنون وينيبون. فلم يزل الكفر والتكذيب دأب الامم العصاة والكفرة البغاة. مع ان كل رسول من الايات ما يؤمن على مثله البشر. بل مجرد دعوة الرسل وشرعهم. يدل على حقيقة ما جاءوا به فبعدا لقوم لا يؤمنون. فاتبعنا بعضهم بعضا بالهلاك فلم يبق منهم باقية. وتعطلت مساكنهم من بعدهم. وجعلناهم احاديث يتحدث بهم من بعدهم. ويكونون عبرة للمتقين ونكالا للمكذبين وخزيا عليهم مقرونا بعذابهم. ما اشقاهم تعسا لهم ما اخسر صفقتهم