المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يخبر تعالى عن هول يوم القيامة وما في ذلك اليوم من المزعجات والمقلقات وانه اذا نفخ في الصور نفخة البعث. فحشر الناس اجمعون لميقات يوم معلوم. انه يصيبهم من الهول ما ينسيهم انسابهم. التي هي اقوى اسباب فغير الانساب من باب اولى. وانه لا يسأل احد احدا عن حاله لاشتغاله بنفسه. فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة فبعدها او يشقى شقاوة لا سعادة بعدها. قال الله تعالى يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. وفي القيامة مواضع يشتد كربها ويعظم وقعها. كالميزان الذي يميز به اعمال العبد وينظر فيه بالعدل ما له وما عليه. وتبين فيه مثاقيل الذر من الخير والشر موازينه فاولئك هم المفلحون. فمن ثقلت موازينه بان رجحت حسناته على سيئاته فاولئك هم المفلحون. لنجاتهم من النار واستحقاقهم الجنة. وفوزهم بالثناء ومن خفت موازينه بان رجحت سيئاته على حسناته واحاطت به خطيئاته فاولئك الذين خسروا انفسهم كل خسارة غير هذه الخسارة. فانها بالنسبة اليها سهلة. ولكن هذه خسارة صعبة لا يجبر مصابها ولا يستدرك فائتها خسارة ابدية وشقاوة سرمدية قد خسر نفسه الشريفة التي يتمكن بها من السعادة ابدية ففوتها هذا النعيم المقيم في جوار الرب الكريم. ليخرجون منها ابد الابدين. وهذا الوعيد انما هو كما ذكرنا لمن احاطت خطيئاته بحسناته. ولا يكون ذلك الا كافرا على هذا لا يحاسب محاسبة من توزن حسناته وسيئاته. فانهم ليس لهم حسنات ولكن تعد اعمالهم وتحصى. فيوقف عليها ويقررون بها ويخزون بها. واما من معه اصل الايمان. ولكن عظمت سيئاته. فرجحت على حسناته. فان انه وان دخل النار لا يخلد فيها كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة. ثم ذكر تعالى سوء مصير الكافرين فقال تلفح وجوههم النار اي تغشاهم من جميع جوانبهم حتى تصيب اعضائهم الشريفة ويتقطع لهبها عن وجوههم قد عبست وجوههم وقلصت شفاههم من شدة ما هم فيه وعظيم ما يلقونه فيقال لهم توبيخا ولوما الم تكن اياتي تتلى عليكم؟ تدعون بها لتؤمنوا وتعرض عليكم لتنظروا فكن قمتم بها تكذبون ظلما منكم وعنادا. وهي ايات بينات دالات على الحق والباطل. مبينات للمحق والمبطل. فحين ان اقروا بظلمهم حيث لا ينفع الاقرار قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا اي غلبت علينا شقاوة الناشئة عن الظلم والاعراض عن الحق. والاقبال على ما يضر وترك ما ينفع وكنا قوما ضالين في عملهم. وان كانوا يدرون انهم ظالمون. اي فعلنا في الدنيا فعل التائه الضال السفيه كما قالوا في الاية الاخرى وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير اخرجنا منا فان عدنا فانا ظالمون. وهم كاذبون في وعدهم هذا فانهم كما قال تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. ولم يبق الله لهم حجة بل قطع اعذارهم عمرهم في الدنيا ما يتذكر فيه من تذكر. ويرتدع فيه المجرم. فقال الله جوابا لسؤالهم فيها ولا تكلمون. اخسئوا فيها ولا تكلمون. وهذا القول نسأله تعالى العافية. اعظم قول على الاطلاق يسمعه المجرمون في التخييب والتوبيخ والذل والخسار. والتأييس من كل خير والبشرى بكل شر. وهذا الكلام والغضب من الرب الرحيم اشد عليهم وابلغ في نكايتهم من عذاب الجحيم. ثم ذكر الحالة التي اوصلتهم الى العذاب وقطعت عنهم الرحمة فقال فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الراحمين. فجمعوا بين الايمان المقتضي لاعماله الصالحة. والدعاء لربهم بالمغفرة والرحمة. والتوسل اليه عبوبيته ومنته عليهم بالايمان والاخبار بسعة رحمته وعموم احسانه وفي ضمنه ما يدل على خضوعهم وخشوعهم وانكسارهم لربهم وخوفهم ورجائهم. فهؤلاء سادات الناس وفضلاؤهم وكنتم منهم تضحكون فاتخذتموهم ايها الكفرة الانذال ناقص العقول والاحلام سخريا تهزؤون بهم وتحتقرونهم حتى اشتغلتم بذلك السفر حتى انسوكم ذكري. وهذا الذي اوجب لهم نسيان الذكر اشتغالهم بالاستهزاء بهم. كما ان نسيانهم للذكر يحثهم على الاستهزاء. فكل من الامرين يمد الاخر. فهل فوق هذه الجرائم جراءة اني جزيتهم اليوم بما صبروا على طاعتي وعلى اذاكم حتى وصلوا الي انهم هم الفائزون بالنعيم المقيم والنجاة من الجحيم. كما قال في الاية الاخرى فاليوم الذين امنوا من الكفار يضحكون قال لهم على وجه اللوم وانهم سفهاء الاحلام حيث اكتسبوا في هذه المدة سيرة كل شر اوصلهم الى غضبه وعقوبته. ولم يكتسبوا ما اكتسبه المؤمنون من الخير. الذي يوصلهم الى السعادة الدائمة ورضوان لربهم كم لبثتم في الارض عدد سنين قالوا لبثنا يوما او بعض يوم. كلامهم هذا مبني على استقصارهم جدا مدة مكثهم في الدنيا وافاد ذلك لكنه لا يفيد مقداره ولا يعينه. فلهذا قال اي الضابطين لعدده. واما هم ففي شغل شاغل وعذاب مذهل عن معرفة عدده فقال لهم ان لبثتم الا قليلا سواء عينتم عدده ام لا لو انكم كنتم تعلمون. افحسبتم انكم انما خلقناكم عبسا وانكم الينا لا ترجعون قال الله اي افحسبتم ايها الخلق انما خلقناكم عبثا اي سدى وباطلا تأكلون وتشربون وتتمتعون بلذات الدنيا ونترككم لا نأمركم ولا ننهاكم ولا نثيبكم ولا نعاقبكم. ولهذا قال انكم الينا لا ترجعون. لا يخطر هذا ببالكم. فتعالى الله. اي تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل. الذي يرجع الى القدح في بحكمته الا هو لا اله الا هو رب العرش الكريم. فكونه ملك للخلق كلهم حقا في صدقه ووعده ووعيده. مألوها معبودا لما له من الكمال. رب العرش العظيم. فما دونه من باب اولى يمنع ان يخلقكم عبثا فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون. ايوه من دعا مع الله الهة غيرة بلا بينة من امره ولا برهان يدل على ما ذهب اليه. وهذا قيد ملازم. فكل من دعا غير الله فليس له برهان على ذلك. بل دلت البراهين على بطلان ما ذهب اليه. فاعرض عنها ظلما وعنادا. فهذا سيقدم على ربه فيجازيه في اعماله ولا ينيله من الفلاح شيئا لانه كافر فكفرهم منعهم من الفلاح وقل داعيا لربك مخلصا له الدين. رب اغفر لنا حتى تنجينا من المكروه. وارحمنا لتوصلنا برحمتك الى كل خير وانت خير الراحمين. فكل راحم للعبد فالله خير له منه. ارحم بعبده من الوالدة بولدها وارحم به من نفسه