المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يذكر تعالى تكذيب قوم نوح لرسولهم نوح. وما رد عليهم وردوا عليه. وعاقبة الجميع. فقال كذبت قوم نوح المرسلين جميعهم. وجعل تكذيب نوح كتكذيب جميع المرسلين. لانهم كلهم اتفقوا على دعوة واحدة. واخبار واحدة فتكذيب احدهم تكذيب بجميع ما جاءوا به من الحق. كذبوه اذ قال لهم اخوهم في النسب نوح وانما ابتعث الله الرسل من نسب من ارسل اليهم لئلا يشمئزوا من الانقياد له ولانهم يعرفون حقيقته. فلا يحتاجون ان يبحثوا عنه. فقال لهم مخاطبا بالطف خطاب كما هي طريقة الرسل. صلوات الله وسلامه عليهم. الا تتقون. الا تتقون الله تعالى؟ فتتركون ما انتم مقيمون عليه من عبادة الاوثان. وتخلصوا هنا العبادة لله وحده فكونه رسولا اليهم بالخصوص يوجب لهم تلقي ما ارسل به اليهم والايمان به. وان يشكروا الله تعالى على ان خصهم بهذا الكريم وكونه امينا يقتضي انه لا يتقول على الله. ولا يزيد في وحيه ولا ينقص. وهذا يوجب لهم التصديق بخبر به والطاعة لامره. فاتقوا الله واطيعوني فيما امركم به وانهاكم عنه. فان هذا فهو الذي يترتب على كونه رسولا اليهم امينا. فلذلك رتبه بالفاء الدالة على السبب. فذكر السبب الموجب ثم ذكر المانع فقال وما اسألكم عليه من اجر. فتتكلفون من المغرم الثقيل. ان اجري الا على رب العالمين. ارجو بذلك القرب منه والثواب الجزيل واما انتم فمنيتي ومنتهى ارادتي منكم النصح لكم وسلوككم والصراط المستقيم كرر ذلك عليه السلام لتكريره دعوة قومه وطول مكثه في ذلك كما قال تعالى فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما وقال ربي اني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي الا فرارا. فقالوا ردا لدعوته ومعارضة له بما ليس يصلح للمعارضة. اي كيف نتبعك ونحن لا اتباعك الا اسافل الناس واراذلهم وسقطهم. بهذا يعرف تكبرهم عن الحق. وجهلهم بالحقائق. فانهم لو كان قصدهم الحق لقانوا ان كان عندهم اشكال وشك في دعوته بين لنا صحة ما جئت به بالطرق الموصلة الى ذلك. ولو تأملوا حق التأمل لعلموا ان اتباعه هم الاعلون خيار الخلق. اهل العقول الرزينة والاخلاق الفاضلة. وان الارذل من سلب خاصية عقله فاستحسن عبادة الاحجار ورضي ان يسجد لها ويدعوها. وابى الانقياد لدعوة الرسل الكمل. وبمجرد ما يتكلم احد الخصم في الكلام الباطل يعرف فساد ما عنده بقطع النظر عن صحة دعوى خصمه. فقوم نوح لما سمعنا عنهم انهم قالوا في ردهم نوح انؤمن لك واتبعك الارذلون؟ وبنوا على هذا الاصل الذي كل احد يعرف فساده رد دعوته. عرفنا انهم ضالون مخطئون ولو لم نشاهد من ايات نوح ودعوته العظيمة ما يفيد الجزم واليقين بصدقه وصحة ما جاء به. فقال نوح عليه السلام اي اعمالهم وحسابهم على الله. انما علي التبليغ وانتم دعوهم عنكم. ان كان ما جئتكم به الحق فانقادوا له وكل له عمله. وما انا بطارد للمؤمنين كأنهم قبحهم الله طلبوا منه ان يطردهم عنه تكبرا وتجبرا ليؤمنوا. فقال وما انا بطارد المؤمنين فانهم لا يستحقون الطرد والاهانة وانما يستحقون الاكرام القولي والفعلي. كما قال تعالى واذا جاءك الذين يؤمنون بايات فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة اي ما انا الا ومبلغ عن الله ومجتهد في نصح العباد. وليس لي من الامر شيء. ان الامر الا لله. فاستمر نوح عليه الصلاة والسلام على دعوتهم ليلا ونهارا سرا وجهارا. فلم يزدادوا الا نفورا قالوا لان لم تنتهي يا نوح من دعوتك ايانا الى الله وحده ان من المرجومين. اي لنقتلك شر قتلة بالرمي بالحجارة كما يقتل الكلب. فتبا لهم ما اقل هذه المقابلة يقابلون الناصح الامين الذي هو اشفق عليهم من انفسهم بشر مقابلة. لا جرم لما انتهى ظلمهم واشتد كفرهم دعا عليهم نبيهم بدعوة احاطت بهم. فقال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. وهنا فافتح بيني وبينهم فتحا. اي اهلك الباغية منا. وهو يعلم انهم البغاة الظلمة. ولهذا قال فانجيناه ومن معه في الفلك اي السفينة المشحون من الخلق والحيوانات ثم اغرقنا بعد اي بعد نوح ومن معه من المؤمنين الباقين اي جميع قومه ان في ذلك اي نجاة نوح واتباعه واهلاك من كذب لاية دالة على صدق رسولنا وصحة ما جاءوا به وبطلان ما عليه اعداؤهم المكذبون بهم وان ربك لهو العزيز الذي قهر بعزه اعداءه فاغرقهم بالطوفان الرحيم حيث نجى نوحا ومن معه من اهل الايمان