المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. قال الله في عقوبة قومه من بعده من السماء. اي ما احتجنا ان نتكلف في عقوبتهم فننزل جندا من السماء لاتلافهم لعدم الحاجة الى ذلك وعظمة اقتدار الله تعالى وشدة ضعف بني ادم. وانهم ادنى شيء يصيبهم من عذاب الله يكفيهم ان كانت اي كانت عقوبتهم الا صيحة واحدة اي صوتا واحدا تكلم به بعض ملائكة الله. قد تقطعت قلوبهم في اجوافهم وانزعجوا لتلك الصيحة فاصبحوا خامدين لا صوت ولا حركة ولا حياة بعد ذلك العتو والاستكبار ومقابلة اشرف الخلق ذلك الكلام القبيح وتجبرهم عليهم اي ما اعظم شقاءهم وابطل عناءهم واشد جهلهم حيث كانوا بهذه الصفة القبيحة التي هي سبب لكل شقاء وعذاب ونكال يقول تعالى الم يرى هؤلاء اي ويعتبر بمن قبلهم من القرون المكذبة. التي اهلكها الله تعالى واوقع بها عقابها. وان جميعهم قد باد وهلك. فلم يرجع الى الدنيا ولن يرجع اليها. وسيعيد الله الجميع خلقا جديدا. ويبعثهم بعد موتهم. ويحضرون بين يديه تعالى. ليحكم بينهم حكمه العدل الذي لا يظلم مثقال ذرة. وان تك حسنة يضاعفها ويؤتي من لدنه اجرا عظيما وجعلنا فيها وجعلنا فيها جنات من نخيل واعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمنه وما عملت سوء ايديهم افلا يشكرون سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون. اي واية لهم على البعث والنشور. والقيام بين يدي الله تعالى للجزاء على الاعمال. هذه الارض الميتة انزل الله عليها المطر فاحياها بعد موتها. من جميع اصناف زروع ومن جميع اصناف النبات التي تأكله انعامهم. وجعلنا فيها اي في تلك الارض الميتة جنات اي بساتين فيها اشجار كثيرة وخصوصا النخيل والاعناب اللذان هما اشرف الاشجار وفجرنا فيها اي في الارض من العيون جعلنا في الارض تلك الاشجار والنخيل والاعناب. ليأكلوا من ثمره قوتا وفاكهة وادما ولذة. والحال ان تلك الثمار ما عملت ايديهم وليس لهم فيه صنع ولا عمل. ان هو الا صنعة احكم الحاكمين وخير الرازقين. وايضا فلم تعمله ايديهم بطبخ ولا غيره. بل اوجد الله هذه الثمار غير محتاجة لطبخ ولا شيء. تؤخذ من اشجارها فتؤكل في الحال افلا يشكرون من ساق لهم هذه النعم؟ واسبغ عليهم من جوده واحسانه. ما به تصلح امور دينهم ودنياهم. اليس الذي احيا الارض بعد موتها فانبت فيها الزروع والاشجار واودع فيها لذيذ الثمار واظهر ذلك الجنا من تلك الغصون وفجر الارض ليست الميتة بالعيون بقادر على ان يحيي الموتى. بل انه على كل شيء قدير. سبحان الذي خلق الازواج كلها اي الاصناف كلها مما تنبت الارض. فنوع فيها من الاصناف ما يعصر تعداده. ومن انفسهم فنوعهم الى ذكر وانثى بين خلقهم وخلقهم واوصافهم الظاهرة والباطنة. ومما لا يعلمون من المخلوقات التي قد خلقت وغابت عن علمنا. والتي لم تخلق بعد فسبحانه وتعالى ان يكون له شريك او ظهير او عويل او وزير او صاحبة او ولد او سمي او شبيه او مثيل في صفات كماله ونعوت جلاله. او يعجزه شيء يريده. واية لهم الليل نسلخ منهن اي واية لهم على نفوذ مشيئة الله وكمال اقتداره. واحياءه الموتى بعد موتهم. الليل نسلخ منه النهار. اي نزيل الضياء العظيم الذي طبق الارض. فنبدله بالظلمة ونحلها محله وكذلك نزيل هذه الظلمة التي عمتهم وشملتهم فتطلع الشمس فتضيء الاقطار وينتشر الخلق لمعاشهم ومصالحهم ولهذا قال والشمس تجري مستقر لها اي دائما تجري لمستقر لها. قدره الله لها لا تتعداه ولا تقصر عنه. وليس لها تصرف في نفسها ولا استعصاء على قدرة الله تعالى. ذلك تقدير العزيز الذي بعزته دبر هذه المخلوقات العظيمة. باكمل تدبير واحسن نظام العليم الذي بعلمه جعلها مصالح لعباده ومنافع في دينهم ودنياهم. والقمر قدرناه منازل والقمر قدرناه منازل ينزل بها كل ليلة ينزل منها واحدة حتى يصغر جدا فيعود كالعرجون القديم. اي عرجون النخلة الذي من قدمه نشأ وصغر حجمه وانحنى. ثم بعد ذلك ما زال يزيد شيئا فشيئا حتى يتم نوره ويتسق ضياؤه. وكل من الشمس والقمر والليل والنهار قدره الله تقديرا لا لا يتعدى وكل له سلطان ووقت اذا وجد عدم الاخر. ولهذا قال ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار. وكل في فلك لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر. اي في سلطانه الذي هو الليل فلا يمكن ان توجد الشمس في الليل فيدخل عليه قبل انقضاء سلطانه. وكل من الشمس والقمر والنجوم. وكل اي يترددون على الدوام. فكل هذا دليل ظاهر وبرهان باهر. على عظمة الخالق وعظمة اوصافه. خصوصا وصف القدرة والحكمة والعلم في هذا الموضع هم في الفلك المشحون. اي ودليل لهم وبرهان على ان الله وحده المعبود. لانه المنعم بالنعم الصارف للنقم الذي من جملة نعمه انا حملنا ذريتهم. قال كثير من المفسرين المراد بذلك اباؤهم من مثله ما يركبون. وخلقنا لهم اي للموجودين من بعدهم من مثله. اي من مثل ذلك الفلك اي انس ما يركبون به. فذكر نعمتهم على الاباء بحملهم في السفن. لان النعمة عليهم نعمة على الذرية. وهذا الموضع من اشكال المواضع علي في التفسير فان ما ذكره كثير من المفسرين من ان المراد بذرية الاباء مما لا يعهد في القرآن اطلاق الذرية عليه على الاباء بل فيها من الايهام واخراج الكلام عن موضوعه ما يأباه كلام رب العالمين. وارادته البيان والتوضيح لعباده. وثم احتمال احسن من هذا وهو ان المراد بالذرية الجنس وانهم هم بانفسهم لانهم هم من ذرية بني ادم ولكن ينقض هذا المعنى قول وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. ان اريد واخلقنا من مثل ذلك الفلك اي لهؤلاء المخاطبين ما يركبون من انواع الفلك فيكون ذلك تكريرا للمعنى تأباه فصاحة القرآن. فان اريد بقوله وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. الابل التي هي السفن البر استقام المعنى واتضح الا انه يبقى ايضا ان يكون الكلام فيه تشويش فانه لو اريد هذا المعنى لقال اية لهم انا حملناهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. فاما ان يقول في الاول وحملنا ذريتهم وفي الثاني حملناهم فانه لا يظهر المعنى. الا ان يقال الضمير عائد الى الذرية. والله اعلم بحقيقة الحال. فلما وصلت في الى هذا الموضع ظهر لي معنى ليس ببعيد من مراد الله تعالى. وذلك ان من عرف جلالة كتاب الله وبيانه التام من كل وجه للامور الحاضرة والماضية والمستقبلة. وانه يذكر من كل معنى اعلاه واكمل ما يكون من احواله. وكانت الفلك من اياته تعالى ونعمه عليه كعباده من حين انعم عليهم بتعلمها الى يوم القيامة. ولم تزل موجودة في كل زمان الى زمان المواجهين بالقرآن لما خاطبهم الله تعالى بالقرآن وذكر حالة الفلك وعلم تعالى انه سيكون اعظم ايات الفلك في غير وقتهم. وفي غير زمانهم حين يعلمهم صنعة الفلك البحرية الشراعية منها والنارية والجوية السابحة في الجو كالطيور ونحوها والمراكب البرية من ما كانت الاية العظمى فيه لم توجد الا في الذرية. نبه في الكتاب على اعلى نوع من انواع اياتها فقال اي المملوء ركبانا وامتعة. فحملهم الله تعالى ونجاهم جاهم بالاسباب التي علمهم الله بها من الغرق. ولهذا نبههم على نعمته عليهم حيث انجاهم مع قدرته على ذلك. فقال وان شأن نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون. وان شأن اغرقهم فلا صريخ لهم. اي لا احد يصرخ لهم فيعاونهم على الشدة. ولا يزيل عنهم المشقة. مما هم فيه حيث لم نغرقهم لطفا بهم وتمتيعا لهم الى حين لعلهم او يستدركون ما فرط منهم. واذا قيل لهم اتقوا ما بين ايديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون واذا قيل لهم اتقوا ما بين ايديكم وما خلفكم. اي من احوال البرزخ والقيامة وما في الدنيا من العقوبات. لعلكم ترحمون اعرضوا عن ذلك فلم يرفعوا به رأسا ولو جاءتهم كل اية. ولهذا قال وفي اضافة الايات الى ربهم دليل على كمالها ووضوحها لانه ما ابين من اية من ايات الله ولا اعظم بيانا. وان من جملة تربية الله لعباده ان اوصل اليهم الايات التي يستدلون بها على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم. واذا قيل لهم انفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين امنوا انطعم من لو يشاء الله وطعنه واذا قيل لهم انفقوا مما رزقكم الله اي من الرزق الذي من الله به عليكم لسلبكم اياه. قال الذين كفروا للذين امنوا معارضين للحق. محتجين بالمشيئة. ونطعم من لو يشاء ان انتم ايها المؤمنون لا في ضلال مبين. حيث تأمروننا بذلك. وهذا مما يدل على جهلهم العظيم. او تجاهلهم الوخيم. فان المشيئة ليست حجة لعاص ابدا فانه وان كان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فانه تعالى مكن العباد واعطاه من القوة ما يقدرون على فعله للامر واجتناب النهي فاذا تركوا ما امروا به كان ذلك اختيارا منهم لا جبرا لهم وقهرا ويقولون على وجه التكذيب والاستعجال قال الله تعالى لا يستبعد ذلك فانه عن قريب ما ينظرون الا صيحة واحدة وهي نفخة الصور تأخذهم اي تصيبهم وهم يخصمون. اي وهم لاهون عنها لم تخطر على قلوبهم في حال خصومتهم. وتشاجرهم بينهم. الذي لا يوجد في الا وقت الغفلة. واذا اخذتهم وقت غفلتهم فانهم لا ينظرون ولا يمهلون. فلا يستطيعون توصية ولا الى اهلهم يرجعون. فلا يستطيعون توصية اي لا قليلة ولا كثيرة اهلهم يرجعون. ونفخ في الصور فاذا هم من الاجداث الى ربهم النفخة الاولى هي نفخة الفزع والموت. وهذه نفخة البعث والنشور. فاذا نفخ في الصور خرجوا من والقبور ينسلون الى ربهم اي يسرعون لحضور بين يديه لا يتمكنون من التأخر والتأني. وفي تلك الحال يحزن المكذبون ويظهرون الحسرة والندم. ويقولون هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا اي من رقدتنا في القبور. لانه ورد في بعض الاحاديث ان لاهل القبور رقدة قبيل النفخ في الصور فيجابون فيقال لهم صدق المرسلون. اي هذا الذي وعدكم الله به ووعدتكم به الرسل. فظهر صدقهم رأي عين. ولا تحسب ان ذكر الرحمن في هذا الموضع لمجرد الخبر عن وعده. وانما ذلك للاخبار بانه في ذلك اليوم العظيم. سيرون من رحمته ما لا يخطر على الظنون حسب به الحاسبون كقوله الملك يومئذ الحق للرحمن. وخشعت الاصوات للرحمن ونحو ذلك. مما يذكر اسمه الرحمن في هذا ان كانت الا صيحة واحدة ان كانت البعثة من القبور الا صيحة واحدة ينفخ فيها اسرافيل في الصور. فتحيا الاجساد جميع الذين محضرون. الاولون والاخرون والانس والجن. ليحاسبوا على اعمالهم يوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعملون فاليوم لا تظلم نفس شيئا لا ينقص من حسناتها. ولا يزاد في سيئاتها من خير او شر. فمن وجد خيرا فليحمد الله على ذلك. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون. لما ذكر تعالى ان كل احد لا يجازى الا ما عمله. ذكر جزاء الفريقين فبدأ بجزاء اهل الجنة. واخبر انهم في ذلك اليوم فاكهون اي في شغل مفكه للنفس ملذ لها من كل ما تهواه النفوس وتلذه العيون ويتمناه النون ومن ذلك افتضاض العذارى الجميلات كما قال هم وازواجهم من الحور العين اللاتي قد جمعن حسن الوجوه والابدان وحسن من الاخلاق في ظلال على الارائك اي على السرر المزينة باللباس المزخرف الحسن. متكئون عليها. اتكاء على كمال الراحة الطمأنينة واللذة. لهم فيها فاكهة من جميع انواع الثمار اللذيذة من عنب وتين ورمان وغيرها. اي يطلب فمهما طلبوه وتمنوه ادركوه. سلام قولا من رب رحيم هم ايضا سلام حاصل لهم من رب رحيم. ففي هذا كلام الرب تعالى لاهل الجنة وسلامه عليهم. واكده بقوله قولا واذا سلم عليهم الرب الرحيم حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه. وحصلت لهم التحية التي لا تحية اعلى منها. ولا نعيم مثلها فما ظنك بتحية ملك الملوك الرب العظيم الرؤوف الرحيم لاهل دار كرامته الذي احل عليهم رضوانه فلا يسخط وعليهم ابدا فلولا ان الله تعالى قدر الا يموتوا او تزول قلوبهم عن اماكنها من الفرح والبهجة والسرور لحصل ذلك فنرجو ربنا الا يحرمنا ذلك النعيم وان يمتعنا بالنظر الى وجهه الكريم لما ذكر تعالى جزاء المتقين ذكر جزاء المجرمين وانهم يقال لهم يوم القيامة امتازوا اليوم ايها المجرمون اي تميزوا عن المؤمنين وكونوا على حدة. ليوبخهم ويقرعهم على رؤوس الاشهاد قبل ان يدخلهم النار. فيقول لهم الم اعهد اليكم اي امركم واوصيكم على السنة رسلي واقول لكم يا بني ادم لا تعبدوا الشيطان اي لا تطيعوه. وهذا التوبيخ يدخل فيه التوبيخ عن جميع انواع الكفر والمعاصي لانها كلها طاعة للشيطان وعبادة له وان اعبدوني. فحذرتكم منه غاية التحذير. وانذرتكم عن طاعته. واخبرتكم بما يدعوكم اليه امرتكم ان اعبدوني بامتثال اوامري وترك زواجري. هذا صراط مستقيم. هذا اي عبادة وطاعتي ومعصية الشيطان صراط مستقيم. فعلوم الصراط المستقيم واعماله ترجع الى هذين الامرين. اي فلم تحفظه عهدي ولم تعملوا بوصيتي فواليتم عدوكم. ولقد اضل منكم جبلا كثيرا افلم تكونوا تعقلون. اضل منكم جبلا كثيرا اي خلقا كثيرا اي فلا كان لكم عقل يأمركم بموالاة ربكم ووليكم الحق. ويزجركم عن اتخاذ اعدى الاعداء لكم وليا فلو كان لكم عقل صحيح لما فعلتم ذلك. فاذ اطعتم الشيطان وعاديتم الرحمن وكذبتم بلقائه. وردتم القيامة دار الجزاء وحق عليكم القول بالعذاب. وتكذبون بها فانظروا اليها عيانا. فهناك تنزعج منهم القلوب. وتزوغ الابصار ويحصل الفزع الاكبر. ثم يكمل ذلك بان تؤمر بهم الى النار ويقال لهم ايدخلوها على وجه ويحيط بكم حرها ويبلغ منكم كل مبلغ. بسبب كفيكم بايات الله وتكذيبكم لرسل الله. قال الله تعالى في بيان في وصفهم الفظيع في دار الشقاء وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم. وتكلمنا ايديهم اليوم نختم على افواههم بان نجعلهم خرسا فلا فلا يقدرون على انكار ما عملوه من الكفر والتكذيب بما كانوا يكسبون. اي تشهد عليهم اعضاؤهم بما عملوه. وينطقها الذي انطق كل شيء لطمسنا على اعينهم فاستبقوا الصراط فانا يبصرون ولو نشأ لطمسنا على اعينهم بان نذهب ابصارهم كما طمسنا على نطقهم. فاستبقوا الصراط اي فبادروا اليه. لانه الطريق الى للوصول الى الجنة. وقد طمست ابصارهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ولو نشأوا لمسخناهم على مكانتهم. اي لاذهبنا حركتهم فما استطاعوا مضيا الى الامام. ولا يرجعون الى ورائهم ليبعدوا عن النار والمعنى ان هؤلاء الكفار حقت عليهم كلمة العذاب ولم يكن بد من عقابهم. وفي ذلك الموطن ما ثم الا النار وقد برزت وليس لاحد نجاة الا بالعبور على الصراط. وهذا لا يستطيعه الا اهل الايمان. الذين يمشون في نورهم. واما هؤلاء فليس لهم عند الله عهد في النجاة من النار. فان شاء طمس اعينهم وابقى حركتهم. فلم يهتدوا الى الصراط لو استبقوا اليه وبادروه. وان شاء اه اذهب حراكهم فلم يستطيعوا التقدم ولا التأخر. المقصود انهم لا يعبرونه فلا تحصل لهم النجاة يقول تعالى ومن نعمره من بني ادم ننكسه في الخلق اي يعود الى الحالة ابتدأ حالة الضعف ضعف العقل وضعف القوة. افلا يعقلون ان الادمي ناقص من كل وجه؟ فيتدارك قوتهم وعقولهم تعملونها في طاعة ربهم مبين. ينزه تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما رماه به المشركون. من انه شاعر وان الذي جاء به شعر فقال وما علمناه الشعر. وما ينبغي له ان يكون شاعرا. اي هذا من جنس المحال ان يكون شاعرا. لانه رشيد مهتد والشعراء غاوون يتبعهم الغاوون. ولان الله تعالى حسم جميع الشبه التي يتعلق بها الضالون على رسوله. فحسم ان يكتب او يقرأ واخبر انه ما علمه الشعر وما ينبغي له اي ما هذا الذي جاء به الا ذكر يتذكر به اولو الالباب. جميع المطالب الدينية. فهو مشتمل عليها اتم اشتمال. وهو يذكر العقول ما ركز الله في فطرها من الامر بكل حسن والنهي عن كل قبيح. اي مبين لما يطلب بيانه ولهذا حذف المعمول ليدل على انه مبين لجميع الحق. بادلته التفصيلية والاجمالية والباطل وادلة بطلانه له الله كذلك على رسوله. لينذر من كان حيا اي حي القلب واعية فهو الذي يزكو على هذا القرآن وهو الذي يزداد من العلم منه والعمل. ويكون القرآن لقلبه بمنزلة المطر للارض الطيبة الزاكية. لانهم قامت عليهم به حجة الله وانقطع احتجاجهم فلم يبق لهم ادنى عذر وشبهة يدلون بها فهم لها مالكون. ودللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون. ولهم فيها منافع ومشارب افلا يشكرون. يأمر تعالى العباد بالنظر الى ما سخر لهم من الانعام وذللها وجعلهم مالكين لها مطاوعة لهم في كل امر يريدونه منها. وانه جعل لهم فيها منافع كثيرة من حملهم وحمل اثقالهم ومحاسنهم وامتعتهم من محل الى محل. ومن اكلهم منها وفيها دفء. ومن اوبارها واشعارها واصوافها اثاثا ومتاعا الى حين وفيها زينة وجمال وغير ذلك من المنافع المشاهدة منها. افلا يشكرون الله تعالى الذي انعم بهذه النعم ويخلص له العبادة ولا يتمتعون بها تمتعا خاليا من العبرة والفكرة. واتخذوا من دون الله الهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون. هذا بيان لبطلان الهة المشركين التي اتخذوها مع الله تعالى ورجو نصرها وشفعها فانها في غاية العجز. لا يستطيعون نصرهم ولا انفسهم فهم ينصرون فاذا كانوا لا يستطيعون نصرهم فكيف ينصرونهم؟ والنصر له شرطان. الاستطاعة والارادة. فاذا استطاع يبقى هل يريد نصرة من عبده ام لا؟ فنفي الاستطاعة ينفي الامرين كليهما اي محضرون هم وهم في العذاب. ومتبرئ بعضهم من بعض. افلا تبرأوا في الدنيا من عبادة هؤلاء؟ واخلصوا العبادة للذي بيده النفع والضر والعطاء والمنع وهو الولي النصير اي فلا يحزنك يا ايها الرسول قول المكذبين والمراد بالقول ما دل عليه السياق كل قول يقدحون فيه في الرسول او فيما جاء به. اي فلا تشغل قلبك بالحزن عليهم فنجازيهم على حسب علمنا بهم. والا فقولهم لا يضرك شيئا هذه الايات الكريمات فيها ذكر منكري البعث والجواب عنها باتم جواب واحسنه واوضحه. فقال تعالى او لم يرى الانسان المنكر للبعث والشاك فيه امرا يفيده اليقين التام بوقوعه وهو ابتداء خلقه من نطفة ثم تنقله في الاطوار شيئا فشيئا حتى كبر وشب. وتم عقله واستتب بعد ان كان ابتداء خلقه من نطفة فلينظر التفاوت بين هاتين الحالتين وليعلم ان الذي انشأه من العدم قادر على ان يعيده بعدما تفرق وتمزق من باب اولى. وضرب لنا مثلا خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم. وضرب لنا مثلا لا ينبغي لاحد ان يضربه. وهو هو قياس قدرة الخالق بقدرة المخلوق. وان الامر المستبعد على قدرة المخلوق. مستبعد على قدرة الخالق. فسر هذا المثل بقوله قال ذلك الانسان من يحيي العظام وهي رميم اي هل احد يحييها اه استفهام انكار اي لا احد يحييها بعد ما بليت وتلاشت. هذا وجه الشبهة والمثل وهو ان هذا امر في غاية البعد على ما يعرف من قدرة البشر. وهذا القول الذي صدر من هذا الانسان غفلة منه ونسيان لابتداء خلقه. فلو فطن لخلقه بعد ان لم يكن شيئا مذكورة فوجد عيان لم يضرب هذا المثل. فاجاب تعالى عن هذا الاستبعاد بجواب شاف كاف فقال فيها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم. قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهذا بمجرد تصوره يعلم به علما يقينا لا شبهة فيه. ان الذي انشأها اول مرة قادر على الاعادة ثاني مرة هو اهون على القدرة اذا تصوره المتصور. هذا ايضا دليل ثان من صفات الله تعالى وان علمه تعالى محيط بجميع مخلوقاته في جميع احوالها في جميع الاوقات. ويعلم ما تنقص الارض من اجساد الاموات وما يبقى اعلم الغيب والشهادة. فاذا اقر العبد بهذا العلم العظيم علم انه اعظم واجل من احياء الله الموتى من قبورهم. ثم ذكر دليلا الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقنون فاذا اخرج النار اليابسة من الشجر الاخضر. الذي هو في غاية الرطوبة مع تضادهما وشدة تخالفهما اخراجه الموتى من قبورهم مثل ذلك. ثم ذكر دليلا رابعا فقال اوليس الذي خلق السماوات والارض بقا الا وهو بلى وهو الخلاق العليم. اوليس الذي خلق السماوات والارض على سعتهما وعظمهما. بقادر على ان يخلق مثلهم. اي ان يعيدهم باعيانهم. بلى قادر على ذلك. فان خلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس هو الخلاق العليم. وهذا دليل خامس فانه تعالى الخلاق الذي جميع المخلوقات متقدمها ومتأخر صغيرها وكبيرها كلها اثر من اثار خلقه وقدرته. وانه لا يستعصي عليه مخلوق اراد خلقه. فاعادته للاموات فرد من افراد اثار خلقه. ولهذا قال انما امره اذا اراد شيئا نكرة في سياق الشرط فتعم كل شيء ان يقول له كن فيكون. اي في الحال من غير تمانع بيده ملكوت كل شيء. فسبحان الذي بيده ملكوت وكل شيء واليه ترجعون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وهذا دليل سادس فانه تعالى هو الملك المالك لكل شيء. الذي جميع ما سكن في العالم العلوي والسفلي. ملك له وعبيد مسخرون مدبرون يتصرف فيهم باقداره الحكمية واحكامه الشرعية واحكامه الجزائية. فاعادته اياهم بعد موتهم لينفذ فيهم حكم الجزاء من تمام ملكه. ولهذا قال من غير ابتراء ولا شك لتواتر البراهين القاطعة والادلة الساطعة على ذلك. فتبارك الذي جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور بسم الله الرحمن الرحيم. صفا فالزاجرات هذا قسم منه تعالى بالملائكة الكرام في حال عبادتها وتدبيرها ما باذن ربها على الوهيته تعالى وربوبيته. فقال والصافات صفا اي صفوفا في خدمة ربهم وهم الملائكة فالزاجرات زجرا وهم الملائكة يزجرون السحاب وغيره بامر الله وهم الملائكة الذين يتلون كلام الله تعالى. فلما كانوا متألهين لربهم ومتعبدين في خدمته. ولا يعصون ونحن طرفة عين اقسم بهم على الوهيته فقال ان الهكم لواحد. ليس له شريك في الالهية فاخلصوا له الحب والخوف والرجاء وسائر انواع العبادة اي هو الخالق لهذه المخلوقات. والرازق لها المدبر لها. فكما انه لا شريك له في ربوبيته اياها فكذلك لا شريك له في الوهيته. وكثيرا ما يقرر تعالى توحيد الالهية. بتوحيد الربوبية. لانه دال عليه وقد اقر به ايضا المشركون في العبادة. فيلزمهم بما اقروا به على ما انكروه. وخص الله المشارق بالذكر لدلالتها على المغارب او لانها مشارق النجوم التي سيذكرها فلهذا قال آآ ذكر الله في الكواكب هاتين الفائدتين العظيمتين احداهما كونها زينة للسماء. اذ لولاها لكانت السماء جرما مظلما لا ضوء فيها. ولكن زينها فيها لتستنير وارجاؤها وتحسن صورتها ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر. ويحصل فيها من المصالح ما يحصل. والثانية حاسة السماء عن كل شيطان مارد. يصل بتمرده الى استماع الملأ الاعلى. وهم الملائكة. فاذا استمعت قذفتها بالشهب طردا لهم وابعادا عن استماع ما يقول الملأ الاعلى اي دائم معد لهم. لتمردهم عن طاعة ربهم. ولولا انه تعالى استثنى كان ذلك دليلا على انهم لا يستمعون شيئا اصلا. ولكن قال الا من خطف الخطفة اي الا من تلقف من الشياطين المردة. الكلمة الواحدة على وجه الخفية والسرقة فاتبعه شهاب ثاقبه. تارة يدركه قبل ان يوصلها الى اوليائه. فينقطع خبر السماء وتارة اخبر بها قبل ان يدركه الشهاب فيكذبون معها مائة كذبة. يروجونها بسبب الكلمة التي سمعت من السماء. ولما بين هذه المخلوقات الاوقات العظيمة قال فاستفتهم اي اسأل منكر خلقهم بعد موتهم اهم اشد خلقا اي ايجادهم بعد موتهم اشد خلقا واشق. امن خلقنا من هذه المخلوقات؟ فلابد ان يقروا ان خلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس. فيلزمهم اذا الاقرار بالبعث. بل لو رجعوا الى انفسهم وفكروا فيها. لعلموا ان ابتداء خلقهم من الطين اللازم اصعب عند الفكر من انشائهم بعد موتهم. ولهذا قال اي قوي شديد. كقوله تعالى ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون بل عجبت يا ايها الرسول وايها الانسان من تكذيب من كذب بالبعث بعد ان اريتهم من الايات العظيمة الادلة المستقيمة. وهو حقيقة محل عجب واستغراب. لانه مما لا يقبل الانكار. واعجب من انكارهم وابلغ منه انهم يسخرون ممن جاء بالخبر عن البعث. فلم يكفيهم مجرد الانكار حتى زادوا السخرية بالقول الحق لا يذكرون. ومن العجب ايضا انهم اذا ذكروا ما يعرفون في فطرهم وعقولهم. وفطنوا له والفت نظرهم اليه لا يذكرون ذلك. فان كان جهلا فهو من ادل الدلائل على شدة بلادتهم العظيمة. حيث ذكروا ما هو مستقر في الفطر. معلوم بالعقل لا يقبل الاشكال. وان كان تجاهنا وعنادا فهو اعجب واغرب ومن العجب ايضا انهم اذا اقيمت عليهم الادلة وذكروا الايات التي يخضع لها فحول الرجال والباب الالباء يسخرون منها ويعجبون. ومن العجب ايضا قولهم للحق لما جاءهم. وقالوا ان هذا الا سحر مبين فجعلوا اعلى الاشياء واجلها وهو الحق في رتبة اخس الاشياء واحقرها. ومن العجب ايضا قياسهم رب الارض والسماوات على قدرة الادمي الناقص من جميع الوجوه. فقالوا استبعادا وانكارا ولما كان هذا متهم عندهم وغاية ما لديهم. امر الله رسوله ان يجيبهم بجواب مشتمل على ترهيبهم فقال نعم ستبعثون. انتم واباؤكم الاولون انتم داخرون ذليلون صاغرون. لا تمتنعون ولا تستعصون على قدرة الله واحدة فاذا هم ينظرون فانما هي زجرة واحدة ينفخ اسرافيل فيها في الصور. فاذا فهم مبعوثون من قبورهم ينظرون كما ابتدأ خلقهم بعثوا بجميع اجزائهم حفاة عراة غرلا وفي تلك يظهرون الندم والخزي والخسار ويدعون بالويل والثبور فقد اقروا بما كانوا في الدنيا به يستهزئون. فيقال لهم هذا يوم الفصل بين العباد فيما بينهم وبين ربهم من الحقوق. وفيما بينهم حين غيرهم من الخلق لا فاهدوهم الى صراط الجحيم. اي اذا احضروا يوم القيامة ما به يكذبون ورأوا ما به يستسخرون. يؤمر بهم الى النار التي بها كانوا يكذبون. فيقال احشروا الذين ظلموا انفسهم بالكفر والشرك والمعاصي. وازواجهم الذين من جنس عملهم. كل يضم الى من يجانسه في العمل وما كانوا يعبدون من دون الله من الاصنام والانداد التي زعموها فاجمعوهم جميعا. اي سوقوهم سوقا عنيفا الى الى جهنم وبعدما يتعين امرهم الى النار ويعرفون انهم من اهل دار البوار يقال وقفوهم قبل ان توصلوهم الى جهنم عما كانوا يفترونه في الدنيا ليظهر على رؤوس الاشهاد كذبهم وفضيحتهم. فيقال لهم لا تناصرون. اي ما الذي جرى عليكم اليوم؟ وما الذي طرقكم لا ينصر بعضكم بعضا؟ ولا يغيث بعضكم بعض بعدما كنتم تزعمون في الدنيا ان الهتكم ستدفع عنكم العذاب وتغيثكم وتشفع لكم عند الله فكأنهم يجيبون هذا السؤال لانهم قد علاهم الذل والصغار. واستسلموا لعذاب النار وخشعوا وخضعوا وابلسوا. فلم ينطقوا ولهذا قال يتساءلون لما جمعوا هم وازواجهم والهتهم وهدوا الى صراط الجحيم ووقفوا فسؤ فلم يجيبوا اقبلوا فيما بينهم يلوم بعضهم بعضا على اضلالهم وضلالهم. فقال الاتباع للمتبوعين الرؤساء اي بالقوة والغلبة فتضلونا ولولا انتم لكنا مؤمنون سنين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين. قالوا لهم بل لم تكونوا مؤمنين. اي ما زلتم مشركين كما نحن مشركون فاي شيء فضلكم علينا واي شيء يوجب لومنا والحال انه ما كان لنا عليكم من سلطان. اي قهر لكم على اختيار الكفر متجاوزين للحد فحق علينا نحن واياكم انا لذائقون العذاب اي حق علينا قدر ربنا وقضاؤه انا واياكم سنذوق العذاب ونشترك في العقاب. فلذلك اغويناكم اي دعوناكم الى طريقتنا التي نحن عليها وهي الغواية فاستجبتم لنا فلا قومونا ولوموا انفسكم. قال تعالى فانهم يومئذ في العذاب مشتركون فانهم يوم اذا اي يوم القيامة في العذاب مشتركون. وان تفاوتت مقادير عذابهم بحسب جرمهم. كما اشتركوا في الدنيا على الكفر اشتركوا في الاخرة بجزائه. ولهذا قال ثم ذكر ان اجرامهم قد بلغ الغاية وجاوز النهاية فقال انهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الا الله فدعوا اليها وامروا بترك الهية ما سواه. يستكبرون عنها وعلى من جاء بها ويقولون انا لتاركوا الهتنا لشاعر مجنون ويقولون معارضة لها ائنا لتارك الهتنا التي لم نزل نعبدها نحن واباؤنا. لقول شاعر مجنون. يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم فلم يكفهم قبحهم الله الاعراض عنه. ولا مجرد تكذيبه حتى حكموا عليه باظلم الاحكام. وجعلوه شاعرا مجنونا وهم يعلمون انه لا يعرف الشعر والشعراء ولا وصفه وصفهم. وانه اعقل خلق الله واعظمهم رأيا ولهذا قال تعالى ناقضا لقولهم بل جاء محمد بالحق اي مجيئه حق. وما جاء به من الشرع والكتاب حق اي ومجيئه صدق المرسلين. فلولا مجيئه وارساله لم يكن الرسل صادقين. فهو اية معجزة لكل لرسول قبله لانهم اخبروا به وبشروا. واخذ الله عليهم العهد والميثاق. لان جاءهم ليؤمنن به ولينصرنه واخذوا ذلك على اممهم. فلما جاء ظهر صدق الرسل الذين قبله. وتبين كذب من خالفهم. فلو قدر عدم مجيء وهم قد اخبروا به لكان ذلك قادحا في صدقهم. وصدق ايضا المرسلين بان جاء بما جاءوا به. ودعا الى ما دعوا اليه وامن بهم واخبر بصحة رسالتهم ونبوتهم وشرعهم. ولما كان قولهم السابق انا لذائقون قولا حذرا منهم يحتمل ان يكون صدقا او غيرة اخبر تعالى بالقول الفصل الذي لا يحتمل غير الصدق واليقين. وهو الخبر الصادر منه تعالى فقال اي المؤلم الموجع وما تجزون في اذاقة العذاب الاليم. فلم نظلمكم وانما عدلنا فيكم. ولما كان هذا الخطاب لفظه عاما. والمراد به المشركون استثنى تعالى المؤمنين فقط قال الا عباد الله المخلصين. يقول تعالى الا عباد الله المخلصين. فانهم غير ذائق العذاب الاليم لانهم اخلصوا لله الاعمال فاخلصهم واختصهم برحمته وجاد عليهم بلطفه اي غير مجهول. وانما هو رزق عظيم جليل. لا يجهل امره ولا يبلغ كنهه. فسره بقوله فواكه وهم مكرمون. فواكهة من جميع انواع الفواكه التي تتفكه بها النفس. للذتها في لونها وهم مكرمون لا مهانون محتقرون بل معظمون مجلون موقرون قد اكرم بعضهم بعضا واكرمتهم الملائكة الكرام وصاروا يدخلون عليهم من كل باب. ويهنئونهم ببلوغ اهنأ الثواب. واكرمهم اكرم الاكرمين. وجاد عليهم بانواع الكرامات من نعيم القلوب والارواح والابدان. اي الجنات التي وصفها والسرور نعتها. وذلك لما جمعت مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. و من كل مخل بنعيمها من جميع المكدرات والمنغصات. ومن كرامتهم عند ربهم بهم واكرام بعضهم بعضا انهم على سرر. وهي المجالس المرتفعة المزينة بانواع الاكسية الفاخرة. المزخرفة جميلة فهم متكئون عليها على وجه الراحة والطمأنينة والفرح. متقابلين فيما بينهم قد صفت قلوبهم ومحبتهم فيما بينهم. ونعيم باجتماع بعضهم مع بعض. فان مقابلة وجوههم تدل على تقابل قلوبهم. وتأدب بعضهم مع بعض فلم يستدبره او يجعله الى جانبه بل من كمال السرور والادب ما دل عليه ذلك التقابل ان يتردد الولدان المستعدون لخدمتهم بالاشربة اللذيذة بالكاسات الجميلة المنظر المطرعة من الرحيق المختوم بالمسك وهي كاسات الخمر. وتلك الخمر تخالف خمر الدنيا من كل وجه. فانها في لونها لا فيها غول ولا هم عنها ينزخون بيضاء من احسن الالوان وفي طعمها. يتلذذ شاربها بها وقت شربها وبعده. وان انها سالمة من غول العقل وذهابه ونزفه ونزف مال صاحبها. وليس فيها صداع ولا كدر. فلما ذكر طعامهم وشرابهم مجالسهم وعموم النعيم وتفاصيله داخلة في قوله جنات النعيم. لكن فصل هذه الاشياء لتعلم فتشتاق النفوس اليها ذكر ازواجهم فقال اي وعند اهل دار النعيم في محلاتهم القريبة. حور حسان كاملات الاوصاف. قاصرات الطرف. اما انها قصرت طرفها على زوجها لعفتها او عدم مجاوزته لغيره. ولجمال زوجها وكماله. بحيث لا تطلب في الجنة سواه. ولا ترغب الا به. واما لانها قصرت زوجها عليها وذلك يدل على كمالها وجمالها الفائق. الذي اوجب لزوجها ان يقصر طرفه عليها. وقصر الطرف ايضا يدل على قصر النفس والمحبة عليها وكلا المعنيين محتمل وكلاهما صحيح. وكل هذا يدل على جمال الرجال والنساء في جنة ومحبة بعضهم بعضا. محبة لا يطمح الى غيره. وشدة عفتهم كلهم. وانه لا حسد فيها ولا تباغض ولا تشاح وذلك لانتفاء اسبابه عين اي حسان الاعين جميلاتها ملاح الحدق كانهن اي الحور بيض مكنون اي مستور وذلك فمن حسنهن وصفائهن وكون الوانهن احسن الالوان وابهاها. ليس فيه كدر ولا شين لما ذكر تعالى نعيمهم وتمام سرورهم بالمآكل والمشارب والازواج الحسان مجالس الحسنة ذكر تذاكرهم فيما بينهم. ومطارحتهم للاحاديث عن الامور الماضية. وانهم ما زالوا في المحادثة والتساؤل. حتى لا افضى ذلك بهم الى ان قال قائل منهم. اني ان كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث. ويلومني على تصديقي به ويقول لي ائذا متنا وكنا ترابا وعظاما انا لمدينون اي مجازون فباعمالنا اي كيف تصدق بهذا الامر البعيد الذي في غاية الاستغراب. وهو اننا اذا تمزقنا فصرنا ترابا وعظاما اننا نبعث ونعاد. ثم نحاسب ونجازى باعمالنا. اي يقول صاحب الجنة لاخوانه هذه قصتي وهذا خبري انا وقريني ما زلت انا مؤمنا مصدقا. وهو ما زال مكذبا منكرا للبعث. حتى متنا ثم بعثنا فوصلت انا الى ما ترون من النعيم الذي اخبرتنا به الرسل. وهو لا شك انه قد وصل الى العذاب فهل انتم مطلعون لننظر اليه؟ فنزداد وسرورا بما نحن فيه. ويكون ذلك رأي عين. والظاهر من حال اهل الجنة وسرور بعضهم ببعض. وموافقة بعضهم بعض انهم اجابوه لما قال وذهبوا تبعا له للاطلاع على قرينه فاطلع فرأى قرينه في سواء الجحيم. اي في وسط العذاب وغمراته. والعذاب قد احاط به فقال له نائما على حاله وشاكرا لله على نعمته ان نجاه من كيده اي تهلكني بسبب ما ادخلت علي من الشبه بزعمك ولولا نعمة ربي على ان ثبتني على الاسلام لكنت من المحضرين في العذاب معك السنة الاولى وما نحن بمعذبين. اي يقوله المؤمن مبتهجا بنعمة الله على اهل الجنة بالخلود الدائم فيها من العذاب استفهام بمعنى الاثبات والتقرير. ان يقولوا لقرينه المعذب افتزعم اننا لسنا نموت سوى الموتة الاولى ولا بعث بعدها ولا عذاب. وقوله فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون. وحذف المعمول والمقام مقام لذة وسرور فدل ذلك على انهم يتساءلون بكل ما يلتذون بالتحدث به. والمسائل التي وقع فيها النزاع والاشكال. ومن المعلوم ان لذة كاهل العلم بالتساؤل عن العلم والبحث عنه فوق اللذات الجارية في احاديث الدنيا. فلهم من هذا النوع النصيب الوافر. ويحصل لهم من انكار في الحقائق العلمية في الجنة ما لا يمكن التعبير عنه. فلما ذكر تعالى نعيم الجنة ووصفه بهذه الاوصاف الجميلة وشوق العاملين وحثهم على العمل فقال الذي حصل لهم به كل كل خير وكل ما تهوى الانفس وتشتهي واندفع عنهم به كل محذور ومكروه. فهل فوز يطلب فوقه؟ ام هو غاية الغايات ونهاية النهايات حيث حل عليهم رضا رب الارض والسماوات وفرحوا بقربه وتنعموا بمعرفته واستروا برؤيته وطلبوا لكلامه فهو احق ما انفقت فيه نفائس الانفاس واول كما شمر اليه العارفون الاكياس. والحسرة كل الحسرة ان يمضي على الحازم وقت من اوقاته. وهو غير مشتغل بالعمل الذي يقربه ولهذه الدار فكيف اذا كان يسير بخطاياه الى دار البوار اذلك خير. اي ذلك النعيم الذي وصفناه لاهل الجنة خير؟ ام العذاب الذي يكون في الجحيم من جميع اصناف العذاب يطعمين او لا؟ الذي وصف في الجنة ام طعام اهل النار؟ وهو شجرة الزقوم انا جعلناها فتنة اي عذابا ونكالا للظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي. انها شجرة اي وسطة فهذا مخرجها ومعدنها اشر المعادن واسوأها وشر المغرس يدل على شر الغراس وخسته. ولهذا نبهنا الله على شرها بما ذكر اين تنبت به. وبما ذكر من صفة ثمرتها طلعها كانه رؤوس الشياطين وانها كرؤوس الشياطين. فلا تسأل بعد هذا عن طعمها وما تفعل في اجوافهم وبطونهم وليس لهم عنها مندوحة ولا معدن. ولهذا قال فهذا طعام اهل النار. فبئس الطعام طعامهم. ثم ذكر شرابهم فقال ثم ان لهم عليها اي على اثر هذا الطعام لشوبا من حميم اي ماء حارا قد انتهى كما قال تعالى. وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا. وكما قال تعالى وسقوا ماء حميما فقطع امعائهم الى الجحيم. ثم ان مرجعهم اي مآلهم ومقرهم ومأواهم ليذوقوا من عذابه الشديد. وحره العظيم ما ليس عليه مزيد من الشقاء. وكأنه قيل ما الذي اوصلهم الى هذه الدار فقال انهم الفوا اي وجدوا اباءهم ضالين. اي يسرعون في الضلال فلم يلتفتوا الى ما دعتهم اليه الرسل ولا الى ما حذرتهم عنه الكتب ولا الى اقوال الناصحين بل عارضوهم بان قالوا انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون. ولقد ظل قبلهم اي قبل هؤلاء المخاطبين اكثر الاولين وقليل منهم امن واهتدى منذرين. ينذرونهم عن غيهم وضلالهم عباد الله المخلصين. كانت عاقبتهم الهلاك والخزي والفضيحة فليحذر هؤلاء ان يستمروا على ضلالهم فيصيبهم مثل ما اصابهم. ولما كان المنذرون ليسوا كلهم ضالين. بل منهم من امن واخلص الدين لله استثناه الله من الهلاك فقال اي الذين اخلصهم الله. وخصهم برحمته لاخلاصهم. فان عواقبهم صارت حميدة. ثم ذكر انموذجا من عواقب بالامم المكذبين فقال وجعلنا ذريتهم هم الباقين. وتركنا عليه في الاخرين سلام على نوح في العالمين. انا كذلك نجزي المحسنين انه من عبادنا المؤمنين ثم اغرقنا الاخرين. يخبر تعالى عن عبده ورسوله في نوح عليه السلام اول الرسل انه لما دعا قومه الى الله تلك المدة الطويلة فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا انه ونادى ربه فقال رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. وقال رب انصرني على القوم المفسدين. فاستجاب الله له ومدح تعالى نفسه فقال نعم المجيبون لدعاء الداعين وسماع تبتلهم وتضرعهم اجابه اجابة طابق ما سأل. نجاه اهله من الكرب العظيم. واغرق جميع الكافرين. وابقى نسله وذريتهم متسلسلين فجميع الناس من ذرية نوح عليه السلام وجعل له ثناء حسنا مستمرا الى وقت الاخرين. وذلك لانه محسن في عبادته سعادة الخالق محسن الى الخلق. وهذه سنته تعالى في المحسنين. ان ينشر لهم من الثناء على حسب احسانهم. ودل قوله انه من عبادنا المؤمنين ان الايمان ارفع منازل العباد وانه مشتمل على جميع شرائع الدين واصوله وفروعه. لان الله مدح به خواص خلقه. اي وان من شيعة نوح عليه السلام ومن هو على طريقته في النبوة والرسالة ودعوة الخلق الى الله واجابة الدعاء. ابراهيم الخليل عليه السلام من الشرك والشبه والشهوات المانعة من تصور الحق والعمل به. واذا كان قلب العبد سليما سلم من كل شر وحصل له كل خير. ومن سلامته انه سليم من غش الخلق وحسد بهم وغير ذلك من مساوئ الاخلاق. ولهذا نصح الخلق في الله وبدأ بابيه وقومه فقال هذا استفهام بمعنى الانكار والزام لهم بالحجة اي اتعبدون من دونه الهة كذبا؟ ليست بالهة ولا تصلح للعبادة فما ظنكم برب العالمين ان يفعل بكم وقد عبدتم معه غيره؟ وهذا ترهيب لهم بالجزاء بالعقاب على الاقامة على شركهم. وما الذي ظننتم برب العالمين من النقص؟ حتى جعلتم له اندادا وشركاء فاراد عليه السلام ان يكسر اصنامهم ويتمكن من ذلك فانتهز الفرصة في حين غفلة منهم لما ذهبوا الى عيد من اعيادهم خرج معهم في الحديث الصحيح لم يكذب ابراهيم عليه السلام الا ثلاث كذبات. قوله اني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله عن زوجته انها اختي. والقصد انه تخلف عنهم ليتم له الكيد بالهتهم. فلهذا فلما وجد الفرصة فراغ الى الهتهم. اي اسرع اليها على وجه الخفية والمراوغة. فقال متهكما بها اي فكيف يليق ان تعبد وهي انقص من الحيوانات التي تأكل او تكلم فهذه جماد لا تأكل ولا تكلم. اي جعل يضربها بقوته ونشاطه حتى جعلها جذاذا الا كبيرا لهم لعلهم اليه يرجعون ان يسرعون ويهرعون. اي يريدون ان يوقعوا به. بعدما بحثوا وقالوا من فعل هذا بالهتنا انه لمن الظالمين وقيل لهم سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم يقول تالله لاكيدن اصنامكم بعد ان تولوا مدبرين فوبخوه ولاموه. فقال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون. فرجعوا الى انفسهم فقالوا ان انتم الظالمون. ثم نكسوا على رؤوسهم. لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. قال افتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم. وقال هنا اي تنحتونه بايديكم وتصنعونه. فكيف تعبدونهم؟ وانتم الذين صنعتموهم. وتتركون الاخلاص لله الذي خلقكم وما تعملون قالوا ابنوا له بنيانا اي عاليا مرتفعا واوقدوا فيها النار. جزاء على ما فعل من تكسير الهتهم. فارادوا به كيدا ليقتلوه اشنع قتله. رد الله كيدهم في نحورهم وجعل النار على ابراهيم بردا وسلاما. ولما فعلوا فيه هذا الفعل واقام عليهم الحجة واعذر منهم قال اني ذاهب الى ربي. اي مهاجر اليه. قاصد الى الارض المباركة ارض الشام. يدلني الى ما فيه الخير لي من امر ديني ودنياي. وقال في الاية الاخرى واعتزلكم وما تدعون من دون الله. وادعو ربي عسى ان لا اكون بدعاء ربي شقيا رب هب لي ولدا يكون من الصالحين. وذلك عندما ايس من قومه ولم يرى فيهم خيرا. دعا الله ان يهب لهم غلاما صالحا ينفع الله به في حياته وبعد مماته. فاستجاب الله له وقال وهذا اسماعيل عليه السلام بلا شك. فانه ذكر بعده البشارة باسحاق. ولان الله تعالى قال في بشراه باسحاق فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب. فدل على ان اسحاق غير الذبيح ووصف الله اسماعيل عليه السلام بالحلم وهو يتضمن الصبر وحسن الخلق وسعة الصدر والعفو عمن جنى فلما بلغ الغلام معه السعي اي ادرك ان يسعى معه وبلغ سنا يكون في الغالب احب ما يكون لوالديه ذهبت مشقته واقبلت منفعته. فقال له ابراهيم عليه السلام اي قد رأيت في النوم رؤيا ان الله يأمرني بذبحك ورؤيا الانبياء وحي انظر ماذا ترى فان امر الله تعالى لابد من تنفيذه. قال اسماعيل صابرا محتسبا مرضيا لربه وبارا بوالده يا ابتي افعل ما تؤمر اي امضي لما امرك الله اخبر اباه انه موطن نفسه على الصبر وقرن ذلك بمشيئة الله تعالى لانه لا يكون شيء بدون مشيئة الله تعالى فلما اسلما اي ابراهيم وابنه اسماعيل جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده امتثالا لامر ربه وخوفا من عقابه والابن قد وطن نفسه على الصبر. وهانت عليه في طاعة ربه ورضا والده اي تل ابراهيم اسماعيل على جبينه. ليضجعه فيذبحه. وقد انكب لوجهه لئلا ينظر وقت الذبح الى وجهه وناديناه في تلك الحال المزعجة والامر مدهش ان يا ابراهيم ان قد صدقت اي قد فعلت ما امرت به فانك وطنت نفسك على ذلك وفعلت كل سبب ولم يبق الا امرار السكين على حد انا كذلك نجزي المحسنين في عبادتنا المقدمة رضانا على شهوات انفسهم ان هذا الذي امتحنا به ابراهيم عليه السلام. اي الواضح الذي تبين به صفاء ابراهيم. وكمال محبته لربه وخلته. فان اسماعيل عليه السلام لما وهبه الله لابراهيم. احبه حبا شديدا وهو خليل الرحمن والخلة اعلى انواع المحبة. وهو منصب لا يقبل المشاركة. ويقتضي ان تكون جميع اجزاء القلب متعلقة بالمحبوب. فلما تعلقت شعبة من شعب قلبه بابنه اسماعيل. اراد الله تعالى ان يصفي وده ويختبر خلته فامره ان يذبح من زاحم حبه حب ربه. فلما قدم حب الله واثره على هواه. وعزم على ذبحه. وزال ما في القلب من المزاحم بقي الذبح لا فائدة فيه. فلهذا قال وفديناه بربح عظيم. اي صار بدله ذبح من الغنم عظيم. ذبحه ابراهيم فكان عظيما من جهة انه كان فداء لاسماعيل. ومن جهة انه من جملة العبادات الجليلة. ومن جهة انه كان قربانا سنة الى يوم القيامة. وتركنا عليه في الاخرين اي وابقينا عليه ثناء صادقا في الاخرين كما كان في الاولين فكل وقت بعد ابراهيم عليه السلام فانه فيه محبوب معظم مثنى عليه اي تحيته عليه كما قال تعالى قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى كذلك نجزي المحسنين انا كذلك نجزي المحسنين في عبادة الله ومعاملة خلقه. ان نفرج عنهم شدائد ونجعل لهم العاقبة والثناء الحسن. انه من عبادنا المؤمنين بما امر الله بالايمان به. الذين بلغ بهم الايمان الى درجة اليقين. كما قال تعالى وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين صالحين. هذه البشارة الثانية باسحاق. الذي من ورائه يعقوب. فبشر بوجوده وبقائه. ووجود ذريته وكونه نبيا من الصالحين فهي بشارات متعددة اي انزلنا عليهما البركة. التي هي النمو والزيادة في علمهما وعملهما وذريتهما. فنشر قال الله من ذريتهما ثلاث امم عظيمة. امة العرب من ذرية اسماعيل وامة بني اسرائيل وامة الروم. من ذرية اسحاق اي منهم الصالح والطالح. والعادل والظالم الذي تبين ظلمه بكفره وشركه. ولعل هذا من باب دفع الايهام فانه لما قال وباركنا عليه وعلى اسحاق اقتضى ذلك البركة في ذريتهما. وان من تمام البركة ان تكون الذرية كلهم المحسنين فاخبر الله تعالى ان منهم محسنا وظالما والله اعلم ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم. ونصرناهم فكانوا واتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما يذكر تعالى منته على عبديه ورسوليه موسى وهارون ابني عمران بالنبوة والرسالة دعوتي الى الله تعالى ونجاتهما وقومهما من عدوهما فرعون. ونصرهما عليه حتى اغرقه الله وهم ينظرون. وانزال الله عليهما الكتاب المستبين وهو التوراة التي فيها الاحكام والمواعظ وتفصيل كل شيء. وان الله هداهما الصراط المستقيم. بان شرع لهما دينا ذا احكام وشرائع مستقيمة موصلة الى الله. ومن عليهما بسلوكه. وتركنا عليه ما في الاخرين سلام على موسى وهارون. اي ابقى عليهما ثناء حسنا. وتحية في الاخرة ومن باب اولى واحرى في الاولين انا كذلك نجزي المحسنين وان الياس لمن المرسلين يقال لقومه الا تتقون اتدعون بعده وتذرون احسن الخلق الله ربكم ورب يمدح تعالى عبده ورسوله الياس عليه الصلاة والسلام. بالنبوة والرسالة والدعوة الى الله. وانه امر قوم بالتقوى وعبادة الله وحده. ونهاهم عن عبادتهم صنما لهم يقال له بعل. وتركهم عبادة الله الذي خلق الخلق واحسن خلقه ورباهم فاحسن تربيتهم. وادر عليهم النعم الظاهرة والباطنة. وانكم كيف تركتم عبادة الله من هذا شأنه. الى عبادة صنم لا يضر ولا ينفع. ولا يخلق ولا يرزق بل لا يأكل ولا يتكلم. وهل هذا الا من اعظم الضلال والسفه والغي فكذبوه فيما دعاهم اليه فلم ينقادوا له. قال الله متوعدا لهم. اي يوم القيامة في العذاب ولم يذكر لهم عقوبة دنيوية الا عباد الله المخلصين. اي الذين اخلصهم الله ومن عليهم باتباع نبيهم. فان هم غير محضرين في العذاب وانما لهم من الله جزيل الثواب وتركنا عليه اي على الياس في الاخرين ثناء حسنا اي تحية من الله ومن عباده عليه. انه فاثنى الله عليه كما اثنى على اخوانه صلوات الله وسلامه عليه اجمعين. وهذا ثناء منه تعالى على عبده ورسوله لوط بالنبوة والرسالة ودعوته الى الله قومه ونهيهم عن الشرك وفعل الفاحشة. فلما لم انه نجاه الله واهله اجمعين. فسروا ليلا فنجوا. اي المعذبين وهي زوجة لوط لم تكن على دينه. بان قلبنا عليهم ديارهم فجعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود. حتى همدوا وخمدوا انكم لتمرون عليهن مصبحين وانكم لتمرون عليهم اي على ديار قوم لوط مصبحين افلا تعقلون. وبالليل اي في هذه الاوقات يكثر ترددكم اليها ومروركم بها. فلم تقبل الشك والمرية. افلا تعقلون الايات والعبر وتنزجرون عما يوجب الهلاك. وهذا ثناء منه تعالى على عبده ورسوله يونس ابن متى. كما اثنى على اخوانه المرسلين بالنبوة والرسالة والدعوة الى الله. وذكر تعالى عنه انه ما هو عقوبة دنيوية انجاه منها بسبب ايمانه واعماله الصالحة؟ فقال اذ ابى اي من ربه مغاضبا له. ظانا انه لا يقدر عليه. ويحبسه في بطن الحوت. ولم يذكر الله ما غضب عليه ولا ذنبه الذي ارتكبه لعدم فائدتنا بذكره. وانما فائدتنا بما ذكرنا عنه انه اذنب. وعاقبه الله مع كونه فيه من الرسل الكرام وانه نجاه بعد ذلك وازال عنه المنام وقيض له ما هو سبب صلاحه. فلما ابق لجأ الى الفلكي المشحون بالركاب والامتعة. فلما ركب مع غيره والفلك شاحن ثقلت السفينة فاحتاجوا الى القاء بعض الركبان وكانهم لم يجدوا لاحد مزية في ذلك. فاقترعوا على ان منقرع وغلب القي في البحر عدلا من اهل السفينة. واذا اراد الله امرا هيأ اسبابه. فلما اقترعوا اصابت القرعة يونس فكان من المدحدين. اي المغلوبين فالقي في البحر فالتقمه الحوت وهو وقت التقامه مليم. اي فاعل ما يلام عليه وهو مغاضبته لربه اي في وقته السابق بكثرة عبادته لربه تسبيحه وتحميده وفي بطن الحوت حيث قال لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين اي لكانت مقبرته ولكن بسبب تسبيحه وعبادته لله نجاهم الله تعالى وكذلك ينجي الله المؤمنين عند وقوعهم في الشدائد فنبذناه بالعراء بان قذفه الحوت من بطنه بالعراء. وهي الارض الخالية العارية من كل احد. بل ربما كانت عارية من الاشجار والظلال وهو سقيم. اي قد سقم ومرض بسبب حبسه في بطن الحوت. حتى صار مثل الفرخ المنعوط من البيضة تظله بظلها الظليل لانها بادرة باردة في الظلال ولا يسقط عليها ذباب. وهذا من لطفه به وبره ثم لطف به لطفا اخر وامتن عليه منة عظمى وهو انه ارسله الى مئة الف من الناس او يزيدون عنها. والمعنى انهم اما زادوا لم ينقصوا فدعاهم الى الله تعالى. فامنوا وصاروا في موازينه لانه الداعي لهم بان صرف الله عنهم العذاب بعد من عقد اسبابه قال تعالى فلولا كانت قرية امنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما امنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فاستفتهم. اي اسأل المشركين بالله غيره الذين عبدوا الملائكة. وزعموا انها بنى الله فجمعوا بين الشرك بالله ووصفه بما لا يليق بجلاله. اي في هذه قسمة وقول جائر من جهة جعلهم الولد لله تعالى ومن جهة جعلهم اردأ القسمين واخسها له وهو التي لا يرضونهن لانفسهم كما قال في الاية الاخرى ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون. ومن جهة جعلهم والملائكة بنات الله وحكمهم بذلك. قال تعالى في بيان كذبهم وهم شاهدون خلقهم اي ليس الامر كذلك فانهم ما شهدوا خلقهم. فدل على انهم قالوا هذا القول بلا علم. بل افتراء على الله. ولهذا قالون فولد الله وانهم لكاذبون. الا انهم من افكهم اي كذبهم الواضح يقولون ولد الله وانهم لكاذبون اصطفى البنات على البنين اصطفى اي اختار البنات على البنين. ما لكم كيف تحكمون هذا الحكم الجائر. وتميزون هذا القول الباطل الجائر. فانكم لو تذكرتم لم تقولوا هذا القول املك سلطان مبين. اي حجة ظاهرة على قولكم من كتاب او رسول وكل وهذا غير واقع ولهذا قال فان من يقول قولا لا يقيم عليه حجة شرعية فانه كاذب متعمد او قائل على الله بلا علم اي جعل هؤلاء مشركون بالله بين الله وبين الجنة نسبا. حيث زعموا ان الملائكة بنات الله وان امهاتهم صلوات الجن. والحال ان الجنة قد علمت انهم محضرون بين يدي الله ليجازيهم عبادا اذلاء. فلو كان بينهم وبينه نسب لم يكونوا كذلك سبحان الله الملك العظيم الكامل الحليم عما يصفه به المشركون من كل وصف ان اوجبه كفرهم وشركهم الا عباد الله المخلصين. فانه لم ينزه نفسه عما وصفوه به لانهم لم يصفوه الا بما يليق بجلاله. وبذلك كانوا مخلصين اي انكم ايها المشركون ومن عبدتموهما مع الله لا تقدرون ان تفتنوا وتضلوا احدا الا من قضى الله انه من اهل الجحيم فينفذ فيه القضاء الالهي والمقصود من هذا هذا بيان عجزهم وعجز الهتهم عن اضلال احد. وبيان كمال قدرة الله تعالى. اي فلا تطمعوا باضلال عباد الله المخلصين وحزبه المفلحين وما منا الا له مقام معلوم. هذا فيه بيان براءة الملائكة عليهم السلام عما قاله فيهم المشركون وانهم عباد الله لا يعصونه طرفة عين فما منهم من احد الا له مقام وتدبير قد امره الله به لا يتعداه ولا يتجاوزه وليس له من الامر شيء وانا لنحن الصافون في طاعة الله وخدمته وانا لنحن المسبحون لله عما لا يليق به. فكيف مع هذا يصلحون ان يكونوا شركاء لله قال الله لكنا عباد الله المخلصين. فكفروا به فسوف يعلمون يخبر تعالى ان هؤلاء المشركين يظهرون التمني ويقولون لو جاءنا من الذكر والكتب ما جاء الاولين لاخبر لله العبادة بل لكنا المخلصين على الحقيقة. وهم كذبة في ذلك. فقد جاءهم افضل الكتب فكفروا به. فعلم انهم المتمردون على الحق. فسوف يعلمون العذاب حين يقع بهم لعبادنا المرسلين. انهم لهم المنصورون فتول عنهم حتى ولا يحسب ايضا انهم في الدنيا غالبون بل قد سبقت كلمة الله التي لا مرد لها ولا مخالف لها لعباده المرسلين المفلحين انهم الغالبون لغيرهم المنصورون من ربهم نصرا عزيزا يتمكنون فيه من اقامة دينهم هذه بشارة عظيمة لمن اتصف بانه من جند الله بان كانت احواله مستقيمة وقاتل من امر بقتالهم انه غالب منصور ثم امر رسوله بالاعراض عن من عاندوا ولم يقبلوا الحق. وانه ما بقي الا انتظار ما يحل بهم من العذاب. ولهذا قال واوصلهم فسوف يبصرون افبعذابنا يستعجلون فسوف يبصر من يحل به النكال فانه سيحل بهم وتول عنهم حتى حين وابصر فسوف يبصرون فاذا نزل بساحتهم اي نزل عليهم وقريبا منهم لانه صباح الشر والعقوبة والاستئصال. ثم كرر الامر بالتولي عنهم. وتهديدهم بوقوع العذاب. ولما ذكر في هذه السورة كثيرا من اقوالهم الشنيعة التي وصفوه بها نزه نفسه عنها فقال سبحان ربك اي تنزه وتعالى رب العزة اي الذي عزى فقهر كل شيء واعتز عن كل سوء يصفونه به. لسلامتهم من الذنوب والافات وسلامة ما وصفوا به فاطر الارض والسماوات الالف واللام للاستغراق. فجميع انواع الحمد من الصفات الكاملة العظيمة والافعال التي ربى بها وادر عليهم فيها النعم وصرف عنهم بها النقم. ودبرهم تعالى في حركاتهم وسكونهم. وفي جميع احوالهم. كل لله تعالى فهو المقدس عن النقص. المحمود بكل كمال. المحبوب المعظم. ورسله سالمون مسلم عليهم. ومن اتبعهم في ذلك له السلامة في الدنيا والاخرة. واعداؤه لهم الهلاك والعطب في الدنيا والاخرة بسم الله الرحمن الرحيم. صادق والقرآن بالذكر. بل الذين كفروا هذا بيان من الله تعالى لحال القرآن وحال المكذبين به معه ومع من جاء به فقال والقرآن ذي الذكر. اي ذي القدر العظيم والشرف المذكر للعباد كل ما يحتاجون اليه من العلم باسماء الله وصفاته وافعاله. ومن العلم باحكام الله الشرعية ومن العلم باحكام المعادي والجزاء. فهم لهم في اصول دينهم وفروعه. وهنا لا يحتاج الى ذكر المقسم عليه. فان حقيقة الامر ان المقسم به وعليه شيء واحد. وهو هذا القرآن الموصوف بهذا الوصف الجليل. فاذا كان القرآن بهذا الوصف ولما ضرورة العباد اليه فوق كل ضرورة. وكان الواجب عليهم تلقيه بالايمان والتصديق. والاقبال على استخراج ما يتذكر به منه هدى الله من هدى لهذا وابى الكافرون به وبمن انزله وصار معهم عزة وامتناع عن الايمان به واستكبار وشقاق له. اي مشاقة ومخاصمة في رده وابطاله. وفي القدح بمن جاء به. فتوعدهم باهلاك القرون الماضية المكذبة بالرسل وانهم حين جاءهم الهلاك نادوا واستغاثوا في صرف العذاب عنهم. ولكن اي وليس الوقت وقت كخلاص مما وقعوا فيه ولا فرج لما اصابهم فليحذر هؤلاء ان يدوموا على عزتهم وشقاقهم فيصيبهم ما اصابهم وعجبوا ان جاءهم منذر منهم. اي عجب هؤلاء المكذبون في امر ليس محل العجب. ان جاءهم منذر منهم ليتمكنوا من التلقي وليعرفوه حق المعرفة ولانه من قومهم فلا تأخذهم النخوة القومية عن اتباعه فهذا مما يوجب الشكر عليهم اما الانقيادي له ولكنهم عكسوا القضية. فتعجبوا تعجب انكار وقالوا من كفرهم وظلمهم وذنبه عندهم انه هذا لشيء عجاب اجعل الها واحدا اي كيف ينهى عن اتخاذ الشركاء والانداد ويأمر باخلاص العبادة لله وحده ان هذا الذي جاء به لشيء عجاب. ان يقضي منه العجب لبطلانه وفساده. وانطلق الملأ منهم من امشوا وانطلق الملأ منهم المقبول قولهم قومهم على التمسك بما هم عليه من الشرك. ايستمروا عليها وجاهدوا نفوسكم في الصبر عليها وعلى عبادتها. ولا يردكم عنها راد. ولا يصدنكم عن عبادتها صاد ان هذا الذي جاء به محمد من النهي عن عبادتها لشيء يراد اي يقصد اي له قصد ونية غير صالحة في ذلك. وهذه شبهة لا تروج الا على السفهاء. فان من دعا الى قول حق او غير حق. لا يرد قوله بالقدر في نيته فنيته وعمله له وانما يرد بمقابلته بما يبطله ويفسده من الحجج والبراهين وهم قصدهم ان محمدا ما دعاكم الى ما دعاكم الا ليرأس فيكم ويكون معظما عندكم متبوعا ما سمعنا بهذا القول الذي قاله. والدين الذي دعا اليه في الملة الاخرة. اي في الوقت الاخير فلا ادركنا عليه اباءنا ولا اباؤنا ادركوا اباءهم عليه. فامضوا على الذي مضى عليه اباؤكم فانه الحق وما هذا الذي دعا اليه محمد الا اختلاق اختلقه. وكذب افتراه. وهذه ايضا شبهة من جنس شبهتهم الاولى. حيث ردوا الحق فبما ليس بحجة لرد ادنى قول وهو انه قول مخالف لما عليه اباؤهم الضالون فاين في هذا ما يدل على بطلانه انزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوب عذاب فانزل عليه الذكر من بيننا. اي ما الذي فضله علينا؟ حتى ينزل الذكر عليه من دوننا. ويخصه الله به. وهذه ايضا شبهة اين البرهان فيها على رد ما قاله؟ وهل جميع الرسل الا بهذا الوصف؟ يمن الله عليهم برسالته ويأمرهم الخلق الى الله. ولهذا لما كانت هذه الاقوال الصادرة منهم لا يصلح شيء منها لرد ما جاء به الرسول. اخبر تعالى من اين وانهم في شك من ذكر ليس عندهم علم ولا بينة. فلما وقعوا في الشك وارتضوا به وجاءهم الحق الواضح وكانوا جازمين باقامتهم على شكهم قالوا ما قالوا من تلك الاقوال لدفع الحق. لا عن بينة من امرهم وانما ذلك من باب الائتفاك منهم. ومن المعلوم ان من هو وبهذه الصفة يتكلم عن شك وعناد ان قوله غير مقبول ولقدح ادنى قدح في الحق. وانه يتوجه عليه الذم واللوم بمجرد كلامه ولهذا توعدهم بالعذاب فقال اي قالوا هذه الاقوال وتجرأوا عليها حيث كانوا ممتعين في الدنيا لم يصبهم من عذاب الله شيء. فلو ذاقوا عذابه لم يتجرأوا فيعطون منها من شاؤوا ويمنعون منها من شاؤوا حيث قالوا انزل عليه الذكر من بيننا؟ اي هذا فضله تعالى ورحمته. وليس ذلك بايديهم حتى يتحجروا على الله لهم ملك السماوات والارض وما بينهما فليرتقوا في الاسباب. ام لهم ملك السماوات والارض وما بينهما بحيث يكونون قادرين على ما يريدون. فليرتقوا في الاسباب الموصلة لهم الى السماء. فيقطع الرحمة عن رسول الله فكيف يتكلمون وهم اعجز خلق الله واضعفهم بما تكلموا به؟ ام قصدهم التحزب والتجند؟ والتعاون على نصر الباطل خذلان الحق وهو الواقع. فان هذا المقصود لا يتم لهم بل سعيهم خائب. وجندهم مهزوم. ولهذا قال كذبت قبلهم قوم نوح يحذرهم تعالى ان يفعل بهم ما فعل بالامم من قبلهم. الذين كانوا اعظم قوة منهم على الباطل قوم نوح وعاد قوم هود وفرعون ذو الاوتاد اي الجنود العظيمة والقوة الهائلة قوم لوط واصحاب الايكة اولئك الاحزاب. وثمود قوم صالح وقوم لوط واصحاب الايكة اي الاشجار والبساتين الملتفة. وهم قوم شعيب. اولئك الاحزاب. الذين اجتمعوا بقوتهم وعددهم وعددهم على رد الحق. فلم تغني عنهم شيئا ان كل من هؤلاء الا كذب الرسل فحق عليهم عقاب الله. وهؤلاء ما الذي يطهرهم ويزكيهم الا يصيبهم ما اصاب اولئك فلينتظروا صيحة واحدة ما لها من فواق. اي من رجوع ورد تهلكهم وتستأصلهم ان على ما هم عليه. وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب. اي قال هؤلاء المكذبون من جهلهم ومعاندتهم الحق. مستعجلين للعذاب. ربنا عجل لنا قطنا. ايقسطنا وما قسم لنا من العذاب عاجلا. امين الى يوم الحساب. ولجوا في هذا القول وزعموا انك يا محمد ان كنت صادقا فعلامة صدقك ان تأتينا بالعذاب. فقال قال لرسوله اصبر ما يقولون كما صبر من قبلك من الرسل. فان قولهم لا يضر الحق شيئا. ولا يضرونك في شيء وانما يضرون انفسهم لما امر الله رسوله بالصبر على قومه امره ان يستعيذ ان على الصدر بالعبادة لله وحده ويتذكر حال العابدين كما قال في الاية الاخرى فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع طلوع الشمس وقبل غروبها. ومن اعظم العابدين نبي الله داود عليه الصلاة والسلام ذا الايد اي القوة العظيمة على عبادة الله الله تعالى في بدنه وقلبه. اي رجاع الى الله في جميع الامور بالانابة اليه بالحب والتألف والخوف والرجاء وكثرة التضرع والدعاء. رجاع اليه عندما يقع منه بعض الخلل. بالاقلاع والتوبة النصوح سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق. ومن شدة انابته لربه وعبادته ان سخر الله والجبال معه تسبح معه بحمد ربها. اول النهار واخره وسخر الطير محشورة معه مجموعة. كل من الجبال والطير لله تعالى على اواب امتثالا لقوله تعالى يا جبال اوبي معه والطير. فهذه منة الله عليه بالعبادة. ثم ذكر منته عليه بالملك العظيم فقال وشددنا ملكه اي قويناه بما اعطيناه من الاسباب وكثرة العدد والعدد. التي بها قوى الله ملكه. ثم ذكر منته عليه بالعلم. فقال واتيناه الحكمة اي النبوة والعلم العظيم. اي الخصومات بين الناس لما ذكر تعالى انه اتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين من الناس وكان معروفا بذلك مقصودا ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده في قضية جعلهما الله فتنة لداوود وموعظة خلل ارتكبه فتاب الله عليه وغفر له. وقيض له هذه القضية. فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وهل اتاك نبأ خصم فانه نبأ عجيب اذ تسوروا على داوود المحراب اي محل عبادته من غير اذن ولا استئذان ولم يدخلوا عليه مع باب اذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض. فلذلك لم ما دخلوا عليه بهذه الصورة فزع منهم وخاف فقالوا له نحن خصمان فلا تخف بغى بعضنا على بعض بالظلم بيننا بالحق ولا تشقط واهدنا الى سواء الصراط. فاحكم بيننا بالحق اي بالعدل عدل ولا تمل مع احدنا. والمقصود من هذا الخصمين قد عرف ان قصدهما الحق الواضح الصرف. واذا كان ذلك فسيقصان عليه نبأهما بالحق. فلم يشمئز نبي الله داوود من له ولم يؤنبهما. فقال احدهما ان هذا اخي فعلى الاخوة في الدين او النسب او الصداقة لاقتضائها عدم البغي. وان بغيه الصادر منه اعظم من غيره. له تسع وتسعون نعجة اي زوجة وذلك خير كثير. يوجب عليه القناعة بما اتاه الله. ولي نعجة واحدة فطمع فيها. فقال اكفلنيها اي دعها لي وخلها في كفالتي. اي غلبني في القول فلم يزل بي حتى ادركه اوكاد فقال داود لما سمع كلامه. ومن المعلوم من السياق السابق من كلامهما ان هذا هو الواقع. فلهذا لم يحتج ان يتكلم اما الاخر فلا وجه للاعتراض بقول القائل لما حكم داود قبل ان يسمع كلام الخصم الاخر الا الذين امنوا. لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه. وهذه عادة الخلطاء والقرناء الكثير منهم. فقال وان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض لان الظلم من صفة النفوس الا الذين امنوا وعملوا الصالحات فان ما معهم من الايمان والعمل الصالح يمنعهم من الظلم وقليل ما هم. كما قال تعالى وقليل من عبادي الشكور انما فتناه فاستغفر ربه فاستغفر ربه وخر راكعا انا وظن داوود حين حكم بينهما ان ما فتناه اي اختبرناه ودبرنا عليه هذه القضية لينتبه فاستغفر ربه لما صدر منه وخر راكعا اي ساجدا واناب لله تعالى بالتوبة النصوح والعبادة فغفرنا له ذلك الذي صدر منه واكرمه الله بانواع الكرامات. فقال وان له عندنا لزلفى اي منزلة عالية وقربة منا اي مرجع وهذا الذنب الذي صدر من داوود عليه السلام لم يذكره الله لعدم الحاجة الى ذكره. فالتعرض له من باب التكلف ما الفائدة ما قصه الله علينا من لطفه به وتوبته وانابته. وانه ارتفع محله. فكان بعد التوبة احسن منه قبلها ان الذين يضلون عن سبيل يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض تنفذ فيها القضايا الدينية والدنيوية. فاحكم بين الناس بالحق اي العدل. وهذا لا يتمكن منه الا بعلم الواجب وعلم بالواقع وقدرة على تنفيذ الحق ولا تتبع الهوى فتميل مع احد لقرابة او صداقة او محبة او بغض للاخر. فيضلك الهوى عن سبيل الله ويخرجك عن الصراط المستقيم ان الذين يضلون عن سبيل الله خصوصا المتعمدين منهم فلو ذكروه ووقع خوفه في قلوبهم لم يميلوا مع الهوى الفاتن يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السماوات والارض. وانه لم يخلقهما باطلا. اي عبثا ولعبا من غير فائدة ولا مصلحة. ذلك ظن الذين كفروا بربهم حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله. فانها التي تأخذ الحق منهم وتبلغ منهم كل مبلغ. وانما خلق الله السماوات والارض بالحق وللحق. فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته وسعة سلطانه وانه تعالى وحده المعبود دون من لم يخلق مثقال ذرة من السماوات والارض. وان البعث حق وسيفصل الله بين اهل الخير والشر. ولا يظن الجاهل بحكمة الله ان يسوي الله بينهما في حكمه. ولهذا قال هذا غير لائق بحكمتنا وحكمنا اكبر اياته ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب كتاب انزلناه اليك مبارك فيه خير كثير وعلم غزير فيه كل هدى من ضلالة وشفاء من داء ونور يستضاء به في الظلمات وكل حكم يحتاج اليه المكلفون. وفيه من الادلة القطعية على كل مطلوب. ما كان به اجل كتاب طرق العالم منذ انشأه الله. اي هذه الحكمة من انزاله ليتدبر الناس اياته. فيستخرجوا علمها ويتأملوا اسرارها وحكمها فانه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه. واعادة الفكر فيها مرة بعد مرة. تدرك بركته وخيره. وهذا يدل على الى الحث على تدبر القرآن وانه من افضل الاعمال وان القراءة المشتملة على التدبر افضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود اي اولو العقول الصحيحة يتذكرون بتدبرهم لها كل كعلم ومطلوب فدل هذا على انه بحسب لب الانسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب لما اثنى تعالى على داوود وذكر ما جرى له ومنه اثنى على ابنه سليمان كان عليهما السلام فقال ووهبنا لداوود سليمان اي انعمنا به عليه واقررنا به عينه. نعم العبد سليمان عليه السلام فانه اتصف بما يوجب المدح وهو اي رجاع الى الله في جميع احواله بالتألف والانابة والمحبة والذكر والدعاء والتضرع. والاجتهاد في مرضات الله وتقديمها على كل شيء قافلة الريادة فقال اني احببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت وله هذا لما عرضت عليه الخيل الجياد السبق الصافنات. اي التي من وصفها الصفون وهو رفع احدى قوائمها عند الوقوف. وكأن لها منظر رائق وجمال معجب خصوصا للمحتاج اليها كالملوك. فما زالت تعرض عليه حتى غابت الشمس في الحجاب. فالهته عن صلاة المساء وذكره فقال ندما على ما مضى منه. وتقربا الى الله بما الهاه عن ذكره. وتقديما لحب الله على حب غيره اني احببت حب الخير وضمن احببت انا اثرت اي اثرت حب الخير الذي هو المال عموما. وفي هذا الموضع المراد الخيل ردوها علي فردوها فطفق فيها مسحا بالسوق والاعناق. اي جعل يعقرها بسيفه في سوقها واعناقها والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب. ولقد فتى الناس اي ابتليناه واختبرناه بذهاب وانفصاله عنه بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية. والقينا على كرسيه جسدا. اي شيطانا قضى الله وقدر ان يجلس على كرسي ملكه ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان. ثم اناب سليمان الى الله تعالى وتاب قال والشياطين وغواص واخرين مقرنين في الاصفاد. فاستجاب الله له وغفر له ورد عليه ملكه وزاده ملكا لم يحصل لاحد من بعده. وهو تسخير الشياطين له يبنون ما يريد ويغوصون له اهو في البحر يستخرجون الدر والحلي ومن عصاه منهم قرنه في الاصفاد واوثقه. وقلنا له هذا عطاؤنا فقر به عينا فامن على من شئت او امسك ان شئت بغير حساب. اي لا حرج عليك في ذلك ولا حساب. لعلمه تعالى بكمال عدله. وحسن احكامه. ولا تحسبن ان هذا لسليمان في الدنيا دون الاخرة. بل له في الاخرة خير عظيم. ولهذا قال اي هو من المقربين عند الله المكرمين بانواع الكرامات لله فصل فيما تبين لنا من الفوائد والحكم في قصة داوود وسليمان عليهما السلام. فمنها ان الله تعالى يقص على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اخبار من قبله ليثبت فؤاده وتطمئن نفسه ويذكر له من عبادته من شدة صبرهم وانابتهم ما يشوقهم الى منافستهم والتقرب الى الله الذي تقربوا اليه والصبر على اذى قومه. ولهذا في هذا الموضع لما ذكر الله ما ذكر من اذية قومه وكلامهم فيه وفيما جاء به امره بالصبر وان يذكر عبده داوود فيتسلى به. ومنها ان الله تعالى يمدح تحب القوة في طاعته. قوة القلب والبدن. فانه يحصل منها من اثار الطاعة وحسنها وكثرتها. ما لا يحصل مع الوهن وعدم القوة وان العبد ينبغي له تعاطي اسبابها وعدم الركون الى الكسل والبطالة المخلة بالقوى المضعفة للنفس. ومنها ان الرجوع الى الله في جميع الامور من اوصاف انبياء الله وخواص خلقه. كما اثنى الله على داوود وسليمان بذلك. فليقتدي بهما المقتدون وليهتدي بهداهم اولئك الذين هدى الله فبهداهم مقتضى. ومنها ما اكرم الله به نبيه داود عليه السلام. من حسن الصوت العظيم الذي جعل الله بسببه الجبال الصم والطيور البهم. يجاوبنه اذا رجع صوته بالتسبيح. ويسبحن معه بالعشي والاشراق. ومنها ان من اكبر نعم الله على عبده ان يرزقه العلم النافع ويعرف الحكم والفصل بين الناس كما امتن الله به على عبده داوود عليه السلام ومنها اعتناء الله تعالى بانبيائه واصفيائه. عندما يقع منهم بعض الخلل بفتنته اياهم وابتلائهم بما به يزول عنهم المحدود ويعودون الى اكمل من حالتهم الاولى. كما جرى لداوود وسليمان عليهما السلام. ومنها ان الانبياء صلوات الله وسلامهم وعليهم معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن الله تعالى. لان مقصود الرسالة لا يحصل الا بذلك. وانه قد يجري منهم بعض مقتضيات في الطبيعة من المعاصي ولكن الله تعالى يتداركهم ويبادرهم بلطفه. ومنها ان داوود عليه السلام كان في اغلب احواله محرابه لخدمة ربه. ولهذا تسور الخصمان عليه المحراب. لانه كان اذا خلا في محرابه لا يأتيه احد. فلم يجعل كل وقته ناس مع كثرة ما يرد عليه من الاحكام بل جعل له وقتا يخلو فيه بربه وتقر عينه بعبادته وتعينه على الاخلاص في جميع اموري ومنها انه ينبغي استعمال الادب في الدخول على الحكام وغيرهم. فان الخصمين لما دخلا على داوود في حالة غير معتادة من غير الباب المعهود فزع منهم واشتد عليه ذلك. ورآه غير لائق بالحال. ومنها انه لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق سوء ادب الخصم وفعله ما لا ينبغي. ومنها كمال حلم داوود عليه السلام. فانهما غضب عليهما حين جاءه بغير استئذان وهو الملك ولا انتهرهما ولا وبخهما. ومنها جواز قول المظلوم لمن ظلمه. انت ظلمتني او يا ظالم ونحو ذلك او باغ علي لقولهما خصمان بغى بعضنا على بعض. ومنها ان الموعوظ والمنصوح ولو كان كبير قدر جليل العلم اذا نصحه احد او وعظه لا يغضب ولا يشمئز بل يبادره بالقبول والشكر فان الخصمين نصحا داود الم يشمئز ولم يغضب ولم يثنه ذلك عن الحق. بل حكم بالحق الصرف. ومنها ان المخالطة بين الاقارب والاصحاب وكثرة تعلقات الدنيوية المالية موجبة للتعادي بينهم. وبغي بعضهم على بعض وانه لا يرد عن ذلك الا استعمال تقوى الله. والصبر على الامور بالايمان والعمل الصالح. وان هذا من اقل شيء في الناس. ومنها ان الاستغفار والعبادة خصوصا الصلاة من مكفرات الذنوب فان الله رتب مغفرة ذنب داوود على استغفاره وسجوده. ومنها اكرام الله لعبده داود وسليمان بالقرب منه وحسن الثواب والا يظن ان ما جرى لهما منقص لدرجتهما عند الله تعالى. وهذا من تمام لطفه بعباده المخلصين. انه اذا غفر لهم وازال اثر ذنوبهم. ازال الاثار المترتبة عليه كلها. حتى ما يقع في قلوب الخلق. فانهم اذا علموا ببعض ذنوبهم وقع في قلوبهم نزولهم عن درجتهم الاولى. فازال الله تعالى هذه الاثار وما ذاك بعزيز على الكريم الغفار. ومنها ان الحكم بين الناس مرتبة دينية. تولاها رسول الله وخواص خلقه. وان وظيفة القائم بها الحكم بالحق ومجانبة الهوى. فالحكم بالحق يقتضي العلم بالامور الشرعية. والعلم بصورة القضية المحكوم بها. وكيفية ادخالها في الحكم الشرعي. فالجاهل باحد الامرين لا يصلح للحكم ولا يحل له الاقدام عليه. ومنها انه ينبغي للحاكم ان يحذر الهوى ويجعله منه على بال. فان النفوس اتخلو منه؟ بل يجاهد نفسه بان يكون الحق مقصودا؟ وان يلقي عنه وقت الحكم كل محبة او بغض لاحد الخصمين؟ ومنها ان سليمان كان عليه السلام من فضائل داوود ومن منن الله عليه حيث وهبه له. وان من اكبر نعم الله على عبده ان يهب له ولدا صالحا ان كان عالما كان نورا على نور. ومنها ثناء الله تعالى على سليمان ومدحه في قوله نعم العبد انه اواب ومنها كثرة خير الله وبره بعبيده ان يمن عليهم بصالح الاعمال ومكارم الاخلاق. ثم يثني عليهم بها وهو المتفضل الوهاب ومنها تقديم سليمان محبة الله تعالى على محبة كل شيء. ومنها ان كل ما اشغل العبد عن الله فانه مشكور مذموم فليفارقه وليقبل على ما هو انفع له. ومنها القاعدة المشهورة من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه فسليمان عليه السلام عقر الجياد الصافنات المحبوبة للنفوس تقديما لمحبة الله فعوضه الله خيرا من ذلك بان سخط قال له الريح الرخاء اللينة التي تجري بامره الى حيث اراد وقصد غدوها شهر ورواحها شهر وسخر له الشياطين اهل الاقتدار على الاعمال التي لا يقدر عليها الادميون. ومنها ان تسخير الشياطين لا يكون لاحد بعد سليمان عليه السلام. ومن ان سليمان عليه السلام كان ملك النبي يفعل ما اراد ولكنه لا يريد الا العدل. بخلاف النبي العبد فانه تكون ارادته تابعة لامر الله. فلا يفعل ولا يترك الا بالامر. كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه الحال اكمل واذكر عبدنا ايوب اذ نذر ربه اني مسني الشيطان بنصب وعذاب. اي واذكر في هذا الذكر عبدنا ايوب باحسن الذكر. واثني عليه باحسن الثناء. حين اصابه الضر. وصبر على ضره. فلم يشتكي لغير ربه ولا لجأ الا اليه. فنادى ربه داعيا واليه لا الى غيره شاكيا. فقال ربياني مسني الشيطان بنصب وعذاب اي بامر مشق متعب معذب. وكان سلط على جسده فنفخ فيه حتى تقرح. ثم تقيح بعد ذلك واشتد به الامر. وكذلك ذلك هلك اهله وماله. فقيل له اركض برجلك اي اضرب الارض بها لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب. فيذهب عنك الضر والاذى ففعل ذلك فذهب عنه الضر وشفاه الله تعالى ووهبنا له اهله. قيل ان الله تعالى احياهم له ومثلهم معهم في الدنيا. واغناه الله واعطاه مالا عظيم رحمة منا بعبدنا ايوب حيث صبر فاثبناه من رحمتنا ثوابا عاجلا واجلا اي وليتذكر اولو العقول بحالة ايوب ويعتبر. فيعلم ان من صبر على الضر ان الله تعالى يثيبه ثوابا عاجلا واجلا ويستجيب دعاءه اذا دعاه وخذ بيدك ضعثا اي حزمة شماريخ به ولا تحنث. قال المفسرون وكان في مرضه وضره قد غضب على زوجته في بعض الامور. فحلف لان شفاه الله ليضربنها مئة فلما شفاه الله وكانت امرأته صالحة محسنة اليه رحمها الله ورحمه فافتاه ان يضربها بضغط فيه مائة شمراخ ضربة واحدة فيبر في يمينه هذا انا وجدناه اي ايوب صابرا. اي ابتليناه بالضر العظيم. فصبر لوجه الله تعالى نعم العبد الذي ان مراتب العبودية في حال السراء والضراء والشدة والرخاء. اي كثير الرجوع الى الله في مطالبه الدينية والدنيوية كثير الذكر لربه والدعاء والمحبة والتأله يقول تعالى واذكر عبادنا الذين اخلصوا لنا العبادة ذكرا حسنا ابراهيم الخليل وابنه اسحاق وابن ابنه يعقوب اولي الايدي اي القوة على عبادة الله تعالى والابصار اي البصيرة في دين الله فوصفهم بالعلم النافع والعمل الصالح الكثير انا اخلصناهم بخالصة عظيمة وخصيصة جسيمة. وهي ذكرى الدار. جعلنا ذكر الدار الاخرة في قلوبهم والعمل لها صفوة وقتهم والاخلاص والمراقبة لله وصفهم الدائم. وجعلناهم ذكر الدار. يتذكر باحوالهم المتذكر ويعتبر المعتبر ويذكرون باحسن الذكر. وانهم عند نال من المصطفين الذين اصطفاهم الله من صفوة خلقه. الاخيار الذين لهم كل خلق كريم. وعمل مستقيم اي واذكر هؤلاء الانبياء باحسن الذكر واثنين عليهم احسن الثناء. فان كلا منهم من الاخيار الذين اختارهم الله من الخلق. واختار لهم اكمل الاحوال من الاعمال والاخلاق والصفات الحميدة والخصال السديدة. هذا اي ذكر هؤلاء انبياء الصفوة وذكر اوصافهم. ذكر في هذا القرآن ذي الذكر. يتذكر باحوالهم المتذكرون. ويشتاق الى الاقتداء باوصافهم الحميدة المقتدون ويعرف ما من الله به عليهم من الاوصاف الزكية. وما نشر لهم من الثناء بين البرية. فهذا نوع من انواع الذكر. وهو ذكر اهل الخير ومن انواع الذكر. ذكر جزاء اهل الخير واهل الشر. ولهذا قال ايوة ان للمتقين ربهم بامتثال الاوامر واجتناب النواهي من كل مؤمن ومؤمنة آآ اينما آبا حسنا ومرجعا مستحسنا. ثم فسره وفصله. فقال جنات عدن اي جنات اقامة لا يبغي صاحبها بدلا منها من كمالها وتمام نعيمها وليسوا بخارجين منها ولا بمخرجين. اي مفتحة لاجلهم ابواب منازلها ومساجدها لا يحتاجون ان يفتحوها هم بل هم مخدومون وهذا دليل ايضا على الامان التام وانه ليس في جنات عدن ما يوجب ان خلق لاجله ابوابها فيها على الارائك المزينات والمجالس المزخرفات يدعون فيها اي يأمرون خدامهم ان يأتوا بفاكهة من كل ما تشتهيه نفوسهم وتلذه اعينهم. وهذا يدل على كمال النعيم. وكمال والطمأنينة وتمام اللذة. وعندهم من ازواجهم الحور العين قاصرات طرفهن على ازواجهن وطرف ازواجهن عليهن. لجمالهم كلهم ومحبة كل منهما للاخر وعدم طموحه لغيره. وانه لا يبغي بصاحبه بدلا ولا عنه عوضا. اي على سن واحد اعدل سن الشباب واحسنه والذه. هذا ما توعدون ايها ليوم الحساب جزاء على اعمالكم الصالحة ان هذا لرزقنا الذي اوردناه على اهل دار النعيم. اي انقطاع بل هو دائم مستمر في جميع الاوقات. متزايد في جميع الانات. وليس هذا بعظيم على الرب الكريم. الرؤوف الرحيم. البر وادي الواسع الغني الحميد اللطيف الرحمن الملك الديان الجليل الجليل المنان ذي الفضل الباهر والكرم المتواتر الذي لا تحصى نعمه ولا يحاط ببعض بره. هذا الجزاء اولي المتقين ما وصفناه. وان للطاغين اي المتجاوزين للحد في الكفر والمعاصي. اي لشر ومنقلب ثم فصله فقال جهنم التي جمع فيها كل عذاب واشتد حرها وانتهى قرها. يصلونها اي يعذبون فيها عذابا يحيط بهم من كل وجه. لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل فبئس المهاد المعد لهم مسكنا ومستقرا هذا المهاد هذا العذاب الشديد والخزي والفضيحة والنكال فليذوقوه حميم. ماء حار قد اشتد حره. يشربونه في قطع امعائهم وهو اكره ما يكون من الشراب من قيح وصديد مر المذاق كريه الرائحة في ازواجه. واخر من شكله اي من نوعه ازواج اي عدة اصناف من اصناف العذاب يعذبون بها يخزون بها وعند تواردهم على النار يشتم بعضهم بعضا. ويقول بعضهم لبعض معكم لا مرحبا بهم انهم صالون النار. هذا فوج مقتحم معكم النار قالوا اي الفوج المقبل المقتحم انتم قدمتموه لنا فبئس القرار. انتم قدمتموه اي العذاب لنا بدعوتكم لنا وفتنتكم واضلالكم وتسببكم. فبئس القرار. قرار الجميع قرار السوء والشر. ثم دعوا على المغوين لهم قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاب النار وقال في الاية الاخرى قال لكل ضعف. ولكن لا تعلمون. وقالوا ما لنا لا نرى رجالا وقالوا وهم في النار ما لنا لا نرى رجالا اي كنا نزعم انه من الاشرار المستحقين لعذاب النار وهم تفقدهم اهل النار قبحهم الله هل يرونهم في النار؟ اتخذناهم سخريا ام زاغت عنهم اي عدم رؤيتنا لهم دائر بين امرين. اما اننا غالطون في عدنا اياهم من الاشرار. بل هم من الاخيار. وانما كلامنا لهم من باب السخرية والاستهزاء بهم. وهذا هو الواقع. كما قال تعالى لاهل النار انه كان فريق من عبادي يقولون امنا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الراحمين. فاتخذتموهم سخريا حتى انسوكم ذكري. وكنتم منهم تضحكون. والامر الثاني انهم لعلهم زاغت ابصارنا عن رؤيتهم معنا في العذاب. والا فهم معنا معذبون ولكن تجاوزتهم ابصارنا. فيحتمل ان هذا الذي في قلوبهم فتكون العقائد التي اعتقدوها في الدنيا وكثرة ما حكموا لاهل الايمان بالنار تمكنت من قلوبهم وصارت لها فدخلوا النار وهم بهذه الحالة فقالوا ما قالوا. ويحتمل ان كلامهم هذا كلام تمويه. كما موهوا في الدنيا نوهوا حتى في النار. ولهذا يقول اهل الاعراف لاهل النار اهؤلاء الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة. ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون. قال الله تعالى مؤكدا ما اخبر به وهو اصدق القائلين ان ذلك الذي ذكرت لكم لحق ما فيه شك ولا مرن تخاصم اهل النار قل يا ايها الرسول لهؤلاء المكذبين ان طلبوا منك ما ليس لك ولا بيدك. هذا نهاية ما عندي. واما لله تعالى ولكني امركم وانهاكم واحثكم على الخير وازجركم عن الشر. فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها وما من اله الا الله اي ما احد يؤله ويعبد بحق الا الله هذا تقرير لالوهيته بهذا البرهان القاطع. وهو وحدته تعالى وقهره لكل شيء. فان القهر ملازم للوحدة فلا يكون قهارين متساويين في قهرهما ابدا. فالذي يقهر جميع الاشياء هو الواحد الذي لا نظير له. وهو الذي يستحق ان يعبد وحده كما كان قاهرا وحده. وقرر ذلك ايضا بتوحيد الربوبية فقال رب السماوات والارض وما بينهما. اي خالقهما ومربيهما ومدبرها بجميع انواع التدبير العزيز الذي له القوة التي بها خلق المخلوقات العظيمة الغفار لجميع الذنوب صغيرها وكبيرها لمن تاب اليه منها فهذا الذي يحب ويستحق ان يعبد دون من لا يخلق ولا يرزق. ولا يضر ولا ينفع. ولا يملك من الامر شيئا. وليس له قوة الاقتدار ولا بيده مغفرة الذنوب والاوزار. قل لهم مخوفا ومحذرا ومنهضا لهم ومنذرا. اي ما انبأتكم به مثل من البعث والنشور والجزاء على الاعمال. خبر عظيم ينبغي الاهتمام الشديد بشأنه. ولا ينبغي اغفاله ولكن كانه ليس امامكم حساب ولا عقاب ولا ثواب. فان شككتم في قولي وانتريتم في خبري. فاني اخبركم باخبار لا علم لي بها ولا درستها في كتاب. فاخباري بها على وجهها من غير زيادة ولا نقص. اكبر شاهد لصدقي وادل دليل على على حق ما جئتكم به. ولهذا قال ما كان كمن علم بالملأ الاعلى اي الملائكة. لولا تعليم الله اياي وايحاؤه الي. ولهذا قال اي ظاهر النذارة جليها فلا نذير ابلغ من نذارته صلى الله عليه وسلم ثم ذكر اختصام الملأ الاعلى فقال للملائكة اني خالق بشرا من طين. اذ قال ربك للملائكة على وجه الاخبار اي مادته من طين. فاذا سويته اي سويت جسمه وتم. فوطن الملائكة الكرام انفسهم على ذلك حين يتم خلقه ونفخ الروح فيه امتثالا لربهم واكراما لادم عليه السلام. فلما تم خلقه في بدنه وروحه وامتحن الله ادم والملائكة في العلم وظهر فضله عليهم امرهم الله بالسجود فسجدوا كلهم اجمعون الا ابليس لم يسجد استكبر عن امر ربه واستكبر على ادم. في علم الله تعالى قال الله موبخا عاتب قال يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي استكبرت ان كنت من العاليين ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي اي شرفته وكرمته واختصصته بهذه الخصيصة التي اختص بها عن سائر الخلق وذلك يقتضي عدم التكبر عليه. استكبرت في امتناعك. قال ابليس معارضا لربه ومناق وبزعمه ان عنصر النار خير من عنصر الطين. وهذا من القياس الفاسد فان عنصر النار مادة الشر والفساد. والعلو والطيش والخفة. وعنصر الطيب مادة الرزانة والتواضع واخراج انواع الاشجار والنباتات. وهو يغلب النار ويطفئها. والنار تحتاج الى مادة تقوم بها والطين قائم بنفسه. فهذا قياس شيخ القوم الذي عارض به الامر الشفاهي من الله. وقد تبين غاية بطلانه وفساده ما بالك باقيسة التلاميذ الذين عارضوا الحق باقيستهم فانها كلها اعظم بطلانا وفسادا من هذا القياس. قال الله اخرج منها فانك رجيم. فاخرج منها اي من السماء والمحل الكريم. اي مبعد وان عليك لعنتي اي طردي وابعادي اي دائما ابدا. لشدة عداوته لادم وذريته تمكن من اغواء من قدر الله ان يغويه. قال الله مجيبا لدعوته حيث اقتضت حكمته ذلك حين تستكمل الذرية يتم الامتحان. فلما علم انه منظر بادى ربه من خبثه. بشدة العداوة لربه ولادم حريته فقال يحتمل ان الباء للقسم وانه اقسم بعزة الله ليغوينهم كلهم اجمعين علم ان الله سيحفظهم من كيده. ويحتمل ان الباء للاستعانة. وانه لما علم انه عاجز من كل وجه. وانه لا يضل احدا الا بمشيئة الله تعالى فاستعان بعزة الله على اغواء ذرية ادم هذا وهو عدو الله حقا. ونحن يا ربنا العاجزون مقصرون المقرون لك بكل نعمة. ذرية من شرفته وكرمته. فنستعين بعزتك العظيمة وقدرتك. ورحمتك الواسعة لكل مخلوق ورحمتك التي اوصلت الينا بها ما اوصلت من النعم الدينية والدنيوية. وصرفت بها عنا ما صرفت من النقم. ان تعيننا على محاربة به وعداوته والسلامة من شره وشركه ونحسن الظن بك ان تجيب دعائنا ونؤمن بوعدك الذي قلت لنا وقال ربكم ادعوني لكم فقد دعوناك كما امرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا. انك لا تخلف الميعاد قال الله تعالى فالحق والحق اقول اي الحق وصفي والحق قولي فلما بين الرسول للناس الدليل ووضح لهم السبيل قال الله قل ما اسألكم عليه من اجر وما انا من المتكلفين قل ما اسألكم عليه اي على دعائي اياه ادعي امرا ليس لي واقف ما ليس لي به علم لا اتبع الا ما يوحى الي ان هو اي هذا الوحي والقرآن يتذكرون به كل ما ينفعهم من مصالح دينهم ودنياهم. فيكون شرفا ورفعة للعاملين به. واقامة حجة على المعاندين فهذه السورة العظيمة مشتملة على الذكر الحكيم والنبأ العظيم واقامة الحجج والبراهين على من كذب بالقرآن وعارضه كذب من جاء به. والاخبار عن عباد الله المخلصين. وجزاء المتقين والطاغين. فلهذا اقسم في اولها بانه ذو الذكر. ووصف في اخرها بانه ذكر للعالمين. واكثر التذكير بها فيما بين ذلك. كقوله واذكر عبدنا واذكر عبادنا رحمة من عندنا وذكرى هذا ذكر. اللهم علمنا منه ما جهلنا. وذكرنا منه ما نسينا. نسيان غفلة ونسيان ترك ولتعلمن نبأه اي خبره. وذلك حين يقع عليهم العذاب وتتقطع عنهم الاسباب بسم الله الرحمن الرحيم. تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم. يخبر تعالى عن عظمة القرآن وجلاله من تكلم به ونزل منه وانه نزل من الله العزيز الحكيم. اي الذي وصفه الالوهية للخلق. وذلك لعظمته وكماله والعزة التي قهر بها كل مخلوق وذل له كل شيء. والحكمة في خلقه وامره. فالقرآن نازل ممن هذا وصفه. والكلام وصف للمتكلم والوصف يتبع الموصوف. فكما ان الله تعالى الكامل من كل وجه الذي لا مثيل له فكذلك كلامه كامل من كل وجه. لا مثيل له فهذا وحده كاف في وصف القرآن. دال على مرتبته ولكنه مع هذا زاد بيانا لكماله بمن نزل عليه. وهو محمد صلى الله عليه وسلم. الذي هو اشرف الخلق فعلم انه اشرف الكتب وبما نزل به وهو الحق فنزل بالحق الذي لا مرية فيه. لاخراج الخلق من الظلمات الى النور. ونزل مشتملا على الحق في اخباره الصادقة واحكامه العادلة. فكل ما دل عليه فهو اعظم انواع الحق. من جميع المطالب العلمية وما بعد الحق الا ضلال ولما كان نازلا من الحق مشتملا على الحق لهداية الخلق على اشرف الخلق عظمت فيه النعمة وجلت ووجب القيام بشكره وذلك باخلاص الدين لله. فلهذا قال اي اخلص لله تعالى جميع دينك من الشرائع الظاهرة والشرائع الباطنة الاسلام والايمان والاحسان. بان تفرد الله وحده بها وتقصد بها وجهه لا غير ذلك من المقاصد الا لله الدين الخالص. هذا تقرير للامر بالاخلاص. وبيان انه تعالى كما ان له الكمال كله. وله التفضل على هذه من جميع الوجوه. فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب. فهو الدين الذي ارتضاه لنفسه وارتضاه لصفوة خلقه وامرهم به لانه متضمن للتأله لله في حبه وخوفه ورجائه. وللانابة اليه في عبوديته والانابة اليه في تحصيل مطالب عباده وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها. دون الشرك به في شيء من العبادة. فان الله بريء منه. وليس لله فيه شيء فهو اغنى الشركاء عن الشرك. وهو مفسد للقلوب والارواح والدنيا والاخرة. مشق للنفوس غاية الشقاء. فلذلك لما امر بالتوحيد والاخلاص نهى عن الشرك به واخبر بذم من اشرك به فقال والذين اتخذوا من دونه اولياء ان يتولونهم بعبادتهم ودعائهم معتذرين عن انفسهم وقائلين ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى. اي لترفع حوائجنا لله وتشفع لنا عنده. والا فنحن نعلم انها لا تخلق ولا ترزق. ولا تملك من الامر شيئا. اي فهؤلاء قد تركوا ما امر الله به من الاخلاص. وتجرأوا على اعظم المحرمات وهو الشرك وقاسوا الذي ليس كمثله شيء. الملك العظيم بالملوك وزعموا بعقولهم الفاسدة ورأيهم السقيم. ان الملوك كما انه لا يوصل اليهم الا بوجهاء وشفعاء ووزراء. يرفعون اليهم حوائج رعاياهم. ويستعطفونهم عليهم. ويمهدون لهم الامر في ذلك ان الله تعالى كذلك وهذا القياس من افسد الاقيسة وهو يتضمن التسوية بين الخالق والمخلوق مع ثبوت الفرق العظيم عقلا ونقلا وفطرة فان الملوك انما احتاجوا للوساطة بينهم وبين رعاياهم لانهم لا يعلمون احوالهم. فيحتاج من يعلمهم هم باحوالهم وربما لا يكون في قلوبهم رحمة لصاحب الحاجة. فيحتاج من يعطفهم عليه ويسترحمه لهم. ويحتاجون الى الشفعاء والوزراء ويخافون منهم فيقضون حوائج من توسطوا لهم مراعاة لهم ومداراة لخواطرهم. وهم ايضا فقراء قد يمنعون لما يخشون من الفقر واما الرب تعالى فهو الذي احاط علمه بظواهر الامور وبواطنها. الذي لا يحتاج من يخبره باحوال رعيته وعباده. وهو تعالى ارحم الراحمين واجود الاجودين. لا يحتاج الى احد من خلقه يجعله راحما لعباده. بل هو ارحم بهم من انفسهم ووالديهم. وهو الذي يحثهم ويدعوهم الى الاسباب التي بها ينالون رحمته. وهو يريد من مصالحهم ما لا يريدونه لانفسهم. وهو الغني الذي له الغنى التام الذي لو اجتمع الخلق من اولهم واخرهم في صعيد واحد فسألوه فاعطى كلا منهم ما سأل وتمنى لم ينقصه غناه شيئا ولم ننقص مما عنده الا كما ينقص البحر اذا غمس فيه المخيط. وجميع الشفعاء يخافونه فلا يشفع منهم احد الا باذنه. وله الشفاعة كلها فبهذه الفروق يعلم جهل المشركين به وسفههم العظيم وشدة جرائتهم عليه. ويعلم ايضا الحكمة في كون الشرك لا يغفره الله تعالى لانه يتضمن القدح في الله تعالى. ولهذا قال حاكما بين الفريقين المخلصين والمشركين وفي ضمنه التهديد للمشركين ان الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون. وقد علم ان حكمه ان المؤمنين المخلصين في في جنات النعيم ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ان الله لا يهدي اي لا يوفق للهداية الى الصراط المستقيم. من هو كاذب كفار. اي وصفه الكذب او الكفر. بحيث تأتيه المواعظ والايات ولا يزول عنه ما اتصف به. ويريه الله الايات فيجحدها ويكفر بها ويكذب. فهذا انى له الهدى وقد سد على الباب وعوقب بان طبع الله على قلبه فهو لا يؤمن سيخلق ما يشاء سبحانه. سبحانه هو الله الواحد القهار. اي لو اراد الله ان يتخذ ولدا كما زعم ذلك من زعمه. من سفهاء الخلق لاصطفى مما يخلق ما يشاء. اي لاصطفى بعض مخلوقاته التي يشاء اصطفائه لنفسه وجعله بمنزلة الولد ولم يكن حاجة الى اتخاذ الصاحبة سبحانه عما ظنه به الكافرون. او نسبه اليه الملحدون. هو الله الواحد القهار. اي الواحد في ذاته وفي اسمائه وفي صفاته وفي افعاله فلا شبيه له في شيء من ذلك ولا مماثل. فلو كان له ولد لاقتضى ان يكون شبيها له في وحدته. لان بعضه وجزء منه القهار لجميع العالم العلوي والسفلي. فلو كان له ولد لم يكن مقهورا. ولكان له ادلال على ابيه ومناسبه منه ووحدته تعالى وقهره متلازمان. فالواحد لا يكون الا قهارا. والقهار لا يكون الا واحدا. وذلك ينفي الشرك له من كل وجه خلق السماوات والارض بالحق يكور الليل على النهار. يكور الليل على النهار ويكور النهار يخبر تعالى انه خلق السماوات والارض. اي بالحكمة والمصلحة. وليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم اه يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. اي يدخل كلا منهما على الاخر ويحله محله. فلا يجتمع هذا وهذا بل اذا اتى احدهما انعزل الاخر عن سلطانه وسخر الشمس والقمر بتسخير منظم وسير مقنن كل من الشمس والقمر يجري متأثرا عن تسخيره تعالى لاجل مسمى. وهو انقضاء هذه الدار وخرابها. فيخرب الله الاتها وشمسها وقمرها وينشئ الخلق نشأة جديدة ليستقروا في دار القرار. الجنة او النار. الا هو العزيز الذي لا يغالب. القاهر لكل شيء الذي لا يستعصي عليه شيء. الذي من عزته اوجد هذه المخلوقات العظيمة. وسخرها تجري بامره الغفار لذنوب عباده التوابين المؤمنين. كما قال الله تعالى واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى الغفار لمن اشرك به بعدما رأى من اياته العظيمة. ثم تاب واناب فمنها زوجها وانزل لكم من الانعام ثمانية ازواجا يخلطكم في بطون ام امهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا اله الا هو فان تصرفون. ومن عزته انه خلقكم من نفس واحدة على كثرتكم وانتشاركم في انحاء الارض ثم جعل منها زوجها وذلك ليسكن اليها وتسكن اليه. وتتم بذلك النعمة. وانزل لكم من الانعام. اي خلق بقدر نازل منه رحمة بكم ثمانية ازواج. وهي التي ذكرها في سورة الانعام. ثمانية ازواج من الضأن اثنين من المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين. وخصها بالذكر مع انه انزل لمصالح عباده من البهائم غيرها. لكثرة نفعه وعموم مصالحها ولشرفها. والاختصاصها باشياء لا يصلح غيرها. كالاضحية والهدي والعقيقة. ووجوب الزكاة فيها واختصاصها بالدية. ولما ذكر خلق ابينا وامنا ذكر ابتداء خلقنا فقال هاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات يخلقكم في بطون امهاتكم خلقا من بعد خلق اي طورا بعد طور وانتم في حال لا يد مخلوق تمسكم ولا عين تنظر اليكم وهو قد رباكم في ذلك المكان الضيق ظلمة البطن ثم ظلمة الرحم ثم ظلمة المشيمة. ذلكم الله ربكم له الملك لا اله الا هو فان تصرفون. ذلكم الذي خلق السماوات والارض وسخر الشمس والقمر وخلقكم وخلق لكم الانعام والنعم. الله ربكم اي المألوه المعبود الذي رباكم ودبركم. فكما انه الواحد في خلقه وتربيته لا شريك له انه في ذلك فهو الواحد في الوهيته لا شريك له. ولهذا قال لا اله الا هو فانى تصرفون بعد هذا البيان ببيان احقاقه تعالى للاخلاص وحده الى عبادة الاوثان التي لا تدبر شيئا وليس لها من الامر شيء الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم. ولا تزر وازرة ان تكفروا فان الله غني عنكم لا يضره كفركم ما لا ينتفع بطاعتكم. ولكن امره ونهيه لكم محض فضله واحسانه عليكم. ولا يرضى لعباده الكفر. لكمال احسانه وعلمه ان الكفر يشقيهم شقاوة لا يسعدون بعدها. ولانه خلقهم لعبادته. فهي الغاية التي خلق لها الخلق. فلا يرضى ان يدعوا ما خلقهم لاجله. وان تشكروا لله تعالى بتوحيده واخلاص الدين له. يرضه لكم برحمته بكم ومحبته للاحسان عليكم ولفعلكم ما خلقكم لاجله. وكما انه لا يتضرر بشرككم ولا ينتفع باعمالكم وتوحيدكم. كذلك كل احد منكم له عمله من خير وشر. ولا تزر وازرة وزر اخرى. ثم الى ربكم مرجعكم في يوم القيامة اخبارا احاط به علمه وجرى عليه قلمه وكتبته عليكم الحفظة الكرام وشهدت به عليكم الجوارح فيجازي كلا منكم ما يستحقه. اي بنفس الصدور وما فيها من وصف بر او فجور. والمقصود من هذا الاخبار بالجزاء بالعدل التام ثم اذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو اليه من وجعل بكفرك طنينا انك من اصحاب النار. يخبر تعالى عن كرمه بعبده واحسانه وبره قلة شكر عبده وانه حين يمسه الضر من مرض او فقر او وقوع في كربة بحر او غيره. انه يعلم انه لا ينجيه في هذه الحال ان الله سيدعوه متضرعا منيبا ويستغيث به في كشف ما نزل به ويلح في ذلك. ثم اذا خوله الله نعمة منه بان كشف هذه من الضر والكربة نسي ما كان يدعو اليه من قبل. اي نسي ذلك الضر الذي دعا الله لاجله. ومن ركأنه ما اصابه الضر. واستمر وعلى شركه وجعل لله اندادا ليضل عن سبيله اي ليضل بنفسه ويضل غيره ان الاضلال فرع عن الضلال. فاتى بالملزوم ليدل على اللازم قل لهذا العاتي الذي بدل نعمة الله كفرا. تمتع بكفرك قليلا. انك من اصحاب النار. فلا كما تتمتع به اذا كان المآل النار. افرأيت ان متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون. ما اغنى عنهم ما كانوا يتمتعون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولو الالباب. هذه مقابلة بين العامل بطاعة الله وغيره. وبين العالم والجاهل. وان هذا من الامور التي تقرر في العقول تبيانها. وعلم علما يقينا صوتها فليس المعرض عن طاعة ربه المتبع لهواه كمن هو قانت. اي مطيع لله بافضل العبادات وهي الصلاة. وافضل الاوقات هو اوقات الليل فوصفه بكثرة العمل وافضله. ثم وصفهم بالخوف والرجاء. وذكر ان متعلق الخوف عذاب الاخرة. على ما سلف من الذنوب وان متعلق الرجاء رحمة الله فوصفه بالعمل الظاهر والباطن قل هل يستوي الذين يعلمون ربهم ويعلمون دينه الشرعي ودينه الجزائي وماله في ذلك من الاسرار والحكم والذين لا يعلمون شيئا من ذلك. لا يستوي هؤلاء ولا هؤلاء كما لا يستوي الليل والنهار والضياء والظلام والماء والنار انما يتذكر اذا ذكروا اولوا الالباب. اي اهل العقوق الزكية الذكية فهم الذين يؤثرون الاعلى على الادنى. فيؤثرون العلم على الجهل. وطاعة الله على مخالفته. لان لهم عقولا ترشدهم للنظر في العواقب بخلاف من لا لب له ولا عقل. فانه يتخذ الهه هواه للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة وارض الله واسعة اي قل مناديا لاشرف الخلق هم المؤمنون امرا لهم بافضل الاوامر وهي التقوى وذاكرا لهم السبب الموجب للتقوى. وهو ربوبية الله لهم وانعامه عليهم. المقتضي ذلك منهم ان يتقوه. ومن ذلك ما من الله عليه به من الايمان فانه موجب للتقوى. كما تقول ايها الكريم تصدق وايها الشجاع قاتل. وذكر لهم الثواب المنشط في الدنيا فقال للذين احسنوا في هذه الدنيا بعبادة ربهم لهم حسنة ورزق واسع ونفس مطمئنة وقلب منشرح كما قال الله تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة. اذا سمعتم من عبادته في ارض فهاجروا الى غيرها تعبدون فيها ربكم وتتمكنون من اقامة دينكم. ولما قال للذين احسنوا وفي هذه الدنيا حسنة كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع وهو ان النص عام. ان كل من احسن فله في الدنيا حسنة. فما بال من امن في في ارض يضطهد فيها ويمتهن لا يحصل له ذلك. دفع هذا الظن بقوله وارض الله واسعة. وهنا بشارة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا تزال طائفة من امتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي امر الله وهم على ذلك تشير اليه هذه الاية وترمي اليه من قريب. وهو انه تعالى اخبر ان ارضه واسعة. فمهما منعتم من عبادته في موضع فهاجروا الى غيرها وهذا عام في كل زمان ومكان. فلا بد ان يكون لكل مهاجر ملجأ من المسلمين يلجأ اليه وموضع تمكنوا من اقامة دينه فيه. وهذا عام في جميع انواع امر الصبر على اقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها. والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها. والصبر على طاعته حتى يؤديها. فوعد الله الصابرين اجرهم بغير حساب. اي بغير حد ولا عد ولا مقدار. وما ذاك الا لفضيلة الصبر ومحله عند الله. وانه معين على كل للامور اي قل يا ايها الرسول للناس اني امرت ان ان اعبد الله مخلصا له الدين. في قوله في اول السورة فاعبد الله مخلصا له الدين لان الداعي الهادي للخلق الى ربهم فيقتضي اني اول من ائتمر بما امر به. واول من اسلم. وهذا الامر لا بد من ايقاعه من محمد صلى الله عليه وسلم. وممن زعم انه من اتباعه فلا بد من الاسلام في الاعمال الظاهرة. والاخلاص لله في الاعمال الظاهرة والباطنة اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم. قل اني اخاف ان عصيت ربي فيما امرني به من الاخلاص والاسلام عذاب يوم عظيم. يخلد فيه من اشرك ويعاقب فيه من عصى شئتم من دونه قل ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة الا ذلك هو الخسران المبين. ولله اعبد مخلصا له ديني. فاعبدوا ما شئتم من دونه. كما قال تعالى قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون. ولا انتم عابدون ما اعبد. ولا انا عابد ما عبدتم. ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم ولي دين. قل ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة اما قل ان الخاسرين حقيقة هم الذين خسروا انفسهم حيث حرموها الثواب. واستحقت بسببهم وخيم العقاب. واهليهم يوم القيامة اي فرق بينهم وبينهم واشتد عليهم الحزن. وعظم الخسران. الا ذلك هو الخسران المبين الا ذلك هو الخسران المبين الذي ليس مثله خسران. وهو خسران مستمر لا ربح بعده بل ولا سلامة. ثم ذكر وشدة ما يحصل لهم من الشقاء فقال لهم من فوقهم ظلل من النار اي قطع عذاب كالسحاب العظيم ومن تحتهم ظلل. ذلك يخوف الله به عباده يا عبادي فاتقوه ذلك الوصف الذي وصفنا به عذاب اهل النار. سوط يسوق الله به عباده الى رحمته. يخوف الله به عباده. يا عبادي اي جعل ما اعده لاهل الشقاء من العذاب داعيا يدعو عباده الى التقوى. وزاجرا عما يوجب العذاب. فسبحان من رحم عباده في كل شيء وسهل لهم الطريق الموصلة اليه. وحثهم على سلوكها ورغبهم بكل مرغب تشتاق له النفوس وتطمئن له القلوب وحذرهم من العمل لغيره غاية التحذير. وذكر لهم الاسباب الزاجرة عن تركه. والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها لما ذكر حال المجرمين ذكر حال المنيبين فقال والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها. والمراد بالطاغوت في هذا الموضع عبادة غير الله. فاجتنبوها في عبادتها وهذا من احسن الاحتراز من الحكيم العليم. لان المدح انما يتناول المجتنب لها في عبادتها. وانابوا الى الله بعبادته واخلاص الدين له فانصرفت دواعيه من عبادة الاصنام الى عبادة الملك العلام ومن الشرك والمعاصي الى التوحيد والطاعات. لهم البشرى لا يقادر قدرها ولا يعلم وصفها الا من اكرمهم بها. وهذا شامل للبشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن والرؤيا الصالحة والعناية الربانية من الله. التي يرون في خلالها انه مريد لاكرامهم في الدنيا والاخرة. ولهم البشرى في الاخرة عند الموت وفي القبر وفي القيامة وخاتمة البشرى ما يبشرهم به الرب الكريم من دوام رضوانه وبره واحسانه وحلول امانه في الجنة ولما اخبر ان لهم البشرى امره الله ببشارتهم وذكر الوصف الذي استحقوا به البشارة فقال الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب. فبشر عباد الذين يستمعون القول. وهذا جنس تشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بينما ينبغي ايثاره. مما ينبغي اجتنابه. فلهذا من حزمهم وعقلهم انهم يتبعون احسنه واحسنه على الاطلاق. كلام الله وكلام رسوله. كما قال في هذه السورة الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها وفي هذه الاية نكتة وهي انه لما اخبر عن هؤلاء الممدوحين انهم يستمعون القول فيتبعون احسنه كأنه قيل هل من طريق الى معرفة احسنه حتى نتصف بصفات اولي الالباب. وحتى نعرف ان من اثره علمنا انه من اولي الالباب. قيل نعم احسنهم نص الله عليه الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها. الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه الذين هداهم الله لاحسن الاخلاق والاعمال. واولئك هم اولوا الالباب اي العقول الزاكية. ومن لبهم وحزمهم انهم عرفوا الحسن من غيره. واثروا ما ينبغي ايثاره على ما سواه هذا علامة العقل بل لا علامة للعقل سوى ذلك. فان الذي لا يميز بين الاقوال حسنها وقبيحها ليس من اهل العقول الصحيحة او الذي يميز لكن غلبت شهوته عقله. فبقي عقله تابعا لشهوته. فلم يؤثر الاحسن. كان ناقص العقل اي افمن وجبت عليه كلمة العذاب باستمرار على غيه وعناده وكفره. فانه لا حيلة لك في هدايته. ولا تقدر تنقذ من في النار لا محالة تجري من تحتها الانهار لكن الغنى كل الغنى. والفوز كل الفوز. للمتقين الذين اعد لهم من الكرامة وانواع النعيم ما لا يقادر قدره. لهم غرف اي منازل عالية مزخرفة من حسنها وبهائها وصفائها انه يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ومن علوها او ارتفاعها انها ترى كما يرى الكوكب الغابر في الافق الشرقي او الغربي. ولهذا قال من فوقها غرف. اي بعضها فوق بعض مبنية بذهب وفضة وملاطها المسك الاظفر اه تجري من تحتها الانهار المتدفقة. المسقية للبساتين الزاهرة والاشجار الطاهرة. فتغل بانواع الثمار اللذيذة والفاكهة النضيجة. وقد وعد المتقين هذا الثواب فلابد من الوفاء به. فليوفوا بخصال التقوى ليوفيهم اجورهم فسلكه ينابيع في الارض يذكر تعالى اولي الالباب ما انزله من السماء من الماء. وانه سلكه ينابيع في الارض اي اودعه فيها ينبوعا يستخرج بسهولة ويسر. ثم يخرج به زرعا مختلفا الوانه. من بر وذرة وشعير وارز وغير لذلك ثم يهيج عند استكماله او عند حدوث افة فيه فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما متكسرا يذكرون به عناية ربهم ورحمته بعباده حيث يسر لهم هذا الماء وخزنهم بخزائن الارض تبعا لمصالحهم. ويذكرون به كمال قدرته وانه يحيي الموتى كما احيا الارض بعد موتها. ويذكرون به ان الفاعل قيل لي ذلك هو المستحق للعبادة. اللهم اجعلنا من اولي الالباب الذين نوهت بذكرهم وهديتهم بما اعطيتهم من العقول. واريتهم من اسرار كتابك وبديع اياتك ما لم يصل اليه غيرهم انك انت الوهاب اي افيستوي من شرح الله صدره للاسلام. فاتسع لتلقي احكام الله والعمل بها. منشغل قرير العين على بصيرة من امره. وهو المراد بقوله فهو على نور من ربه. كمن ليس كذلك بدليل قوله فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اي لا تلين لكتابه ولا تتذكر اياته ولا تطمئن بذكره. بل هي معرضة عن ربها ملتفتة الى غيره فهؤلاء لهم الويل الشديد والشر الكبير. واي ضلال اعظم من لمن اعرض عن وليه ومن كل السعادة في الاقبال عليه وقسى قلبه عن ذكره واقبل على كل ما يضره ومن يضلل الله فما له من هاده. يخبر تعالى عن كتابه الذي نزله انه احسن الحديث على الاطلاق. فاحسن حديث كلام الله واحسن الكتب المنزلة من كلام الله هذا القرآن. واذا كان هو الاحسن علم ان الفاظه افصح الالفاظ واوضحها وان معانيه اجل المعاني. لانه احسن الحديث في لفظه ومعناه. متشابها في الحسن والائتلاف وعدم الاختلاف بوجه من الوجوه. حتى انه كلما تدبره المتدبر وتفكر فيه المتفكر رأى من اتفاقه حتى في معانيه الغامضة ما يبهر الناظرين. ويجزم بان انه لا يصدر الا من حكيم عليم. هذا المراد بالتشابه في هذا الموضع. واما في قوله تعالى هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمة هن ام الكتاب واخر متشابهات. فالمراد بها التي تشتبه على فهوم كثير من الناس. ولا يزول هذا الاشتباه الا بردها الى المحكم ولهذا قال منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فجعل التشابه لبعضه وهنا جعله كله بها اي في حسنه لانه قال احسنوا الحديث وهو سور وايات. والجميع يشبه بعضه بعضا كما ذكرنا. مثاني اي تثنى فيه القصص والاحكام والوعد والوعيد. وصفات اهل الخير وصفات اهل الشر. وتثنى فيه اسماء الله وصفاته. وهذا من جلالته وحسنه فانه تعالى لما علم احتياج الخلق الى معانيه المزكية للقلوب المكملة للاخلاق. وان تلك المعاني للقلوب بمنزلة الماء سقي الاشجار فكما ان الاشجار كلما بعد عهدها بسقي الماء نقصت بل ربما تلفت وكلما تكرر سقيها حسنت واثمرت انواع في مال نافعة فكذلك القلب يحتاج دائما الى تكرر معاني كلام الله تعالى عليه. وانه لو تكرر عليه المعنى مرة واحدة في جميع القرآن لم يقع منه موقعا ولم تحصل النتيجة منه. ولهذا سلكت في هذا التفسير هذا المسلك الكريم اقتداء بما هو تفسير له. فلا تجد فيه الحوالة على موضع من المواضع. بل كل موضع تجد تفسيره كامل المعنى. غير مراع لما مضى مما يشبهه. وان كان بعض المواضع يكون من بعض واكثر فائدة وهكذا ينبغي للقارئ للقرآن المتدبر لمعانيه الا يدع التدبر في جميع المواضع منه فانه له بسبب ذلك خير كثير ونفع غزير. ولما كان القرآن العظيم بهذه الجلالة والعظمة اثر في قلوب اولي الالباب المهتدين لهذا قال تعالى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم لما فيه من التخويف والترهيب المزعج اي عند ذكر الرجاء والترغيب فهو تارة يرغبهم لعمل الخير وتارة يرهبهم من عمل الشر. ذلك الذي ذكره الله من تأثير القرآن فيهم هدى الله اي هداية منه لعباده. وهو من جملة فضله واحسانه عليهم. يهدي به اي بسبب ذلك من يشاء من عباده ويحتمل ان المراد بقوله ذلك اي القرآن الذي وصفناه لكم هدى الله الذي لا طريق يوصل الى الله الا منه يهدي به من يشاء من عباده ممن حسن قصده. كما قال الله تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام انه فما له من هاده. لانه لا طريق يوصل اليه الا توفيقه. والتوفيق للاقبال على كتابه فاذا لم يحصل هذا فلا سبيل الى الهدى وما هو الا الضلال المبين والشقاء اي افيستوي هذا الذي هداه الله وفقه لسلوك الطريق الموصلة لدار كرامته. كمن كان في الضلال واستمر على عناده. حتى قدم القيامة. فجاءه العذاب العظيم فجعل يتقي بوجهه الذي هو اشرف الاعضاء. وادنى شيء من العذاب يؤثر فيه. فهو يتقي فيه سوء العذاب. لانه قد غلت يداه وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون وقيل للظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي وتقريعا ذوقوا ما كنتم تكسبون كذب الذين من قبلهم من الامم كما كذب هؤلاء فاتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. جاءهم في غفلة اول نهار او هم قائلون كانوا يعلمون. فاذاقهم الله بذلك العذاب الخزي في الحياة الدنيا. فافتضحوا عند الله وعند خلقه والعذاب الاخرة اكبر. لو كانوا يعلمون. فليحذر هؤلاء من المقام على التكذيب. فيصيبهم ثم اصاب اولئك من التعذيب ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون يخبر تعالى انه ضرب في القرآن من جميع الامثال. امثال اهل الخير وامثال اهل الشر. وامثال التوحيد والشرك. وكل مثل يقرب الاشياء والحكمة في ذلك لعلهم يتذكرون عندما نوضح لهم الحق فيعلمون ويعملون قرآنا عربيا غير ذي عوج. اي جعلناه قرآنا عربيا. واضح الالفاظ سهل المعاني خصوصا على العرب. غير ذي عوج اي ليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه. لا في الفاظه ولا في معانيه وهذا يستلزم كمال اعتداله واستقامته. كما قال تعالى الحمدلله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا فيما لعلهم يتقون الله تعالى حيث سهلنا عليهم طرق التقوى العلمية والعملية بهذا القرآن العربي المستقيم الذي ضرب الله فيه من كل مثل ثم ضرب مثلا للشرك والتوحيد فقال هل يستويان مثلا الحمد لله بل اكثرهم ضرب الله مثلا الرجل اي عبدا فيه شركاء متشاكسون فهم كثيرون وليسوا متفقين على من الامور وحالة من الحالات حتى تمكن راحته. بل هم متشاكسون متنازعون فيه. كل له مطلب يريد تنفيذه ويريد الاخر غيره فما تظن حال هذا الرجل مع هؤلاء الشركاء المتشاكسين؟ ورجلا سلما لرجل اي خالصا له قد عرف مقصود سيده وحصلت له الراحة التامة. هل اي هذان الرجلان مثلا لا يستويان. كذلك المشرك فيه شركاء متشاكسون. يدعو هذا ثم يدعو هذا فتراه لا يستقر له قرار ولا يطمئن قلبه في موضع. والموحد مخلص لربه. فقد خلصه الله من الشركة لغيره فهو في اتم راحة واكمل طمأنينة الحمد لله على تبيين الحق من الباطل وارشاد الجهال. بل اكثرهم لا يعلمون انهم ميتون. اي كلكم لابد ان يموت. وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد. افإن مت هم الخالدون كون فيما تنازعتم فيه فيفصل بينكم بحكمه العادل ويجازي كل ما عمله احصاه الله ونسوه