الشهداء ثم فوقهم الصديقون. ثم فوقهم الانبياء. وداوود وسليمان من خواص الرسل ان كان دون درجة اولي العزم الخمسة لكنهما من جملة الرسل الفضلاء الكرام الذين نوه الله بذكرهم ومدحهم في كتابه مدح المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي من ظلنا وقال الحمدلله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين يذكر في هذا القرآن وينوه بمنته على داوود وسليمان ابنه بالعلم الواسع الكثير بدليل التنكير كما قال تعالى وداود وسليمان اذ يحكمان في الحرث. اذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما. وقال شاكرين لربهما منته الكبرى بتعليمهما. وقال الحمد الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين. فحمد الله على من المؤمنين اهل السعادة وانهما كانا من خواصهم. ولا شك ان المؤمنين اربع درجات. الصالحون ثم عظيما فحمد الله على بلوغ هذه المنزلة. وهذا عنوان سعادة العبد ان يكون شاكرا لله على نعمه الدينية والدنيوية وان يرى جميع النعم من ربه فلا يفخر بها ولا يعجب بها. بل يرى انها تستحق عليه شكرا كثيرا. وورث سليمان ايمان داوود وقال يا ايها الناس علمنا مناطق الطير. واوتي من كل شيء ان هذا لهو الفضل المبين. فلما مدحهما مشتركين خص سليمان بما خصه به لكون الله اعطاه ملكا عظيما وصار له من المجريات ما لم يكن لابيه صلى الله عليه وسلم فقال وورث سليمان داوود اي ورث علمه ونبوته. فانضم علم ابيه الى علمه فلعله تعلم من ابيه فيه ما عنده من العلم مع ما كان عليه من العلم وقت ابيه. كما تقدم من قوله ففهمناها سليمان. وقال شكرا لله وتبجحا باحسانه وتحدثا بنعمته. يا ايها الناس علمنا منطق الطير. فكان عليه الصلاة والسلام يفقه ما تقول وتتكلم به كما راجع الهدهد وراجعه. وكما فهم قول النملة للنمل كما يأتي وهذا لم يكن لاحد غيره سليمان عليه السلام واتينا من كل شيء اي اعطانا الله من النعم. ومن اسباب الملك ومن السلطنة والقهر. ما لم يؤت احدا من الادميين ولهذا دعا ربه وقال وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. سخر الله له الشياطين. يعملون له كل ما يشاء من الاعمال التي يعجز عنها غيرهم. وسخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر ان هذا الذي اعطانا الله وفضلنا واختصنا به. لهو الفضل المبين الواضح الجلي. اعترف فاكمل اعتراف بنعمة الله تعالى اي جمع له جنوده الكثيرة الهائلة المتنوعة من بني ادم ومن الجن والشياطين ومن الطيور فهم يوزعون. يدبرون ويرد اولهم على اخرهم. وينظمون غاية التنظيم في سيرهم نزولهم وحلهم وترحالهم. قد استعد لذلك واعد له عدته. وكل هذه الجنود مؤتمرة بامره. لا تقدر على ولا تتمردوا عليه. كما قال تعالى هذا عطاؤنا فامن او امسك. اي اعطي بغير حساب. فسار بهذه الجنود الضخمة في بعض اسفاره حتى اذا اتوا على وادي النمل قالت نملة منبهة لرفقتها وبني جنسها نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان فنصحت هذه النملة واسمعت النمل اما بنفسها ويكون الله قد اعطى النمل اسماعا خارقة للعادة. لان التنبيه النمل الذي قد ملأ الوادي بصوت نملة واحدة من اعجب العجائب. واما بانها اخبرت من حولها من النمل. ثم سار الخبر من لبعض حتى بلغ الجميع وامرتهن بالحذر. والطريق في ذلك هو دخول مساكنهن. وعرفت حالة سليمان وعظمة سلطانه واعتذرت عنهم انهم ان حطموكم فليس عن قصد منهم ولا شعور. فسمع سليمان عليه الصلاة والسلام قولها وفهمه ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. فتبسم ضاحكا من قولها اعجابا من بفصاحتها ونصحها وحسن تعبيرها. وهذا حال الانبياء عليهم الصلاة والسلام. الادب الكامل والتعجب في موضعه والا يبلغ بهم الضحك الا الى التبسم. كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جل ضحكه التبسم. فان القهقهة صلوا على خفة العقل وسوء الادب وعدم التبسم والعجب مما يتعجب منه. يدل على شراسة الخلق والجبروت والرسل منزه عن ذلك وقال شاكرا لله الذي اوصله الى هذه الحال رب اوزعني اي الهمني ووفقني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. فان النعمة على الوالدين نعمة على الولد. فسأل ربه التوفيق للقيام بشكر نعمته الدينية والدنيوية عليه وعلى والديه اي وفقني ان اعمل صالحا ترضاه لكونه موافقا لامرك مخلصا فيه سالما من المفسدات والمنقصات وادخلني برحمتك التي منها الجنة في جملة عبادك الصالحين فان الرحمة مجعولة للصالحين على اختلاف درجاتهم ومنازلهم. فهذا نموذج ذكره الله من حالة سليمان عند سماع خطاب النملة وندائها. ثم ذكر نموذجا اخر من مخاطبته للطير. فقال وتفقد الطير دل هذا على كمال عزمه وحزمه وحسن تنظيمه لجنوده وتدبيره بنفسه للامور الصغار والكبار. حتى انه لم يهمل هذا الامر وهو تفقد الطيور هل هي موجودة كلها ام مفقود منها شيء؟ وهذا هو المعنى للاية. ولم يصنع شيئا من قال انه تفقد الطير لينظر اين الهدهد منها ليدله على بعد الماء وقربه. كما زعموا عن الهدهد انه يبصر الماء تحت الارض الكثيفة. فان هذا القول لا يدل وعليه دليل بل الدليل العقلي واللفظي دال على بطلانه. اما العقلي فانه قد عرف بالعادة والتجارب والمشاهدات ان هذه الحيوانات كلها ليس منها شيء يبصر هذا البصر الخارق للعادة. ينظر الماء تحت الارض الكثيفة. ولو كان كذلك لذكره الله لانه انه من اكبر الايات. واما الدليل اللفظي فلو اريد هذا المعنى لقال وطلب الهدهد لينظر له الماء. فلما فقده قال ما قال او فتش عن الهدهد او بحث عنه ونحو ذلك من العبارات. وانما تفقد الطير لينظر الحاضر منها والغائب ولزومها للمراكز والمواضع التي عينها لها. وايضا فان سليمان عليه السلام لا يحتاج ولا يضطر الى الماء. بحيث يحتاج لهندسة الهدهد. فان عند من الشياطين والعفاريت ما يحفرون له الماء ولو بلغ في العمق ما بلغ. وسخر الله له الريح غدوها شهر ورواحها شهر. فكيف فمع ذلك يحتاج الى الهدهد. وهذه التفاسير التي توجد وتشتهر بها اقوال لا يعرف غيرها. تنقل هذه الاقوال عن بني اسرائيل مجرد ويغفل الناقل عن مناقضتها للمعاني الصحيحة وتطبيقها على الاقوال. ثم لا تزال تتناقل وينقلها المتأخر مسلما اقدم حتى يظن انها الحق فيقع من الاقوال الردية في التفاسير ما يقع. واللبيب الفطن يعرف ان هذا القرآن الكريم العربي المبين الذي خاطب الله بهم خلق كلهم عالمهم وجاهلهم وامرهم بالتفكر في معانيه وتطبيقها على الفاظه العربية المعروفة المعاني التي لا تجهلها العرب العرباء. واذا وجد اقوالا منقولة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. ردها الى هذا الاصل. فان وافقت وقبلها لكون اللفظ دالا عليها. وان خالفته لفظا ومعنى او لفظا او معنى. ردها وجزم ببطلانها. لان عنده اصلا معلوما مناقضا لها وهو ما يعرفه من معنى الكلام ودلالته. والشاهد ان تفقد سليمان عليه السلام للطير وفقده الهدهد يدل على كمال حزمه وتدبيره الملك بنفسه. وكمال فطنته حتى فقد هذا الطائر الصغير اي هل عدم رؤيتي اياه؟ لقلة فطنتي به؟ لكونه خفيا بين هذه في الامم الكثيرة ام على بابها بان كان غائبا من غير اذني ولا امري. فحينئذ تغيظ عليه وتوعده فقال لاعلمنه عذابا شديدا او لاذبحا لاعذبنه عذابا شديدا دون القتل. اي حجة واضحة على تخلفه وهذا من كمال ورعه وانصافه. انه لم يقسم على مجرد عقوبته بالعذاب او القتل. لان ذلك لا يكون الا من ذنب وغيبته قد تحتمل انها لعذر واضح. فلذلك استثناه لورعه وفطنته ما لم تحط به. فمثل غير بعيد ثم جاء وهذا يدل على هيبة جنوده منه وشدة ائتمانهم لامره حتى ان هذا الهدهد الذي خلفه العذر الواضح لم يقدر على التخلف زمنا كثيرا. فقال لسليمان احطت بما لم تحط به عندي من العلم علم ما اح على علمك الواسع وعلو درجتك فيه. وجئتك من سبأ. القبيلة المعروفة في اليمن بنبأ يقين. اي خبر متيقن ثم فسر هذا النبأ فقال اني وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شيء اني وجدت امرأة تملكهم اي تملك قبيلة سبأ وهي امرأة واوتيت من كل شيء يؤتاه الملوك من الاموال والسلاح والجنود والحصون والقلاع ونحو ذلك. اي كرسي ملكها الذي تجلس عليه عرش هائل. وعظم العروش تدل على عظمة المملكة وقوة السلطان وكثرة رجال الشورى وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان اعمالهم فضلا وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله اي هم مشركون يعبدون الشمس وزين لهم الشيطان اعمالهم. فرأوا ما هم عليه هو الحق لان الذي يرى ان الذي هو عليه حق لا مطمع في هدايته حتى تتغير عقيدته. ثم قال الذي يخرج الخبء في السماوات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون. اي هلا اسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والارض ان يعلم الخفي الخبيء في اقطار السماوات وانحاء الارض من صغار المخلوقات وبذور نباتات وخفايا الصدور. ويخرج خبء الارض والسماء بانزال المطر. وانبات النباتات ويخرج خبء الارض عند النفخ في الصور واخراجها الاموات من الارض ليجازيهم باعمالهم لا اله الا هو رب العرش العظيم. الله لا اله الا هو اي لا تنبغي العبادة والانابة اعظم الذي اذا دعا الله به اجاب واذا سأل به اعطي. انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك. بان يدعو الله بذلك اسم فيحضر حالا وانه دعا الله فحضر فالله اعلم هل هذا هو المراد؟ ام ان عنده علما من الكتاب يقتدر والذل والحب الاله لانه المألوه لما له من الصفات الكاملة والنعم الموجبة لذلك الذي هو سقف المخلوقات ووسع الارض والسماوات. فهذا الملك عظيم السلطان كبير الشأن. هو الذي يذل له ويخضع ويسجد له ويركع. فسلم الهدهد حين القى اليه هذا النبأ العظيم. وتعجب سليمان كيف خفي عليه. وقال مثبتا لكمال عقله ورزانته فانظر ماذا يرجعون اذهب بكتابي هذا فالقه اليهم ثم تولى عنهم. اي استأخر غير بعيد انظر ماذا يرجعون اليك وما يتراجعون به. فذهب به فالقاه عليهم فقالت لقومها اني القي الي كتاب كريم اي جليل المقدار من اكبر لملوك الارض ثم بينت مضمونه فقالت انه من سليمان وانه بسم الله الا تعلوا علي واتوني مسلمين. اي لا تكونوا فوقي بل اخضعوا تحت سلطاني من قادوا لاوامري واقبلوا الي مسلمين. وهذا في غاية الوجازة مع البيان التام. فانه تضمن نهيهم عن من علو عليه والبقاء على حالهم التي هم عليها والانقياد لامره والدخول تحت طاعته ومجيئهم اليه ودعوتهم الى الاسلام وفيه استحباب ابتداء الكتب بالبسملة كاملة. وتقديم الاسم في اول عنوان الكتاب. فمن حزمها وعقلها انجز جمعت كبار دولتها ورجال مملكتها وقالت قالت يا ايها الملأ افتوني في امري ما كنت قاطعة امرا حتى تشهد يا ايها الملأ افتوني في امري. اي اخبروني ماذا نجيبه به؟ وهل ندخل تحت طاعته وننقاد؟ ام ماذا نفعل ما كنت قاطعة امرا حتى تشهدون. ما كنت مستبدة بامر دون رأيكم ومشورتكم قالوا نحن اولو قوة واولو بأس شديد. اي ان رددت عليه قوله ولم تدخلني في طاعته فان اقوياء على القتال. فكأنهم مالوا الى هذا الرأي الذي لو تم لكان فيه دمارهم. ولكنهم ايضا لم يستقروا وعليه بل قالوا والامر اليك فانظري ماذا تأمرين والامر اليك اي الرأي ما رأيت لعلمهم بعقلها وحزمها ونصحها لهم. فانظري نظر فكر وتدبر ماذا تأمرين؟ قالت مقنعة لهم بالعدول عن رأيهم. ومبينة سوء مغبة القتال وجعلوا اعزة اهلها اذلة. وكذلك يفعلون. ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها قتلا واسرى ونهبا لاموالها وتخريبا لديارها. وجعلوا اعزة اهلها اذلة. اي جعلوا رؤساء السادة اشراف الناس من الاذلين. اي فهذا رأي غير سديد. وايضا فلست بمطيعة له قبل الاختبار وارسال من يكشف عن احواله ويتدبرها. وحينئذ نكون على بصيرة من امرنا. فقالت بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون. فناظرة بما يرجع المرسلون هل يستمر على رأيه وقوله؟ ام تخدعه الهدية؟ وتتبدل فكرته؟ وكيف احواله وجنوده؟ فارسلت اليه بهدية مع رسل من عقلاء قومها وذوي الرأي منهم بل انتم بهديتكم فلما جاء سليمان اي جاءه الرسل بالهدية. قال منكرا عليهم ومتغيظا على عدم اجابتهم اتمدونني بمال فما اتاني الله خير مما اتاكم. فليست تقع عندي موقعا ولا افرح بها. قد اغناني الله عنها واكثر علي النعم. لحبكم للدنيا ما بايديكم بالنسبة لما اعطاني الله. ثم اوصى الرسول من غير كتاب بما رأى من عقله. وانه سينقل كلامه على وجهه فقال ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجن ارجع اليهم اي بهديتك فلنأتين انهم بجنود لا قبل لهم اي لا طاقة لهم بها فرجع اليهم وابلغهم ما قال سليمان. وتجهزوا للمسير الى سليمان. وعلم سليمان انهم لابد ان يسيروا اليه فقال لمن حضره من الجن والانس ان يأتوني مسلمين. ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين. اي لاجل ان نتصرف فيه قبل ان فتكون اموالهم محترمة قال عفريت من الجن والعفريت هو القوي النشيط جدا انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك. والظاهر ان سليمان ذاك في الشام فيكون بينه وبين سبأ نحو مسيرة اربعة اشهر شهران ذهابا وشهران ايابا ومع ذلك يقول هذا العفريت انا التزم بالمجيء به على كبره وثقله وبعده. قبل ان تقوم من مجلسك الذي انت فيه. والمعتاد من المجالس الطويلة ان تكون معظم الضحى نحو ثلث يوم هذا نهاية المعتاد. وقد يكون دون ذلك او اكثر وهذا الملك العظيم الذي عند احد رعيته هذه القوة والقدرة وابلغ من ذلك ان قال الذي عنده علم من الكتاب قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد اليك قال المفسرون هو رجل عالم صالح عند سليمان يقال له اصف بن برخياء كان يعرف اسم الله به على جلب البعيد وتحصيله الشديد فلما رآه مستقرا عنده حمد الله تعالى على اقداره وملكه وتيسير الامور له. قال هذا من فضل ربي ليبلوني اأشكر ام اكفر؟ اي ليختبرني بذلك؟ فلم يغتر عليه السلام بملكه وسلطانه وقدرته كما هو دأب الملوك الجاهلين. بل علم ان ذلك اختبار من ربه فخاف الا يقوم بشكر هذه النعمة ثم بين ان هذا الشكر لا ينتفع الله به وانما يرجع نفعه الى صاحبه فقال ومن شكر فان لنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم غني عن اعماله. كريم كثير الخير يعم به الشاكر والكافر. الا ان شكر نعمه داع للمزيد منها. وكفرها داع لزوالها. ثم قال لمن عنده الذين لا يهتدون نكروا لها عرشها اي غيروه بزيادة ونقص ونحو ذلك. ننظر مختبرين لعقلها اتهتدي للصواب ويكون عندها ذكاء وفطنة تليق بملكها قيل اهكذا عرشك قالت انه هو فلما جاءت قادمة على سليمان عرض عليها عرشها وكان عهدها به قد خلفته في بلدها وقيل لها اهكذا عرشك اي انه استقر عندنا ان لك عرشا عظيما فهل هو كهذا العرش الذي احضرناه لك؟ قالت كانه هو هذا من ذكائها وفطنتها. لم تقل هو لوجود التغيير فيه والتنكير. ولم تنفي انه هو لانها عرفته. فاتت بلفظ محتملين للامرين صادق على الحالين. فقال سليمان متعجبا من هدايتها وعقلها وشاكرا لله ان اعطاه منها واوتينا العلم من قبله بها اي الهداية والعقل والحزم من قبل هذه الملكة وكنا مسلمين. وهي الهداية النافعة الاصلية. ويحتمل ان هذا من قول ملكة سبأ واوتينا العلم عن ملك سليمان وسلطانه. فزيادة اقتداره من قبل هذه الحالة. التي رأينا فيها على احضار العرش من المسافة البعيدة فاذعنا له وجئنا مسلمين له خاضعين لسلطانه. قال الله تعالى وصدها ما كانت تعبد من دون الله. اي عن الاسلام والا فلها من الذكاء والفطنة. ما به تعرف الحق من الباطل ولكن العقائد الباطلة تذهب بصيرة القلب فاستمرت على دينهم وانفراد الواحد عن اهل الدين والعادة المستمرة بامر يراه بعقله من ضلالهم وخطأهم من اندر فيكون فلهذا لا يستغرب بقاؤها على الكفر. ثم ان سليمان اراد ان ترى من سلطانه ما يبهر العقول. فامرها ان تدخل الصرح وهو المجلس المرتفع المتسع وكان مجلسا من قوارير تجري تحته الانهار قرأت فلما رأته حسبته لجة ماء لان القوارير الشفافة يرى الماء الذي تحتها كانه بذاته يجري ليس دونه شيء. وكشفت عن ساقيها لتخوضه وهذا ايضا من عقلها وادبها. فانها لم تمتنع من الدخول للمحل. الذي امرت بدخوله. لعلمها انها لم تستدعى الا للاكرام وان ملك سليمان وتنظيمه قد بناه على الحكمة. ولم يكن في قلبها ادنى شك من حالة السوء بعدما رأت ما رأت. فلما استعدت الخوض قيل لها انه صرح ممرد اي مملس من قوارير فلا حاجة منك لكشف الساقين. فحينئذ لما وصلت الى سليمان وشاهدت ما شاهدت وعلمت نبوته ورسالته تابت ورجعت عن كفرها واسلمت مع سليمان لله رب فهذا ما قصه الله علينا من قصة ملكة سبأ وما جرى لها مع سليمان ومع عدا ذلك من الفروع المولدة والقصص الاسرائيلية. فانه لا يتعلق بتفسير لكلام الله. وهو من الامور التي يتوقف الجزم بها على الدليل المعلوم عن المعصوم. والمنقولات في هذا الباب كلها او اكثرها ليس كذلك. فالحزم كل الحزم الاعراض عنه وعدم ادخالها في التفاسير والله اعلم