كره والنظر هل توجب التوقف عن الجزم للرسول بالرسالة والصدق؟ ولهذا اخبر انه قادر على ان يعطيك خيرا كثيرا في الدنيا فقال لك خيرا من ذلك تجري من تحتها الانهار الحبوب المألوهة المعظم المفرد بالاخلاص وحده لا شريك له. ناسب ان يذكر بطلان عبادة ما سواه. فقال من دونه الهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. اي من اعجب العجائب وادل المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم. تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين هذا بيان لعظمته الكاملة وتفرده بالوحدانية من كل وجه. وكثرة خيراته واحسانه. فقال تبارك اي تعاظم وكملت اوصافه وكثرت خيراته. الذي من اعظم خيراته ونعمه. ان نزل هذا القرآن الفارق بين الحلال والحرام والهدى والضلال واهل السعادة من اهل الشقاوة على عبده محمد صلى الله عليه وسلم الذي كمل مراتب العبودية وفاق جميع المرسلين. ليكون ذلك الانزال للفرقان على عبده. للعالمين حذيرا ينذرهم بأس الله ونقمه. ويبين لهم مواقع رضا الله من سخطه. حتى ان من قبل نذارته وعمل بها كان من الناجين في الدنيا والاخرة الذين حصلت لهم السعادة الابدية والملك السرمدي. فهل فوق هذه النعمة وهذا الفضل والاحسان شيء؟ فتبارك الذي هذا فمن بعض احسانه وبركاته الذي له ملك السماوات والارض. اي له التصرف فيها وحده وجميع من فيها مماليك وعبيد له. مذعنون لعظمته خاضعون لربوبيته فقراء الى رحمته. الذي لم يتخذ ولدا كل شيء فقدره تقديرا. ولم يكن له شريك في الملك. وكيف يكون له ولد او شريك؟ وهو المالك وغيره مملوك وهو القاهر وغيره مقهور. وهو الغني بذاته من جميع الوجوه. والمخلوقون مفتقرون اليه فقرا ذاتيا من جميع الوجوه وكيف يكون له شريك في الملك ونواصي العباد كلهم بيديه فلا يتحركون او يسكنون ولا يتصرفون الا باذنه فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فلم يقدره حق قدره من قال فيه ذلك. ولهذا قال وخلق كل شيء شمل العالم العلوي والعالم السفلي من حيواناته ونباتاته وجماداته اي اعطى كل مخلوق منها ما يليق به ويناسبه من الخلق. وما تقتضيه حكمته من ذلك بحيث صار كل مخلوق لا يتصور العقل الصحيح ان يكون بخلاف شكله وصورته المشاهدة. بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد لا يناسبه غير محله الذي هو فيه. قال تعالى سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى. والذي قدر فهدى. وقال تعالى ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. ولما بين كماله وعظمته وكثرة احسانه كان ذلك مقتضيا لان يكون وحده للدليل على سفاههم ونقص عقولهم بل ادلوا على ظلمهم وجرائتهم على ربهم ان اتخذوا الهة بهذه الصفة في كمال العجز انها لا تقدر على خلق شيء بل هم مخلوقون بل بعضهم مما عملته ايديهم اللهم لا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا. ولا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا اي لا قليلا ولا كثيرا. لانه نكرة في سياق النفي اي بعثا بعد الموت فاعظم احكام العقل بطلان الهيتها وفسادها وفساد عقل من اتخذها الهة وشركاء للخالق لسائر المخلوقات من غير مشارك له في ذلك الذي بيده النفع والضر والعطاء منع الذي يحيي ويميت ويبعث من في القبور ويجمعهم ليوم النشور. وقد جعل لهم دارين دار الشقاء والخزي والنكال لمن اتخذ معه الهة اخرى ودار الفوز والسعادة والنعيم المقيم. لمن اتخذه وحده معبودا. ولما قرر بالدليل القاطع واضح صحة التوحيد وبطلان ضده. قرر صحة الرسالة وبطلان قول من عارضها واعترضها. فقال واعانه عليه قوم ظلما وزورا. اي وقال الكافرون بالله الذي اوجب لهم كفرهم ان قالوا في القرآن والرسول ان هذا القرآن كذب كذبه محمد وافك افتراه على الله واعانه على ذلك قوم اخرون. فرد الله عليهم ذلك بان هذا مكابرة منهم. واقدام على الظلم والزور. الذي لا يمكن ان يدخل عقل احد وهم اشد الناس معرفة بحالة الرسول صلى الله عليه وسلم وكمال صدقه. وامانته وبره التام. وانه لا يمكنه لا هو ولا سائر الخلق ان يأتوا بهذا القرآن الذي هو اجل الكلام واعلاه. وانه لم يجتمع باحد يعينه على ذلك. فقد جاءوا بهذا القول ظلما ومن جملة اقاويلهم فيه ان قالوا هذا الذي جاء به محمد. وقالوا اساطير الاولين اكتتب اساطير الاولين اكتتبها اي هذا قصص الاولين اساطيرهم التي تتلقاها الافواه وينقلها كل احد استنسخها محمد واصيلا. وهذا القول منهم فيه عدة عظائم. منها رميهم الرسول الذي هو ابر الناس واصدقهم بالكذب. والجرأة العظيمة ومنها اخبارهم عن هذا القرآن الذي هو اصدق الكلام واعظمه واجله. بانه كذب وافتراء. ومنها ان في ضمن ذلك انهم قادرون على ان يأتوا بمثله. وان يضاهي المخلوق الناقص من كل وجه. للخالق الكامل من كل وجه. بصفة من صفاته وهي الكلام منها ان الرسول قد علمت حالته وهم اشد الناس علما بها انه لا يكتب ولا يجتمع بمن يكتب له وهم قد زعموا ذلك. فلذلك رد عليهم ذلك بقوله قل انزله الذي اي انزله من احاط علمه بما في السماوات وما في الارض. من الغيب والشهادة والجهر والسر. كقوله وانه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين. ووجه اقامة الحجة عليهم ان الذي انزله هو المحيط علمه بكل شيء. فيستحيل ويمتنع ان يقول مخلوق ويتقول عليه هذا القرآن. ويقول هو من عند وما هو من عندك ويستحل دماء من خالفه واموالهم ويزعم ان الله قال له ذلك. والله يعلم كل شيء ومع ذلك فهو يؤيده وينصره على اعدائه. ويمكنه من رقابهم وبلادهم. فلا يمكن احدا ان ينكر هذا القرآن. الا بعد انكار علم وهذا لا تقول به طائفة من بني ادم سوى الفلاسفة الدهرية وايضا فان ذكر علمه تعالى العام ينبههم ويحبهم على تدبر القرآن وانهم لو تدبروا لرأوا فيه من علمه واحكامه ما يدل دلالة قاطعة على انه لا يكون الا ما من عالم الغيب والشهادة. ومع انكارهم للتوحيد والرسالة من لطف الله بهم انهم لم يدعهم وظلمهم. بل دعاهم الى التوبة والانابة اليه ووعدهم بالمغفرة والرحمة انهم تابوا ورجعوا فقال اي وصفه المغفرة لاهل الجرائم والذنوب اذا فعلوا اسباب المغفرة. وهي الرجوع عن معاصيه والتوبة منها رحيما بهم. حيث لم يعادلهم بالعقوبة وقد فعلوا مقتضاها وحيث قبل توبتهم بعد المعاصي وحيث محى ما سلف من سيئاتهم وحيث قبل حسناتهم حيث اعاد الراجع اليه بعد شروده والمقبل عليه بعد اعراضه الى حالة المطيعين المنيبين اليه هذا من مقالة المكذبين للرسول التي قدحوا بها في رسالته وهو انه معترض بانه هل لكان ملكا او ملكا او يساعده ملك؟ فقالوا مال هذا الرسول؟ اي مال هذا الذي ادعى الرسالة؟ تهكما من واستهزاء يأكل الطعام وهذا من خصائص البشر. فهلا كان ملكا لا يأكل الطعام ولا يحتاج الى ما يحتاج اليه البشر ويمشي في الاسواق للبيع والشراء. وهذا بزعمهم لا يليق بمن يكون رسولا. مع ان الله قال وما ارسلنا قبلك من المرسلين الا انهم ليأكلون الطعام ويمشون في الاسواق لولا انزل اليه ملك اي هلا انزل معه ملك يساعده ويعاونه وبزعمهم انه غير كاف للرسالة ولا بطوقه وقدرته القيام بها او يلقى اليه كنز اي مال مجموع من غير تعب او تكون له جنة يأكل منها فيستغني بذلك عن مشيه في الاسواق لطلب الرزق وقال الظالمون حملهم على القول ظلمهم لا اشتباه منهم هذا وقد علموا كمال عقله وحسن حديثه وسلامته من جميع المطاعم. ولما كانت هذه الاقوال منهم عجيبة جدا. قال تعالى انظر كيف ضربوا لك الامثال وهي انه هلا كان ملكا وزالت عنه خصائص البشر او معه ملك. لانه غير قادر على ما قال او انزل عليه كنز او جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الاسواق. او انه كان مسحورا قالوا اقوالا متناقضة كلها جهل وضلال وسفه. ليس في شيء منها هداية بل ولا في شيء منها ادنى شبهة تقدح في الرسالة فبمجرد النظر اليها وتصورها يجزم العاقل ببطلانها. ويكفيه عن ردها. ولهذا امر تعالى بالنظر اليها جعل لك خيرا من ذلك اي خيرا مما قالوا ثم فسره بقوله تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا. مرتفعة مزخرفة فقدرته ومشيئته لا تقصروا عن ذلك ولكنه تعالى لما كانت الدنيا عنده في غاية البعد والحقارة اعطى منها اولياءه ورسله ما اقتضته حكمته منها واقتراح اعدائهم بانهم هلا رزقوا منها رزقا كثيرا جدا ظلم وجراءة. ولما كانت تلك الاقوال التي قالوها معلومة الفساد اخبر تعالى انها لم تصدر منهم لطلب الحق. ولا لاتباع البرهان وانما صدرت منهم تعنتا وظلما وتكذيبا بالحق فقالوا ما بقلوبهم من ذلك. ولهذا قال بل كذبوا بالساعة والمكذب المتعنت الذي ليس له قصد في اتباع الحق لا سبيل الى هداية ولا حيلة في مجادلته. وانما له حيلة واحدة. وهي نزول العذاب به. فلهذا قال اي نارا عظيمة قد اشتد سعيرها وتغيظت على اهلها واشتد اذا رأتهم من مكان بعيد اي قبل وصولهم ووصولها اليهم وزفيرا. سمعوا لها تغيظا عليهم. وزفيرا تقلق منه الافئدة. وتتصدع القلوب. ويكاد الواحد منهم يموت خوفا منها وذعرا. قد غضبت عليهم لغضب خالقها. وقد زاد لهبها لزيادة كفرهم وشرهم القوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوه هنالك سبورا اي عذابهم وهم في وسطها جمع في مكان بين ضيق المكان وتزاحم السكان وتقرينهم بالسلاسل والاغلال. فاذا وصلوا لذلك المكان النحس احبسوا في اشهر حبس. دعوا على انفسهم بالثبور والخزي والفضيحة وعلموا انهم ظالمون معتدون. قد عدل فيهم الخالق حيث انزلهم باعمالهم هذا المنزل. وليس ذلك الدعاء والاستغاثة بنافعة لهم ولا مغنية من عذاب الله بل يقال لهم اي لو زاد ما قلتم اضعاف اضعافه. ما افادكم الا الهم والغم والحزن. ولم ما بين جزاء الظالمين ناسب ان يذكر جزاء المتقين فقال التي وعد المتقون كانت لهم جزاء. كان لهم جزاء ومصيرا. اي قل لهم مبينا لسفاهة رأيهم الضارة على النافع. ذلك الذي وصفت لكم من العذاب المتقون كانت لهم التي زادها تقوى الله فمن قام بالتقوى فالله قد وعده اياها كانت لهم جزاء على تقواهم. ومصيرا وموئلا يرجعون اليها. ويستقرون فيها. ويخلدون دائما ابدا لهم فيها ما يشاؤون خالدين لهم فيها ما يشاؤون اي يطلبون وتتعلق بهم امانيهم ومشيئتهم من المطاعم والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والنساء الجميلات والقصور العاليات والجنات والحدائق المرجحنة والفواكه التي تسر ناظريها واكليها. من حسنها وتنوعها وكثرة اصنافها انهار التي تجري في رياض الجنة وبساتينها. حيث شاءوا يصرفونها ويفجرونها انهارا من ماء غير اس. وانهارا من لبن لم تغير طعمه وانهارا من خمر لذة للشاربين. وانهارا من عسل مصفى. وروائح طيبة ومساكن مزخرفة واصوات شجية تأخذ من حسنها بالقلوب ومزاورة الاخوان والتمتع بلقاء الاحباب واعلى من ذلك كله. التمتع بالنظر الى وجه الرب الرحيم وسماع كلامه والحظوة بقربه والسعادة برضاه والامن من سخطه واستمرار هذا النعيم ودوامه وزيادته على ممر الاوقات وتعاقب الانات. كان دخولها والوصول اليها يسأله اياها عباده المتقون بلسان حالهم ولسان مقالهم. فاي الدارين المذكورة خير واولى بالايثار. واي العاملين عمال دار الشقاء او عمال دار السعادة. اولى بالفضل والعقل والفخر. يا اولي الالباب لقد وضح الحق واستنار السبيل فلم يبق للمفرط عذر في تركه الدليل فنرجوك يا من قضيت على اقوام بالشقاء واقوام في السعادة ان تجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة ونستغيث بك اللهم من حالة الاشقياء ونسألك المعافاة منها