المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون يخبر تعالى ان قلوب المكذبين في غمرة من هذا اي وسط غمرة من الجهل والظلم والغفلة والاعراض تمنعهم من الوصول قولي الى هذا القرآن فلا يهتدون به ولا يصل الى قلوبهم منه شيء. واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا واجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي اذانهم واقرا. فلما كانت قلوبهم في غمرة منه عملوا بحسب هذا الحال من الاعمال الكفرية والمعاندة للشرع ما هو موجب لعقابهم ولكن لهم اعمال من دون هذه الاعمال هم لها عاملون. اي فلا يستغرب عدم وقوع العذاب فيهم. فان الله يمهلهم ليعملوا هذه الاعمال. التي بقيت عليهم مما كتب عليهم فاذا عملوها واستوفوها انتقلوا بشر حالة الى غضب الله وعقابه حتى اذا اخذنا مترفيهم اي متنعميهم الذين ما اعتادوا الا الترف والرفاهية والنعيم ولم تحصل لهم المكاره فاذا اخذناهم بالعذاب ووجدوا مسه اذا هم يجأرون يصرخون ويتوجعون لانه اصاب امر خالف ما هم عليه ويستغيثون فيقال لهم واذا لم تأتيهم النصرة من الله وانقطع عنهم الغوث من جانبه. لم يستطيعوا نصر انفسهم ولم ينصرهم احد. فكانه وقيل ما السبب الذي اوصلهم الى هذه الحال؟ قال قد كانت اياتي تتلى عليكم لتؤمنوا بها وتقبلوا عليها فلم تفعلوا ذلك. بل كنتم هم على اعقابكم تنكصون. اي راجعين القهقرة الى الخلف. وذلك لان باتباعهم القرآن يتقدمون. وبالاعراض عنه يستأخرون وينزلون الى اسفل سافلين. مستكبرين به سامرا تهجرون قال المفسرون مستكبرين به الضمير يعود الى البيت. المعهود عند المخاطبين او الحرم. اي متكبرين على الناس بسببه. تقول يقولون نحن اهل الحرم فنحن افضل من غيرنا واعلى سامرا اي جماعة يتحدثون بالليل حول البيت تهجرون اي يقولون الكلام الهجر الذي هو القبيح في هذا القرآن. فالمكذبون كانت طريقتهم في القرآن الاعراض عنه ويوصي بعضهم بعضا بذلك. وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه. لعلكم تغلبون. وقال الله عنهم افمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وانتم سامدون؟ ام يقولون تقولا؟ فلما كانوا جامعين لهذه الرذائل لا جرم عليهم العقوبة ولما وقعوا فيها لم يكن لهم ناصر ينصرهم ولا مغيث ينقذهم. ويوبخون عند ذلك بهذه الاعمال السابقة ساقطة اي افلا يتفكرون في القرآن ويتأملونه ويتدبرونه؟ اي فانهم لو تدبروه لاوجب لهم الايمان ولمنعهم من الكفر ولكن المصيبة التي اصابتهم بسبب اعراضهم عنه. ودل هذا على ان تدبر القرآن يدعوهم الى كل خير. ويعصم من كل شر. والذي منعه من تدبره ان على قلوبهم اقفالها اي او منعهم من الايمان انه جاءهم رسول وكتاب ما جاء اباءهم الاولين. فرضوا بسلوك طريق ابائهم الضالين كلما خالف ذلك. ولهذا قالوا هم ومن اشبههم من الكفار. ما اخبر الله عنهم. وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون فاجابهم بقوله قال اولو جئتكم باهدى مما اوجدتم عليه اباءكم فهل تتبعون ان كان قصدكم الحق؟ فاجابوا بحقيقة امرهم. قالوا انا بما ارسلتم به كافرون وقوله اي او منعهم من اتباع الحق ان رسولهم محمدا صلى الله عليه وسلم. غير معروف عندهم فهم منكرون له. يقولون لا نعرفه. ولا نعرف صدقه. دعونا حتى ننظر ونسأل عنه من له به خبرة. اي لم يكن الامر كذلك فانهم يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة تامة. صغيرهم وكبيرهم يعرفون منه كل خلق جميل ويعرفون صدقه وامانته. حتى كانوا يسمونه قبل البعثة الامين. فلما لا يصدقونه حين جاءهم بالحق العظيم والصدق المبين اكثرهم للحق كارهون. ام يقولون به جنة؟ اي جنون فلهذا قال ما قال. والمجنون غير مسموع منه ولا عبرة بكلامه لانه يهذي بالباطل والكلام السخيف. قال الله في الرد عليهم في هذه المقالة بل جاءهم بالحق اي بالامر الثابت الذي هو صدق وعدل لا اختلاف فيه ولا تناقض. فكيف يكون من جاء به به جنة؟ وهل لا يكون الا في اعلى درج الكمال؟ من العلم والعقل الاخلاق وايضا فان في هذا الانتقال مما تقدم. اي بل الحقيقة التي منعتهم من الايمان انه جاءهم بالحق. واكثرهم للحق كارهون. واعظم الحق الذي جاءهم به اخلاص العبادة لله وحده. وترك ما يعبد من دون الله. وقد علم كراهتهم لهذا الامر وتعجبهم منه فكون الرسول اتى بالحق. وكونهم كارهين للحق بالاصل. هو الذي اوجب لهم التكذيب بالحق. لا شكا ولا تكذيب بل للرسول كما قال الله تعالى فانهم لا يكذبونك. ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. فان قيل لم لم يكن الحق موافقا لاهوائهم. لاجل ان يؤمنوا ويسرعوا الانقياد. اجاب تعالى بقوله اباءهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن. ووجه ذلك ان اهواءه متعلقة بالظلم والكفر والفساد من الاخلاق والاعمال. فلو تبع الحق اهواءهم لفسدت السماوات والارض. لفساد التصرف والتدبير المبني على الظلم وعدم العدل فالسماوات والارض ما استقامتا الا بالحق والعدل بل اتيناهم بذكرهم اي بهذا القرآن المذكر لهم بكل خير. الذي به فخرهم وشرفهم حين يقومون به ويكونون به سادة الناس. شقاوة منهم وعدم توفيق نسوا الله فنسيهم. نسوا الله فانساهم انفسهم. فالقرآن ومن جاء به اعظم نعمة ساقها الله اليهم فلم يقابلوها الا بالرد والاعراض. فهل بعد هذا الحرمان حرمان؟ وهل يكون وراءه الا نهاية الخسران اي او منعهم من اتباعك يا محمد انك تسألهم على الاجابة اجرا فهم من مغرم مثقلون. يتكلفون من اتباعك بسبب ما تأخذ منه من الاجر والخراج. ليس الامر وكذلك وهذا كما قال الانبياء لاممهم يا قومي لا اسألكم عليه اجرا. ان اجري الا على الله. اي ليسوا يدعون الخلق طمعا فيما يصيبهم منهم من الاموال. وانما يدعون نصحا لهم وتحصينا لمصالحهم. بل كان الرسل انصح للخلق من انفسهم. فجزاهم الله عن اممهم خير الجزاء. ورزقنا الاقتداء بهم في جميع احوال ذكر الله تعالى في هذه الايات الكريمات كل سبب موجب للايمان. وذكر الموانع وبين فسادها واحدا بعد واحد. فذكر من الموانع ان قلوبهم في غمرة. وانهم لم يتدبروا القول. وانهم اقتدوا بابائهم وانهم قالوا برسولهم جنة كما تقدم الكلام عليها. وذكر من الامور الموجبة لايمانهم تدبر القرآن. وتلقي نعمة الله القبول ومعرفة حال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وكمال صدقه وامانته. وانه لا يسألهم عليه اجرا. وانما سعيه ولنفعهم ومصلحتهم. وان الذي يدعوهم اليه صراط مستقيم. سهل على العاملين لاستقامته. موصل الى المقصود. من قرب حنيفية سمحة حنيفية في التوحيد سمحة في العمل. فدعوتك اياهم الى الصراط المستقيم. موجب لمن يريد الحق ان يتبعك. لانه من ما تشهد العقول والفطر بحسنه وموافقته للمصالح. فاين يذهبون ان لم يتابعوك؟ فانهم ليس عندهم ما يغنيهم ويكفيهم عن متابعته لانهم عن الصراط لناكبون. متجنبون منحرفون عن الطريق الموصل الى الله والى دار كرامته ليس في ايديهم الا ضلالات وجهالات. وهكذا كل من خالف الحق لابد ان يكون منحرفا في جميع اموره. قال الله تعالى فان لم يستجيبوا لك فاعلم ان ما يتبعون اهواءهم ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله يعمهون. هذا بيان لشدة تمردهم وعنادهم وانهم اذا اصابهم الضر دعوا الله ان يكشف عنهم ليؤمنوا او ابتلاهم بذلك ليرجعوا اليه. ان الله اذا كشف الضر عنهم لذة اي استمروا في طغيانهم يعمهون. اي يجولون في كفرهم حائرين مترددين. كما ذكر الله حالهم عند ركوب الفلك وانهم يدعونه مخلصين له الدين. وينسون ما يشركون به. فلما انجاهم اذا هم يبغون في الارض بالشرك وغيره ولقد اخذناهم بالعذاب. قال المفسرون المراد بذلك الجوع الذي اصابهم سبع سنين. وان الله ابتلاهم بذلك ليرجعوا اليه بالذل والاستسلام. فلم ينجح فيهم ولا نجح منهم احد. فما استكانوا لربهم اي خضعوا وذلوا وما يتضرعون اليه ويفتقرون. بل مر عليهم ذلك ثم زال كأنه لم يصبهم. لم يزالوا في غيهم وكفرهم. ولكن العذاب الذي لا يرد وهو قوله حتى اذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد. كالقتل يوم بدر وغيره ايسونا من كل خير قد حضرهم الشر واسبابه فليحذروا قبل نزول عذاب الله الشديد الذي لا يرد بخلاف مجرد العذاب فانه ربما اقلع عنهم كالعقوبات الدنيوية التي يؤدب الله بها عبادة. قال الله تعالى فيها ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس. ليذيقهم بعض الذي عملوا. لعل انهم يرجعون يخبر تعالى بمننه على عباده الداعية لهم الى شكره والقيام بحقه. فقال وهو الذي انشأ لكم السمع لتدركوا به المسموعات فتنتفعوا في دينكم ودنياكم والابصار لتدركوا بها المبصرات فتنتفعوا بها في مصالحكم ايه ده؟ اي العقول التي تدركون بها الاشياء؟ وتتميزون بها عن البهائم. فلو عدمتم السمع والابصار والعقول. لان كنتم صم عميا بكما. ماذا تكون حالكم؟ وماذا تفقدون من ضرورياتكم وكمالكم؟ افلا تشكرون الذي من عليكم بهذه النعم فتقومون بتوحيده وطاعته. ولكنكم قليل شكركم مع توالي النعم عليكم وهو تعالى الذي ذرعكم في الارض اي بثكم في اقطارها وجهاتها وسلطكم على استخراج لمصالحها ومنافعها وجعلها كافية لمعايشكم ومساكنكم. واليه تحشرون بعد فيجازيكم بما عملتم في الارض من خير وشر. وتحدث الارض التي كنتم فيها باخبارها وهو تعالى وحده الذي يحيي ويميت. اي المتصرف في الحياة والموت هو الله وحده الليل والنهار. افلا تعقلون. وله اختلاف الليل والنهار. اي عقبهما وتناوبهما. فلو شاء ان يجعل النهار سرمدا. من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه. ولو شاء ان جعل الليل سرمدا من اله غير الله يأتيكم بضياء. افلا تبصرون؟ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ابتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. ولهذا قال هنا فتعرفون ان الذي وهب لكم من النعم السمع والابصار والافئدة. والذين نشركم في الارض وحده. والذي يحيي ويميت وحده. والذي يتصرف بالليل والنهار وحده ان ذلك موجب لكم ان تخلصوا له العبادة وحده لا شريك له. وتتركوا عبادة من لا ينفع ولا يضر. ولا يتصرف بشيء هل هو عاجز من كل وجه؟ فلو كان لكم عقل لم تفعلوا ذلك. بل قالوا مثلما قال الاولون. اي بل سلكها هؤلاء المكذبون مسلك الاولين من المكذبين بالبعث. واستبعدوه غاية الاستبعاد وقالوا اي هذا لا يتصور ولا يدخل عقل بزعمهم لقد وعدنا نحن واباءنا هذا من قبل ان هذا الا اساطير لقد وعدنا نحن واباؤنا هذا من قبل. اي ما زلنا نوعد بان البعث كائن. نحن واباؤنا ولم نرحم ولم يأتي بعد ان هذا الا اساطير الاولين. اي قصصهم واسمارهم التي يتحدث بها وتلهى. والا فليس لها حقيقة وكذبوا قبحهم الله فان الله اراهم من اياته اكبر من البعث. ومثله لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس قام لنا مثلا ونسي خلقه. قال من يحيي العظام وهي رميم؟ وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت