جاءت المجادلة تشتكي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانا في جانب الحجرة. وان انه لا يخفى علي بعض كلامها. فانزل الله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجك كما قال تعالى علمها عند ربي فيك كتاب لا يضل ربي ولا ينسى. وقال الخضر الذي قد علمه الله من لدنه علما كثيرا. وخصه من علم الباطن بما ليس لموسى ولا لغيره. لموسى يستحيل ان تقوم بغير الله وان تكون مخلوقة. فكلامه كذلك. وهو القدير ما رام شيئا قط ذو سلطان. وهو القوي له القوى عن تاع يعني انه تعالى القدير كامل القلوب ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور. والنوع لطفه بعبده ووليه الذي يريد ان يتم عليه احسانه. ويشمله بكرمه فالذي نقل الانسان بهذه الاطوار المتنوعة حتى اوصله الى ما وصل واليه لا يليق به ان يهمله ويعطله عن امره ونهيه وثوابه وعقابه ونظير هذا قوله تعالى افحسبتم انما خلقناكم عبثا كان كذلك كان صدقا وعدلا وهدى ورشادا. وكذلك قالت الملائكة لامرأة ابراهيم حين حين قالت يا ويلتا االد وانا عجوز؟ قالوا كذلك قال ربك انه هو الحكيم العليم. وهذا راجع الى قوله وخلقه منفيان عنه مطلقا. واما الشفيع فانه ينفى عنه ان يشفع احد عنده على وجه يكون نقصا في حق الله كأن يشفع عنده احد بغير اذنه. كما يشفع الوزراء عند الملوك تعالى وهو عن لام الغيوب فظاهر البطلان وكذلك النسيان الهنا لا يعتريه قط من نسياني وكذا كحاجته الى طعم وريح قن وهو رزاق بلا حسبان. اي وكذلك ينزه الله تعالى عن الغفلة المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. وبه نستعين. الحمد لله العظيم الكبير. الحميد المجيد الذي له الالوهية وصفا كما العبودية وصفا للعبيد. الموصوف بالاوصاف الكاملة العليا المدعو بالاسماء الحميدة الحسنى. الذي له كل كمال وجلال وجمال. ولديه كل باحسان ونعمة وافضال. الذي خلق الخلق وادر عليهم واسع الرزق. ليقوموا بتوحيده ومحبته وعبادته. فيثيبهم ويتم عليهم نعمته باصناف كرامته. احمد على ما له من وصف عظيم. واحسان جسيم. وبر وتكريم. واشهد انه الاله حق اه الذي دل على توحيده جميع ادلة من العقل والنقل. واذعن لعبوديته اهل الكمال فضلا واشهد ان محمدا عبده ورسوله افضل العارفين واجل الموحدين بسيطة عقد نظام الانبياء والمرسلين. وهو الامام الكامل لجميع العابدين. صلى الله الله عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فان الله تعالى خلق الخلق لعباده سعادته واوجدهم للقيام بمعرفته ومحبته. وبين لهم في كتبه المنزلة من السماء وعلى السنة رسله تبيينا كافيا. واوضح لهم جميع الطرق الموصلة الى هذه غاية الفاضلة توضيحا وافيا. خصوصا في القرآن العظيم. وعلى لسان محمد النبي الكريم فان في القرآن والسنة من تفاصيل معرفة الله باسمائه وصفاته. وتوحيد ما ليس في غيرهما. فتعين على العباد الاقبال عليهما. والتدبر والتفكر فيهما اذ لا سبيل لهم الى معرفة ما خلقوا له الا بمعرفتهما. ولا طريق لهم الى الوصول الى ربهم والى دار كرامته الا بالقيام بحقهما. ولما كان تعالى قد امتن على هذه الامة بعلماء ربانيين. وفضلاء متقنين قد بذلوا اعمارهم واعملوا جواهر افكارهم في استخراج كنوز الوحي ومعانيه. وحل هذه المعصومة ومبانيه. فحصل لهم به علم كثير وفضل غزير. وصاروا الهداة الائمة واقتدى بهديهم وسيرهم وطريقتهم جميع اصناف الامة. وممن له فيها هذا الشأن القدم العليا والقدح المعلى والباع الاعلى. الامامان العظيمان والحافظان شيخ الاسلام تقي الدين الامام ابو العباس احمد بن عبدالحليم ابن تيمية والامام ابو عبد الله شمس الدين محمد بن ابي بكر المعروف بابن قيم الجوزية. قدس الله ارواحهما فانه قد حصل لهما من العلم والفهم للكتاب والسنة. واستخراج علومهما ما فاقا فيه كبار العلماء. وسبق فيه الجهابذة النبلاء. خصوصا علم التوحيد والعقائد السلفية فان الله من على المسلمين بهما فبينا لهم من ذلك ما لم يبينه احد. ونصر اهل السنة والحق نصرا عظيما. ودح ضام مذاهب الضالين والمبتدعين. فصنفا في ذلك ذلك المصنفات التي سارت في مشارق الارض ومغاربها. وانتفع بها الموافق والمخالف ومعرفة كتبهما والوقوف عليها فيه كفاية لمعرفة اقدارهما وعلو مراتبهما ولما كانت الكافية الشافية لشمس الدين ابن القيم. قد اشتملت على ما لم يشتمل عليه كتاب في فن التوحيد والعقائد والاصول واحتوت على تفاصيل كثيرة لا توجد في سائر الكتب حتى كتب مؤلفها. وكان قد تكرر علي الطلب من بعض الاصحاب في وضع تعليق عليها رأيت ذلك من الامور المتعسرة علي. لانه يستدعي وقتا كثيرا. ويشغلني عما هو اهم عندي منه ثم استخرت الله تعالى على وضع شرح لطيف على توحيد الانبياء والمرسلين منها ومتعلقاته ما هو اهم ما فيها واحسنه. والحاجة بل الضرورة ماسة الى معرفته وربما كان الاقتصار عليه اولى وانفع من السعي في شرح جميعها لامور كثيرة واكثرت فيه من النقل لعبارات المؤلف في كتبه. التي فيها ايضاح وتبيين يعين على فهمها لانه احسن ما يشرح كلامه بكلامه. فجاء بحمد الله كتابا وافيا بمقصوده محتويا على جواهر نفائس علم التوحيد. الذي هو اشرف العلوم على الاطلاق. واسأل تعالى ان يجعله خالصا لوجهه الكريم. وان ينفع به النفع العميم. انه جواد كريم رؤوف رحيم. وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب فصل في بيان توحيد الانبياء والمرسلين ومخالفته لتوحيد الملاحدة والمعطلين وهذا التوحيد هو التوحيد على الحقيقة. الذي لا يستحق هذا الاسم غيره. وهو التوحيد الوحيد في ذاته وحقيقته وادلته وبراهينه واثاره الفاضلة. فهو التوحيد الذي بعث الله به رسله وانزل به كتبه. واقام الادلة والبراهين على صحته وتعينه طريقا للنجاة وانه لا خير ولا سرور ولا سعادة في الدنيا والاخرة الا بسببه وهو الذي اعد الله لاهله ومن قام به انواع الكرامات. ولمن لم يقم به انواع العقوبات وهو الذي عليه المدار والاساس لجميع الاعمال. فكل عمل غير مبني على التوحيد فهو باطل مضمحل وكل بناء بني على غيره فهو بناء على شفا جرف هار. وهو التوحيد الذي عليه خيار الخلق واكملهم عقولا واراء واجمعهم للمحاسن وهم الانبياء والمرسلون ومن تبعهم ونبذه ورده كل ملحد ومعطل ممن مرجت اديانهم وفسد عقولهم واكتسبوا شر الاخلاق. وعطلت قلوبهم من معرفته ومحبته. والسنتهم من وجوارحهم من طاعته. ممن خالفوا الانبياء والمرسلين في توحيدهم وطريقهم في الدليل المدلول فتوحيد الانبياء والمرسلين مشتمل على الحق والصدق. المزكي للنفوس المطهر للاخلاق وادلته كل دليل عقلي صريح. وكل دليل نقلي صحيح. وتوحيد الملاحدة المعطلين مشتمل على ابطل الباطل. مؤيد بالشبه التي لا تسمن ولا تغني من جوع وهي على جهل اهلها وفساد عقولهم وافهامهم من اكبر الادلة. ولهذا قال المصنف اسمع اذا توحيد رسل الله ثم ما اجعله داخل كفة الميزان. مع هذه وانظر ايها اولى لدى الميزان بالرجحان. وهذا لان الشيء يعرف بضده والحق يتضح ويبين بمعرفة الباطل. فانك اذا وزنت بميزان العقل الحقيقي والفطرة التي لم تغير والقواطع الدالة على الحقائق. توحيد الانبياء والمرسلين وتوحيد غيرهم وجدت بينها من الفروق ما لا يخفى على من له ادنى مسكت من عقل. وكيف يوزن توحيد المعطل والملحدين المشتمل على مسبة رب العالمين ووصفه بكل صفة ناقصة. ونفي حقائق اوصافه الكاملة. والافتراء عليه وعلى رسله وكتبه. وجعل المخلوق الناقص من جميع الوجوه مساويا للخالق الكامل من جميع الوجوه. بتوحيد الانبياء والمرسلين المشتمل على تعظيم رب العالمين وتقديسه. والثناء عليه باكمل الثناء. ووصفه بكل صفة كمال. وتنزيه عن التمثيل والتشبيه. ومشاركة احد من المخلوقات في خصائص صفاته المقدسة وكيف يوزن توحيد يرقى بمن قام به الى اعلى عليين. بتوحيد ينزل بصاحبه الى اسفله سافلين ام كيف يوزن توحيد يجعل من اتصف به هاديا مهديا وطاهرا مرضيا. بتوحيد ان يكسب اهله الضلال والاطلال وارذل الخصال. والشقاء الابدي والعذاب السرمدي. توحيد نوعان قولي وفعلا نوعيه ذو برهان. يعني ان توحيد الانبياء والمرسلين ينقسم قسمين. احدهما التوحيد الفعلي وهو افراد الله بالمحبة والذل وسائر عبادات والتقربات. ويأتي في اخر هذه الفصول. وهو المعبر عنه بتوحيد العبادة وبتوحيد الوهية. وسمي توحيدا فعليا. لانه يتضمن افعال القلوب والجوارح. فهو توحيد بافعال العبيد. والا يتخذ له شريك ولا ند. والثاني التوحيد القولي المشترك على اقوال القلوب وهو اعترافها واعتقادها وعلى اقوال اللسان والثناء على الله به وهذا النوع هو توحيد الاسماء والصفات. الذي يدخل فيه توحيد الربوبية. وكل واحد من النوعين له براهين وادلة عقلية ونقلية. فبدأ المصنف رحمه الله بالتوحيد القولي فقال فالاول القول ذو نوعين اي ضن في كتاب الله موجودان. احداهما ولا نوعان اي. ضن في كتاب الله مذكوران. سلب النقائص والعيوب جميعها عنه هما نوعان يعني ان التوحيد القولي على نوعين موجودين في كتاب الله احدهما سلب اي نفي للنقائص والعيوب عن الله. والثاني اثبات الصفات الكاملة لله. كما سيأتي ان شاء الله. وبدأ بالسلب لانه وسيلة ومقصود لغيره فان المقصود اثبات صفات المدح والحمد. وكل ما نفاه الله عن نفسه او نفاه عنه رسوله من النقائب فانه متضمن للمدح والثناء بضد ذلك النقص. من الاوصاف الحميدة الرشيدة وهذا السلب على قسمين ذكرهما المصنف بقوله سلب لمتصل ومنفصل هما نوعان معروفان اما الثاني. سلب الشريك مع الظهير مع الشفي وكذاك سلب الزوج والولد الذي نسبوا اليه وكذا كنفي الكفء ايضا والولي. لنا سوى الرحمن في غفران يعني ان ما ينزه الله عنه من النقص ويسلب عنه من العيوب نوعان. سلب كن لمتصل وضابطه نفي ما يناقض ما وصف به نفسه. او وصفه به رسوله كما سيأتي وسلب لمنفصل. وضابطه تنزيه رب العالمين. ان يشاركه احد من الخلق في خصائصه التي لا تكون لغيره. وذلك كنفي الشريك لله. فان الله متفرد بالملك والقوة القدرة والتدبير. فليس له شريك في الملك وليس له ايضا ظهير. اي عويل يعاونه على خلق شيء من المخلوقات او تدبيرها. لكمال قدرته وسعة علمه ونفوذ مشيته وعجز المخلوقين وعدم حولهم وقوتهم الا بالله. فالشريك والظهير والسلاطين. واما الشفاعة عنده باذنه فانها ثابتة. كما اثبتها الله في عدة مواضع من كتابه. وذلك لانها دالة على كمال رحمته تعالى وعموم احسانه. فان انها من رحمته بالشافع والمشفوع له. فالشافع ينال بها الاجر والثناء من الله ومن خلقه والمشفوع له يرحمه الله على يد من امره بالشفاعة فيه. ومع هذا فلا لاحد بالشفاعة الا في من ارتضى قوله وعمله. وهو من كان مخلصا متابعا للرسول قال تعالى نافيا هذه المراتب الثلاث الملك والشركة فيه والعوين له. والشفاعة غير اذنه عن كل من عبد من دونه من اهل السماء واهل الارض. قل ادعوا الذين زعمتم من من دون الله. لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض وما لهم وما لهم فيهما من شرك وما له من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له. فقطع فيها هذه الاية كل سبب يتوسل به المشركون لدعوة غيره. وان من كان بهذا الوصف لا ملك له بواحد وجه من الوجوه ولا شريكة في الملك ولا معاونة ومظاهرة فيه. وليس له شفاعة بدون باذن الله لا يستحق من العبادة مثقال ذرة. وكذلك يسلب وينفى عن الله الزوج والولد الذي نسبه اليه عباد الصلبان وهم النصارى. حيث قالوا المسيح ابن الله كذلك نسبه اليه عباد الاصنام. حيث قالوا الملائكة بنات الله. فكذب الله كل من اثبت له او ولدا فقال بسم الله الرحمن الرحيم. قل هو الله احد. الله الصمد لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا احد. وقال تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله. وقال تعالى قل ان كان الرحمن ولد فانا اول العابدين. وقال تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون. وقال تعالى وقالت النصارى المسيح ابن الله. ذلك قولهم بافواههم. يضاهئون قول الذين كفروا من قبل. قاتلهم الله ان يؤفكون. وقال تعالى ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلف وقال تعالى وجعلوا لله شركاء وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم. سبحانه وتعالى يصفون بديع السماوات والارض. انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة. الى غير ذلك من الايات النفيات عن الله ان يتخذ صاحبة او ولدا لانه الواحد الاحد الفرد الصمد. الغني الذي لا يحتاج الى احد من خلقه بوجه من الوجوه. ولانه المالك لكل شيء. وكل الخلق مملوكون فقراء اليه. فمن كان كذلك فمن اين يتخذ الصاحبة او الولد. تعالى الله الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. قال تعالى وقالوا اتخذ ولدا. لقد جئتم شيئا ادا. تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتنشق الارض وتخر الجبال هدا. ان دعوا للرحمن ولد وما ينبغي للرحمن ان يتخذ ولدا. ان كل من في السماء السماوات والارض الا اتعبدا. لقد احصاهم وعدهم عدا وكلهم اتيه يوم القيامة فردا. وقول المصنف نسبوا اليه عابد الصلبان هذا على لغة من يلحق الفعل المسند الى الظاهر علامة والجمع وهي لغة ضعيفة تحمل عليها الضرورة. واللغة الفصحى ان يفرد الفعل المسند الى الظاهر فيقال نسب اليه عابد الصلبان. وقوله وكذاك نفي الكفء ايضا ان يتعين ان ينفى عن الله الكفؤ الذي نفاه عن نفسه في قوله ولم يكن له كفوا احد هل تعلم له سميا؟ فلا تجعلوا لله الانداد. ليس كمثله شيء فليس احد من الخلق مكافئا لله. اي مساويا له في الذات ولا في الصفات ولا في الافعال لانه الخالق الكامل من كل وجه. وسواه مخلوق ناقص ان لم يكمله ربه بكماله اللائق به فليس احد له صفات تقارب صفات الله. اوله افعال تشبه افعال الله بل ليس لاحد من الخلق استقلال بفعل شيء اصلا. حتى يعينه الله على افعاله ولهذا كانت افعال العباد تابعة لمشيئته. وما تشاؤون الا يشاء الله رب العالمين. والله خلقكم وما تعملون وكذلك مما ينفى عن الله ان يكون لنا ولي من دونه. يحصل لنا المطالب دينية والدنيوية. او يدفع عنا مضار الدين والدنيا. بل ليس لنا ولي الا هو. فهو والذي تولى خلقنا وتدبيرنا وتربيتنا العامة والخاصة. فالولاية العامة ولاية الخلق والتدبير الشاملة للبر والفاجر. قال تعالى وما لكم من دون من ولي ولا نصير. والولاية الخاصة هي ولايته للذين امنوا كانوا يتقون يخرجهم بها من ظلمات الجهل والكفر والمعاصي. الى نور العلم والايمان والطاعة قال تعالى الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين امنوا وكانوا يتقون. وقال تعالى الله ولي الذين امنوا وكذلك لا يتخذ احدا من خلقه وليا من الذل. لكمال اقتداره وعظمته بل يتخذ منهم اولياء رحمة بهم واحسانا منه اليهم. يحبهم ويحبونه الحاصل انه ليس احد من الخلق مساويا لرب العالمين. او مماثلا او عوينا او وزيرا بوجه من الوجوه. والاول التنزيه للرحمن عن وصف العيوب وكل ذي نقصان كالموت والاعياء والتعب الذي ينفي اقتدار الخالق الديان. والنوم والسنة التي هي اصله وعزوا بشيء عنه في الاكوان. هذا القسم الاول من من قسمي السلب المنفي عن الله. وهو التنزيه لله عن ان يتصف بعيب او نقص يناقض كمال اوصافه. فهو موصوف بكل صفة كمال منزه عن ضدها وعن نقصها. فهو خسوف بكمال القدرة. منزه عما يضادها من الموت والاعياء والتعب واللغوب. فانه لو كان موصوفا بشيء من ذلك لكان ناقص القدرة. قال تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت وقال تعالى ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام ايام وما مسنا من لغوب. وهو تعالى موصوف بالحياة الكاملة التامة منزه عما يضادها من النوم والنعاس الذي هو اصل النوم. قال تعالى الله لا لا اله الا هو الحي القيوم. لا تأخذه سنة ولا نوم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ان الله لا ينام ولا ينبغي له ان ينام وكذلك هو موصوف بالعلم المحيط بكل شيء. يعلم ما في السماوات والارض. ويعلم ما يسر العباد وما يعلنون وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين. ومنزه عن كل ما ينافي ذلك. فلا يعجب ان يغيب عن علمه وبصره وسمعه شيء في السماوات والارض. قال تعالى ان الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء. وقال تعالى عالم الغيب. لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض. ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين. وكذلك العبث الذي تنفيه حكة وكذا ترك الخلق اهمالا سدى لا يبعث كلا ولا امر ولا نهي عليه. هم من اله قادر ديان. اي وكذلك ينزه الله عن العبث في الخلق والامر. وانه خلق شيئا خبثا وباطلا او شرع شيئا عبثا. لانه حكيم حميد. فمن تمام حكمته وحمده اتقان المخلوقات واحكامها. واحسان المأمورات على اكمل وجه واتمه. وهذا امر مشهود في الخلق والامر. تحير حكمته الالباب. ويستدل بما بان من الحكمة فيها على ما خفي على العباد. ومن تمام الحكمة انه لم يخلق الخلق سدى. لا يؤمرون لا ينهون ولا يثابون. ولا يعاقبون على تلك الاوامر والنواهي بالبعث بعد الموت. فالحكمة والحمد دالان على انه خلق المكلفين لينفذ فيهم احكامه الشرعية ثم بعد ذلك يبعثهم بعد موتهم الى دار تجري فيهم احكام الجزاء والثواب والعقاب قال تعالى افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق. اي عن هذا الظن والحسبان. لان انه لا يليق بجلاله. وقال تعالى ايحسب الانسان ان يترك سدى الم يكن طفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فالذي نقله في هذه الاطوار لا يليق به ان يتركه مهملا سدى. لا يؤمر ولا ينهى ولا يثاب ولا يعاقب. قال تعالى ان الذي فرض عليك القرآن ل الى معاد. وكذلك ظلم عباده وهو الغني. يفما له والظلم الانسان اي وكذلك ينزه الله تعالى عن الظلم للعباد. بان يزيد في سيئاتهم او ينقص من حسناتهم. او يعاقبهم على ما لم يفعلوا. فان الظلم لا يفعله الا من هو محتاج اليه او من هو موصوف بالجور. واما الله تعالى الغني عن خلقه من جميع الوجوه العادل الحميد. فما له وظلم العباد. قال تعالى وما ربك بظلام العديد وقال تعالى ان الله لا يظلم مثقال ذرة. وان تك حسنة يضاعفها. ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما وقال تعالى على لسان نبيه محمد يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. رواه مسلم من حديث ابي ذر. وكذا كغفلة والنسيان لانه عالم الغيب والشهادة. وعلمه محيط لا يعرض له ما يعرض لعلم غيره من خفاء بعض المعلومات او نسيانها او الذهول عنها. كما قال تعالى علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى. وكذلك ينزه تعالى عن احتياجه الى الطعام والرزق. لانه تعالى هو الرزاق لجميع الخلق. الغني عنهم وكلهم فقراء اليه محتاجون اليه. قال تعالى وما خلقت الجن انس الا ليعبدون. ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون. وقال تعالى وهو يطعم ولا يطعم. هذا وثاني ابو علي السلبي الذي هو اول الانواع في الميزان. تنزيه اوصاف الكمال عن التشبيه والتمثيل والنكران. لسنا نشبه وصفه بصفاتنا ان المشبه عابد اوثاني. كلا ولا نخليه من اوصافه ان المعطل عابد بهتان. او عطل الرحمن من اوصافه. فهو الكفور من مثل الله العظيم بخلقه فهو النسيب لمشرك هذا النوع الثاني من نوعي السلب الذي ينزه الله عنه. الذي هو اول النوعين الثبوتي والسلبي. في الميزان اي في هذه القصيدة. وتقدم النوع الاول من قسمي السلب. وهو السلب المتصل والمنفصل. المتضمن لتنزيهه عن النقائص والعيوب وعن مشاركة احد من الخلق له في صفاته الخاصة به. وعما يناقض كماله وهذا النوع يرجع الى حفظ كماله ونعوت جلاله. عن تشبيهها بصفات الخلق. فلا قال علم الله او قدرته كعلم الخلق او قدرهم. ولا رحمته كرحمة خلقه ونحو ذلك فان هذا كله تشبيه لله بالخلق. ومن كان بهذا الحال فانه يمثل بفكره في صنما ووثنا يعبده. كما فعل النصارى بالمسيح ابن مريم. جعلوه الههم ومعبودهم مشبه نسيب ومشبه للنصراني. ورب العالمين فوق ما يظنون. واعلى مما يتوهم فانه كما ان ذاته لا تشبهها ذوات المخلوقين. فصفاته لا تشبهها صفاتهم وعن تعطيل صفاته ونفيها كما فعلته الجهمية المعطلة ومن تبعهم من المتكلمين. فان ان ذلك رد لنصوص الكتاب والسنة. الدالة على اتصافه بصفات الكمال. فيتوهم المعلق ان ظاهر النصوص يدل على التشبيه. فينفيها بوهمه الفاسد. ويصير قلبه متعبدا للعدم المحض. لانه لا يعقل ذات ليس لها صفة ولا نعت. ولا يعقل من قول الجهمية ومن تبعهم ان الله ليس بداخل العالم ولا خارجه. الا العدم المحض والنفي الصرف. فانه كفر بايات الله. وتكذيب للرسل ورد لما جاءوا به. ولهذا قال المصنف هو الكفور وليس ذا ايمان. ولكن سيأتي ان شاء الله في كلام المصنف. حكم جهمية وغيرهم من المعطلة. والتمييز بين من يكفر منهم ومن يعذر بتأويله. وبالجملة فالناس في هذا المقام ثلاثة اقسام. مؤمن موحد ومشبه ومعطل. فالمؤمن الموحد يصف الله بما وصف به نفسه. او وصفه به رسوله من صفات الكمال. على الوجه اللائق بجلاله لله وعظمته من غير تمثيل ولا تشبيه. ومن غير تحريف ولا تعطيل لشيء من اوصاف الله والمشبه هو الذي يشبه صفات الخالق بصفات المخلوقين. او يتعرض وحقيقتها التي لا يعلمها غير الله. والمعطل هو من نفى شيئا من صفاته الله. وكل من المشبه والمعطل قد حرم الوصول الى معرفة ربه على وجهها وابتلي بالتكلف والتحريف لنصوص الوحي. وكما انه مناقض للوحي فهو مناقض لما دلت عليه الفطر التي لم تغير والعقول المستقيمة. فلا معقول لديهم ولا من قول وهدى الله اهل السنة والجماعة لاتباع الحق المنقول عن الله وعن رسله. والمعقول لذوي الباب وذلك يظهر بتدبر ما عليه هذه الطوائف من المسائل والدلائل وتحقيقها يسأله الهداية لاقوم الطرق واهداها. فصل في النوع الثاني من النوع الاول وهو الثبوت. وهذا اشرف القسمين واجلهما. وهو المقصود لذاته ومجمله ما ذكره المصنف في هذا البيت حيث قال هذا ومن توحيدهم اثبات او صافي الكمال لربنا الرحمن. اي من توحيد الانبياء والمرسلين اثبات كل صفة للرحمن وردت في الكتب الالهية والنصوص النبوية. ثم شرع فصلوا شيئا منها فقال كعلوه سبحانه فوق السماء واتي العلا بل فوق كل فهو العلي بذاته سبحانه. اذ يستحيل خلاف ذهب بيان وهو الذي حقا على العرش استوى. قد قام بالتدبير للاكوان اما علو الباري تعالى فوق جميع المخلوقات ومباينته لها. فقد دل عليها معنى عن النصوص الكثيرة العقل الصريح. فانه علي بذاته فوق جميع مخلوقاته ويستحيل الا يكون عليا. فانه يستحيل ويمتنع ان يكون هو نفس المخلوق اوقات ويمتنع ايضا ان يكون حالا فيها. فتعين ان يكون فوقها مباينا لها واما استواؤه على العرش العظيم فيستفاد من النقل صريحا. قال تعالى الرحمن على العرش استوى. وسئل الامام ما لك رحمه الله عن كيفية الاستواء فقال الاستواء معلوم. والكيف مجهول. والايمان به واجب. والسؤال عنه اي عن كيفية بدعة. فكما انه تثبت لله صفاته على الوجه اللائق بجلاله وعظمته فالاستواء من جملة اوصافه الفعلية. فاستوى على العرش واحتوى على جميع الملك يدبر الامر في اقطار العالم العلوي والسفلي. فلا يتحرك متحرك الا باذنه. ولا يوجد شيء الا بمشيئته. قال تعالى الرحمن على العرش استوى. وقال ثم استوى على العرش يدبر الامر. حي مريد قادر متكلم ذو رحمة وارادة وحنان. اي هو تعالى حي حياة كاملة رحلة جامعة لجميع صفات الذات. لا تأخذه سنة ولا نوم. قال تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت. وهو المريد القادر اي كامل الارادة والقدرة وجمع بينهما لان جميع الافعال المتعلقة بذاته كالاستواء والنزول الى السماء الدنيا والمجيء يوم القيامة ونحو ذلك. والمتعلقة بخلقه كالاحياء والاماتة والخلق وجميع انواع التدبير وجميع الاقوال تصدر عن القدرة والارادة. فما وجد علم ان الله اراده وخلقه. وما لم يوجد علم ان الله لم يرده. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن واذا كان كامل القدرة والارادة علم انه ما في الكون من حول وقوة الا مستفادة وتابعة الله وقوته. متكلم اي لم يزل ولا يزال موصوفا الكلام فيكلم بما اراد كيف اراد وحيث اراد. ذو رحمة وحنان. اي قد اتصف الرحمة وعم خلقه بالنعم والاحسان والبر والحنان. واللطف والامتنان. هو اول هو اخر هو ظاهر. هو باطن هي اربع بوزان. ما قبله شيء كذا ما بعده شيء تعالى الله ذو السلطان. ما فوقه شيء كذا ما شيء وذا تفسير ذي البرهان. فانظر الى تفسيره بتدبر وتبصر وتعقل لمعاني. وانظر الى ما فيه من انواع مع لخالقنا العظيم الشاني. قال الله تعالى هو الاول والاخر والظاهر الباطن وهو بكل شيء عليم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه انت الاول فليس قبلك شيء. وانت الاخر فليس بعدك شيء. وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء. الحديث ولهذا فسر المصنف هذه الاسماء الاربعة المباركة بما فسرها به النبي صلى الله عليه وسلم وقال وذا وتفسير ذي البرهان اي تفسير الرسول الذي كلامه اعلى مراتب البيان والايضاح. بعد كلام الله تعالى. فانه مشتمل على اثبات معانيها ونفي ما ينافيها ويضادها وحث المصنف على تدبر هذه الاسماء الاربعة وتعقل معانيها. وانها مشتملة على عظيمة من انواع معرفة الله تعالى. التي بها تحيا القلوب وتستنير الافئدة فلنسق كلام المؤلف في سفر الهجرتين على هذه الاسماء الاربعة. فان فيه الشفاء والكفاية. قال رحمه الله على كلام شيخ الاسلام الانصاري في قوله الثاني الرجوع الى فضل الله ومطالعة سبقه الاسباب والوسائط. فبفضل الله ورحمته وجدت منه الاعمال والاقوال الشريفة والمقامات العلية. وبفضله ورحمته الى رضاه ورحمته وقربه وكرامته وموالاته. وكان سبحانه هو الاول في ذلك ككله كما انه الاول في كل شيء. وكان هو الاخر في ذلك كما هو الاخر في كل شيء فمن عبده باسمه الاول والاخر حصلت له حقيقة هذا الفقر. فان انضاف الى ذلك عبوديته باسمه الظاهر والباطن فهذا هو العارف الجامع لمتفرقات ظاهرا وباطنا. فعبوديته باسمه الاول تقتضي التجرد من مطالعة الاسباب والوقوف والالتفات اليها. وتجريد النظر الى مجرد سبق فضله ورحمته وانه هو المبتدأ بالاحسان من غير وسيلة من العبد. اذ لا وسيلة له في العدم قبل وجود واي وسيلة كانت هناك وانما هو عدم المحض. وقد اتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا. فمنه سبحانه الاعداد ومنه الامداد. وفضله سابق على الوسائل والوسائل من مجرد فضله وجوده. لم تكن بوسائل اخرى فمن نزل اسمه الاول على هذا المعنى اوجب له فقرا خاصا وعبودية خاصة باسمه الاخر تقتضي ايضا عدم ركونه ووثوقه بالاسباب والوقوف معها فانها تعدم لا محالة. وتنقضي بالاخرية. ويبقى الدائم الباقي بعدها. فالتعليم بها تعلق بما يعدم وينقضي. والتعلق بالاخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا فيزول فالمتعلق به حقيق الا يزول ولا ينقطع. بخلاف لا في التعلق بغيره مما له اخر يفنى به. كما نظر العارف اليه بسبق الاولية حيث كان قبل الاسباب كلها. فكذلك نظره اليه ببقاء الاخرية. حيث يبقى بعد كلها فكان الله ولم يكن شيء غيره. وكل شيء هالك الا وجهه فتأمل عبودية هذين الاسمين. وما يوجبانه من صحة الاضطرار الى الله وحده. ودوا ومن فقر اليه دون كل شيء سواه. وان الامر ابتدأ منه واليه يرجع. فهو المبتلى بالفضل حيث لا سبب ولا وسيلة. واليه تنتهي الاسباب والوسائل. فهو اول كل شيء واخره وكما انه رب كل شيء وفاعله وخالقه وبارئه. فهو الهه وغايته التي الى صلاح له ولا فلاح ولا كمال. الا بان يكون وحده غايته ونهايته ومقصوده فهو الاول الذي ابتدأت منه المخلوقات. والاخر الذي انتهت اليه عبوديات واراداتها ومحبتها. فليس وراء الله شيء يقصد ويعبد ويتأله كما انه ليس قبله شيء يخلق ويبرأ. فكما كان واحدا في ايجادك فاجعل واحدا في تألهك اليه لتصح عبوديتك. كما ابتدأ وجودك وخلقك منه فاجعله نهاية حبك وارادتك وتألهك اليه. لتصح عبوديته باسمه الاول والاخر واكثر الخلق تعبدوا له باسمه الاول. وانما الشأن في التعبد له باسمه الاخر. فهذه الرسل واتباعهم. فهو رب العالمين واله المرسلين سبحانه وبحمده واما عبوديته باسمه الظاهر فكما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله الظاهر فليس فوقك شيء. وانت الباطن فليس دونك شيء. فاذا تحقق للعبد علو المطلق على كل شيء بذاته. وانه ليس فوقه شيء البتة. وانه قاهر فوق عبادة يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه. اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح صالح يرفعه. صار لقلبه امن يقصده. وربا يعبده والها يتوجه اليه بخلاف من لا يدري اين ربه. فانه ضائع مشتت القلب. ليس لقلبه قبلة توجهوا نحوها ولا معبود يتوجه اليه قصده. وصاحب هذه الحالة اذا سلك وتأله وتعبد. طلب قلبه الها يسكن اليه ويتوجه اليه. وقد اعتقد انه ليس فوق العرش الا العدم. وانه ليس فوق العالم اله يعبد ويصلى له ويسجد وانه ليس على العرش من يصعد اليه الكلم الطيب. ولا يرفع اليه العمل الصالح. جال قلبه في الوجود جميعه. فوقع في الاتحاد ولا بد. وتعلق قلبه بالوجود المطلق الساري في المعينة فاتخذه الهه من دون اله الحق. وظن انه قد وصل الى عين الحق حقيقة وانما تأله وتعبد لمخلوق مثله. ولخيال نحته بفكره. واتخذه الها من دون الله سبحانه. واله الرسل وراء ذلك كله. ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام. في ستة ايام ثم استوى على العرش. يدبر الامر. ما من شفيع الا من بعد ابني ذلكم الله ربكم فاعبدوه. افلا تذكرون. اليه مرجعكم عظيمة لا يماثلها ولا يقاربها صفة شيء من المخلوقات. بل لا يقدر الخلق كلهم ان يحيطوا علما ببعض صفاته. قال تعالى ولا يحيطون به علما. وله علو القهر فعلا على جميع المخلوقات وقهرها. فكلها تحت قبضته ونواصيها بيده. لا جميعا. وعد الله حقا. انه يبدأ الحلق ثم يعيده ليجزي الذين امنوا ليجزي الذين امنوا وعملوا الصالحات بالقسط. والذي كفروا لهم شراب من حميم وعذاب اليم. وعذاب اليم بما كانوا يكفرون. وقال الله الذي خلق السماوات والارض وما بينهما وما بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش. ما لكم من من دونه من ولي ولا شفيع. افلا تتذكرون يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه. ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون. الى قوله قليلا ما تشكرون. فقد تعرف سبحانه الى عباده بكلامه معرفة لا يجحدها الا من انكره سبحانه. وان زعم انه مقر به. والمقصود ان التعبد باسمه الظاهر يجمع القلب على المعبود. ويجعل له ربا يقصده. وصمدا يصمد في حوائجه. وملجأ يلجأ اليه. فاذا استقر ذلك في قلبه وعرف ربه باسمه ظاهر استقامت له عبوديته. وصار له معقل وموئل يلجأ اليه. ويهرب اليه ويفر كل وقت وقت اليه. واما تعبده باسمه الباطن. فامر يضيق نطاق التعبير عن حقيقته ويكل اللسان عن وصفه. ثم تستلم الاشارة اليه. وتجف العبارة عنه فانه يستلزم معرفة بريئة من شوائب التعطيل. مخلصة من فرث التشبيه. منزهة يتفطرن من فوقهن. والملائكة يسبحون بحمد ربهم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل انه قال الكبرياء ردائي والعظمة ازاري. فمن نازعني شيئا منه ما عذبته. وقال النبي صلى الله عن رجس الحلول والاتحاد. وعبارة مؤدية للمعنى كاشفة عنه. وذوقا صحيحا سليما من اذواق اهل الانحراف. فمن رزق هذا فهم معنى اسمه الباطن. وصح له التعبد به وسبحان الله كم زلت في هذا المقام اقدام. وضلت فيه افهام. وتكلم فيه الزنديق بلسانه الصديق واشتبه فيه اخوان النصارى بالحنفاء المخلصين. لنبو الافهام سامعا هو عزة تخلص الحق من الباطل فيه. والتباس ما في الذهن بما في الخارج. الا على من رزقه الله بصيرة في الحق. ونورا يميز به بين الهدى والضلال. وفرقانا يفرق به بين الحق والباطل. ورزق مع ذلك اطلاعا على اسباب الخطأ وتفرق الطرق ومثار الغلط وكان له بصيرة في الحق والباطل. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل عظيم وباب هذه المعرفة والتعبد هو معرفة احاطة الرب سبحانه بالعالم وعظمته وان العوالم كلها في قبضته. وان السماوات السبع والاراضين السبع في يده كخردلة في في يد العبد قال تعالى واذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس وقال والله من ورائهم محيط. ولهذا يقرن سبحانه بين هذين الاسمين الدالين على هذين المعنيين اسم العلو الدال على انه الظاهر وانه لا شيء فوقه واسم العظمة الدال على الاحاطة وانه لا شيء دونه. كما قال تعالى وهو العليم العظيم. وقال وهو العلي الكبير. وقال ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله. ان الله واسع عليم وهو تبارك وتعالى كما انه العالي على خلقه بذاته. فليس فوقه شيء فهو الباطن ذاته فليس دونه شيء. بل ظهر على كل شيء فكان فوقه. وبطن فكان اقرب الى كل شيء من نفسه وهو محيط به حيث لا يحيط الشيء بنفسه. وكل شيء في قبضته. وليس شيء في قبضة نفسه. فهذا قرب الاحاطة العامة. واما القرب المذكور في القرآن والسنة فقرب خاص بين عابديه وسائليه وداعيه. وهو من ثمرة التعبد باسمه الباطن قال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب. اجيب دعوة الداعي اذا دعان فهذا قربه من داعيه. وقال ان رحمة الله قريب من المحسنين. فذكر الخبر وهو قريب عن لفظ الرحمة وهي مؤنثة. ايذانا فيه تعالى من المحسنين. فكأنه قال ان الله برحمته قريب من المحسنين وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد واقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل. فهذا قرب خاص. غير قرب الاحاطة وقرب البطون. وفي الصحيح من حديث ابي موسى انهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فارتفعت اصواتهم بالتكبير فقال ايها الناس ارضعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصم ولا غائبا. ان تدعونه سميع قريب. اقرب الى احدكم من عنق راحلته. فهذا قربه من داعيه وذاك يعني فاي حاجة بكم الى رفع الاصوات؟ وهو لقربه يسمعها وان خفضت. كما يسمعها اذا رفعت فانه سميع قريب. وهذا القرب هو من لوازم المحبة. فكلما كان الحب اعظم كان القرب اكثر. وقد تستولي محبة المحبوب على قلب محبه. بحيث يفنى بها عن غيرها ويغلب محبوبه على قلبه حتى كأنه يراه ويشاهده. فان لم يكن عنده معرفة صحيحة بالله. وما يجب له وما يستحيل عليه. والا طرق باب الحلول ان لم يلجه وسببه ضعف تمييزه. وقوة سلطان المحبة. واستيلاء المحبوب على قلبه بحيث يغيب عن ملاحظة ما سواه. وفي مثل هذه الحال يقول سبحاني او ما في الا الله ونحو هذا من الشطحات التي نهايتها ان يغفر له ويعذره. لشكره تمييزه في تلك الحال. فالتعبد بهذا الاسم هو التعبد بخالص المحبة وصفو الوداد وان يكون الاله اقرب اليه من كل شيء. واقرب اليه من نفسه. مع كونه ظاهرا ليس فوقه شيء ومن كتف ذهنه وغلظ طبعه عن فهم هذا المعنى فليضرب عنه صفحا الى ما هو اولى به وقد قيل اذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه الى ما تستطيع. فمن لم يكن له ذوق من قرب المحبة. ومعرفة بقرب المحبوب من محبيه غاية القرب. وان كان بينهما غاية افا ولا سيما اذا كانت المحبة من الطرفين وهي محبة بريئة من العلل والشوائب والاعراض القادحة فيها. فان المحب كثيرا ما يستولي محبوبه على قلبه وذكره. ويفنى عن غيره ويرق قلبه وتتجرد نفسه. فيشاهد محبوبه كالحاضر معه القريب اليه بينهما من البعد ما بينهما. وفي هذه الحال يكون في قلبه وجوده العلمي. وفي لسانه جوده اللفظي فيستولي هذا الشهود عليه ويغيب به. فيظن ان في عينه وجوده الخارجي لغلبة حكم القلب والروح. كما قيل خيالك في عيني وذكرك في فمي. ومثواك في فاين تغيب؟ هذا ويكون ذلك المحبوب بينه وبين عدوه وما بينهما من البعد وان قربت الابدان وتلاصقت الديار. والمقصود ان المثال العلمي غير الحقيقة الخارجية وان كان مطابقا لها. لكن المثال العلمي محله القلب. والحقيقة الخارجية محله الخارج. فمعرفة هذه الاسماء الاربعة وهي الاول والاخر والظاهر والباطن هي اركان العلم والمعرفة. فحقيق بالعبد ان يبلغ في معرفتها الى حيث ينتهي به قواه وفهمه واعلم ان لك انت اولا واخرا وظاهرا وباطنا. بل كل شيء فله اول واخر وظاهر وباطن حتى الخطرة واللحظة والنفس. وادنى من ذلك واكثر. فاولية الله عز وجل سابقة على اولية كل ما سواه. واخريته ثابتة بعد اخرية كل ما سواه. فاول سبقه لكل شيء. واخريته بقاؤه بعد كل شيء. وظاهريته سبحانه فوقيته هو علوه على كل شيء. ومعنى الظهور يقتضي العلو. وظاهر الشيء هو ما علا منه واحاط بباطنه وبطونه سبحانه احاطته بكل شيء. بحيث يكون اقرب اليه من نفسه. وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه. هذا لون وهذا لون. فمدار هذه الاسماء الاربعة على الاحاطة. وهي احاطتان زمانية ومكانية. فاحاطة اوليته واخريته بالقبل والبعد. فكل سابق انتهى الى اوليته. وكل اخر انتهى الى اخريته فاحاطة اوليته واخريته بالاوائل والاواخر. واحاطة ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن. فما من ظاهر الا والله فوقه. وما من باطن الا والله دونه. وما من اول الا والله قبله. وما من اخر الا والله بعده. فالاول ولوقي دمه والاخر دوامه وبقاؤه. والظاهر علوه وعظمته. والباطن قربه ودنوه فسبق كل شيء باوليته. وبقي بعد اخر كل شيء باخريته. وعلى على كل شيء شيء بظهوره ودنى من كل شيء ببطونه. فلا تواري منه سماء سماء ولا ارض ارضا ولا يحجب عنه ظاهر باطنا. بل الباطن له ظاهر. والغيب عنده شهادة. والبعيد منه قريب والسر عنده علانية. فهذه الاسماء الاربعة تشتمل على اركان التوحيد فهو الاول في اخريته. والاخر في اوليته. والظاهر في بطونه. والباطن وفي ظهوره لم يزل اولا واخرا وظاهرا وباطنا. هذا اخر كلام المصنف رحمه الله وهو في غاية النفاسة في هذا الموضع. وكرر العبارات المتنوعة لاجل ان يفهم المعنى فهما صحيحا تاما لان هذا الموضع من اهم المواضع واعظمها حاجة. وهو العلي كل انواع العلوم. وله فثابتة بلا نكران. يعني ان الله تعالى هو والعلي الذي له جميع انواع العلو ثابتة شرعا وعقلا. بلا انكار ولا تعطيل بشيء منها فله علو الذات لانه فوق المخلوقات. فوق العرش العظيم قد باينا العالم العلوي والسفلي. وله علو القدر وهو علو صفاته وعظمتها. بحيث كانت صفاته عالية منها متحرك ولا يسكن ساكن الا باذنه. ولو اجتمعوا على ايجاد فعل او حركة لم يرد الله لم يقدروا على ذلك. وذلك لكمال اقتداره وعظمته. وشدة افتقار المخلوقات اليه من كل وجه وهو العظيم بكل معنى يوجب التعظيم لا يحصيه من انسان يريد ان الله تعالى عظيم له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم. بحيث لا يقدر انسان ولا مخلوق ان يحصي الثناء على الله بعظمته. ومعاني التعظيم نوعان. احدهما انه تعالى موصوف بكل صفة كمال. وله من ذلك الكمال الذي وصف به اكمله واعظمه واجله. فله العلم المحيط والقدرة النافذة والكبرياء والعظمة حتى ان من عظمته ان السماوات والارض في كف الرحمن كالخردلة في يد المخلوق. كما قال ذلك ابن عباس رضي الله عنهما. وقال تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة. قبضته يوم القيامة والسماوات مطاو بيمينه. وقال تعالى ان الله يمسك السماوات والارض ان ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده. ان انه كان حليما غفورا. وقال تعالى وهو العلي العظيم. تكاد السماوات الله عليه وسلم جنتان من ذهب انيتهما وحليتهما وما فيهما. وجنتان من انيتهما وحليتهما وما فيهما. وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا نداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن. فلله تعالى الكبرياء والعظمة. الوصفان اللذان لا يقادر قدرهما ولا يبلغ كنههما. النوع الثاني من معاني عظمته تعالى انه لا يستحق احد التعظيم من الخلق غيره تعالى. فيستحق على العباد ان يعظموا بقلوبهم والسنتهم واعمالهم. وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته. والذل له والخوف منه واعمال اللسان بالثناء عليه. وقيام الجوارح بشكره وعبوديته. ومن تعظيم ان يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى. ويشكر فلا يكفر. ومن تعظيمه واجلاله الا يعترض على شيء مما خلقه او شرعه. بل يخضع لحكمته وينقاد لحكمه وهو الجليل فكل اوصى في الجلاء للي له محققة بلا بطلان هو الجميل على الحقيقة كيف لا. وجمال سائر هذه الاكوان. من بعض اولى واجدر عند ذي العرفان. فجماله وبالذات والاوصاف افعال والاسماء بالبرهان. لا شيء يشبه ذاته وصفاته سبحانه عن افك ذي بهتان. يعني ان الله هذا هو الجليل الذي له جميع اوصاف الجلال. وهي اوصاف العظمة والكبرياء. ثابتة محققة. لا يفوته منها وصف جلال وكمال. وكذلك هو الجميل بالذات والاوصاف والافعال والاسماء. فان ذاته تعالى لها من الجمال ما لا يمكن مخلوقا ان يعبر عن بعض جماله حتى ان اهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم الذي لا يوصف. واللذات التي لا يقادر قدرها والافراح والسرور. اذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم وتلاشى ما هم فيه من الافراح. وودوا ان لو تدوم لهم هذه الحال من جماله جمالا الى جمالهم. وكانت قلوبهم دائما في شوق ونزوع الى رؤية ربهم حتى انهم يفرحون بيوم المزيد. فرحا تكاد تطير له القلوب كذلك هو الجميل في اسمائه. لان اسمائه كلها حسنى. بل هي احسن الاسماء على الاطلاق اجملها قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فدعوه بها. وقال قال هل تعلم له سم يا؟ ولهذا لا يسمى باسم محتمل لمدح وغيره. بل لا يسمى الا بالاسماء الدالة على غاية المدح والحمد. وكذلك هو الجميل في اوصافه. فان ان اوصافه كلها اوصاف كمال. ونعوت ثناء وحمد. فهي اوسع الصفات واعمها واكثرها تعلقا خصوصا اوصاف الرحمة والبر والاحسان والجود والكرم. وكذلك افعاله تعالى كلها جميلة. فانها دائرة بين افعال البر والاحسان التي يحمد عليها يشكر ويثنى عليه بها. وبين افعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها الحكمة والحمد فليس في افعاله عبث ولا سفه ولا ظلم. بل كلها هدى ورحمة وعدل ورشد ان ربي على صراط مستقيم. وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا. ثم استدل المصنف رحمه الله بدليل عقلي على جمال الباري. فقال كيف لا اي كيف لا يكون جميلا والحال ان جمال جميع الاكوان من بعض وباثار الجميل. فربها الذي اعطاها الجمال احق واجدر منها بالجمال. فكل جمال في الدنيا والاخرة باطني وظاهري. مما تظهر له العقول وتحير له الافئدة. خصوصا خصوصا ما يعطى اهل الجنة في الجنة من الجمال لهم ولنسائهم اللاتي لو بدا كف واحدة منهن الى الدنيا لطمس نوره نور الشمس. كما تطمس الشمس ضوء النجوم. اليس الذي كساهم ذلك الجمال ومن عليهم بذلك الكمال احق منهم به. فهذا دليل عقلي واضح مسلم المقدمات. على هذه المسألة العظيمة. قال تعالى ولله المثل الاعلى اي كل ما وجد في المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصا فان معطيه احق وبه من المعطى بما لا نسبة له بينه وبينهم الا كنسبة ذواتهم الى ذاته صفاتهم الى صفاته. فالذي اعطاهم السمع والبصر والعلم والقدرة والجمال والكمال. احق منهم لذلك وكيف يعبر احد عن جماله وقد قال اعلم الخلق به لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك. وقال حجابه النور ولو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه. ولهذا قال المؤلف لا شيء يشبه ذاته وصفاته سبحانه عن افك ذي بهتان. سبحانه اي تنزه وتقدس. اذك ذي بهتان اي كذب المفترين. الذين لم يقدروا الله حق قدره. ولا عظموه حق عظمته. حين تعطلوا اوصافه التي نطقت بها الكتب وصرحت بها الرسل وحسبهم خسارا ومقتا ان حرموا من الوصول الى معرفته والابتهاج بمحبته. وجمع المؤلف بين الجليل لان تمام التعبد لله هو التعبد له بهذين الاسمين الكريمين. فالتعبد الجليل يقتضي تعظيمه وخوفه وهيبته واجلاله. والتعبد باسمه الجميل يقتضي محبته تأله له. وان يبذل له خالص المحبة وصفو الوداد. بحيث تسبح القلوب في رياض معرفته وميادين جماله. وتبتهج بما يحصل لها من اثار جماله وكماله فان الله ذو الجلال والاكرام. وهو المجيد صفاته اوصاف تع ظيم فشأن الوصف اعظم شأن. يعني ان معنى اسمه المجيد انه عظيم الصفات واسعها فكل وصف من اوصافه فشأنه عظيم. فهو العليم الكامل في علمه. الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء. القدير الذي لا يعجزه شيء. الحليم الكامل في حلمه. قال تصنف في بدائع الفوائد فان المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال. ولفظه يدل على هذا فانه موضوع للسعة والكثرة والزيادة. فمنه استمجد المرخ والعفار انجد الناقة علفا ومنه رب العرش المجيد صفة للعرش لسعته وعظمته وشرفه وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترنا بطلب الصلاة من الله على رسوله. كما صلى الله عليه وسلم يعني قوله اللهم صل على محمد وبارك على محمد انك حميد مجيد. لانه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه فاتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه. كما تقول اغفر لي وارحمني انك انت الغفور الرحيم ولا يحسن انك انت السميع البصير. فهو راجع الى التوسل اليه باسمائه وصفاته وهو من اقرب الوسائل واحبها اليه. ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي الظوا بيا ذا والاكرام ومنه اللهم اني اسألك بان لك الحمد لا اله الا انت فنان بديع السماوات والارض. يا ذا الجلال والاكرام. فهذا سؤال له وتوسل اليه بحمده وانه لا اله الا هو المنان. فهو توسل اليه باسمائه وصفاته. وما حق ذلك بالاجابة واعظمه موقعا عند المسؤول. وهذا باب عظيم من ابواب التوحيد اشرنا اليه اشارة وقد فتح لمن بصره الله انتهى كلامه. وهو السميع وهو يسمع كل ما في الكون من سر ومن اعلان. ولكل صوت منه سمع حاضر فالسر والاعلان مستويات والسمع منه واسع الاصوات لا يخفى عليه بعيدها والداني وهو البصير يرى دبيب النملة سوداء تحت الصخر والصوان. ويرى مجاري القوت في اعضائها ويرى خيانات العيون بلحظها ويرى هكذا كتقلب الاجفان. هذه الابيات في شرح هذين الاسمين الكريمين. السميع وكثيرا ما يقرن الله بينهما كمثل قوله. وكان الله سميعا بصيرا. فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة والباطنة فالسميع هو الذي احاط سمعه بجميع المسموعات. فكل ما في العالم العلوي والسفلي من من الاصوات يسمعها سرها وعلانيتها. حتى كانها لديه صوت واحد. لا تختلط عليه الاصوات ولا تغلطه اللغات. والقريب منها والبعيد والسر والعلانية كلها عنده سواء قال تعالى سواء منكم من اسر القول ومن جهر وبه ومن هو؟ ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار قال تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما. ان الله سميع بصير قالت عائشة رضي الله عنها تبارك الذي وسع سمعه الاصوات. لقد فيها الاية. وسمعه تعالى نوعان. احدهما سمعه لجميع الاصوات الظاهرة خفية واحاطته بها احاطة تامة. والثاني سمع الاجابة منه للسائلين فيجيبهم ويثيبهم. ومنه قول العبد في صلاته. سمع الله لمن حميدة. اي استجاب الله لمن حمده واثنى عليه وعبده. ومنه قول ابراهيم عليه السلام الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحاق. ان ربي الدعاء ثم قال المصنف وهو البصير اي الذي احاط بصره بجميع المبصرات. في اقطار الارض والسماوات. حتى اخفى ما يكون منها. فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. ويرى جميع اعضائها الظاهرة باطنة. حتى انه يرى سريان القوت في اعضائها الصغار جدا. ويرى سريان المياه في الاشجار واغصانها وعروقها وجميع النباتات. ويرانياط عروق النملة والبعوضة واصغر من ذلك. فتبارك من تنبهر العقول عند التأمل لبعض صفاته المقدسة وتشهد البصائر كماله وعظمته ولطفه. وخبرته بالغيب والشهادة والحاضر والغائب والخفي والجلي ويرى تعالى خيانات العيون بلحظها. اي حين يلحظ العبد منظرا يخفيه على جليسه فالله تعالى يراه في تلك الحالة التي يحرص على اخفاء ملاحظته عن كل احد ويرى تقلب الاجفان حين يقلبها الناظر من ادمي او ملك او جني او حيوان حين يطبقها ويفتحها. قال تعالى الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين. وقال تعالى يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور. وقال وتعالى والله على كل شيء شهيد. اي مطلع ومحيط علمه بجميع معلومات وسمعه بجميع المسموعات. وبصره بجميع المرئيات. ما نبصره وما لا نبصره. وهو العليم احاط علما بالذي في الكون من سر ومن اعلان وبكل شيء علمه سبحانه فهو المحيط وليس ذا نسيان وكذا وما قد كان والموجود في ذا الان وكذا تأمر لم يكن لو كان كي. فيكون ذاك الامر ذا ان كان هذا تفسير للعليم باحسن تفسير واجمعه. فهو تعالى العليم الذي له العلم العام للواجبات والممتنعات والممكنات. فيعلم نفسه الكريمة وصفاته المقدسة نعوته العظيمة. وهي الواجبات التي لا يمكن الا وجودها. ويعلم الممتنعات حال امتنان ويعلم ما يترتب على وجودها لو وجدت. كما قال تعالى لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا. وقال تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلى بعضهم بعض فهذا ونحوه من ذكره للممتنعات التي يعلمها. واخباره بما ينشأ عنها لو وجدت على وجه الفرض والتقدير. ويعلم تعالى الممكنات وهي التي يجوز وجودها وعدمها. ما وجد منها وما لم يوجد. ما لم الحكمة ايجاده. فهو العليم الذي احاط علمه بالعالم العلوي والسفلي. بحيث لا فيخلو عن علمه مكان ولا زمان. ويعلم الغيب والشهادة والظواهر والبواطن والجلي والحفي قال تعالى ان الله بكل شيء عليم. وفي غيرها. وقال تعالى هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة وقال تعالى ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس باي في ارض تموت. ان الله عليم خبير. وقال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر البحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة. ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وقال تعالى يعلم السر واخفى. وقال تعالى والله عليم قم بذات الصدور. وقال تعالى الا انهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه على حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون انه عليم بذات الصدور. وقال تعالى ان الله لا لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء. وقال تعالى عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين وقال تعالى اليه يرد علم الساعة. وما تخرج من ثمرات من وما تحمل من انثى. وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه. الى غير ذلك من النصوص الدالة على شمول علم الله لكل شيء وانه لا يخفى عليه ظاهر ولا باطن. ولا بعيد ولا قريب. ولا يغفل عنه ولا ينساه. ولا يعرض لعلمه ما يعرض لعلم غيره. فان علم المخلوق يعرض له عدم الاحاطة. ويعرض له النسيان لما علمه. والله تعالى كما قال المصنف الرحمن اعلم الخلق على الاطلاق بعد محمد وابراهيم عليهم السلام. لما لقي خضيرة ليتعلم منه. مرا على البحر فنقر عصفور من البحر بمنقاره. فقال الخضر موسى ما نقص علمي وعلمك وعلم سائر الخلق من علم الله. الا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر. ولما ذكر المصنف رحمه الله احاطة علم الله بجميع الاكوان. ذكر احاطته بجميع الازمان الحاضرة والماضية تقبله فقال وهو العليم بما يكون غدا. اي المستقبلات. وما قد كان اي مضى من جميع الامور الماضيات. والموجود في ذا الان. اي الحاضرات كلها دقيقة طه وجليلها. قد احاط الله بها علما. ولما خلق الله القلم قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة قال له اكتب قال ما اكتب؟ قال اكتب ما هو خائن الى يوم القيامة. فجرى بما هو كائن الى يوم القيامة. ولهذا يجمع الله كثيرا بين علمه المحيط وكتابته المحيطة بالاشياء. كما قال تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير. وقال تعالى يعلم ما بين ايديهم اي من الامور الماضية. وما خلفهم اي من الامور المستقبلة. ولا يحيط بشيء من علمه الا بما شاء. وقال فرعون لموسى فما بال القرون الاولى. قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا وحين تستكمل خلقة الادمي يرسل الله اليه الملك يأمره باربع كلمات. بكتب رزقه واجله وعمله وشقي ام سعيد فما اصاب العبد لم يكن ليخطئه. وما اخطأه لم يكن ليصيبه. جفت الاقلام وطويت الصحف واذا مات الخلق وتفرقوا في جهات الارض وفلوات القفار. ولجج البحار وبطون الطيور والسباع. وصاروا رفاتا واضمحلت اوصالهم. وتلاشت اعضاؤهم فعلم الله محيط بهم. قد علمنا ما تنقص الارض منهم. وعندنا كتاب حفيظ. فاذا نفخ في الصور ارسل الله كل روح. الى جسدها الذي كانت تعمره ثم يوقفهم على كل ما عملوا من خير وشر. احصاه الله ونسوه فيعلم مقادير اعمالهم ومقادير ثوابها وعقابها. ثم اذا استقر اهل الجنة بالجنة واهل النار بالنار. وجرت عليهم احكام الجزاء. فعلم الله محيط بتفاصيل احوالهم. وما هم فيه من النعيم والعذاب. فتبارك الله رب العالمين ما اعظمه واجله. وما اوسع صفاته واكملها واجملها. وقول المؤلف وكذاك امر لم يكن لو كان كي. فيكون ذاك الامر دائم كان ايوه كذلك يعلم تعالى الامور التي لم تكن ولا تكون. من الممكنات التي لم يوجدها البال ولن يوجدها. يعلم لو وقعت كيف تكون وكيف ينشأ عنها. مثل قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. فردهم لا يكون ولو كان على الفرض والتقدير لعادوا لما نهوا عنه. فان اخلاقهم التي اكتسبوا فيها الشر معهم. وقد عمرهم الله عمرا يتذكر فيه من تذكر وجاءهم النذير. فسؤالهم هذا لا محل له. وهم ايضا في هذا السؤال. لم يكن قصدهم الا دفع العذاب الذي عليهم. فقالوا ما قالوا ومثل قوله ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموت وحشرنا عليهم وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا الا ان يشاء الله. وقال تعالى قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا. ونحو ذلك من ايات التي فيها الاخبار عن امر لم يكن. انه لو كان لكان كذا وكذا فصل وهو الحميد فكل حمد واقع او كان مفروضا الازمان ملأ الوجود جميعه ونظيره. من غير ما عد ولا حسب الثاني هو اهله سبحانه وبحمده كل المحامد وصف ذي الاحسان ساني عقد المصنف رحمه الله لهذا الاسم المبارك هذا الفصل على حدته بشدة الاعتناء به وسعته وعظمته. فذكر انه الحميد من وجهين احدهما من جهة حمد المخلوقات له. وذلك انه كل حمد وقع من اهل السماوات ارض الاولين والاخرين. وكل حمد يقع منهم في الدنيا وفي الاخرة. وكل حمد يقع من الخلق بل كان مفروضا ومقدرا حيثما تسلسلت الازمان وتوالت الاوقات حمدا يملأ الوجود كله العالم العلوي والسفلي. ويملأ نظير الوجود من غير عد ولا حسبان فالله سبحانه اهله ومستحقه من وجوه كثيرة. منها ان الله هو الذي خلقهم ورزقهم. واسدى عليهم النعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية وصرف عنهم النقم والمكاره. فما بالعباد من نعمة الا منه. ولا يدفع المكروهات الا هو اوه فيستحق منهم ان يحمدوه في جميع الاوقات. ويثنوا عليه ويشكروه بعدد اللحظات والوجه الثاني من جهة ان المحامد والمدائح والنعوت الجليلة الجميلة. اوصاف لله تعالى فله كل صفة كمال وله من تلك الصفة اكملها واعظمها فكل صفة من صفاته يستحق عليها اكمل الحمد والثناء. فكيف بجميع الاوصاف المقدسة فله تعالى الحمد لذاته وله الحمد لصفاته. لانها كلها مدائح وكمالات وله الحمد لافعاله. لانها دائرة بين الفضل والاحسان وبين العدل والحكمة قال المصنف رحمه الله تعالى في كتابه سفر الهجرتين وباب السعادتين لما ترى الحكمة والقدرة فصل ويجمع هذين الاصلين العظيمين اصل ثالث وعقد نظامهما وجامع شملهما. وبتحقيقه واثباته على وجهه يتم بناء هذين الاصلين وهو اثبات الحمد كله لله رب العالمين. فانه المحمود على ما خلقه وامره به ونهى عنه. فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم وايمانهم وكفرهم وهو المحمود على خلق الابرار والفجار والملائكة والشياطين. وعلى خلق الرسل واعدائه وهو المحمود على عدله في اعدائه. كما هو المحمود على فضله وانعامه. فكل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده. ولهذا سبح بحمده السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده. وكان في قول النبي صلى الله الله عليه وسلم عند الاعتدال من الركوع. ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الارض وملء فما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. فله سبحانه الحمد حمدا يملأ المخلوقات والفضائل الذي بين السماء والارض ويملأ ما يقدر بعد ذلك مما يشاء الله ان يملأ بحمده وذاك يحتمل امرين احدهما ان يملأ ما يخلقه الله بعد السماوات والارض والمعنى ان الحمد ملء ما خلقته. وملئ ما تخلقه بعد ذلك. الثاني ان يكون المعنى ملء ما شئت من شيء بعد يملؤه حمدك. اي يقدر مملوءا بحمدك وان لم يكن موجودا ولكن يقال المعنى الاول اولى. لان قوله ما شئت من شيء بعد اقتضي انه شيء يشاؤه. وما شاء كان والمشيئة متعلقة بعينه لا بمجرد ملء الحمد له فتأمله. لكنه اذا شاء كونه فله الحمد ملؤه. فالمشيئة راجعة الى المملوء بالحمد. فلابد ان يكون شيئا موجودا يملؤه حمده. وايضا فان قوله من شيء من بعد يقتضي انه شيء يشاءه سبحانه بعد هذه المخلوقات. كما يخلقه وبعد ذلك من مخلوقاته من القيامة وما بعدها. ولو اريد تقدير خلقه لقيل وملء ما شئت من شيء مع ذلك. لان المقدر يكون مع المحقق. وايضا فانه لم تقل ملء ما شئت ان يملأه الحمد. بل قال ما شئت والعبد قد حمد حمدا اخبر به وانشأه ووصفه بانه يملأ ما خلقه الرب سبحانه. وما يشاء بعد ذلك. وايضا فقوله وملء ما شئت من شيء بعد يقتضي اثبات مشيئة تتعلق بشيء بعد ذلك وعلى الوجه الثاني قد تتعلق المشيئة بملء المقدر. وايضا فاذا قيل ما شئت من شيء بعد ذلك كان الحمد مالئا لما هو موجود. يشاؤه الرب دائما. ولا ريب ان له الحمد دائما في الدنيا والاخرة. واما اذا قدر ما يملؤه الحمد وهو غير موجود فالمقدرات لا حد لها. وما من شيء منها الا يمكن تقدير شيء بعده وتقدير ما لا نهاية له. كتقدير الاعداد. ولو اريد هذا المعنى لم يحتج الى تعليقه مشيئة بل قيل ملء ما لا يتناهى. فاما ما يشاؤه الرب فلا يكون الا موجودا قد درى وان كان لا اخر لنوع الحوادث او بقاء ما يبقى منها. فهذا كله من ما يشاؤه بعد. وايضا فالحمد هو الاخبار بمحاسن المحمود. على وجه الحب له ومحاسن المحمود تعالى اما قائمة بذاته. واما ظاهرة بمخلوقاته فاما المعدوم المحض الذي لم يخلق ولا خلق قط. فذاك ليس فيه محاسن ولا غيرها. فلا محامد فيه البتة. فالحمد لله الذي يملأ المخلوقات ما وجد منها ويوجد. هو حمد يتضمن الثناء عليه بكماله القائم بذاته. والمحاسن الظاهرة في مخلوقاته ما لا وجود له فلا محامد فيه ولا مذام. فجعل الحمد مالئا له جعله مالئا لما لاحق يقاتلها. وقد اختلف الناس في معنى كون حمده يملأ السماوات والارض وما بينهما قال طائفة على جهة التمثيل اي لو كان اجساما لملأ السماوات والارض وما بينهما. قال فان الحمد من قبيل المعاني والاعراض التي لا تملأ بها الاجسام. ولا تملأ الاجسام الا بالاجساد والصواب انه لا يحتاج الى هذا التكلف البارد. فان ملء كل شيء يكون بحسب المالئ والمملوء. فاذا قيل امتلأ الاناء ماء وامتلأت الجفنة طعاما. فهذا امتلاء نوعا. واذا قيل امتلأت الدار رجالا. وامتلأت المدينة خيلا ورجالا فهذا نوع اخر واذا قيل امتلأ الكتاب سطورا فهذا نوع اخر. واذا قيل ملأت مسامع الناس حمدا وذما لفلان فهذا نوع اخر. كما في اثر معروف اهل من امتلأت مسامعه من ثناء الناس عليه. واهل النار من امتلأت مسامعه من ذم الناس له وقال عمر بن الخطاب في عبدالله بن مسعود كنيف ملئ علما. ويقال فلان علمه قد ملأ الدنيا. وكان يقال ملأ ابن ابي الدنيا الدنيا علما. ويقال صيت فلان قد ملأ الدنيا وضيق الافاق. وحبه قد ملأ القلوب. وبغض فلان قد ملأ القلوب وامتلأ قلبه رعبا. وهذا اكثر من ان يستوعب شواهده. وهو حقيقة في بابه وجعل الملء والامتلاء حقيقة للاجسام خاصة تحكم باطل. ودعوى لا فدليل عليها البتة. والاصل الحقيقة الواحدة. والاشتراك المعنوي هو الغالب على اللغة والافهام والاسلام استعمال فالمصير اليه اولى من المجاز والاشتراك. وليس هذا موضع تقرير المسألة والمقصود ان الرب اسماؤه كلها حسنى. ليس فيها اسم سوء واوصافه كلها وكمال ليس فيها صفة نقص وافعاله كلها حكمة. ليس فيها فعل خال عن الحكمة والمصلحة. وله المثل الاعلى في السماوات والارض. وهو العزيز الحكيم. موصوف بصفة الكمال منعوت بنعوت الجلال. منزه عن الشبيه والمثال. ومنزه عما يضاده كماله فمنزه عن الموت المضاد للحياة. وعن السنة والنوم والسهو والغفلة المضاد قيومية وموصوف بالعلم منزه عن اضضاده كلها. من النسيان والذهول وعذوب شيء عن علمه موصوف بالقدرة التامة منزه عن ضدها من العجز واللغوب والاعياء موصوف بالعدل منزه عن الظلم. موصوف بالحكمة منزه عن العبث. موصوف بالسمع والبصر منزه عن اضضادهما من الصمم والبكم. موصوف بالعلو والفوقية منزه عن اضداد ذلك موصوف بالغنى التام منزه عما يضاده بوجه من الوجوه. ومستحق للحمد كله. فيستحيل ان يكون غير محمود. كما يستحيل ان يكون غير قادر ولا خالق ولا حي وله الحمد كله واجب لذاته. فلا يكون الا محمودا كما لا يكون الا اله وربا وقادرا. فاذا قيل الحمد كله لله فهنا له معنيان احدهما انه محمود على كل شيء. وبكل ما يحمد به المحمود التام. وان كان انا بعض خلقه يحمد اذا كما يحمد انبياؤه ورسله واتباعهم. فذاك من حمده تبارك وتعالى تعالى بل هو المحمود بالقصد الاول وبالذات. وما نالوه من الحمد فانما نالوه بحمده فهو المحمود اولا واخرا وظاهرا وباطنا. وهذا كما انه بكل شيء عليم قد علم غيره من علمه ما لم يكن يعلمه بدون تعليمه. وفي الدعاء المأثور اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله. وبيدك الخير كله. واليك يرجع الامر كله. اسألك من الخير كله واعوذ بك من الشر كله. وهو سبحانه له الملك. وقد اتى من المملكة بعض خلقه وله الحمد وقد اتى من الحمد ما شاء. وكما ان ملك المخلوق داخل في ملكه فحمده ايضا داخل في حمده. فما من محمود يحمد على شيء مما دق او جل الا والله المحمود عليه بالذات والاولوية ايضا. واذا قال اللهم لك الحمد فالمراد به انت المستحق لكل حمد. ليس المراد به الحمد الخارجي فقط. المعنى الثاني ان يقال لك الحمد كله. اي الحمد التام الكامل. فهذا مختص بالله ليس لغيره فيه شيء شركة والتحقيق ان له الحمد بالمعنيين جميعا. فله عموم الحمد وكماله. وهذا من خصائصه سبحانه. فهو المحمود على كل حال. وعلى كل شيء اكمل حمد واعظمه كما ان له الملك التام العام. فلا يملك كل شيء الا هو. وليس الملك التام الكامل الا واتباع الرسل يثبتون له كمال الملك وكمال الحمد. فانهم يقولون انه خالقون كل شيء وربه ومليكه. لا يخرج عن خلقه وقدرته ومشيئته شيء البتة. فله الملك كله الى ان قال فصل والمقصود بيان شمول حمده سبحانه وحكمته لكل ما يحدثه من احسان ونعمة وامتحان وبلية. وما يقضيه من طاعة ومعصية. والله تعالى محمود على ذلك مشكور. حمد المدح وحمد الشكر. اما حمد المدح فالله الله محمود على كل ما خلق. اذ هو رب العالمين. والحمدلله رب العالمين. واما حمد الشكر فلان ذلك كله نعمة في حق المؤمن اذا اقترن بواجبه. والاحسان والنعمة اذا اقترنت بالشكر صارت نعمة والامتحان والبلية اذا اقترنا بالصبر كانا نعمة. والطاعة من اجل نعمه اما المعصية فاذا اقترنت بواجبها من التوبة والاستغفار والانابة والذل والخضوع فقد ترتب عليها من الاثار المحمودة والغايات المطلوبة. ما هو نعمة ايضا. وان كان سببها مسخوطا الرب سبحانه. ولكنه يحب ما يترتب عليه من التوبة والاستغفار. الى ان قال والمقصود ان الملك والحمد في حقه متلازمان. فكل ما شمله ملكه وقدرته شمله حمده فهو محمود في ملكه. وله الملك والقدرة مع حمده. فكما يستحيل خروج شيء من الموت وجودات عن ملكه وقدرته يستحيل خروجها عن حمده وحكمته. ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه وامره. لينبه عباده على ان مصدر خلقه وامره عن حمده. فهو محمود على ما خلقه وامر به حمد شكر وعبودية. وحمد ثناء ومدح ويجمعها فتبارك الله يشمل ذلك كله. ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب قوله الا الخلق والامر. تبارك الله رب العالمين. فالحمد اوسع الصفات واعم المدائح والطرق الى العلم به في غاية الكثرة. والسبيل الى اعتباره في ذرات العالم وجزئياته. وتفاصيل الامر والنهي واسعة جدا. لان جميع اسمائه تبارك وتعالى حمد. وصفاته حمد وافعاله حمد واحكامه حمد. وعدله حمد وانتقامه من اعدائه حمد وفضله واحسانه الى اوليائه حمد. والخلق والامر انما قام بامره بحمده. ووجد بحمده وظهر بحمده. وكان الغاية هي حمده. فحمده سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله فحمده رح كل شيء. وقيام كل شيء بحمده. وسريان حمده في الموجودات وظهور اثاره فيه امر مشهود بالابصار والبصائر. ثم ذكر الطرق الدالة على سريان حمده وشموله بتدبر اسمائه وصفاته وافعاله ونعمه. واطال في ذلك هداه الله عن الاسلام والمسلمين خيرا. فصل وهو المكلم عبده موسى بتك ليم الخطاب وقبله الابوان كلماته جلت عن الاحصاء تعداد بل عن حصر ذي الحسبان لو ان اشجار البلاد جميعها اقلام تكتبها بكل بنان والبحرة القى فيه سبعة ابحر. لكتابة الكلمات كل زمان نفذت ولم تنفذ بها كلماته. ليس الكلام من الاله بفاء يعني انه تبارك وتعالى متكلم اذا شاء وكيف شاء ولم يزل ولا يزال بصفة الكلام موصوفا. وبالبر والاحسان معروفا. وهو الذي يتكلم بالكلام القدري الذي يوجد به الاشياء. كما قال تعالى انما قولنا لشيء اذا اردنا ان نقول له كن فيكون. ويتكلم بكلامه الشرعي الديني الذي منه الكتب التي انزلها الله على رسله. فهو الذي يتكلم بها حقا. ونزل بها جبريل من عنده صدقا. ليست بمخلوقة بل هي من جملة صفاته تعالى. وتكليف لعباده نوعان. نوع بلا واسطة كما كلم موسى بن عمران قال تعالى وكلم الله موسى تكليما. وكما كلم الابوين ادم وحواء وناداهما ربهما الم انهكهما عن تلكما الشجرة. وكما نادى محمدا صلى الله عليه وسلم وخاطبه حين اسرى به. وكما يخاطب الله اهل الموقف واهل الجنة في الجنة حين يرونه ويكلمهم ويكلمونه. النوع الثاني تكليمه لعباده بواسطة اما بالوحي الخاص للانبياء. واما بارساله اليهم رسولا يكلمهم من امره بما وقد ذكر الله هذه الانواع في قوله وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل. او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء. واعلم ان صفة الكلام لله تعالى من من صفاته الذاتية من حيث تعلقها بذاته واتصافه بها. ومن صفاته الفعلية حيث كانت متعلقة بقدرته ومشيئته. فاذا كان معلوما ان الله لم يزل ولا يزال من القدرة نافذ المشيئة علم انه لم يزل ولا يزال متكلما اذا شاء. لان سلام من اجل صفات الكمال. التي يستحيل على الله الا يوصف بها. وكلماته تعالى متناهية. فلا تفنى ولا تبيد. فلو ان اشجار الارض جميعها من عمرانها فارها وبحارها اقلام. والبحر تمده من بعده سبعة ابحر مداد وكتب بتلك الاقلام بذلك المداد. لتكسرت الاقلام ونفذ المداد. وكلام الله لا يفنى ولا ينفد وذلك ان المخلوق متناه له غاية وحد. وصفات الله ليس لها غاية ولا حد قال تعالى وان الى ربك المنتهى. وقال تعالى ولو ان انما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله. ان الله عزيز حكيم. وهذا كله من باب تقريب المعنى العظيم الواسع. الذي لا الاذهان اليها بهذا المثال. الذي يبهر العقول. ولهذا قال المؤلف ليس سلكام من الاله بفاني. ولم يقدر الله حق قدره من زعم انك كلامه مخلوق من جملة المخلوقات التي تنتهي. وكيف يكون الوصف المضاف الى الله تعالى مخلوقا يلزم منه ان يكون كلاما للخلق. فاذا كان علم الله وقدرته ونحو ذلك من اوصافه قدرة فكل ما اراده فعله من غير عجز ولا معارض له ولا مضاد. فاذا اراد ايجاد شيء او اعدامه فلو اجتمعت الخليقة كلها على معارضته في شيء من ذلك لم يكن لهم قدرة على معارضته. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن ابن عباس انه قال لابن عباس واعلم ان الخلق لو اجت على ان ينفعوك بشيء اي قليل او كثير. لم ينفعوك الا بشيء قدره الله لك ولو اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قدره الله عليك. وقال قال تعالى ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها وهو القوي الذي له القوة كلها. قال تعالى ان الله هو الرزاق ذو من قوة المتين. فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. فما بالخلق من قوة من ظاهرة او باطنة الا من الله تعالى. قال تعالى ان الله على كل شيء قدير. وقال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون. وقال تعالى فاما عادوا فاستكبروا في الارض بغير الحق وقالوا وقالوا من اشد منا قوة. اولم ان الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة. فمن قوته وقدرته انه خلق السماوات العظيمة والارض وما بينهما في ستة ايام. وانه خلق الخلق ثم يميتهم ثم يحييهم بعدما يفرقهم البلاء. بل خلقهم وبعثهم عليه كنفس واحدة. ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة. وهو هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه. وقال تعالى لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس. ومن قدرته انه يحيي الارض الهامدة يابسة بعد موتها. قال تعالى ومن اياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت ان الذي احياها لمحيي الموتى. انه على كل شيء قدير. ومن اثار قدرته ما فعله بالامم المكذبين من انواع العقوبات وحلول المثلات. وانهم لم يغني عنهم كيدهم ولا مكرهم ولا اموالهم اولادهم وجنودهم وحصونهم من عذاب الله شيئا. قال تعالى الم يأتهن نبأ من قبلهم قوم نوح وعادوا وثمود وقوم ابراهيم. وقوم ابراهيم واصحاب مدين والمؤتفكات. اتتهم رسلهم بالبينات. فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون. وقال تعالى في في سورة الشعراء بعد كل قصة يذكر فيها نجاة الرسل واتباعهم واهلاك من كذبهم ان في ذلك لاية. اي على كمال رحمته التي منها ان جاءوا المؤمنين وعلى كمال عزته وقدرته حيث اباد المكذبين. ولهذا قال وان ربك لهو العزيز الرحيم. ومن تمام قدرته وشمولها انه كما انه هو الخالق للعباد. فهو خالق اعمالهم وطاعاتهم ومعاصيهم. وهي ايضا افعالهم فهي تضاف الى الله خلقا وتقديرا. وتضاف اليهم فعلا ومباشرة على الحقيقة من غير منافاة ولا مناقضة. فان الاعمال يضيفها الله اليهم وينسبها لهم وهم الفاعلون لها. وهذا معروف عقلا وشرعا وحسا. والله خالق قدرتهم ومشيئتهم التي لا يوجد فعل الا بهما. وخالق السبب التام خالق للمسلم سبب قال تعالى والله خلقكم وما تعملون. وقال تعالى لمن من شاء منكم ان يستقيم. وما تشاؤون الا ان ما شاء الله رب العالمين. فاثبت لهم مشيئة وفعلا. وذكر ان مشيئتهم تابعة لمشيئته وارادته. ومن اثار قدرته ورحمته نصره لاوليائه على قلة في عددهم وعددهم بالنسبة الى اعدائهم. قال تعالى وان جندنا لهم الغالبون وقال تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة باذن الله. وقال تعالى انا لننصر رسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد. ومن اثار قدرته ورحمته ما يحدثه لاهل النار واهل الجنة. من انواع العذاب واصناف النعيم المستمر الكثير متتابع الذي لا ينقطع ولا يتناهى. وقد اخبر عن كثير من الاشياء انه قال قادر على فعلها. ولكنه لا يفعلها. لان الحكمة تقتضي عدم ايجاد فيها قال تعالى قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت الرجوليكم. او من تحت ارجلكم او يلبسكم شياعا قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا ادراكم به. ولو جاء لهداكم اجمعين. فقدرة الله تعالى لا يستعصي عليها شيء ان ربك فعال لما يريد. وهو العزيز فلن يرام انا ابوه انا يرام جناب ذي وهو العزيز القاهر هذه صفتان. وهو العزيز بقوة هي وصفه فالعز حينئذ ثلاث معاني. هذه الابيات الثلاثة على معنى اسمه العزيز. فذكر له ثلاثة معان. الاول العزيز بمعنى الممتنع الذي لا يرام جنابه لعظمة سلطانه وجليل كبريائه. قال تعالى في الحديث القدسي يا عبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني المعنى الثاني انه العزيز بمعنى القاهر لكل شيء. الذي قهر جميع الاشياء. فما من دابة الا هو اخذ بناصيتها. ولا حول ولا قوة باحد الا بالله العلي العظيم فلا يتحرك متحرك الا باذنه. ولا يسكن ساكن الا بمشيئته وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فهو الذي قهر كل شيء. وذل له كل حي. ونفذت ارادته في كل شيء. والمعنى الثالث انه العزيز بمعنى القوي المتين. فله القوة كاملة التي لا عجز ولا نقص فيها بوجه من الوجوه. فصار معنى العزيز بمعنى القوي الممتنع القادر قال تعالى ان العزة لله جميعا. وقال وهو العزيز الحكيم فأل تفيد الاستغراق والعموم لجميع معاني العز. ولهذا قال المؤلف هي التي كملت له سبحانه من كل وجه عادم نقصان. اي هذه المعاني الثلاثة قد كملت لله من جميع الوجوه. فلا نقص في شيء منها. وهو الغني تي له كالجود والاحسان. قال الله تعالى يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله. والله هو الغني حميد فهو تعالى الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه والاعتبارات لكماله وكمال صفاته. بحيث لا يتطرق اليها نقص بوجه من الوجوه. ولا يمكن ان يكون الا غنيا. وان غناه من لوازم ذاته. كما لا يكون الا خالقا كن رازقا محسنا جوادا كريما رحيما. فلا يكون الا غنيا عن الخلق لا يحتاج اليهم بشيء من الاشياء بل هم الفقراء اليه في جميع امورهم. لا يستغنون عن احسانه وتدبيره طرفة عين. ومن كمال غناه ان خزائن السماوات والارض بيده وان جوده على خلقه متواصل في جميع اللحظات والانفاس. وان يديه سحاء الليل والنهار ارأيتم ما انفق منذ خلق السماوات والارض فانه لم يغض ما في يمينه ومن كمال غناه ان يدعو عباده الى سؤاله ويعدهم بالاجابة. ويؤتيهم من كل لما سألوه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها. وما بكم من فمن الله. ومن كمال غناه انه لو اجتمع اهل السماوات والارض واول الخلق واخرهم وانسهم وجنهم في صعيد واحد. فسأله كل واحد من ما بلغت امنيته ما نقص ذلك من ملكه شيئا. ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما يبسطه على اهل دار كرامته من اللذات المتتابعات. والشهوات المتواصلات. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر هو الغني بذاته المغني لجميع مخلوقاته. ومن غناه انه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا عوينا. قال تعالى قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الارض. وقال تعالى وانه هو اغنى واقنا تبارك وتعالى وتقدس. وهو الحكيم وذاك من اوصافه نوعان ايضا حكم واحكام فكل منهما نوعان ايضا ثابتا البرهان. والحكم شرعي وكوني ولاء يتلازمان وما هما سيان. بل ذاك يوجد دون هذا مفرد غدا والعكس ايضا ثم يجتمعان. لن يخلو المربوب من احداهما او منهما بل ليس ينتفيان. لكنما الشرعي محبوب له ابدا ولن يخلو من الاكوان. هو امره الديني جاء رسله بقيامه في سائر الازمان. لكن ما الكوني فهو هو كله والشأن في المقضي كل الشأن. فلذاك نرضى بالقضاء ونسخط حين يكون بالعصيان. فالله يرضى بالقضاء فقضاؤه صفة به والكون محبوب ومبغوض له. وكلاهما بمشيئة الرحمن. هذا البيان يزيل لبسا طالما. هلكت عليه الناس كل زمان. ويحل ما وبحوثهم فافهمه فهم بياني. من وافق الكون وافق سخطه او لم يوافق طاعة الرحمن. فلذا كان ذم او فوى ذو الحمد مع اجر ومع رضوان. وموافق الدين اثنان اطال المؤلف رحمه الله الكلام على هذا الاسم المبارك الحكيم. لاقتضاء الحال للاطالة والبسط فانه كما قال في اخر هذا الكلام هذا البيان يزيل لبسا. الى اخر ما ذكره فذكر ان الحكيم من اوصاف الله تعالى نوعان. احدهما حكم والثاني احكام وكل واحد منهما نوعان. فتصير الاقسام اربعة. حكم قدري كوني وحكم شرعي ديني وحكمة في خلقه وحكمة في امره. فذكر ان الحكم القدري والحكم الشرعي لا يتلازم زمان اي لا يلزم من وجود احدهما وجود الاخر. ومن عدمه عدم الاخر. كما هو شأن شأن كل متلازمين بل قد يوجد الشرعي دون القدري وقد يوجد القدري دون الشرعي وقد يجتمعان ولكنهما لا يرتفعان. اي لا يفقدان كلاهما. ولهذا قال لن خلو المربوب اي المخلوق. وهذا شامل للمخلوقات كلها. اي لن يخلو شيء من المخلو من احد الحكمين او منهما. بل ليس ينتفيان اي لا يعدمان فيصير المرء خاليا منهما فان هذا محال. وبيان ذلك ان الحكم الشرعي هو الحكم الذي تعلقت به محبة الله تعالى. وهو الحكم الذي شرعه وحكم به على السنة رسله ودعوا اليه العباد. فقام به من استجاب لهم. واذا وجد الحكم الشرعي فعلا انه لا يخلو من الاكوان. اي لا يخلو من الحكم القدري. وذلك ان الايمان والطاعات صادرة من المؤمنين بقضاء الله وقدره وتوفيقه. فاذا وجدت الطاعات وجد الحكمان معه واذا وجد الكفر والفسوق والمعاصي وجد الحكم القدري. لكونها واقعة بقضاء وقدر دون الحكم الشرعي. لعدم تعلق الامر والمحبة بها. واذا كان الامر بالخير والايمان والطاعة موجودا. ولم يقم به من امر به. كان الحكم الشرعي موجودا لوجود الامر دون القدري فانه لو وجد لحصلت. فانه ما شاء الله كان فالحكم الكوني هو قضاؤه على خلقه بالعدل والاحسان. اي لان افعاله تعالى لا تخلو من هذين الامرين. اما احسان ونعم واما عدل. وهو تقديره ما يقدر من وقوع الشر من اهل الشر. ومن عقوباتهم في الدنيا والاخرة. فانه عدل يحمد عليه لموافقته الحكمة. ووضعه العقوبة موضعها. وذكر المصنف بين القضاء والمقضي. وان القضاء وصف لله تعالى. وفعله الذي يتعين الرضاء به لكونه غير خارج عن العدل والفضل. وان المقضي صنعة الانسان وفعله. وذلك قسموا الى قسمين محمود ومذموم. فيرضى بالمحمود من المقضي كالطاعات والايمان الصادر من اهل الخير ويسخط المذموم من ذلك كالمعاصي الواقعة من فاعليها. وذلك كله موافقة لمحبة الله وكراهته. فان الله يرضى ويحب من عباده الايمان والشكر انواع الخير ويكره منهم الكفر والفسوق والمعاصي. فالكون بالنسبة الى حكم الشرعي ينقسم الى قسمين. محبوب لله ومبغوض له. وبالنسبة الى الحكم كله واقع بمشيئة الله وقدرته. ولهذا قال وكلاهما بمشيئة الرحمن فبهذا التفصيل الذي ذكره المصنف ينكشف الامر ويتضح لبسا اي اختلاطا واشتباها. طالما هلكت عليه الناس منذ زمان. بسبب اشتباه الحق باطل وعدم تمييز الامور وتفصيلها. فان كثيرا من المتكلمين اصلوا لهم اصولا فاسدة ينبني عليها عقائد باطلة. كما قرر كثير من اهل التصوف واهل الكلام ان الحكم القدري مرادف للحكم الديني. وان الله يحب كل ما قدره وقضاه هذا من اعظم الباطل واشده. فانه يتضمن التسوية بين الابرار والفجار. وبين البر اجور ويلزم منه ابطال الشرع وعذر من ظلم وعصى. لانه موافق للقضاء والقدر وهذا تكذيب لله ولكتبه ورسله. ولهذا قال المصنف هذا البيان يزيل لبسا طالما. هلكت عليه الناس منذ زمان. اي بسبب اختلاط الحق بالباطل ويحل ما قد عقدوا من الاغلال والعقائد الباطلة. باصولهم التي بنوها وبحوثهم التي هي نتائج ارائهم الفاسدة. وعقولهم الضعيفة ومقاصدهم السيئة فافهمه فهم بياني. لانه موضع مهم خطير. لا يكاد يوجد هذا التفصيل بغير كتب المصنف وشيخه شيخ الاسلام ابن تيمية. اذا تقرر ما تقدم من ان الاحكام نوعان احكام قدرية موافقة للقضاء والقدر. وان لم توافق محبة الله واحكام دينية موافقة للمحبة والامر الديني. وان لم يوجد معها الحكم القدري وانهما قد يجتمعان او ينفرد احدهما. فمن وافق في فعله وقوله ونيته الحكم القدري وحده بان لا يكون ما فعله او قاله او نواه محبوبا لله فانه لا يخلو اما ان يوافق سخطه اي سخط الله اذا كان ذلك معصية. واما الا يوافق مرضاة الله. وذل ذلك اذا كان ما فعله امرا مباحا غير طاعة ولا معصية. فلذلك لا يعدوه ذم اذا كان معصية او فوات الاجر ان كان مباحا. وموافق الدين وهو الذي امتثل ما امر الله به واجتنب ما نهى عنه بحسب قدرته وامكانه. لا يعدوه اجر ان اجتهد فاخطأ الحق بل له عند الصواب اي اذا اجتهد فاصاب اثنان اي اجران. كما قال النبي صلى الله عليه سلم اذا اجتهد الحاكم فاصاب فله اجران. واذا اجتهد فاخطأ فله اجرا. لان نيته الحق وسعى لتحصيله. وذلك عمل صالح. ولكن فاته ادراكه بغير تفريط منه وحاصل ما ذكره المصنف في هذا الفصل ان الحكيم هو من له الحكم وله الاحكام وان الحكم نوعان. حكم كوني شامل لجميع ما وقضاه وكونه من خير وشر وحكم ديني مختص بما يحبه الله ويرضاه. وان من وجد منه الخير بالفعل واجتمع في حقه الحكمان مع ومن وجد في حقه الشر بالفعل انفرد في حقه الحكم الكون لانه بقضاء وقدر. والله لا يحب الشر والفساد. ومن توجه اليه الامر ديني فلم ينقد له وجد فيه في تلك الحال الحكم الديني. لانه وجه اليه ولم يوجد حكم القدري. لانه لم ينقد له. ولو شاء الله لفعله. وان القضاء غير المقبول فالقضاء فعل الله يجب الرضاء به من غير تفصيل. لانه عدل واحسان لا يخرج عن الحمد الحكمة والمقضي فعل العبد. وفي الرضاء به تفصيل. فان كان خيرا وطاعة وايمانا تعين رضاء به ومحبته. وان كان شرا ومعصية وكفرا تعينت كراهته. وان لم يكن لا خير ولا شر لم يتعين فيه الرضاء ولا الكراهة. ثم ذكر الاحكام والحكمة فقال فصل والحكمة العليا على نوعين اي ضنح بقواطع البرهان احداهما في خلقه سبحانه نوعان احكام هذا الخلق اذ ايجاده. في غاية الاحكام والاتقان. وصدوره من اجل غايات له. وله عليه حمد كل لساني. والحكمة الاخرى فحكمة شرعه. ايضا وفي في هذان كالوصفان غاياتها اللاتي حمدن وكونها في غاية من احكام والاتقان. هذا النوع الثاني مما يدل عليه اسم الله الحكيم وهو ان له الحكمة التامة في خلقه وامره. وحكمته علياء لا يشابهها شيء. فليس كمثله شيء في جميع نعوته التي من جملتها الحكمة. والحكمة في خلقه على نوعين احدهما انه احكم جميع ما خلقه واتقنه باحسن خلق واتم نظام لا يمكن احدا من الخلق ان يقترح احسن منه. ولا يرى فيه عيبا ولا عبثا. فكل ما خلقه فهو هو محكم متقن. لم يخلق شيئا عبثا ولا خلق شيئا معيبا. قال تعالى وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا. ذلك ظن الذين كفروا فهم الذين يظنون بالله الظن السيء. والذي من جملته انه يخلق شيئا لغير فائدة ولا مصلحة. وقال تعالى وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق. وقال تعالى الذي احسن كل شيء حلقة وبدأ خلق الانسان من طين. وقال تعالى قد خلقنا الانسان في احسن تقويم. وقال تعالى ان ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار. واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب. ونحوها من الايات التي يحث الله بها العباد الى النظر والتفكر في المخلوقات. لاشتمالها على الحكم البالغة والنعم السابغة. وانها سالمة من كل عبث وعيب. قال تعالى الذي خلق سبع سماوات طباقا. ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير. لم ير خللا ولا نقصا بل يرى جميع العالم على اتم نظام واكمل خلق واحسنه. فهذا نوع من انواع الحكمة في الخلق وهو انها كلها محكمة متقنة. تشاهد حكمتها بالابصار والبصائر ويخفى اكثرها فيستدل بما علم منها على ما لم يعلم. والنوع الثاني انها مخلوقة لغاية. ومقصود بها مقصود عظيم. فخلقها الله تعالى ليستدل بها العباد على ما لله من صفات الكمال. وما له من جميل الفعال. وهذه غايات يحمد عليها ليتضمنها ظهور اثار اسمائه وصفاته ومعرفة العباد لها وايضا خلق الله السماوات والارض وما بينهما بالحق. فهي مخلوقة بالحق وللحق ومن ذلك انه ليجازي المحسن باحسانه والمسيء باساءته. وخلق الله المكلفين ليعرفوه ويعبدوه ويطيعوه. لاجل ان يجازيهم باعمالهم. قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. وقال تعالى الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهم يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله على كل شيء قدير وان الله وان الله قد احاط بكل شيء ففي هاتين الايتين الاخبار من ان الغاية لخلق السماوات والارض والجن والانس وانزال الشرائع على الانبياء. لاجل ان يعرفوا الله باسمائه وصفاته ويعبدوه بمقتضى ذلك. وقال تعالى ايحسب الانسان ان يترك سدى. اي معطلا لا يؤمر ولا ينهى ولا يثاب ولا يعاقب ان هذا ظن فاسد. لانه يتضمن العبث في افعاله تعالى. وهو منزه عن ذلك ثم قرر ذلك بدليل عقلي فقال الم يكن طفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى. فجعل منه الزوجين اذ ذكر والانثى. اليس ذلك بقادر على ان يحيي الموتى وانكم وانكم الينا لا ترجعون. فتعالوا الله اي تنزه عن هذا الحسبان الباطل. المنافي لملكه وحمده وكماله ولهذا قال الملك الحق. لا اله الا هو رب العرش الكريم فان الملك الحق لابد ان يأمر وينهى ويثيب ويعاقب. ويجازي المحسن باحسان والمسيء باساءته. وقال تعالى منزها نفسه عن ظن من ظن انه يترك خلفه القاه سودا لا يرسل اليهم رسولا ولا ينزل عليهم كتابا وما قدروا الله الله حق قدره اذ قالوا اذ قالوا ما انزل الله على بشر الى غير ذلك من النصوص الدالة على هذا الاصل الكبير وهو ان افعاله تعالى كلها محكمة متقنة. لا عيب فيها ولا خلل وانه فعل ما فعله لغايات محمودة ومقاصد سديدة. ثم ذكر الحكمة الاخرى وفي شرعه وانها على نوعين ايضا. احدهما انها في غاية الاحكام والاتقان. ويكفي في هذا الموضع معرفة القاعدة العامة. وهي ان الاوامر روى النواهي تبع للمصالح والمنافع فعلا وتركا. فكل امر مشتمل على المصلحة الخالصة او المصلحة الراجحة فانه مأمور به. وكل امر مشتمل على مفسدة خالصة او راجحة فانه منهي عنه. ويدل على هذا قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم. يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم. ويحل لهم الطيبات ويحرمن عليهم الخبائث. فالمعروف الذي يأمر به هو ما عرف حسنه شرعا وعقلا وذلك ما ترجحت مصلحته وفائدته في القلب والبدن والدنيا والاخرة والمنكر الذي ينهى عنه هو ما عرف قبحه شرعا وعقلا وذلك ما ترجحت مضرته في الدنيا والاخرة والقلب والبدن. والطيبات التي احلها كل مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح. وصفه الطيب والمنفعة الذي او يحتاج اليه. والخبيثات التي حرمها ضد ذلك. وقال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى. ولا تعاونوا على الاثم والعدوان. فالبر والتقوى الذي امر الله بفعله والتعاون عليه كل عمل صالح وخلق فاضل وفعل رشيد وقول سديد. من الاخلاص لله تعالى والصدق وحسن الخلق. وصلة الارحام وبر الوالدين والاحسان الى عموم الخلق. والعدل بينهم وسلامة الصدر نصح للخلق والتأدب بالاداب الحسنة والرفق واللين والسماحة. وغير ذلك مما حث الشرع عليه. وضد ذلك النهي عن الكبر والتجبر على الخلق. والكذب والرياء وعقوق الوالدين وقطيعة الارحام. وظلم الخلق في دمائهم واموالهم بعضهم وسوء الخلق. وغير ذلك من مساوئ الاخلاق. ومن احكام الامر والنهي ان شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم صالحة في كل زمان ومكان. فكل وقت ومحل يحتاج اليها فيه. بل لا تصلح والاخرة الا بالعمل بها. ولهذا كانت من اعظم الادلة على كمال من انزلها وعلمه وحكمته وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم. ولهذا كان خاتم الانبياء ياء فلا نبي بعده. قال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا والنوع الثاني من حكمة الامر ان الله امر ونهى وشرع الشرائع ليبتلي عباده المطيع منهم والعاصي والصادق والكاذب. وليقوم سوق الجهاد والعبادات التي يحبها ويرضاها. ولتتنور القلوب بمعرفته والالسنة بذكره والاعضاء بطاعته وليثيب المطيعين من فضله وكرمه بما لا عين رأت. ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وليتم عليهم فضله واحسانه. الى غير ذلك ذلك من الغايات والحكم التي شرع الله الشرائع لاجلها. قال المصنف في بدائع من فوائد نشر دار الكتاب فتأمل اسرار كلام رب العالمين. وما تضمنته ايات الكتاب المجيد. من الحكمة البالغة الشاهدة بانه كلام رب العالمين شاهدة لرسوله بانه الصادق المصدوق. وهذا كله من مقتضى حكمته وحمده وهو معنى كونه خلق السماوات والارض وما بينهما بالحق ولم يخلق ذلك باطلا. بل خلقه خلقا صادرا عن الحق. ايلا من الحق مشتملا على الحق. فالحق سابق لخلقها مقارن له غاية له. ولهذا اتى بالباء الدالة على هذا المعنى. دون اللام المفيدة للغاية وحدها. فالباء معنى اشتمالها على الحق السابق والمقارن والغاية. فالحق السابق وصدور ذلك عن علمه وحكمته. فمصدر خلقه تعالى وامره عن كمال علمه وحكمته وبكمال هاتين الصفتين يكون المفعول الصادر عن الموصوف بهما حكمة كلية ومصلحة وحقا. ولهذا قال تعالى وانك لتلقى القرآن من لدنك حكيم عليم. فاخبر عن مصدر المتلقي عن علم المتكلم وحكمته. وما كان وهو خلق الولد لهما على الكبر. واما مقارنة الحق لهذه المخلوقات فهو ما اشتملت عليه من الحكم والمصالح والمنافع. والايات الدالة للعباد على اله ووحدانيته وصفاته وصدق رسوله. وان لقاءه حق لا ريب ففيه ومن نظر في الموجودات ببصيرة قلبه رآها كالاشخاص الشاهدة الناطقة بذلك بل شهادتها اتم من شهادة الخبر المجرد. لانها شهادة حال لا تقبلوا كذبا. فلا يتأمل العاقل المستبصر مخلوقا حق تأمله الا وجده شاهدا دالا على فاطره وباريه. وعلى وحدانيته وعلى كمال صفاته واسمائه. وعلى صدق رسله وعلى ان لقاءه حق لا ريب فيه وهذه طريقة القرآن. في ارشاد الخلق الى الاستدلال باصناف المخلوقات واحوالها على اثبات الصانع. وعلى التوحيد والمعاد والنبوات فمرة يخبر انه لم يخلق خلقه باطلا ولا عبثا. ومرة يخبر انه خلقهم بالحق ومرة يخبرهم وينبهم على وجوه الاعتبار. والاستدلال بها على صدق ما اخبر به رسله. حتى يتبين لهم ان الرسل انما جاءوهم بما يشاهدون ادلة صدقه وبما لو تأملوه لوجدوه مركوزا في فطرهم. مستقرا في عقولهم وان ما يشاهدونه من مخلوقاته شاهد بما اخبرت به عنه رسله من اسمائه في وصفاته وتوحيده ولقائه ووجود ملائكته. وهذا باب عظيم من ابواب الايمان. انما يفتحه الله على من سبقت له من الله سابقة السعادة وهذا اشرف علم يناله العبد في هذه الدار. وقد في موضع اخر ان كل حركة تشاهد على اختلاف انواعها. فهي دالة على التوحيد والنبوات والمعاد. وطريق سهلة واضحة برهانية. وكذلك ذكرت في رسالة الى بعض الاصحاب بدليل واضح ان الروح مركوز في اصل فطرتها القها شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وان الانسان لو استقصى التفتيش لوجد ذلك مركوزا في نفس روحه وذاته وفطرته فلو تأمل العاقل الروح وحركتها فقط لاستخرج منها الايمان بالله وصفه والشهادة بانه لا اله الا الله والايمان برسله وملائكته ولقائه وانما يصدق بهذا من اشرقت شمس الهداية على افق قلبه اجابت عنه سحائب غيه. وانكشف عن قلبه حجاب انا وجدنا اباء انا على وانا على اثارهم مهتدون فهنالك يبدو له سر عنه اكتتامه. ويلوح له صباح هو ليله وظلامه فقف الان على كل كلمة من قوله تعالى ان في السماوات والارض الى ايات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة من ايات لقوم يوقنون. واختلاف الليل والنهار وما انزل انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الارض. فاحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح ايات لقوم يعقلون ثم تأمل وجه كونها اية. وعلى ماذا جعلت اية. على مطلوب واحد ام مطالب متعددة. وكذلك سائر ما في القرآن من هذا النمط. كاخر ال عمران. وقول في سورة الروم ومن اياته الى اخرها. وقوله في سورة النمل لا قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. الى اخر الايات اضعاف اضعاف ذلك في القرآن. وكقوله في سورة الذاريات. وفي الارض ايات للموقن وفي انفسكم افلا تبصرون. وكأين من اية في السماوات والارض يمرون عليها. يمرون عليها وهم عنها معرضون فهذا كله من الحق الذي خلقت به السماوات والارض وما بينهما وهو حق مقارن لوجود هذه المخلوقات. مستور في صفحاتها. يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب كما قيل. تأمل سطور الكائنات فانها من الملأ الاعلى اليك رسائل. وقد خط فيها لو تأملت خطها الا كل شيء ما خلى الله باطل. واما الحق الذي هو غاية خلقها فهو غاية تراد من العباد وغاية تراد بهم. فالتي تراد منهم ان يعرفوا الله تعالى وصفات كماله تعالى. وان يعبدوه لا يشركون به شيئا. فيكون هو وحده الههم ومعبودهم ومطاعهم ومحبوبهم. قال الله تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا. لتعلموا ان الله على كل شيء قدير وان الله وان الله قد احاط بكل شيء ان علما فاخبر انه خلق العالم ليعرف عباده كمال قدرته واحاطة علمه وذلك يستلزم معرفته ومعرفة اسمائه وصفاته وتوحيده وقال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون فهذه الغاية هي المرادة من العباد. وهي ان يعرفوا ربهم ويعبدوه وحده فاما الغاية المرادة بهم فهي الجزاء بالعدل والفضل والثواب والعقاب. قال تعالى ولله ما في السماوات وما في الارض ليجزي الذين اساؤوا ليجزي الذين اساءوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى وقال تعالى ان الساعة اتية اكاد اخفيها اه لتجزى كل نفس بما تسعى. وقال تعالى ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا. وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين. وقال تعالى ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى ثم استوى على العرش. يدبر الامر. ما من شفيع الا من بعد اذنه. ذلكم الله ربكم فاعبدوه افلا تذكرون اليه مرجعكم جميعا. وعد الله حقا انه يبدأ الخلق ثم يعيده. الى قوله بما كانوا فتأمل الان كيف اشتمل خلق السماوات والارض وما بينهما اولا واخرا ووسطا. وانها خلقت بالحق وللحق وشاهدة حقا وقد انكر تعالى على من زعم خلاف ذلك فقال افحسبتم ان ما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون. ثم نزه نفسه عن هذا الحسبان المضاد لحكمته وعلمه وحمده فقال فتعالى الله الملك الحق لا اله الا هو رب العرش الكريم. وتأمل ما في هذين الاسمين وهما الملك الحق. من ابطال هذا الحسبان الذي ظنه اعداؤه اذ هو مناف لكمال ملكه ولكونه الحق. اذ الملك الحق هو الذي يكون له الامر والنهي فيتصرف في ملكه بقوله وامره. وهذا هو الفرق بين الملك والمالك اذ المالك هو المتصرف بفعله. والملك هو المتصرف بامره وفعله الرب تعالى مالك الملك. فهو المتصرف بفعله وامره. فمن ظن انه خلق خلق خلقه عبثا. لم يأمرهم ولم ينههم فقد طعن في ملكه. ولم يقدره حقه قدره كما قال تعالى وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا اذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء ومن جحد شرع الله وامره ونهيه. وجعل الخلق بمنزلة الانعام المهملة فقد طعن في ملك الله ولم يقدره حق قدره. وكذلك قوله الحق يقتضي كمال ذاته وصفاته واسمائه. ووقوع افعاله على اكمل الوجوه واتمها فكما ان ذاته الحق. فقوله الحق ووعده الحق وامره الحق افعاله كلها حق. وجزاؤه المستلزم لشرعه ودينه ولليوم الاخر حق فمن انكر شيئا من ذلك. فما وصف الله تعالى بانه الحق المطلق من كل وجه وبكل اعتبار فكونه حقا يستلزم شرعه ودينه وثوابه وعقابه فكيف يظن بالملك الحق ان يخلق خلقه عبثا؟ وان يتركهم سدى لا فيأمرهم ولا ينهاهم. ولا يثيبهم ولا يعاقبهم. كما قال تعالى تحسب الانسان ان سدى. قال الشافعي مهملا لا يؤمر ولا ينهى وقال غيره لا يجزى بالخير والشر ولا يثاب ولا يعاقب. والقولان متلازمان فالشافعي ذكر سبب الجزاء والثواب والعقاب. وهو الامر والنهي. والاخر ذكر غاية الامر والنهي وهو الثواب والعقاب. ثم تأمل قوله بعد ذلك الم يكون طوفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فمن لم يتركه وهو نطفة سدى بل قلب النطفة وصرفها حتى صارت اكمل مما هي وهي العلقة. ثم قلب العلقة حتى صارت اكمل مما هي. حتى خلقها فدبرها بتصريفه وحكمته في اطوار كمالاتها. حتى انتهى كما حالوها بشرا سويا. فكيف يتركه سدى؟ لا يسوقه الى غاية كماله الذي خلق فاذا تأمل العاقل البصير احوال النطفة من مبدأها الى منتهاها. دل على المعادي والنبوات. كما تدله على اثبات الصانع وتوحيده وصفات كماله فكما يدل احوال النطفة من مبدأها الى غايتها على كمال قدرتها فاطر الانسان وباريه. كذلك يدل على كمال حكمته وعلمه وملكه وانه الملك الحق المتعالي عن ان يخلقها عبثا. او يتركها سدا بعد كمال لخلقها. وتأمل كيف لما زعم اعداءه الكافرون انه لم يأمره قم ولم ينههم على السنة رسله وانه لا يبعثهم للثواب والعقاب. كيف كان كان هذا الزعم منهم قولا بان خلق السماوات والارض باطل. فقال تعالى خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا. ذلك ظن الذي انك فروا فويل للذين كفروا من النار. فلما ظن انه لم يرسل اليهم رسولا. ولم يجعل لهم اجلا للقائه. كان ذلك ظنا منهم انه خلق خلقه باطلا. ولهذا اثنى على عباده المتفكرين في مخلوقاته بانهم اوصلهم فكرهم فيها الى شهادتهم بانه تعالى لم يخلقها باطلا. وانهم لما علموا ذلك وشهدوا به. علموا ان خلقه ها يستلزم امره ونهيه وثوابه وعقابه. فذكروا في دعائهم هذين الامرين فقالوا ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذابا ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته. وما ظالمين من انصار. فلما علموا ان خلق السماوات والارض يستلزم الثواب والعقاب تعوذوا بالله من عقابه. ثم ذكروا الايمان الذي اوقعهم عليه فكرهم في خلق السماوات والارض فقالوا ربنا اننا سمعنا منادي ينادي للايمان ان امنوا. ان امنوا بربكم فامنا فكانت ثمرة فكرهم في خلق السماوات والارض. الاقرار به تعالى وبوحدانية وبدينه وبرسله وبثوابه وعقابه. فتوسلوا اليه بايمانكم هم الذي هو من اعظم فضله عليهم. الى مغفرة ذنوبهم وتكفير سيئاتهم وادخالهم مع الابرار الى جنته التي وعدوها. وذلك تمام نعمة عليهم فتوسلوا بانعامه عليهم اولا الى انعامه عليهم اخرا وتلك وسيلة بطاعته الى كرامته. وهي احدى الوسائل اليه وهي الوسيلة التي امرهم فيها في قوله يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة. واخبر عن خاصة عباده انهم يبتغون الوسيلة اليه. اذ يقول تعالى اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب. على ان في هاتين الايتين اسرارا بديعة ذكرتها في كتاب التحفة المكية. في بيان الملة الابراهيمية. فاثمر لهم فكرهم الصحيح في خلق السماوات والارض انه لم يخلقهما عبثا باطلا. واثمر لهم الايمان الله ورسوله ودينه وشرعه وثوابه وعقابه. والتوسل اليه بطاعته والايمان به. وهذا الذي ذكرناه في هذا الفصل قطرة من بحر لا ساحل له فلا تستطله فانه كنز من كنوز العلم لا يلائم كل نفس. ولا يقبله كل محروم والله يختص برحمته من يشاء. انتهى كلامه رحمه الله وهو كما ذكره في غاية النفاسة. ويوضح هذا المبحث توضيحا تاما واذا شئت ان تعرف تفاصيل الحكمة في الشرع فاعتبر المسائل مسألة مسألة. فانك تجد في غاية الاحكام والاتقان. وفي اعلى درجات الحكمة والمصلحة. ولهذا كان الفقهاء المتكلمون على الاحكام الشرعية يعللونها بالمصالح والحكم والمناسبات فلو كان الامر والنهي والتحليل والتحريم غير تابع للحكمة. لم يكن فائدة في تعليل احكام والاحتجاج بها عليها. ومن اراد التوسع في بيان حكمة الله في شرعه وقدره اجمالا وتفصيلا وتأصيلا. فعليه بكتاب مفتاح دار السعادة. للمصنف رحمه الله فانه بسط الكلام فيه بسطا شافيا. وفيما نبهنا عليه من ذلك كفاية والله اعلم. فصل وهو الحي فليس ضحوا عبده عند التجاهر منه بالعصيان. لكنه يلقي عليك ستره. فهو الستير وصاحب الغفران. هذا مأخوذ من الذي رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله حيي ستير يستحي من عبده اذا مد يديه ان يردهما صفرا. وهذا من رحمته وكرمه وكماله ان العبد يجاهره بالعصيان وهو الفقير الى ربه غاية الافتقار حتى انه لا يمكنه ان يفعل معصية الله الا بالتقوي عليها بنعم فيستحي ربه الكريم الرؤوف الرحيم من هتكه. وفضيحته واحلال العقوبة عليه فيستره بما يقيض له من اسباب الستر. ما لا يخطر على البال ويعفو عنه ويغفر له ذنوبه. فهو يتحبب الى عباده بالنعم. وهم يتبغضون اليه بالمعاصي. خيره اليه نازل بعدد اللحظات. وشرهم اليه صاعد ولا يزال الملك يصعد اليه منهم بعمل قبيح. ويستحي تبارك وتعالى ممن شاب في الاسلام ان يعذبه. وممن يمد اليه يديه ان يردهما من غير شيء. بل يدعو العباد الى دعائه ويعدهم بالاجابة. وهو الحيي الستير. يحب اهل الحياء والستر ومن ستر مسلما ستر الله عليه في الدنيا والاخرة. ولهذا يكره من عبده اذا فعل معصية وصية ان يذيعها. بل يتوب اليه فيما بينه وبينه. ولا يظهرها للناس وان من امقت الناس اليه من بات عاصيا والله يستره. فيصبح يكشف ستر الله عليه. وقال تعالى ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب. لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله بعبده المؤمن يوم القيامة. فيقرره بذنوبه. حتى اذا ظن انه قد هلك قال اني سترتها عليك في الدنيا. وانا اغفرها لك اليوم. فيعطى بيمينه. ومن العجب ان الكريم يستحي من فضيحة عبده. والظالم الجائر لا يستحي من ربه. بل لا يزال دائبا في معصيته متبعا لسخطه. يدعوه ربه الى بابه فيشرد عنه. ويدعوه عدوه الى ولايته فيلبي دعوته قد اقبل على عدوه الذي يشقى بطاعته في دنياه واخراه. وتولى عن وليه الذي كل السعادة في الاقبال عليه. والاشتغال بخدمته. وكل الارباح في معاملته. افتتخذونه وذريته اولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا. ولما كان ترك الحق وترك بيانه على اي حال كان لا يكون من الحياء المحمود. اخبر تعالى انه لا يستحي من من الحق فقال والله لا يستحيي من الحق وقال ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ذلك لان بيانه الحق لعباده باي طريق كان من اجل نعمه عليهم وهو الحليم فلا يعاجل عبده. بعقوبة ليتوب من عصيان وهو العفو فعفوه وسعا الورى. لولاه غار الارض بالسكان يعني انه تعالى الحليم الذي له الحلم الكامل. العفو الذي له العفو الشامل ومتعلق هذين الوصفين الكريمين معصية العاصين وذنوب المجرمين. فان الذنوب في الاصل تقتضي ترتب اثارها عليها من العقوبات العاجلة. فحلمه تعالى يقتضي امهال العاصين. وعدم معاجلتهم بالعقوبة. ليتوبوا من عصيانهم. وعفوه تعالى يقتضي مغفرة ما صدر منهم من الذنوب. خصوصا اذا اتوا باسباب العفو من الاستغفار والتوبة النصوح. فان حلمه وعفوه وسع اهل السماوات والارض. فلولا حلم وعفوه لغارت الارض بسكانها. قال تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بظلمات ما ترك عليها من دابة. ما ترك عليها دابة ولكن يؤخرهم. ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى. وقال تعالى ان الله الله يمسك السماوات والارض ان تزولا. ولئن زالتا ان امسكت فهما من احد من بعده. انه كان حليما غفورا وهو تعالى عفو يحب العفو. ويحب من عباده ان يجتهدوا في تحصيل اسباب عفوه من السعي في مرضاته على الدوام والعفو عن زلات العباد. قال عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ان وافقت ليلة القدر ادعو؟ قال قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني فمن سامح عباد الله سامحه الله. ومن عفا عنهم عفا الله عنه. ومن كماله تعالى ان عفوه مقرون بالقدرة. فيعفو عن قدرة لا كمن يعفو لعجزه عن الانتقام ولهذا جمع الله بينهما في قوله فان الله كان عفوا قديرا ومن تمام حلمه وعفوه ان المجرم الذي افنى عمره بالكفر به وبرسله وبتكذيبه وتكذيب رسله. والسعي في محاربته ومحاربة اوليائه بالحرص على اطفاء الحق واظهار الباطل انه اذا تاب توبة نصوحا رجع اليه نادما على جرمه فانه يعفو عنه في ساعة واحدة جميع ما تقدم من المعاصي والاجرام. قل للذين كفروا ينتهوا يغفر لهم قد سلف وقال تعالى لما ذكر اصحاب الاخدود الذين حرقوا اولياءه اهل المؤمنين بالنار. يدعوهم الى التوبة. ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم. ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق. وقال النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام يجب ما قبله. والتوبة تجب ما قبلها. وهو الصبور شتموه بل نسبوه للبهتان. قالوا له ولد وليس يعيدنا. شتما وتكذيبا من الانسان. هذا وذاك بسمعه وبعلمه لو شاء عاجلهم بكل هوان لكن يعافيهم ويرزقهم وهم يؤذونه بالشرك والكفران وهذه الابيات مأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت الصحيح لا احد اصبر على اذى سمعه من الله. يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم وبما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح. من حديث ابي هريرة طيرت رضي الله عنه انه قال قال الله تعالى كذبني ابن ادم ولم يكن له ذلك وشتمني ابن ادم ولم يكن له ذلك. فاما تكذيبه اياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس اول الخلق باهون علي من اعادته. واما شتمه اياي فقوله ان لي ولدا. وانا الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا احد. ولهذا قال المصنف وهو الصبور على اذى اعدائه شديد اي سبوه سبا لا يليق بجلاله. ونسبوه للبهتان الذي يتنزه عنه فالشتم هو السب بقولهم له ولد. فان هذا مناقض لوحدانيته وغناه وانه ما لك السماوات والارض كما قال تعالى قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه. عن هذه النسبة الباطلة. التي لا تصدر الا من اعظم مبطلين. ثم ذكر ما يدفع ذلك فقال هو الغني. له ما في السماء وما في الارض. ثم ذكر مصدر هذا القول الذي قالوه وانهم يقولون ويتكلمون بلا علم وهذا من اعظم المحرمات فقال ان عندكم سلطان بهذا اي ليس عندكم ادنى حجة بهذا القول الذي قلتم قولون على الله ما لا تعلمون. ثم ذكر انه افتراء فقال قل ان ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. وقال تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله. وقال تعالى قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه. بل له ما في السماوات والارض كل له قانتون. ونسبته للبهتان هو تكذيبه بقول منكرين للبعث لن يعيدنا. وهذا تكذيب له ولرسله. قال تعالى زعم الذين كفروا لن يبعثوا. قل بلى وربي لتبعثنكم ثم لتنبؤن بما عملتم. وذلك على الله يسير. وقال تعالى اه وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده. فلم يبالي المعاندون بقول الله بل كذبوه وقالوا ائذا كنا عظاما ورفاتا ائنا ائنا لمبعوثون خلقا جديدا. اي لا يكون ذلك فبزعمهم فانهم من جهلهم قاسوا قدرة العظيم بقدرة العبد الضعيف لم يفقهوا قوله تعالى مخبرا عن عظمته وكمال اقتداره. ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة. لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس فقول المؤلف شتما عائد الى نسبة الولد له. وقوله تكذيبا. عائشة لانكارهم البعث. ثم قال هذا وذاك اي نسبة الولد والتكذيب بالبعث تعالى يسمع ما به ينطقون. ويعلم ما يسرون وما يعلنون. والحال وانه لو شاء لعاجلهم بكل هوان. اي بكل عقوبة تستأصلهم. لكمال قدرته وعدم امتناعهم عن تنفيذ ارادته فيهم. ومع هذا يعافيهم ويرزقهم. في لهم الارزاق. وينعم عليهم بالنعم. وهم يؤذونه بالشرك والكفران. فهل مثل هذا الصبر شيء فانه صبر متضمن لاحسانه وقدرته. فان الصبر قد يوجب عدم قدرة الصابر على مقابلة المؤذي. وقد يصبر على الاذى ولا يحسن الى من اساء اليه واما الله تعالى فهو الصبور على الحقيقة. يؤذيه العبد الضعيف العاجز بمعاداته ومعاداة رسله. ومحاربة اوليائه والسعي في اطفاء دينه وناصيته بيد الله. وهو المتصرف فيه في حركاته وسكناته مع ذلك يمهله ويستدعيه الى التوبة. ويحثه على الانابة ويدر عليه الارزاق الواسعة. فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شيء. وهو السميع البصير الصابر الذي يحب الصابرين. ويعينهم في جميع امورهم فصل وهو الرقيب على الخواطر واللواء. حظ كيف بالافعال من اركان الرقيب والشهيد مترادفان وكلاهما يدل على احاطة سمع الله بجميع المسموعات وبصره بجميع المبصرات. وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية ولهذا قال المصنف وهو الرقيب على الخواطر. اي يعلم ما يخطر في القلوب من الافكار والوساوس التي لم يتكلم بها العبد. وعلى اللواحظ بالابصار اللواحظ الخفية والجالية. فاذا كان رقيبا على الخواطر واللحظات. فكيف لا يكون رقيبا على ما هو اظهر منها من الافعال بالاركان والحركات. قال تعالى وكان الله كل شيء رقيبا. وقال تعالى والله على كل شيء شهيد وقال تعالى ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد. ولهذا كانت المراقبة هي التعبد لله باسمه الرقيب. فاذا علم العبد ان حركاته الظاهرة والباطنة قد احاط الله بعلمها واستحضر العبد لهذا العلم في جميع احواله. اوجب له حراسة باطنه عن كل فكر وهاجس يبغضه الله. وحفظ ظاهره عن كل قول او فعل يسخط الله. وتعبد بمقام الاحسان. فعبد الله كأنه يراه فان لم يكن يراه فانه يراه. قال تعالى منبها على هذا المعنى وتوكل على العزيز الرحيم. الذي يراك حين تقوم. وتقلب في الساجدين. انه هو السميع العليم. وقال الشاعر كان رقيب منك يرعى خواطري. واخر يرعى ناظري ولساني. فما خطرت في القلب مني قطرة لغيرك الا عرجا بجناني. ولا نظرت عيني لغيرك نظرة من الخلق الا قلت قدر مقامي ولا بدرت من في بعدك لفظة لغيرك الا قلت قد سمعاني ثم قال المصنف وهو الحفيظ عليهم وهو الكفيل لو بحفظهم من كل امر عان. ذكر رحمه الله للحفيظ معنيين احدهما انه الحفيظ عليهم جميع ما عملوه. من خير وشر وطاعة ومعاصيه. فان علمه تعالى محيط بجميع اعمالهم ظاهرها وباطنها وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ. ومع ذلك فقد وكل بالعباد ملائكة كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون. قال تعالى يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا احصاه الله ونسوه. وقال تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين. وقال تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض. ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير. وقال تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد. وقال تعالى ان عليكم لحافظين. كراما كاتبين. يعلمون ما تفعلون فهذا المعنى من حفظه تعالى على عبده. متضمن لاحاطة علم الله تعالى باحوال عبده الظاهرة والباطنة والاقوال والافعال. وكتابتها باللوح المحفوظ. وفي الصحف التي بايدي الملائكة. وعلمه تعالى بمقاديرها وكمالها ونقصها. ومقادير في الثواب والعقاب. ثم مجازاته عليها بعدله وفضله والمعنى الثاني من معنى الحفيظ انه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون ولهذا قال المصنف وهو الكفيل بحفظهم من كل امر عان. اي مشق مكروه وحفظه تعالى لخلقه نوعان. عام وخاص. فالعام حفظه في جميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيم بنيتها ويحفظ قوتها. وتمشي الى مصالحها بهدايته العامة. التي قال الله عنها الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. اي هدى كل مخلوق الى ما قدر له قضي له مما هو من ضروراته كالهداية للمأكل والمشرب والمنكح. والسعي في باب ذلك. وكدفعه عنهم انواع المكاره. واصناف المضار التي يشترك فيها الابرار تجار بل الحيوانات وغيرها. فهو الذي يحفظ السماوات والارض ان تزولا ويحفظ الخلائق بنعمه ان يفسدوا او يتلفوا. وقد وكل بالادميين حفظة من الملائكة الكرام. يحفظونه من امر الله. يدفعون عنه كل ما يضره ما هو بصدد ان يضره لولا حفظ الله. قال تعالى له معقبات من بعد بين يديه ومن خلفه. ومن خلفه يحفظونه من امر الله. وقال تعالى قل من يكلأكم بالليل والنهار من الرحمن. اي لو تخلى عنكم الرحمن الذي رحمكم بحفظكم من ذا الذي يقوم بكلاءتكم في نومكم ويقظتكم غيره اي لا احد يقوم بذلك سوى الرحمن. فتعين ان يكون هو المعبود وحده والنوع الثاني حفظه الخاص لاوليائه وعباده المؤمنين سوى ما تقدم يحفظهم عما يضر ايمانهم او يزلزل ايقانهم. من انواع المحن والفتن والشبه يخاف معها على الايمان. فيعافيهم الله منها. وان ابتلوا بها يسر لهم الخروج منهم بعافية. ويحفظهم من اعدائهم من الانس والجن. فينصرهم عليهم ويدفع عنهم كيدهم. قال تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا ولم يذكر ما يدفع عنهم لاجل العموم والشمول. وانه يدفع عنهم كل ما يضر ايمانهم وعلى حسب ما مع العبد من الايمان يكون دفع الله عنه. قال تعالى في دفعه العام للمؤمنين ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض. وقال تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع. لهدمت صوامع وبيعوا وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. ومن من الحفظ الخاص ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء الذي يقال عند المنام ان امسكت نفسي فارحمها. وان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين فصار معنى الحفيظ الذي يحفظ على العباد اعمالهم ليجازيهم بها ويحفظهم هم مما يكرهون. واللطف في اوصافه نوعان ادراك اسرار الامور بخبرة واللطف عند مواقع الاحسان. فيريك عزته ويبدي لطفه والعبد في الغفلات عند الشان. يعني ان اللطيف هو اللطيف بعبده في المتعلقة بنفسه. وهو اللطيف لعبده. ان يلطف له في الامور الخارجة عنه فيسوق اليهما به صلاحه من حيث لا يشعر. ولهذا كان اللطف في اوصاف الله تعالى عليه قسمين احدهما خبرته تعالى وادراكه لاسرار الامور الصدور ومغيبات الامور. وما لطف ودق من كل شيء. وهذا النوع ارجعوا الى احاطة علمه بالمعلومات. الا انه العلم الخاص في الامور الخفية ومن شبه الله بخلقه فقد كفر. ومن اثبته له على وجه لا يماثل فيه خلقه كما يليق بجلاله وعظمته. فقد برئ من فرث التشبيه ودم التعطيل. وهذا طريق اهل السنة ويلزم منه علمه بجليات الامور. ومن ذلك لما ذكر تعالى تعلق علمه بما في باطن الارض من خفايا البذور واستخراجها من باطن الارض بما ينزل عليها من السماء وخبرته بشدة حاجة عباده الى ذلك. ذكر هذا الاسم الكريم فقال المتر ان الله انزل من السماء ما فتصبح الارض ومخضرة. ان الله لطيف خبير. فهو الذي يعلم السر واخفى ويعلم ما في السماوات والارض. ويخرج الخبأ في السماوات والارض وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ويرقيه الى المنازل العالية. فييسره لليسرى ويجنبه العسرى ويمتحنه بانواع المحن التي تشق عليه ويكرهها. وهي عين صلاحه والطريق الى سعادته كما امتحن انبيائه باذى قومهم وبالجهاد في سبيله حتى اذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصر وكما ذكر الله عن يوسف عليه السلام بعدما حصلت له المحن باخوته ثم بالرق ثم بمراودة امرأة العزيز ثم بالسجن الطويل. ثم جعل الله الله ذلك كله طريقا الى علوه وارتفاعه وملكه. وخضوع ابويه اخوته له. ولهذا قال في اخر قصته. وقال قال يا ابتي هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد احسن بي اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد ان من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ان ربي لطيف لما يشاء. انه هو العليم الحكيم وكثيرا ما يمتحن اولياءه بما يكرهون. لينيلهم ما يحبون. ولهذا قال فيريك عزته. اي في امتحانك فيما تكره ويبدي لطفه. والعبد في الصلاة عن بشان فلو اطلع على الغيب لفرح بكثير من الامور التي تجري عليه بخلاف فيما يهوى وكم لله من لطف وكرم لا تدركه الافهام. ولا تتصوره وهام وكم استشرق العبد لمطلوب من مطالب الدنيا. من امارة او ولاية او سبب من الاسباب الدنيوية. فيصرفه الله عنه رحمة به. لان لا يفسد عليه دينه في ظل العبد حزينا من جهله وعدم معرفته بربه. وفي الدعاء المأثور اللهم ما رزقتني مما احب فاجعله قوة لي فيما تحب. وما زويت عني مما احب فاجعله فراغا لي فيما تحب. اللهم الطف بنا في قضائك وبارك لنا في قدرك. حتى لا نحب تعجيل ما اخرت. ولا تأخير ما عجلت فصل يعطيهم وهذا قد اخذه المؤلف رحمه الله من قول صلى الله عليه وسلم لعائشة بعدما سمعت اليهودي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم السلام عليك يا محمد. فاجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وعليكم ففطنت عائشة لليهودي فقالت وعليكم السام واللعنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مهلا يا عائشة. ان الله رفيق يحب اهله الرفق الحديث وقال ان الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف فالله تعالى رفيق في افعاله. خلق السماوات والارض في ستة ايام. مع قدرته على القها في لحظة واحدة. وكذلك الادميون والحيوانات وانواع الاشجار والنبات يخلقها تعالى بالتدريج شيئا فشيئا. حتى تتم وتكبر. وهذا من رفقه وحكمته التي فيها من الفوائد والمنافع ما لا يدخل تحت الحصر. واذا فكان رفيقا فهو يحب اهل الرفق. ويعطيهم من فضله واحسانه ما لا يعطي غيرهم ولهذا ما كان الرفق في شيء الا زانه. ولا كان العنف في شيء الا شانه فالمتأني الذي يأتي الامور برفق وسكينة ووقار اتباعا لسنن الله في كون تتيسر له الامور. خصوصا الذي يأمر الناس وينهاهم في مصالح دينهم ودنياهم فانه محتاج بل مضطر الى الرفق واللين. قال تعالى لنبيه صلى الله الله عليه وسلم فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. وكذلك من فداه الناس بالاقوال البشعة. فصان لسانه عن مشاتهم. ورفع عن نفسه برفق ولي اندفع عنه من اذاهم بسبب ذلك. ما لا يندفع عن من قابلهم وصنع كصنيعهم مع راحته وطمأنينة قلبه. واكتسابه للرزانة والحلم. وتنزهه عن سفسفة الاقوال. ولهذا لما كان اليهود يريدون بخطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم بقولهم السام عليكم يريدون الموت من كمال حلمه صلى الله عليه وسلم لم يشتمهم بل قال وعليكم اي ما قلتم ولهذا قال لعائشة الم اسمعي ما قلت لهم فبين عليه الصلاة والسلام ان المقابلة قد تحصل من دون كلام مستبشر ولا قول غليظ. وقال سفيان الثوري رحمه الله ينبغي للامر بالمعروف والنهي عن ناهي عن المنكر ان يكون عالما بما يأمر به. عالما بما ينهى عنه. عدلا فيما يأمر وبه عدلا فيما ينهى عنه. رفيقا فيما يأمر به. رفيقا فيما ينهى عنه فالرفق يدرك به خير كثير. ويثيب الله عليه ثوابا جزيلا. والعنف بخلاف ذلك وهو القريب وقربه المختص بي. داعي وعابده يعني ان القريب من اسمائه تعالى قسمان. قرب عام وقرب خاص. فالقرب العام احاطة علمه بجميع الاشياء. وهو اقرب الى الثاني من حبل الوريد. ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم. ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم. الا هو معهم اينما كانوا والنوع الثاني قربه المختص بالداعين والعابدين والمحبين. وهو قرب يقتضي المحبة والنصرة. والتأييد والاجابة والقبول والاثابة. ومن ذلك قوله تعالى واسجد واقترب. وقال النبي صلى الله عليه وسلم اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. فهذا قربه من عابديه. وقال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب. اجيب دعوة الداع اذا دعان فهذا قربه من داعيه بالاجابة والتوفيق. وللمصنف فيها هنا كلام حسن. ذكره في بدائع الفوائد. فلنذكره لشدة الحاجة اليه وعدم اجزاء غيره عنه. قال في اثناء كلامه على قوله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية. الى قوله ان رحمة الله قريب قريب من المحسنين. وسادسها وهو من النكت السرية البديعة جدا انه دال على قرب صاحبه من الله. وانه لاقترابه منه وشدته في حضوره يسأل مسألة اقرب شيء اليه. فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد. ولهذا اثنى سبحانه على عبده زكريا في قوله اذ نادى ربه نداء خفيا. فكلما استحضر القلب قلب قرب الله تعالى منه. وانه اقرب اليه من كل قريب. وتصور ذلك اخفى دعاءه مهما امكنه. ولم يتأتى له رفع الصوت به. بل يراه غير مستحسن. كما ان من خاطب جليسا له يسمع اخفى كلامه فانه لو بالغ في رفع الصوت استهجن ذلك منه ولله المثل الاعلى سبحانه. وقد اشار اليه النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا المعنى بقوله في الحديث الصحيح لما رفع الصحابة اصواتهم بالتكبير وهم معه في السفر فقال اربعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا قريبا. اقرب الى احدكم من عنق راحلته قد قال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان. وقد جاء ان سبب نزولها ان الصحابة قالوا يا رسول الله ربنا قريب فنناجيه؟ ام بعيد فنناديه؟ فانزل الله عز وجل واذا سألك عبادي عني فاني قريب. اجيب دعوة دعوة الداعي اذا دعان. وهذا يدل على ارشادهم للمناجاة في الدعاء. لا النداء الذي هو رفع الصوت فانهم سألوه فاجيبوا بان ربهم تبارك وتعالى قريب لا يحتاج في دعائه وسؤاله الى النداء. وانما يسأله مسألة القريب المناجي لا مسألة البعيد المنادي. وهذا القرب من الداعي هو قرب خاص ليس قربا عاما من كل احد. فهو قريب من داعيه. وقريب من عابده اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. وهو اخص من قرب الانابة وقرب الاجابة الذي لم يثبت اكثر المتكلمين سواه. بل هو قرب خاص من الداعي والعابد. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم رواية عن ربه تبارك وتعالى. من تقرب من شبرا تقربت منه ذراعا. ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا. فهذا فقربه من عابده. واما قربه من داعيه وسائليه فكما قال تعالى. واذا ما سألك عبادي عني فاني قريب. اجيب دعوة الداع اذا دعان وقوله ادعوا ربكم تضرعا وخفية. فيه الاشارة والاعلام بها هذا القرب واما قربه تبارك وتعالى من محبه فنوع اخر ونبأ اخر وشأن قد ذكرناه في كتاب التحفة المكية. على ان العبارة تنبو عنه. ولا في القلب حقيقة معناه. لكن بحسب قوة المحبة وضعفها يكون تصديق العبد بها هذا القرب واياك ثم اياك ان تعبر عنه بغير العبارة النبوية. او يقع في قلبك غير معناها ومرادها. فتزل قدم بعد ثبوتها. وقد ضعفت تمييز في هذا المقام. وساء تعبيرهم فوقعوا في انواع من الطامات والشطح فقابلهم من غلظ حجابه. فانكر محبة العبد لربه جملة وقربه منه عاد ذلك الى مجرد الثواب المخلوق. فهو عنده المحبوب القريب ليس الا. وقد ذكرنا من من طرق الرد على هؤلاء وهؤلاء في كتاب التحفة اكثر من مائة طريق. انتهى كلامه رحمه الله وهو المجيب يقول من يدعو اجب هو انا المجيب لكل من ناداني وهو المجيب لدعوة المضطر اذ جعل المؤلف للمجيب معنيين معنى عام ومعنى خاص. فالعام هو اجابته تعالى. لكل من دعاه دعاء عبادة ودعاء مسألة. كما قال تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم فدعاء المسألة ان يقول بلسانه اللهم اعطني كذا. او اللهم ادفع عني كذا فهذا يقع من البر والفاجر. ويستجيب الله فيه للبر والفاجر. فقد يدعو كافروا بحصول رزق او دفع عدو. او خروج من مشقة. فيستجيب الله له. ولا اعظم من ابليس وقد سأل الله النظرة. فانظره الله الى يوم يبعثون ولهذا يستدل بهذا النوع على كرم الباري وسعة جوده وحلمه. ولا يدل مجرد الاجابة على حسن حال الداعي. الذي اجيبت دعوته. حتى يأتي ما يدل على ذلك فان اقترن بذلك ما يدل على تعين الحق معه. كسؤال الانبياء ودعائهم لقومهم على قومهم دل ذلك على صدق من اجاب الله دعاءه. ولهذا كان النبي صلى الله عليه عليه وسلم كثيرا ما يدعو بدعاء يرى الناس عيانا اجابته. فيجعلونه من دلائل النبوة وايات صدقه صلى الله عليه وسلم. وكذلك ما يذكرونه عن كثير من اولياء الله من اجابة دعواتهم يجعلونه من كرامات الله لاوليائه واما الاجابة الخاصة فلها اسباب عديدة. ومن اعظمها دعوة المضطر الذي وقع في شدة وكربة عظيمة. فان الله تعالى يجيب دعوته. وذلك فلشدة افتقار العبد لربه في هذه الحال. وانقطاع يقلقه من المخلوقين ولسعة رحمة الله التي يشمل بها الخلق. بحسب حاجاتهم اليها. فكيف بمن اضطر اليها ولهذا قال المصنف وهو المجيب لدعوة المضطر اذ يدعوه في سر وفي ومن اسباب اجابة الدعاء اطالة السفر. والتوسل الى الله باحب الوسائل المقربة اليه. من اسمائه وصفاته ونعمه. ودعوة المظلوم ودعوة الوالد لوالده او عليه. وفي الاوقات والاحوال الشريفة. كما وردت بذلك كله النصوص والاخبار التي لا يسعها هذا الموضع. قال تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم. وقال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان. وقال تعالى ان ربي قريب مجيب. وقال امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف سوء ويجعلكم. ويجعلكم خلفاء الارض. االه مع الله وهو الجواد فجوده عم الوجوه. ده جميعه الفضل والاحسان. وهو الجواد فلا يخيب سائلا. ولو انه من امة الكفران. يعني ان جوده تعالى عام لجميع المخلوقات قد عمها وشملها وملأها من فضله واحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة وخاص للسائلين بلسان المقال. او بلسان الحال. من بر وفاجر ومسلم وكافر. فمن سأل الله اعطاه سؤله. وناله ما طلب. قال تعالى وهو الرحيم انه هو البر الرحيم. وقال تعالى وما بكم من نعمة فمن الله. ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون. وقال تعالى واتاكم من كل ما سألتموه. وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها. ان الانسان لظلوم كفار وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن ابي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى انه قال يا عبادي لو ان ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم. قاموا في صعيد واحد. فسألوني فاعطيت كل انسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي. الا كما ينقص المخيط اذا غمس في البحر وفي رواية لغير مسلم ذلك باني جواد ماجد واجد عطائي كلام كلام انما امري لشيء اذا اردت ان اقول له كن فيكون. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ان خزائن الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار. ارأيتم ما انفق منذ خلق السماوات والارض فانه لم يغض ما في يمينه وبيده الاخرى القسط يخفض بها ويرفع. ومن جوده وكرمه ما اعده الله لاوليائه في دار كرامته. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت. ولا لا خطر على قلب بشر. ومن جوده وكرمه انه المغيث لكل مخلوقاته. فلهذا قال وهو المغيث لكل مخلوقاته. وكذا يجيب اغاثة فالمغيث يتعلق بالشدائد والمشقات. فهو المغيث لجميع المخلوق عندما تتعسر امورها وتقع في الشدائد والكربات. من اطعام جائعهم كسوة عاريهم وتخليص مكروبهم وكشف الضر عنهم. وانزال الغيث عليهم في وقت اليه. وكذا يجيب اغاثة اللهفان اي دعاء من دعاه في حالة اللهف وشدة الاضطرار. فمن استغاثه اغاثه. قال تعالى وهو الذي ينزل الغيث من من بعد ما قنطوا وينشر رحمته. وقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله ينظر اليكم ازلين قنيطين. فيظل يضحك يعلم ان فرجكم قريب وقال تعالى ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون. وقال تعالى حتى اذا كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها. وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاء الموج. وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين. دعوا الله مخلصين له الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما انجاهم الاية وقال تعالى قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن انجانا. لان انجانا من هذه لنكونن ان من الشاكرين. قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم انتم تشركون. وقال تعالى امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض االه مع الله؟ وقال تعالى سيجعل الله بعد عسر يسرا. وقال تعالى فان مع العسر يسرا مع العسر يسرا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الذي رواه الترمذي وغيره. واعلم ان النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب. وان مع العسر يسرا. وقال تعالى عن ذي النون عليه السلام انه نادى في الظلمات. الا لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين له ونجيناه من الغم. وكذلك ننجي المؤمنين. اي اذا وقعوا في الشدائد نجاهم الله. ودفعها عنهم بايمانهم. ولهذا ينجيهم من كروب الموت. وشدة القبر واهوال يوم القيامة. حين تعجز قدرهم ولا يبقى ملجأ يلجأون اليه الا الله تبارك وتعالى. وكم انجى في الدنيا من الكرب والشداد كثيرا من انبيائه واوليائه. واغاثهم بلطفه ودفع عنهم بعزته رحمهم ويسرهم لليسرى. فصل وهو الودود يحب احبابه والفضل للمنان. وهو الذي جعل المحبة في قلوب بهم وجازاهم بحب ثاني. هذا هو الاحسان حقا لا معا. ولا لتوقع الشكران لكن يحب لا لاحتياج منه للشكران هذا تفسير لاسمه تعالى الودود. وقد اختلف المفسرون في تفسيره. فقيل انه فعول بمعنى فاعل. وقيل انه فعول بمعنى مفعول. والصحيح انه يعم النوعين اليهما كما قال المصنف فهو الودود الذي يود عباده المؤمنين واولياءه صالحين وهو المودود لاوليائه وعباده المتقين. بل لا شيء اود اليهم ولا تعادل محبة الله محبة. لا في اصلها ولا في متعلقاتها ولا في كيفيتها وهذا هو الواجب ان تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة قريبة على كل محبة. ويتعين ان يكون كل محبة تبعا لمحبة الله. قال تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه. الاية وقال قال تعالى والله يحب المحسنين. والله يحب الصابرين ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا قال تعالى وهو الغفور الودود. اشارة الى ان من احبه الله غفر له الذنوب ويسره لكل مطلوب. وقال تعالى قل ان كنتم تحبون الله الله فاتبعوني يحببكم الله. فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم هم ذنوبكم. والدليل على وجوب محبة الله تعالى. وانه يجب تقديمها على سائر محاب النفوس قوله تعالى قل ان كان اباؤكم واخوانكم وازواجكم. الى قوله احب اليكم من الله رسوله وجهاد في سبيله. وجهاد في سبيله فتربصوا وحتى يأتي الله بامره. فتوعد تعالى من كانت هذه الامور احب اليه من الله ورسوله واتباع مرضات الله. ولهذا كانت محبة الله تعالى هي روح الاعمال وجميع العبودية ناشئة من محبة الله. ومحبة العبد لربه فضل من الله الله واحسان. ليست بحول العبد ولا قوته. فهو الذي احب عبده. فجعل المحبة في قلبه ثم لما احبه العبد جازاه الله بحب اخر. فهذا هو الاحسان على الحقيقة احسان محض ليس المقصود به المعاوضة. وانما ذلك محبة منه تعالى للشاكرين من عباده. ومحبة للشكر من غير حاجة منه الى الشكر. بل المصلحة كلها عائدة الى العبد. فتبارك الذي اودع محبته في قلوب عباده المتقين ثم لم يزل ينميها ويقويها. حتى وصلت الى حالة تتضاءل عندها المحاب وتسليهم عن المألوفات. وتهون عليهم المصيبات. وتلذذ لهم مشقة الطاعة وتثمر لهم ما يشاؤون من اصناف الكرامات. التي اعلاها حصول محبة والفوز برضاه والانس بقربه. فمحبة العبد لربه محفوفة بمحبته من ربه محبة قبلها صار بها محبا لربه ومحبة بعدها شكرا من الله له على محبته. صار بها من اصفيائه المخلصين. فنسألك اللهم حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا الى حبك. اللهم اجعل حبك احب الينا من انفسنا واولادنا ومن الماء البارد. واجعل كل محبة تعلقت منا بغيرك تابعة لمحبة واعظم سبب يكتسب به العبد محبة الله التي هي اعظم الاكثار من ذكره. وكثرة الانابة اليه. وكثرة التقرب اليه بالفرائض والنوافل وتحقيق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا. كما قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى انه قال من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب. وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترظت عليه ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه. فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به. وبصره الذي يبصر به. ويده التي يبطش بها. ورجله التي يمشي بها. ولئن سألني لاعطينه. ولئن استعاذني لاعيذنه وما ترددت عن شيء انا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت واكره مساءته. رواه البخاري. والمقصود ان معنى الودود انه المحبوب المودود. اعظم مودة واصفاها واخلصها من عباده المؤمنين الواد لعباده القائمين بمحابه ومراضيه. وله الفضل والمنة في ذلك كله وهو الشكور فلن يضيع سعيهم. لكن يضاعفه بلا حسبان حق واجب هو اوجب الاجر العظيم الشان كلا ولا عمل لديه ضائع ان كان بالاخلاص ان عذبوا فبعدله او نعموا. فبفضلهم والحمد للمنان. قال تعالى ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وامنتم. وكان الله شاكرا عليما. وقال قال تعالى والله شكور حليم. فمن اسمائه تعالى الشاكر الشكور الذي لا يضيع سعي العاملين لوجهه. ولا يتركه باطلا بل يضاعفه اضعافا مضاعفة بلا عد ولا حسبان. كما قال تعالى انا لا نضيع اجر من احسن عملا. وقال تعالى ان الله لا يضيع اجر المحسنين. وقال تعالى من جاء الحسنة فله عشر امثالها. وقال تعالى ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤتي من لدنه اجرا عظيما وقال تعالى مثل الذين ينفقون اموالا في سبيل الله كمثل حبة. كمثل حبة انبتت سبع في كل سنبلة مئة حبة. والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم. وقال تعالى من جاء بالحسنات فله خير منها وهم. وهم من فزع يومئذ امنون وقال تعالى فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون. وقال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك. فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة فان عملها كتبها الله له عشر حسنات. الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة. وقال صلى الله عليه وسلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب. فان الله يقبلها بيمينه. فيربي لاحدكم كما يربي احدكم فلوه. حتى تكون مثل الجبل العظيم. متفق عليه الى غير ذلك من النصوص الدالة على سعة فضل الله. وانه الشاكر لسعي العاملين الذي لا يضيع عمل عامل. وبعينه ما يتحمل المتحملون من اجله ومن فعل لاجله اعطاه فوق المزيد. ومن ترك لاجله عوضه الله خيرا من ذلك وهو الذي وفق عباده المؤمنين لمرضاته. ثم شكرهم على ذلك. واعطاهم من كرامات ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وكل هذا ليس حق واجبا عليه بالاصل. وانما هو الذي اوجبه على نفسه. ولهذا قال المصنف حق واجب هو اوجب الاجر العظيم الشاني وهذا القيل الذي قيده به المصنف احسن من اطلاق من اطلق ذلك بقوله كلا ولا سعي لديه ضائع ما للعباد عليه حق واجب. وكذلك تقييد المصنف للسعي الذي لا يضيعه الله بقوله ان كان بالاخلاص والاحسان اي مقصودا به وجه الله محسنا فيه على سنة رسول الله. لان العمل لا يكون صالحا حتى يوجد فيه هذان الشرطان الاخلاص والمتابعة. كما قال في موضع اخر فقيام دين الله بالاخلاص والاحسان انهما له اصلان. وقول المؤلف ان عذبوا فبعدله لانه لا يعذبهم الا بذنوبهم التي اجترحوها. بعدما قام عليهم حجة الله. وحذرهم الله منها غاية التحذير. فاذا استمر على الطغيان بعد ذلك. ولم يقبلوا نصائح الناصحين. علم انهم لا يصلحون الا للعذاب فعدل فيهم حيث عذبهم. لانه لم يضع العقوبة الا في موضعها. واما انعامه واكرامه فان ذلك محض فضله واحسانه. لانه الذي وفقهم واعانهم واعد لهم من الكرامات ما لا يقابله اضعاف اضعاف اعمالهم. ولكن له وتعالى تمام الحمد وكمال النعمة. وله الفضل اولا واخرا وظاهرا وباطنا قال في بدائع الفوائد قد اخبر الله سبحانه في كتابه انه كتب على نفسه الرحمة وهذا ايجاب منه على نفسه. فهو الموجب وهو متعلق الايجاب الذي فاوجب بنفسه على نفسه بقوله في الحديث الصحيح لما قضى الله الخلق كتب بيده على نفسه في كتاب فهو عنده موضوع فوق العرش ان رحمتك تغلب غضبي. وفي لفظ سبقت غضبي. فتأمل كيف اكد هذا الطلب والايجاب بذكر فعل الكتابة. وصفة اليد ومحل الكتابة. وانه كتاب وذكر مستقر الكتاب وانه عنده فوق العرش. فهذا ايجاب مؤكد بانواع التأكيد. وهو ايجاب من على نفسه ومنه قوله تعالى وكان حقا علينا نصر المؤمنين. فهذا هذا حق احقه على نفسه. فهو طلب وايجاب على نفسه بلفظ الحق ولفظ على ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لمعاذ اتدري ما حق والله على عباده قلت الله ورسوله اعلم. قال حقه عليهم ان يعبدوه ولا يشرك به شيئا. اتدري ما حق العباد على الله اذا فعلوا ذلك؟ قلت الله ورسوله اعلم الم قال حقهم عليه الا يعذبهم بالنار. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في غير حديث من فعل كذا وكذا كان حقا على الله ان يفعل به كذا وكذا. في الوعد الوعيد فهذا الحق الذي احقه على نفسه. ومنه الحديث الذي في المسند عن ابي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الماشي الى الصلاة اسألك بحق ممشاي هذا وبحق السائلين عليك. فهذا حق السائلين عليه هو احقه وعلى نفسه لا انهم اوجبوه واحقوه. بل احق على نفسه ان يجيب من سأله. كما حق على نفسه في حديث معاذ الا يعذب من عبده. فحق السائلين عليه ان يجيبهم وحق العابدين له ان يثيبهم. والحقان هو الذي احقهما واوجبهما. لا السائلون ولا عابدون. فانه ما للعباد عليه حق واجب. كلا ولا سعي لديه ضائع ان عذبوا فبعدله او نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع. ومنه قوله تعالى وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن. فهل هذا الوعد هو الحق الذي احقه على نفسه واوجبه. ونظير هذا ما اخبر به تعالى من قسمه ليفعلن نحو قوله فوربك لنسألنهم اجمعين. وقوله ربك لنحشرنهم والشياطين. وقوله لنهلكن الظالمين. وقوله فالحق والحق اقول لاملأن جهنم منك ومن من تبعك اجمعين. الى اخر ما ذكره رحمه الله. والمقصود من هذا الكلام ذكر ما يتعلق بقوله ما للعباد عليه حق واجب هو اوجب الاجر العظيم الشاني فان ايجابه على نفسه ما اوجبه فضل منه واحسان. لا معاوضة ولا في مقابلة عمل مستقل من احد من العالمين. فله المنة في هذه الدار وفي دار البرزخ ودار القرار. فصل وهو الغفور واتى بقرابها من غير شرك بل من العصيان. لاقاه الغفران من اقربها. سبحانه هو واسع الغفران يعني انه تعالى الغفور. الذي وصفه المغفرة للذنوب والجرائم. فلو اتى العبد بقراب بالارض خطايا وهو لا يشرك بالله شيئا لاقاه الله بقرابها اي بملئها مغفرة كما قال تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. هذا مع عدم التوبة واما التوبة فان الله يمحو بها الذنوب الكبار والصغار. الشرك فما دونه. كما قال قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم. وقال تعالى ان ربك واسع المغفرة. فمغفرته تعالى وسعت كل شيء. فالعباد لا يزالون يذنبون والله يتجاوز عنهم. ويحب العفو عنهم. وهو وان كان واسع المغفرة فانه قد جعل لمغفرته اسبابا تنال بها. لانها اعظم المطالب. وذلك التوبة والاستغفار والايمان. والعمل الصالح والاحسان الى العباد. ومغفرة ما منهم وحسن الظن بالله تعالى. وغير ذلك مما جعله مقربا لمغفرته كما قال تعالى واني لغفار لمن تاب وامن انا وعمل صالحا ثم اهتدى. وقال تعالى ان الحسنة يذهبن السيئات. انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يصب منه. وقد تكاثرت النصوص الدالة على تكفير السيئات بالمصائب. والمكاره التي تصيب العبد. خصوصا اذا عمل بما امر الله به من الصبر والاحتساب. وقال تعالى في الحديث القدسي يا عبادي انكم تخطئون بالليل والنهار وانا اغفر الذنوب جميعا. فاستغفروا كوني اغفر لكم. ولولا عفوه ومغفرته ما ترك على ظهر الارض من دابة ولكنه يعامل عباده بالاحسان اليهم. بحصول الخيرات ودفع المضرات التي انعقدت اسبابها. فيحلها ويزيل اثارها. وسيأتي ان شاء الله وجه عدم دخول الشرك في مغفرة الله. في اخر هذه الفصول وكذلك التواب من اوصافه. والتوب في اوصافه نوعان اذن بتوبة عبده وقبولها. بعد المتابب منة المنة يعني انه التواب اي كثير التوبة على الخطائين والمذنبين. وتوبة على عبده نوعان. الاول اذنه لعبده وتوفيقه للتوبة فانه لولا توفيقه لما خطر بقلب العبد ارادة التوبة. ثم لولا توفيقه لما وصارت تلك الارادة عزما جازما. مقرونا بفعل اسباب التوبة. من الاقلاع عن الذنب في الحال قال والندم على ما مضى منه. والعزم على الا يعود اليه. والاستمرار على ذلك النوع الثاني توبته على عبده بعد توبة العبد بقبولها اجابتها ومحو الذنوب بها. فهو الذي من بالسبب والمسبب. وله الفضل والاحسان في اول الامر واخره فعلى العبد الاجتهاد في مرضاته. والشكر له على توفيقه ومنته قال النبي صلى الله عليه وسلم التوبة تجب ما قبلها. متفق عليه وقال تعالى بعدما ذكر الشرك والمعاصي الكبار فقال ومن يفعل ذلك يلقى اثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. الا من تاب وامن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله. فاولئك يبدل الله سيئاتهم وكان الله غفورا رحيما. ومن تاب وعمل صالحا فانه يتوب الى الله متابا ومن لطفه تعالى وكرمه انه يفرح بتوبة التائب. اعظم من فرح من فقد راحلته التي عليها طعامه وشرابه وما يصلحه. في ارض مهلكة دوية فطلبها حتى ايس منها. وجعل ينتظر الموت. فبينما هو على تلك الحال اذا هو براحلته على رأسه فاخذ بخطامها. فقال من شدة الفرح اللهم انت عبدي وانا ربك. اخطأ من شدة الفرح الذي اذهب حواسه وادراكه كما ثبت ذلك في الصحيح. فصل وهو الاله سيد الصمد الذي صمدت اليه الخلق الكامل الاوصاف من كل الوجوه. هي كماله ما فيه من نقصان هذا معنى اسمه الصمد. المعنى الجامع الذي يدخل فيه كل ما فسر به الصمد فهو الصمد الذي تصمد اليه جميع المخلوقات. بالذل والحاجة والافتقار العالم العلوي والسفلي في حوائجه ومهماته. لا يستغني احد عنه طرفة عين وهو الصمد الذي له الصفات الكاملة من كل الوجوه. الذي ما في كماله من نخبة حصان فهو العليم الكامل في علمه. الحليم الكامل في حلمه. الرحيم الكامل وفي رحمته وهكذا سائر الصفات. فالصمد الذي تصمد اليه جميع المخلوقات لانه كامل الصفات. قال المصنف في البدائع التاسع عشر ان من اسماء الحسنى ما يكون دالا على عدة صفات. ويكون ذلك الاسم متناولا لجميعها تناول الاسم الدال على الصفة الواحدة لها. كما تقدم بيانه. كاسمه العظيم والمجيد والصمد. كما قال ابن عباس فيما رواه عنه ابن ابي حاتم في تفسيره انه قال الصمد الذي كمل في سؤدده. والشريف الذي قد كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته. والحكيم الذي قد كمل في حكمته عليم الذي قد كمل في علمه. والحليم الذي قد كمل في حلمه. وهو الذي قد في انواع شرفه وسؤدده. وهو الله سبحانه وتعالى. هذه صفته لا ينبغي الاله. ليس له كفوا احد. وليس كمثله شيء. سبحان الله الواحد القهار وهذا مما خفي على كثير ممن تعاطى الكلام في تفسير الاسماء الحسنى ففسر الاسم بدون معناه. ونقصه من حيث لا يعلم وكذلك القهار من اوصافه. فالخلق مقهورون بالسلطان لو لم يكن حيا عزيزا قادرا ما كان من قهر ولا سلطان القهار هو الذي قهر الاشياء. وانقادت لعظمته ومشيئته المخلوقات كلها كلها فلا يحدث حادث الا بمشيئة الله. ولا يسكن ساكن الا بارادته وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. قال تعالى وهو الواحد القهار. وقال تعالى الشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره. وقال تعالى ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام. في ايام ثم استوى على العرش. يدبر الامر. وقال تعالى قل من يرزقكم من والارض من يملك امن يملك السمع والابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي. ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون الله وقال تعالى ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها. ان ربي على صراط مستقيم. فالخلق كلهم فقراء الى الله من جميع الوجوه. لا يملك لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. والله تعالى هو وقال تعالى الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكل فيها مصباح. المصباح في زجاجة. الزجاجة كان انها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زينة تونة. مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية مالك للملك الذي له العظمة والسلطان والتصرف. ثم ذكر المصنف ان القهار من اسمائه مستلزم لكمال حياته وكمال عزته وكمال قدرته. لانه هو محال ان يكون قاهرا لكل شيء. وهو غير حي ولا عزيز ولا قادر. ولهذا قال قال لو لم يكن حيا عزيزا قادرا ما كان من قهر ولا سلطان. وسيأتي في ان شاء الله تفصيل القول في انواع الدلالات. وكذلك الجبار من والجبر في اوصافه قسمان جبر الضعيف وكل ذا كسرة فالجبر منه داني. والثاني جبر القهر بالعز الذي لا ينبغي لسواه من انسان وله مسمى ثالث وهو العلو. فليس يدنو منه من من قولهم جبارة للنحلة علي التي فاتت لكل بنان. يعني ان للجبار معنيين بل ثلاثة معان. كلها داخلة في اسمه الجبار. فهو الجبار يجبر القلوب المنكسرة من اجله. فيجبر الكسير ويغني الفقير وييسر على المعسر كل عسير. ويجبر المصاب بتثبيته وتوفيقه للصبر واعاضته على ذلك اكمل الاجر. ويجبر قلوب الخاضعين لعظمته الخاضعين لكبريائه. ويجبر قلوب المحبين. بما يفيض عليها من انواع كرامات وصنوف مسراته. فالقلب المنكسر لربه جبره من اقرب الاشياء. ولهذا اذا كان دعاء المظلوم والمضطر والمريض والمسافر ونحوهم. مجابا للكسرة التي في قلوبهم. ومن هذا قول الداعي اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني. فان جبر معناه جبر الشيء المنكسر باصلاحه وتقويمه وازالة كسره ومنه الجبيرة. وهي اليد التي تكسر. فيربط عليها ما يشدها ويقيمها. فسؤال العبد لربه ان يجبره يتضمن الدعاء باصلاح حاله. وتقويم اموره وسائر شؤونه وازالة ما فيه من الوهن والضعف والنقص. والمعنى الثاني للجبار انه قهار لكل شيء. الذي اذا اراد شيئا قال له كن فيكون. بحيث لا يمتنع عليه شيء. والمعنى الثالث انه الجبار اي العالي على خلقه. الذي من عظمته وكبريائه قد باين مخلوقاته وعلا عليها. فليس يدانيه احد منها كما لرفعته وجلاله. وهذا المعنى مأخوذ من قول العرب للنخلة المرتفعة. نخلة جبارة. فالجبار العالي على كل شيء. القاهر لكل شيء. الجابر للمنكر كثيرين خصوصا المنكسرين من اجله. فصل وهو والحسيب حماية وكفاية. والحسب كاف العبد كل اواني يعني ان الحسيب معناه الكافي لعبده جميع ما اهمه من امر دينه ودنياه الحامي له من جميع المكاره. لان الحسم بمعنى الكفاية. فالحسيب هو الكافي وللحسيب معنى اخر لم يذكره المصنف. وهو انه الذي يحفظ على العباد اعمالهم من خير وشر. ثم ينبئهم بها ويحاسبهم عليها. ويعرفهم قوادير اعمالهم ومراتبها في الخير والشر. ويجازيهم عليها. قال تعالى ان الله كان على كل شيء حسيبا. وقال تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وقال تعالى قل حسبي الله عليك يتوكل المتوكلون. وقال تعالى فان تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت. وهو رب العرش العظيم وقال تعالى يا ايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين اي كافيك وكافي اتباعك. فكفاية الله لعبده بحسبة فيما قام به العبد من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا بحسب عبوديته لربه. كما قال تعالى اليس الله بكاف عبده؟ وقال قال تعالى وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم بكم به الله. الى غير ذلك من النصوص الدالة على محاسبته لعباده بما عملوه. وعلى كفايته اياهم جميع امورهم. وهو الرشيد فقوله وفعاله رشد وربك مرشد الحيران اهما حق فهذا وصفه. والفعل للارشاد ذاك الثاني يعني ان معنى الرشيد الذي قوله رشد وافعاله رشد. المرشد لكل حيران وتائه وضال الى الصراط المستقيم بيانا وتوفيقا. وكلا المعنيين حقا فهذا وصف اي كون اقواله وافعاله رشد. والفعل للارشاد ذاك الثاني اي كونه مرشد الحائرين وهذه الضالين. فاما اقواله تعالى فانها اقوال قدرية واقوال شرعية دينية. فاقواله القدرية التي يوجد بها الاشياء ياء ويدبر بها ما شاء من انواع التصاريف كلها حق. لانها مشتملة على الحكمة التامة التي يحمد عليها تعالى اتم حمد واكمله. ويعرف ذلك باستقراء المخلوق وما فيها من الحكم والمصالح. وانه لا عبث فيها بوجه من الوجوه واقواله الشرعية الدينية هي الاقوال التي تكلم بها في كتبه وعلى السنة رسله المشتملة على الصدق التام في الاخبار. والعدل التام في الامر والنهي فانه لا اصدق من الله قيلا. ولا احسن منه حديثا. وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. صدقا في الاخبار عدلا في الاوامر والنواهي. وهي اعظم ما يرشد به العباد. بل لا حصول الى الرشاد بغيرها. فمن لم يسترشد بها فليس برشيد فيحصل بها الرشد العلمي وهو بيان الحقائق والهدى والضلال والاحكام الشرعية ويحصل بها الرشد العملي. فانها تزكي النفوس وتطهر القلوب. وتدعو الى صالحها الاعمال واحسن الاخلاق. وتحث على الافعال الجميلة. وترهب عن الافعال الرذيلة فمن استرشد بها فهو المهتدي. ومن لم يسترشد بها فهو الغاوي. والله تعالى لم يجعل لاحد عليه حجة بعد بعثته للرسل. وانزاله عليهم الكتب المشتملة قيل تعالى الهدى وكم قد هدى ضالا وارشد حائرا فهو الرشيد في قوله وفعله وارشاده. والعدل من اوصافه في فعله. ومقاله الحكم بالميزان فعلى الصراط المستقيم الى هنا. قولا وفعلا فعلا ذاك في القرآن يعني ان الله هو الحكم العدل في وصفه وفي فعله وفي قوله وفي حكمه بالقسط. وهذا معنى كونه تعالى على صراط مستقيم كما قال هود عليه السلام. ان ربي على صراط مستقيم وذلك لان افعاله تعالى كلها دائرة بين الفضل والعدل والحكمة فكلها افعال رشيدة مستقيمة. وجميع اقواله صدق وعدل. وحكمه ديني عدل وحكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه عدل. وحكمه بين عباده في الجزاء والثواب والعقاب عدل. فليس في شيء من ذلك ظلم بوجه من الوجوه فان الله لا يظلم مثقال ذرة. ولهذا يحمده الخلائق بعدما يقضي بينهم في القيامة فقال وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين وقال تعالى الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب. وقال تعالى والسماء رفعها ووضع الميزان. وقال تعالى امرا عباده باقامة بالعدل والقسط. يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط هدا لله. ولهذا اتفقت الشرائع كلها على الامر بالعدل والنهي عن الظلم. فصل هذا ومن اوصافه تعظيم للرحمن. وهو السلام على الحقيقة سالم من كل تمثيل ومن نقصان. يعني انني من اسمائه القدوس السلام. فالقدوس هو المنزه المعظم عن كل سوء. وكذلك السلام على الحقيقة. وضابط ما ينزه عنه امران ذكرهما المؤلف. احدهما انه الكامل المنزه عن مماثلة احد من المخلوقات. فليس كمثله شيء في جميع نعوته كمال اوصافه. والثاني انه المنزه عن كل عيب ونقصان. والنقص الحصان يرجع الى ما يناقض اوصاف كماله. فالقدوس السلام يرجع معناها الى التنزيه ويلزم من التنزيه التعظيم والثناء عليه بصفات الكمال. لان التنزيه سلب المحض ليس مدحا. حتى يتضمن اثبات ضده وهو الكمال. قال المصنف وفي بدائع الفوائد فصل. اذا عرف هذا فاطلاق السلام على الله تعالى اسما من اسمائه هو اولى به من هذا كله. واحق من هذا الاسم من كل مسمى به بسلامته سبحانه من كل عيب ونقص يتخيله وهم. وسلام في صفاته من كل عين ونقص وسلام في افعاله من كل عيب وشر وظلم. وفعل واقع على غير وجه الحكمة بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار. فعلم ان استحقاقه تعالى لهذا هذا الاسم اكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه. وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه هذه نفسه ونزهه به رسوله. فهو السلام من الصاحبة والولد. والسلام من النظير والكفؤ والسمي والمماثل. والسلام من الشريك. ولذلك اذا نظرت الى صفات كماله وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها. فحياته سلام من ومن الموت والنوم. وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب وعلمه سلام من عزوب شيء عنه. او عروض نسيان او حاجة الى تذكر وتفكر وارادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة. وكلماته سلام من الكذب والظلم. بل تمت كلماته صدقا وعدلا. وغناه سلام من الحاجة الى غيره بوجه ما. بل كل ما سواه محتاج اليه. وهو غني عن كل ما سواه وملكه سلام من منازع فيه او مشارك او معاون. او مظاهر او شافع عند بدون اذنه. والهيته سلام من مشارك له فيها. بل هو الله الذي في لا اله الا هو. وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته. وتجاوزه وسلام من ان يكون عن حاجة منه او ذل. او مصانعة كما يكون من غيره بل هو محض جوده واحسانه وكرمه. وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه. سلام ان يكون ظلما او تشفيا او غلظة او قسوة. بل هو حكمته وعدله ووضعه الاشياء مواضعها. وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء. كما يستحقه على احسانه وثوابه ونعمته. بل لو وضع الثواب مكان العقوبة لكان مناقضا لحكمته ولعزته. فوضعه العقوق موضعها هو من حمده وحكمته وعزته. فهو سلام مما يتوهمه اعداء هو الجاهلون به من خلاف حكمته. وقضاؤه وقدرته سلام من العبث والجور والظلم ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة. وشرعه هو دينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب. وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والاحسان اليهم وخلاف حكمته. بل شرعه كل حكمة ورحمة ومصلحة وعدل. وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة او لحاجة الى المعطي ومنعه سلام من البخل وخوف الاملاق. بل عطاؤه احسان محض لمعاوضة ولا لحاجة. ومنعه عدل محض وحكمة. لا يشوبه بخل ولا عيش واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من ان يكون محتاجا الى ما يحمله او يستوي عليه بل العرش محتاج اليه. وحملته محتاجون اليه فهو الغني عن العرش وحملته وعن كل ما سواه. فهو استواء وعلو له لا يشوبه حصرا. ولا حاجة الى عرش ولا غيره. ولا احاطة شيء به وتعالى. بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة اليه وهو الغني الحميد. بل استواؤه على عرشه واستيلاءه على خلقه من موجبات ملكه وقهره. من غير حاجة الى عرش ولا غيره بوجه ما ونزوله كل ليلة الى سماء الدنيا. ليس مما يضاد علوه. وسلام مما يضاد غناه. وكماله سلام من كل ما يضاد كماله وغناه. وسلام من كل ما يتوهم معطل او مشبه. وسلام من ان يكون تحت شيء او محصورا في شيء فتعالى الله ربنا عن كل ما يضاد غناه وكماله. وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه او يتقوله معطل وموالاته لاوليائه سلام من ان يكون عن ذل. كما يوالي المخلوق المخلوق بل هي موالاة رحمة وخير واحسان وبر. كما قال تعالى وقل الحمد بسم الله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك. ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل. وكذلك محبته محبيه واوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق. من كونها حبة حاجة اليه او تملق له او انتفاع بقربه. وسلام مما يتقوله المعطلون فيها. وكذلك ما اضافه الى نفسه من اليد والوجه فانه سلام عما يتخيله مشبه او يتقوله معطل. فتأمل كيف تضمن اسمه السلام كلما ينزه عنه تبارك وتعالى. وكم من يحفظ هذا الاسم ولا يدري ما تضمنه من هذه الاسرار والمعاني. والله المسئول ان يوفق على تعليق على الاسماء الحسنى على هذا النمط. انه قريب مجيب انتهى كلامه رحمه الله. وقد اشتمل من تفصيل معاني هذا الاسم الكريم على خير كثير والبر في اوصافه سبحانه هو كثرة الخيرات والاحسان صدرت عن البر الذي هو وصفه فالبر حينئذ له نوع وصف وفعل فهو بر محسن. مو للجميل يعني ان البر في نسبته الى الله نوعان. احدهما انه البر الرحيم. الذي اتصف بالجود والكرم. وكثرة الخيرات واصناف البر الذي الى منتهى له. والثاني انه البر بمعنى انه المحسن. الذي انعم العباد باصناف النعم. ودفع عنهم جميع النقم. فما بالعباد من بر واحسان وخير وسرور في دينهم ودنياهم الا من الله. وبر الابرار الذي استحقوه به الجنة من لطفه بهم وتوفيقه اياهم. فمعنى البر هو المتصف بالرحمة العظيمة الذي والى على خلقه اثارها واسدى عليهم من جوده ما به استقامت احوالهم وتمت امورهم. وكذلك الوهاب من اسمائه فانظر مواهبه مدى الازمان. اهل السماوات العلى والارض تلك المواهب ليس ينفكاان. يعني انه تعالى الوهاب مستمر الاحسان متواتر الفضل. لم يزل ولا يزال محسنا متفضلا. دائم الهبة كثير الخيرات جزيل العطايا. لا يخلو مخلوق عن رحمته واحسانه طرفة عين فاهل السماوات والارض واهل الدنيا والاخرة. لا ينفكون عن جوده واحسانه. ولا تغنون عنه في حال من الاحوال. بل هم المفتقرون اليه على الدوام. فيهب لهم من احسانه ما به تقوم امورهم الدنيوية. ويهب لعباده المؤمنين من لدنه رحمة يلم بها شعثهم. ويصلح فيها نقصهم. ويرقيهم بها الى اعلى الدرجات جاءت والوصول الى اجل الكرامات. ولا يمكن احدا من المخلوقين تعداد بعض نعم الله تعالى. كما قال تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وكذلك الفتاح من اسمائه. والفتح في اوصافه امران. فتح بحكم وهو شرع الهنا. والفتح بالاقدام ريف فتح ثاني. والرب فتاح بذين كليهما. عدلا واحسانا يعني ان من اسمائه الحسنى الفتاح وذلك على قسمين احدهما الفتاح بحكمه الديني وحكمه الجزائي. والثاني الفتاح بحكمه القدري. ففتحه بحكمه الديني هو شرعه على السنة رسله ما به تقوم احوال المكلفين. وتستقيم احوالهم الدينية والدنيوية. ويعرف كل ما يحتاجون اليه. واما فتحه بحكمه الجزائي فهو فتحه بين انبياء ومخالفيهم. وبين اوليائه واعدائه. والفتح يوم القيامة بين سائر الخلق حين يوفي كل عامل بعمله. وتوفى كل نفس مما عملت وهم لا يظلمون واما فتحه القدري فهو ما يفتحه على عباده من خير وشر ونفع وضرور حر وعطاء ومنع. قال تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده. فهذا في فتح خير وقال في فتح الشر على من تعرض له ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح واستفتاحهم طلبهم ان يحل بهم ما وعدهم الله. على لسان رسوله تكذيبا للرسول وتعجيزا لربهم. وقال تعالى في فتحه بين انبيائه ومن خالفهم ويقولون متى هذا الفتح ان كنتم صادقين قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ايمانهم. اي حين ينزل بهم العذاب الذي توعدوا به. وقال شعيب عليه السلام ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق حقي وانت خير الفاتحين. وقال في الفتح بين عباده في دار الجزاء قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق. ثم يفتح انا بالحق وهو الفتاح العليم. فالرب هو الفتاح الذي انفرد بالعطاء والمنع وهو الذي يفتح للعباد خزائن جوده وكرمه. فيعطي من يشاء ويمنع من يشاء وهو الذي يأمر وينهى ويثيب ويعاقب. وكل هذا تابع لعدله وفضله يحمد عليه اتم الحمد واكمله. ولهذا قال المصنف عدلا واحسانا من الرحمن وكذلك الرزاق من اسمائه. والرزق من رزق على يد عبده ورسوله نوعان بندان معروفان رزق القلوب العلم والايمان هذا هو الرزق الحلال وربنا رزاقه والفضل للمنان. والثاني سوق القوت للأعظم تلك المجاري سوقه بوزاني. هذا يكون من الحلال بهذا الاعتداء قال تعالى ان الله هو الرزاق. وذكر المؤلف رحمه الله ان رزقه نوعان احدهما الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والاخرة. وهو الرزق الذي على يد الرسول صلى الله عليه وسلم. رزق القلوب بالعلم والايمان وحقائقه ورزق البدن بالحلال الذي لا تبعة فيه. فان الرزق الذي خص الله به المؤمنين الذي يسألون منه شامل لذلك كله. فينبغي للداعي بالرزق ان يستحضر بقلبه هذه انواع فاذا قال اللهم ارزقني فمعناه اللهم ارزقني ما يصلح به قلبي من العلم والهدى والمعرفة. ومن الايمان الشامل لكل عمل صالح وخلق حسن وما به يصلح بدني من الرزق الحلال الهني الذي لا مشقة فيه ولا تبعة تعتريه وهذا وسيلة للاول. والاول هو المقصود من العبد. ولابد له من الثاني ليعد بدنه ويصلح لاقامة دين الله. والنوع الثاني من الرزق. الرزق العام لسائر الخليقة. برها وفاجرها. بل ناطقها وبهيمها. وحقيقته هو ان يسوق الله لكل حيوان قوته. الذي به تصلح بنيته ويستقيم بدنه. ولابد لكل كل مخلوق من هذا الرزق. وقد تكفل الله به لكل دابة. كما قال تعالى وما من دابة في الارض الا على الله رزقها ويعلم استقرها ومستودعها. اي فيوصل لها رزقها في اي مكان كانت في ظلمات البحار وفي جوف الارض والصخور. وفي العالم العلوي او السفلي هذا قد يكون باسباب. وقد يأتي في بعض الاوقات بلا سعي من المخلوق. وقد يكون السبب مباحا وقد يكون محرما. ولهذا قال المصنف هذا يكون من الحلال كما يكون من الحرام. وربنا رزاقه بهذا الاعتبار. اي من جهة انه اوصل اليه بقضاء وقدره. ما به يستقيم بدنه. وان كان محرما يلام عليه العبد. ولا به امر الله بل هو منهي عنه. وقوله وليس بالاطلاق اي وليس هذا الرزق الذي يكون من الحرام يسمى رزقا مطلقا. بحيث يكون رزقا تاما لا محذور فيه. وان انما يقال مطلق رزق. وبهذا يعرف الجواب عن السؤال المشهور اذا قيل هل لله على الفاجر نعمة ورحمة. وهل الله رزقه ام لا؟ فالجواب ان يقال اما النعمة المطلقة والرحمة المطلقة والرزق المطلق فان هذا مخصوص بالمؤمن المتبع لمرضاة الله فان هذه الامور تكون تامة في حقه. واما الكافر والفاجر فله من ذلك مطلق الرحمة ومطلق الرزق. فانه لولا رحمته ورزقه لما وجد. ولما استقام بدنه ولما حصل له ما يوافق هواه. وفي كلام المصنف اشارة لرد قول من قال من المعجب وغيرهم ان الحرام لا يسمى رزقا لوجود التبعة فيه. وهذا قول فاسد من لازمه ان من يقتدي بالحرام فالله لم يرزقه. وهذا مصادم لما دلت عليه النسوة ولما تقرر عند كافة بني ادم المثبتين لوجود الله فانهم متفقون على ان الله هو الرزاق وحده. كما انه الخالق وحده. وانه وما من مخلوق يخلو من رزقه. في وقت من الاوقات. ولكن الحرام لا يسمى رزقا مطلقا وانما هو مطلق رزق كما تقدم. فصل هذا ومن اوصافه القيوم قيوم في اوصافه امرا اخواني احداهما القيوم قام بنفسه والكون قام به هما اخواني فالاول استغناؤه عن غيره. والفقر من كل اليه الثاني والوصف بالقيوم ذو شأن كذا. موصوفه ايضا عقل عظيم الشأن والحي يتلوه فاوصى فالكمال لهما بسمائه قطباني فالحي والقيوم لن تتخلف. او صاف اصلا عنهما ببيان. هذا تفسير للحي القيوم. وجمعهما في غاية المناسبة. لان الله جمع بينهما في غير اية. كما قال تعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم. وعنت الوجوه للحي القيوم. وذلك انهما كما قال المصنف مشتملان على جميع في اوصاف الكمال. ومتضمنان لذلك. فانك اذا اعطيت هذين الاسمين حقا وهما من المعنى لم يتخلف عن ذلك شيء من الاسماء الحسنى والصفات العلى ذلك ان الحي هو من له الحياة الكاملة التامة. التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه والحياة الكاملة مستلزمة للسمع والبصر. والعلم والقدرة والارادة النافذة وسائر الصفات الذاتية داخلة في مسمى الحياة. واما الصفات الفعلية التي يفعلها الباري مما يتعلق بنفسه كالاستواء على العرش والنزول الى سماء الدنيا والمجيء للفصل بين عباده. والكلام وغير ذلك. ومما يتعلق مخلوقات كالخلق والرزق والاحياء والاماتة. والرحمة وانواع التدابير الالهية فانها داخلة في القيوم. لان معنى القيوم هو الذي قام بنفسه بما له من صفات الكمال ونعوت الجلال. بحيث كان مستغنيا عن غيره من جميع الوجوه الذي قام بجميع المخلوقات في ايجادها واعدادها وامدادها. فكما لا وجود لها الا بالله. فلا بقاء لها ولا صلاح الا به. فهي مفتقرة اليه في لا يمكن ان تستغني عنه طرفة عين. ومن كمال قيوميته انه كامل القوة والقدرة. نافذ الارادة والمشيئة. فعال لما يريد. قام بنفسه وقام به من سواه. فالحياة تستلزم الصفات الذاتية. والقيومية تستلزم الصفات الفعلية قال المصنف رحمه الله في مدارج السالكين في منزلة الحياة في اثناء كلام الله فيشهد قيام الكون كله بالله. وقيامه سبحانه بنفسه. فهو القائم بنفسه المقيم لكل ما سواه. فاذا رسخ قلبه في ذلك شهد الصفة المصححة لجميع صفات الكمال. وهي الحياة التي كمالها يستلزم كمال السمع والبصر والقدرة والارادة والكلام وسائر صفات الكمال. وصفة القيومية الصحيحة المصححة لجميع الافعال فالحي والقيوم من له كل صفة كمال. وهو الفعال لما يريد. انتهى هو قابض هو باسط هو خافض. هو رافع بالعدل والميم ميزان يعني انه القابض للارزاق والارواح والنفوس. الباسط للارزاق والرحمة والنفوس. وهو الخافض لاقوام الرافع لاخرين. وذلك كله عدل منه من الله وحكمة. يحمد عليه اتم الحمد واكمله. قال تعالى والله يقبض ويبسط واليه ترجعون. وقال تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده اذا بغوا في الارض. فقبضه نعمة في حق عباده المؤمنين. لانه يمنعهم به من البغي والظلم والعدوان. وقال تعالى الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. وقال تعالى اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح ارفعه. وقال تعالى بل رفعه الله اليه. وكان الله عزيزا حكيما. وان كان تعالى هو القابض الباسط الخافض الرافع قدرا وقضاء فلا يمتنع ان تكون هذه الامور باسباب من العباد. متى قاموا بها حصلت لهم وهذا هو الواقع. فان الاسباب محل حكمته وسنته الجارية التي لا تبدل ولا تغير واذا كان اعظم انواع رفعه رفعه لاوليائه الى اعلى عليين في محل قربه والدنو منه. فهذا محال ان يدرك بدون الايمان والاعمال الصالحة كما قال تعالى وما اموالكم ولا اولادكم بالتي عندنا زلفى الا من. الا من امن وعمل صالحا الاية وقال تعالى كلا ان كتاب الابرار لفي فجعل استحقاقهم لاعلى الامكنة بسبب برهم. فكل قبض وبس وخفض ورفع قدري او ديني. فانه من الله تعالى. لانفراده بالتدبير وهذه من انواع التدبير والشؤون التي يصرفها بحسب حكمته وحمده وهو المعز لاهل طاعته وذا. عز حقيقي بلا وهو المذل لمن يشاء بذلة دارين ذل شق يعني انه المعز لمن يشاء المذل من يشاء. كما قال قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع ممن تشاء وتنزع الملك من من تشاء آآ وتعز من تشاء وتذل من تشاء. والعز الحقيقي الذي هو عز ظاهر وباطن. انما يكون بالقيام بطاعته واتباع رسله والذل الحقيقي انما يكون بعدم القيام بطاعة الله. فانه وان وجد مع اهل المعاصي عز ظاهر وابهة دنيوية. فان ذلك محشو بالذل والهوان قد يشعر به صاحبه. وقد تغلب عليه السكرة فلا يشعر بذلك. كما قال الحسن رحمه الله في اهل المعاصي انهم وان طقطقت بهم البراذين وهملجت بهم البغال ان كل المعاصي قد علاهم. ابى الله الا ان يذل من عصاه. قال تعالى ومن يهن الله فما له من مكرم. فالعاصي له الذل والشقاء في الدنيا والاخرة. قال تعالى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ونحشره. ونحشره يوم القيامة اعمى واما اهل العلم والايمان فان لهم العز والسعادة في الدنيا والاخرة ولا يغترون بظاهر ما يعطاه المترفون في الدنيا. ولا يقع في نفوسهم من ذلك شيء كما قال اهل العلم والايمان لمن غبط قارون على ما اوتيه من زينة الدنيا فقالوا ويلكم ثواب الله خير لمن امن وعمل صالحا. وقال تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا. اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. اي من اراد العزة فانها كلها لله تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. هو ما معط فهذا فضله. والمنع عين العدل للمنان يعطي برحمته ويمنع من يشاء. وبحكمة والله ذو سلطان يعني انه تعالى المنفرد بالعطاء والمنع فلا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع فان اعطى فبمحض فضله واحسانه. لا بسبب من العبد ولا بتقدم واسطة وان منع فبمحض عدله وحكمته. ومن اعظم عطائه عطاء الهدى والامن والتوفيق الاعمال الصالحة. وليست بحول العبد وقوته. بل بتوفيق الله ومنه ولطفه تضعهما في المحل القابل لها الذي تصلح به. ويمنعها من المحل الذي لا يليق بها ولا تصلح به ولا تزكو عليه. وليس منعه لعبده من التوفيق منعا لحق للعبد حتى يكون ذلك ظلما. وانما هو محض فضله يمنعه ممن ليس له باهل. كما قال قال تعالى اليس الله باعلم بالشاكرين؟ وقال تعالى ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم. ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون العطاء احب الى الله من المنع. وقد فتح للعباد من ابواب رحمته وخزائن جوده وعطائه كل باب في سر لهم كل طريق يوصل الى ذلك. وامرهم بسلوكها. فمن سلكها حصل له من الجود والعطاء. ما لا يخطر بالبال ويدور في الخيال. ومن لم يسلكها بل سددون نفسه ابوابها. وسلك الطرق التي تفضي به الى الحرمان. فلا يلوم الا نفسه. والنور من اسمائه ايضا اوصى فيه سبحان ذي البرهان. قال ابن مسعود ما عنده وليل يكون ولا نهار. يوجد داني نور السماوات العلى من نوره. والارض كيف الشمس والقمران من نور وجه الرب جل جلاله وكذا حكاه الحافظ الطبرا فبه استنار العرش والكرسي مع سبع الطباق وسائر من اكواني وكتابه نور كذلك شرعه. نور كذا المبعوث بالفرقان. وكذلك الايمان في قلب الفتاة نور على نور مع القرآن. وحجابه نور فلو بل احرق السبحات للاكوان. واذا اتى للفصل وكذا وكذلك المخلوق ذو نوعين مح. سوس ومعقول هما شيء احذر تزل فتحت رجلك هوة كم قد هوى فيها الازمان من عابد بالجهل زلت رجله. فهوى الى لاحت له اثار انوار العباد الانوار فاتى بكل مصيبة وكذا الحلول الذي منها هنا حقا هما اخوان. ويقابل رجلين ذو التعطيل حجب الكثيفة ما هما سيان. ذا في بكثافة طبعه وظلامه. وبظلمة التعطيل هذا الثاني والنور محجوب فلا هذا ولا. هذا له من ظلمة يريان بسط المصنف الكلام على النور في هذا الفصل. لشدة الحاجة الى معرفة ومعرفة الفرقان فيه. وحاصل ما ذكره ان من اسمائه واوصاه وفيه النور الذي استنارت به العوالم كلها. فبنور وجهه اشرقت الظلمات واستنار العرش والكرسي مع سبع وسائر الاكوان. وكتابه نور ورسوله نور والايمان الذي في قلوب المؤمنين نور. كما قال تعالى يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم وانزلنا اليكم نورا مبينا وقال قد جاءكم من الله نورا وكتاب مبين يكاد زيتها يضيء. يكاد زيتها يضيء ولولا تمسسه نار. نور على نور. اي نور الايمان على نور القرآن على نور الفطرة. وقال تعالى واشرقت الارض بنور ربها وحجابه تعالى نور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينام ولا ينبغي له ان ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع اليه عمل الليل قبل عمله النهار وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور. لو كشفه لاحرقت سبحا وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه. رواه مسلم. وروى الطبراني عن عبد الله ابن مسعود انه قال ان ربكم عز وجل ليس عنده ليل ولا نهار نور السماوات من نور وجهه. الحديث ولهذا قال المؤلف قلت تحت الفلك يوجد ذان اي الليل والنهار لا يوجدان الا تحت الفلك الاسفل. لانهما تبع لوجود الشمس وعدمها. واما الملأ الاعلى والعالم العلوي ففي غاية السعي والنور. وقوله وكذاك دار الرب نور تلألأ. يشير الى الحديث الذي رواه ابن ماجة عن اسامة بن زيد رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه الا مشمر للجنة؟ فانها لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز ونهر مطرد وقصر مشيد. وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة. وفاكهة وخضرة وحبرة في ابد لا يزول فقال القوم نحن المشمرون لها. فقال قولوا ان شاء الله. فقال القوم ان شاء الله. ثم ذكر المؤلف ان النور نوعان. نور وصف لله وهو ما اطلقه على نفسه الكريمة في قوله الله نور السماوات والارض. وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم اعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات. وصلح عليه امر الدنيا والاخرة ان تضلني. انت الحي الذي لا يموت. والانس والجن يموتون وكما في قوله لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه اين احرق نوره وبهائه جميع المخلوقات. وكما في قوله تعالى واشرقت الارض بنور ربها. فهذا كله وصف لله تعالى ذلك كتابه تعالى نور. وكلامه صفة من صفاته. اما النور المخلوق فهو ونوعان محسوس ومعقول. فالمحسوس الذي يدرك بالحواس ويراعيان. فهو ونور الحجاب ونور الشمس والقمر والكواكب. وغير ذلك من الانوار التي تدخل في قوله وجعل الظلمات والنور. واما النور الذي لا يدرك بالحس وانما هو معقول فهو نور الايمان وشواهد الايقان. ونور المعرفة وحقائق الذكر ونور المحبة فهذا نور معقول يشرح الصدر. ويجعل صاحبه في جنة معجلة لا يشبهها شيء ولهذا قال تعالى افمن شرح الله صدره للاسلام وهو على نور من ربه. وقال تعالى مثل نوره كمشكاة وقال تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام اسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في قيام الليل وفي الخروج الى المسجد اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا. وفي بصري نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا ومن فوقي نورا. وتحتي نورا. اللهم اعطني نورا وزدني نورا. فهذا النور يقوى بحسب المعرفة وقوة المحبة. وكثرة الذكر الذي يتواطأ عليه القلب واللسان. وبحسب ما يقوم بالقلب من حقائق العبادات ثم حذر المصنف رحمه الله في هذا المقام من اغترار من اغتر من جهل المتصوفة والمتعبدة حين عملوا على الحقائق فاجتهدوا في التعبد. فاستنارت ذلك قلوبهم وعظم الوارد اليها. فظنوا بجهلهم وظلمهم ان تلك انوار الصفات للذات المقدسة. وتوهموا ان ما يجدونه في اذهانهم موجود في الخارج فباحوا بالشطح والطامات الكبرى. وادعوا انهم يشاهدون الله حقا بل ربما وصلوا الى درجة الحلول. فظنوا ان الله حال فيهم ومتصل بهم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. فالمتعبد ان لم يصحبه العلم والتمييز بين النور المخلوق وغيره طرق باب الحلول ولابد. وسبب ذلك قوة الوارد المورد وقلة العلم. فلهذا حذر المؤلف فقال احذر تزل فتحت رجلك هو اي حفرة تهوي بصاحبها الى اسفل سافلين. كم قد هوى فيها على الازمان من عابد بالجهل زلت رجله. فهوائل قعر الحضيض الداني. ثم ذكر السبب في قوله لاحت له اثار انوار العباة ظنها الانوار للرحمن. ايضا نهى نور الذات من جهله. فاتى بكل مصيبة وبلية ما شئت من شطح ومنها بيان والشطح كلام الغلو الذي يجعل لنفسه منزلة ليست له. بل ربما جعل لها من خصائص الايمان الله مطلقا. ولا ندري اخر ما يخلق الله تعالى. بل لا سبيل لاحد من الخلق الى اعلم ذلك لان الله لم يزل ولا يزال يفعل. لا مبتدأ لذلك ولا منتهى. فلا الهية شيئا. والهذيان الكلام الذي لا حاصل له. بل هو عبث وباطل. ثم قال وكذا الحلولي الذي هو خدنه. اي نظيره ومشبهه من هذا الوجه. فان المتعبد تعرض له هذه الامور في بعض الاوقات. وان كان اعتقاده اللازم مخالفا لذلك واما الحلولي فهو الذي يعتقد حلول الاله تعالى الله عن قوله. في بعض الاشخاص كدعوى النصارى حلوله في عيسى ابن مريم. ودعوى غلاة الرافضة حلوله في بعض اهل البيت ودعوى كثير من المتصوفة حلوله العامة او الخاص. فكل هذا انحراف عن الصراط المستقيم. الذي دلت عليه الكتب ودعت اليه الرسل كفر وزندقة. فهؤلاء حصل لهم الانحراف من جهة الغلو. ويقابل الرجلين اي جهلة المتعبدة والحلولية رجلان اخران. احدهما المعطل لصفات الله تعالى الذي ينفر القلوب عن معرفة ربها ومحبته والانابة اليه. فان بات الصفات شرط لذلك. وهذا يسعى في تعطيلها وتحريفها ونفي حقائقها الثابتة فهذا محجوب عن الله بتعطيله. والثاني صاحب الحجب الكثيفة. وهو الذي قد اعرض عن معرفة ربه وغفل عن ذكره واتبع هواه وكان امره فرطا قد اقبل على شهوات نفسه ولذة جسمه. فقلبه مغمور بالشهوات. مصدود من حقائق العبادات. فهذا بظلمة طبعه وشهوته ممنوع من نور القلب والانس بربها والابتهاج بمحبته. لا يصل اليه النور حتى يفرغ قلبه من الشواغل عن مباشرة حقائق الايمان اليه. ثم يجعل محبة الله هي غايته ومقصودة وارادة وجهه هي منتهى طلبه. ويجاهد نفسه على تخلقها بهذا الخلق الكامل ويستعين بربه ويلتجأ اليه. فما خاب عبد امل جوده واحسانه وتسبب لذلك بما يصل اليه قدرته. فصل وهو صفتان للافعال تابعتان. وهو ما صفات الذات ايضا اذ هما. بالذات لا بالغير قائمتان ولذاك قد غلط المقسم حين ظن ان صفاته نوعان مختلفا تاني ان لم يرد هذا ولكن قد ارى بقي مها بالفعل ذي ان كان والفعل والمفعول شيء واحد. عند المقسم ما هما شيئان فلذاك وصف الفعل ليس لديه ال. لا نسبة عدمية ببيان. فجميع اسماء الفعال لديه لي قط ثابتة ذوات معاني. موجودة لكن امور كلها نسب ترى عدمية الوجدان هذا هو التعطيل للافعال تعطي للاوصاف بالميزان تقسيم هذا مقتضى البرهان. بل مورد التقوى ذات التي للواحد الرحمن. فهما عال فهذه قسمة التبيان ما الفعل بالموصوف بالبرهان كالوصف بالمعنى سوى الافعال ماء. ان بين ذلك قط من فرقا ومن العجائب انهم ردوا على من اثبت الاسماء دون هنا معاني قامت بمن هي وصفه هذا موحى. لغير معقول من اذهان واتوا الى الاوصاف باسم الفعل قا. لو لم تقم فانظر اليهم ابطل الاصل الذي ردوا به في اقوالهم بميزان ان كان هذا ممكنا فكذاك قوم منكم ايضا فذو ان كان. والوصف بالتقديم والتأخير كو وديني هما نوعان وكلاهما امر حقيقي ونس ولا يخفى على الاذهان. والله قدر ذاك اجمعه كان من وقت قان من الرحمن. اصل ما ذكر المصنف في تفسير المقيد والمؤخر انه المقدم لمن يشاء من خلقه المؤخر له. والتقديم والتأخير نوعان كوني قدري وديني شرعي. الاول متعلق بقدرته وحكمته والثاني برحمته وقدرته وحكمته. فالاول لا يدل على رضاه ومحبته والثاني يدل على ذلك. وحاصل الاول انه المقدم لبعض المخلوقات على بعض في الخلق والرزق والتدبير. المؤخر لها في ذلك. وحاصل الثاني انه المقدم بعض عباده على بعض في العلم والايمان والفضائل الدينية وثواب ذلك. وكل من التقديم والتأخير حقيقي ونسبي. فالحقيقي ان يكون المخلوق مقدما مطلقا او مؤخرا مطلقا كون من اودينا والنسبي ان يكون ذلك بالنسبة الى ما دونه او الى ما فوقه قول المؤلف ولا يخفى المثال على اولي الاذهان. اما التقديم والتأخير النسبي فظاهر في الكون والديني. كتقديم الاب على الولد. وتقديم بعض القرون على بعض. وتأخرها عما وقبلها وكتقديم موسى في الفضل على غيره من الخلق سوى محمد وابراهيم وتأخره عنهما وكتقديم من فضل غيره بصفة دينية على المفضول وتأخره عن الفاضل واما التقديم والتأخير الحقيقي الديني فظاهر. فانه على الاطلاق محمد صلى الله عليه وسلم مقدم بالفضل على سائر الخلق. وابليس على الاطلاق مؤخر على سائر الخلق فانه شر الخليقة قطعا. واما التقديم والتأخير الكوني حقيقي فهذا لا يدري مثاله الا الله تعالى. لانا لا نعلم ما اول ما خلق فيحيط احد من الخلق بشيء من ذلك. ثم ذكر المصنف رحمه الله ان اقدم والمؤخر من صفات الافعال. وذكر الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية وانها كلها تشترك بقيامها بالله تعالى. لا فرق في ذلك بين الصفات الذاتية السمع والبصر والعلم والقدرة ونحوها. وبين الصفات الفعلية كالاستواء والنزول والكلام والخلق وانواع التدبير. فكلها قائمة بالله تعالى. لاستحالة وجود الفعل من نغير ان يتصف به الفاعل. هذا محال عقلا ونقلا ولغة. فكيف يضيف الا الى نفسه فعلا وهو قائم بغيره. هذا من ابطل الباطل. ولكن الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية من جهة ان الصفات الذاتية لا ينفك عنها. بوقت ولا حال من الاحوال. كالعلم الذي لا يمكن ان يفارقه بحال. وكالقدرة والغنى الذي هو من ذاته وكالعلو على المخلوقات ونحو ذلك. واما الصفات الفعلية فضابطها هي كل صفة تعلقت بقدرته ومشيئته. التي ان شاء فعلها وان شاء لم يفعلها على حسب ما تقتضيه الحكمة الربانية. ويعبر عنها بالافعال الاختيارية. اي المتعلقة بارادته واختياره تعالى. وذلك كالكلام فانه لم يزل ولا يزال قالوا متكلما اذا شاء وكيف شاء. لا يخلو وقت من الاوقات السابقة والاوقات اللاحقة التي لا منتهى لها ولا غاية الا وهو موصوف بانه متكلم بما يشاء كلماته الدينية وكلماته القدرية. بل لو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مدادا. فكتب بتلك الاقلام وذلك المداد. لنفد ولم تنفد كلمات الله. اذ هي غير مخلوقة ولا منتهية. وكذلك الخلق تدبير والاحسان لم يزل تعالى بذلك موصوفا وبالاحسان معروفا. ولا يزال كذلك ويدل على ذلك كل ما ورد في الكتاب والسنة. من انه قال كذا او يقول كذا او فعل كذا او يفعل كذا. مما لا يحاط بذكره لكثرته وانتشاره. ويدل على ذلك عقلا انه قد تقرر انه تعالى كامل القدرة. نافذ المشيئة لم ازل ولا يزال كذلك. ومن كان كامل القدرة تام الارادة. فكيف يخلو وقت من ان يكون معطلا عن فعله وكلامه المترتب على ذلك. وقد تقرر ايضا انه الكامل من جميع الوجوه. لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه. ومن المعلوم ان الكمال انما يكون باتصافه كل وقت. انه يقول ويفعل ما يشاء. فانا لو وفرضنا ان يكون معطلا في وقت من الاوقات عن افعاله. لكان ذلك نقصا يتعالى عنه الرب العظيم. الكامل في ذاته واوصافه وافعاله. فهذا التقسيم بين صفات الذات وصفات الافعال هو الحق الذي تدل عليه الادلة والبراهين. فليس الوصف التقسيم فانها كلها قائمة بالله قد اتصف بها. وانما مورد التقسيم ما فقد قام بذات الله من الصفات اللازمة التي لا ينفك عنها ابدا. والصفات المتعلقة بقدرته ومشيئته وهي الفعلية. ثم انكر المصنف على من قسمها غير هذا التقسيم ممن ينتسب الى الاشعري وغيره من اهل الكلام. انه لم يرد ما ذكره من هذا التقسيم بل ارادوا ان صفات الافعال لم تقم بالله ولم يتصف بها. وزعموا ان ذلك يقتضي حلولا حوادث في ذات الله. فنفوا بهذا اللفظ كل صفة فعلية. فانكر استواءه على عرشه ونزوله الى السماء الدنيا وافعاله التي يوجدها شيئا فشيئا. وبنوا على هذا ان الكلام عبارة عن المعنى النفسي القديم الذي لا يعقل. ونفوا ان يكون متكلما في كل لوقت بما شاء واذا شاء. وهذا التعطيل لافعال الله نظير تعطيل الجهمية ومن تبعهم لجميع صفات الله الذاتية والفعلية. ولا فرق بين الامرين. ولهذا تعجب المصنف من الاشعرية الذين اثبتوا الصفات الذاتية وانكروا غاية الانكار على الجهمية الذين اثبتوا الاسماء دون المعاني والصفات. وحقيق بهم ان ينكروا عليهم. فان اثبات اتى الاسماء دون المعاني باطل عقلا ونقلا. ولكن الاشعرية نقضوا اصلهم الذي ردوا به على الجهمية في صفات الافعال. وعطلوا الافعال التي وصف الله بها نفسه. ووصفه بها رسوله. فتناقضوا في هذا الاصل. فاستطالت عليهم الجهمية. بما سلموه لهم من الاصل الذي نفوا به الافعال لله. وقالوا الفعل هو المفعول. فحرفوا نصوص الكتاب والسنة ونزلوها على هذا الاصل الذي اصلوه. وهو ان الفعل هو المفعول وهذا باطل في الشرع لمنافاته له. فاسد في العقل. لانه محال ان يوجد مفعول بدون فعل متصف به الفاعل. ولهذا الزمهم المؤلف انه ان كان هذا ممكنا على الفرض والتقدير. فكذلك قول خصومكم الجهمية. في اصلهم الذي ردوا به صفات الله يكون ممكنا. وان كان قول خصومكم باطلا فقولكم ايضا باطل. اذ لا فرق بينهما بوجه من الوجوه. وقول المؤلف في حكايته لقولها هذه الطائفة فلذاك اي لاجل ان الفعل والمفعول شيء واحد عندهم ليس وصف الفعل عندهم الا نسبة عدمية الوجدان. اي تنسب اليه باللفظ وهي مفقودة فيه وهكذا سائر صفات الافعال. وهل اعظم من هذا التعطيل؟ وابطل من قول يلزم منه تعطيل الافعال عن فاعل لها. وتعطيل الكلام عن المتكلم فيه. فالوصف بالفعل يستدعي قيام بالموصوف قطعا. والذي اوجب لهذه الطائفة النافية لصفات افعاله انهم ظنوا ان اثباتها يقتضي الحدوث لها. فاذا كانت حادثة كان من قامت به حادثا ايضا هذا غير لازم لاثباتها. فانه لم يزل ولا يزال موصوفا بالقدرة الكاملة. على الاقوال الافعال ومشيئته ايضا نافذة لا مانع لها بوجه من الوجوه. وحدوث افعاله واقواله اله شيئا فشيئا لا محظور فيه. بل هو الكمال كما تقدم. قال شيخ الاسلام ابن تيمية واما قول القائل لو قامت به الافعال لكان محلا للحوادث والحادث ان اوجد له كمالا فقد عدمه قبله وهو نقص. وان لم يوجب له كمالا لم يجز وصفه به. فيقال اولا هذا معارض بنظيره من الحوادث التي يفعلها فان كليهما حادث بقدرته ومشيئته. وانما يفترقان في المحل. وهذا تقسيم وارد على الجهتين. وان قيل في الفرق المفعول لا يتصف به. بخلاف الفعل القائم قيل في الجواب بل هم يصفونه بالصفات الفعلية ويقسمون الصفات الى فعلية ونفسية فيصفونه بكونه خالقا رازقا بعد ان لم يكن كذلك. وهذا التقسيم وارد عليهم وقد اورده عليهم الفلاسفة في مسألة حدوث العالم. فزعموا ان صفات الافعال ليست صفات كمال ولا نقص. فيقال لهم كما قالوه لهؤلاء في الافعال التي تقوم به انها ليست كمالا ولا نقصا. فان قيل لا بد ان يتصف اما بنقص او كمال. قيل لابد ان يتصف من الصفات الفعلية اما بنقص واما بكمال. فان جاز ادعاء خلو احدهما عن القسمين امكن الدعوة في الاخر مثله. والا فالجواب مشترك. واما فلسفة فيقال لهم القديم لا تحله الحوادث. ولا يزال محلا للحوادث عندكم فليس القدم مانعا من ذلك عندكم. بل عندكم هذا هو الكمال الممكن الذي لا يمكن غيره وانما نفوه عن واجب الوجود لظنهم عدم اتصافه به. وقد تقدم التنبيه على ابطال ولقولهم في ذلك لا سيما وما قامت به الحوادث المتعاقبة. يمتنع وجوده عن علة تامة ازلية موجبة لمعلولها. فان العلة التامة الموجبة يمتنع ان يتأخر عنها مع طولها او شيء من معلولها. ومتى تأخر عنها شيء من معلولها؟ كانت علة له بالقوة بالفعل واحتاج مصيرها علة بالفعل او بسبب اخر. فان كان المخرج له ها من القوة الى الفعل هو نفسه صار فيه ما هو بالقوة هو المخرج له الى الفعل. وذلك يستلزم ان يكون قابلا وفاعلا. وهم يمنعون ذلك الامتناع الصفات التي يسمونها التركيب وان كان المخرج له غيره كان ذلك ممتنعا بالضرورة والاتفاق. لان ذلك ينافي وجوب الوجود. ولانه يتضمن الدور المعي والتسلسل في المؤثرات. وان كان هو الذي وفاعلا للمعين بعد ان لم يكن امتنع ان يكون علة تامة ازلية. فقدم شيء من العالم مستلزم كونه علة تامة في الازل. وذلك يستلزم الا يحدث عنه شيء بوسط وهذا مخالف للمشهود. ويقال ايضا ثانيا في ابطال قوله من جعل حدوث الحوادث ممتنعا. هذا مبني على تجدد هذه الامور بتجدد الاضافات الاحوال والاعدام. فان الناس متفقون في تجدد هذه الامور. وفرق الامدي بينهما من جهة اللفظ. فقال هذه حوادث وهذه متجددات. والفروق اللفظية لا تؤثر في الحقائق العلمية. فيقال تجدد هذه التجددات ان اوجب له كمالا فقد عدمه انه قبله وهو نقص. وان اوجب له نقصا لم يجز وصفه به. ويقال ثالثا الكمال الذي يجب اتصافه به هو الممكن الوجود. واما الممتنع فليس من الكمال الذي يتصف به موجود والحوادث المتعلقة بقدرته ومشيئته يمتنع وجودها جميعا في الازل فلا يكون انتفاؤها في الازل نقصا. لان انتفاء الممتنع ليس بنقص. ويقال رابعا دعاء اذا قدر ذات تفعل شيئا بعد شيء. وهي قادرة على الفعل بنفسها. وذات لا يمكنها ان تفعل بنفسها شيئا. بل هي كالجماد الذي لا يمكنه بحال ان يتحرك. كانت الاولى اكمل من الثانية. فعدم هذه الافعال نقص بالضرورة. اما وجودها بحسب الامكان فهو الكم ويقال خامسا لا نسلم ان عدم هذه مطلقا نقص ولا كمال ولا ان وجودها مطلقا نقص ولا كمال. بل وجودها في الوقت الذي اقتضته مشيئته وقدرته وحكمته وجودها فيه هو الكمال. ووجودها بدون ذلك نقص. وعدمها مع اقتضاء الحكمة عدمها كمال. ووجودها حيث اقتضت الحكمة وجودها هو الكمال. واذا كان الشيء واحد يكون وجوده تارة كمالا وتارة نقصا. وكذلك عدمه بطل التقسيم المطلق وهذا كما ان الشيء يكون رحمة بالخلق اذا احتاجوا اليه كالمطر. ويكون عذابا اذا ضرهم فيكون انزاله عند حاجتهم رحمة واحسانا من المحسن الرحيم. المتصف بالكمال ولا يكون ترك انزاله حيث يضرهم نقصا. بل هو ايضا رحمة واحسان. فهو محسن بالوجود حي كان رحمة وبالعدم حيث كان العدم رحمة. انتهى كلامه رحمه الله وقد برهن فيه بالدليل العقلي ما به يتبين الحق المبين. فجزاه الله خيرا واحسن اليه الجزاء والمقصود انه تبارك وتعالى هو المقدم المؤخر قدرا وشرعا. تقديما وتأخيرا تابعا لحكمته وحمده تعالى. فصل اعلم ان المصنف رحمه الله قد استوفى معظم شرح الاسماء الحسنى المذكورة في الكتاب. وما لم يذكره منها فان ذكر نظيره او ما يدل عليه ويستلزمه. فانه لم يذكر المتين وهو في معنى القوي القدير. ولم يذكر الاعلى وهو في معنى العلو. ولم يذكر الرحمن الرحيم الكريم الرؤوف وهي في معنى البر الجواد الوهاب. ولم يذكر الرب والله والملك والمالك. وقد البدائع انها متضمنة لكثير من الاسماء الحسنى فقال الرب هو القادر الخالق البارئ المصور الحي القيوم العليم السميع البصير. المحسن المنعم الجواد المعطي المانع الضار النافع المقدم المؤخر. الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء. ويسعد من يشاء ويشقي من يشاء. ويعز من يشاء ويذل من يشاء. الى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الاسماء الحسنى. واما الملك فهو الامر المعز المذل. الذي يصرف امور عباده كما يحب. ويقلبهم كما يشاء من معنى الملك ما يستحقه من الاسماء الحسنى. كالعزيز الجبار المتكبر الحكم العدل حافظ الرافع المعز المذل العظيم الجليل الكبير. الحسيب المجيد الوالي المتعالي ما لك الملك المقسط الجامع الى غير ذلك من الاسماء العائدة الى الملك. واما الاله فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال. فتدخل في هذا الاسم جميع الاسماء الحسنى ولهذا كان القول الصحيح ان الله اصله الاله. كما هو قول سيبويه وجمهور اصحابه الا من شذ منهم. وان اسم الله تبارك وتعالى هو الجامع لجميع معاني الاسماء الحسنى العلا فقد شملت هذه الاسماء الثلاثة جميع معاني اسمائه الحسنى. انتهى فصل هذا ومن اسمائه ما ليس يفى وهي التي تدعى بمزدوجات افرادها خطر على الانسان. اذ ذاك موهم نوعا معطي الذي هو نافع وكماله الامران طيروا هذا القابض المقرون بس. من الباسط اللفظان مقترنان وكذا المعز مع المذل وخافض. مع رافع لفظان مزدوجان وحديث افراد اسم منتقم فموا. قوف كما ما جاء في القرآن غير مقيد. بالمجرم قال المصنف في بدائع الفوائد اسماؤه تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره. وهو غالب الاسماء. كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم. وهذا يسوغ ان يدعى به مفردا او مقترنا بغيره. فتقول يا عزيز يا حكيم يا غفور يا رحيم. وان يفرد كل اسم. وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه به فيصوغ لك الافراد والجمع. ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده. بل مقرونا بمقابله كالمانع والضار والمنتقم. فلا يجوز ان يفرد هذا عن مقابله. فانه مقرون المعطي والنافع والعفو. فهو المعطي المانع الضار النافع. العفو المنتقم المعز المذل لان الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله. لانه يراد به انه المنفرد بالرب وتدبير الخلق والتصرف فيهم. عطاء ومنعا ونفعا وضرا وعفوا وانتقاما واما ان يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والاضرار فلا يسوغ. فهذه الاسماء المزدوجة يجري الاسمان منها مجرى الاسم الواحد. الذي يمتنع فصل حروفه عن بعض. فهي وان تعددت جارية مجرى الاسم الواحد. ولذلك لم تجئ مفرده. ولم تطلق عليه الا مقترنة فاعلمه فلو قلت يا مذل يا ضار يا مانع او اخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه ولا حامدا له حتى مسألة اسمائه هل هي توقيفية؟ او يجوز ان يطلق عليه منها ما لم يرد به السمع ثامن ان الاسم اذا اطلق عليه جاز ان يشتق منه المصدر والفعل. فيخبر به عنه فعلا ومصدرا اتذكر مقابله؟ هذا كلامه رحمه الله. وهو شرح لهذه الابيات التي ذكرها هنا وقوله ولم تطلق عليه الا مقترنه. وهنا قال وحديث افراد اسم منتقم فموقوف كما قاله اهل المعرفة. فان الثابت في الصحيحين ان لله تسعة اسماء من احصاها دخل الجنة. ولم يذكر عددها. وانما ذكرت في رواية الترمذي مرفوعة وموقوفة والموقوف اصح. فاذا كان موقوفا لم ينقض هذه القاعدة. واما اما مجيء المنتقم في القرآن فانه لم يطلق عليه اطلاقا. وانما قيده الله بالانتقام من مجرمين في قوله انا من المجرمين منتقمون. وجاء في القرآن بلفظ ذو نوعان يحتمل انه في موضعين. ويحتمل انه نوعان اي نوع مقيد بالمجرمين ومرة لم يقيد بذلك. كما في قوله تعالى والله عزيز ذو انتقام وقال تعالى ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز انتقام. وقال تعالى فانتقمنا منهم فاغرقناهم في اليم وقال فانتقمنا من الذين اجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين فصل ودلالة اسماء انواع فلا كلها معلومة ببيان دلت مطابقة كذا كتضمنا وكذا التزاما واضح البرهان. اما مطابقة الدلالة فهي ان ان الاسم يفهم منه مفهوما. ذات الاله وذلك الوصف الذي يشتق منه الاسم بالميزان. لكن دلالته على احداهما بتضمن فافهمه فهم بيان. وكذا دلالته على الصفة التي مشتق منها فالتزام داني. واذا اردت لذا مثالا بين ذات الاله ورحمة فهما لهذا اللفظ مدلولان. احداهما بعض لذا الموضوع يتضمن ذا واضح التبيان. لكن وصف الحي لازم ذلك معنا لزوم العلم للرحمن. فلذا دلالته عليه بالتزام اه من بين والحق ذو تبيان. هذه القاعدة التي ذكرها المصنف ليست خاصة بدلالة الاسماء الحسنى على معانيها. بل عامة في جميع الالفاظ بالنسبة مدلولاتها وضابط ذلك ان الدلالة نوعان لفظية وعقلية. فاللفظية اما ان تعطي الالفاظ كلما تناولته من المعاني والاوصاف. فتسمى دلالة مطابقة لان اللفظ طابق المعنى من غير زيادة ولا نقص. واما ان تعطي الالفاظ بعض ما تناولته من فتسمى دلالة تضمن. لان المعنى بعض اللفظ وداخل في ضمنه. واما دلالة العقلية فهي خاصية العقل والفكر. لعدم دلالة اللفظ بمجرده عليها وانما ينظر العقل في ذلك المعنى الذي دل عليه اللفظ. وما يلزمه من المعاني الخارجية. وما ما يشترط له من الشروط التي لا يتم بدونها. فهذه قاعدة اصولية تجري في جميع الالفاظ وتعتبر في كل موضع. وذكر المصنف هنا منها ما يتعلق بالاسماء الحسنى فاخبر ان الاسم من اسمائه الكريمة ان دل على الذات الالهية والوصف الذي اشتق منها فدلالة دلالة مطابقة. وان دل على احد الامرين اما الذات وحدها او الصفة وحدها فدلالته دلالة حالة تضمن وان دل على صفة اخرى لازمة لما دل عليه فدلالة التزام ومثال ذلك من الاسماء الحسنى لفظة الرحمن. فان دلالته على ذات الاله وعلى رحمته الواسعة دلالة مطابقة. ودلالته على الذات وحدها او على الرحمة وحدها دلالة تضمن ودلالته على الحياة الكاملة وعلمه المحيط دلالة التزام. لانه لا توجد الرحمة من دون الراحم وعلمه بحال المرحوم وما يوصل اليه من الرحمة. وكذلك ما تقدم من استلزام الملك جميع صفات الملك الكامل. الذي لا يتم بدونها. واستلزام الرب جميع صفات ربوبية واستلزام الاله جميع صفات الالهية. وكثير من اسمائه الحسنى يستلزم عدة اوصاف كالكبير والعظيم والمجيد والحميد والصمد. وحيث ذكر المصنف هذه القاعدة المتعلقة باسمائه الحسنى فلنضف الى ذلك عدة قواعد. تتعلق بالاسماء والصفات تتميما للفائدة ايه ده! ذكرها في بدائع الفوائد. قال رحمه الله فائدة جليلة. ما يجري في صفة او خبرا على الرب تبارك وتعالى اقسام. احدها ما يرجع الى نفس الذات كقولك ذات وموجود وشيء. الثاني ما يرجع الى صفاته ونعوته. كالعليم والقدير والسميع الثالث ما يرجع الى افعاله كالخالق والرازق. الرابع ما يرجع الى التنزيه المحض ولابد من تضمنه ثبوتا. اذ لا كمال في العدم المحض كالقدوس السلام. الخامس ولم يذكره اكثر الناس وهو الاسم الدال على جملة اوصاف عديدة. لا يختص بصفة معينة بل دال على معاني لا على معنى مفرد. نحو المجيد العظيم الصمد. فان المجيد من انه من اثار التوحيد وثمراته. كما انه كل شر في الدنيا والاخرة فمن اثاري ترك التوحيد. ثم فسر المؤلف الاخلاص والمتابعة فقال وحقيقة من اخلاص توحيد المراء يزاحمه مراد فاني. لا وصف بصفات متعددة. من صفات الكمال ولفظه يدل على هذا. فانه موضوع للسعة كثرة والزيادة. ومنه استمجد المرخ والعفار. وامجد الناقة علفا. ومنه رب العرش المجيد صفة للعرش لسعتيه وعظمته وشرفه. وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترنا بالصلاة من الله على رسوله. كما علمناه صلى الله عليه وسلم. لانه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه. فاتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه كما تقول اغفر لي وارحمني انك انت الغفور الرحيم. ولا يحسن انك انت السميع العليم المصير فهو راجع الى التوسل اليه باسمائه وصفاته. وهو من اقرب الوسائل واحبها الى يا الله ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي الظوا بيا ذا الجلال والاكرام. ومنه اللهم اني اسألك بان لك الحمد لا اله الا انت المنان بديع السماوات والارض يا يا ذا الجلال والاكرام. فهذا سؤال له وتوسل اليه بحمده. وانه لا اله الا هو المنان فهو توسل اليه باسمائه وصفاته. وما احق ذلك بالاجابة. واعظمه موقعا عند المسؤول وهذا باب عظيم من ابواب التوحيد. اشرنا اليه اشارة. وقد فتح لمن الله. فلنرجع الى المقصود وهو وصفه تعالى بالاسم المتضمن لصفات عديدة فالعظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال. وكذلك الصمد. قلت وقد تقدم ذلك في ثم قال السادس صفة تحصل من اقتران احد الاسمين والوصفين اخر وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو الغني الحميد. الغفور القدير الحميد المجيد وهكذا عامة الصفات المقترنة. والاسماء المزدوجة في القرآن. فان الغنى صفتك والحمد كذلك. واجتماع الغنى مع الحمد كمال اخر. فله ثناء من غناه وثناء من حمده وثناء من اجتماعهما. وكذلك العفو القدير والحميد المجيد والعزيز الحكيم فتأمله فانه من اشرف المعارف. واما صفات السلب المحض فلا تدخل في اوصافه تعالى الا ان تكون متظمنة لثبوت. كالاحد المتظمن لانفراده بالربوبية والالهية والسلام المتضمن لبرائته من كل نقص يناقض كماله. وكذلك الاخبار عنه بالسلوك ولتضمنها ثبوتا. كقوله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم. فانه متضمن لكمال حياته وقيوميته. وكذلك قوله تعالى وما مسنا من لغوب متضمن لكمال قدرته. وكذلك وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء متضمن لكمال علمه. وكذلك قوله تعالى لم يلد ولم يولد متضمن لكمال صمديته وغناه. وكذلك قوله ولم يكن له كفوا احدا متضمن لتفرده بكماله وانه لا نظير له. وكذلك قوله لا لا تدركه الابصار. متضمن لعظمته. وانه جل عن ان يدرك بحيث يحاط به وهذا مطرد في كل ما وصف به نفسه من السلوب. ويجب ان يعلم هنا امور احدها ان ما يدخل في باب الاخبار عنه تعالى اوسع مما يدخل في باب اسمائه فاتح كالشيء والموجود والقائم بنفسه. فان هذا يخبر به عنه. ولا يدخل في باب اسمائه الحسنى وصفاته العلى. الثاني ان الصفة اذا كانت منقسمة الى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في اسمائه. بل يطلق عليه منها كمالها. وهذا كالمريد والصانع والفاسد علم فان هذه الالفاظ لا تدخل في اسمائه. ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الاطلاق بل هو الفعال لما يريد. فان الارادة والفعل والصنع منقسمة. ولهذا انما اطلق على نفسه من ذلك اكمله فعلا وخبرا. الثالث انه لا يلزم من الاخبار عنه فعل مقيدا ان يشتق له منه اسم مطلق. كما غلط فيه بعض المتأخرين. فجعل من المضل الفاتن الماكر. تعالى الله عن قوله فان هذه الاسماء لم يطلق عليه سبحانه منها الا افعال مخصوصة معينة. فلا يجوز ان يسمى باسمائها المطلقة الرابع ان اسمائه الحسنى هي اعلام واوصاف. والوصف فيها لا ينافي بخلاف اوصاف العباد فانها تنافي علميتهم. لان اوصافهم مشتركة وفائدتها العلمية محضة بخلاف اوصافه تعالى. الخامس ان الاسم من اسمائه له دلالات. دلالة على الذات والصفة بالمطابقة. ودلالة على احدهما بالتضمن. ودلالة كن على الصفة الاخرى باللزوم. السادس ان اسماءه الحسنى لها اعتباران. اعتبار من حيث واعتبار من حيث الصفات. فهي بالاعتبار الاول مترادفة. وبالاعتبار الثاني متباينة السابع ما يطلق عليه في باب الاسماء والصفات توقيفي. وما يطلق عليه في الاخبار لا يجب ان يكون توقيفيا. كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه. فهذا فصل الخطاب في نحو السميع البصير القدير. يطلق عليه منه اسم السمع والبصر والقدرة. ويخبر عنه افعال من ذلك نحو قد سمع الله فقدرنا فنعم القادرون. هذا ان كان الفعل متعديا. فان كان لازما لم يخبر عنه به. نحو الحي. بل يطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل فلا يقال حي. التاسع ان افعال الرب تعالى صادرة عن اسمائه وصفاته واسماء المخلوقين صادرة عن افعالهم. فالرب تعالى فعاله عن كماله والمخلوق كماله عن فعاله. فاشتقت له الاسماء بعد ان كمل بالفعل. والرب تعالى لم يزل اميلا فحصلت افعاله عن كماله. لانه كامل بذاته وصفاته. فافعاله صادرة عن كماله كمل ففعل. والمخلوق فعل فكمل الكمال اللائق به. العاشر احصاء الاسماء الحسنى والعلم بها اصل للعلم بكل معلوم. فان المعلومات سواه اما ان تكون خلقا له وتعالى او امرا اما علم بما كونه او علم بما شرعه. ومصدر الخلق والامر عن وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه. فالامر كله مصدره عن اسمائه الحسنى. ولهذا كله حسن. لا يخرج عن مصالح العباد والرأفة والرحمة بهم والاحسان اليهم بتكميلهم بما امرهم به ونهاهم عنه. فامره كله مصلحة وحكمة ورحمة ولطف واحسان. اذ مصدره اسماؤه الحسنى. وفعله كله لا يخرج عن العدل والحكمة والمصلحة والرحمة. اذ مصدره اسماؤه الحسنى. فلا في خلقه ولا عبث. ولم يخلق خلقه باطلا ولا عبثا ولا سدى. وكما ان فكل موجود سواه بايجاده فوجود من سواه تابع لوجوده. فالعلم باسمائه واحصائه اصل لسائر العلوم. فمن احصى اسماءه كما ينبغي للمخلوق احصى جميع العلوم اذ احصاء اسمائه اصل لاحصاء كل معلوم. لان المعلومات هي من مقتضياتها ومرتبطة بها فتأمل صدور الخلق والامر عن علمه وحكمته تعالى. ولهذا لا تجد فيها خللا ولا تفاوتا. لان الخلل الواقع فيما يأمر به العبد او يفعله. اما ان يكون لجهله به او ولعدم حكمته. واما الرب تعالى فهو العليم الحكيم. فلا يلحق فعله ولا امره ولا تفاوت ولا تناقض. الحادي عشر ان اسمائه كلها حسنى. ليس فيها قسم غير ذلك اصلا. وقد تقدم ان من اسمائه ما يطلق عليه باعتبار الفعل. نحو الخالق للرازق والمحيي والمميت. وهذا يدل على ان افعاله كلها خيرات محضة لا شر فيها لانه لو فعل الشر لاشتق له منه اسم. ولم تكن اسماؤه كلها حسنى. وهذا باطل فالشر ليس اليه. فكما لا يدخل في صفاته ولا يلحق في ذاته. فلا يدخل في افعاله. فالشر ليس اليه لا يضاف اليه فعلا ولا وصفا. وانما يدخل في مفعولاته وفرق بين الفعل والمفعول. فالشر قائم بمفعوله المباين له. لا بفعله الذي هو فعله فتأمل هذا فانه خفي على كثير من المتكلمين. وزلت فيه اقدام وضلت فيه افهام. وهدى الله اهل الحق لما اختلفوا فيه من الحق باذنه. والله يهدي من يشاء تأوي الى صراط مستقيم. الثاني عشر في بيان مراتب احصاء اسماء الله تبارك وتعالى التي من احصاها دخل الجنة هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح. المرتبة الاولى احصاء الفاظها وعددها. المرتبة الثانية فهم معانيها ومداركها ومدلولها المرتبة الثالثة دعاؤه بها. كما قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها. وهو مرتبتان احداهما دعاء ثناء وعبادة. والثانية دعاء طلب ومسألة ولا يثنى عليه الا باسمائه الحسنى وصفاته العلى. ولذلك لا يسأل الا بها فلا يقال يا موجود او يا شيء او يا ذاك اغفر لي وارحمني. بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب. فيكون السائل متوسلا اليه بذلك الاسم. ومن تأمل ادعية الرسل ولا سيما خاتمهم وامامهم. صلوات الله وسلامه عليهم. وجدها مطابقة لهذا الى ان قال الثالث عشر اختلف النظار في الاسماء التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي والسميع والبصير والعليم والعزيز والملك ونحوها. فقالت طائفة من المتكلمين هي حقيقة في العبد مجاز في الرب. وهذا قول غلاة الجهمية. وهو اخبث الاقوال الثاني مقابله وهو انها حقيقة في الرب مجاز في العبد. وهذا قول ابي العباس الناشئ الثالث انها حقيقة فيهما. وهذا قول الاكثرين وهو الصواب واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها حقيقة فيهما. وللرب تعالى منها ما يليق وبجلاله وللعبد منها ما يليق به. وليس هذا موضع التعرض لمأخذ هذه الاقوال وابطال باطلها وتصحيح صحيحها. فان الغرض الاشارة الى امور ينبغي معرفتها في هذا الباب ولو كان المقصود بسطها لاستدعت صفرين او اكثر. الرابع عشر ان الاسم والصفة من هذا له ثلاثة اعتبارات. اعتبار من حيثه مع قطع النظر عن تقييده بالرب او بالعبد الاعتبار الثاني اعتباره مضافا الى الرب مختصا به. الثالث اعتباره مضافا الى العبد مقيدا به. فما لزم الاسم لذاته وحقيقته كان ثابتا للرب والعبد وللرب منه ما يليق بكماله. وللعبد ما يليق به. وهذا كاسم السميع الذي يلزمه ادراك المسموعات. والبصير الذي يلزمه رؤية المبصرات. والعليم القدير وسائر الاسماء. فان شرط صحة اطلاقها حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها كما لزم هذه الاسماء لذاتها. فاثباته للرب تعالى لا محذور فيه بوجه. بل يثبت له على وجه لا يماثل فيه خلقه ولا يشابههم. فمن نفاه عنه لاطلاقه على المخلوق الحد في اسمها ايه؟ وجحد صفات كماله. ومن اثبته على وجه يماثل فيه خلقه فقد شبهه بخلقه وما لزم الصفة لاضافتها الى العبد وجب نفيه عن الله. كما يلزم حياة العبد من والسنة. والحاجة الى الغذاء ونحو ذلك. وكذلك ما يلزم ارادته من حركة نفسه في جلب ما ينتفع به ودفع ما يتضرر به. وكذلك ما يلزم من علوه من احتياجه الى ما هو عال عليه وكونه محمولا به مفتقرا اليه محاطا به. كل هذا يجب نفيه عن القدوس السلام تبارك وتعالى. وما لزم الصفة من جهة اختصاصه تعالى بها انه لا يثبت للمخلوق بوجه. كعلمه الذي يلزمه القدم والوجوب. والاحاطة بكل معلوم وقدرته وارادته وسائر صفاته. فانما يختص به منها لا يمكن اثباته للمخلوق فاذا احط بهذه القاعدة خبرا وعقلتها كما ينبغي خلصت من الافتين اللتين اصل بلاء المتكلمين. افة التعطيل وافة التشبيه. فانك اذا وفيت هذا المقام حقا وهو من التصور اثبت لله الاسماء الحسنى والصفات العلى حقيقة. فخلصت من التعطيل ونفيت عنها خصائص المخلوقين ومشابهتهم. فخلصت من التشبيه فتدبر هذا الموضع واجعله جنتك التي ترجع اليها في هذا الباب. والله الموفق للصواب. الخامس عشر متى قامت بموصوف لزمها اربعة امور. امران لفظيان وامران معنويان. فاللفظيان ثبوتي وسلبي. فالثبوتي ان يشتق للموصوف منها اسم. والسلبي ان يمتنع الاشتقاق لغيره والمعنويان ثبوتي وسلبي. فالثبوتي ان يعود حكمها الى الموصوف ويخبر بها عنه والسلبي الا يعود حكمها الى غيره ولا يكون خبرا عنه. وهذه قاعدة عظيمة في معرفة الاسماء والصفات. فلنذكر من ذلك مثالا واحدا وهي صفة الكلام. فان انها اذا قامت بمحل كان هو المتكلم دون من لم يقم به. واخبر عنه بها وعاد حكمها اليه دون غيره. فيقال قال وامر ونهى ونادى وناجى. واخبر وخاطب وتكلم وكلم ونحو ذلك. وامتنعت هذه الاحكام لغيره. فيستدل بهذه الاحكام والاسماء على قيام الصفة به وسلبها عن غيره على عدم قيامها به. وهذا هو اصل اهل السنة الذي به على المعتزلة والجهمية. وهو من اصح الاصول طردا وعكسا. السادس عشر ان الاسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تحد بحد. الى اخر ما ذكره مما تقدم مضمونه. ومما سيأتي تتمته في الفصل بعده. فصل في بيان حقيقة الالحاد في اسماء رب العالمين وذكر انقسام الملحدين. والمقصود من هذا الفصل حفظ اسماء الله واوصافه عن ان او تغير او ينقص منها شيء. او يبخس من كمال شيء من اوصافه. او تعطل او تمثل ولهذا ذكر الاصل الجامع في هذا بقوله. اسماؤه اوصاف مدح كلها مشتقة قد حملت لمعاني. يعني ان اسمائه كلها اوصاف مدح وحمد وثناء وهي مشتقة من معانيها ثابتة له حقائقها. ولذلك كانت حسنا فلو كانت اعلاما محضة لم تكن حسنا. ولو كانت دالة على نقص او بعضها دالا على ذلك. لم ما كانت كلها حسنى. ولهذا اذا كان الوصف محتملا للمدح ولغيره لم يدخل بمطلقه في اوصى في الله واسمائه. كالمريد والصانع والفاعل ونحو ذلك. قال المصنف في الثامن عشر ان الصفات ثلاثة انواع صفات كمال وصفات نقص وصفات لا تقتضي كمالا ولا نقصا. وان كانت التسمية التقديرية تقتضي قسما رابعا. وهو ما يكون كما ونقصا باعتبارين. والرب تعالى منزه عن الاقسام الثلاثة. وموصوف بالقسم الاول فصفاته كلها صفات كمال محض. فهو موصوف من الصفات باكملها. وله من الكمال اكملها وهكذا اسماؤه الدالة على صفاته هي احسن الاسماء واكملها. فليس في الاسماء احسن منها ولا يقوم غيرها مقامها. ولا يؤدي معناها. وتفسير الاسم منها لغيرها ليس تفسيرا بمراد في المحض وهو على سبيل التقريب والتفهيم. واذا عرفت هذا فله تعالى من كل صفة كمال احسن اسم واكمله واتمه معنى. وابعده وانزهه عن شائبة عيب او نقص انتهى اياك والالحاد فيها انه كفر معاذ وحقيقة الالحاد فيها الميل اشراك اطيل والنكران. فالملحدون اذا ثلاث طوائف. فعليهم غضب من الرحمن بين ان اسمائه تعالى كلها اوصاف مدح حذر مما ينافي ذلك وهو الالحاد. واخبر انه كفر كما قال تعالى. ولله اسماء الحسنى فادعوه بها. وذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون. وانما كان الالحاد فيها كفرا. لانه رد لما اخبر الله به ورسوله. من صفات الله المقدسة ونعوته الكاملة. بالميل فيها بالاشراك فيها وجعلها له ولغيره. كما يفعله المشركون او نفي معانيها حقائقها كما يفعله المعطلة. او انكارها كاملة كما يفعله الزنادقة. ولهذا اخبر ان الملحدين منقسمون الى ثلاثة اقسام. وهم حل عليهم غضب الله وعذابه. قال في بدائع الفوائد العشرون وهو الجامع لما تقدم من الوجوه. وهو معرفة الالحاد في حتى لا يقع فيها. قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فدعوه بها وذروا الذين يلحدون فيجزون ما كانوا يعملون. والالحاد فيها هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها. عن الحق الثابت لها. وهو مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادة الاحد. فمنه اللحد وهو الشق في جانب القبر. الذي قد مال عن الوسط ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق الى الباطل. قال ابن السكيت الملحد المائل عن الحق المدخل فيهما ليس منه. ومنه الملتحد وهو مفتعل من ذلك. وقوله تعالى ولن تجد من دونه ملتحدا. اي من تعدل اليه وتهرب اليه وتلتجئ اليه وتبتهل اليه فتميل اليه عن غيره. تقول العرب اتحد فلان الى فلان اذا عدل اليه اذا عرف هذا فالالحاد في اسمائه تبارك وتعالى انواع. ان يسمى الاصنام بها ولتسميتهم اللات من الالهية. والعزى من العزيز وتسميتهم الصنم الها. وهذا الحاد حقيقة فانهم عدلوا باسمائه الى اوثانهم والهتهم الباطلة. ولهذا قال هنا المشركون لانهم سموا بها. اوثانهم قالوا اله ثاب هم شبهوا المخلوق بالخلاق عك. سمشبه الخلاق اي يدخل في الالحاد في اسماء الله من جهة التشريك في التسمية المشركون الذين كل مخلوقات الناقصات من جميع الوجوه. بالخالق الرب العظيم الكامل من كل وجه اسموها الهة ونحلوا لها من اسماء الله ما نحلوا. كما تقدم. ويدخل فيه ايضا مشبهة من غلاة الرافضة واليهود. الذين شبهوا الخالق تعالى بالمخلوق. فحملوا ما جاءت به نصوص الانبياء من اوصاف كماله. على ما يعقلونه من صفات المخلوقين. واعطوا صفات خصائص صفات المخلوقين. وهذا من اعظم الالحاد في اسمائه واياته. وكذا اهل الاتحاد فانهم اخوانهم من اقرب الاخوان اعطوا الوجود جميعه اسماءه اذ كان عين الله ذا السلطان اخواني والمشركون اقل شركا منهم. هم خصصوا ذا الاسم بالاول ولذاك كانوا اهل شرك عندهم. لو عمموا ما كان من كفران. اي وكذلك يدخل في هؤلاء الملحدين الذين شركوا بين المخلوقين الخالق ببعض الصفات اهل الاتحاد. الذين عم شرهم وطغى كفرهم. وتلطفوا غاية التلطف. الى اضلال الناس بكفرياتهم الشنيعة. التي لو اظهروها على صورة وحقيقتها لرأى الناس منها انكار رب العالمين جملة. وانكار الرسل والكتب جملة وانكار المعاد والبعث بعد الموت. ولذلك اتفق العارفون باقوالهم انهم اكثر من اليهود والنصارى والمشركين. ومن اكبر العجب اغترار كثير مما من ينتسب الى الاسلام بهذا المذهب الخبيث. وتعظيمهم لاهل هذا المذهب. حتى خلوه في كتبهم. واعتبروه في مباحثهم. ونسبوه للتحقيق. فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. وحقيقة مذهبهم ان جميع العالم العلوي والسفلي شيء واحد متحد بعضه ببعض. وان تباينت اجزاؤه وتفرقت احواله فما ثم خالق ولا مخلوق ولا رب ولا مربوب ولا واجب الوجود وممكن الوجود. بل خالق نفس المخلوق. والرب نفس المربوب. والعبد نفس المعبود. وجعلوا لله كل صفة ممدوحة ومذمومة. اذ كان هو الممدوح المذموم. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا انهم اعظم الملحدين في اسماء الله وصفاته. والمشركون اقل شركا منهم لانهم خصصوا معبوداتهم من الاصنام والاوثان باسماء الله. وهؤلاء الملاحدة اعطوا جميع الموجودات اسماء الله واوصافه. اذ كان اصل مذهبهم ان الله هو عين هذه الموجودات. قالوا وانما كفرنا المشركين لانهم خصصوا الالهية ببعض المخلوقات. ولو عمموا فجعلوا كل موجود الها ما اشركوا ولا كفروا. فتبا لهم ما اضلهم واعماهم. حيث انكروا وجود واجب الوجود الرب العظيم الملك الكبير. واشتبه عليهم بوجود هذه المخلوقات الممكنات. التي ليس لها من انفسها الا العدم. عدم الوجود وعدم الكمال. وهذا القول يكفي في رده مجرد تصوره. فان فساده ومعلوم بظرورة العقل والشرع. والمقصود ان هؤلاء الملاحدة من الذين الحدوا في اسماء الله جعلوها لسائر المخلوقات. كما خصها المشركون ببعض المخلوقات. والملحد ينفي حقائقها بلا برهان. ما ثم غير ينفي الحقيقة نفي ذي بطلاني. هذا القسم الثاني من الملحدين في اسماء الله. وهم المعطلة لاسماء الله. النافون لحقائقها بلا برهان. ولا حجة الا اهوية واراء فاسدة. لا تسمن ولا تغني من جوع فلا يثبتون لله الا اسماء مجردة عن المعاني. فيقولون عليم لا علم سميع بلا سمع. بصير بلا بصر. قدير بلا قدرة. وان اثبتوا لها اولوها بالمعاني المجازية. التي يعلم بالضرورة ان الله ورسوله لم يريداها بل اراد غيرها. ويدخل في هؤلاء الجهمية والمعتزلة والاشعرية. والمال اتريدية في الصفات الفعلية الخبرية؟ فان مسلكهم فيها كمسلك الجهمية في الصفات الذاتية قال في البدائع ورابعها تعطيل الاسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يقول من الجهمية واتباعهم انها الفاظ محدودة لا تتضمن صفة ولا معاني. فيطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم والمريد ويقولون لا حياة له ولا سمع ولا بصر. ولا كلام ولا ارادة تقوم به وهذا من اعظم الالحاد فيها عقلا ولغة وشرعا وفترة. وهو مقابل الحاد المشركين فان اولئك اعطوا اسماءه وصفاته لالهتهم. وهؤلاء سلبوه صفات كماله واجحدوها وعطلوها. فكلاهما ملحد في اسمائه. ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الالحاد. فيهم الغالي والمتوسط والمنكوب. وكل من جحد شيئا مما ما وصف الله به نفسه او وصفه به رسوله فقد الحد في ذلك. فليستقل او تكثر انتهى. وقوله فالقصد دفع النص عن معنى الحقيق قطيفة فيه بلطف بياني عطل وحرف ثم اول وانفها وقذف بتجسيم وبالكفران. للمثبتين حقائق الاسماء فاذا هو محتج عليك بها فقل هذا مجاز وهو وضع ثاني. فاذا غلبت فعن المجاز فقل لهم لا تستفاد حقيقة الايقان وتلك ادلة لفظية عزلت عن الايقان منذ زمان يعني ان القصد من هذا المعطل الملحد دفع نص الكتاب والسنة. الوارد في صفات ونعوته. فهو مجتهد بدفعه غاية ما يمكنه بكل ما يقدر عليه. فيتوسلون الى هذا المقصد الباطل بتعطيل المعاني الصحيحة وتحريفها. اي تعويدها الى معان باطلة فينفي المعنى الحق ويثبت المعنى الباطل. ثم ما يكفيهم هذا حتى يقذفوا اهل الحق المثبتين حقائق اسماء الله وصفاته. على ما جاءت به النصوص بالتجسيم والتكفير لينفروا من قولهم ويقبحوه بما وضعوا لهم من الاسماء الباطلة ويسمون انفسهم اهل الحق. ومقالتهم هي التنزيه قلبا للحقائق. كما قال الله الله تعالى يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا. فاذا قمنا بروا اهل السنة والجماعة عرفوا ان نصوص الكتاب والسنة مع اهل السنة. فيوصي بعضهم بعضا فيقولون اذا احتجوا عليكم فقولوا لهم هذا مجاز. والمجاز هو ما وضع ثالث وليس المراد به ما يفهم منه. فاذا تمكنوا من هذا صالوا به وجالوا. فاذا اذا غلبوا عن المجاز واتاهم من الحقائق ما لا قبل لهم به. ولا يمكن دعوى المجاز به. كما هو جلي في نصوص الاسماء والصفات. لجأوا الى قاعدة لهم خبيثة باطلة. وهي ان النصوص ادلة لفظية لا تفيد الحق واليقين. وانما تفيد غلبة الظن. وبزعمهم ان الذي تفيد اليقين هو ارائهم الفاسدة وعقولهم الضالة. فاذا اتت النصوص مخالفة لما استقر في نفوسهم رأوا من اللازم صرفها عن المراد بها موافقة لما يعتقدونه وقد غلطوا في هذا اكبر الغلط وافحشه. فان نصوص الكتاب والسنة في اعلى رتب بالحق واليقين وهي ارفع انواع الصدق. فانها كلام الله الذي لا اصدق منه قيلا ولا احسن منه حديثا. وكلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى. ان هو الا يوحى ومع ذلك فقد ايد الله ورسوله ما اخبر به من الحق. بالبراهيم مين القاطعة والحجج الساطعة؟ التي لا تبقي في قلب مريد الحق والهدى ادنى ريب وغاية ما يوجد عند المتكلمين من المعقولات والبراهين. جزء يسير مما اشتمل عليه كتاب الله وسنة رسوله. بل لا يمكن ان يوجد في الكتاب والسنة مسألة واحدة مخالفة لما يعلمه العقلاء اهل البصائر النافذة. بل ادلة المعقول موافقة لادلة المنكر فكيف يقول القائل انها ادلة لفظية لا تفيد اليقين. سبحانك هذا بهتان عظيم يلزم منه بطلان اخباره واوامره ونواهيه. والكفر برب العالمين رأسا فانه لا يشاء متأول ان يتأول اذا فتحت لهم هذه القاعدة الشنعاء. والمقالة التي لم يسبق المتكلمين بها احد. من رسل الله ولا من الصحابة والتابعين لهم باحسان ثم ان للمتكلمين اصلا اخر. اليه يفزعون عند تزاحم النصوص عليهم. وبه عن ادلة الكتاب والسنة ذكره بقوله فاذا تظافرت الادلة كثرة وغلبت عن تقرير ذا ببيان. فعليك حينئذ بقان وضع ادلة القرآن ولكل نص ليس يقبل ان يؤوا ولا بالمجاز ولا بمعنى ثاني. قل عرض انقول معقول ومل. امران عند العقل يتفقان. ما ثم ان واحد من اربع متقابلات كلها بميزان العقل اصل النقل وهو ابوه ان تبطله يبطل فرعه التحتاني فتعين الاعمال الغاء للمنقول هاني اعمله يفضي الى الغائه فاهجره هجر الترك والنهي يعني ان المتكلمين يصولون بهذا القانون الباطل. على ادلة الكتاب والسنة. وحاصل تقريره انهم يقولون اذا تعارض العقل والنقل فلابد من واحد من اربعة امور. اما ان يعملا كلاهما او يلغيا. او يعملن نقل ويلغى العقل او يعمل العقل ويلغى النقل. وعندهم ان الاقسام الثلاثة الاول غير ممكنة وانه يتعين القسم الرابع. وهو اعمال المعقول والغاء المنقول وذلك ان اعمالهما مع التعارض غير ممكن. فانهما لو اعملا والحالة هذه لم يكن اعرض والغائهما ايضا غير ممكن. لانه يلزم منه ابطال العقل والنقل واعمال النقل مع الغاء العقل غير ممكن على زعمهم. لان اعمال النقل يقتضي الغاءه فان النقل لم يعرف الا بالعقل. فهو الطريق لثبوته على زعمهم. فاذا قدحنا في الاصل الذي هو العقل لزم القدح فيما يتفرع عنه وهو النقل. فتعين حينئذ اعمال العقل والغاء النقل بهذا القانون الفاسد. ووجب ان توزن به نصوص الكتاب والسنة. وهذا التقسيم الذي حصروه بهذه الاقسام. والحكم الذي حكموا به باطلان عقلا وشرعا. وقد تصدى لابطاله الامام الكبير شيخ الاسلام ابن تيمية تقدس الله روحه. في كتابه العقل والنقل فقال لما ذكر تقسيمهم هذا والمقصود هنا الكلام على قول القائل اذا تعارضت الادلة السمعية والعقلية الى اخره. والكلام على هذه الجملة بني على بيان ما في مقدمتها من التلبية فانها مبنية على مقدمات. اولاها ثبوت تعارضهما. والثانية صاروا التقسيم فيما ذكره من الاقسام الاربعة. والثالثة بطلان الاقسام الثلاثة. والمقدمات الثلاث باطلة. وبيان ذلك بتقديم اصل. وهو ان يقال اذا قيل تعارض دليلان سواء كانا سمعيين او عقليين. او احدهما سمعيا والاخر عقليا. فالواجب ان يقال لا يخلو اما ان يكون قطعيين او يكونا ظنيين. واما ان يكون احدهما قطعيا والاخر فاما القطعيان فلا يجوز تعارضهما. سواء كانا عقليين او سمعيين او احد عقليا والاخر سمعيا. وهذا متفق عليه بين العقلاء. لان الدليل القطعي فهو الذي يجب ثبوت مدلوله. ولا يمكن ان تكون دلالته باطلة. وحينئذ فلو تعارض دليلان قطعيان واحدهما يناقض مدلول الاخر. للزم الجمع بين النقيضين وهو محال بل كل ما يعتقد تعارضه من الدلائل التي يعتقد انها قطعية. فلابد ان كون الدليلان او احدهما غير قطعي. او الا يكون مدلولاهما متناقضين فاما مع تناقض المدلولين المعلومين فيمتنع تعارض الدليلين. وان كان احد الدليلين متعارضين قطعيا دون الاخر. فانه يجب تقديمه باتفاق العقلاء. سواء كان هو الجمعية او العقلية. فان الظن لا يدفع اليقين. واما ان كانا جميعا ظنيين فانه يصار الى طلب ترجيح احدهما. فايهما ترجح كان هو المقدم؟ سواء كان سمعيا او عقليا. ثم اطال الكلام بما يشفي ويكفي رحمه الله تعالى ولما كان كلام المؤلف عن المتكلمين بذكر هذا القانون يوهم نوع مبالغة. دفعها هذا الوهم بقوله والله لم نكذب عليهم اننا وهم لدى مختصمان وهناك يجزى الملحدون ومن نفل هذا يجزى ثم بالغفران. ولعله اخذه من قوله تعالى وذروا الذين يلحدون في اسمائه. سيجزون ما كانوا يعملون فالملحدون يجزون بالعقاب الوبيل. والمثبتون لله الاسماء والصفات النافون لالحاد يجزون هناك بالعفو والغفران. والخلود في الجنة ونيل اعلى الكرامات فاصبر قليلا انما هي ساعة يا مثبت الاوصاف للرحمن فلسوف تجني اجر صبرك حين يجئ. للغير وزر الاثم والعدوان فالله سائلنا وسائلهم عن اثبات والتعطيل بعد بعد زمان فاعد حينئذ جوابا كافيا. عند السؤال كونوا ذات بيان. يرغب رحمه الله المثبت لصفات الله على صبره على ذلك ولو كثر المخالفون ورأى منهم المعارضة والمعاكسة. فان الصبر عاقبته حميدة خصوصا في المحن التي ستنقطع. وربما اعقبها في الدنيا السعادة والفلاح والصلاح. فان الدنيا كلها قليل. وعمر الانسان منها اقل القليل واوقات الابتلاء والامتحان نزر يسير بالنسبة الى عمره ووقته. فالله سائل العباد عما كانوا عليه في الدنيا. فمن كان جوابه ان يقول قد قلت يا ربي ما قلته في كتابك. وقاله رسولك محمد صلى الله عليه وسلم. فهذا الجواب منجي ومن كان جوابه تقديم العقول الكاسدة والاراء الفاسدة على ما قاله الله وقال قاله رسوله لم يكن ذلك منجيا له من العقاب. ولا موصلا له الى الثواب فان الله لا يسأل العباد الا عما جاءت به المرسلون. اقرارا وعلما وعملا هذا وثالثهم فنا فيها وناء. فيما تدل عليه بالبهتان ذا جاحد الرحمن حقا لم يقر رب خالق ابدا ولا رحمة يعني ان الملحد الثالث هو النافي لاسماء الله. ونافي ما تدل عليه من الكمال بالبهتان والقول الباطل. وهذا اعظم انواع الالحاد. فانه متضمن في جحد الخالق وجحد ربوبيته واوصافه المقدسة. وذلك كفرعون ونحوه وكالفلاسفة الذين يشتمل قولهم على جحد رب العالمين. هذا هو الالحاد احذره لعن. لا الله ان ينجيك من نيران. وتفوز بالزل فلديه وجنة مأوى مع الغفران والرضوان. هذا جميع ما تقدم من الاقسام هو الالحاد بينه المصنف لاجل ان يحذر منه. فانه موجب لدخول النار. والحذر منه موجب للنجاة منها. وللفوز بالزلفى عند والله في جنات النعيم. ونيل المغفرة والرضا من الرب الكريم. فان العبد اذا نجاه ومن الالحاد في اسماء الله واياته. كان متبعا لكتب الله ولما جاءت به الرسل هذا الطريق الموصل الى السعادة الابدية. واذا فاته هذا الطريق فما ثم الا طرق الجحيم ولما كان اكثر الناس قد سلكوا طرق المهالك واقتطعتهم الشياطين سعادتهم الا النادر منهم. وكانت النفس مجبولة على وحشة التفرد وعدم الرفيق حث المصنف رحمه الله على لزوم الاستقامة. وان قل الموافق وكثر المخالف فقال لا توحشنك غربة بين الوراء. فالناس كالاموات في اوما علمت بان اهل السنة غرباء حقا عند في كل زمان قل لي متى سلم الرسول وصحبه والتابعون من جاهل ومعاند ومنافق ومحاربة ابن بالبغي والطغيان. وتظن انك وارث لهم وما ذوقة الاذي الرحمن. كلا ولا جاهدت حق جهاده في الله لا بيد ولا بلسان. منتك والله المحال النفس فس. تحدث سوى ذا الرأي والحسبان. لو كنت وارثا لاذاك الاولى. ورثوا عداه بسائر الالوان وكل هذا من حكمة الله تعالى. حيث جعل لاهل الحق من يعارضهم ويقاومهم يحرص على اذيتهم ورد ما معهم باي طريق. ليقوم بذلك سبيل الجهاد. وليتبين من الباطل. فان الحق اذا عارضه الباطل واهله ظهر من ادلته ما يبهر العقول. ووضح واستعلن وتبين من بطلان الباطل وفساده. ما به العبرة لمن اعتبر. وليحصل بذلك التمييز بين الصادق من الكاذب. فان المؤمن صادق المتبع للحق على الحقيقة لا تزيده المعارضات الا ثباتا على ما هو عليه يزداد ايمانه ويكمل ايقانه. بخلاف من لم يباشر الايمان قلبه. ولم يصل اليقين في حقه الى مرتبة الجزم الذي لا شك فيه. فهذا لا يكاد يثبت عند المحن والقلاقل فانه ممن يعبد الله على حرف. فمع العافية المستمرة ربما لزم ها هو عليه ومن لطف الله في حق هذا الا يقيض له من المحن ما يزيل ايمانه بل تعافيه. والا فسنة الله الجارية التي لا تغير ولا تبدل. انه لابد من ابتلاء كما قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. الف احسب الناس ان يتركوا ان يقول امنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين فلو سلم احد من المعارضين من المعاندين والمنافقين والمحاربين. لسلم الرسول واصحابه هو التابعون لهم باحسان. فمن ظن انه متبع لهم على الحقيقة. وانه سيسلم من الاذى في سبيل الله فهو غالط. فانه لا بد ان يكون للرسول واصحابه وراث. ولاعدائهم ويقوم سوق الجهاد. فان الدنيا دار مجاهدة وعبادة. لا محل طمأنينة واستقرار. فان الراحة التامة في جنات النعيم. ومن المعلوم ان الراحة لا تدرك راحة بل لا بد من التعب والعناء. ولكن قد يهونه الله على عباده المؤمنين. فيجيب دون من لذة المجاهدة في طاعة ربهم اعظم مما يجده اهل الشهوات الحسية. وهذا هو هو الواقع. ولكن مرارة الابتداء تمنع اكثر الناس عن هذا الامر العظيم. ليقضي الله امرا كان مفعولا. فصل في النوع الثاني من نوعي توحيد سيد الانبياء والمرسلين. المخالف لتوحيد المعطلين والمشركين. وهذا النوع هو زبدة رسالة الله لرسله. فان كل نبي يبعثه الله تعالى يدعو قومه الى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه. فكل نبي يقول لقومه اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. افلا تتقون؟ وقال تعالى ولقد بعثنا في لكل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. وهو الذي الذي خلق الله الخلق لاجله. وامرهم به على السنة رسله. وشرع الجهاد لاقامته وجعل الثواب في الدنيا والاخرة لمن قام به. والعقاب في الدنيا والاخرة لمن تركه وبه الفرق بين اهل السعادة واهل الشقاء. وعلى العبد ان يبذل جهده في معرفته وتحقيقه من كل وجه فيعرف حده وتفسيره. ويعرف حكمه ومرتبته. ويعرف اثاره مقتضياته ويعرف شواهده وادلته وبراهينه. وحججه التي تؤيده تنميه وتقويه. ويعرف شروطه ومكملاته. ويعرف نواقضه ومفسداته. لان انه الاصل الاصيل الذي لا تصح الاصول الا به. فكيف بالفروع؟ فاما حده وتفسيره واركانه ومكملاته. فقد ذكرها المصنف في ضمن قوله هذا نوعية العبادة منك للرحمن. الا تكون لغيره عبدا ولا تعبد بغير شريعة الايمان. فتقول الاحسان في سر وفي اعلان والصدق والاخلاص ركنا ذلك توحيد وركنين للبنيان فحده ان يعلم العبد ان الله هو المألوه المعبود على الحقيقة. فيفرده بانواع العبادة كلها الظاهرة والباطنة. يعني انه يقوم بالاسلام كالصلاة والزكاة والصوم الصيام والحج ونحوها من الاعمال الظاهرة. وبالايمان كالايمان بالله وملائكته كتبه ورسله واليوم الاخر. والتزام القيام بما اوجب الله وترك ما حرم الله وبالاحسان كالقيام بحقائق العلم والايمان والاعمال الصالحة. وهي هي روحها ولبها المقصود منها. فيقوم بذلك كله خالصا لوجه الله تعالى متابعا فيه سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وهذان الركن الان الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول ركنان. وان شئت قلت شرطان لكل عبادة ظاهرة وباطنة. فكل عبادة خلت منهما او من احدهما فهي باطلة غير معتد بها قال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين الدين وقال تعالى الا لله الدين الخالص. وقال تعالى ليبلوكم ايكم احسن عملا. قال الفضيل بن عياض رحمه الله اخلصه واصوبه. قالوا ما اخلصه واصوبه؟ قال ان العمل اذا كان خالصا ولم كن صوابا لم يقبل. واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل. فالخالص ان يكون لله والصواب ان يكون على السنة. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم. من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وفي رواية لمسلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد. وحقيقة هذا التوحيد انه يسمى وتوحيد الالهية. بالنسبة الى وصف الله المقتضي لان يكون هو المحبوب المعظم المعبود وحده. ويسمى توحيد العبادة بالنسبة الى وصف العبد. الذي هو اخلاص جميع انواع العبادة. التي شرعها الله ورسوله لله تعالى. فالالهية وصف الله تعالى والعبودية وصف العبد. ولهذا جمع الله بين الامرين في قوله موسى انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني وفي قوله وان الله ربي وربكم فاعبدوه. وقول الرسل لاممهم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. واذا علمنا ان هذا حده وتفسيره فمن المعلوم ان الداخلين في هذا الاسم متفاوتون تفاوتا عظيما فيما وانه بحسب قيام العبد بالاسلام والايمان والاحسان والاعمال الصالحة علما وعملا وحالا. تكون مرتبة العبد في التوحيد وكماله فيه. والاجر والثواب في الدنيا والاخرة على هذا الاصل. بل كل خير في الدنيا والاخرة. فان مراد العبد يبقى واحدة ما فيه تفريق لدى الانسان يعني ان الاخلاص حقيقة ان يوحد العبد مراده ومقصوده. فتكون نيته وارادته متعلقة بالله وحده لا شريك له. فلا يكون لهذا المراد مزاحم يزاحمه من الارض اغراض نفسية. بل يكون وصف العبد الاخلاص لله على الدوام. ويقوم بما يقوم به من الاعمال مستحضرا لهذا المعنى الشريف. خاليا من الرياء والمقاصد المخالفة لهذا المقصود وبهذا يكون العمل صالحا مقبولا مثمرا للثواب. ولهذا قال النبي ان الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات. وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله. فهجرته الى الله ورسوله. ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة ينكحها. فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه. ففاوت بين العملين. وصورتهما واحدة بحسب النية والمقصود. وكذلك لما سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل ويقاتل ليرى مكانه. اي ذلك في سبيل الله؟ فقال من قاتل فلي تكون كلمة الله هي العليا. فهو في سبيل الله. متفق عليه. فعلى العبد ان ان يجاهد نفسه على الدوام. في كل فرد من افراد العبودية. على ان يقصد به وجهه الله وحده لا شريك له. ويجتهد في دفع الخواطر المنافية لذلك. ليكون الاخلاص له وصفا وخلقا. وهو روح التوحيد والاعمال الصالحة. وتمام ذلك ان يراعي فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم. في جميع اقواله وافعاله الظاهرة والخفية وذلك تحقيق شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله. فينفي الاله عما سوى الله تعالى. ويثبتها لله وحده. ويتحقق بمعناها ويصدق الرسول في خبره ويطيعه في امره. ثم ذكر نموذجا من الادلة الدالة على توحيد والعبادة فقال ان كان ربك واحدا سبحانه فاخصصه التوحيد مع احسان او كان ربك واحدا انشأ كلم. يشرك هو اذ انشأك رب ثاني. فكذاك ايضا وحده فاعبده لا اعبد سواه يا اخا العرفان. يعني اذا كنت مقرا بان ربك واحد فهو الخالق الرازق المربي لك ولسائر المخلوقات. فخصه بالتوحيد والاعمال الصالحة فاذا علمت انه الذي انشأك وحده من غير مشارك له ولا معاون فكذلك لتعبده وحده لا تعبد غيره ممن لم يكن كذلك. وهذا الدليل وهو الاستدلال بتوحيد الرب على صحة توحيد العبادة. كثيرا ما يذكره الله في كتابه. ويستدل على المشركين الذين ينكرون توحيد الالوهية. فيلزمهم باقوالهم توحيد الربوبية على ما انكروه من توحيد الالهية. كما قال تعالى قل من يرزقكم من السماء والارض ام من يملك. امن يملك السمع والابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت ويحرج الميت من الحي ومن يدبر الامر. فسيقولون الله فقل افلا تتقون. وقال تعالى قل لمن ارض من فيها ان كنتم تعلمون. سيقولون الهي قل افلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل افلا تتقون. قل من بيده ملكوت وكل شيء وهو يجير. وهو يجير ولا يجار عليه ان كنت تعلمون سيقولون لله قل فانا تسحرون. الى غير ذلك من الايات. وهذا دليل واضح جدا. ينتقل الذهن منه الى المذلول باول وهلة فانه اذا كان من المعلوم المتقرر عند كل احد حتى بالله ان الله هو الخالق وحده المدبر لجميع الامور. وكلما ما سواه مخلوق مدبر فان العقل والفطر يجزمان بتعين عبادة الله وحده وانه المستحق للعبادة دون من سواه. ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا. ولا له من الكمال ما يقتضي ان يعبد لاجله. واعلم ان التوحيد كثيرة جدا. يعسر عد انواعها فضلا عن افرادها. ولكن سننقل هنا عبارتنا في التفسير على قوله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك. الاية قلت العلم لابد فيه من اقرار القلب ومعرفته بما طلب منه علمه. وتمامه العمل بمقتضاه. وهذا العلم الذي امر الله به وهو العلم بتوحيد الله. فرض عين على كل انسان. لا يسقط عن احد معه عقل كائنا من كان. بل كل مضطر الى ذلك. والطريق الى العلم بانه لا اله الا الله امور احدها بل اعظمها تدبر اسمائه وصفاته وافعاله على كماله وعظمته وجلاله. فانها توجب بذل الجهد في التأله والتعبد للرب بالكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال. الثاني العلم بانه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير. في علم بذلك انه المنفرد بالالوهية الثالث العلم بانه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية فان ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته. والتأله له وحده لا شريك له الرابع ما نراه ونسمعه من الثواب لاوليائه. القائمين بتوحيده من والنعم العاجلة. ومن عقوبته لاعدائه المشركين به. فان هذا داع الى العلم انه تعالى وحده المستحق للعبادة كلها. الخامس معرفة اوصاف الثاني والانداد التي عبدت مع الله واتخذت الهة. وانها ناقصة من جميع الوجوه فقيرة بالذات. لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعا ولا ضرا. ولا حياة ولا لا موتا ولا نشورا. ولا ينصرون من عبدهم ولا ينفعونهم بمثقال ذرة. من جلب بخير او دفع شر. فان معرفة ذلك والعلم به يوجب العلم بانه لا اله الا الله وبطلان الهية ما سواه. السادس اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه. السابع ان خواص الخلق الذين هم اكمل الخليقة وعقولا ورأيا وصوابا وعلما وهم الرسل والانبياء والعلماء الربانيون قد شهدوا لله بذلك. الثامن ما اقامه الله من الادلة الافقية والنفسية التي تدل على التوحيد اعظم دلالة. وتنادي عليه بلسان حالها. بما دعها من لطائف صنعته. وبديع حكمته وغرائب خلقه. فهذه الطرق التي اكثر الله من دعوة الخلق بها الى انه لا اله الا هو. وابداها في كتابه واعادها عند تأمل العبد في بعضها. لا بد ان يكون عنده يقين وعلم بذلك. فكيف اذا اجتمعت وتواطأت واتفقت. وقامت براهين التوحيد من كل جانب. فهناك يرسخ الايمان والعلم في قلب العبد. بحيث يكون اعظم من الجبال الرواسي. لا تزلزله الشبه فهو الخيالات. ولا يزداد على تكرار الباطل والشبه الا نموا وكمالا. هذا وان نظرت الى الدليل العظيم والامر الكبير. وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في فانه الباب الاعظم الى العلم بالتوحيد. ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره. الى اخر ما ذكرته على تلك الاية الكريمة. وهذه المذكورة اجناس وانواع للادلة. لو فصلت وبسطت لبلغت شيئا كثيرا واما التوحيد الذي دعت اليه رسل الله ونزلت به كتبه فوراء ذلك كله كله وهو نوعان توحيد في المعرفة والاثبات وتوحيد في الطلب والقصد فالاول هو اثبات حقيقة ذات الرب تعالى واسمائه وصفاته وافعاله. وعلوه فوق سماواته على عرشه. وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده واثبات عموم قضائه وقدره وحكمه. وقد افصح القرآن عن هذا النوع حد الافصاح كما في اول الحديد وسورة طه واخر سورة الحشر. واول تنزيل السجدة واول ال عمران وسورة الاخلاص بكمالها وغير ذلك. النوع الثاني مثل ما تضمن سورة قل يا ايها الكافرون. وقوله قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم. الاية واول سورة تنزيل الكتاب واخرها واول سورة يونس ووسطها واخرها. واول سورة الاعراف واخرها اخرها وجملة سورة الانعام. وغالب سور القرآن. بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد. بل نقول قولا كليا ان كل اية في القرآن فهي متضمنة شاهدة به داعية اليه. فان القرآن اما خبر عن الله واسمائه وصفاته وافعاله فهو التوحيد العلمي الخبري. واما دعوة الى عبادة وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه. فهو التوحيد الطلبي الارادي واما امر ونهي والزام بطاعته ونهيه وامره. فهو من حقوق التوحيد ومكمله واما خبر عن كرامة الله لاهل توحيده وطاعته. وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الاخرة. فهو جزاء توحيده. واما خبر عن اهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال. وما يحل بهم في العقبى من العذاب. فهو خبر عن حكم من خرج عن التوحيد. فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه. وفي شأن الشرك واهله وجزائهم. فالحمد لله توحيد. رب العالمين توحيد. الرحمن رحيم توحيد مالك يوم الدين توحيد. اياك نعبد توحيد اياك نستعين توحيد اهدنا الصراط المستقيم توحيد متضمن لسؤال الهداية الى طريق اهل التوحيد الذين انعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. الذين فارقوا التوحيد. ثم ثم اطال الكلام في هذا الموضع بما لا يستغني عنه المؤمن. والصدق توحيد كسلا ولا متواني. والسنة مثلى لسانكها فتوا. حيدوا الطريق الاعظم السلطان فلي واحد كن واحدا في واحد. اعني سبيل الحق يعني ان التوحيد لا يتم الا بثلاثة امور. توحيد المراد وهو الاخلاص كما تقدم. وتوحيد الارادة وهي الا تكون الارادة منقسمة ان يبذل العبد جهده ومقدوره. في القيام بما امر الله به علما وعملا ووصفا. من خير كسل ولا ثوان ولا انحلال عزيمة. فهذا حقيقة الصدق. وتوحيد الطريق وهو اتباع السنة ظاهرا وباطنا. ثم اجمل الثلاثة في قوله فلواحد اي الله وحده. وهو الاخلاص. كن واحدا اي مجتمع الارادة والقصد امل وهو الصدق. في واحد وهي المتابعة. فسره بقوله اعني سبيل الحق ايماني اي وما سواها من الطرق فانها طرق الغي والضلال والكفر والوبال هذه ثلاث مسعدات للذي قد نالها والفضل للمنا اجتمعت لنفس حرة بلغت من العلياء كل يا مكاني يعني ان من اجتمعت له هذه الامور الثلاثة بان يكون الاخلاص خلقه ووصفه واعماله مقرونة به. والصدق والاجتهاد قرينه وحامله واتباع الرسول طريقة. فهو السابق حقا. المستولي على الغاية التي لا غاية يتفوقها والكمال الذي لا كمال فوقه. وحصلت له السعادة والفلاح والفوز والارباح. فان تخلف كمال العبد وحرمانه مداره على فقد واحد من هذه الثلاثة او اثنين او كلها. لله قلب شامهاتي كالبروء ومن الخيام فهم بالطيران. لولا التعلل بالرجالة تصدعت اعشاره كتصدع البنيان وتراه يبسطه الرجاء في متمايلا كتمايل النشوان. ويعود يقبضهن متخلفا عن رفقة الاحسان. فتراه حين القبض والبسط الذي انهما لافق سمائه قطبان وبدا له سعد السعود فصار مس. راه عليه لا على الدبر خصوا شدت ركائبهم الى معبودهم. ورسول يا خيبة الكسلان. يتعجب المؤلف رحمه الله ويستعظم من من الله عليه بالتحقق بالصدق والاخلاص والمتابعة حتى صارت له نعتا صارت رغبته كلها في مراضي ربه في كل وقت. فكلما بدا له منزلة من منازل السائرين وحصلة من خصال العاملين بادر اليها شوقا ومحبة. وانقاد لها طوعا واختيارا بمنزلة من طالع البروق من خيام الاحبة على بعد. فصار قلبه حتى يكاد يهم ان يطير الى احبابه ويتمتع بلقائهم. الذي هو الذ المحبين يمر عليهم من ارواحهم. فلولا ان المحب يتعلل بقرب اللقاء ويحدث نفسه باجتماعه باحبته لتصدعت اعشار قلبه اي جوانبه. كتصدع الذي حيره الحب وذهب بشعوره. كذلك المحب لله تعالى. يجهد نفسه في مراضيه حتى تنمو محبة الله في قلبه. ويحدث له الشوق والقلق فلولا انه يلاطف نفسه برجاء اللقاء لذابت نفسه واحترق لبه. ثم اذا نظر الى نفسه وتقصيره وتخلفه عن رفقة السابقين قبضه اليأس. فتجده بين الخوف والرجاء الذين هما لعبادته واعماله كالقطبين في النجوم. فالعبادات كلها ما تدور على الخوف والرجاء. فيرجوا العبد قبولها وتقريبها لربه ويخاف من ردها وعدم القيام بها وبحقوقها. ان نظر الى رحمة الله ولطفه انفتح له باب الرجاء والطمع. وان نظر الى تقصيره وما يستحقه الله من العبودية. التي في لا يمكن العبد القيام بها احدث له القبض. وباعتدال الخوف والرجاء يعتدل سير العبد فاذا رجح جانب الرجاء خيف الامن من مكر الله. وحصل الاذلال والشطح الذي لا يليق وان رجح جانب الخوف خيف منه اليأس والقنوط من رحمة الله. وهذه الثلاث المحبة والخوف والرجاء اصل اعمال القلوب. وبها تستقيم الاعمال ظاهرة والباطنة. كما جمعها الله في قوله اولئك الذين يدعون خونا يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون. ويرجون رحمته ويخافون عذابه. ان عذاب ربك كان محظورا وقول المصنف وبدا له سعد السعود البيت يحتمل ان مراده بهذا التشبيه ان سير هذا الفريق لما كان مصاحبا للخوف والرجاء. وكانت روحه المحبة كان محمودا مآله الى العز والفلاح. والعلو وحصول الارباح. بخلاف من كان سيره والبطالين اهل الكسل. فان سيرهم الى وراء. قال تعالى لمن يتقدم او يتأخر. ويحتمل انه اراد بسعد السوء سعود السير على متابعة الرسول والاقتداء بهديه. وتجنب السيئات على الدبران كالسير خلف كل من خالف الرسول. وقوله لله دياك الفريق. اي موصوفة بتلك الصفات الحميدة. وهذا التصغير المراد به التعظيم. والتعجب من حسن حاله وعلو قدرهم. ولهذا قال فانهم خصوا بخالصة من الرحمن اي اخلصهم الله من كل كدر واختصهم بولايته. قال تعالى عن خيار انبيائه انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار. اي اجعلنا ذكر الدار الاخرة في قلوبهم والعمل لها صفوة وقتهم. والاخلاص والمراقبة لله وصفهم الدال وجعلناهم ذكر الدار يتذكر باحوالهم المتذكر ويعتبر بهم اعتبر ويذكرون باحسن الذكر. وقوله شدت ركائبهم الى معبودهم هذا هو الاخلاص لله ورسوله بالمتابعة. يا خيبة الكسلان الذي تخلف عن طريقهم ولم يسلك مسلكهم في طريقهم. فصل في بيان ما يناقض وهذا التوحيد من الشرك الاكبر والاصغر ووسائل ذلك. والشرك فاحذره فشرك ظاهر. ذا القسم ليس بقابل الغفران. وهو اتخاذ قاد الند للرحمن اي. من كان من حجر ومن انسان يدعوه او يرجوه ثم يخافه. ويحبه كمحبة الرحمن يعني ان الشرك نوعان. ظاهر وهو الشرك الاكبر المخرج من دائرة الاسلام الى دائرة الكفران. الذي لا يغفره الله ولا يدخل صاحبه الجنة بل هو من اصحاب النار. وحده اتخاذ الند للرحمن. من الملائكة او الرسل للاولياء او الحيوانات او الجمادات. يتقرب اليه كما يتقرب الى الرحمن بالدعاء والخوف والرجاء والمحبة. وسائر انواع العبادة. فحقيقته ان يصرف العبد نوعا من انواع العبادة لغير الله تعالى. وسواء سمى من تقرب اليه بذلك الها ام لا؟ قال تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. وقال تعالى ومن يدعو مع الله اله اخر لا برهان له به فانما انما حسابه عند ربه. انه لا يفلح الكافرون وقال تعالى ولا تدعوا من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك. وان المساجد لله فلا تدعو مع الله احد هذا وقال تعالى انه من يشرك بالله فقد حر الله عليه الجنة. فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. الى غير ذلك من الايات. الدالات على كفر من عبد مع الله غيره. وخلوده في النار. واما الشرك الاصغر فهو كل وسيلة قريبة موصلة الى الشرك الاكبر. اذا لم تصل الى رتبة العبادة. كالحلف بغير الله والرياء والتصنع للمخلوقين. والغلو في الاموات ونحو ذلك. فلا يتم عبدي التوحيد حتى يتبرأ من الشرك كله ظاهره وباطنه. ويخلص لله اعماله له كلها. وهذا التوحيد الذي هو عبادة الله وحده. هو الذي انكر وهو المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالوا اجعل ان هذا لشيء عجاب. وهم يفرون بتوحيد الربوبية. وانه المالك وما سواه مملوك. ولهذا قال المصنف والله ما ساووهم بالله في خلق ولا رزق ولا ولا احسان. فالله عنده هو القول للفضل والاحسان. لكنهم ساووهم حب وتعظيم وفي ايمان. جعلوا مع الرحمن ماء. جعلوا المحبة قط للرحمن لو كان حبهم لاجل الله ماء. حادوا احبته على الايمان الايمان ولما احبوا سخطه وتجنبوا. محبوبه مواقع الرضوان شرط المحبة ان توافق من تحب على محبته بلا عصيان. فاذا ادعيت له المحبة مع خلاء فيك ما يحب فان تذوب بهتان. اتحب وكذا تعادي جاهدا احبابه. اين المحبة يا اخش الشيطان يريد المؤلف رحمه الله قول الله تعالى عن اهل النار حين رأوا بطلان عبادتها. تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين. اي انهم ما ساووهم بالله بالخلق والرزق والاحسان. فان المشركين كما تقدم مقرون بان الله هو الخالق الرازق المتفضل بالنعم الظاهرة والباطنة. وانما سووهم بالله في الحب تعظيم والعبادة. فاحبوهم مع الرحمن وشركوهم فيها. كما قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونه هم يحبونهم كحب الله. فهذا الحب مع الله الذي يقدح في التوحيد فلو كانت محبتهم لهم لله او لاجله. لاحبوا ما يحبه الله من الاعمال والاشخاص فان هذا علامة المحبة لله. واما من زعم انه يحب الله ثم عادى اولياء الله وعاد ما يحبه الله من الاعمال. ووالى اعداء وما يبغضه من انواع المعاصي. فهذا كاذب في دعواه. فان شرط المحبة موافقة المحبوب في محابه. قال تعالى قل ان كنتم تحبون فاتبعوني يحببكم الله. وكما قال تعالى يا يا ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة على المؤمنين اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله. يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون كون لومة لائم. ومن صفات المحبين لله انهم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الاب الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر اه في ضون لحدود الله. وبشر المؤمنين. فالمحبة ثلاثة انواع محبة الله وهي روح التوحيد واصل العبادات والتقربات كلها ومحبة في الله وهي محبة ما يحبه الله. من انبيائه واوليائه والاعمال المقربة الى الله. وهذه من تمام محبة الله. وبحسب قوة الله تقوا هذه المحبة. ولهذا ورد في الدعاء المشهور اللهم اني اسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقرب الى حبك. والثالث المحبة مع الله وهي محبة المشركين لالهتهم مع الله محبة عبودية وهذه منافية للتوحيد من كل وجه. وثم محبة طبيعية. لا تحمد ولا تذم الا لاثارها. كمحبة الطعام والشراب. ومحبة الاليف والوطن ونحوه لذلك ليس العبادة غير توحيد المحبة. مع خضوع القلب والاركان. يعني ان حقيقة المحبة هي توحيد المحبة والذل والتعظيم لله تعالى. فان العبادة حب كامل وذل تام للمحبوب والحب نفس وفاقه فيما يحب. وبغض ما لا يرتضي اناني. ووفاقه نفس اتباعك امره. والقصد وجه هذا هو الاحسان شرط في قبول السعيفة افهمه من القرآن. والاتباع بدون شرع رسوله عين المحال وابطل البطنان فاذا نبذت كتابه وتبعت امر النفس والشيطان. واتخذت بالله كنت مجانب الايمان يريد رحمه الله ان المحبة في الحقيقة نفس موافقة الله في محبة ما حبه وبغض ما يبغضه. وذلك يتحقق باتباع امر الله. الذي شرعه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. في اصول الدين وفروعه في ظهيره وباطنه. مع الاخلاص لله تعالى وارادة وجهه الاعلى الموافقة المشتملة على المتابعة والاخلاص. هي الاحسان الذي قال الله فيه ليبلوكم ايكم احسن عملا. اي اخلصه واصوبه. وفي قوله للذين احسنوا الحسنى وزيادة. وفي قوله انا لا نضيع يرى من احسن عملا. والمتابعة لا تمكن الا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فمن نبذ كتاب الله وسنة رسوله وتبع اوامر النفس الامارة بالسوء والشيطان الذي لا يأمر الا بالسوء والفحشاء. واتخذ من دون الله اندادا يحبهم كحب خرج من الايمان من حيث يظن انه مؤمن. فان اتخاذ الانداد من دون مناقض لقول لا اله الا الله. وان الخروج عن الاهتداء بالكتاب والسنة مناقض لشهادة محمد رسول الله. وما اكثر من هو بهذا الوصف ممن ينتسب الى الايمان والتحقيق. كما قال المصنف ولقد رأينا آآ من فريق يدعي اسلام شركا ظاهر التبيان. جعل له شركاء ولوهم وسوا. ووهم به في الحب لا السلطان والله ما ساووهم بالله بل زادوا لهم حبا الى كتمان والله ما غضبوا اذا انتهكت محا. ريمور ربهم في السر والاعلان. حتى اذا ما قيل في الوثن الذي يدعونه ما فيه من نقصان. فاجارك من غضب ومن حرب ومن شتم ومن عدوان. واجارك زير ومن سب ومن سجان والله لو عطلت كل صفاته ما قابلوك ببعض ذا العدوان والله لو خالفت نص رسوله نصا صريحا واضحا وتبعت قول شيوخهم او غيرهم. كنت المحق حتى اذا خالفت اراء الرجاء ليلي سنة المبعوث بالفرقان. نادوا عليك ببدعة وضلالة وفي تكفيره قولان. قالوا تنقصت سار وسائرا علماء بل جاهرت بالبهتان. هذا ولم تسلبهم حقا لهم. ليكون ذا كذب وذا عدوان واذا سلبت صفاته وعلوه وكلامه جهرا بلا كتم ثماني لم يغضبوا بل كان ذلك عندهم. عين الصواب ومقتضى الاحسان واصفنا يخفى على العميان. واذا ذكرت الله وجوههم مكشوفة الالوان. بل ينظروا اليك شجرا مثلما. نظر التيوس الى عصا الجبان واذا ذكرت بمدحة شركاءهم يستبشرون تباشر الفرحة والله ما شموا روائح دينه. يا زكمة اعيا الطبيب طيب زماني. وهذه الابيات واضحة المعنى. والامر كما قال المصنف عن هذا الفريق منتسبي للاسلام الذي يقتضي منهم دينهم تعظيم ربهم. والقيام له بحق العبودية ولرسوله بحق الرسالة فعكسوا القضية. فاتخذوا لهم اندادا من دون الله يعبدونها ويغضبون لها اعظم مما يغضبون لله. والدليل على هذا انه لو انتهكت محارم الله لم يغضبوا. واذا قيل فيما ينتحلونه من ذلك الوثن بعض ما فيه من النقص اشتد غضبهم ويتباشرون اذا مدحت شركاءهم. واذا ذكرت توحيد الله تغيرت وجوههم واشمأزوا. وكذلك جعلوا لهم رؤساء يطيعونهم في كل حال وجعلوهم بمنزلة الرسول المعصومة اقواله وافعاله. فيقدمون طاعتهم على لا طاعة الرسول ومن خالفهم لقول الرسول رموه بانه متنقص لهم مبغض فهل بقي بعد هذا ايمان؟ ولكن لكثرة الإمساس قل الإحساس انا لله وانا اليه راجعون. فنسألك اللهم العفو والعافية. والمعافاة في الدنيا والاخرة. وان تحفظ لنا ديننا من كل شرك وشبهة وبدعة وضلالة ومعصية انك على كل شيء قدير. تم ما اردت تعليقه ولله الحمد والمنة والفضل الاحسان وصلى الله على محمد واله وصحبه. وسلم تسليما كثيرا فرغت من تسويده في الثالث والعشرين من شعبان سنة اربع واربعين وثلاثمائة والف وانا الفقير الى الله عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي