المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ومن يقنت منكن اي تطيع لله ورسوله وتعمل صالحا صالح قليلا او كثيرا نؤتها اجرها مرتين. اي مثلما نعطي غيرها مرتين وهي الجنة فقنتنا لله ورسوله وعملنا صالحا. فعلم بذلك اجرهن ان اتقيتن فلا يقول تعالى يا نساء النبي خطاب لهن كلهن. لستن كاحد من النساء ان اتقيتن الله فانكن بذلك تفوقن النساء. ولا الحق كن احد من النساء فكملن التقوى بجميع وسائلها ومقاصدها. فلهذا ارشدهن الى قطع وسائل المحرم. فقال فلا تخضعن وقعن بالقول اي في مخاطبة الرجال او بحيث يسمعون فتلن في ذلك وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع الذي في قلبه مرض اي مرض شهوة الزنا. فانه مستعد ينظر ادنى محرك يحركه. لان قلبه غير صحيح. فان القلب الصحيح ليس فيه شهوة لما حرم الله فان ذلك لا تكاد تميله ولا تحركه الاسباب. لصحة قلبه وسلامته من المرض. بخلاف مريض القلب الذي لا يتحمل ما تحملوا الصحيح ولا يصبر على ما يصبر عليه. فادنى سبب يوجد يدعوه الى الحرام. يجيب دعوته ولا يتعصى عليه. فهذا دليل على ان سائلة لها احكام المقاصد. فان الخضوع بالقول واللين فيه في الاصل مباح. ولكن لما كان وسيلة الى المحرم منع منه. ولهذا ينبغي المرأة في مخاطبة الرجال الا تلين لهم القول. ولما نهاهن عن الخضوع في القول. فربما توهم انهن مأمورات باغلاظ القول مع هذا بقوله وقلن قولا معروفا اي غير مريظ ولا جاف كما انه ليس بلين خاضع. وتأمل كيف قال فلا تخضعن بالقول ولم يقل فلا تلن بالقول وذلك لان المنهي عنه القول اللين الذي فيه خضوع المرأة للرجل وانكسار عنده والخاضع هو الذي يطمع فيه. بخلاف من تكلم كلاما لينا ليس فيه خضوع. بل ربما صار فيه ترفع وقهر للخصم. فان هذا فيطمع فيه خصمه. ولهذا مدح الله رسوله باللين. فقال فبما رحمة من الله لنت لهم؟ وقال لموسى وهارون اذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى. ودل قوله فيطمع الذي في قلبه مرض مع امره بحفظ الفرج وثناءه على الحافظين لفروجهم والحافظات ونهيه عن قربان الزنا انه ينبغي للعبد اذا رأى من نفسه هذه الحالة وانه يهود لفعل المحرم عندما يرى او يسمع كلام من يهواه. ويجد دواعي طمعه قد انصرفت الى الحرام. فليعرف ان ذلك مرض. فليجتهد في اضعاف عافي هذا المرض وحسم الخواطر الردية. ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطير. وسؤال الله العصمة والتوفيق. وان ذلك من حفظ الفرد المأمور به وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى ان الصلاة واتينا الزكاة واطعنا الله ورسوله انما يريد الله ليذهب عني وقرن في بيوتكن اي قرن فيها لانه اسلم واحفظ لكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى. اي لا تكثرن الخروج متجملات او متطيبات. كعادة اهل الجاهلية الاولى الذين لا علم عندهم ولا دين. فكل هذا دفع للشر واسبابه. ولما امرهن بالتقوى عموما وبجزئيات من التقوى نص عليه لحاجة النساء اليها. كذلك امرهن بالطاعة خصوصا الصلاة والزكاة اللتان يحتاجهما ويضطر اليهما كل احد وهما اكبر العبادات واجل الطاعات. وفي الصلاة الاخلاص للمعبود وفي الزكاة الاحسان الى العبيد. ثم امرهن بالطاعة عموما فقال واطعنا الله ورسوله يدخل في طاعة الله ورسوله كل امر امر به امر ايجاب او استحباب انما يريد الله وبأمركن بما امركن به. ونهيكن بما نهاكن عنه. ليذهب عنكم الرجس. اي الاذى والشر والخبث. يا اهل البيت ويطهركم تطهير حتى تكونوا طاهرين مطهرين. اي فاحمدوا ربكم واشكروه على هذه الاوامر والنواهي. التي اخبركم بمصلحتها وانها مصلحتكم لم يرد الله ان يجعل عليكم بذلك حرجا ولا مشقة. بل لتتزكى نفوسكم ولتتطهر اخلاقكم وتحسن اعمالكم ويعظم بذلك اجركم. ولما امرهن بالعمل الذي هو فعل وترك. امرهن بالعلم وبين لهن طريقة. فقال واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ايات الله والحكمة. والمراد بايات الله القرآن والحكمة اسراره او سنة رسوله وامرهن بذكره يشمل ذكر لفظه بتلاوته. وذكر معناه بتدبره والتفكر فيه. واستخراج احكامه وحكمه. وذكره والعمل به وتأويله. يدرك اسرار الامور وخفايا الصدور وخفايا السماوات والارض والاعمال التي تبين وتسر. فلطفه وخبرته يقتضي حثهن على الاخلاص واصرار الاعمال. ومجازاة الله تلك الاعمال ومن معان اللطيف الذي يسوق عبده الى الخير ويعصمه من الشر بطرق خفية لا يشعر بها ويسوق اليه من ما لا يدري ويريه من الاسباب التي تكرهها النفوس. ما يكون ذلك طريقا له الى اعلى الدرجات وارفع المنازل والقانتات والقانتين والقانطات والصادقين والصادقات والحافظين فروجهم والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة لما ذكر تعالى ثواب الرسول صلى الله عليه وسلم وعقابهن لو قدر عدم الامتثال. وانه ليس مثلهن احد من النساء. ذكر بقية النساء غيرهن ولما كان حكمهن والرجال واحدا جعل الحكم مشتركا فقال ان المسلمين والمسلمات وهذا في الشرائع الظاهرة اذا كانوا قائمين بها والمؤمنين والمؤمنات وهذا في الامور الباطنة من عقائد القلب واعماله والقانتين اي المطيعين لله ولرسوله والقانتات والصادقين في مقالهم وفعالهم والصادقات والصابرين على الشدائد والمصائب والصابرات. والخاشعين في في جميع احوالهم خصوصا في عباداتهم خصوصا في صلواتهم والخاشعات والمتصدقين فرضا ونفلا والمتصدقات والصائمين والصائمات شمل ذلك الفرض والنفل والحافظين فروجهم والذاكرين الله كثيرا والذاكرات والحافظين فروجهم عن الزنا ومقدماته والحافظات والذاكرين الله كثيرا اي في اكثر الاوقات خصوصا اوقات الاوراد المقيدة. كالصباح والمساء وادبار الصلوات المكتوبات والذاكرات اعد الله لهم اي لهؤلاء اوفينا بتلك الصفات الجميلة والمناقب الجليلة التي هي ما بين اعتقادات واعمال قلوب واعمال جوارح واقوال لسان ونفع متعد وما بين افعال الخير وترك الشر. الذي من قام بهن فقد قام بالدين كله. ظاهره وباطنه بالاسلام والايمان والاحسان فجازاهم على عمله بالمغفرة لذنوبهم. لان الحسنات يذهبن السيئات واجرا عظيما. لا يقدر قدره الا الذي اعطاه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. نسأل الله ان يجعلنا منهم الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. اي لا ينبغي ولا يليق ممن اتصف بالايمان الا الاسراع في الله ورسوله والهرب من سخط الله ورسوله. وامتثال امرهما واجتناب نهيهما. فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة. اذا قضى الله ورسوله امرا من الامور وحتم به والزم به ان يكون لهم الخيرة من امرهم اي الخيار هل يفعلونه ام لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمن منى ان الرسول اولى به من نفسه فلا يجعل بعض اهواء نفسه حجابا بينه وبين امر الله ورسوله اي بينا لانه ترك الصراط المستقيم الموصلة الى كرامة الله الى غيرها من طرق الموصلة للعذاب الاليم. فذكر اولا السبب الموجب لعدم معارضته امر الله ورسوله. وهو الايمان ثم ذكر المانع من ذلك وهو التخويف من ضلال الدال على العقوبة والنكال وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشن وكان سبب نزول هذه الايات ان الله تعالى اراد ان يشرع شرعا عاما للمؤمنين ان الادعياء ليسوا في حكم الابناء حقيقة من جميع الوجوه وان ازواجهم لا جناح على من تبناهم نكاحهن. وكان هذا من الامور المعتادة التي لا تكاد تزول الا بحادث كبير فاراد الله ان يكون هذا الشرع قولا من رسوله وفعلا. واذا اراد الله امرا جعل له سببا. وكان زيد ابن حارثة يدعى زيد ابن محمد قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم فصار يدعى اليه حتى نزل ادعوهم لابائهم فقيل له زيد ابن حارثة وكانت تحته زينب بنت جحش ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان قد وقع في قلب الرسول لو طلقها زيد لتزوجها قدر الله ان يكون بينها وبين زيد ما اقتضى ان جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في فراقها. قال الله واذ تقولوا للذي انعم الله عليه اي بالاسلام وانعمت عليه بالعتق حين جاءك مشاورا في فراقها فقلت له ناصحا ومخبرا بمصلحته مع وقوعها في قلبك امسك عليك زوجك. اي لا تفارقها واصبر على ما جاءك منها. واتق الله تعالى في امورك عامة. وفي امر زوجك خاصة فان التقوى تحث على الصبر وتأمر به وتخفي في نفسك ما الله مبديه والذي اخفاه انه لو طلقها زيد لتزوجها صلى الله عليه وسلم وتخشى الناس في عدم ابداء ما في نفسك. والله احق ان تخشاه والا تباليهم شيئا فلا اما قضى زيد منها وطرى اي طابت نفسه ورغب عنها وفارقها زوجناكها وانما فعلنا ذلك لفائدة عظيمة وهي لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم. حيث رأوك تزوجت زوج زيد ابن حارثة. الذي كان قبل ينتسب اليك ولما كان قوله لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم عاما في جميع الاحوال وكان من الاحوال قال ما لا يجوز ذلك وهي قبل انقضاء وتره منها قيد ذلك بقوله اي لابد من فعله. ولا عائق له ولا مانع. وفي هذه الايات المشتملات على هذه القصة فوائد. منها الثناء على زيد ابن حارثة وذلك من وجهين. احدهما ان الله سماه في القرآن. ولم يسم من الصحابة باسمه غيره. الثاني ان الله اخبر انه انعم عليه. اي بنعمة الاسلام والايمان. وهذه شهادة من الله له انه مسلم ومؤمن. ظاهرا وباطنا الا فلا وجه لتخصيصه بالنعمة. لولا ان المراد بها النعمة الخاصة. ومنها ان المعتق في نعمة المعتق. ومنها جواز تزوج زوجتك تدعي كما صرح به ومنها ان التعليم الفعلي ابلغ من القولي خصوصا اذا اقترن بالقول فان ذلك نور على نور. ومنها ان المحبة التي في قلب العبد لغير زوجته ومملوكته ومحارمه. اذا لم يقترن بها محذور لا يأثم عليها العبد. ولو اقترن بذلك امنيته ان لو طلقها زوجها لتزوجها من غير ان يسعى في فرقة بينهما او يتسبب باي سبب كان. لان الله اخبر ان الرسول صلى الله عليه وسلم ما اخفى ذلك في نفسه. ومنها ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين. فلم يدع شيئا مما اوحي اليه الا وبلغه. حتى هذا الامر الذي فيه عتابه وهذا يدل على انه رسول الله ولا يقول الا ما اوحي اليه ولا يريد تعظيم نفسه ومنها ان المستشار صار مؤتمن يجب عليه اذا استشير في امر من الامور ان يشير بما يعلمه اصلح للمستشير ولو كان له حظ نفس فتقدم مصلحة على هوى نفسه وغرضه. ومنها ان من الرأي الحسن لمن استشار في فراق زوجته ان يؤمر بامساكها مهما امكن صلاح الحال. فهو احسن الفرقة ومنها انه يتعين ان يقدم العبد خشية الله على خشية الناس. وانها احق منها واولى. ومنها فضيلة زينب الله عنها ام المؤمنين حيث تولى الله تزويجها من رسوله صلى الله عليه وسلم من دون خطبة ولا شهود. ولهذا كانت تفتخر بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقول زوجكن اهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات. ومنها ان المرأة اذا كانت ذات زوج لا يجوز نكاحها ولا السعي فيه وفي اسبابه حتى يقضي زوجها وطره منها ولا يقضي وتره حتى تنقضي عدتها لانها قبل انقضاء عدتها وهي في عصمته او في حقه الذي له وتر اليها ولو من بعض الوجوه سنة الله في الذين خلوا من قبل هذا دفع لطعن من طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم في كثرة لازواجه وانه طعن بما لا مطعن فيه فقال ما كان على النبي من حرج اي اثم وذنب فيما فرض الله له اي قدر له من الزوجات فان هذا قد اباحه الله للانبياء قبله. ولهذا قال سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان امر الله قدرا مقدورا واي لا بد من وقوعه ثم ذكر من هم الذين من قبل قد خلوا وهذه سنتهم وعادتهم آلات الله ويخشونه. ولا يخشون احدا الا الله وكفاني الله حسيبا وانهم الذين يبلغون رسالات الله فيتلون على العباد ايات الله وحججه وبراهينه. ويدعونهم الى الله ويخشونه وحده لا شريك له ولا يخشون احدا الا الله. فاذا كان هذا سنة في الانبياء المعصومين. الذين وظيفتهم قد ادوها وقاموا بها اتم القيام وهو دعوة الخلق الى الله والخشية منه وحده التي تقتضي فعل كل مأمور وترك كل محظور. دل ذلك على انه لا نقص فيه بوجه وكفى بالله حسيبا. محاسبا عبادة مراقبا اعمالهم. وعلم من هذا ان النكاح من سنن المرسلين ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله اي لم يكن الرسول محمد صلى صلى الله عليه وسلم ابا احد من رجالكم ايها الامة فقطع انتساب زيد بن حارثة منه من هذا الباب. ولما كان هذا النفي عاما في الاحوال ان حمل ظاهر اللفظ على ظاهره اي لا ابوة نسب ولا ابوة ادعاء وقد كان تقرر فيما تقدم ان الرسول صلى الله عليه وسلم انما اب للمؤمنين كلهم وازواجه امهاتهم. فاحترز ان يدخل في هذا النوع بعموم النهي المذكور. فقال اي هذه مرتبته مرتبة المطاع المتبوع المهتدى به المؤمن الذي يجب تقديم محبته على محبة كل احد الناصح لهم اي للمؤمنين الذي من بره ونصحه كانه اب لهم اي قد احاط علمه بجميع الاشياء ويعلم حيث يجعل رسالاته يصلح لفضله ومن لا يصلح ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة اصيلا. يأمر تعالى المؤمنين بذكره ذكرا كثيرا. من تهليل وتحميد وتسبيح وتكبير وغير ذلك. من كل قول فيه الى الله واقل ذلك ان يلازم الانسان اوراد الصباح والمساء وادبار الصلوات الخمس وعند العوارض والاسباب. وينبغي مداومة ذلك في جميع الاوقات على جميع الاحوال. فان ذلك عبادة يسبق بها العامل وهو مستريح. وداع الى محبة الله ومعرفته. وعون على خير وكف اللسان عن الكلام القبيح. اي اول النهار واخره لفضلها وشرفها وسهولة العمل فيها كان بالمؤمنين سلام اي من رحمته بالمؤمنين ولطفهم بهم ان جعل من صلاته عليهم وثنائه وصلاة ملائكته ودعائهم ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل الى نور الايمان والتوفيق العلم والعمل. فهذه اعظم نعمة انعم بها على العباد الطائعين. تستدعي منهم شكرها والاكثار من ذكر الله. الذي لطف بهم ورحمهم وجعل حملة عرشه افضل الملائكة ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين امنوا فيقولون ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما. فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم. ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تقي السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم. فهذه رحمته ونعمته عليهم في الدنيا واما رحمته بهم في الاخرة فاجل رحمة وافضل ثواب وهو الفوز برضى ربهم وتحيته واستماع كلامه الجليل ورؤية وجهه الجميل وحصول الاجر الكبير الذي لا يدري ولا يعرف كونه الا من اعطاهم اياه. ولهذا قال واعد لهم اجرا كريما. يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا هذه الاشياء التي وصف الله بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. هي المقصود من رسالته وزبدتها واصولها التي اختص بها هي خمسة اشياء احدها كونه شاهدا اي شاهدا على امته بما عملوه من خير وشر. كما قال تعالى لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. فهو صلى الله عليه وسلم شاهد عدل مقبول. الثاني والثالث كونه مبشرا ونذيرا. وهذا يستلزم ذكر المبشر والمنذر. وما يبشر به والاعمال الموجبة لذلك. فالمبشر هم المؤمنون المتقون. الذين جمعوا بين الايمان والعمل الصالح. وترك المعاصي لهم البشرى في في الحياة الدنيا بكل ثواب دنيوي وديني. رتب على الايمان والتقوى. وفي الاخرى بالنعيم المقيم. وذلك كله يستلزم ذكر تفصيل مذكور من تفاصيل الاعمال وخصال التقوى وانواع الثواب. والمنظر هم المجرمون الظالمون. اهل الظلم والجهل. لهم النذارة في من العقوبات الدنيوية والدينية المرتبة على الجهل والظلم. وفي الاخرى بالعقاب الوبيل والعذاب الطويل. وهذه الجملة تفصيلها ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة المشتمل على ذلك. الرابع كونه داعيا الى الله اي ارسله الله يدعو الخلق الى ربهم ويسوق لكرامته ويأمرهم بعبادته التي خلقوا لها. وذلك يستلزم استقامته على ما يدعو اليه. وذكرى تفاصيل ما يدعو اليه بتعريفهم بصفاته المقدسة وتنزيهه عما لا يليق بجلاله وذكر انواع العبودية والدعوة الى الله باقرب طريق موصل اليه واعطاء كل ذي حق حقه واخلاص الدعوة الى الله لا الى نفسه وتعظيمها. كما قد يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام. وذلك كله باذن الله تعالى له في الدعوة وامره وارادته وقدره. الخامس كونه سراجا منيرا. وذلك يقتضي ان الخلق في ظلمة عظيمة لا نور يهتدى به في ظلماتها ولا علم يستدل به في جهالاتها. حتى جاء الله بهذا النبي الكريم فاضاء الله به تلك الظلمات وعلم به من الجهالات وهذا به ضلالا الى الصراط المستقيم. فاصبح اهل الاستقامة قد وضح لهم الطريق. فمشوا خلف هذا الامام وعرفوا به الخير والشر واهل السعادة من اهل الشقاوة واستناروا به لمعرفة معبودهم وعرفوه باوصافه الحميدة وافعاله السديدة واحكامه الرشيدة وقوله اه ذكر في هذه الجملة المبشر وهم المؤمنون. وعند ذكر الايمان بمفرده تدخل فيه الاعمال الصالحة. وذكر المبشر به والفضل الكبير اي العظيم الجليل الذي لا يقادر قدره من النصر في الدنيا وهداية القلوب وغفران الذنوب وكشف الكروب الارزاق الضارة وحصول النعم السارة والفوز برضا ربهم وثوابه والنجاة من سخطه وعقابه. وهذا مما ينشط العاملين ان يذكر لهم من ثواب الله على اعمالهم ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم. وهذا من جملة حكم الشرع. كما ان من حكمه ان يذكر في مقامه الترهيب العقوبات المرتبة على ما يرهب منه. ليكون عونا على الكف عما حرم الله. ولما كان ثم طائفة من الناس مستعدة القيام بالصد الداعين الى الله من الرسل واتباعهم. وهم المنافقون الذين اظهروا الموافقة في الايمان. وهم كفرة فجرة في الباطن. والكفار وظاهرا وباطنا. نهى الله رسوله عن طاعتهم. وحذره ذلك. فقال حين ودع اذاهم متوكل على الله وتوكل على الله ولا تطع الكافرين والمنافقين. اي في كل امر يصد عن سبيل الله. ولكن لا يقتضي هذا اذاهم بل لا تطعهم ودع اذاهم. فان ذلك جالب لهم وداع الى قبول الاسلام. والى كف كثير من اذيتهم له ولاهله وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا. وتوكل على الله في اتمام امره وخذلان عدوك وكفى بالله وكيلا. توكل اليه الامور المهمة. فيقوم بها ويسهلها على عبده تعالى المؤمنين انهم اذا نكحوا المؤمنات ثم طلقوهن من قبل ان يمسوهن. فليس عليهن في ذلك عدة يعتدها ازواجهن عليهن وامرهم بتمتيعهن بهذه الحالة بشيء من متاع الدنيا الذي يكون فيه جبر لخواطرهن لاجل فراقهن وان يفارقوهن فراق جميلا من غير مخاصمة ولا مشاتمة ولا مطالبة ولا غير ذلك. ويستدل بهذه الاية على ان الطلاق لا يكون الا بعد النكاح وطلقها قبل ان ينكحها او علق طلاقها على نكاحها لم يقع. لقوله اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن. فجعل انطلق بعد النكاح فدل على انه قبل ذلك لا محل له. واذا كان الطلاق الذي هو فرقة تامة وتحريم تام. لا يقع قبل النكاح ناقص لظهار او ايلاء ونحوه من باب اولى واحرى الا يقع قبل النكاح. كما هو اصح قولي العلماء. ويدل على جواز الطلاق لان الله اخبر به عن المؤمنين على وجه لم يلمهم عليه ولم يؤنبهم. مع تصدير الاية بخطاب المؤمنين. وعلى جوازه قبل المسيس كما قال في الاية الاخرى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن. وعلى ان المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها. بل بمجرد يجوز لها التزوج حيث لا مانع. وعلى ان عليها العدة بعد الدخول. وهل المراد بالدخول والمسيس الوطئ؟ كما هو مجمع عليه او وكذلك الخلوة ولو لم يحصل معها وطئ كما افتى بذلك الخلفاء الراشدون وهو الصحيح فمن دخل عليها وطئها ام لا اذا خلا بها وجب عليها العدة وعلى ان المطلقة قبل المسيس تمتع على الموسع قدره. وعلى المقطر قدره. ولكن هذا اذا لم يفرض لها مهر. فان كان لها مهر مفروض. فانه اذا طلق قبل الدخول تنصف المهر. وكفى عن المتعة. وعلى انه ينبغي لمن فارق زوجته قبل الدخول او بعده ان يكون الفراق جميلا يحمد فيه كل منهما الاخر. ولا يكون غير جميل فان في ذلك من الشر المرتب عليه من قدح كل منهما بالاخر شيء كثير وعلى ان العدة حق للزوج لقوله فما لكم عليهن من عدة دل مفهومه انه لو طلقها بعد المسيس كان له عليها عدة. وعلى ان المفارقة بالوفاة تعتد مطلقا. لقوله ثم طلقتموهن. وعلى ان من عدا غير المدخول بها من المفارقات من الزوجات بموت او حياة عليهن العدة وامرأة قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم وما ملكت ايمانهم لكي الا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما. يقول تعالى ممتنا على رسوله باحلاله له ما احل مما يشتركه والمؤمنون وما ينفرد به ويختص. يا ايها النبي انا احللنا لك ازواجك اللاتي اتيت اجورهن. اي اعطيتهن نورهن من الزوجات وهذا من الامور المشتركة بينه وبين المؤمنين. فان المؤمنين كذلك يباح لهم ما اتوهن اجورهن من الازواج. وكذلك احللنا لك ما ملكت يمينك. اي الاماء التي ملكت مما افاء الله عليك. من غنيمة الكفار من عبيدهم والاحرار. من لهن زوج منهم ومن لا زوج لهن وهذا ايضا مشترك. وكذلك من المشترك قوله شمل العم والعمة والخالة والخالة القريبين والبعيدين وهذا المحللات يؤخذ من مفهومه ان ما عاداهن من الاقارب غير محلل. كما تقدم في سورة النساء فانه لا يباح من الاقارب من النساء غير هؤلاء الاربع وما عداهن من الفروع مطلقا. والاصول مطلقا وفروع الاب والام. وان نزلوا وفروع من فوقهم لصلبه. فان انه لا يباح وقوله اللاتي هاجرن معك قيد لحل هؤلاء للرسول. كما هو الصواب من القولين في تفسير هذه الاية. واما غير عليه الصلاة والسلام فقد علم ان هذا قيد لغير الصحة واحللنا لك امرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي بمجرد هبتها نفسها. ان اراد النبي ان يستنكحها اي هذا تحت الارادة والرغبة خالصة لك من دون المؤمنين. يعني اباحة الموهبة واما المؤمنون فلا يحل لهم ان يتزوجوا امرأة بمجرد هبتها نفسها لهم الله غفورا رحيما. قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم وما ملكت ايمانهم. اي قد علمنا ما على المؤمنين وما يحل لهم وما لا يحل من الزوجات وملك اليمين. وقد علمناهم بذلك وبينا فرائضه. فما في هذه الاية مما يخالف ذلك فانه خاص لك بسم الله جعله خطابا للرسول وحده. بقوله يا ايها النبي انا احللنا لك. وقوله خالصة لك من دون المؤمنين. وابحنا لك يا ايها النبي ما لم نبح لهم ووسعنا لك ما لم نوسع على غيرك لكي لا يكون عليك حرج. وهذا من زيادة اعتناء الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم. وكان الله غفورا رحيما اي لم يزل متصفا بالمغفرة والرحمة. وينزل على عباده من مغفرته ورحمته وجوده واحسانه ما اقتضته حكمته. ووجدت منهم اسباب والله يعلم ما في قلوبكم وهذا ايضا من توسعة الله على رسوله ورحمته به. ان اباح له ترك القسم بين زوجاته على وجه الوجوب وانه ان فعل ذلك فهو تبرع منه. ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في القسم بينهن في كل شيء. ويقول اللهم هذا فيما املك فلا تلمني فيما لا املك. فقال هنا ترجي من تشاء منهن اي تؤخر من اردت من زوجاتك فلا تؤويها اليك ولا تبيت عندها وتؤوي اليك من تشاء. اي تضمها وتبيت عندها. ومع ذلك لا يتعين هذا الامر. من ابتغيت اي فلا جناح عليك. والمعنى ان الخيرة بيدك في ذلك كله. وقال كثير من المفسرين ان هذا خاص بالواهبات له ان يرجي من ويؤوي من يشاء اي ان شاء قبل من وهبت نفسها له وان شاء لم يقبلها والله اعلم. ثم بين الحكمة في ذلك فقال ذلك ادنى ان تقر اعينهن ولا يحزنن ويرضين بما اتيتهن كله كن ذلك اي التوسعة عليك. وكون الامر راجعا اليك وبيدك. وكون ما جاء منك اليهن تبرعا منك. ادنى ان قر اعينهن ولا يحزن ويرضين بما اتيتهن كلهن. لعلمهن انك لم تترك واجبا ولم تفرط في حق اللازم الله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما. والله يعلم ما في قلوبكم اي ما يعرض لها الاداء الحقوق الواجبة والمستحبة. وعند المزاحمة في الحقوق. فلذلك شرع لك التوسعة يا رسول الله. لتطمئن قلوب زوجاتك. وكان الله عليما حليما. اي واسع العلم كثير الحلم. ومن علمه ان شرع لكم ما هو اصلح لاموركم. واكثروا لاجوركم. ومن حلمه ان يعاقبكم بما صدر منكم وما اصرت عليه قلوبكم من الشر وهذا شكر من الله الذي لم يزل شكورا لزوجات رسوله رضي الله عنهن حيث اخترن الله ورسوله والدار الاخرة ان رحمهن وقصر رسوله عليهن فقال لا يحل لك النساء من بعد زوجاتك الموجودات ولا ان تبدل بهن من ازواج اي ولا تطلق بعضهن فتأخذ بدلها. فحصل بهذا انهن من الضرائر ومن الطلاق. لان الله قضى انهن في الدنيا والاخرة لا يكون بينه وبينهن فرقة. ولو اعجبك حسنهن اي حسن غيرهن فلا يحللن لك الا ما ملكت يمينك اي السراري فذلك جائز لك. لان المملوكات في كراهة الزوجات لسن بمنزلة الزوجات في الاضرار للزوجات وعلى كل شيء رقيبا. اي مراقبا للامور وعالما بما اليه تؤول. وقائما بتدبيرها على اكمل نظام واحسن احكام غير ناظرين اله. يأمر تعالى عباده المؤمنين بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دخول بيوته. فقال يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم الى طعام. اي لا تدخلوها بغير اذن للدخول فيها لاجل الطعام. وايضا لا تكونوا ناظرين انا اي منتظرين ومتأنين لانتظار نضجه او سعة صدر بعد الفراغ منه والمعنى انكم لا تدخلوا بيوت النبي الا بشرطين الاذن لكم بالدخول. وان يكون جلوسكم بمقدار الحاجة. ولهذا قال اذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث ان ذلكم كان يؤدي النبي ولكن اذا دعيت فادخلوا فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث. اي قبل الطعام وبعده ثم بين حكمة النهي وفائدته فقال ان ذلكم انتظاركم الزائد على الحاجة كان يؤذي النبي اي يتكلف منه ويشق عليه حبسكم اياه عن شؤون بيته واشتغاله فيه فيستحي منكم ان يقول لكم اخرجوا كما هو جاري العادة ان الناس وخصوصا اهل الكرم منهم يستحيون ان يخرجوا الناس من مساكنهم ولكن الله لا من الحق فالامر الشرعي ولو كان يتوهم ان في تركه ادبا وحياء فان الحزم كل الحزم اتباع الامر الشرعي وان يجزم ان ما خالفه ليس من الادب في شيء. والله تعالى لا يستحي ان يأمركم بما فيه الخير لكم. والرفق لرسوله كائنا ما كان. فهذا ادبهم للدخول في بيوته واما ادبهم معه في خطاب زوجاته فانه اما ان يحتاج الى ذلك ام لا يحتاج اليه فان لم يحتج اليه فلا حاجة والادب تركه وان احتيج اليه كان يسألن متاعا او غيره من اواني البيت او نحوها فانهن يسألن من وراء حجاب اي يكون بينكم وبينهن ما ستر يستر عن النظر بعدم الحاجة اليه. فصار النظر اليهن ممنوعا بكل حال. وكلامهن فيه التفصيل الذي ذكره الله. ثم ذكر اتى ذلك بقوله اطهر لقلوبكم وقلوبهن. لانه ابعد عن الريبة. وكلما بعد الانسان عن الاسباب الداعية الى الشر. فانه اسلم له واطهر لقلبه فلهذا من الامور الشرعية التي بين الله كثيرا من تفاصيلها ان جميع وسائل الشر واسبابه ومقدماته ممنوعة وانه مشروع البعد عنها بكل طريق. ثم قال كلمة جامعة وقاعدة عامة. وما كان لكم يا معشر المؤمنين اي غير لائق ولا مستحسن منكم. بل هو اقبح شيء ان تؤذوا رسول الله اي اذية قولية او فعلية بجميع ما يتعلق به ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا هذا من جملة ما يؤذيه فانه صلى الله عليه وسلم له مقام التعظيم والرفعة والاكرام. وتزوج زوجاته بعده مخل بهذا المقام وايضا فانهن زوجاته في الدنيا والاخرة والزوجية باقية بعد موته. فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده لاحد من امته ان ذلكم كان عند الله عظيما. وقد امتثلت هذه الامة هذا الامر واجتنبت ما نهى الله عنه منه. ولله الحمد والشكر ثم قال تعالى ان تبدوا شيئا اي تظهروه او تخفوه فان الله كان بكل شيء عليما. يعلم ما في قلوبكم وما اظهرتموه فيجازيكم عليه لا جناح عليهن في ابائهن ولابنائهن ولا اخوانهن ان ولا ابناء اخوانهم ولا ابناء اخوانهن ولا واتقين الله ان الله لما ذكر انهن لا يسألن متاعا الا من وراء حجاب كان اللفظ عاما لكل احد احتيج ان يستثنى منه هؤلاء المذكورون من المحارم. وانه لا جناح عليهن في عدم الاحتجاب عنهم. ولم يذكر فيها الاعمام والاخوال لانهن اذا لم يحتجبن عمن هن ولا خالاته. من ابناء الاخوة والاخوات مع رفعتهن عليهم. فعدم بهن عن عمهن وخالهن من باب اولى. ولان منطوق الاية الاخرى المصرحة بذكر العم والخال. مقدمة على ما يفهم من هذه الاية قوله ولا نسائهن اي لا جناح عليهن الا يحتجبن عن نسائهن. اي اللاتي من جنسهن في الدين. فيكون ذلك مخرجا لنساء الكفار ويحتمل ان المراد جنس النساء. فان المرأة لا تحتجب عن المرأة. ولا ما ملكت ايمانهن ما دام العبد في ملكها جميعه. ولما رفع الجناح عن هؤلاء شرط فيه وفي غيره لزوم تقوى الله. والا يكون في محظور شرعي. فقال واتقين الله اي استعملن تقواه في جميع الاحوال ان الله كان على كل شيء شهيدا. يشهد اعمال العباد ظاهرها وباطنها. ويسمع اقوالهم ويرى حركاتهم. ثم يجازيهم على ذلك اتم الجزاء واوفاه امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. وهذا فيه تنبيه على كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعة درجته. وعلو منزلته عند الله وعند خلقه ورفع ذكره وان الله تعالى وملائكته يصلون عليه ان يثني الله عليه بين الملائكة وفي الملأ الاعلى بمحبته تعالى له وتثني عليه الملائكة المقربون ويدعون له ويتضرعون اقتداء بالله وملائكته وجزاء له على بعض حقوقه عليكم. وتكميلا لايمانكم وزيادة في حسناتكم وتكفيرا من سيئاتكم. وافضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام. ما علم به اصحابه. اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ال ابراهيم انك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ال ابراهيم انك حميد مجيد. وهذا الامر بالصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الاوقات. واوجبه كثير من العلماء في الصلاة لما ما امر تعالى بتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم والصلاة والسلام عليه نهى عن اذيته وتوعد عليها فقال ان الذين يؤذون الله رسوله وهذا يشمل كل اذية قولية او فعلية من سب وشتم او تنقص له او لدينه او ما يعود عليه بالاذى لعنهم الله في دنيا اي ابعدهم وطردهم. ومن لعنهم في الدنيا انه يحتم قتل من شتم الرسول صلى الله عليه وسلم واذاه. والاخرة واعد له عذابا اليما جزاء له على اذاه ان يؤذى بالعذاب الاليم. فاذية الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كاذية غيره. لانه صلى الله عليه وسلم لا يؤمن العبد بالله حتى يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم. وله من التعظيم الذي هو من لوازم الايمان. ما يقتضي ذلك الا يكون مثل غيره وان كانت اذية المؤمنين عظيمة واثمها عظيما. ولهذا قال فيها والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ما اكتسبوا اي بغير جناية منهم موجبة للاذى. فقد احتملوا على ظهورهم بهتانا. حيث اذوهم بغير سبب واثما مبينا حيث تعدوا عليهم وانتهكوا حرمة امر الله باحترامها. ولهذا كان سب احادي المؤمنين موجبا للتعزير. بحسب حالته وعلو مرتبته فتعزير من سب الصحابة ابلغ وتعزير من سب العلماء واهل الدين اعظم من غيرهم يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ابناء ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما. هذه الاية التي تسمى اية الحجاب فامر الله نبيه ان يأمر النساء عموما. ويبدأ بزوجاته وبناته. لانهن اكد من غيرهن. ولان الامر لغيره ينبغي ان ان يبدأ بأهله قبل غيرهم كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا قو انفسكم واهليكم نارا ان يدنين عليهن من جلابيبهن وهن اللاتي يكن فوق ثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه. ان يغطين بها وجوههن وصدورهن. ثم ذكر حكمة ذلك فقال ذلك ابناء ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما. ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين دل على وجود اذية ان لم يحتجبن وذلك لانهن اذا لم يحتجبن ربما ظن انهن غير عفيفات فيتعرض لهن من في قلبه مرض فيؤذيهن وربما استهين بهن وظن انهن اماء فتهاون بهن من يريد الشر. فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن وكان الله غفورا رحيما. حيث غفر لكم ما سلف ورحمكم بان بين لكم الاحكام واوضح الحلال والحرام. فهذا سد للباب من جهتهن. واما من جهة اهل الشر فقد توعدهم بقوله لان لم ينتهي المنافقون والذين في قلوبهم مرض اي مرض شك او شهوة والمرجفون في المدينة اي المخوفون المرهبون الاعداء المحدثون بكثرتهم وقوتهم وضعف المسلمين. ولم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه ليعم ذلك كل ما توحي به انفسهم اليه وتوسوس به وتدعو اليه من الشر. من التعريض بسب الاسلام واهله. والارجاف بالمسلمين وتوهين قواهم والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة وغير ذلك من المعاصي الصادرة من امثال هؤلاء لنغرينك بهم اي نأمرك بعقوبتهم وقتالهم ونسلطك عليهم ثم اذا فعلنا ذلك لا طاقة لهم بك وليس لهم قوة ولا امتناع. ولهذا قال اي لا يجاورونك في المدينة الا قليلا بان تقتلهم او تنفيهم. وهذا فيه دليل لنفي اهل للشر الذين يتضرر باقامتهم بين اظهور المسلمين. فان ذلك احسن للشر وابعد منه. ويكونون ملعونين اي مبعدين اين وجدوا؟ لا يحصل لهم امن ولا يقر لهم قرار يخشون ان يقتلوا او يحبسوا او يعاقبوا. ان من تمادى في العصيان وتجرأ على الاذى ولم ينتهي منه فانه يعاقب عقوبة بليغة. اي تغيير بل سنة الله تعالى وعادته جارية مع الاسباب المقتضية لاسبابها اي يستخبرك الناس عنك في الساعة استعجالا لها وبعضهم تكذيبا لوقوعها وتعجيزا للذي اخبر بها. قل لهم انما علمها عند الله اي لا يعلمها الا الله فليس لي ولا لغيري بها علم. ومع هذا فلا تستبطئوها ومجرد مجيء الساعة قربا وبعدا ليس تحته نتيجة ولا فائدة. وانما النتيجة والخسارة والربح والشقاء والسعادة. هل يستحق العبد العذاب او يستحق الثواب. فهذه ساخبركم بها واصف لكم مستحقها. فوصف مستحق العذاب ووصف العذاب. لان المذكورة منطبق على هؤلاء المكذبين بالساعة. فقال خالدين فيها ابدا لا يجدون وليا ولا نصيرا. ان الله لعن الكافرين الذين صار الكفر دأبهم وطريقتهم الكفر بالله وبرسله. وبما جاءوا به من عند الله. فابعدهم في الدنيا والاخرة من رحمته. وكفى بذلك كعقابا واعد لهم سعيرا اي نارا موقدة تسعر في اجسامهم ويبلغ العذاب الى افئدتهم ويخلدون في ذلك العذاب الشديد فلا يخرجون منه ولا يفتر عنهم ساعة. ولا يجدون لهم وليا فيعطيهم ما طلبوه ولا نصيرا يدفع عنهم العذاب بل قد تخلى عنهم الولي والنصير واحاط بهم عذاب السعير وبلغ منهم مبلغا عظيما هذا قالون يا ليتني يوم تقلب وجوههم في النار فيذوقون حرها ويشتد عليهم امرهم ويتحسرون على ما اسلفوا فسلمنا من هذا العذاب واستحققنا كالمطيعين جزيل الثواب. ولكن امنية فات وقتها فلم تفدهم الا حسرة وندما وهما وغما والما وقالوا ربنا انا اطعنا سادتنا وكبرائنا وقلدناهم على ضلالهم فاضلونا السبيل قوله تعالى ويوم يعض الظالم على يديه. يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني. ولما علموا انهم هم وكبراءهم مستحقون للعقاب. ارادوا ان يشتفوا ممن اضلوهم. فقال والعنهم لعنا فيقول الله لكل ضعف. فكلكم اشتركتم في الكفر والمعاصي. فتشتركون في العقاب. وان تفاوت عذاب بعضكم على بعض بحسب تفاوت الجرم يحذر تعالى عباد المؤمنين عن اذية رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم. النبي الكريم الرؤوف الرحيم. فيقابلوه بضد ما يجب له من الاكرام والاحترام والا يتشبهوا بحال الذين اذوا موسى ابن عمران كليم الرحمن فبرأه الله مما قالوا من الاذية اي اظهر الله لهم برائته والحال انه عليه الصلاة والسلام ليس محل التهمة والاذية. فانه كان وجيها عند الله مقربا لديه. من خواص المرسلين ومن عباده المخلصين لم يزجرهم ما له من الفضائل عن اذيته والتعرض له بما يكره. فاحذروا ايها المؤمنون ان تتشبهوا بهم في ذلك. والاذية المشار اليها هي قول بني اسرائيل لموسى لما رأوا شدة حيائه وتستره عنهم. انه ما يمنعه من ذلك الا انه ادر. اي كبير الخصيتين ذلك عندهم فاراد الله ان يبرأه منهم فاغتسل يوما ووضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فاهوى موسى عليه السلام في فمر به على مجالس بني اسرائيل فرأوه احسن خلق الله فزال عنهما رموه به اتقوا الله اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم. يأمر تعالى المؤمنين بتقواه في جميع احوالهم في السر والعلانية. ويخص ويندب للقول السديد. وهو القول الموافق للصواب او المقارب له عند تعذر اليقين. من قراءة وذكر وامر بمعروف ونهي عن منكر وتعلم علم وتعليم. والحرص على اصابة الصواب في المسائل العلمية. وسلوك كل طريق موصل لذلك. وكل وسيلة تعين عليه. ومن قولي السديد لين الكلام ولطفه في مخاطبة الانام. والقول المتضمن للنصح والاشارة بما هو الاصلح. ثم ذكر ما يترتب على تقواه قول القول السديد فقال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. يصلح لكم اعمالكم ان يكون ذلك سببا صلاحها وطريقا لقبولها. لان استعمال التقوى تتقبل به الاعمال. كما قال تعالى انما يتقبل الله من المتقين. ويوفق فيه الانسان للعمل الصالح ويصلح الله الاعمال ايضا بحفظها عما يفسدها وحفظ ثوابها ومضاعفته. كما ان الاخلال بالتقوى والقول السديد سبب لفساد الاعمال وعدم قبولها وعدم ترتب اثارها عليها. ويغفر لكم ايضا ذنوبكم التي هي السبب في هلاككم. فاتقوا تستقيم بها الامور ويندفع بها كل محظور. ولهذا قال ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما اعرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحمل لها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما يعظم تعالى شأن الامانة التي ائتمن الله عليها المكلفين. التي هي امتثال الاوامر واجتناب المحارم. في حال السر خفية كحال العلانية وانه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة السماوات والارض والجبال عرض تخيير لا تحطيم وانك ان قمت بها واديتها على وجهها فلك الثواب. وان لم تقومي بها ولم تؤديها فعليك العقاب. فابين ان يحملنها واشفقن منها. اي خوف الا يقمن بما حملن لا عصيانا لربهن ولا زهدا في ثوابه. وعرضها الله على الانسان على ذلك الشرط المذكور. فقبلها وحملها مع ظلمه وجهله وحمل هذا الحمل الثقيل فانقسم الناس بحسب قيامهم بها وعدمه الى ثلاثة اقسام. منافقون اظهروا انهم قاموا وبها ظاهرا لا باطنا. ومشركون تركوها ظاهرا وباطنا. ومؤمنون قاموا بها ظاهرا وباطنا. فذكر الله تعالى اعمال هذه الاقسام الثلاثة ثلاثة وما لهم من الثواب والعقاب. فقال ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما. فله الحمد تعالى حيث ختم هذه الاية بهذين الاسمين الكريمين الدالين على تمام مغفرة الله وسعة رحمته وعموم جوده. مع ان المحكوم عليه كثير منهم لم يستحق المغفرة والرحمة لنفاقه وشركه. بسم الله الرحمن الرحيم له ما في السماوات وما في الارض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير. الحمد الثناء الحميدة والافعال الحسنة. فلله تعالى الحمد. لان جميع صفاته يحمد عليها. لكونها صفات كمال. وافعاله يحمد عليها لانها دائرة بين الفضل الذي يحمد عليه ويشكر. والعدل الذي يحمد عليه ويعترف بحكمته فيه. وحمد نفسه هنا على ان له ما في السماوات وما في الارض. ملكا وعبيدا يتصرف فيهم بحمده. وله الحمد في الاخرة. لان في الاخرة يظهر من حمده والثناء عليه ما لا يكون في الدنيا. فاذا قضى الله تعالى بين الخلائق كلهم. ورأى الناس والخلق كلهم ما حكم به مال عدله وقسطه وحكمته فيه حمدوه كلهم على ذلك حتى اهل العقاب ما دخلوا النار. الا وقلوبهم ممتلئة من حمده وان هذا من جراء اعمالهم وانه عادل في حكمه بعقابهم. واما ظهور حمده في دار النعيم والثواب. فذلك شيء قد تواردت به الاخبار وتوافق عليه الدليل السمعي والعقلي. فانهم في الجنة يرون من توالي نعم الله. وادرار خيره وكثرة بركاته وسعة عطاياه التي لم يبق في قلوب اهل الجنة امنية ولا ارادة الا وقد اعطي فوق ما تمنى واراد بل يعطون من الخير ما لم تتعلق به امانيهم ولم يخطر بقلوبهم. فما ظنك بحمدهم لربهم في هذه الحال؟ مع ان في الجنة تطمحل العوارض والقواطع التي تقطع عن معرفة الله ومحبته والثناء عليه. ويكون ذلك احب الى اهلها من كل نعيم. والذ عليهم من كل لذة ولهذا اذا رأوا الله تعالى وسمعوا كلامه عند خطابه لهم اذهلهم ذلك عن كل نعيم. ويكون الذكر لهم في الجنة كالنفس متواصلا في جميع الاوقات. هذا اذا اضفت ذلك الى انه يظهر لاهل الجنة في الجنة كل وقت من عظمة ربهم وجلاله وجماله كماله ما يوجب لهم كمال الحمد والثناء عليه. وهو الحكيم في ملكه وتدبيره. الحكيم في امره ونهيه الخبير المطلع على سرائر الامور وخفاياها. ولهذا فصل علمه بقوله في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها يعلم ما يلج في الارض اي من مطر وبذر وحيوان وما يخرج منها من انواع النباتات واصناف حيوانات وما ينزل من السماء من الاملاك والارزاق والاقدار. وما يعرج فيها من الملائكة والارواح وغير ذلك. ولما ذكر مخلوقاته حكمته فيها وعلمه باحوالها ذكر مغفرته ورحمته لها فقال الذي الرحمة والمغفرة وصفه. ولم تزل اثارهما تنزل على عباده كل وقت. بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما لا لما بين تعالى عظمته بما وصف به نفسه وكان هذا موجبا تعظيمه وتقديسه والايمان به. ذكر ان من اصناف الناس طائفة لم تقدر ربها حق قدره. ولم تعظمه حق عظمته. بل كفروا به وانكروا قدرته على اعادة الاموات وقيام الساعة. وعارضوا بذلك رسله. فقال وقال الذين كفروا اي بالله وبرسله وبما جاءوا به فقالوا بسبب كفرهم لا تأتينا الساعة اي ما هي الا هذه الحياة الدنيا نموت ونحيا فامر الله رسوله ان يرد قولهم ويبطله ويقسم على البعث وانه سيأتيهم واستدل على ذلك بدليل من اقر به لزمه ان يصدق بالبعث ضرورة. وهو علمه تعالى الواسع العام. فقال اي الامور الغائبة عنه ابصارنا وعن علمنا. فكيف بالشهادة؟ ثم اكد علمه فقال ولا في الارض ولا اصغر. لا يعزب اي لا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض. اي جميع الاشياء بذواتها واجزائها حتى اصغر ما يكون من الاجزاء وهو المثاقيل منها لا في كتاب مبين. اي قد احاط به علمه وجرى به قلمه. وتضمنه الكتاب المبين. الذي هو روح محفوظ فالذي لا يخفى عن علمه مثقال الذرة فما دونه. في جميع الاوقات. ويعلم ما تنقص الارض من الاموات. وما يبقى من اجسادهم قادر على بعثهم من باب اولى. وليس بعثهم باعجب من هذا العلم المحيط. ثم ذكر المقصود من البعث فقال الذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك لهم مغفرة ورزق ليجزي الذين امنوا بقلوبهم صدقوا الله وصدقوا رسله تصديقا جازما. واعملوا الصالحات تصديقا لايمانهم اولئك لهم مغفرة ورزق كريم. اولئك اولئك لهم مغفرة لذنوبهم بسبب ايمانهم وعملهم يندفع بها كل شر وعقاب ورزق كريم باحسانهم يحصل لهم به كل مطلوب ومرغوب وامنية. والذين سعوا في اياتنا معاجزين اولئك لهم عذاب والذين سعوا في اياتنا معاجزين اي سعوا فيها كفرا بها وتعجيزا لمن جاء بها وتعجيزا لمن انزلها كما عجزوه في الاعادة بعد الموت اي مؤلم لابدانهم وقلوبهم لما ذكر تعالى انكار من انكر البعث وانهم يرون ما انزل على رسوله ليس بحق. ذكر حالة الموفقين من العباد وهم اهل العلم. وانهم يرون ما انزل الله على رسوله من الكتاب. وما اشتمل فيه من الاخبار هو الحق. اي الحق منحصر فيه. وما خالفه ونقضه فانه باطل. لانهم وصلوا من العلم الى درجة اليقين يرون ايضا انه في اوامره ونواهيه. وذلك انهم جزموا بصدق ما اخبر به به من وجوه كثيرة. من جهة علمهم بصدق من اخبر به. ومن جهة موافقته للامور الواقعة. والكتب السابقة. ومن جهة ما يشاهدون من اخبارها التي تقع عيانا. ومن جهة ما يشاهدون من الايات العظيمة الدالة عليها في الافاق. وفي انفسهم ومن جهة موافقتها لما دلت عليه اسماؤه تعالى واوصافه. ويرون في الاوامر والنواهي انها تهدي الى الصراط المستقيم. المتضمن للامر بكل صفة تزكي النفس وتنمي الاجر. وتفيد العامل وغيره كالصدق والاخلاص وبر الوالدين. وصلة الارحام والاحسان الى عموم الخلق نحو ذلك وتنهى عن كل صفة قبيحة تدنس النفس وتحبط الاجر. وتوجب الاثم والوزر. من الشرك والزنا والربا والظلم في الدماء والاموال والاعراض. وهذه منقبة لاهل العلم وفضيلة. وعلامة لهم وانه كلما كان العبد اعظم علما وتصديقا باخبار ما جاء الرسول واعظم معرفة بحكم اوامره ونواهيه كان من اهل العلم الذين جعلهم الله حجة على ما جاء به الرسول. احتج الله بهم على المكذبين المعاندين كما في هذه الاية وغيرها ينبئكم اذا مزقتم كل ممزق انكم لفي خلق جديد. اي وقال الذين كفروا وعلى وجه التكذيب والاستهزاء والاستبعاد. وذكر وجه الاستبعاد اي قال بعضهم لبعض يعنون بذلك الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه رجل اتى بما يستغرب منه حتى صار بزعمهم فرجة يتفرجون عليه واعجوبة يسخرون منه وانه كيف يقول انكم مبعوثون بعدما مزقكم البلاء وتفرقت اوصالكم واضمحلت اعضاؤكم بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال فهذا الرجل الذي يأتي بذلك هل افترى على الله كذبا؟ فتجرأ عليه وقال ما قال ام به جنة فلا يستغرب منه فان الجنون فنون وكل هذا منهم على وجه العناد والظلم. ولقد علموا انه اصدق خلق الله واعقلهم ومن علمهم انهم ابدوا واعاذوا في معاداتهم وبذلوا انفسهم واموالهم في صد الناس عنه. فلو كان كاذبا مجنونا لم ينبغي لكم يا اهل العقول غير الزاكية ان تصغوا لما قال ولا ان تحتفلوا بدعوته. فان المجنون لا ينبغي للعاقل ان يلفت اليه نظرا او يبلغ قوله منه كل مبلغ. ولولا عنادكم وظلمكم لبادرتم لاجابته ولبيتم دعوته. ولكن ما تغني ايات والنذر عن قوم لا يؤمنون. ولهذا قال تعالى بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب بل الذين لا يؤمنون بالاخرة. ومنهم الذين قالوا تلك المقالة اي في الشقاء العظيم والضلال البعيد. الذي ليس بقريب من الصواب. واي شقاء وضلال ابلغ من انكارهم لقدرة الله على البعث. وتكذيبهم لرسوله الذي جاء به واستهزائهم به. وجزمهم بان ما جاءوا به هو الحق. فرأوا الحق باطلا والباطل والضلال حقا وهدى من السماء والارض ان شأن اخسف بهم الارض او نسقط عليهم كسفا ان في ذلك لاية لكل عبد ثم نبههم على الدليل العقلي الدال على عدم استبعاد البعث الذي استبعدوه وانهم لو نظر الى ما بين ايديهم وما خلفهم من السماء والارض. فرأوا من قدرة الله فيهما ما يبهر العقول. ومن عظمته ما يذهل العلماء الفحول وان خلقهما وعظمتهما وما فيهما من المخلوقات. اعظم من اعادة الناس بعد موتهم من قبورهم. فما الحامل لهم على ذلك التكذيب مع التصديق بما هو اكبر منه. ذاك خبر غيبي الى الان ما شاهدوه. فلذلك كذبوا به. قال الله الله ان شأن نخسف بهم الارض او نسقط عليهم كسفا من السماء آآ اي من العذاب لان الارض والسماء تحت تدبيرنا فان امرناهما لم يستعصيا فاحذروا اصراركم على تكذيبكم فنعاقبكم اشد العقوبة ان في ذلك اي خلق السماوات والارض وما فيهما من المخلوقات فكلما كان العبد اعظم انابة الى الله كان انتفاعه بالايات اعظم. لان المنيب مقبل الى ربه قد توجهت ذاته وهماته لربه ورجع اليه في كل امر من اموره. فصار قريبا من ربه ليس له هم الا الاشتغال بمرضاته يكون نظره للمخلوقات نظر فكرة وعبرة لا نظر غفلة غير نافعة والطير والنا له الحديد. انعم اي ولقد مننا على عبدنا ورسولنا داود عليه الصلاة والسلام واتيناه فضلا من العلم النافع والعمل الصالح والنعم الدينية والدنيوية ومن نعمه عليه ما خصه به من امره تعالى الجمادات كالجبال والحيوانات من الطيور. ان معه وترجع التسبيح بحمد ربها مجاوبة له. وفي هذا من النعمة عليه ان كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لاحد قبله ولا بعده بعد وان ذلك يكون منهضا له ولغيره على التسبيح. اذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات تتجاوب بتسبيح ربها وتمجيده تكبيره وتحميده كان ذلك مما يهيج على ذكر الله تعالى ومنها ان ذلك كما قال كثير من العلماء انه طرب لصوت في داود فان الله تعالى قد اعطاه من حسن الصوت ما فاق به غيره. وكان اذا رجع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجي مطرب طرب كل من سمعه من الانس والجن حتى الطيور والجبال وسبحت بحمد ربها. ومنها انه لعله يحصل له اجر تسبيحها لانه سبب ذلك وتسبح تبعا له. ومن فضله عليه ان الان له الحديد ليعمل الدروع وعلمه تعالى كيفية صنعته بان يقدره في السرد ان يقدره حلقا ويصنعه كذلك ثم يدخل بعضها ببعض قال تعالى وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل انتم شاكرون؟ ولما ذكر ما امتن به عليه وعلى اله امره بشكره. وان يعملوا صالحا ويراقبوا الله تعالى فيه. باصلاحه وحفظه من المفسدات. فانه بصير قم باعمالهم مطلع عليهم لا يخفى عليه منها شيء ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر واسرنا له اين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ من لما ذكر فضله على داوود عليه السلام ذكر فضله على ابنه لسليمان عليه الصلاة والسلام وان الله سخر له الريح تجري بامره وتحمله وتحمل جميع ما معه وتقطع المسافة البعيدة جدا في مدة يسيرة فتسير في اليوم مسيرة شهرين غدوها شهر اي اول النهار الى الزوال ورواحها شهر من الزوال الى اخر النهار واسلنا له عين القطر. اي سخرنا له عين النحاس وسهلنا له الاسباب في استخراج ما يستخرج منها من الاواني وغيرها وسخر الله له ايضا الشياطين والجن. لا يقدرون ان يستعصوا عن امره واعمالهم من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقليل من عبادي الشكور. كل ما شاء سليمان عملوه من محاريب. وهو كل اناء يعقد وتحكم به الابنية. فهذا فيه ذكر الابنية الفخمة. وتماثيل اي صور الحيوانات والجمادات من اتقان صنعتهم وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان وجفان كالجواب اي كالبرك الكبار. يعملونها لسليمان للطعام انه يحتاج الى ما لا يحتاج اليه غيره. ويعملون له قدورا راسيات. لا تزول عن اماكنها من عظمها. فلما ذكر منته عليهم امرهم بشكرها فقال من عبادي الشكور. اعملوا ال داوود وهم داوود واولاده واهله. لان المنة على الجميع وكثير من من المصالح عائد لكلهم. شكرا لله على ما اعطاهم. ومقابلة لما اولاهم. وقليل من عباد فاكثرهم لم يشكروا الله تعالى على ما اولاهم من نعمه. ودفع عنهم من النقم والشكر القلب بمنة الله تعالى. وتلقيها افتقارا اليه. وصرفها في طاعة الله تعالى. وصونها عن صرفها في المعصية انا قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الارض فلما خر تبينت ان لو كانوا يعلمون الغيب ما لبسوا في العذاب المهين فلم يزل كانوا يعملون لسليمان عليه الصلاة والسلام كل بناء. وكانوا قد موهوا على الانس. واخبروهم انهم يعلمون الغيب ويطلعون على المكنونات فاراد الله تعالى ان يري العباد كذبهم في هذه الدعوة. فمكثوا يعملون على عملهم. وقضى الله الموت على سليمان عليه السلام واتكأ على عصاه وهي المنسأة. فصاروا اذا مروا به وهو متكئ عليها ظنوه حيا. وهابوه فغدوا على عملهم كذلك سنة كاملة على ما قيل. حتى سلطت دابة الارض على عصاه فلم تزل ترعاها حتى باد وسقط. فسقط سليمان عليه السلام تفرقت الشياطين وتبينت الانس ان الجن وهو العمل الشاق عليهم فلو علموا الغيب لعلموا موت سليمان الذي هم احرص شيء عليه ليسلموا مما هم فيه سيروا فيها ليالي واياما امنين. فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا سبأ قبيلة معروفة في ادان اليمن ومسكنهم بلدة يقال لها مأرب. ومن نعم الله ولطفه بالناس عموما وبالعرب خصوصا انه قص في القرآن اخبار المهلكين والمعاقبين. ممن كان يجاور العرب ويشاهد اثاره ويتناقل الناس اخباره ليكون ذلك ادعى الى التصديق واقرب للموعظة فقال لقد كان لسبأ في مسكنهم اي محل الذي يسكنون فيه اية والاية هنا ما ادر الله عليه من النعم. وصرف عنهم من النقم الذي يقتضي ذلك منهم ان يعبدوا الله ويشكروه. ثم فسر الاية بقوله. وكان لهم واد عظيم تأتيه سيول كثيرة وكانوا بنوا سدا محكما. يكون مجمعا للماء. فكانت السيول تأتيه فيجتمع هناك ماء عظيم فيفرقونه على بساتينهم التي عن يمين ذلك الوادي وشماله. وتغل لهم تلك الجنتان العظيمتان من الثمار ما يكفيهم ويحصل لهم به الغبطة والسرور. فامرهم الله بشكر نعمه التي ادرها عليهم من وجوه كثيرة. منها هاتان الجنتان اللتان اخواتهم منهما ومنها ان الله جعل بلدهم بلدة طيبة بحسن هوائها وقلة وخامها وحصول الرزق الراغد فيها ومنها ان الله تعالى وعدهم ان شكروا ان يغفر لهم ويرحمهم. ولهذا قال ومنها ان الله لما علم احتياجهم في تجارتهم ومكاسبهم الى الارض المباركة. الظاهر انها قرى صنعاء قاله غير واحد من السلف وقيل انها الشام هيأ له من الاسباب ما به يتيسر وصولهم اليها بغاية السهولة من الامن وعدم الخوف وتواصل القرى بينهم وبينها. بحيث لا يكون عليهم مشقة بحمل الزاد والمزاد. ولهذا قال وقدرنا فيها السير اي سيرا مقدرا يعرفونه ويحكمون عليه. بحيث لا يتيهون عنه. ليالي واياما امنين مطمئنين في السير في تلك الليالي والايام غير خائفين. وهذا من تمام نعمة الله عليهم ان امنهم من الخوف فاعرضوا عن المنعم وعن عبادته وبتروا النعمة وملوها حتى انهم طلبوا وتمنوا ان تتباعد اسفارهم بين تلك القرى التي السير فيها متيسرا. وظلموا انفسهم بكفرهم بالله وبنعمته. فعاقبهم الله تعالى بهذه النعمة التي اطغتهم ابادها عليهم فارسل عليهم سيل العرم. اي السيل المتوعر الذي خرب سدهم واتلف جناتهم. وخرب بساتينهم فتبدلت تلك الجنات ذات الحدائق المعجبة والاشجار المثمرة. وصار بدلها اشجار لا نفع فيها. ولهذا قال ذواتي اكل اي شيء قليل من الاكل الذي لا يقع منه موقعا وهذا كله شجر معروف. وهذا من جنس عملهم. فكما بدلوا الشكر الحسن بالكفر القبيح تلك النعمة بما ذكر. ولهذا قال ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي الا الكفور ايها النجازي جزاء العقوبة بدليل السياق الا من كفر بالله وبطل النعمة. فلما اصابهم ما اصابهم فرقوا وتمزقوا بعد ما كانوا مجتمعين. وجعلهم الله احاديث يتحدث بهم واسمارا للناس. وكان يضرب بهم المثل فيقال تفرقوا ايدي سبأ. فكل احد يتحدث بما جرى لهم. ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم الا من قال الله صبار على المكاره والشدائد يتحملها لوجه الله ولا يتسخطها بل يصبر عليها شكور لنعمة الله تعالى يقر بها ويعترف ويثني على من اولاها ويصرفها في طاعته فهذا اذا سمع بقصتهم وما جرى منهم وعليهم عرف بذلك ان تلك العقوبة جزاء لكفرهم نعمة الله وان من فعل مثلهم فعل به كما فعل بهم. وان شكر الله تعالى حافظ للنعمة. دافع للنقمة. وان رسل الله صادقون فيما اخبروا به وان الجزاء حق. كما رأى انموذجه في دار الدنيا الا فريقا من المؤمنين ثم ذكر ان قوم سبأ من الذين صدق عليهم ابليس ظنه حيث قال لربه فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين. وهذا ظن من ابليس لا يقين لانه لا يعلم الغيب ولم يأته خبر من الله انه سيغويهم اجمعين الا من استثنى. فهؤلاء وامثالهم ممن صدق عليهم ابليس ظنه واغواهم ممن لم يكفر بنعمة الله فانه لم يدخل تحت ابليس ويحتمل ان قصة سبأ انتهت عند قوله ان في ذلك لايات لكل صبار شكور. ثم ابتدأ فقال ولقد صدق عليهم اي على جنس الناس فتكون الاية عامة في كل من اتبعه. ثم قال تعالى على كل شيء حفيظ. وما كان له اي لابليس عليهم من سلطان. اي تسلط وقهر وقصر على ما فيريده منهم ولكن حكمة الله تعالى اقتضت تسليطه وتسويله لبني ادم لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منه ما في شك اي ليقوم سوق الامتحان ويعلم به الصادق من الكاذب ويعرف من كان ايمانه صحيحا يثبت عند الامتحان والاختبار والقاء الشبه الشيطانية ممن ايمانه غير ثابت. يتزلزل بادنى شبهة. ويزول باقل داع يدعوه الى ضده. فالله تعالى جعله امتحانا يمتحن به عباده. ويظهر الخبيث من الطيب. يحفظ العباد ويحفظ عليهم اعمالهم ويحفظ تعالى جزاءها. فيوفيهم اياها كاملة موفرة اي قل يا ايها الرسول للمشركين بالله غيره من المخلوقات التي لا تنفع ولا تضر. ملزما لهم بعجزها. ومبينا لهم بطلان عبادتها. ادع الذين زعمتم من دون الله. اي ارحمتموهم شركاء لله. ان كان دعاؤكم ينفع فانهم قد توفرت فيهم اسباب العجز. وعدم اجابة الدعاء من كل وجه. فانهم ليس ليس لهم ادنى ملك فلا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض. على وجه الاستقلال ولا على وجه الاشتراك. ولهذا قال وما لهم اي لتلك الالهة الذين زعمتم فيهما اي في السماوات والارض من شرك. اي لا شرك قليل ولا كثير. فليس لهم ملك ولا شركة ملك بقي ان يقال ومع ذلك فقد يكونون اعوانا للمالك ووزراء له. فدعاؤهم يكون نافعا لانهم سبب حاجة الملك اليهم يقضون حوائج من تعلق بهم. فنفت على هذه المرتبة. فقال وماله اي لله تعالى الواحد القهار. منهم اي من هؤلاء المعبودين من ظهير. اي معاون ووزير يساعده على الملك والتدبير. فلم يبقى الا الشفاعة فنفاها بقوله الا لمن اذن له. فهذه انواع التعلقات التي يتعلق بها المشركون باندادهم واوثانهم من البشر والشجر وغيرهم عاه الله وبين بطلانها تبيينا حاسما لمواد الشرك قاطعا لاصوله لان المشرك انما يدعو ويعبد غير الله لما يرجو منه من النفع فهذا الرجاء هو الذي اوجب له الشرك. فاذا كان من يدعوه غير الله لا مالكا للنفع والضر ولا شريكا للمالك ولا هونا وظهيرا للمالك ولا يقدر ان يشفع بدون اذن المالك كان هذا الدعاء وهذه العبادة ضلالا في العقل باطلة في الشرع بل ينعكس على المشرك مطلوبه ومقصوده. فانه يريد منها النفع. فبين الله بطلانه وعدمه. وبين في ايات اخر ضرره على عابديه وانه يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا ومأواهم النار. واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين. والعجب ان المشرك استكبر عن الانقياد للرسل بزعمه انهم بشر. ورضي ان ويدعو الشجر والحجر استكبر عن الاخلاص للملك الرحمن الديان ورضي بعبادة من ضره اقرب من نفعه طاعة لاعدى عدو وهو الشيطان وقوله يحتمل ان الضمير في هذا الموضع يعود الى المشركين. لانهم مذكورون في اللفظ والقاعدة في الضمائر ان تعود الى اقرب مذكور ويكون المعنى اذا كان يوم القيامة وفزع عن قلوب المشركين اي زال فزع وسئلوا حين رجعت اليهم عقولهم عن حالهم في الدنيا وتكذيبهم للحق الذي جاءت به الرسل انهم يقرون ان ما هم عليه من الكفر والشرك باطل. وان ما قال الله واخبرت به عنه رسله هو الحق. فبدا لهم ما كانوا يخفون من قبل. وعلموا ان الحق لله واعترفوا بذنوبهم. وهو العلي بذاته فوق جميع مخلوقاته. وقهره لهم وعلو قدره بما له من الصفات العظيمة جليلة المقدار. الكبير في ذاته وصفاته. ومن علوه ان حكمه تعالى يعلو وتذعن له النفوس حتى نفوس المتكبرين والمشركين وهذا المعنى اظهر وهو الذي يدل عليه السياق ويحتمل ان الضمير يعود الى الملائكة. وذلك ان الله تعالى اذا تكلم بالوحي سمعته الملائكة فصعقوا وخروا لله سجدا. فيكون اولا من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما اراد. واذا زال الصعق عن قلوب الملائكة وزال الفزع. فيسأل بعضهم بعضا عن الكلام الذي صعقوا منه. ماذا قال ربكم؟ فيقول بعضهم لبعض. قال الحق اما اجمالا لعلمهم انه لا يقول الا حق واما ان يقولوا قال كذا وكذا للكلام الذي سمعوه منه وذلك من الحق. فيكون المعنى على هذا ان المشركين الذين فعبدوا مع الله تلك الالهة التي وصفنا لكم عجزها ونقصها وعدم نفعها بوجه من الوجوه كيف صدفوا وصرفوا عن اخلاص العبادة الرب العظيم العلي الكبير الذي من عظمته وجلاله ان الملائكة الكرام والمقربين من الخلق يبلغ بهم الخضوع والصعق وعند سماع كلامه هذا المبلغ ويقرون كلهم لله انه ليقول الا الحق. فما بال هؤلاء المشركين استكبروا عن عبادة هذا شأنه وعظمة ملكه وسلطانه. فتعالى العلي الكبير عن شرك المشركين. وافكهم وكذبهم يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ان يقول لمن اشرك بالله ويسأله عن حجة شركه من يرزقك من السماوات والارض فانهم لا بد ان يقروا انه الله. ولان لم يقروا قل الله فانك لا تجد من يدفع هذا القول. فاذا تبين ان الله وحده الذي يرزقكم من السماوات والارض وينزل لكم المطر وينبت لكم النبات ويفجر لكم الانهار ويطلع لكم من ثمار الاشجار وجعل لكم الحيوانات جميعها لنفعكم ورزقكم. فلم تعبدون معه من لا يرزقكم شيئا ولا يفيدكم نفعا وقوله اي احدى الطائفتين منا ومنكم على الهدى مستعلية عليه او في ضلال مبين منغمرة فيه. وهذا الكلام يقوله من تبين له الحق واتضح له وجزم بالحق الذي هو عليه وبطلان ما عليه خصمه. اي قد شرحنا من الادلة الواضحة عندنا وعندكم ما به يعلم علما يقينا لا شك فيه من المحق منا ومن المبطل؟ ومن المهتدي ومن الضال؟ حتى انه يصير التعيين بعد ذلك لا فائدة فيه. فانك اذا توازنت بين من يدعو الى عبادة الخالق لسائر المخلوقات. المتصرف فيها بجميع انواع التصرفات. المسدي جميع النعم الذي رزقهم وصل اليهم كل نعمة ودفع عنهم كل نقمة. الذي له الحمد كله والملك كله. وكل احد من الملائكة فما دونهم خاضعون لهيبته متذللون لعظمته وكل الشفعاء تخافه. لا يشفع احد منهم عنده الا باذنه. العلي الكبير في ذاته واوصافه افعاله الذي له كل كمال وكل جلال وكل جمال. وكل حمد وثناء ومجد. يدعو الى التقرب لمن هذا شأنه. واخلاص العمل عملي له وينهى عن عبادة من سواه. وبين من يتقرب الى اوثان واصنام وقبور. لا تخلق ولا ترزق ولا تملك لانفسها ولا لمن عبدها نفعا ولا ضرا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. بل هي جمادات لا تعقل ولا تسمع دعاء عابديها. ولو ما استجابت لهم ويوم القيامة يكفرون بشركهم ويتبرأون منهم ويتلاعنون بينهم. ليس لهم قسط من الملك ولا لا شركة فيه ولا اعانة فيه. ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون الله. فهو يدعو من هذا وصفه. ويتقرب اليه مهما امكنه ويعادي من اخلص الدين لله ويحاربه. ويكذب رسل الله الذين جاءوا بالاخلاص لله وحده. تبين لك اي الفريقين المهتدي من الضال والشقي من السعيد. ولم تحتج الى ان يعين لك ذلك. لان وصف الحال اوضح من لسان المقال اي كل منا ومنكم له عمله انتم لا يسألون عن اجرامنا وذنوبنا لو اذنبنا ونحن لا نسأل عن اعمالكم. فليكن المقصود منا ومنكم طلب الحقائق. وسلوك طريق الانصاف ودعوا ما كنا نعمل ولا يكن مانعا لكم من اتباع الحق. فان احكام الدنيا تجري على الظواهر ويتبع فيها الحق ويجتنب الباطل واما الاعمال فلها دار اخرى يحكم فيها احكم الحاكمين ويفصل بين المختصمين اعدل العادلين. ولهذا قال قال قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم. ثم يفتح بيننا ان يحكم بيننا حكما يتبين به الصادق من الكاذب. والمستحق للثواب من المستحق للعقاب. وهو خير الفاتحين قل اروني الذين الحقتم به شركاء كلا كلا بل هو الله العزيز الحكيم. قل لهم يا ايها الرسول ومن ناب منابك اروني الذين الحقتم به شركاء اي اين هم؟ واين السبيل الى معرفتهم؟ وهل هم في الارض ام في السماء؟ فان عالم الغيب والشهادة قد اخبرنا انه ليس في جودي له شريك ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم. ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله. قل اتنبئون الله بما لا ايعلم وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون. وكذلك خواص خلقه من الانبياء والمرسلين. لا يعلمون له شريكا. فيا ايها المشركون اروني الذين الحقتم بزعمكم الباطل. بالله شركاء هذا السؤال لا يمكنهم الاجابة عنه. ولهذا قال كلا اي ليس لله شريك ولا ند ولا ضد. بل هو الله الذي لا يستحق التأله والتعبد الا هو. العزيز الذي قهر كل شيء شيء فكل ما سواه فهو مقهور مسخر مدبر. الحكيم الذي اتقن ما خلقه واحسن ما شرعه. ولو لم يكن في حكمته في شرعه الا انه امر بتوحيده واخلاص الدين له. واحب ذلك وجعله طريقا للنجاة. ونهى عن الشرك به واتخاذ الانداد من دونه وجعل ذلك طريقا للشقاء والهلاك. لكفى بذلك برهانا على كمال حكمته. فكيف وجميع ما امر به ونهى عنه؟ مشتمل على الحكمة اكثر الناس لا يعلمون. يخبر تعالى انه ما ارسل رسوله صلى الله عليه وسلم الا يبشر جميع الناس به ثواب الله ويخبرهم بالاعمال الموجبة لذلك. وينذرهم عقاب الله ويخبرهم بالاعمال الموجبة لذلك. فليس لك من الامر شيء كل ما اقترح عليك اهل التكذيب والعناد فليس من وظيفتك. انما ذلك بيد الله تعالى لا يعلمون. اي ليس لهم علم صحيح بل اما جهال او معاندون لم يعملوا بعلمهم. فكأنهم لا علم لهم. ومن علمهم جعلهم عدم الاجابة لما اقترحوه على الرسول. موجبا لرد دعوته. فمما اقترحوه استعجالهم العذاب الذي انذرهم به فقال وهذا ظلم منهم فاي ملازمة بين صدقه وبين الاخبار بوقت وقوعه. وهل هذا الا رد للحق وسفه في العقل؟ اليس النذير في امر في احوال الدنيا لو جاء قوما يعلمون صدقه ونصحه ولهم عدو ينتهز الفرصة منهم ويعد لهم. فقال لهم تركت عدوكم قد سار يريد رياحكم واستئصالكم. فلو قال بعضهم ان كنت صادقا فاخبرنا باي ساعة يصل الينا. واين مكانه الان؟ فهل يعد هذا القائل عاقلا ام يحكم بسفهه وجنونه؟ هذا والمخبر يمكن صدقه وكذبه. والعدو قد يبدو له غيرهم وقد تنحل عزيمته وهم قد يكون بهم منعة يدافعون بها عن انفسهم. فكيف بمن كذب اصدق الخلق المعصوم في خبره الذي لا ينطق عن الهوى بالعذاب اليقين. الذي لا مدفع له ولا ناصر منه. اليس رد خبره بحجة عدم بيانه وقت وقوعه من اسفه السفه قل لهم مخبرا بوقت وقوعه الذي لا شك فيه فاحذروا ذلك اليوم واعدوا له عدته كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه. ولو ترى اذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم الى بعض القول يقول الذين استضعفون الذين لما ذكر تعالى ان ميعاد المستعجلين بالعذاب لابد من وقوعه عند حلول اجله. ذكر هنا حالهم في ذلك اليوم. وانك لو رأيت حالهم اذا وقفوا عند ربهم. واجتمع الرؤساء والاتباع في الكفر والضلال لرأيت امرا عظيما وهولا جسيما. ورأيت كيف يتراجع ويرجع بعضهم الى بعض القول. يقول الذين استضلوا وهم الاتباع للذين استكبروا وهم القادة ولكنكم حلتم بيننا وبين الايمان. وزينتم لنا الكفران فتبعناكم على ذلك. ومقصودهم بذلك ان يكون العذاب على الرؤساء دونهم قال الذين استكبروا للذين استضعفوا قيل لهم ومخبرين ان الجميع مشتركون في الجرم. انحن صددناكم عن الهدى بعد اذ جاءكم؟ اي بقوتنا وقهرنا لكم اي مختارين للاجرام لستم مقهورين عليه وان كنا قد زينا لكم فما ما كان لنا عليكم من سلطان. وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بالمكر الليل والنهار اذ تأمروننا ان نكفر بالله اذ تأمروننا ان نكفر بالله ونجعل لكم العذاب وجعلنا الاغلال في اعناق الذين كفروا هل يجزون الا ما كانوا يعملون اي بل الذي دهان منكم ووصل الينا من اضلالكم ما دبرتموه من المكر في الليل والنهار اذ تحسنون لنا الكفر وتدعوننا اليه وتقولون انه الحق. وتقدحون في الحق وتهجنونه وتزعمون انه الباطل ما زال مكركم بنا وكيدكم ايانا. حتى اغويتمونا وفتنتمونا. فلم تفت تلك المراجعة بينهم شيئا الا تبري بعضهم من بعض والندامة العظيمة. ولهذا قال اي زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض. لينجو من العذاب. وعلم انه ظالم مستحق له. فندم كل منهم غاية الندم وتمنى ان لو كان على الحق. وانه ترك الباطل الذي اوصله الى هذا العذاب. سرا في انفسهم لخوفهم من الفضل في اقرارهم على انفسهم وفي بعظ مواقف القيامة وعند دخولهم النار يظهرون ذلك الندم جهرا ويوم يعظ على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير الذين كفروا هل يجزون الا ما كانوا يعملون جعلنا الاغلال في اعناق الذين كفروا. يغلون كما يغل المسجون الذي سيهان في سجنه. كما قال تعالى اذ الاغلال في اعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون هل يجزون في هذا العذاب والنكال؟ وتلك الاغلال الثقال من الكفر والفسوق والعصيان وما ارسلنا يخبر تعالى عن حالة الامم الماضية المكذبة للرسل انها كحال هؤلاء الحاضرين المكذبين لرسولهم محمد صلى الله عليه وسلم وان الله اذا ارسل رسولا في قرية من القرى كفر به مترفوها وابطرتهم نعمتهم وفخروا بها. وقالوا نحن واكثر اموالا واولادا وما نحن بمعذبين. وقالوا نحن اكثر اموالا واولادا. اي من اتبع الحق. اي اولا لسنا بمبعوثين. فان بعثنا فالذي اعطانا الاموال والاولاد كاد في الدنيا سيعطينا اكثر من ذلك في الاخرة ولا يعذبنا فاجابهم الله تعالى بان بسط الرزق الضيقة ليست دليلا على ما زعمتم فان الرزق تحت مشيئة الله ان شاء بسطه لعبده وان شاء ضيقه حالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى بما عملوا وهم في الغرفات امنوا وليست الاموال والاولاد بالتي تقرب الى الله زلفى. وتدني اليه. وانما الذي يقرب منه زلفى. الايمان بما جاء به المرسلون والعمل الصالح الذي هو من لوازم الايمان. فاولئك لهم الجزاء عند الله تعالى مضاعفا. الحسنة بعشر امثالها الى سبع مئة ضعف الى اضعاف كثيرة لا يعلمها الا الله اي في المنازل العاليات المرتفعات جدا ساكنين فيها مطمئنين. امنون من المكدرات والمنغصات لما هم فيه من اللذات وانواع المشتهيات وامنون من الخروج منها والحزن فيها اولئك في العذاب محضرون. واما الذين سعوا في اياتنا على وجه التعجيز لنا ولرسولنا والتكذيب اولئك في العذاب محضرون ثم اعاد تعالى انه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له. ليرتب عليه قوله وما انفقت من شيء نفقة واجبة او مستحبة على قريب او جار او مسكين او يتيم وغير ذلك فهو تعالى يخلفه فلا افهموا ان الانفاق مما ينقص الرزق. بل وعد بالخلف للمنفق الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر تطلب الرزق منه. واسعوا في الاسباب التي امركم بها اقول للملائكة اياكم كانوا يعبدون. ويوم يحشرهم جميع اي العابدين لغير الله والمعبودين من دونه من الملائكة. ثم يقول الله للملائكة على وجه التوبيخ لمن كهؤلاء اياكم كانوا يعبدون. فتبرأوا من عبادتهم انت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنين قالوا سبحانك اي تنزيها لك وتقديسا ان يكون لك شريك او ند. انت ولينا من دونهم فنحن الى ولايتك مضطرون اليها. فكيف ندعو غيرنا الى عبادتنا؟ ام كيف نصلح لان نتخذ من دونك اولياء وشركاء ولكن هؤلاء المشركون كانوا يعبدون الجن اي الشياطين يأمرون بعبادتنا او عبادة غيرنا فيطيعونهم بذلك. وطاعتهم هي عبادتهم. لان العبادة الطاعة. كما قال تعالى مخاطبا لكل من اتخذ معه الهة. الم اعهد اليكم يا بني ادم الا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين. وان اعبدوني هذا صراط مستقيم. اكثرهم بهم مؤمنون. اي للجن منقادون لهم لان الايمان هو التصديق الموجب للانقياد. فلما تبرؤوا منهم قال تعالى مخاطبا لهم فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا. تقطعت بينكم الاسباب وانقطع بعضكم من بعض نقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار. ونقول للذين ظلموا بالكفر والمعاصي. بعدما سندخلهم النار ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون فاليوم عاينتموها ودخلتموها جزاء لتكذيبكم وعقوبة لما احدثه ذلك التكذيب من عدم الهرب من اسبابها وقالوا ما هذا الا افك مفترى. وقال الذين يخبر تعالى عن حالة المشركين عندما تتلى عليهم ايات الله البينات وحججه الظاهرات وبراهينه القاطعات. الدالة على كل خير الناهية عن كل شر هي اعظم نعمة جاءتهم ومنة وصلت اليهم. الموجبة لمقابلتها بالايمان والتصديق والانقياد والتسليم. انهم يقابلونها ضد ما ينبغي ويكذبون من جاء بها ويقولون اي هذا قصده حين يأمركم بالاخلاص لله. لتتركوا عوائد ابائكم الذين تعظمون وتمشون خلفهم فرد الحق بقول الضالين ولم يوردوا برهانا ولا شبهة. فاي شبهة اذا امرت الرسل بعض الضالين باتباع الحق؟ فادعوا ان اخوانهم الذين على طريقتهم لم يزالوا عليه. وهذه السفاهة ورد الحق باقوال الضالين. اذا تأملت كل حق رد. فاذا هذا مآله لا يرد الا باقوال الضالين من المشركين والدهريين. والفلاسفة والصابئين والملحدين في دين الله المارقين هم اسوة كل من رد الحق الى يوم القيامة. ولما احتجوا بفعل ابائهم وجعلوها دافعة لما جاءت به الرسل. طعنوا بعد هذا بالحق وقالوا ما هذا الا افكم مفترى اي كذب افتراه هذا الرجل الذي جاء به اي سحر ظاهر بين لكل احد تكذيبا بالحق وترويجا على السفهاء. ولما بين ما ردوا به الحق وانها اقوال دون مرتبة الشبهة. فضلا ان تكون حجة ترى انهم وان اراد احد ان يحتج لهم فانهم لا مستند لهم. ولا لهم شيء يعتمدون عليه اصلا. فقال وما وما اتيناهم من كتب ان يدرسونها حتى تكون عمدة لهم. حتى يكون عندهم من اقواله واحواله اله ما يدفعون به ما جئتهم به. فليس عندهم علم ولا اثارة من علم. ثم خوفهم ما فعل بالامم المكذبين قبلهم. فقال وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشر ما اتيناهم فكذبوا رسلهم فكيف كان نكيد وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا. اي ما بلغ هؤلاء المخاطبون معشار ما اتيناهم. فكذبوا اي الامم الذين من قبل قبلهم اي انكاري عليهم عقوبتي اياهم قد اعلمنا ما فعل بهم من النكال وان من منهم من اغرقه ومنهم من اهلكه بالريح العقيم وبالصيحة وبالرجفة وبالخسف بالارض وبارسال الحاصب من السماء. فاحذروا يا هؤلاء المكذبون ان تدوموا على التكذيب فيأخذكم كما اخذ من قبلكم ويصيبكم ما اصابهم قل انما اعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ان هو الا نذير لكم بين يدي عذابي جديدة. اي قل يا ايها الرسول لهؤلاء المكذبين المعاندين. المتصدين لرد الحق وتكذيبه. والقدح ممن جاء به انما اعظكم بواحدة اي بخصلة واحدة اشير عليكم بها وانصح لكم في سلوكها وهي طريق النصف لست ادعوكم بها الى اتباع قولي ولا الى ترك قولكم من دون موجب لذلك. وهي ان تقوموا لله مثنى وفرادى. اي تنهضوا بهمة ونشاط وقصد اتباع الصواب واخلاص لله. مجتمعين ومتباحثين في ذلك ومتناظرين وفرادى. كل واحد يخاطب نفسه بذلك فاذا قمتم لله مثنى وفرادى استعملتم فكركم واجلتموه وتدبرتم احوال رسولكم هل هو مجنون؟ فيه صفات المجانين من كلامه وهيئته وصفته ام هو نبي صادق منذر لكم ما يضركم مما امامكم من العذاب الشديد. فلو قبلوا هذه الموعظة واستعملوها لتبين لهم اكثر من غيرهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون. لان هيئاته ليست كهيئات المجانين في خنقهم واختلاجهم ونظرهم. بل هيئته احسن الهيئات وحركاته اجل الحركات. وهو اكمل الخلق ادبا وسكينة وتواضعا ووقارا لا يكون الا لارزن الرجال عقلا. ثم اذا تأملوا كلامه الفصيح ولفظه المليح وكلماته التي تملأ القلوب امنا وايمانا. وتزكي النفوس وتطهر القلوب. وتبعث على مكارم الاخلاق. وتحث على محاسن الشيم. وتراهب عن مساوئ في الاخلاق ورذائلها. اذا تكلم رمقته العيون هيبة واجلالا وتعظيما. فهل هذا يشبه هذيان المجانين وعربدتهم وكلامهم الذي يشبه احوالهم. فكل من تدبر احواله ومقصده استعلام هل هو رسول الله ام لا. سواء تفكر وحده او مع غيره جزم بانه رسول الله حقا. ونبيه صدقا خصوصا المخاطبين. الذي هو صاحبهم يعرفون اول واخره وثم مانع للنفوس اخر من اتباع الداعي الى الحق. وهو انه يأخذ اموال من يستجيب له. ويأخذ اجرة على دعوته فبين الله تعالى نزاهة رسوله صلى الله عليه وسلم عن هذا الامر فقال ان دري الا على الله وهو على كل شيء قل ما سألتكم من اجر. اي على اتباعكم للحق فهو لكم. اي فاشهدكم ان ذلك الاجر على التقدير انه لكم ان جري الا على الله وهو على كل شيء شهيد. اي محيط علمه وبما ادعو اليه فلو كنت كاذبا لاخذني بعقوبته. وشهيد ايضا على اعمالكم سيحفظها عليكم. ثم يجازيكم بها قل ان ربي يقذف بالحق علام الغيوب. ولما بين البراهين الدالة على صحة الحق وبطلانه الباطل اخبر تعالى ان هذه سنته وعادته ان يقذف بالحق على الباطل فيدمغه. فاذا هو زاهق. لانه بين من الحق في هذا الموضع ورد به اقوال المكذبين. ما كان عبرة للمعتبرين. واية للمتأملين. فانك كما ترى محلت اقوال المكذبين. وتبين كذبهم وعنادهم وظهر الحق وسطع. وبطل الباطل وانقمع. وذلك بسبب بيان علام الغيوب الذي يعلم ما تنطوي عليه القلوب من الوساوس والشبه. ويعلم ما يقابل ذلك ويدفعه من الحجج. فيعلم بها عباده ويبينها لهم. ولهذا قال قل جاء الحق اي ظهر وبان وصار بمنزلة الشمس وظهر سلطانه ايظا حل وبطل امره وذهب سلطانه فلا يبدئ ولا يعيد قريب لما تبين الحق بما دعا اليه الرسول. وكان المكذبون له يرمونه بالضلال. اخبرهم بالحق ووضحه لهم. وبين لهم عجزهم عن مقاومة واخبرهم ان رميهم له بالضلال. ليس بضائر الحق شيئا ولا دافع ما جاء به. وانه ان ضل وحاشاه من ذلك لكن على سبيل التنزل في المجادلة فانما يضل على نفسه اي ضلاله قاصر على نفسه غير متعد الى غيره. وان اهتديت وان اهتديت فليس ذلك من نفسي وحولي وقوتي وانما هدايتي بما يوحي الي ربي فهو مادة هدايتي. كما هو مادة هداية غيري. ان ربي سميع للاقوال الاصوات كلها قريب ممن دعاه وسأله وعبده فزعوا فلا فوت واخذوا من مكان قريب يقول تعالى ولو ترى ايها الرسول ومن قام مقامك حال هؤلاء المكذبين اذ فزعوا حين رأوا العذاب وما اخبرتهم به الرسل وما كذبوا به لرأيت امرا هائلا ومنظرا مفظعا وحالة من كرة وشدة شديدة وذلك حين يحق العذاب فليس لهم عنه مهرب ولا فوت. اي ليس بعيدا عن محل العذاب بل يؤخذون ثم يقذفون في النار. وقالوا امنا به وانا لهم التناوش من مكان من بعيد. وقالوا في تلك الحال امنا بالله وصدقنا ما به كذبنا. ولكن انى لهم التناوش اي تناول ايمان. قد حيل بينهم وبينه. وصار من الامور المحالة في هذه الحالة فلو انهم امنوا وقت الامكان لكان ايمانهم مقبولا ولكنهم كفروا به من قبل ويقذفون اي يرمون. بقذفهم الباطل ليدحضوا به الحق. ولكن لا سبيل الى ذلك كما لا سبيل للرامي من مكان بعيد الى اصابة الغرض. فكذلك الباطل من محال ان يغلب الحق او يدفعه. وانما يكون له صولة وقت غفلة الحق عنه. فاذا برز الحق وقاوم الباطل قماعة وحيل بينهم وبين ما يشتهون من الشهوات واللذات والاولاد والاموال والخدم والجنود. قد انفردوا باعمالهم وجاءوا فرادى كما خلقوا. وتركوا ما خولوا وراء ظهورهم. كما فعل باشياعهم من الامم السابقين. حين جاءهم الهلاك حيل بينهم وبين ما يشتهون. انهم كانوا في شك اي محدث الريبة وقلق القلب فلذلك لم يؤمنوا ولم يعتبوا الناس تعتبوا بسم الله الرحمن الرحيم. الحمدلله فاطر السماوات والارض جاعل يزيد في الخلق ما يشاء يمدح الله تعالى نفسه الكريمة المقدسة على خلقه السماوات والارض وما اشتملتا عليه من المخلوقات. لان ذلك دليل على كمال قدرته وسعة ملكه وعموم رحمته. وبديع في حكمته واحاطة علمه. ولما ذكر الخلق ذكر بعده ما يتضمن الامر. وهو انه جاعل الملائكة رسلا. في تدبير امره القدرية ووسائط بينه وبين خلقه. في تبليغ اوامره الدينية وفي ذكره انه جعل الملائكة رسلا. ولم يستثني منهم احد دليل على كمال طاعتهم لربهم وانقيادهم لامره. كما قال تعالى لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ولما كانت الملائكة مدبرات باذن الله ما جعلهم الله موكلين فيه. ذكر قوتهم على ذلك وسرعة سيرهم. بان جعلهم اولي اجنحة تطير بها فتسرع تنفيذ ما امرت به. مثنى وثلاث ورباع اي منهم من له جناحان وثلاثة واربعة بحسب ما اقتضته حكمته يزيد في الخلق ما يشاء اي يزيد بعض مخلوقاته على بعض في صفة خلقها وفي القوة وفي حسن وفي زيادة الاعضاء المعهودة وفي حسن الاصوات ولذة النغمات فقدرته تعالى تأتي على ما يشاؤه. ولا يستعصي عليها شيء. ومن ذلك زيادة مخلوقاته بعضها على بعض ثم ذكر انفراده تعالى بالتدبير والعطاء والمنع فقال فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم وما يمسك من رحمته عنهم فلا مرسل له من بعده. فهذا يوجب التعلق بالله تعالى والافتقار اليه من جميع الوجوه والا يدعى الا هو ولا يخاف ويرجى الا هو. وهو العزيز الذي قهر الاشياء قل لها الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها والارض لا اله الا هو فانا تؤفكون يأمر تعالى جميع الناس ان يذكروا نعمته عليهم. وهذا شامل لذكرها بالقلب اعترافا. وباللسان ثناء وبالجوارح انقيادا فان ذكر نعمه تعالى داع لشكره. ثم نبههم على اصول النعم. وهي الخلق والرزق. فقال ولما كان من المعلوم انه ليس احد يخلق يرزق الا الله نتج من ذلك ان كان ذلك دليلا على الوهيته وعبوديته. ولهذا قال اي تصرفون من عبادة الخالق الرازق لعبادة المخلوق المرزوق وان يا ايها الرسول فلك اسوة بمن قبلك من المرسلين. فقد كذبت رسل من قبلك فاهلك المكذبون. ونجى الله الرسل واتباع معهم يقول تعالى يا ايها الناس ان وعد الله بالبعث الجزاء على الاعمال حق. اي لا شك فيه ولا مرية ولا تردد. قد دلت على ذلك الادلة السمعية والبراهين العقلية. واذا كان وعده حقا فتهيأوا له وبادروا اوقاتكم الشريفة بالاعمال الصالحة ولا يقطعكم عن ذلك قاطع فلا تغرنكم الحياة الدنيا بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية. فتلهيكم عما خلقتم له. ولا يغرنكم بالله الغرور. الذي هو الشيطان الذي هو عدوكم في الحقيقة. اي لتكن منكم عداوته على بال ولا تهملوا محاربته كل وقت فانه ويراكم وانتم لا ترونه وهو دائما لكم بالمرصاد هذا غايته ومقصوده في من تبعه ان يهان غاية الاهانة بالعذاب الشديد. ثم ذكر ان الناس انقسموا بحسب طاعة وعدمها الى قسمين. وذكر جزاء كل منهما فقال الذين كفروا اي جحدوا ما جاءت به الرسل ودلت عليه الكتب لهم عذاب شديد في نار جهنم شديد في ووصفه وانهم خالدون فيها ابدا. والذين امنوا وعملوا والذين امنوا بقلوبهم بما دعا الله الى الايمان به وعملوا بمقتضى ذلك الايمان الايمان بجوارحهم الاعمال الصالحات. لهم مغفرة لذنوبهم. يزول بها عنهم الشر والمكروه. واجر كبير يحصل به المطلوب افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرة يقول تعالى افمن زين له عمله السيئ والقبيح زينه له الشيطان وحسنه في عينه فرآه حسنا. اي كمن هداه الله الى الصراط المستقيم والدين القويم هل يستوي هذا وهذا؟ فالاول عمل السيء ورأى الحق باطلا والباطل حقا. والثاني عمل الحسن ورأى الحق الحق والباطل باطلا. ولكن الهداية والاضلال بيد الله تعالى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فلا تذهب نفسك عليهم حسرات اي على الضالين الذين زين لهم سوء اعمالهم وصدهم الشيطان عن الحق. حسرات فليس فعليك الا البلاغ. وليس عليك من هداهم شيء. والله هو الذي يجازيهم باعمالهم يخبر تعالى عن كمال اقتداره وسعة جوده. وانه ارسل الرياح فتثير السحابا. فسقناه الى بلد ميت. فانزله الله عليه فاحيينا به الارض بعد موتها. فحيت البلاد والعباد وارتزقت الحيوانات ورتعت في تلك خيرات كذلك الذي احيا الارض بعد موتها ينشر الله الاموات من قبورهم بعدما مزقهم البلاء فيسوق اليهم مطرا كما ساقه الى الارض الميتة. فينزله عليهم فتحيا الاجساد والارواح من القبور للقيام بين يدي الله ليحكم بينهم. ويفصل بحكمه العدل جميعا اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. والذين يمكرون اياما يريد العزة اطلبها ممن هي بيده. فان العزة بيد الله ولا تنال الا بطاعته. وقد ذكرها بقوله يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. اليه يصعد الكلم الطيب من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب. فيرفع الى الله ويعرض عليه. ويثني الله على صاحبه بين الملأ الاعلى. والعمل الصالح من اعمال القلوب واعمال الجوارح يرفعه الله تعالى اليه ايضا كالكلم الطيب. وقيل والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب فيكون رفع الكلم الطيب بحسب اعمال العبد الصالحة. فهي التي ترفع كلمه الطيب. فاذا لم يكن له عمل صالح لم يرفع له الى الله تعالى فهذه الاعمال التي ترفع الى الله تعالى. ويرفع الله صاحبها ويعزه. واما السيئات فانها بالعكس يريد صاحبها الرفعة بها ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه ولا يزداد الا اهانة ونزولا. والعمل الصالح والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد. لهم عذاب شديد يهانون فيه غاية الاهانة. ان يهلكوا ويطمحل ولا يفيد شيئا لانه مكر بالباطل لاجل الباطل يذكر تعالى خلقه الادمي وتنقله في هذه من تراب الى نطفة وما بعدها. ثم جعلكم ازواجا اي لم يزل ينقلكم طورا بعد طور حتى اوصلكم الى ان كنتم ازواج ذكرا يتزوج انثى ويراد بالزواج. الذرية والاولاد. فهو وان كان النكاح من الاسباب فيه. فانه بقضاء الله وقدره وعلمه. وكذلك اطوار الادمي كلها بعلمه وقضائه انقص من عمره الا في كتابه ان ذلك على الله يسير وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره. اي عمري الذي كان معمرا عمرا طويلا. الا بعلمه تعالى. او وما ينقص ومن عمر الانسان الذي هو بصدد ان يصل اليه لولا ما سلكه من اسباب قصر العمر كالزنا وعقوق الوالدين وقطيعة الارحام ونحو ذلك مما ذكر انها من اسباب قصر العمر. والمعنى ان طول العمر وقصره بسبب وبغير سبب كله بعلم الله تعالى وقد اثبت ذلك في كتاب حوى ما يجري على العبد في جميع اوقاته وايام حياته اي احاطة علمه بتلك المعلومات الكثيرة. واحاطة كتابه فيها فهذه ثلاثة ادلة من ادلة البعث والنشور كلها عقلية نبه الله عليها في هذه الايات احياء الارض بعد موتها وان الذي احياها سيحيي الموتى وتنقل الادمي في في تلك الاطوار فالذي اوجده ونقله طبقا بعد طبق وحالا بعد حال حتى بلغ ما قدر له فهو على اعادته النشأة الاخرى اقدر. وهو اهون عليه. واحاطة علمه بجميع اجزاء العالم. العلوي والسفلي. دقيقها وجليلها الذي في القلوب والاجنة التي في البطون. وزيادة الاعمال ونقصها واثبات ذلك كله في كتاب. فالذي كان هذا يسير عليه فاعادته للاموات ايسر وايسر. فتبارك من كثر خيره ونبه عباده على ما فيه صلاحهم. في معاشهم عادهم ومن كل ان تأكلون لحما وترى الفلك فيه مواخر ولعلكم تشكرون. هذا اخبار عن قدرته وحكمته ورحمته انه جعل البحرين لمصالح العالم الارضي كلهم. وانه لم يسوي بينهما لان المصلحة تقتضي ان تكون الانهار عذبة فراتا سائغا شرابها لينتفع بها الشاربون والغرسون والزارعون. وان يكون البحر ملحا اجاجا لان لا يفسد الهواء المحيط الارض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات. ولانه ساكن لا يجري فملوحته تمنعه من التغير. ولتكون حيواناته احسن والذ. ولهذا قال ومن كل ان تأكلون لحما طريا وتستخرج ومن كل من البحر الملح والعذب تأكلون لحما طريا وهو السمك تيسر صيده في البحر وتستخرجون حلية تلبسونها من لؤلؤ ومرجان وغيرهما مما يوجد في البحر فهذه مصالح عظيمة للعباد. ومن المصالح ايضا والمنافع في البحر ان سخره الله تعالى يحمل الفلك من السفن والمراكب. فتراها تمخر البحر وتشقه فتسلك من اقليم الى اقليم اخر. ومن محل الى محل فتحمل السائرين واثقالهم وتجاراتهم. فيحصل بذلك من فضل الله واحسانه شيء كثير. ولهذا قال وسخر ترى الشمس والقمر كله يدري لاجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطن ومن ذلك ايضا علاجه تعالى الليل بالنهار. والنهار بالليل يدخل هذا على هذا وهذا على هذا كلما اتى احدهما ذهب الاخر ويزيد احدهما وينقص الاخر ويتساويان فيقوم بذلك ما يقوم من مصالح ابدانهم وحيواناتهم واشجارهم وزروعهم. وكذلك ما جعل الله في تسخير الشمس والقمر الضياء والنور والحركة والسكون وانتشار العباد في طلب فضله. وما فيهما من تنظيج الثمار وتجفيف ما يجفف. وغير ذلك مما هو من الضروريات التي لو فقدت للحق الناس الضرر وقوله اي كل من الشمس والقمر يسيران في فلكهما ما شاء الله ان يسيرا. فاذا جاء الاجل وقرب انقضاء الدنيا انقطع سيرهما وتعطل سلطانهما وخسف القمر وكورت الشمس وانتثرت النجوم. فلما بين تعالى ما بين من هذه المخلوقات العظيمة وما فيها من العبر الدالة على كماله واحسانه. قال ذلكم الله ربكم له الملك. اي الذي انفرد بخلق هذه المذكورات وتسخيره بها هو الرب المألوه المعبود الذي له الملك كله. والذين تدعون من دونه ما يملكون والذين تدعون من دونه من الاوثان والاصنام اي لا يملكون شيئا لا قليلا ولا كثيرا. حتى ولا القطمير الذي هو احقر الاشياء هذا من تنصيص النفي وعمومه. فكيف يدعون؟ وهم غير مالكين لشيء من ملك السماوات والارض؟ ومع هذا ان تدعوهم لا يسمعوكم لانهم ما بين واموات وملائكة مشغولين بطاعة ربهم يكفرون بشرككم. ولو سمعوا على وجه الفرض والتقدير ما استجابوا لكم لانهم لا يملكون شيئا. ولا يرضى واكثرهم بعبادة من عبده. ولهذا قال كمثل خبير. اي يتبرأون منكم ويقولون سبحانك انت ولينا من دونهم اي لا احد ينبئك. اصدق من الله العليم الخبير. فاجزم بان هذا الامر الذي نبأ به كأنه رأي عين فلا تشك فيه ولا تمتر. فتضمنت هذه الايات الادلة والبراهين الساطعة. الدالة على انه تعالى المعبود الذي لا يستحق شيئا من العبادة سواه. وان عبادة ما سواه باطلة. متعلقة بباطل لا تفيد عابده شيئا يا ايها الناس انتم الفقراء الى يخاطب تعالى جميع الناس ويخبرهم بحالهم ووصفهم وانهم فقراء الى الله من جميع الوجوه. فقراء في ايجادهم فلولا ايجاده اياهم لم يوجدوا. فقراء في اعدادهم بالقوة والجوارح التي لولا اعداده اياهم بها لما استعدوا لاي عمل كان. فقراء في امدادهم بالاقوات والارزاق والنعم الظاهرة والباطنة فلولا فضله واحسانه وتيسيره الامور. لما حصل له من الرزق والنعم شيء. فقراء في صرف النقم عنهم ودفع في المكاره وازالة الكروب والشدائد فلولا دفعه عنهم وتفريجه لكرباتهم وازالته لعسرهم لاستمرت عليهم المكاره والشدائد. فقراء اليه في تربيتهم بانواع التربية. واجناس التدبير. فقراء اليه. في تألههم له وحبهم وتعبدهم واخلاص العبادة له تعالى. فلو لم يوفقوا لذلك لهلكوا وفسدت ارواحهم وقلوبهم واحوالهم فقراء اليه في تعليمهم ما لا يعلمون. وعملهم بما يصلحهم فلولا تعليمه لم يتعلموا. ولولا توفيقه لم يصلحوا فهم فقراء بالذات اليه بكل معنى وبكل اعتبار. سواء شعروا ببعض انواع الفقر ام لم يشعروا. ولكن الموفق منهم الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من امور دينه ودنياه. ويتضرع له ويسأله ان لا يكله الى نفسه طرفة عين. وان انه على جميع اموره ويستصحب هذا المعنى في كل وقت فهذا احرى بالاعانة التامة من ربه والهه الذي هو ارحم به من سيدتي بولدها. والله هو الغني الحميد. اي الذي له الغنى التام من جميع الوجوه. فلا يحتاج الى الى ما يحتاج اليه خلقه. ولا يفتقر الى شيء مما يفتقر اليه الخلق. وذلك لكمال صفاته. وكونها كلها صفات كمال ونعوت جلال ومن غناه تعالى ان اغنى الخلق في الدنيا والاخرة الحميد في ذاته واسمائه لانها حسنى واوصى لكونها عليا وافعاله لانها فضل واحسان وعدل وحكمة ورحمة. وفي اوامره ونواهيه فهو الحميد على ما فيه وعلى ما منه وهو الحميد في غناه. الغني في حمده جديد وما ذلك على الله بعزيز يحتمل ان المراد ان يشأ يذهبكم ايها الناس ويأتي بغيركم من الناس اطوع لله منكم ويكون في هذا تهديد لهم بالهلاك والابادة وان مشيئته غير قاصرة عن ذلك ويحتمل ان المراد بذلك اثبات البعث والنشور. وان مشيئة الله تعالى نافذة في كل شيء. وفي اعادتكم بعد خلقا جديدا ولكن لذلك الوقت اجل قدره الله. لا يتقدم عنه ولا يتأخر اي بممتنع ولا معجز له. ويدل على المعنى الاخير ما ذكره بعده في قوله لا تزر وازرة وزر اخرى. اي في يوم القيامة كل احد يجازى بعمله. ولا يحمل احد ذنب احد وان تدعو مثقلة اي نفس مثقلة بالخطايا والذنوب. تستغيث بمن يحمل عنها بعض اوزارها. لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قرب فانه لا يحمل عن قريب فليست حال الاخرة بمنزلة حال الدنيا. يساعد الحميم حميمة والصديق صديقة يوم القيامة يتمنى العبد ان يكون له حق على احد. ولو على والديه واقاربه اي هؤلاء الذين يقبلون النذارة وينتفعون بها. اهل الخشية بالغيب اي الذين يخشونه في حال السر والعلانية. والمشهد والمغيب واهل اقامة الصلاة بحدودها وشروطها واركانها وواجباتها وخشوعها. لان الخشية لله تستدعي من العبد العمل بما يخشى من تضييعه العقاب. والهرب مما يخشى من ارتكاب العذاب والصلاة تدعو الى الخير وتنهى عن الفحشاء والمنكر يا لنفسه والى الله المصير. اي ومن زكى نفسه بالتنقي من العيوب. كالرياء والكبر والكذب والغش والخداع والنفاق ونحو ذلك من الاخلاق الرذيلة. وتحلى بالاخلاق الجميلة من الصدق والاخلاص والتواضع ولين الجانب والنصح للعباد وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الاخلاق. فان تزكيته يعود نفعها اليه. ويصل مقصودها اليه ليس يضيع من عمله شيء. فيجازي الخلائق على ما اسلفوه ويحاسبهم على ما قدموه وعملوه ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها يخبر تعالى انه لا يتساوى الاضداد في حكمة الله. وفيما اودعه في فطر عباده وما يستوي الاعمى فاقد البصر والبصير ولا الظلمات ولا النور فكما انه من المتقرر عندكم الذي لا يقبل الشك ان هذه المذكورات لا تتساوى. فكذلك فلتعلموا ان عدم تساوي المضادات المعنوية او اولى واولى فلا يستوي المؤمن والكافر. ولا المهتدي والضال ولا العالم والجاهل. ولا اصحاب الجنة واصحاب النار. ولا احياء قلوب وامواتها فبين هذه الاشياء من التفاوت والفرق ما لا يعلمه الا الله تعالى. فاذا علمت المراتب وميزت الاشياء الذي ينبغي ان يتنافس في تحصيله من ضده فليختل الحازم لنفسه ما هو اولى به واحقها بالايثار طه يسمع من يشاء وما انت بمسمع في القبور ان الله يسمع من يشاء سماع فهم وقبول. لان الله تعالى هو الهادي الموفق اي اموات القلوب او كما ان دعائك لا يفيد سكان القبور شيئا كذلك لا يفيد المعاند شيئا. ولكن وظيفتك النذارة وابلاغ ما ارسلت به. قبل منك ام لا. ولهذا قال انا ارسلناك بالحق اي مجرد ارسالنا اياك بالحق لان الله تعالى بعثك على حين فترة من الرسل وطموس من السبل واندراس من العلم وضرورة عظيمة الى بعثتك فبعثك الله رحمة للعالمين. وكذلك ما بعثناك به من الدين القويم والصراط المستقيم. حق لا باطل. وكذلك ما ارسلناك به من هذا القرآن العظيم. وما اشتمل عليه من الذكر الحكيم حق وصدق. بشيرا لمن اطاعك بثواب الله العاجل والاجل لمن عصاك بعقاب الله العاجل والاجل. ولست ببدع من الرسل فما من امة من الامم الماضية والقرون الخالية الا خلا فيها نذير يقيم عليها حجة الله ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة اي وان يكذبك ايها الرسول هؤلاء المشركون فلست اول رسول كذب. فقد كذب الذين من قبلهم جائتهم رسلهم بالبينات الدالات على الحق وعلى صدقهم فيما اخبروهم به. وبالزبر اي الكتب المكتوبة المجموع فيها كثير من الاحكام. والكتاب المنير اي المضيء في اخباره الصادقة واحكامه العادلة. فلم يكن تكذيبهم اياهم ناشئا عن اشتباه او قصور بما جاءتهم به الرسل بل بسبب ظلمهم وعنادهم. ثم اخذ الذين كفروا بانواع العقوبات. فكيف كان نكيري عليهم؟ كان اشد النكير واعظم التنكيل. فاياكم وتكذيب هذا الرسول الكريم فيصيبكم كما اصاب اولئك من العذاب الاليم والخزي الوخيم فاخرجنا به يذكر تعالى خلقه للاشياء المتضادات. التي اصلها واحد ومادتها واحدة. وفيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهد معروف ليدل العباد على كمال قدرته وبديع حكمته. فمن ذلك ان الله تعالى انزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات المختلفات والنباتات المتنوعات ما هو مشاهد للناظرين والماء واحد والارض واحدة ومن ذلك الجبال التي جعلها الله اوتادا للارض تجدها جبالا مشتبكة بل جبلا واحدا وفيها الوان متعددة فيها جدد بيض اي طرائق وفيها طرائق صفر وحمر وفيها غرابيب سود. اي شديدة السواد جدا والانعام ان الله عزيز غفور. ومن ذلك الناس والدواب والانعام فيها من اختلاف الالوان والاوصاف والاصوات والهيئات. ما هو مرئي بالابصار؟ مشهود للنظار. والكل من واحد ومادة واحدة فتفاوتها دليل عقلي على مشيئة الله تعالى التي خصصت ما خصصت منها بلونه ووصفه به وقدرة الله تعالى حيث اوجدها كذلك. وحكمته ورحمته حيث كان ذلك الاختلاف وذلك التفاوت. فيه من المصالح والمنافع ومعرفة الطرق ومعرفة الناس بعضهم بعضا ما هو معلوم. وذلك ايضا دليل على سعة علم الله تعالى. وانه يبعث في قبور ولكن الغافل ينظر في هذه الاشياء وغيرها نظر غفلة. لا تحدث له التذكر وانما ينتفع بها من يخشى الله تعالى ويعلم بفكره الصائب وجه الحكمة فيها. ولهذا قال آآ فكل من كان بالله اعلم كان اكثر له خشية واوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي والاستعداد زاد للقاء من يخشاه وهذا دليل على فضيلة العلم. فانه داع الى خشية الله. واهل خشيته هم اهل كرامته. كما قال قال رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ان الله عزيز غفور. ان الله عزيز كامل العزة. ومن عزته خلق هذه المخلوقات المتضادات. غفور لذنوب التائبين يتلون كتاب الله واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا انفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة ان الذين يتلون كتاب الله ان يتبعونه في اوامره فيمتثلونها وفي نواهيه فيترك وفي اخباره فيصدقونها ويعتقدونها. ولا يقدمون عليه ما خالفه من الاقوال. ويتلون ايضا الفاظه بدراسته ومعانيه بتتبعها واستخراجها. ثم خص من التلاوة بعدما عم. الصلاة التي هي عماد الدين. ونور المسلمين وميزان الايمان وعلامة صدق الاسلام والنفقة على الاقارب والمساكين واليتامى وغيرهم من الزكاة والكفارات والنذور والصدقات سرا وعلانية في جميع الاوقات. يرجون بذلك تجارة لن تبور. اي لن تكسد وتفسد. بل تجارة هي اجل التجارات واعلاها وافضلها. الا وهي رضا ربهم الفوز بجزيل ثوابه والنجاة من سخطه وعقابه. وهذا فيه انهم يخلصون باعمالهم. وانهم لا يرجون بها من المقاصد السيئة والنيات الفاسدة شيئا وذكر انهم حصل لهم ما رجوه فقال ليوفيهم اجورهم اي اجور اعمالهم على حسب قلتها وكثرتها وحسنها وعدمه. ويزيدهم من فضله زيادة عن اجورهم انه غفور شكور. غفر لهم السيئات وقبل منهم القليل من الحسنات والذي اوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديك الله بعباده لخبير بصير يذكر تعالى ان الكتاب الذي اوحاه الى هو الحق من كثرة ما اشتمل عليه من الحق كأن الحق منحصر فيه فلا يكن في قلوبكم حرج منه ولا تتبرموا منه ولا تستهينوا به. فاذا كان هو الحق لزم ان كل ما دل عليه من المسائل الالهية والغيبية وغيرها. مطابق لما في الواقع فلا يجوز ان يراد به ما يخالف ظاهره وما دل عليه. مصدقا لما بين يديه من الكتب والرسل. لانها اخبرت به. فلما وجد وظهر ظهر به صدقها فهي بشرت به واخبرت وهو صدقها. ولهذا لا يمكن احدا ان يؤمن بالكتب السابقة وهو كافر بالقرآن ابدا. لان كفره به ينقض ايمانه بها. لان من جملة اخبارها الخبر عن القرآن. ولان اخبارها مطابقة لاخبار القرآن فيعطي كل امة وكل شخص ما هو اللائق بحاله. ومن ذلك ان الشرائع السابقة لا تليق الا بوقتها وزمانها. ولهذا ما زال الله يرسل الرسل رسولا بعد رسول حتى ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فجاء بهذا الشرع الذي يصلح لمصالح الخلق الى يوم يوم القيامة ويتكفل بما هو الخير في كل وقت. ولهذا لما كانت هذه الامة اكمل الامم عقولا. واحسنهم افكارا قلوبا وازكاهم انفسا اصطفاهم الله تعالى واصطفى لهم دين الاسلام واورثهم الكتاب المهيمن على سائر الكتب. ولهذا قال ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذه الامة. فمنهم ظالم لنفسه بالمعاصي دون الكفر ومنهم مقتصد مقتصر على ما يجب عليه. تارك للمحرم ومنهم سابق بالخيرات اي سارع فيها واجتهد فسبق وهو المؤدي للفرائض المكثر من النوافل التارك للمحرم والمكروه. فكلهم اصطفاه الله تعالى لوراثة هذا كتاب وان تفاوتت مراتبهم وتميزت احوالهم. فلكل منهم قسط من وراثته حتى الظالم لنفسه. فانما معه من اصل الايمان وعلوم الايمان واعمال الايمان من وراثة الكتاب. لان المراد بوراثة الكتاب. وراثة علمه وعمله ودراسة الفاظه واستخراج معانيه. وقوله باذن الله راجع الى السابق بالخيرات. لئلا يغتر بعمله بل ما سبق الى الخيرات الا بتوفيق الله تعالى ومعونته. فينبغي له ان يشتغل بشكر الله تعالى على ما انعم به عليه اي وراثة الكتاب الجليل لمن اصطفى تعالى من عباده هو الفضل الكبير. الذي جميع النعم بالنسبة اليه كالعدم فاجل النعم على الاطلاق واكبر الفضل وراثة هذا الكتاب. ثم ذكر جزاء الذين اورثهم كتابه فقال يحلون فيها من اساور جنات عدن يدخل يقولونها اي جنات مشتملات على الاشجار والظل والظليل والحدائق الحسنة والانهار المتدفقة والقصور العالية المنازل المزخرفة في ابد لا يزول وعيش لا ينفد. والعدل الاقامة فجنات عدن اي جنات اقامة. اضافها للاقامة لان الاقامة والخلود وصفها ووصف اهلها يحلون فيها من اساور من ذهب هو الحلي الذي يجعل في اليدين على ما يحبون. ويرون انه احسن من غيره. الرجال والنساء في الحلية في الجنة سواء. ويحلون فيها لؤلؤة ينظم في ثيابهم واجسادهم ولباسهم فيها حرير. من سندس ومن استبرق اخضر. ولما تم نعيمهم وكملت لذتهم وقالوا الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ربنا لغفور شكور. وقالوا الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن. وهذا يشمل كل حزن. فلا حزن اعرضوا لهم بسبب نقص في جمالهم. ولا في طعامهم وشرابهم ولا في لذاتهم ولا في اجسادهم. ولا في دوام لبسهم. فهم في نعيم ما يرون عليه مزيدا وهو في تزايد ابد الاباد ان ربنا لغفور حيث غفر لنا الزلات. شكور حيث قبل منا الحسنات وضاعفها واعطانا من فضله ما لم تبلغه واعمالنا ولا امانينا. فبمغفرته نجوا من كل مكروه ومرهوب. وبشكره وفضله حصل لهم كل مرغوب محبوب الذي احلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا لا يمسنا فيها لغوم. الذي احلنا اي انزلنا نزول حلول واستقرار. لا نزول معبر واعتبار دار المقامة. اي الدار التي تدوم فيها الاقامة. والدار التي يرغب في المقام فيها. لكثرة خيراتها. وتوالي مساراتها وزوال قدراتها وذلك الاحلال من فضله علينا وكرمه. لا باعمالنا فلولا فضله لما وصلنا الى ما اليه. اي لا في الابدان ولا في القلب والقوى ولا في كثرة التمتع. وهذا يدل على ان الله تعالى يجعل ابدانهم في نشأة كاملة. ويهيئ لهم من اسباب الراحة على الدوام ما يكونون بهذه الصفة بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب ولا هم ولا حزن. ويدل على انهم لا ينامون في الجنة لان النوم فائدته زوال التعب. وحصول الراحة به. واهل الجنة بخلاف ذلك. ولانه موت اصغر. واهل التي لا يموتون جعلنا الله منهم بمنه وكرمه والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخف كذلك نجزي كل كفور. لما ذكر تعالى على اهل الجنة ونعيمهم. ذكر حال اهل النار وعذابهم. فقال والذين كفروا اي جحدوا ما جاءتهم به رسلهم من البينات وانكروا لقاء ربهم لهم نار جهنم يعذبون فيها اشد العذاب وابلغ العقاب لا يقضى عليهم بالموت فيموتوا فيستريحوا ولا يخفف عنهم من عذابها. فشدة العذاب وعظمه مستمر عليهم في جميع الانات واللحظات مصلحا غير الذي كنا نعمل. وهم يصطرخون فيها اي يصرخون ويتصايحون ويستغيثون ربنا اخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل فاعترفوا بذنوبهم وعرفوا ان الله عدل فيهم. ولكن سألوا الرجعة في غير وقتها. فيقال لهم فذوقوا فما للظالمين من نصيب اولا نعمركم اي دهرا وعمرا. ما يتذكر فيه من تذكر اي يتمكن فيه من اراد التذكر من العمل. متعناكم في الدنيا وادررنا عليكم الارزاق وقيضنا لكم اسباب الراحة ومددنا لكم في العمر وتابعنا عليكم الايات واوصلنا النذر وابتليناكم بالسراء والضراء. لتنيبوا الينا وترجعوا الينا. فلم ينجح فيكم انذار ولم تفد فيكم موعظة عنكم العقوبة حتى اذا انقضت اجالكم وتمت اعماركم ورحلتم عن دار الامكان باشر الحالات ووصلتم الى هذه الدار دار الجزاء على الاعمال. سألتم الرجعة هيهات هيهات. فات وقت الامكان وغضب عليكم الرحيم الرحمن عليكم عذاب النار ونسيكم اهل الجنة فامكثوا فيها خالدين مخلدين وفي العذاب مهانين. ولهذا قال ينصرهم فيخرجهم منها او يخفف عنهم من عذابها العالم غيب السماوات والارض انه عليم بذات لما ذكر تعالى جزاء اهل الدارين وذكر اعمال الفريقين اخبر تعالى عن سعة علمه تعالى والطيب اطلاعه على غيب السماوات والارض التي غابت عن ابصار الخلق وعن علمهم وانه عالم بالسرائر وما تنطوي عليه الصدور من الخير والشر والزكاء وغيره فيعطي كلا ما يستحقه. وينزل كل احد منزلته يخبر تعالى عن كمال حكمته ورحمته بعباده انه قدر بقضائه السابق ان يجعل بعضهم يخلف بعضا في الارض. ويرسل لكل امة من الامم النذر فينظر كيف يعملون. فمن كفر وبالله وبما جاءت به رسله فان كفره عليه وعليه اثمه وعقوبته ولا يحمل عنه احد ولا يزداد الكافر بكفره لمقت ربه له وبغضه اياه. واي عقوبة اعظم من مقت الرب الكريم اي يخسرون انفسهم واهليهم واعمالهم ومنازلهم في الجنة. فالكافر لا يزال في زيادة من الشقاء والخسران عند الله وعند خلقه والحرمان يقول تعالى معجزا لالهة المشركين ومبينا نقصها وبطلان شركهم من جميع الوجوه. قل يا ايها الرسول لهم ارأيتم اي اخبروني عن شركائكم؟ الذين تدعون من دون الله هل هم مستحقون للدعاء والعبادة؟ فاروني ماذا خلقوا من الارض؟ هل خلقوا بحرا؟ ام خلقوا جبالا؟ او خلقوا حيوانا او خلقوا جمادى سيقرون ان الخالق لجميع الاشياء هو الله تعالى. ام لشركائكم شركة في السماوات في خلقهما وتدبيرها يقولون ليس لهم شركة فاذا لم يخلقوا شيئا ولم يشاركوا الخالق في خلقه. فلم عبدتموهم ودعوتموهم مع اقراركم بعجز فانتفى الدليل العقلي على صحة عبادتهم. ودل على بطلانها. ثم ذكر الدليل السمعي وانه ايضا منتف. فلهذا قال اتيناهم كتابا بما كانوا به يشركون. يأمرهم بالشرك وعبادة الاوثان. فهم في شركهم على بينة من ذلك الكتاب الذي نزل عليهم في صحة الشرك ليس الامر كذلك فانهم ما نزل عليهم كتاب قبل القرآن. ولا جاءهم نذير قبل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ولو قدر نزول كتاب اليهم. وارسال رسول اليهم. وزعموا انه امرهم بشركهم. فانا نجزم بكذبهم. لان الله قال وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون. فالرسل والكتب كلها متفقة على الامر باخلاص الدين لله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء. فان قيل اذا كان الدليل العقلي والنقلي قد دل على بطلان الشرك فما الذي حمل المشركين على الشرك؟ وفيهم ذوو العقول والذكاء والفطنة؟ اجاب تعالى بقوله الظالمون بعضهم بعضا الا غرورا. اي ذلك الذي مشوا عليه ليس لهم فيه حجة. فانما ذلك وصية بعضهم لبعض به وتزيين بعضهم لبعض واقتداء المتأخر بالمتقدم الضال واماني من نهى الشيطان وزين لهم سوء اعمالهم مالهم فنشأت في قلوبهم وصارت صفة من صفاتها فعثر زوالها وتعسر انفصالها فحصل ما حصل من الاقامة على الكفر والشرك الباطل المضمحل ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا. ولان زالتا ان امسكهما من يخبر تعالى عن كمال قدرته وتمام رحمته وسعة حلمه ومغفرته. وانه تعالى يمسك السماوات والارض عن الزوال. فانهما لو زالتا ما امسكهما احد من الخلق. ولعد قدرهم وقواهم عنها. ولكنه تعالى قضى ان يكون كما وجد ليحصل للخلق القرار. والنفع والاعتبار وليعلموا من سلطانه وقوة قدرته. ما به تمتلئ قلوبهم له اجلالا وتعظيما. ومحبة وتكريما. وليعلموا كمال حلمه ومغفرته بامهال المذنبين وعدم معاجلته للعاصين. مع انه لو امر السماء لحصبتهم ولو اذن للارض لابتلعتهم ولكن وسعت ومغفرته وحلمه وكرمه انه كان حليما غفورا فلما ابائهم نذير ما زادهم الا نفورا. اي واقسم هؤلاء الذين كذبوك يا رسول الله من اجتهدوا فيه بالايمان الغليظة اي اهدى من اليهود والنصارى اهل الكتب. فلم يفوا بتلك الاقسامات والعهود. فلما جاءهم نذير لم يهتدوا ولم اهدى من احدى الامم بل لم يدوموا على ضلالهم الذي كان. بل ما زادهم ذلك الا نفورا. زيادة ضلال وبغي وعناد استكبارا في الارض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء الا باهله. فهل فهل ينظرون الا الاولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا وليس اقسامهم المذكور بقصد حسن وطلب للحق والا لوفقوا له. ولكنه صادر عن استكبار في الارض على الخلق على الحق وبهرجة في كلامهم هذا يريدون به المكر والخداع. وانهم اهل الحق الحريصون على طلبه فيغتر به المغترون ويمشي خلفهم المقتدون. ولا يحيق المكر السيء الذي مقصوده مقصود سيء. ومآله وما يرمي اليه سيء باطل الا باهله فمكرهم انما يعود عليهم. وقد ابان الله لعباده في هذه المقالات وتلك الاقسامات. انهم كذبة في ذلك مزولون فاستبان خزيهم وظهرت فضيحتهم وتبين قصدهم السيء فعاد مكرهم في نحورهم. ورد الله كيدهم في صدورهم فلم يبق لهم الا انتظار ما يحل بهم من العذاب الذي هو سنة الله في الاولين. التي لا تبدل ولا تغير. ان كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد ان يحل به نقمته. وتسلب عنه نعمته فليترقب هؤلاء ما فعل باولئك الم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا يحض تعالى على السير في الارض في القلوب القلوب والابدان للاعتبار لا لمجرد النظر والغفلة. وان ينظروا الى عاقبة الذين من قبلهم ممن كذبوا الرسل. وكانوا اكثر منهم اموالا واولادا واشد قوة. وعمروا الارض اكثر مما عمرها هؤلاء. فلما جاءهم العذاب لم تنفعهم قوتهم. ولم تغني عنهم اموالهم ولا اولادهم من الله شيئا. ونفذت فيهم قدرة الله ومشيئته لكمال علمه وقدرته ثم ذكر تعالى كمال حلمه وشدة امهاله وانظاره ارباب الجرائم والذنوب فقال ولكن يؤخرهم الى اجل اجلهم ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا من الذنوب ما ترك على ظهرها من دابة اي لاستوعبت العقوبة حتى الحيوانات غير المكلفة؟ ولكن يمهلهم تعالى ولا يهملهم ويؤخرهم الى اجل مسمى اجلهم فيجازيهم بحسب ما علمه منهم من خير وشر بسم الله الرحمن الرحيم. والقرآن الحكيم على صراط مستقيم هذا قسم من الله تعالى بالقرآن الحكيم. الذي وصفه الحكمة وهي وضع كل شيء موضعه. وضع الامر والنهي في الموضع اللائق بهما ووضع الجزاء بالخير والشر في محلهما اللائق بهما. فاحكامه الشرعية والجزائية كلها مشتملة على غاية الحكمة انك لمن المرسلين. هذا المقسم عليه وهو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. وانك من جملة سليم فلست ببدع من الرسل وايضا فجئت بما جاء به الرسل من الاصول الدينية. وايضا فمن تأمل احوال المرسلين واوصافهم عرف الفرق بينهم وبين غيرهم عرف انك من خيار المرسلين بما فيك من الصفات الكاملة والاخلاق الفاضلة ولا يخفى ما بين المقسم به وهو القرآن الحكيم وبين المقسم عليه. وهو رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الاتصال. وانه لو لم يكن لرسالته دليل كن ولا شاهد الا هذا القرآن الحكيم لكفى به دليلا وشاهدا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. بل القرآن العظيم اقوى الادلة متصلة المستمرة على رسالة الرسول. فادلة القرآن كلها ادلة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم اخبر باعظم اوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم الدالة على رسالته. وهو انه معتدل موصل الى الله والى دار كرامته. وذلك الصراط المستقيم. مشتمل على اعمال وهي الاعمال الصالحة. المصلحة للقلب والبدن والدنيا والاخرة والاخلاق الفاضلة. المزكية للنفس المطهرة للقلب المنمية للاجر. فهذا الصراط المستقيم الذي هو وصف الرسول صلى الله عليه وسلم. ووصف دينه الذي جاء به. فتأمل جلالة هذا القرآن الكريم. كيف جمع بين القسم باشرف على اجل مقسم عليه وخبر الله وحده كاف ولكنه تعالى اقام من الادلة الواضحة والبراهين الساطعة في هذا الموضع على صحة ما اقسم عليه. من رسالة رسوله ما نبهنا عليه. واشرنا اشارة لطيفة لسلوك طريقه. وهذا الصراط المستقيم فهو الذي انزل به كتابه وانزله طريقا لعباده موصلا لهم اليه فحماه بعزته عن التغيير والتبديل ورحم به عباده رحمة اتصلت بهم حتى اوصلتهم الى دار رحمته. ولهذا ختم الاية بهذين الاسمين العزيز الرحيم. فلما اقسم تعالى على رسالته واقام الادلة عليها ذكر شدة الحاجة اليها واقتضاء لها فقال وهم العرب الذين لم يزالوا خاليين من الكتب عادمين الرسل قد عمتهم الجهالة وغمرتهم الضلالة واضحكوا عليهم وعلى سفههم عقولا العالمين فارسل الله اليهم رسولا من انفسهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين فينذر العرب الاميين. ومن لحق بهم من كل امي. ويذكر اهل الكتب بما عندهم من الكتب. فنعمة الله به على العرب خصوصا وعلى غيرهم عموما. ولكن هؤلاء الذين بعثت فيهم لانذارهم بعدما انذرتهم انقسموا قسمين. قسم رد لما جئت به ولم يقبل النذارة وهم الذين قال الله فيهم. اين نفذ فيهم القضاء والمشيئة انهم لا يزالون في كفرهم وشركهم. وانما حق عليهم القول بعد ان عرض عليهم الحق فرفضوه. فحينئذ عوقب بالطبع على قلوبهم. وذكر الموانع من اصول الايمان لقلوبهم. فقال انا جعلنا في اعناقهم اغلالا وهي جمع غل والغل ما يغل به العنق فهو للعنق بمنزلة القيد للرجل. وهذه الاغلال التي في الاعناق عظيمة قد وصلت الى اتقانهم رؤوسهم الى فوق اي رافعوا رؤوسهم من شدة الغل الذي في اعناقهم فلا يستطيعون ان يخفضوها وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم له وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا اي حاجزا يحجزهم عن الايمان قد غمرهم الجهل والشقاء من جميع جوانبهم فلم تفد فيهم النذارة وكيف يؤمن من طبع على قلبه ورأى الحق باطلا الباطل حقا والقسم الثاني الذين قبلوا النذارة وقد ذكرهم بقوله ذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة. فبشره بمغفرة واجر انما تنذر اي انما تنفع نذارتك. ويتعظ بنصحك من اتبع الذكر. اي من قصده اتباع الحق وما ذكر وخشي الرحمن بالغيب. اي من اتصف بهذين الامرين القصد الحسن في طلب الحق وخشية الله تعالى. فهم الذين ينتفعون برسالتك ويزكون بتعليمك. وهذا الذي وفق لهذين الامرين فبشره بمغفرة لذنوبه واجر كريم لاعماله الصالحة ونيته الحسنة نحيي الموتى ونكتب ما قدموا واثارهم وكل شيء احصيناه في امام انا نحن نحيي الموتى اي نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الاعمال. ونكتب ما قدموا من الخير وهو اعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم. واثارهم وهي اثار الخير واثار الشر التي كانوا هم السبب في ايجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم. وتلك الاعمال التي نشأت من اقوالهم وافعالهم واحوالهم. فكل خير عمل به احد من الناس بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه. او امره بالمعروف او نهيه عن المنكر. او علم اودعه عند المتعلمين. او في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته او عمل خيرا من صلاة او زكاة او صدقة او احسان فاقتدى به غيره او عمل مسجدا او محلا من المحال التي يرتفق بها الناس وما اشبه ذلك فانها من اثاره التي تكتب له. وكذلك عمل الشر. ولهذا من سن سنة سنة فله اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة. ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة وهذا الموضع يبين لك علو مرتبة الدعوة الى الله. والهداية الى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل الى ذلك. ونزول درجة الى شر الامام فيه. وانه اسفل الخليقة واشدهم جرما واعظمهم اثما. وكل شيء من الاعمال والنيات وغيرها احصيناه في امام مبين اي كتاب هو ام الكتب واليه مرجع الكتب التي تكون الملائكة وهو اللوح المحفوظ. اي اضرب لهؤلاء المكذبين برسالتك الراضين لدعوتك. مثلا يعتبرون به ويكون لهم موعظة ان وفقوا للخير. وذلك المثل القرية وما جرى منهم من التكذيب لرسول الله وما جرى عليهم من عقوبته ونكاله. وتعيين تلك القرية لو كان فيه فائدة عينها الله فالتعرض لذلك وما اشبهه من باب التكلف والتكلم بلا علم. ولهذا اذا تكلم احد في مثل هذا تجد عنده من الخبط والخلف والاختلاف الذي لا يستقر له قرار. ما تعرف به ان طريق العلم الصحيح الوقوف مع الحقائق. وترك التعرض لما لا فائدة فيه. وبذلك تزكوا النفس ويزيد العلم من حيث يظن الجاهل ان زيادته بذكر الاقوال التي لا دليل عليها ولا حجة عليها ولا يحصل منها من فائدتي الا تشويش الذهن واعتياد الامور المشكوك فيها. والشاهد ان هذه القرية جعلها الله مثلا للمخاطبين. اذ جاءها المرسلون من الله تعالى يأمرونهم بعبادة الله وحده واخلاص الدين له وينهونهم عن الشرك والمعاصي ان فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا انا اليكم مرسلون. اذ ارسلنا اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث. اي قويناهما بثالث. فصاروا ثلاثة رسل. اعتناء من الله بهم واقامة للحجة زوال الرسل اليهم فقالوا لهم انا اليكم مرسلون. فاجابوهم بالجواب الذي ما زال مشهورا عند من رد دعوة الرسل ما انتم الا بشر مثلنا وما انزل الرحمن من شيء ان انتم الا تكذبون قالوا ما انتم الا بشر مثلنا. اي فما الذي فضلكم علينا وخصكم من دوننا؟ قالت الرسل لاممهم ان نحن الا بشر مثل ولكن الله يمن على من يشاء من عباده. وما انزل الرحمن من شيء اي انكروا عموم الرسالة ثم انكروا ايضا المخاطبين لهم فقالوا فقالت هؤلاء الرسل الثلاثة فلو كنا كاذبين لاظهر الله خزينا ولبادرنا بالعقوبة اي البلاغ المبين الذي يحصل به توضيح الامور المطلوب بيانها. وما عدا هذا من ايات الاقتراح ومن سرعة العذاب فليس الينا وانما وظيفتنا التي هي البلاغ المبين قمنا بها وبيناها لكم. فان اهتديتم فهو حظكم وتوفيقكم وان ضللتم فليس لنا من الامر شيء. فقال اصحاب القرية لرسولهم انا تطيرنا بكم اي لم نر على قدومكم علينا واتصالكم بنا الا الشر. وهذا من اعجب العجائب. ان يجعل من قدم عليهم باجل نعمة ينعم الله بها على العباد. واجل كرامة يكرمهم بها وضرورتهم اليها فوق كل ضرورة. قد قدم بحالة شر. زادت على الشر الذي هم عليه. واستشأموا بها. ولكن وعدم التوفيق يصنع بصاحبه اعظم مما يصنع به عدوه. ثم توعدوهم فقالوا انكم وليمسنكم منا عذاب اليم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم اي نقتلنكم رجما بالحجارة اشنع القتلات. فقالت لهم رسلهم طائركم معكم وهو ما معهم من الشرك والشر. المقتضي لوقوع المكروه والنقمة وارتفاع المحبوب والنعمة. اان ذكرتم اي بسبب ان ذكرناكم ما فيه صلاحكم وحظكم. قلتم لنا ما قلتم. متجاوزون للحد متجرهمون في قولكم فلم يزدهم دعاؤهم الا نفورا واستكبارا. وجاء من اقصى المدينة رجل وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى حرصا على نصح قومه حين سمع ما دعت اليه فيه الرسل وامن به وعلم ما رد به قومه عليهم فقال لهم فامرهم باتباعهم نصحهم على ذلك وشهد لهم بالرسالة ثم ذكر تأييدا لما شهد به ودعا اليه فقال اتبعوا من لا يسألكم اجرا. اي اتبعوا من نصحكم نصحا يعود اليكم بالخير. وليس يريد منكم اموالكم ولا اجرا على نصحه لكم وارشاده اياكم. فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه. بقي ان يقال فلعله يدعو ولا يأخذ اجرة ولكنه ليس على الحق. فدفع هذا الاحتراز بقوله. لانهم لا يدعون الا لما يشهد العقل الصحيح وبحسنه ولا ينهون الا بما يشهد العقل الصحيح بقبحه. فكأن قومه لم يقبلوا نصحه. بل عادوا نائمين له على اتباع الرسل. واخلاص الصديق لله وحده فقال ايوه ما المانع لي من ابادة من هو المستحق للعبادة. لانه الذي فطرني وخلقني ورزقني. واليه مآل جميع الخلق. فيجازيهم باعمالهم الذي بيده الخلق والرزق والحكم بين العباد في الدنيا والاخرة. هو الذي يستحق ان يعبد ويثنى عليه ويمجد. دون من لا يملك نفعا ولا ضرا ولا عطاء ولا منعا ولا حياة ولا موتا ولا نشورا. ولهذا قال لان انه لا احد يشفع عند الله الا باذنه. فلا تغني شفاعتهم عني شيئا. ولا هم ينقذون من الضر الذي اراده الله بي. اني اذا اي ان عبدت الهة هذا وصفها. فجمع في هذا الكلام بين نصحهم والشهادة للرسل رسالة والاهتداء والاخبار بتعين عبادة الله وحده. وذكر الادلة عليها وان عبادة غيره باطلة. وذكر البراهين عليها والاخبار بضلال من عبدها. والاعلان بايمانه جهرا. مع خوفه الشديد من قتلهم. فقال بربكم فاسمعون. فقتله قومه لما سمعوا منه وراجعهم بما راجعهم به. فقيل له في الحال قيل ادخلوا الجنة قال يا ليت قومي يعلمون. ادخل الجنة. فقال مخبرا بما وصل اليه من الكرامة الى توحيده واخلاصه وناصحا لقومه بعد وفاته. كما نصح لهم في حياته. يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي بما غفر لي ربي اي باي شيء غفر لي فازال عني انواع العقوبات. بانواع المثوبات والمسرات. اي لو وصل علم ذلك الى قلوبهم لم يقيموا على شركهم