المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا. هذا من جملة مقترحات الكفار الذين توحيه اليهم انفسهم فقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة اي كما انزلت الكتب قبله واي محذور من نزوله على هذا الوجه؟ فنزوله على هذا الوجه اكمل واحسن. ولهذا قال كذلك انزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك لانه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينة وثباتا وخصوصا عند ورود اسباب القلق فان نزول القرآن عند حدوثه يكون له موقع عظيم وتثبيت كثير. وابلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك. ثم تذكره عند حلول سببه اي مهلناه ودرجناك فيه تدريجا. وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. حيث جعل انزال كتابه جاريا على احوال الرسول ومصالحه الدينية. ولهذا قال بمسل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. ولا يأتونك بمثل يعارضون به الحق ويدفعون به رسالتك اي انزلنا عليك قرآنا جامعا للحق في معانيه. والوضوح والبيان التام في الفاظه. فمعانيه كلها حق وصدق. لا يشوبها باطل ولا شبهة بوجه من الوجوه. والفاظه وحدوده للاشياء. اوضح الفاظا واحسن تفسيرا. مبين للمعاني بيانا كاملا وفي هذه الاية دليل على انه ينبغي للمتكلم في العلم من محدث ومعلم وواعظ ان يقتدي بربه في تدبيره في حال رسوله كذلك العالم يدبر امر الخلق فكلما حدث موجب او حصل موسم اتى بما يناسب ذلك من الايات القرآنية والاحاديث النبوية والمواعظ الموافقة لذلك. وفيه رد على المتكلفين من الجهمية ونحوهم. ممن يرى ان كثيرا من نصوص القرآن محمولة على غير ظاهرها ولها معان غير ما يفهم منها. فاذا على قولهم لا يكون القرآن احسن تفسيرا من غيره انما التفسير الاحسن على زعمهم تفسيرهم الذي حرفوا له المعاني تحريفا اولئك شر مكانه وافضل يخبر تعالى عن حال المشركين الذين كذبوا رسوله وسوء مآلهم. وانهم يحشرون على وجوههم اشنع مرأى وافظع منظر تسحبه ملائكة العذاب ويجرونهم الى جهنم. الجامعة لكل عذاب وعقوبة اولئك شر مكانه واضل سبيلا. اولئك الذين بهذه الحالة شر مكانا ممن امن بالله وصدق رسله. وهذا من باب اعمال افعال التفضيل فيما ليس في الطرف الاخر منه شيء. فان المؤمنين حسن مكانهم ومستقرهم واهتدوا في الدنيا الى الصراط المستقيم وفي الاخرة الى الوصول الى جنات النعيم ولقد اتينا موسى الكتاب وجعلنا معه اخاه هارون وزيرا قوم الذين كذبوا باياتنا فدمرناهم تدميرا. وقوم نوح لم واعتدنا للظالمين عذابا ولقد اتوا على القرية التي امطرت مطر السوء فلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون اشار تعالى الى هذه القصص وقد بسطها في ايات اخر ليحذر المخاطبين من استمرارهم على تكذيب رسولهم فيصيبهم ما اصاب هؤلاء الامم. الذين قريبا منهم ويعرفون قصصهم بما استفاض واشتهر عنهم. ومنهم من يرون اثارهم عيانا كقوم صالح في الحجر وكالقرية التي امطرت مطر السوء بحجارة من سجيل. يمرون عليه مصبحين. وبالليل في اسفارهم. فان اولئك الامم ليسوا شرا منهم. ورسلهم ليسوا خيرا من رسول هؤلاء. اكفاركم خير من اولئكم؟ ام لكم براءة في الزبر لكن الذي منع هؤلاء من الايمان مع ما شاهدوا من الايات انهم كانوا لا يرجون بعثا ولا نشورا. فلا يرجون لقاء ربهم ولا يخشون نكالة فلذلك استمروا على عنادهم والا فقد جاءهم من الايات ما لا يبقى معه شك ولا شبهة ولا اشكال ولا ارتياب واذا رأوك ان يتخذونك الا هزوا. اهذا الذي بعث الله رسولا اي واذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لايات الله. المستكبرون في الارض استهزأوا بك واحتقروك. وقال على وجه الاحتقار والاستصغار. اي غير مناسب ولا لائق ان يبعث الله هذا الرجل وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم وقلبهم الحقائق. فان كلامهم هذا يفهم ان الرسول حاشاه في غاية الخسة والحقارة وانه لو كانت الرسالة لغيره لكان انسب. وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. فهذا الكلام لا يصدر الا من اجهل الناس واضلهم. او من اعظمهم عنادا. وهو متجاهل. قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن يا ابي والا فمن تدبر احوال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وجده رجل العالم وهمامهم ومقدمهم في العقل والعلم واللب والرزانة ومكارم الاخلاق. ومحاسن الشيم والعفة والشجاعة والكرم. وكل خلق فاضل. وان المحتقر له والشانئ له قد جمع من السفه والجهل والضلال والتناقض والظلم والعدوان ما لا يجمعه غيره. وحسبه جهلا وضلالا ان يقدح بهذا الرسول العظيم والهمام الكريم والقصد من قدحهم فيه واستهزائهم به تصلبهم على باطلهم وغرورا لضعفاء عقول ولهذا قالوا ان كاد ليضلنا عن الهتنا لولا ان صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من اضل سبيلا ان كاد هذا الرجل ليضلنا عن الهتنا بان يجعل الالهة الها واحدا. لولا ان صبرنا عليها لاضلنا. زعموا قبحهم الله ان الضلال هو التوحيد وان الهدى ما هم عليه من الشرك. فلهذا تواصوا بالصبر عليه وانطلق الملأ منهم. ان امشوا واصبروا على الهتكم وهنا قالوا والصبر يحمد في المواضع كلها الا في هذا الموضع فانه صبر على اسباب الغضب وعلى الاستكثار من حطب جهنم. واما المؤمنون فهم كما قال الله عنهم وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. ولما كان هذا حكما منهم بانهم المهتدون والرسول ضال. وقد تقرر انهم لا حيلة فيهم اسعدهم بالعذاب واخبر انهم في ذلك الوقت حين يرون العذاب يعلمون علما حقيقيا من هو اضل سبيلا ويوم يعض القائم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. وهل فوق ضلال من جعل الهه ومعبوده هواه؟ فما هويه فعله فلهذا قال ارأيت من اتخذ الهه هواه افأنت تكون عليه وكيلا ارأيت من اتخذ الهه هواه؟ الا تعجب من حاله؟ وتنظر الى ما هو فيه من الضلال؟ وهو يحكم لنفسه بالمنازل الرفيعة اي لست عليه بمسيطر مسلط بل انما انت منذر قد قمت بوظيفتك وحسابه على الله بل هم اضل سبيلا ثم سجل تعالى على ضلالهم البليغ بان سلبهم العقول والاسماع. وشبههم في ضلالهم بالانعام السائمة. التي لا تسمع الا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون. بل هم اضل من الانعام. لان الانعام يهديها راعيها فتهتدي. وتعرف طريق هلاكها فتجتنب وهي ايضا اسلم عاقبة من هؤلاء. فتبين بهذا ان الرامي للرسول بالضلال احق بهذا الوصف. وان كل حيوان بهيم فهو اهدى منه