علمه وكملت رحمته وكمل بيانه. فليس بعد بيانه بيان. ليهلك بعد ذلك من هلك عن بينة. ويحيى من حي عن والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. والله يهدي من يشاء المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ان الله على كل شيء ينبه عباده على ما يشاهدونه انه خلق جميع الدوابل التي على وجه الارض من ماء اي مادتها كلها الماء كما قال تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي. فالحيوانات التي تتوالد مادتها ماء نطفة. حين يلقح الذكر الانثى الحيوانات التي تتولد من الارض لا تتولد الا من الرطوبات المائية. كالحشرات لا يوجد منها شيء يتولد من غير ماء ابدا مادة واحدة ولكن الخلقة مختلفة من وجوه كثيرة يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على اربع. فمنهم من يمشي على بطنه كالحية ونحوها منهم من يمشي على رجلين كالادميين وكثير من الطيور. ومنهم من يمشي على اربع كبهيمة الانعام ونحوها. فاختلافها مع ان الاصل واحد يدل على نفوذ مشيئة الله وعموم قدرته. ولهذا قال آآ اي من المخلوقات على ما يشاؤه من الصفات كما انزل المطر على الارض وهو لقاح واحد والام واحدة وهي الارض والاولاد مختلف الاصناف والاوصاف وفي الارض قطع متجاورة وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان. يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل ان في ذلك لايات لقوم يعقلون اي لقد رحمنا عبادنا وانزلنا اليهم ايات بينات اي واضحات الدلالة على جميع المقاصد الشرعية والاداب المحمودة والمعارف الرشيدة. فاتضحت بذلك السبل. وتبين من الغيب والهدى من الضلال. فلم يبق ادنى شبهة لمبطل يتعلق بها. ولا ادنى اشكال لمريدي الصواب. لانها تنزيل من كمل ممن سبقت لهم سابقة حسنى وقدم الصدق. اي طريق واضح مختصر اليك والى دار كرامته. متضمن العلم بالحق وايثاره والعمل به. عمم البيان التام لجميع الخلق. وخصص بالهداية من يشاء فهذا فضله واحسانه. وما فضل الكريم بممنون؟ وذاك عدله وقطع الحجة للمحتج. والله اعلم حيث يجعل مواقع احسانه ويقولون امنا بالله وبالرسول واطعنا ثم يتولى فريق منهم يخبر تعالى عن حالة الظالمين ممن في قلبه مرض وضعف ايمان او نفاق وريب وضعف علم. انهم يقولون بالسنتهم ويلتزمون الايمان بالله والطاعة. ثم لا يقومون بما قالوا ويتولى فريق منهم عن الطاعة توليا عظيما. بدليل قوله وهم معرضون. فان المتولي قد يكون له نية عود ورجوع الى ما تولى عنه وهذا المتولي معرض لا التفات له ولا نظر لما تولى عنه. وتجد هذه الحالة مطابقة لحال كثير ممن دع الايمان والطاعة لله. وهو ضعيف الايمان. تجده لا يقوم بكثير من العبادات. خصوصا العبادات التي تشق على كثير من النفوس كالزكوات والنفقات الواجبة والمستحبة والجهاد في سبيل الله ونحو ذلك واذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم اي اذا صار بينهم وبين احد حكومة وادعوا الى حكم الله ورسوله. يريدون احكام الجاهلية ويفضلون احكام القوانين غير الشرعية على الاحكام الشرعية. لعلمهم ان الحق عليهم. وان الشرع لا يحكم الا بما يطالب الواقع وان يكن لهم الحق يأتوا اليهم وان يكن لهم الحق يأتوا اليه اي الى حكم شرع مذعنين وليس ذلك لاجل انه حكم شرعي. وانما ذلك لاجل موافقته اهواءهم. فليسوا ممدوحين في هذه الحال او اتوا اليه مذعنين لان العبد حقيقة من يتبع الحق فيما يحب ويكره وفيما يسره ويحزنه. واما الذي يتبع الشرع عند موافقته في هواه وينبذه عند مخالفته. ويقدم الهوى على الشرع. فليس بعبد على الحقيقة. قال الله في لومهم على الاعراض عن الحكم الشرعي افي قلوبهم مرض اي علة اخرجت القلب عن صحته وازالت حاست فصار بمنزلة المريض الذي يعرض عما ينفعه ويقبل على ما يضره. ام ارتابوا اي شكوا وقلقت قلوبهم من حكم الله ورسوله واتهموه انه لا يحكم بالحق اولئك هم الظالمون. ام يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله ان يحكموا عليهم حكما ظالما جائرا وانما هذا وصفهم واما حكم الله ورسوله ففي غاية العدالة والقسط وموافقة الحكمة. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وفي هذه الايات دليل على ان الايمان ليس هو مجرد القول حتى يقترن به العمل. ولهذا نفى الايمان عمن تولى عن الطاعة ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال. وان من ينقد انه دل على مرض في قلبه وريب في ايمانه وانه يحرم اساءة الظن باحكام الشريعة. وان يظن بها خلاف العدل والحكمة. ولما حالة المعرضين عن الحكم الشرعي ذكر حالة المؤمنين الممدوحين فقال الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا ان يقولوا سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون. اي انما كان قول المؤمنين حقيقة. الذين صدقوا ايمانهم مالهم حين يدعون الى الله ورسوله ليحكم بينهم سواء وافق اهواءهم او خالفها ان يقولوا سمعنا واطعنا اي سمعنا حكم الله ورسوله. واجبنا من دعانا اليه واطعنا طاعة تامة سالمة من الحرج هم المفلحون. حصر الفلاح فيهم لان الفلاح الفوز بالمطلوب والنجاة من المكروه ولا يفلح الا من حكم الله ورسوله واطاع الله ورسوله. ولما ذكر فضل الطاعة في الحكم خصوصا ذكر فضلها عموم في جميع الاحوال فقال ومن يطع الله ورسوله فيصدق خبرهما يمتثل امرهما ويخشى الله اي يخافه خوفا مقرونا بمعرفة فيترك ما نهى عنه ويكف نفسه عما تهوى ولهذا قال ويتقه بترك المحظور. لان التقوى عند الاطلاق يدخل فيها فعل المأمور وترك المنهي عنه. وعند اقترانها البر او الطاعة كما في هذا الموضع تفسر بتوقي عذاب الله ترك معاصيه فاولئك الذين جمعوا بين طاعة الله وطاعة رسوله وخشية الله وتقواه هم الفائزون بنجاتهم من العذاب لتركهم اسبابه ووصولهم الى الثواب لفعلهم اسبابه. فالفوز محصور فيهم. واما من لم يتصف بوصفهم فانه يفوته من الفوز بحسب ما قصر عنه من هذه الاوصاف الحميدة. واشتملت هذه الاية على الحق المشترك بين الله وبين رسوله وهو الطاعة المستلزمة للايمان والحق المختص بالله وهو الخشية والتقوى. وبقي الحق الثالث المختص بالرسول وهو التعزير والتوقير كما جمع بين الحقوق الثلاثة في سورة الفتح في قوله لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتسبحوه بكرة واصيلا