المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الثاني والعشرون بان النظم الاسلامية فيها صلاح الاحوال كلها. من اكبر الاغلاط واعظم الاخطاء تمداد الحكومات الاسلامية والافراد نظمهم وقوانينهم المتنوعة من النظم الاجنبية. وهي في غاية الخلل والنقص وتركهم لاستمداد من دينهم. وفيه الكمال والتكميل هو دفع الشر والفساد ما بقي من الاسلام الا اسمه ورسمه. نتسمى باننا مسلمون ونترك مقومات ديننا واسسه واعماله. ونذهب تستمدها من الاجانب. سبب ذلك الجهل الكبير بالدين واحسان الظن بالاجانب. ومشاهدة ما عليه المسلمون الان من الاختلال والضعف في جميع مواد حياتي الروحية والمادية نشأ عن ذلك كله توجيه الوجوه الى الاستمداد من الاجانب. فلم نزد بذلك الا ضعفا وخللا وفسادا وضررا والا فلو علمنا حق العلم ان في ديننا ما تشتهيه الانفس تمتد اليه الاعناق من المبادئ الراقية والاخلاق العالية والنظم العادلة والاسس الكاملة لعلمنا ان البشر كلهم مفتقرون غاية الافتقار الى ان يأوا الى ظله الظليل الواقي من الشر الطويل. فاي مبدأ واصل وعمل نافع للبشر الا ودين الاسلام قد تكفل به كفالة المليء القادر على تيسير الحياة التامة على قواعده واسسه. وفيه حل المشكلات الحربية الاقتصادية وجميع مشاكل الحياة التي لا تعيش الامم عيشة سعيدة بدون حلها. اليست عقائده اصح العقائد واصلحها للقلوب ولا تصلح القلوب الا بها. فهل اصح وانفع واعظم براهين من الاعتقاد اليقيني الصحيح. وان نعلم علما يقينيا ان لنا ربا عظيما. تتضاءل عظمة المخلوقات كلها في عظمته وكبريائه. له الاسماء الحسنى والصفات العليا قدير على كل شيء عليم بكل شيء لا يعجزه شيء ولا تخفى عليه خافية في الارض ولا في سماء رحيم وسعت رحمته كل شيء وملأ جوده اقطار العالم العلوي يسلي. حكيم في كل ما خلقه وفي كل ما شرعه. قد احسن ما خلق واحكم ما شرعه يجيب الداعين ويفرج كرب المكروبين ويكشف هم المهمومين. ومن توكل عليه كفاه ومن اناب اليه وتقرب اليه قربه واذله ومن اوى اليه او اه لا يأتي بالخير والحسنات الا هو ولا يكشف السوء والضر الا هو. يتودد الى عباده بكل طريق ويهديهم اليه كل لا سبيل لا يخرج عن خيره وكرامته وجوده الا المتمردون. فهل تصح القلوب والارواح الا بالتأله والتعبد لمن هذا شأنه؟ فمن يشارك الله في شيء من هذه الشؤون التي يختص بها. كذلك الاخلاق لا يهدي هذا الدين الا لاحسنها. فهل ترى من خلة كمال الا امر بها ولا خصلة نفع الا حث عليها ولا خير الا دل عليه ولا شر الا حذر منه. اما حث على الصدق والعدل في الاقوال والافعال؟ اما امر بالاخلاص لله في بكل الاحوال اما حث على الاحسان المتنوع لاصناف المخلوقات؟ اما امر بنصر المظلومين واغاثة الملهوفين وازالة الضر عن المضطرين اما رغب في حسن الخلق في كل طريق؟ مع القريب والبعيد والعدو والصديق. فقال ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. اما نهى عن الكذب والفحش والخيانات وحث على رعاية الشهادات والامانات. اما حذر من ظلم الناس في الدماء والاموات الاموال والاعراض فما من خلق فاضل الا امر به ولا خلق رذيل ساقط الا نهى عنه. ولذلك كانت القاعدة الكبرى لهذا الدين رعاية مصالح كلها ودفع المفاسد. ثم اذا نظرنا مسايرته للحياة ومجاراة الامم. فاذا فيه جميع النظم النافعة والنظم الواقية. اليس فيه الامر طلب الارزاق من جميع طرقها النافعة المباحة من تجارات وصناعات وزراعات واعمال متنوعة. فلم يمنع سببا من الاسباب النافعة بوجهه ان من الوجوه انما منع المعاملات الضارة هي التي تحتوي على ظلم او ضرر او قمار ومن محاسنه تحريمه هذه الانواع التي لا تخفى مفاسدها اضرارها اليس فيه الامر باخذ الحذر من الاعداء وتوقي شرورهم بكل وسيلة اليس فيه الامر باعداد العدة للاعداء بحسب الزمان والمكان والاستطاعة اليس يحث على الاجتماع والائتلاف الذي هو الركن الاصيل للتعاون والتكافل على المصالح ومنافع الدين والدنيا والنهي عما يضاده من الافتراق اليس فيه تعيين القيام بما بانت مصلحته وظهرت منفعته الامر بالمشاورة فيما تشابهت فيه المسالك؟ اليس فيه الارشاد في جميع طرق العدل المتنوعة والحث على تنفيذها في حق جميع الخلق اليس فيه الحث على وفاء العقود والعهود والمعاملات الكبيرة والصغيرة التي بها قوام العباد اليس فيه الاخذ على ايدي السفهاء والمجرمين بحسب ما يناسب جرائمهم ردعهم بالعقوبات والحدود المانعة والمخففة للجرائم؟ فاي مصلحة تخرج عن ارشادات هذا الدين وهل من اصل واساس فيه الخير والصلاح الا وقد ارشد اليه الدين لا فرق بين ديني ودنيوي وجملة ذلك كأن هذا الدين بين الله فيه للعباد انه خلقهم لعبادته الجامعة لمعرفته التقرب اليه بكل قول او عمل او مال او منفعة خلق لهم ما في الكون ممهدا مسخرا لجميع مصالحهم وامرهم ان يستخلصوا هذه النعم بكل طريق ووسيلة تمكنهم منها وان يستعينوا بها على طاعة المنعم فهل اوضع واظلم واجهل ممن اعرض عن هذا الدين الذي هو الغاية والنهاية في الكمال. وهو المطلب الاعلى لاولي العقول والالباب ثم ذهب يستمد الهدى والنفع من غيره وهو يدعي انه مسلم. فقد زاده هذا الاستمداد غيا وضلالا. ومن احتج بما يرى من حالة المسلمين وتأخرهم عن مجاراة الامم مرافق الحياة فقد ظلم باحتجاجه فان المسلمين لم يقوموا بما دعا اليه الدين ولم يحكموه في امورهم والدنيوية ونبذوا مقومات دينهم وروحه واكتفوا بالاسم عن المسمى وباللفظ عن المعنى وبالرسوم عن الحقائق. والواجب ان ينظر الى عاليم الدين وتوجيهاته واصوله ومقاصده ودعواته لجميع البشر الى ما فيه خيرهم المتنوع. ولهذا كان المنصفون من الاجانب على ما هم عليه عليه يعترفون بكماله وانه لا سبيل الى زوال الشرور عن العالم الا بالاخذ بتعاليمه واخلاقه وارشاده. وكما ان الدين هو الصلة الحقيقية بين العباد وبين ربهم به اليه يتقربون ويتحببون وبه يغدق عليهم خير الدنيا والاخرة فانه الصلة بين العباد بعضهم لبعض وتقوم به حياتهم وتنحل به مشكلاتهم السياسية والاقتصادية والمالية فكل حل بغيره فان ضرره اكثر من نفعه وشره اعظم من خيره فان فرض اصلاح بعض المشكلات ببعض النظم اصلاحا حقيقيا. فتأمل ذلك الحل. فلابد ان تجده مستندا الى الدين. لان الدين يهدي للتي دي هي اقوم كلمة عامة جامعة لا تبقي شيئا. والواقع يشهد بذلك. وبالدين يتم النشاط الحيوي. ويستمد كل واحد من الاخر ما لذة الدين ومادة الحياة لا كما يزعمه المنكرون والمغرورون المأجورون انه مخدر مؤخر لمواد الحياة. لقد والله كذبوا اشنع واوقحه فاي مادة من مواد الحياة اخرها او وقفها او لم يبلغ فيها نهاية ما يدركه البشر فليأتوا بمثال واحد من الدين لا بالتمثيل باحوال من ينتسب للدين وهو منه خلي ان كانوا صادقين. فان قيل اليست الاديان الصحيحة كلها من رب العالمين؟ فما بال دين المسيح روحه حقيقته هو الصلة فقط بين العبد وبين ربه. وليس فيه التعرض الى امور مواد الحياة الحاضرة ونظمها. مع ان الله واسع الرحمة. الجواب عن هذا سهل لمن عرف كيف نشأ الدين المسيحي بظروف طغت فيها المادة اليهودية وبنو اسرائيل طائفة قليلة وجزء يسير بالنسبة الى دولة الرومان النظم الارضية فالامة الاسرائيلية قليلة والمدة يسيرة لان دين المسيح مؤقت الى مجيء الدين الكامل الشامل لعموم الخلق وعموم كما ان محمدا صلى الله عليه وسلم بعث الى الخلق كلهم انسهم وجنهم. فكذلك تكفل دينه باصلاح الخلق اصلاحا روحيا وماديا عانى بكل واحد على الاخر وبه تم الكمال وحصل. فكما تولى تهذيب القلوب والارواح فقد تولى تهذيب الحياة. وضمن لمن قام به الحياة الطيبة من كل وجه لا من وجه واحد او وجوه محصورة وهذا من كمال حكمة الله ومن شمول رحمة الله وهو الحكيم الرحيم. ومن الادلة على هذا ان الله فقد يجمع في موضع واحد من كتابه بين العبادات المحضة وبين امور المعاش والنظم الاجتماعية. كما قال تعالى امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين. ثم قال تعالى بعد ايات واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم مم وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة اسعوا الى ذكر الله فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع. ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. الا ترى كيف جمع بين الامر بذكر الله وبالصبر والثبات وبالقوة المعنوية بالاجتماع وعدم التنازع وبالقوة المادية بقوله واعدوا لهم ما استطعتم من قوة فانه يشمل الامرين كما امر في اية الجمعة بالاقبال على الصلاة والذكر في وجوب السعي الى الجمعة ثم بعدها بالانتشار لطلب الرزق. وقال صلى الله عليه سلم ان الله امر المؤمنين بما امر به المرسلين فقال يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون. وقال تعالى يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا. والايات في هذا المعنى كثيرة شرائع الدين ومعاملاته التفصيلية شاهدة بذلك وهي احسن الشرائع واحسن الاحكام والمعاملات التي بها تستقيم الاحوال وتزكوا الخصال اعلم ان العبادات ليست مجرد الصلاة والصيام والصدقة بل جميع الاعمال التي يتوسل بها الى القيام بواجبات النفي والعوائل والمجتمع الانساني. كل عام عمل يقوم بشيء من ذلك ويعين عليه فهو عبادة. الكسب للعيال عبادة عظيمة كذلك الكتاب الذي يراد به القيام بالزكوات والكفارات والنفقات العامة والخاصة كله عبادة وكذلك الصناعات التي تعين على قيام الدين وردع المعتدين من افضل العبادات كذلك التعلم للسياسات الكلية والخارجية التعقل والتفكر في كل امر فيه نفع للعباد. وكل ذلك من العبادات. ولم يرغب الله في امر الشورى في الامور كلها الا لتحقيق امثال هذه المقاصد العالية النافعة شواهد هذه الجمل من الكتاب والسنة كثيرة جدا. واعلم ان التطورات التي لا تزال تتجدد في الحياة مجتمع قد وضع لها هذا الدين الكامل قواعد واصولا تمكن العارف بالدين وبالواقع من تطبيقها مهما كثرت وعظمت وتغيرت بها الاحوال فمن كمال هذا الدين ومن البراهين على احاطة علم الباري تعالى بالجزئيات والكليات وشمول رحمته وحكمته. اما غيره من النظم والاسس وان عظمت واستحسنت فانها لا تبقى زمنا طويلا على كثرة التغيرات. واختلاف التطورات لانها من صنع المخلوقين الناقصين في علمهم وحكمتهم جميع صفاتهم لا من صنع رب العالمين. رأيت هذه المدنيات الضخمة الزاخرة بعلوم المادة واعمالها لو جمعوا بينها وبين رح الدين وحكموا تعاليمه الراقية الواقية الحافظة. ارأيت لو فعلوا ذلك؟ اما تكون هذه المدنية الزاهرة التي يصبو اليها اولو الالباب تتم بها الحياة هنيئة الطيبة السعيدة تحصل فيها الوقاية من النكبات المزعجة والقلاقل المفظعة. فحين فقدت الدين واعتمدت على ماديتها الجوفاء جعلوا يتخبطون ويطلبون حياة سعيدة ولم يصلوا الا الى حياة الاشقياء. الحياة المهددة في كل وقت بالحروب واصناف الكروب ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم