خفيف الحمل يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين الى جهنم وردا وقوله الملك يومئذ اي يوم القيامة الحق للرحمن لا يبقى لاحد من المخلوقين ملك ولا صورة ملك كما كانوا في الدنيا بل قد تساوت الملوك ورعاياهم المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يخبر تعالى عن حالة المشركين وشركائهم يوم يوم القيامة وتبريهم منهم وبطلان سعيهم. فقال ويوم يحشرهم اي المكذبين المشركين. وما يعبدون من دون الله. فيقول الله مخاطبا للمعبودين على وجه التقريع لمن عبدهم هل امرتموهم بعبادتكم وزينتم لهم ذلك؟ ام ذلك من تلقاء انفسهم قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من اولياء اه قالوا سبحانك نزه الله عن شرك المشركين به وبرءوا انفسهم من ذلك ما كان ينبغي لنا اي لا يليق بنا ولا احسنوا منا ان نتخذ من دونك من اولياء نتولاهم. ونعبدهم وندعوهم. فاذا كنا محتاجين ومفتقرين الى عبادتك. متبرأ من عبادة غيرك فكيف نأمر احدا بعبادتنا؟ هذا لا يكون او سبحانك عنان نتخذ من دونك من اولياء. وهذا كقول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام. واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله. قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق. ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك. انك انت الغيوب ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم. وقال تعالى ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول ملائكتي اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون؟ قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم. بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين. فلما نزهوا انفسهم ان يدعوا لعبادة غير الله او يكونوا صلوهم ذكروا السبب الموجب لاضلال المشركين فقالوا ولكن متعتهم واباءهم في لذات الدنيا وشهواتها ومطالبها النفسية حتى نسوا الذكر اشتغالا في لذات الدنيا وانكبابا على شهواتها فحافظوا على دنياهم وضيعوا دينهم اي بائرين لا خير فيهم ولا يصلحون لصالح لا يصلحون الا للهلاك والبواقي تذكروا المانع من اتباعهم الهدى وهو التمتع في الدنيا الذي صرفهم عن الهدى وعدم المقتضي للهدى وهو انهم لا خير فيه فاذا عدم المقتضي ووجد المانع فلا تشاء من شر وهلاك الا وجدته فيهم. فلما تبرأوا منهم قال الله توبيخ وتقريعا للعابدين. فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا فقد كذبوكم بما تقولون انهم امروكم بعبادتهم ورضوا فعلكم وانهم شفعاء لكم عند ربكم. كذبوكم في ذلك الزعم وصاروا من اكبر اعدائكم فحق عليكم العذاب. فما تستطيعون صرفا للعذاب عنكم بفعلكم؟ او بفداء او غير ذلك ولا نصرا لعجزكم وعدم ناصركم. هذا حكم الضالين المقلدين الجاهلين. كما رأيت اسوأ حكم واشر مصير. واما المعاند منهم الذي عرف الحق وصدف عنه فقال في حقه ومن يظلم منكم بترك الحق ظلما وعنادا. لا يقادر قدره ولا يبلغ امره ثم قال تعالى جوابا لقول المكذبين ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق الطعام ويمشون في الاسواق. فما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام. وما جعلناهم ملائكة فلك فيهم اسوة. واما الغنى والفقر فهو فتنة وحكمة من الله تعالى كما قال وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون. وجعلنا بعضكم لبعض فتنة الرسول فتنة للمرسل اليهم. واختبار للمطيعين من العاصين. والرسل فتناهم بدعوة الخلق. والغني فتنة للفقير والفقير فتنة للغني. وهكذا سائر اصناف الخلق في هذه الدار. دار الفتن والابتلاء والاختبار. والقصد من تلك الفتنة اتصبرون. فتقومون بما هو وظيفتكم اللازمة الراتبة. فيثيبكم مولاكم ام لا تصبرون. فتستحقون المعاقبة يعلم احوالكم ويصطفي من يعلمه يصلح لرسالته ويختصه بتفضيله ويعلم واعمالكم فيجازيكم عليها ان خيرا فخير وان شرا فشر. وقال الذين لا يرجون نقاب اغنى ربنا قد استكبروا في انفسهم وعتوا عتوا كبيرا. اي قال المكذبون للرسول المكذبون بوعد الله ووعيده. الذين ليس في قلوبهم خوف الوعيد. ولا رجاء للقاء الخالق علينا او نرى ربنا. اي هلا نزلت الملائكة تشهد لك بالرسالة وتؤيدها عليها او تنزل رسلا مستقلين. او نرى ربنا فيكلمنا. ويقول هذا رسولي فاتبعوه. وهذا معارضة للرسول بما ليس بمعارض بل بالتكبر والعلو والعتو. لقد استكبروا في انفسهم لقد استكبروا في انفسهم حيث اقترحوا هذا الاقتراح وتجرأوا هذه الجرأة فمن انتم يا فقراء؟ ويا مساكين حتى تطلبوا رؤية الله وتزعموا ان الرسالة متوقف ثبوتها على ذلك. واي كبر اعظم من هذا اي قسوا وصلبوا عن الحق قساوة عظيمة. فقلوبهم اشد من الاحجار. واصلب من الحديد. لا دين للحق ولا تصغي للناصحين. فلذلك لم ينجح فيهم وعظ ولا تذكير. ولا اتبعوا الحق حين جاءهم النذير. بل قابلوا اصدق الخلق انصحهم وايات الله البينات بالاعراض والتكذيب والمعارضة. فاي عتو اكبر من هذا العتو؟ ولذلك بطلت اعمالهم محلات وخسروا اشد الخسران وحرموا غاية الحرمان ويقولون حجرا محجورا يوم يرون الملائكة التي اقترحوا نزولها لا بشرى يومئذ للمجرمين. وذلك انهم لا يرونها مع استمرارهم على جرمهم وعنادهم الا لعقوبتهم وحلول البأس بهم فاول ذلك عند الموت. اذا تنزلت عليهم الملائكة قال الله تعالى ولو قائد الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا ايديهم. اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق. وكنتم عن اياته تستكبرون. ثم في القبر حين يأتيهم منكر ونكير. فيسألهم عن ربهم ونبيهم ودينهم فلا يجيبون جوابا ينجيهم فيحلون بهم النقمة. وتزول عنهم بهم الرحمة. ثم يوم القيامة حين تسوقهم الملائكة الى النار ثم يسلمونهم لخزنة جهنم الذين يتولون عذابهم ويباشرون عقابهم. فهذا الذي اقترحوه وهذا الذي ان استمروا على اجرامهم لابد ان يروه ويلقوه وحينئذ يتعوذون من الملائكة ويفرون ولكن لا مفر لهم ويقولون حجرا محجورا يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان. وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا. وقدمنا الى ما عملوا من عمل اي اعمالهم التي رجوا ان تكون خيرا وتعبوا فيها اي باطنا مضمحلا قد خسروه وحرموا اجره وعوقبوا عليه. وذلك لفقده الايمان وصدوره عن مكذب لله ورسوله فالعمل الذي يقبله الله ما صدر عن المؤمن المخلص المصدق للرسل المتبع لهم فيه يومئذ خيرا مستقرا واحسن مقيلا. اي في ذلك اليوم الهائل البلابل اصحاب الجنة الذين امنوا بالله وعملوا صالحا. واتقوا ربهم خير مستقرا من اهل النار اي مستقرهم في الجنة وراحتهم التي هي القيلولة والمستقر النافع. والراحة التامة لاشتمال ذلك على النعيم الذي لا يشوبه كدر بخلاف اصحاب النار فان جهنم ساءت مستقرا ومقيلا وهذا من باب استعمال افعل التفضيل فيما ليس في الطرف الاخر منه شيء بانه لا خير في مقيل اهل النار ومستقرهم كقوله الله خير ام ما يشركون بالغنام ونزل الملاك يخبر تعالى عن عظمة يوم القيامة وما فيه من الشدة والكروب ومزعجات القلوب فقال ويوم تشقق السماء بالغمام. وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه. ينزل من فوق السماوات فتنفطر له السماوات وتشقق وتنزل الملائكة كل سماء فيقفون صفا صفا. اما صفا واحدا محيطا بالخلائق. واما كل سماء يكونون صفاء ثم السماء التي تليها صفا وهكذا. القصد ان الملائكة على كثرتهم وقوتهم ينزلون محيطين بالخلق. مذعنين لامر ربهم لا يتكلم منهم احد الا باذن من الله. فما ظنك بالادمي الضعيف خصوصا الذي بارز مالكه بالعظائم. واقدم على مساخيط ثم قدم عليه بذنوب وخطايا لم يتب منها. فيحكم فيه الملك الحق بالحكم الذي لا يجور. ولا يظلم مثقال ذرة لهذا قال على الكافرين عسيرا. لصعوبته الشديدة وتعسر اموره عليه. بخلاف المؤمن فانه يسير عليه الاحرار والعبيد والاشراف وغيرهم. ومما يرتاح له القلب وتطمئن به النفس وينشرح له الصدر. ان اضاف الملك في يوم القيامة لاسمه الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء وعمت كل حي وملأت الكائنات وعمرت بها الدنيا والاخرة تم بها كل ناقص وزال بها كل نقص. وغلبت الاسماء الدالة عليه الاسماء الدالة على الغضب. وسبقت رحمته غضبه وغلبته فلا سبق والغلبة وخلق هذا الادمي الضعيف وشرفه وكرمه. ليتم عليه نعمته وليتغمده برحمته. وقد في موقف الذل والخضوع والاستكانة بين يديه. ينتظرون ما يحكم فيهم وما يجري عليهم. وهو ارحم بهم من انفسهم ووالديهم فما ظنك بما يعاملهم به ولا يهلك على الله الا هالك. ولا يخرج من رحمته الا من غلبت عليه الشقاوة. وحقت عليه كلمة عذاب ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني يقول يا ويوم يعض الظالم بشركه وكفره وتكذيبه للرسل على يديه تأسفا وتحسرا وحزنا واسفا اي طريقا بالايمان به وتصديقه واتباعه يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا وهو الشيطان الانسي او الجني خليلا. اي عاديت انصح الناس لي وابرهم بي وارفقهم بي وواليت اعداء عدو لي الذي لم تفدني ولايته الا الشقاء والخسارة والخزي والبوار حيث زين له ما هو عليه من الضلال بخدعه وتسويله يزين له الباطل ويقبح له الحق. ويعده الاماني. ثم يتخلى عنه ويتبرأ منه كما قال لجميع اتباعه لنقضي الامر وفرغ الله من حساب الخلق. وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق وعدتكم فاخلفتكم. وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي. فلا تلوموني ولوموا انفسكم. ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي. اني كفرت بما اشركتموني من قبل. فلينظر العبد لنفسه وقت الامكان. وليتدارك الممكن قبل الا يمكن وليوالي من ولايته فيها سعادته. ويعادي من تنفعه عداوته. وتضره صداقته. والله الموفق قال الرسول يا ربي ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا وقال الرسول مناديا لربه وشاكيا عليه اعراض قومه عما جاء به. ومتأسفا على ذلك منهم. يا ربي ان قومي الذين ارسلتني في هدايتهم وتبليغهم. اي قد اعرضوا عنه وهجروه وتركوه مع ان الواجب عليهم الانقياد لحكمه والاقبال على احكامه والمشي خلفه. قال الله مسليا لرسوله ومخبرا ان هؤلاء الخلق لهم سلف صنعوا كصنيعهم. فقال من المجرمين. وكفى بربك هاديا ونصيرا. اي من الذين لا يصلحون للخير ولا يزكون عليه. يعارضونهم ويردون عليهم. ويجادلونهم بالباطل. من بعض فوائد ذلك ان يعلو الحق على وان يتبين الحق ويتضح اتضاحا عظيما. لان معارضة الباطل للحق مما تزيده وضوحا وبيانا وكمال استدلال. وان يتبين ما يفعل الله باهل الحق من الكرامة وباهل الباطل من العقوبة. فلا تحزن عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات وكفى بربك هاديا يهديك فيحصل لك المطلوب دينك ودنياك ونصيرا ينصرك على اعدائك. ويدفع عنك كل مكروه. في امر الدين والدنيا فاكتف به وتوكل عليه