المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. يقول تعالى افبعذابنا الذي هو العذاب الاليم العظيم الذي لا يستهان به ولا يحتقر يستعجلون. فما الذي غرهم؟ هل فيهم قوة وطاقة للصبر عليه؟ ام عندهم قوة يقدرون عليها الى دفعه او رفعه اذا نزل؟ ام يعجزوننا ويظنون اننا لا نقدر على ذلك افرأيت اذا لم نستعجل عليهم بانزال العذاب وامهلناهم عدة سنين يتمتعون في الدنيا ثم جاءهم ما كانوا يوعدون من العذاب فكانوا يمتعون ما اغنى عنهم ما كانوا يمتعون من اللذات والشهوات. اي شيء تغني عنهم وتفيدهم. وقد مضت وبطلت واضمحلت واعقبت تبعاتها. وضعف لهم العذاب عند طول المدة. القصد ان الحذر من وقوع العذاب واستحقاقهم له. واما تعجيله او تأخيره فلا اهمية تحته. ولا جدوى عنده الا لها منذرون. يخبر تعالى عن كمال عدله في اهلاك المكذبين. وانه ما اوقع بقرية هلاكا وعذابا الا بعد ان يعذر منهم ويبعث فيهم النذر بالايات البينات. ويدعونهم الى الهدى وينهونهم عن الردى. ويذكرونهم بايات الله وينبهونهم على ايامه في نعمه ونقمه. ذكرى لهم واقامة حجة عليهم. وما كنا ظالمين فنهلك القرى قبل ان ننذرهم. ونأخذهم وهم غافلون عن النذر. كما قال قال وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. رسلا مبشرين ومنذرين لان لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. ولما تعالى كمال القرآن وجلالته. نزهه عن كل صفة نقص. وحماه وقت نزوله وبعد نزوله. من شياطين الجن والانس. فقال قال وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون. وما ينبغي له اي لا يليق بحالهم ولا يناسبهم. وما يستطيعون ذلك قد ابعدوا عنه واعدت لهم الرجوم لحفظه. ونزل به جبريل اقوى الملائكة. الذي لا يقدر شيطان ان يقربه او يحوم حوله الى ساحته وهذا كقوله انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ينهى تعالى رسوله اصلا وامته اسوة له في ذلك عن دعاء غير الله من جميع المخلوقين وان ذلك موجب للعذاب الدائم والعقاب السرمدي. لكونه شركا ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار والنهي عن الشيء امر بضده. فالنهي عن الشرك امر باخلاص العبادة لله وحده لا شريك له. محبة و خوفا ورجاء وذلا وانابة اليه في جميع الاوقات. ولما امره بما فيه كمال نفسه. امره بتكميل غيره. فقال الذين هم اقرب الناس اليك واحقهم باحسانك الديني والدنيوي لا ينافي امره بانذار جميع الناس. كما اذا امر الانسان بعموم الاحسان. ثم قيل له احسن الى قرابتك. فيكون هذا خصوصا دالا على التأكيد وزيادة الحق. فامتثل صلى الله عليه وسلم هذا الامر الالهي. فدعا سائر بطون قريش. فعمم وخصص وذكرهم ووعظهم ولم يبق صلى الله عليه وسلم من مقدوره شيئا من نصحهم وهدايتهم الا فعله. فاهتدى من اهتدى واعرض من اعرض واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين بلين جانبك ولطف خطابك لهم وتوددهم وتحببك اليهم وحسن خلقك والاحسان التام بهم. وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك. قال تعالى فبما رحمة من الله هل انت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر. فهذه اخلاقه صلى الله عليه وسلم اكملوا الاخلاق التي يحصل بها من المصالح العظيمة ودفع المضار لما هو مشاهد. فهل يليق بمؤمن بالله ورسوله؟ ويدعي اتباعه الاقتداء به ان يكون كلا على المسلمين شرس الاخلاق شديد الشكيمة عليهم غليظ القلب فظ القول فظيعة وان رأى منهم معصية او سوء ادب هجرهم ومقتهم وابغضهم. لا لين عنده ولا ادب لديه ولا توفيق. قد حصل من هذه المعاملات من المفاسد وتعطيل المصالح ما حصل. ومع ذلك تجده محتقرا لمن اتصف بالصفات الرسول الكريم. قد رماه بالنفاق والمداهنة وقد كمل نفسه ورفعها واعجب بعمله. فهل هذا الا من جهله؟ وتزيين الشيطان خدعه له. ولهذا قال الله لرسوله فان عصوك في امر من الامور فلا تتبرأ منهم ولا تترك معاملتهم بخفض الجناح ولين الجانب. بل تبرأ من عملهم فعظهم وانصحهم وابذل قدرتك في ردهم عنه وتوبتهم منه. وهذا لدفع احتراز وهم من يتوهم ان قوله واخفض جناحك للمؤمنين يقتضي الرضا بجميع ما يصدر منهم ما داموا مؤمنين. فدفع هذا بهذا والله اعلم اعظم مساعد للعبد على القيام بما امر به. الاعتماد على ربه والاستعانة بمولاه على توفيقه للقيام بالمأمور. فلذلك امر الله تعالى بالتوكل عليه. فقال وتوكل على العزيز والتوكل هو اعتماد القلب على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار مع ثقته به وحسن ظنه بحصول مطلوبه فانه عزيز رحيم. بعزته يقدر على ايصال الخير ودفع الشر عن عبده. وبرحمته به يفعل ذلك ثم نبهه على الاستعانة باستحضار قرب الله. والنزول في منزل الاحسان. فقال وتقلبك في الساجدين. ان يراك في هذه العبادة العظيمة التي هي الصلاة وقت قيامك وتقلبك راكعا مساجد خصها بالذكر لفضلها وشرفها. ولان من استحضر فيها قرب ربه خشع وذل. واكملها وبتكميلها يكمل سائر عمله ويستعين بها على جميع اموره. انه هو السميع الاصوات على اختلافها وتشتتها وتنوعها العليم الذي احاط بالظواهر والبواطن والغيب والشهادة. فاستحضار العبد رؤية الله له في جميع احواله. وسمعه لكل ما ينطق به. وعلمه بما ينطوي عليه قلبه. من الهم والعزم والنيات. مما على منزلة الاحسان يلقون السمع واكثرهم كاذبون. هذا جواب لمن قال من كذب الرسول ان محمدا ينزل عليه الشيطان وقول من قال انه شاعر فقال تنزل الشياطين. هل انبئكم اي اخبركم الخبر الحقيقي الذي لا شك فيه ولا شبهة على من تنزلوا الشياطين اي بصفة الاشخاص الذين تنزل عليهم الشياطين على كل افاك اي كذاب كثير القول للزور. والافك بالباطل. اثيم في فعله. كثير المعاصي. هذا الذي تنزل عليه الشياطين وتناسب حاله حالهم. يلقون عليه السمع الذي يسترقونه من السماء. واكثرهم كاذبون اي اكثر ما يلقون اليه كذب. فيصدق واحدة ويكذب معها مائة يختلط الحق بالباطل ويضمحل الحق بسبب قلته. وعدم علمه. فهذه صفة الاشخاص الذين تنزل عليهم الشياطين هذه صفة وحيهم له. واما محمد صلى الله عليه وسلم فحاله مباينة لهذه الاحوال اعظم مباينة. لانه الصادق الامين البار الراشد الذي جمع بين بر القلب وصدق اللهجة ونزاهة الافعال من المحرم. والوحي الذي ينزل عليه من عند الله ينزل محروسا محفوظا مشتملا على الصدق العظيم. الذي لا شك فيه ولا ريب. فهل يستوي يا اهل العقول هذا واولئك؟ وهل الا على مجنون لا يميز ولا يفرق بين الاشياء. فلما نزهه عن نزول الشياطين عليه برأه ايضا من الشعر فقال والشعراء اي هل انبئكم ايضا عن حالة ووصفهم الثابت فانهم يتبعهم الغاوون عن طريق الهدى. المقبلون على طريق الغي والردى فهم في انفسهم غاوون اتباعهم كل غاو ضال فاسد. الم ترى تهم شدة ضلالهم انهم في كل واد من اودية الشعر يهيمون فتارة في مدح وتارة في قدح وتارة في صدق وتارة في كذب وتارة يتغزلون واخرى يسخرون ومرة يمرحون واونة يحزنون فلا يستقر لهم قرار ولا يثبتون على حال من الاحوال. اي هذا وصف الشعراء انهم تخالف اقوالهم افعالهم. فاذا سمعت الشاعر يتغزل بالغزل الرقيق. قلت هذا اشد الناس غراما. وقلبه فارغ من ذاك واذا سمعته يمدح او يذم قلت هذا صدق وهو كذب وتارة يتمدح بافعال لم يفعلها وطروك لم يتركها وكرم لم يحم حول ساحته وشجاعة يعلو بها على الفرسان. وتراه اجبن من كل جبان. هذا وصفهم فانظر هل يطابق حالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الراشد البار الذي يتبعه كل راشد ومهتد. الذي قد استقام على الهدى وجانب الردى ولم فقط افعاله ولم تخالف اقواله افعاله. الذي لا يأمر الا بالخير ولا ينهى الا عن الشر. ولا اخبر بشيء الا صدق. ولا امر بشيء الا كان اول الفاعلين له. ولا نهى عن شيء الا كان اول التاركين له. فهل تناسب حاله حالة الشعراء او يقاربه ام هو مخالف لهم من جميع الوجوه؟ وصلوات الله وسلامه على هذا الرسول الاكمل. والهمام الافضل. ابد الابدين الذي ليس بشاعر ولا ساحر ولا مجنون ولا يليق به الا كل كمال وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا. وذكروا الله كثيرا ولما وصف الشعراء بما وصفهم به استثنى منهم من امن بالله ورسوله وعمل صالحا واكثر من ذكر الله وانتصر من اعدائه المشركين من بعد ما ظلموهم. فصار شعرهم من اعمالهم الصالحة واثار ايمانهم لاشتماله على مدح اهل الايمان والانتصار من اهل الشرك والكفر والذب عن دين الله وتبيين العلوم النافعة والحث على الاخلاق الفاضلة. فقال وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا سيعلم الذين ظلموا اي منقلبين ينقلبون ينقلبون الى موقف وحساب. لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ولا حقا الا استوفاه. والحمد لله رب العالمين