فعددها عليه. ثم ابدل مكان كل سيئة حسنة. فقال يا رب ان لي سيئات لا اراها ها هنا. والله اعلم وكان الله غفورا رحيما. وكان الله غفورا لمن تاب. يغفر الذنوب العظيمة رحيما بعباده المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي العبودية لله نوعان عبودية لربوبيته فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم برهم وفاجرهم. فكلهم عبيد الله مربوبون مدبرون. ان كل من في السماوات والارض الا اتي الرحمن عبدا. وعبودية لالوهيته وعبادته ورحمته. وهي عبودية انبيائه واوليائه المراد هنا ولهذا اضافها الى اسمه الرحمن اشارة الى انهم انما وصلوا الى هذه الحال بسبب رحمته فذكر ان صفاتهم اكمل الصفات. ونعوتهم افضل النعوت فوصفهم بانهم يمشون على الارض هونا. اي ساكنين متواضعين لله وللخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده قالوا سلاما. واذا خاطبهم الجاهلون اي خطاب جهل بدليل اضافة الفعل واسناده لهذا الوصف. قالوا سلاما اي خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الاثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله وهذا مدح لهم بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالاحسان والعفو عن الجاهل ورزانة في العقل الذي اوصلهم الى هذه الحال اه ان يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له كما قال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون. فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين. جزاء بما كانوا يعملون والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم اي ادفع عنا بالعصمة من اسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب اي ملازما لاهلها بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه وهذا منهم على وجه التضرع لربهم وبيان شدة حاجتهم اليه وانهم ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب. وليتذكروا منة الله عليهم فان صرف الشدة بحسب شدتها وفظاعتها فيها يعظم وقعها ويشتد الفرح بصرفها والذين اذا انفقوا النفقات الواجبة والمستحبة لم يسرفوا بان يزيدوا على فيدخل في قسم التبذير واهمال الحقوق الواجبة ولم يقتروا فيدخلوا في باب البخل والشح. وكان انفاقهم بين بين الاسراف والتقطير قواما يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار. وهذا من عدلهم واقتصادهم والذين لا يدعون مع الله الها اخر بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين مقبلين عليه معرضين عما سواه. ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالله ولا يقتلون النفس التي حرم الله وهي نفس المسلم والكافر المعاهد الا بالحق كقتل النفس بالنفس وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله ولا يزنون. بل يحفظون فروجهم الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم ومن يفعل ذلك يلقى سميت يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد ومن يفعل ذلك اي الشرك بالله او قتل النفس التي حرم الله بغير حق او الزنا فسوف يلقى اثام ثم فسره بقوله انا ويخلد فيه اي في العذاب مهانا. فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها. ثابت لا شك فيه. وكذا لمن اشرك بالله وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد. على كل واحد من هذه الثلاثة. لكونها اما شرك واما من اكبر الكبائر. واما القاتل والزاني في العذاب فانه لا يتناوله الخلود لانه قد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية ان جميع المؤمنين سيخرجون من النار ولا يخلد فيها مؤمن ولو فعل من المعاصي ما فعل. ونص تعالى على هذه الثلاثة لانها اكبر الكبائر. فالشرك فيه فساد الاديان والقتل فيه فساد الابدان. والزنا فيه فساد الاعراض يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما. الا من تاب عن هذه المعاصي وغيرها بان اقلع عنها في الحال وندم على ما مضى له من فعلها وعزم عزما جازما الا يعود. وامن بالله ايمانا صحيحا. يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعة وعمل عملا صالحا مما امر به الشارع اذا قصد به وجه الله الله سيئاتهم حسنات. اي تتبدل افعالهم واقوالهم. التي كانت مستعدة لعمل السيئات تتبدل حسنات. فيتبدل شركهم ايمانا. ومعصيتهم طاعة. وتتبدل نفس السيئات التي عملوها. ثم احدثوا عن كل في ذنب منها توبة وانابة وطاعة تبدل حسنات. كما هو ظاهر الاية. وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه حيث دعاهم الى التوبة بعد مبارزته بالعظائم. ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم اي فليعلم ان توبته في غاية الكمال لانها رجوع الى الطريق الموصل الى الله. الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه. فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الاغراض الفاسدة فالمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وايقاعها على افضل الوجوه واجلها. ليقدم على من تاب اليه فيوفيه اجر بحسب كمالها كراما والذين لا يشهدون الزور. اي لا يحضرون الزور. اي القول والفعل المحرم. فيجتنبون جميع المجالس على الاقوال المحرمة او الافعال المحرمة كالخوض في ايات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء الغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير والصور ونحو ذلك. واذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب اولى واحرى الا قولوه ويفعلوه. وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الاية بالاولوية مروا كراما. واذا مروا باللغو وهو الكلام الذي لا خير فيه. ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم مروا كراما. اي نزهوا انفسهم واكرموها عن الخوض فيه. ورأوا الخوض فيها. وان كان لا اثم فيه انه سفه ونقص للانسانية والمروءة. فربأوا بانفسهم عنه. وفي قوله واذا مروا باللغو. اشارة الى انهم لا يقصدون ولا سماعه ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون انفسهم عنه والذين اذا ذكروا بايات ربهم التي امرهم باستماعها والاهتداء بها اي لم يقابلوها بالاعراض عنها. والصمم عن سماعها وصرف النظر والقلوب عنها. كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق. وانما حاله فيها وعند سماعها كما قال تعالى انما يؤمن باياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا فيستكبرون يقابلونها بالقبول والافتقار اليها والانقياد والتسليم لها وتجد عندهم اذانا سامعة وقلوبا واعية يزداد بها ايمانهم ويتم بها ايقانهم. وتحدث لهم نشاطا ويفرحون بها سرورا واغتباطا يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين وجعلنا للمتقين اماما اولئك يجزون الغرفة بما وسلاما. والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا اي قرنائنا من اصحاب واقران وزوجات لتقربهم اعيننا واذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم انهم لتقر اعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم عالمين عاملين. وهذا كما انه دعاء لازواجهم وذرياتهم في صلاحهم. فانه دعاء لانفسهم. لان نفعه يعود عليهم ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم. فقالوا هب لنا بل دعاؤهم يعود الى نفع عموم المسلمين. لانه صلاح من ذكر يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم وجعلنا للمتقين اماما اولئك يجزون الغرفة بما اي اوصلنا يا ربنا الى هذه الدرجة العالية. درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين. وهي درجة الامامة في وان يكونوا قدوة للمتقين في اقوالهم وافعالهم يقتدى بافعالهم ويطمئن لاقوالهم. ويسير اهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون. ومن المعلوم ان الدعاء ببلوغ شيء. دعاء بما لا يتم الا به. وهذه الدرجة درجة الامامة في لا تتم الا بالصبر واليقين. كما قال تعالى وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون فهذا الدعاء يستلزم من الاعمال والصبر على طاعة الله. وعن معصيته واقداره المؤلمة. ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه الى درجة اليقين خيرا كثيرا وعطاء جزيلا. وان يكونوا في اعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل. ولهذا لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل. فجزاهم بالمنازل العاليات فقال يجزون الغرفة بما صبروا. اي المنازل الرفيعة والمساكن الانيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه الادب اعين وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا. كما قال تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. ولهذا قال هنا خالدين فيها من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع والمكدرات. والحاصل ان الله وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده وحسن الادب والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين راضي عنهم ومقابلة اساءتهم بالاحسان وقيام الليل والاخلاص فيه والخوف من النار والتضرع لربهم ان ينجيهم منها واخراج وادي الوادي والمستحب في النفقات والاقتصاد في ذلك. واذا كانوا مقتصدين في الانفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه او الافراط اقتصادهم متوسطهم في غيره من باب اولى. والسلامة من كبائر الذنوب والاتصاف بالاخلاص لله في عبادته. والعفة عن الدماء والاعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك. وانهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية. ولا يفعلونها بانفسهم. وانهم يتنزهون من اللغو والافعال الردية التي لا خير فيها. وذلك يستلزم مروءتهم وانسانيتهم وكمالهم. ورفعة انفسهم عن كل خسيس قولي فعلي وانهم يقابلون ايات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها. والعمل بها والاجتهاد في تنفيذ احكامها. وانهم يدعون ان الله تعالى باكمل الدعاء في الدعاء الذي ينتفعون به وينتفع به من يتعلق بهم وينتفع به المسلمون من صلاح ازواجهم وذريتهم حريتهم ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم لان من حرص على شيء ودعا الله فيه لابد ان يكون متسببا فيه وانهم دعوا الله ببلوغ اعلى الدرجات الممكنة لهم. وهي درجة الامامة والصديقية. فلله ما اعلى هذه الصفات وارفع هذه الهمم واجل هذه المطالب. وازكى تلك النفوس واطهر تلك القلوب. واصفى هؤلاء الصفوة واتقى هؤلاء السادة ولله فضل الله عليهم ونعمته ورحمته التي جللتهم. ولطفه الذي اوصلهم الى هذه المنازل. ولله منة الله على عباده ان بين لهم اوصافهم ونعت لهم هيئاتهم وبين لهم هممهم واوضح لهم اجورهم ليشتاقوا الى الاتصاف باوصافهم ويبذلوا جهدهم في ذلك. ويسألوا الذي من عليهم واكرمهم. الذي فضله في كل زمان ومكان. وفي كل وقت واوان ان يهديهم كما هداهم ويتولاهم لتربيته الخاصة كما تولاهم. فاللهم لك الحمد واليك المشتكى وانت المستعان بك المستغاث ولا حول ولا قوة الا بك. لا نملك لانفسنا نفعا ولا ضرا. ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير. ان لم تيسر ذلك لنا فانا ضعفاء عاجزون من كل وجه. نشهد انك ان وكلتنا الى انفسنا طرفة عين وكلتنا الى ضعف وعجز وخطيئة فلا نثق يا ربنا الا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا. وانعمت علينا بما انعمت من النعم الظاهرة والباطنة. وصرفت عنا من النقم فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك. فلا خاب من سألك ورجاك. ولما كان الله تعالى قد اضاف هؤلاء العباد الى رحمته واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ربما توهم متوهم انه وايضا غيرهم. فلما لا يدخل في العبودية فاخبر تعالى انه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء. وانه لولا دعاؤكم اياه دعاء العبادة ودعاء المسألة. ما عباء بكم ولا احبكم فقال فقد كذبتم فسوف يكون لزاما. اي عذابا يلزمكم لزوم الغريم لغريمه وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين