وقال تعالى ايحسب الانسان ان يترك سدى ثم كان علقة فخلق فسوى فاجعل منه الزوجين الذكر والانثى. اليس ذلك بقادر على الذي نقله في هذه الاطوار لا يليق به ان يتركه هملا مهملا لا المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله الحق الواضح المبين في شرح توحيد الانبياء والمرسلين. بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين. اللهم يسر واعن يا كريم الحمد لله رب العالمين واشهد انه الاله الحق الملك المبين. واشهد ان محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين. اللهم صل على محمد وعلى اله واصحابه ومن تبعهم الى يوم الدين. اما بعد فقد كنت وضعت شرحا على توحيد الانبياء والمرسلين من الكافية الشافية للمحقق شمس الدين ابن القيم رحمه الله اطلت فيه واكثرت فيه من النقول عن كتب المؤلف فبدا لي ان الخصه بشرح متوسط الصدق يأتي باغراضه ومقاصده ويحتوي على المهم من مسائله وفوائده. وارجو الله تعالى ان يجعله خالصا لوجهه موافقا لمرضى نافعا لكاتبه وقارئه انه جواد كريم. قال المصنف رحمه الله فصل في توحيد الانبياء والمرسلين ومخالفة فتيه لتوحيد الملاحدة والمعطلين. وهذا التوحيد هو التوحيد على الحقيقة الذي لا يستحق هذا الاسم غيره. وهو التوحيد الوحيد في ذاته وحقيقته وادلته وبراهينه واثاره الجميلة وثمراته الجزيلة. وهو التوحيد الذي بعث الله به جميع رسله. وانزل لاجله كتبه وخلق المخلوقات وشرع الشرائع لاقامته واقام الادلة العقلية والنقلية والافاقية والنفسية على صحته وكماله ووجوبه وتعينه طريقا للنجاة من شرور الدنيا والاخرة. ووسيلة الى السعادة والفلاح. وهو الذي لا يحصل للقلوب زكاة ولا سرور ولا طمأنينة ولا ايمان صحيح ويقين الا به. وهو الاصل والاساس لجميع الاعمال. وهو التوحيد الذي عليه خيار الخلق واكمله عقولا وازكاهم نفوسا واجمعهم للمحاسن وهم جميع الانبياء والمرسلين وائمة الهدى ومصابيح الدجى واصحابهم واتباعهم ونبذه وزهد فيه كل ملحد ومعطل ممن فسدت اديانهم ومرجت عقولهم واكتسبوا شر الاخلاق وممن خالفوا الانبياء في طريقه وتوحيدهم في الدليل والمدلول. فتوحيد الانبياء مشتمل على الحق والصدق المزكي للنفوس المطهر للاخلاق. وادلته كل دليل عقلي صريح وكل دليل نقلي صحيح. وتوحيد الملاحدة والمعطلين مشتمل على ما ابطل الباطل. مؤيد بالشبه التي هي عليه الى جهل اصحابها وفساد عقولهم وافهامهم من اكبر الادلة. ولهذا قال المصنف فاسمع اذا توحيد رسل الله ثم ما اجعله داخل كفة الميزان. مع هذه الانواع وانظر ايها او لا لدى الميزان وذلك ان الشيء يعرف بضده والحق يتضح ويظهر نوره بمعرفته ومعرفة ما يضاده من الباطل. فانك اذا وزنت بميزان العقل الحقيقي والفطر السليمة التي لم تتغير والبراهين الدالة على الحقائق توحيد الانبياء والمرسلين وتوحيد المعطلين وجدت بينهما من الفروق ما لا يخفى على من له ادنى مسكت من عقل. وكيف يوزن توحيد المعطلين الملحدين المشتمل على سبة رب العالمين ووصفه بكل صفة ناقصة ونفي حقائق اوصافه الكاملة والافتراء عليه وعلى كتبه ورسله. وجعل المخلوق من جميع الوجوه مساويا للخالق الكامل في اسمائه وصفاته من جميع الوجوه. بتوحيد الانبياء والمرسلين المحتوي على تعظيم رب عالمين وتقديسه وتمجيده والثناء عليه باكمل الثناء ووصفه بكل صفة كمال وتنزيهه عن التشبيه والتمثيل وعن مشاركة المخلوقات في خصائص صفاته المقدسة وكماله العظيم. وكيف يوزن توحيد يرقي اصحابه الى اعلى عليين بتوحيد النفاة التي ينزل باهله الى اسفل سافلين. ام كيف يوزن توحيد يجعل من اتصف به هاديا مهديا وطاهرا مرضيا بتوحيد يكسب اهله الضلال والاضلال وارذل الخصال ويفضي بهم الى الشقاء الابدي. توحيدهم نوعان قولي وفعلي كلاب تنوعيه ذو برهان. يعني ان توحيد الانبياء ينقسم الى قسمين. احدهما التوحيد الفعلي وهو افراد الله بالمحبة جل وسائر العبادات والتقربات. ويأتي اخر الفصول هو المسمى توحيد العبادة وتوحيد الالهية. وسمي توحيدا فعليا لان انه متضمن لافعال القلوب والجوارح. فهو توحيد الله بافعال العبيد. وانه لا يتخذ له شريك ولا نديد. والثاني التوحيد القوي الاعتقادي وهو المشتمل على اقوال القلوب. وهو اعترافها واعتقادها. وعلى اقوال اللسان والثناء على الله بتوحيده. وهذا النوع هو توحيد الاسماء والصفات الذي يدخل فيه توحيد الربوبية. وكل واحد من النوعين له براهين وادلة عقلية ونقلية فبدأ المصنف بالتوحيد القولي فقال فالاول القول ذو نوعين ايضا في كتاب الله وجوداني احداهما سلب ودا نوعان ايضا فيه حقا فيه مذكوران والعيوب جميعها عنه هما نوعان معقولان. يعني ان التوحيد القولي على نوعين موجودين في كتاب الله وكذلك في السنة. احدهما سلب اي نفي النقائص والعيوب عن الله تعالى. والثاني اثبات صفات الكمال لله تعالى كما سيأتي ان شاء الله وبدأ بالسلب لانه وسيلة ومقصود لغيره فان المقصود الاعظم من التوحيد اثبات صفات المدح والحمد ونفي كل نفاه الله عن نفسه او نفاه عنه رسوله من النقائص فانه متضمن للمدح والثناء على الله بضد ذلك النقص من الاوصاف الحميدة والافعال الرشيدة وهذا السلب على قسمين ذكرهما المصنف بقوله سلب لمتصل ومنفصل هما نوعان معروفان اما ثاني سلب الشريك مع الظهير مع الشفيع بدون اذن الخالق الديان. وكذلك كسلب الزوج والولد الذي نسبوا اليه عابد الصلبان. وكذلك نفي الكفر ايضا والولي لنا سوى الرحمن ذي الغفران. يعني ان ما ينزه الله عنه من النقص نوعان سلب لمتصل وضابطه نفي ما يناقض ما وصف به نفسه او وصفه به رسوله من كل ما يضاد الصفات الكاملة. وسلب لمنفصل وضابطه تنزيه رب العالمين عن ان يشاركه احد من الخلق في خصائصه التي لا تكون لغيره من التوحد والتفرد بالكمال وان يفرد بالعبودية وذلك كنفي شريكي له في ربوبيته والهيته فانه منفرد بالملك والقدرة والتدبير فليس له في ذلك شريك. وليس له ايضا ظهير اي معين دين يعاونه على خلق شيء من المخلوقات او تدبيرها لكمال قدرته وسعة علمه ونفوذ مشيئته وعجز المخلوقين وعدم حولهم قوتهم الا بالله. فالشريك والظهير منفيان عنه مطلقا. واما الشفيع فانه من عظمته وكمال ملكه ينزه عن ان يشفع عنده احد الا واما الشفاعة عنده باذنه من الانبياء والاصفياء لاهل الجرائم. فانها ثابتة كما اثبتها في عدة مواضع من كتابه. وذلك لانها دالة على كمال رحمته وعموم احسانه. فانها من رحمته بالشافع والمشفوع له. فالشافع ينال بها الاجر والثناء من الله ومن خلقه الشفوع له يرحمه الله على يد من اذن له بالشفاعة فيه. ومع هذا فلا يأذن لاحد ان يشفع الا فيمن رضي قوله وعمله. وهو من كان مخلصا له متابعا لرسول الله. قال تعالى نافيا مشاركة احد له في الامور الثلاثة الملك والشركة فيه والمعاونة والشفاعة بغيره باذنه ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له. فقطع بهذه الاية كل سبب يتوسل به المشركون لدعوة غيره. وبين ان من كان بهذا الوصف لا ملك له بوجه من الوجوه ولا شركة في الملك ولا معاونة ومظاهرة تنفيه وليس له شفاعة بدون اذن الله لا يستحق من العبادة مثقال ذرة. وكذلك ينزه الله عن اتخاذ الزوجة والولد الذي انتبهوا اليه عباد الصلبان حيث قالوا ان المسيح ابن الله. وكذلك عباد الاوثان. اذ قالوا الملائكة بنات الله. فكذب الله كل من زعم ان له زوجة او ولدا فقال قل هو الله احد. الله الصمد. لم يلد. ولم يولد. ولم يكن له كفوا احد. وقال ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله قال بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة. وخلق كل كشيء وهو بكل شيء عليم. الى غير ذلك من الايات النافية عن الله ان يتخذ صاحبة او ولدا او وشريكة بانه الواحد الاحد الفرد الصمد. الغني الذي لا يحتاج الى احد من خلقه بوجه من الوجوه. ولانه المالك لكل شيء وكل الخلق مملوكون له فقراء اليه. فمن كان كذلك فكيف يتخذ الصاحبة والولد تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا قالوا اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا ادا تكاد السماوات يتفطرن منا هو تنشق الارض وتخر الجبال هدا. ان دعوا للرحمن ولدا. وما ينبغي للرحمن ان يتخذ ولدا. ان كل من في السماوات والارض وقول المصنف نسبوا اليه عابد الصلبان. هذا على لغة من يلحق الفعل المسند الى الظاهر علامة التثنية والجمع. وهي لغة ضعيفة تحمل عليها الضرورة. واللغة الفصحى ان يفرد الفعل اسندوا الى الظاهر مطلقا. فيقال نسب اليه عابد الصلباني. قوله وكذلك نفي الكفؤ ايضا. اي يجب ويتعين ان ينفى ان يكون هنا احد مكافئا لله في كماله وحقوقه. قال تعالى ولم يكن له كفوا احد. وقال هل تعلم له وقال سبحانه وقال ليس كمثله شيء فليس احد كن مكافئا لله اي مساويا له في الاسماء والصفات ولا في الافعال. لانه الخالق الكامل من كل وجه وسواه مخلوق ناقص ان لم ربه بكمال المخلوق اللائق به. فليس لاحد صفات تقارب صفات الله ولا افعال تشبه افعال الله. بل ليس لاحد من الخلق استقلال بفعل شيء اصلا حتى يعينه الله على افعاله. ولهذا كانت افعال العباد تابعة لمشيئة الله مع وقوعها بارادته وقدرتهم فخالق القدرة والارادة خالق ما يكون بهما. قال تعالى في بيان الاصلين لمن شاء من وما تشاؤون الا يشاء الله رب العالمين. ومما ينفى عن الله وينزه عنه انه ليس لنا ولي سواه يجلب لنا المنافع. ويدفع عنا من المضار فليس لنا ولي سواه فانه تولى خلقنا ورزقنا وتدبيرنا وتربيتنا العامة والخاصة. فالولاية العامة ولاية الخلق والتدبير الشاملة للبر والفاجر. قال تعالى ما لكم من دونه من ولي. وقال فما له من والولاية الخاصة ولايته للمؤمنين المتقين يخرجهم بها من ظلمات الجهل والكفر والمعاصي كنور العلم والايمان والطاعة. قال تعالى الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين امنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وقال تعالى الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى وكذلك لم يتخذ من خلقه وليا من الذل لكمال اقتداره وغناه وعظمته. وانما يتخذ منهم اولياء رحمة بهم واحسانا اليهم يحبهم ويحبونه. والحاصل انه ليس احد مساويا لله تعالى او مماثلا او معينا او وزيرا او تاجا اليه بوجه من الوجوه. والاول التنزيه للرحمن عنه. وصف العيوب وكل ذي نقصان كالموت والاعياء والتعب الذي ينفي اقتدار الخالق الديان والنوم والسنة التي هي اصله وعزوب شيء عنه في الاكوان. هذا القسم الاول من قسمي السلب المنفي عن الله وهو التنزيه لله عن ان يتصف بعيب او نقص مناف لكمال اوصافه. فهو موصوف بكل صفة كمال منزه عن ضدها وعن نقصها هو موصوف بكمال الحياة وبكمال القدرة. منزه عما يضادها من الموت والاعياء والتعب واللغوب. فانه لو كان موصوفا بشيء من هذا النقص كان ناقص القدرة. قال تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت. وقال والارض وما بينهما في ستة ايام وما مسنا من لغوب. ومنزه ايضا عما يضاد الحياء والقيومية من النوم والنعاس وهو السنة. قال تعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينام ولا ينام ينبغي له ان ينام وكذلك هو موصوف بالعلم المحيط بكل شيء يعلم ما في السماوات والارض ويعلم ما يسر العباد وما يعلنون منزه عما ينافي ذلك فلا يعزب ولا يغيب عن علمه وبصره وسمعه شيء في السماوات والارض. قال تعالى ان الله الا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء. وقال تعالى عالم الغيب لا يعلم عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض. ولا اصغر من ذلك ولا وكذلك العبث الذي تنفيه حكمته وحمد الله ذي الاتقان وكذلك ترك الخلق اهمالا سدى. لا يبعثون الى معاد ثاني. كلا ولا امر ولا نهي عليهم من اله ديان. اي وكذلك يجب تنزيه الله عن العبث في الخلق الامر فلم يخلق شيئا عبثا ولا باطلا ولا شرع شيئا الا لحكمة عظيمة. لانه حكيم حميد. فمن تمام حكمته وحمده اتقان المصنوعات واحكامها واحكام الشرائع على اكمل وجه واتمه. وهذا مشاهد في خلقه وشرعه. ومن تمام حكمته انه لم يخلق خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون على تلك الاوامر والنواهي. فالحكمة والحمد دالان على انه خلق المكلفين لينفذ فيهم احكامه الشرعية ويبتليهم بالاوامر والنواهي. ثم بعد ذلك يبعثهم بعد موتهم الى دار تجري فيها عليهم احكام الجزاء الثواب والعقاب. قال تعالى فتعالى الله الملك الحق لا اله الا هو رب العرش يؤمر ولا ينهى ولا يثاب ولا يعاقب. وكذلك ظلم عباده وهو الغني فما له والظلم لي في الانسان. اي وكذلك ينزه الباري عن الظلم للعباد بان يزيد في سيئاتهم او ينقص في حسناتهم. او يعاقبهم على ما لم يفعلوا فان الظلم لا يفعله الا من هو محتاج اليه او من هو موصوف بالجور. واما الله الغني عن خلقه من جميع الوجوه. الحكم والعدل الحميد فما له وظلم العباد. قال الله تعالى وما ربك بظلام للعبيد. وقال ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها. وقال سبحانه ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما. وقال على لسان نبيه يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. رواه مسلم. وكذلك غفلة تعالى وهو علام الغيوب فظاهر البطلان. وكذلك النسيان جل الى هنا لا يعتريه قط من نسياني. وكذلك حاجته الى طعم ورزق وهو رزاق بلا حسبان. اي كذلك ينزه عن الغفلة والنسيان بوجه من الوجوه لانه عالم الغيب والشهادة حلمه محيط لا يعرض له ما يعرض لعلم المخلوق من خفاء بعض المعلومات او نسيانها والذهول عنها. قال تعالى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى. وكذلك ينزه عن احتياجه الى الطعام والرزق فانه تعالى هو الرازق لجميع الخلق. الغني عنهم وكلهم فقراء اليه. قال تعالى وما خلقت الجن الا ليعبدون. ما اريد منهم من رزقي ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين وقال سبحانه تنزيه اوصاف الكمال والنكران. لسنا نشبه وصفه بصفاتنا ان المشبه عابد الاوثاني. كلا ولا نخلي اوصافه ان المعطل عابد البهتان. من مثل العظيم بخلقه فهو النسيب لمشرك نصراني. او عطل هذا النوع الثاني من نوع السلب الذي ينزه الله عنه الذي هو اول النوعين الثبوتي والسلبي في الميزان. اي في هذه القصيدة. وتقدم النوع الاول من قسمي السلب. وهو السلب المتصل والمنفصل المتضمن تنزيهه عن النقائص والعيوب. وعن مشاركة احد من له في صفاته الخاصة به. وعما يناقض كماله. وهذا النوع يرجع الى حفظ كماله ونعوت جلاله عن تشبيهها بصفات الخلق فلا يقال علم الله او قدرة الله كعلم الخلق او قدرتهم. ولا رحمته كرحمة خلقه. فان ذلك تشبيه لله بالخلق قال بهذا فانه يمثل بفكره صنما ووثنا يعبده كما فعل النصارى بالمسيح ابن مريم جعلوه الههم ومعبودهم شبه نسيب اي مشابه للنصراني. واما رب العالمين فهو فوق ما يظنون واعلى مما يتوهمون. فانه كما ان ذاته لا تشبهه ذوات المخلوقين فصفاته لا تشبهها صفاتهم. وينزه عن تعطيل صفاته ونفيها كما فعلته الجهمية. ومن تبعهم من متكلمين فان ذلك رد لنصوص الكتاب والسنة الدالة على اتصافه بكمال الايمان. فيتوهم المعطل ان ظاهر النصوص يدل على تشبيه فينفيها بوهمه الفاسد ويصير قلبه متعبدا للعدم المحض والنفي الصرف. فانه كفر بايات الله وتكذيب للرسل ورد لما جاءوا به. ولهذا قال المصنف فهو الكفور وليس ذا ايماني. وسيأتي ان شاء الله كلام المصنف في الكلام على الجهمية وغيرهم من اهل البدع. وبالجملة فالناس في هذا المقام ثلاثة اقسام مؤمن موحد ومشبه ومعطل. فالمؤمن الموحد يصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله من صفات الكمال على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته من غير تمثيل ولا تشبيه ومن غير تحريف ولا تعطيل لشيء من اوصاف الله. والمشبه هو الذي يشبه صفات الخالق بصفات المخلوقين. او يتعرض لمعرفة كونهها وحقيقتها التي لا يعلمها غير الله. والمعطل هو من نفى شيئا من صفات الله. وكل من المعطل والمشبه قد حرم الوصول الى معرفة الله على وجهها. وابتلي بالتكلف والتحريف لنصوص الوحي. وكما انه مناقض للوحي فهو مناقض لما دلت عليه العقول والفطر التي لم يطرأ عليها التغير. فلا معقول لديهم ولا منقول. وهدى الله اهل السنة والجماعة لاتباع الحق المنقول عن الله نهي عن رسله والمعقول لذوي الالباب. وذلك يظهر بتدبر ما عليه هذه الطرائف في المسائل والدلائل وتحقيقها. ونسأل الله الهداية لاقوم الطرق فصل في النوع الثاني من النوع الاول وهو الثبوت. وهذا اشرف النوعين واجلها وهو المقصود لذاته. ومجمله ما ذكره المصنف في هذا البيت هذا ومن توحيدهم اثبات اوصاف الكمال لربنا الرحمن اي من توحيد الانبياء والمرسلين واتباعهم ان يعترفوا ويثبتوا لله كل صفة للرحمن وردت في الكتب الالهية. وثبت في النصوص النبوية يتعرفون معناها ويعقلونه بقلوبهم ويتعبدون لله تعالى بعلمها واعتقادها ويعملون بما يقتضيه ذلك وصف من الاحوال القلبية والمعارف الربانية فاوصاف العظمة والكبرياء والمجد والجلال تملأ قلوبهم هيبة لله وتعظيما له تقديسا واوصاف العز والقدرة والجبروت تخضع لها القلوب وتذل وتنكسر بين يدي ربها. واوصاف الرحمة والبر والجود والكرم املأوا القلوب رغبة وطمعا فيه وفي فضله واحسانه وجوده وامتنانه. واوصاف العلم والاحاطة توجب للعبد مراقبة ربه في جميع حركات وسكناته ومجموع الصفات المتنوعة الدالة على الجلال والجمال والاكرام تملأ القلوب محبة لله وشوقا اليه. وتوجب له التأله والتعبد والتقرب من العبد الى ربه باقواله وافعاله بظاهره وباطنه. لقيامه بحقه وقيامه بحقوق خلقه. وبهذه المعاني الجليلة وتحقيقها يرجى للعبد ان يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم ان لله تسعة وتسعين أسماء من احصاها دخل الجنة. متفق كن عليه فاحصاؤها فهمها وعقلها والاعتراف بها والتعبد لله بها. ثم شرع يفصلها فقال كعلوه سبحانه فوق السماوات العلى بل فوق كل مكان. فهو العلي بذاته سبحانه يستحيل خلاف ذا ببياني. وهو الذي حقا على العرش استوى. قد قام بالتدبير لله الاكوان. اما علو الباري تعالى فوق جميع المخلوقات. ومباينته لها. فقد دل عليهما العقل والفطرة مع النصوص الكثيرة المتواترة فانه على بذاته فوق مخلوقاته. ويستحيل الا يكون عليا. فانه يمتنع ان يكون حالا في المخلوقات. فيتعجب حيا وان يكون فوقها مباينا لها. واما استواؤه على العرش العظيم فيستفاد من النقل الكتاب والسنة. قال تعالى على العرش استوى. واخبر انه العلي الاعلى وانه فوق عباده في مواضع كثيرة. وقد سئل الامام ما لك رحمه الله الله عن الاستواء فقال الاستواء معلوم. والكيف مجهول والايمان به واجب. وهكذا يجاب عن جميع ما اخبر الله به عن نفسه واخبر عنه رسوله فكما انه ثبت لله صفاته العظيمة على الوجه اللائق بجلاله وعظمته فالاستواء على العرش من جملة اوصافه فاستوى على العرش واحتوى على الملك يدبر الامر في اقطار العالم العلوي والسفلي. كما جمع بين الامرين في قوله ثم استوى على العرش خشي يدبر الامر حي مريد قادر متكلم. ذو رحمة وارادة وحنان اي هو تعالى حي حياة كاملة جامعة لجميع صفات الذات. ومن كمال حياته انه كامل القدرة نافذ الارادة والمشيئة مع المؤلف بين القدرة والارادة وهي المشيئة. لان جميع صفات الافعال المتعلقة بذاته كالاستواء على العرش ونزوله الى سماء الدنيا على ما وردت به النصوص والمجيء والاتيان والقول ونحو ذلك. والمتعلقة بخلقه كالاحياء والاماتة والخلق وانواع التدبيرات كلها اصدر عن القدرة والارادة فما وجد علم ان الله اراده. وما لم يوجد علم ان الله لم يرده. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة لاحد الا لشمول ارادته وكمال قدرته. وقوله متكلم اي لم يزل ولا يزال بالكلام موصوفا سيكلم بما اراد كيف اراد وحيث اراد. قال سبحانه وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. وسيأتي ان شاء الله القول في الكلام ذو رحمة وحنان اي قد اتصف بالرحمة وعم خلقه بالنعم وشملهم بالكرم والبر والحنان والجود هو اول هو اخر هو ظاهر هو باطن هي اربع بوزاني. ما قبله شيء كذا ما بعده شيء تعالى الله ذو السلطان. ما فوقه شيء كذلك اما دونه شيء وذا تفسير ذي البرهان. فانظر الى تفسيره بتدبر فتبصر وتعقل لمعاني. وانظر الى ما فيه من انواع مع رفة لخالق العظيم الشاني. اي هذا التفسير لهذه الاسماء الاربعة المباركة قد فسرها به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله انت الاول فليس قبلك شيء. وانت الاخر فليس بعدك شيء. وانت الظاهر فليس فوقك شيء. وانت الباطن فليس دونك شيء اخر الحديث ففسر كل اسم بمعناه العظيم ونفى عنه ما يضاده وينافيه. فتدبر هذه المعاني الجليلة الدالة على تفرد الرب العظيم بالكمال المطلق والاحاطة المطلقة الزمانية في قوله الاول والاخر والمكانية في الظاهر والباطن. فالاول يدل على ان كل ما سواه حادث بعد ان لم يكن ويوجب للعبد ان يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية او دنيوية. اذ السبب والمسبب منه تعالى والاخر يدل على انه هو الغاية والصمد الذي تصمد اليه المخلوقات بتألهها ورغبتها ورهبتها وجميع مطالبها والظاهر يدل على عظمة صفاته واضمحلال كل شيء عند عظمته من ذوات وصفات وعلى علوه. والباطن يدل على اطلاعه على والضمائر والخبايا والخفايا ودقائق الاشياء. كما يدل على كمال قربه ودنوه. ولا يتنافى الظاهر والباطن. لان الله ليس كمثله شيء في كل النعوت. وهو العلي فكل انواع العلو له فثابتة بلا نكران في القرآن من اسمائه الحسنى العلي الاعلى. وذلك دال على ان جميع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه. فله علو الذات فانه فوق المخلوقات وعلى العرش استوى اي علا وارتفع وله علو القدر وعلو صفاته وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق بل لا يقدر الخلائق كلهم ان يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته. قال تعالى ولا يحيطون به علما وبذلك يعلم انه ليس كمثله شيء في كل نعوته. وله علو القهر فانه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم فنواصيهم بيده وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع. وما لم يشأ لم يكن. فلو اجتمع الخلق على ايجاد ما لم يشأه الله لم يقدر ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه. وذلك لكمال اقتداره ونفوذ مشيئته وشدة افتقار المخلوقات كلها اليه من كل وجه وهو العظيم بكل معنى يوجب تعظيم لا يحصيه من انسان. يريد وان الله تعالى عظيم له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم. فلا يقدر مخلوق ان يثني عليه كما ينبغي له ولا يحصي ثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه عباده. واعلم ان معاني التعظيم الثابتة لله وحده نوعان. احدهما انه موصوف بكل بصفتك مال وله من ذلك الكمال اكمله واعظمه واوسعه. فله العلم المحيط والقدرة النافذة والكبرياء والعظمة. ومن عظمته ان السماوات السماوات والارض في كف الرحمن اصغر من الخردلة كما قال ذلك ابن عباس وغيره. وقال تعالى وما قدروا الله حق قدره الارض جميعا قبضته يوم القيامة. والسماوات مطويات بيمينه. وقال ان الله يمسك السماوات والارض ان زولا. ولان زالتا ان امسكهما من احد من بعده. وقال تعالى وهو العلي العظيم تكاد السماوات يتفطرن الاية. وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم ان الله يقول الكبرياء ردائي والعظمة ازاري فمن نازعني واحدا منهما عذبته فلله تعالى الكبرياء والعظمة الوصفان اللذان لا يقدر قدرهما ولا يبلغ كنههما النوع الثاني من معاني عظمته تعالى انه لا يستحق احد من الخلق ان يعظم كما يعظم الله. فيستحق جل جلاله من عباده ان يعظموا بقلوبهم والسنتهم وجوارحهم. وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته والذل له. والانكسار له والخضوع لكبريائه. والخوف من واعمال اللسان بالثناء عليه وقيام الجوارح بشكره وعبوديته. ومن تعظيمه ان يتقى حق تقاته فيطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر. ومن تعظيمه تعظيم ما حرمه وشرعه من زمان ومكان واعمال. قال تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب. وقال سبحانه ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه. ومن تعظيمه الا يعترض على شيء مما خلقه او شرعه وهو الجليل فكل اوصاف الجلال له محققة بلا بطلان وهو الجميل على الحقيقة كيف لا. وجمال سائر هذه الاكوان. من بعض دار الجميل فربها اولى واجدر عند ذي العرفان. فجماله بالذات والاوصاف والافعال والاسماء بالبرهان. لا شيء يشبه زاته وصفاته سبحانه يعني ان الله تعالى هو الجليل الذي له اوصاف الجلال. وهي اوصاف العظمة والكبرياء. ثابتة محققة لا يفوته منها وصف جلال وكمال. وكذلك هو الجميل بذاته واسمائه وصفاته وافعاله فلا يمكن مخلوقا ان يعبر عبر عن بعض جمال ذاته حتى ان اهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم واللذات والسرور والافراح التي لا يقدر قدرها اذا فرأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم. وتلاشى ما هم فيه من الافراح وودوا ان لو تدوم هذه الحال نسبوا من جماله ونوره جمالا الى جمالهم. وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع الى رؤية ربهم. ويفرحون بيوم المزيد فرحا تكاد تطير له القلوب. وكذلك هو الجميل في اسمائه. فانها كلها حسنى. بل احسن الاسماء على الاطلاق واجملها. قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها. وقال تعالى هل تعلم له سم يا كلها دالة على غاية الحمد والمجد والجمال. لا يسمى باسم منقسم الى كمال وغيره. وكذلك هو الجميل في اوصافه. فان صافه كلها اوصاف كمال ونعوت ثناء وحمد. فهي اوسع الصفات واعمها واكثرها تعلقا. خصوصا اوصاف الرحمة والبر الكرم والجود وكذلك افعاله كلها جميلة. فانها دائرة بين افعال البر والاحسان التي يحمد عليها ويثنى عليه ويشكر وبين افعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد فليس في افعاله عبث ولا سفه ولا سدى ولا ظلم كلها خير وهدى ورحمة ورشد وعدل. ان ربي على صراط مستقيم. فلكماله الذي لا يحصي احد عليه به ثناء كملت افعاله كلها فصارت احكامه من احسن الاحكام. وصنعه وخلقه احسن خلق وصنع اتقن ما صنع صنع الله الذي اتقن كل شيء واحسن ما خلقه. الذي احسن كل شيء خلقه ومن احسن من الله حكما لقومي يوقنون. ثم استدل المصنف بدليل عقلي على جمال الباري وان الاكوان محتوية على اصناف الجمال وجمالها من الله تعالى. فهو الذي كساها الجمال واعطاها الحسن. فهو اولى منها. لان معطي الجمال احق بالجمال. فكل جمال في الدنيا والاخرة باطني وظاهري. خصوصا ما يعطيه المولى لاهل الجنة من الجمال في رجالهم ونسائهم فلو بدا كف واحدة من الحور العين الى الدنيا وطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم اليس الذي كساهم ذلك الجمال ومن عليهم بذلك الحسن والكمال؟ احق منهم بالجمال الذي ليس كمثله شيء. فهذا دليل عقلي واضح مسلم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها من صفاته. قال تعالى ولله المثل الاعلى. فكل ما وجد في المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصا فان معطيه وهو الله احق به من المعطي بما لا نسبة بينه وبينهم كما لا نسبة لذواتهم الى ذاته وصفاتهم الى صفاته. الذي اعطاهم السمع والبصر والحياة والعلم والقدرة والجمال احق منهم بذلك كيف يعبر احد عن جماله وقد قال اعلم الخلق به لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك. وقال حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه. فسبحان الله فتقدس عما يقول الظالمون النافون لكماله علو كبيرا وحسبهم مقتا وخسارا انهم حرموا من الوصول الى معرفته والابتهاج بمحبته. وجمع المؤلف بين الجليل والجميل تمام التعبد لله هو التعبد بهذين الاسمين الكريمين. فالتعبد بالجليل يقتضي تعظيمه وخوفه وهيبته واجلاله. والتعبد باسمه الجميل يقتضي محبته والتأله له وان يبذل العبد له خالص المحبة وصفو الوداد بحيث يسيح القلب في رياض معرفته يا دين جماله ويبتهج بما يحصل له من اثار جماله وكماله. فان الله ذو الجلال والاكرام وهو المجيد صفاته اوصاف تعظيم فشأن الوصف اعظم شأن. المجيد الذي له المجد العظيم. والمجد هو عظمة الصفات وساعتها فكل وصف من اوصافه عظيم شأنه فهو العليم الكامل في علمه الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء. القدير الذي لا يعجزه شيء الحليم الكامل في حلمه الحكيم الكامل في حكمته الى بقية اسمائه وصفاته وهو السميع يرى ويسمع كلما في الكون من سر ومن اعلان. ولكل صوت منه سمع حاضر. فالسر اعلان مستويان والسمع منه واسع الاصوات لا. يخفى عليه بعيدها وهو البصير يرى دبيب النملة السوداء تحت الصخر والصواني ويرى دار القوت في اعضائها ويرانياق عروقها بعياني. ويرى خيانات العيون بلحظها ويرى كذا تقلب الاجفان. هذه الابيات في شرح هذين الاسمين الكريمين السميع البصير وكثيرا ما يقرن الله بينهما مثل قوله. فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة والباطنة فالسميع الذي احاط سمعه بجميع المسموعات. فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الاصوات معها سرها وعلنها وكانها لديه صوت واحد. لا تختلط عليه الاصوات ولا تخفى عليه جميع اللغات. والقريب منها البعيد والسر والعلانية عنده سواء. سواء منكم من اسر القول ومن جهر ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار. وقال سبحانه قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير. قالت عائشة رضي الله عنها تبارك الذي وسع سمعه الاصوات. لقد جاءت المجادلة تشتكي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا في جانب الحجرة وانه ليخفى علي بعض كلامها. فانزل الله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الاية وسمعه تعالى نوعان احدهما سمعه لجميع الاصوات الظاهرة والباطنة الخفية والجلية واحاطته التامة بها. الثاني سمعه الاجابة منه للسائلين والداعين والعابدين. فيجيبهم ويثيبهم ومنه قوله تعالى ان ربي لسميع الدعاء. وقول المصلي سمع الله لمن حمده اي استجاب ثم قال المصنف وهو البصير اي الذي احاط بصره بجميع المبصرات في اقطار الارض والسماوات حتى اخفى ما يكون فيها فيرى دبي النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. وجميع اعضائها الباطنة والظاهرة وسريان القوت في اعضائها الدقيقة ترى سريان الماء في اغصان الاشجار وعروقها وجميع النباتات على اختلاف انواعها وصغرها ودقتها. ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة واصغر من ذلك فسبحان من تحيرت العقول في عظمة وسعة متعلقات صفاته وكمال عظمته ولطفه وخبرته بالغيب والشهادة والحاضر والغائب. ويرى خيانات الاعين وتقلبات الاجفان وحركات الجنان. قال تعالى الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين انه هو السميع العليم وقال سبحانه يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور. وقال والله على كل شيء شهيد. اي مطلع ومحيط علمه وبصره وسمعه بجميع الكائنات وهو العليم احاط علما بالذي في الكون من سر ومن اعلان. وبكل شيء علمه سبحانه فهو المحيط وليس ذا نسياني. وكذلك يعلم ما يكون غدا وكذلك امر لم يكن لو كان كيف يكون هذا تفسير لاسمه العليم باحسن تفسير واجمعه. فهو العليم المحيط علمه بكل شيء. بالواجبات الممتنعات والممكنات يعلم تعالى نفسه الكريمة ونعوته المقدسة واوصافه العظيمة وهي الواجبات التي لا يمكن الا وجودها ويعلم الممتنعات حال امتناعها ويعلم ما يترتب على وجودها لو وجدت كما قال تعالى لو كان فيهما ال جهات الا الله لفسدتا. وقال تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من ياه اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض. فهذا وشبهه من ذكر علمه بالممتنعات التي يعلمها واخباره بما ينشأ عنها لو وجدت على وجه الفرض والتقدير. ويعلم تعالى الممكنات وهي التي يجوز وجودها وعدمها ما وجد منها وما لم يوجد مما لم تقتضي الحكمة ايجاده. فهو العليم الذي احاط علمه بالعالم العلوي السفلي لا يخلو عن علمه مكان ولا زمان. ويعلم الغيب والشهادة والظواهر والبواطن والجلي والخفي. قال الله الله بكل شيء عليم. والنصوص في ذكر احاطة علم الله وتفصيل دقائق معلوماته كثيرة جدا لا يمكن يمكن حصرها واحصاؤها وانه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر وانه لا يغفل ولا وان علوم الخلائق على سعتها وتنوعها اذا نسبت الى علم الله اضمحلت وتلاشت. كما ان قدرهم اذا نسبت الى قدرة لله لم يكن لها نسبة اليها بوجه من الوجوه. فهو الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون. واقدرهم على ما لم يكونوا عليه قادرين وكما ان علمه محيط بجميع العالم العلوي والسفلي وما فيه من المخلوقات ذواتها واوصافها وافعالها وجميع امورها فهو ويعلم ما كان وما يكون في المستقبلات التي لا نهاية لها. وما لم يكن لو كان كيف كان يكون. ويعلم احوال المكلفين منذ ان وبعدما يميتهم وبعدما يحييهم قد احاط علمه باعمالهم كلها خيرها وشرها. وجزاء تلك الاعمال وتفاصيل ذلك في دار القرار فصل وهو الحميد فكل حمد واقع او كان مفروضا مدى الازمان ملأ الوجود جميعه ونظيره من غير ما عد ولا حسبان واهله وبحمده كل المحامد وصف ذي الاحسان. هذا تفسير لاسمه الحميد. فذكر انه حميد من وجهين احدهما ان جميع المخلوقات ناطقة بحمده. فكل حمد وقع من اهل السماوات والارض الاولين منهم والاخرين. وكل حمد يقع منهم في الدنيا والاخرة. وكل حمد لم يقع منهم بل كان مفروضا ومقدرا حيث ما تسلسلت الازمان واتصلت الاوقات حمدا يملأ الوجود كله العالم العلوي والسفلي ويملأ نظير الوجود من غير عد ولا احصاء. فان الله تعالى مستحقه من وجوه كثيرة منها ان الله هو الذي خلقهم ورزقهم. واسدى عليهم النعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية. وصرف عنهم النقم والمكاره فما بالعباد من نعمة فمن الله. ولا يدفع الشرور الا هو فيستحق منهم ان يحمدوه في جميع الاوقات. وان يثنوا عليه ويشكروه بحوثهم فافهمه فهم بياني. من وافق الكوني وافق سخطه او لم يوافق طاعته الرحمن. فلذاك لا يعدوه ذم او فوات الحمد مع اجر ومع رضوان موافق الدين لا يعدوه اجر بل له عند الصواب اثنان فصل والحكمة العليا عدد اللحظات الوجه الثاني انه يحمد على ما له من الاسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا والمدائح والمحامد والنعوت الجليلة الجميلة له فله كل صفة كمال وله من تلك الصفة اكملها واعظمها. فكل صفة من صفاته يستحق عليها اكمل الحمد والثناء. فكيف بجميع الاوصاف المقدسة فله الحمد لذاته وله الحمد لصفاته وله الحمد لافعاله. لانها دائرة بين افعال الفضل والاحسان وبين عالي العدل والحكمة التي يستحق عليها كمال الحمد وله الحمد على خلقه وعلى شرعه وعلى احكامه القدرية واحكامه الشرعية الجزاء في الاولى والاخرة وتفاصيل حمده وما يحمد عليه لا تحيط بها الافكار ولا تحصيها الاقلام وهو المكلم عبده موسى بتكليم الخطاب وقبله الابوان. كلماته جلت عن الاحصاء اعدادي بل عن حصر ذي الحسبان. لو ان اشجار البلاد جميعها الاقلام تكتبها كل بنان والبحر تلقى فيه سبعة ابحر لكتابة الكلمات كل زمان ولم تنفد بها كلماته ليس الكلام من الاله بفاني. يعني انه تبارك وتعالى متكلم اذا شاء وكيف شاء. ولم يزل ولا يزال بصفة الكلام معروفا موصوفا. وكلامه تعالى من صفاته الذاتية الفعلية غير مخلوق من كسائر صفات افعاله. قال الله تعالى وكلم الله موسى تكليما. وذكر كلامه للابوين في عدة مواضع من كتابه قال تعالى في سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم قال سبحانه قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلماتك تربي ولو جئنا بمثله مددا. فالكلام متعلقاته عامة عظيمة. يتكلم تعالى بما يتعلق بذاته وصفاته وافعاله وبما يتعلق بجميع مخلوقاته بالاحكام القدرية والاحكام الشرعية واحكام الجزاء. وكلماته كلها عز وصدق. صدق في الاخبار. ومن اصدق من الله قيلا. وعدل في الاوامر والنواهي. والقرآن العظيم من اجل كلامه واشرفه واعلاه. وكذلك الكتب التي انزلها على رسله. ويكلم عباده وتكليمه اياهم نوعان. نوع بلا واسطة كما كلم موسى بن عمر عمران صلى الله عليه وسلم والابوين. وكما خاطب محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به اليه. وكما يخاطب اهل الموقف واهل الجنة في الجنة حين يرونه ويكلمهم ويكلمونه. والنوع الثاني تكليمه لعباده بواسطة اما بالوحي الخاص انبياء واما بارساله اليهم رسولا يكلمهم من امره بما يشاء. وقد ذكر الله هذه الانواع في قوله وما كان لبشر من ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب. او يرسل فيوحي باذنه ما يشاء. واعلم ان صفة الكلام من صفاته الذاتية من حيث تعلقها قيامها بذاته واتصافه بها. ومن صفاته الفعلية من حيث تعلقها بقدرته ومشيئته. فاذا كان من المعلوم ان الله لم يزل ولا يزل كامل القدرة نافذ المشيئة. علم انه لم يزل ولا يزال متكلما اذا شاء. لان الكلام من اعظم صفات الكمال التي يستحيل نفيها عن الله تعالى. وكلماته غير متناهية فلا تفنى ولا تبيد. ولم يقدر الله حق قدره من زعم ان كلامه مخلوق كن في جملة المخلوقات التي تنتهي. وتصور هذا القول كاف في رده وهو القدير فليس يعجزه اذا ما شيئا قط ذو سلطان. وهو القوي له القوي جمعا تعالى الله ذو الاكوان سلطاني وهو العزيز فلن يرام جنابه النا يرام جناب ذي السلطان هو العزيز القاهر الغلاب لم يغلبه شيء هذه صفتان. وهو العزيز بقوة هي وصفه فالعز حينئذ ثلاث معاني. وهي التي كملت له سبحانه هذه الاسماء الثلاثة العظيمة القدير القوي العزيز معانيها متقاربة فهو تعالى كامل القوة عظيم القدرة شامل العزة. قال سبحانه ان العزة لله جميعا. فمع العزة الثلاثة كلها كاملة لله العظيم. عزة القوة الدال عليها من اسمائه القوي المتين. وهي وصفه العظيم الذي لا تنسب اليه قوة المخلوقات وان عظمت وعزة الامتناع فانه هو الغني بذاته فلا يحتاج الى احد ولا يبلغ العباد فيضروه ولا نفعه فينفعوه. بل هو الضار النافع المعطي المانع. وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لارادته. فجميع نواصي المخلوقات بيده لا يتحرك منها متحرك ولا يتصرف متصرف الا بحوله وقوته واذنه. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة الا به. فمن قوته واقتداره يا على نوعين اي ضمح الصلة بقواطع البرهان. احداهما في خلقه سبحانه نوعان ايضا ليس يفترقان. احكام هذا الخلق اذ ايجاده في غاية احكام والاتقان وصدوره من اجل غايات له وله عليها حمد كل لسان لانه خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام. وانه خلق الخلق ثم يميتهم ثم يحييهم. ثم اليه يرجعون قال سبحانه ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة. وقال يعيده وهو اهون عليه. ومن اثار قدرته انك ترى الارض هامدة فاذا انزل عليها الماء اهتزت وانبتت من كل زوج بهيج ومن اثار قدرته ما اوقعه بالامم المكذبين والكفار الظالمين من انواع العقوبات وحلوله المثلات وانه لم يغني عنهم كيدهم ومكرهم ولا اموالهم ولا جنودهم ولا حصونهم من عذاب الله من شيء لما جاء امر ربك وما زادهم غير تبيب. وخصوصا في هذه الاوقات فان هذه القوة الهائلة والمخترعات الباهرة التي وصلت اليها مقدرة وهذه الامم هي من اقدار الله لهم وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمونه. فمن ايات الله ان قواهم وقدرهم ومخترعاتهم لم تغن عنهم شيئا في صد ما اصابهم من النكبات والعقوبات المهلكة مع بذل جدهم واجتهادهم في توقي ذلك ولكن امر الله غالب وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي والسفلي. ومن تمام عزته وقدرته وشمولهما انه كما انه هو الخالق للعبادة فهو خالق اعمالهم وطاعتهم ومعاصيهم. وهي ايضا افعالهم فهي تضاف الى الله خلقا وتقديرا وتضاف اليهم فعلا مباشرة على الحقيقة ولا منافاة بين الامرين فان الله خالق قدرتهم وارادتهم وخالق السبب التام خالق للمسبب قال تعالى والله خلقكم وما تعملون. ومن اثار قدرته ما ذكره في كتابه من نصرة اوليائه على قلة عددهم وعددهم على اعدائهم الذين فاقوهم بكثرة العدد والعدة. قال تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله. ومن اثار قدرته ورحمته ما يحدثه لاهل النار واهل الجنة. من واعي العقاب واصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع. الذي لا ينقطع ولا يتناهى وهو الغني بذاته فغناه هداتي له كالجود والاحسان. قال الله تعالى انتم الفقراء الى الله. والله هو الغني الحميد. فهو على الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته التي لا يتطرق اليها نقص بوجه من الوجوه ولا يمكن ان يكون الا غنيا فان غناه من لوازم ذاته. كما لا يكون الا محسنا جوادا برا رحيما كريما. والمخلوقات باسرها اتستغني عنه في حال من احوالها فهي مفتقرة اليه في ايجادها وفي بقائها وفي كل ما تحتاجه او تضطر اليه. ومن سعة غناه ان خزائن السماوات والارض والرحمة بيده. وان جوده على خلقه متواصل في جميع اللحظات والاوقات. وان يده سحاء الليل والنهار وخيره على الخلق مدرارا. ومن كمال غناه وكرمه انه يأمر عباده بدعائه ويعدهم باجابة دعواتهم واسعافهم بجميع مراداتهم ويؤتيهم من فضله ما سألوه وما لم يسألوه. ومن كمال غناه انه لو اجتمع اول الخلق واخرهم في صعيد واحد فسألوه فاعطى كل منهم ما سأله وما بلغت امانيهما نقص من ملكه مثقال ذرة. ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما على اهل دار كرامته من النعيم واللذات المتتابعات والخيرات المتواصلات. ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ومن كمال غناه انه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا في الملك ولا وليا من الذل. فهو الغني الذي كمل بنعوته واوصافه المغني لجميع مخلوقاته وهو الحكيم وذاك من اوصافه نوعان ايضا ما حكم واحكام فكل منهما نوعان ايضا ثابتا البرهان والحكم شرعي وكوني ولا يتلازمان وما هما سيان. بل ذاك يوجد دونه هذا مفردا والعكس ايضا ثم يجتمعان لن يخلو المربوب من احداهما او منهما بل ليس ينتفيان لكن ما الشرعي محبوب له ابدا ولن يخلو ما الاكوان وامره الديني جاءت رسله بقيامه في سائر الازمان لكن ما الكوني فهو قضاؤه في خلقه بالعدل والاحسان هو كله حق وعدل الولز رضا والشأن في المقضي كل الشأن. فلذاك نرضى بالقضاء ونسخط المقدرة في حين يكون بالعصيان فالله يرضى بالقضاء ويسخط المقضي ما الامران حيداني. فقضاؤه صفة به قامت وما المقضي الا صنعة الانسان الكون محبوب ومبغوض له وكلاهما بمشيئة الرحمن. هذا البيان يزيل لبسا طالما هلكت عليه الناس كل زماني ويحل ما قد عقدوا باصولهم والحكمة الاخرى فحكمة شرعه ايضا وفي هذان كالوصفان غايات هل اللائي حمدنا وكونها في غاية الاحكام والاتقان. اي هو تعالى الحكيم الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات. فالحكيم هو واسع العلم والاطلاع على مبادئ الامور وعواقبها. واسع الحمد تام القدرة غزير الرحمة فهو الذي يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وامره فلا يتوجه اليه سؤال ولا يقدح في بحكمته مقال وحكمته نوعان احدهما الحكمة في خلقه فانه خلق الخلق بالحق ومشتملا على الحق. وكان غايته والمقصود به الحق. خلق المخلوقات كلها باحسن نظام. ورتبها اكمل ترتيب. واعطى كل مخلوق خلقه اللائق به. بل اعطى كل جزء من اجزاء المخلوقات وكل عضو من اعضاء الحيوانات خلقته وهيئته. فلا يرى احد من خلقه خللا ولا نقصا ولا فتورا. فلو اجتمعت عقول الخلق من اولهم الى اخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن او ما يقارب ما اودعه في الكائنات من الحسن والانتظام لم يقدروا وانى لهم القدرة على شيء من ذلك. وحسب العقلاء الحكماء منهم ان يعرفوا كثيرا من حكمه. ويطلعوا على بعض ما فيها من الحسن والاتقان وهذا امر معلوم قطعا بما يعلم من عظمته وكمال صفاته وتتبع حكمه في الخلق والامر. وقد تحدى عباده وامرهم ان ينظروا ويكرروا النظر والتأمل هل يجدون في خلقه خللا او نقصا وانه لابد ان ترجع الابصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من مخلوقاته. النوع الثاني الحكمة في شرعه وامره. فانه تعالى شرع الشرائع وانزل الكتب وارسل الرسل ليعرفه له العباد ويعبدوه. فاي حكمة اجل من هذا؟ واي فضل وكرم اعظم من هذا فان معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له واخلاصه واصل العمل له وحمده وشكره والثناء عليه افضل العطايا منه لعباده على الاطلاق. واجل الفضائل لمن يمن الله عليه بها. واكمل سعادة وسرور للقلوب والارواح. كما انها هي السبب الوحيد للوصول الى السعادة الابدية والنعيم الدائم. فلو لم يكن في امره وشرعه الا هذه الحكمة العظيمة التي هي اصل الخيرات. واكمل اللذات ولاجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء. وخلقت الجنة والنار لكانت كافية شافية. هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير فاخباره تملأ القلوب علما ويقينا وايمانا وعقائد صحيحة تستقيم بها القلوب ويزول انحرافها وتثمر كل خلق جميل وعمل صالح وهدى ورشد واوامره ونواهيه محتوية على كغاية الحكمة والصلاح والاصلاح للدين والدنيا فانه لا يأمر الا بما مصلحته خالصة او راجحة ولا ينهى الا عن ما مضرته خالصة او راجحة. ومن حكمة الشرع الاسلامي انه كما انه هو الغاية لصلاح القلوب والاخلاق والاعمال والاستقامة على الصراط المستقيم فهو الغاية لصلاح الدنيا. فلا تصلح امور الدنيا صلاحا حقيقيا الا بالدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل فان امة محمد لما كانوا قائمين بهذا الدين اصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد اليه كانت احواله في غاية الاستقامة والصلاح. ولما انحرفوا عنه وتركوا كثيرا من هداه ولم يسترشدوا بتعاليمه العالية انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم وكذلك انظر الى الامم الاخرى التي بلغت القوة والحضارة والمدنية مبلغا هائلا. لكن لما كانت خالية من رح الدين ورحمته وعدله كان ضررها اعظم من نفعها وشرها اكبر من خيرها. وعجز علماؤها وحكماؤها وساستها عن تلافي الشرور الناشئة عنها. ولن يقدروا على كذلك ما داموا على حالهم. ولهذا كان من حكمته تعالى ان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والقرآن. اكبر البراهين على صدقه وصدق ما جاء به. لكونه محكما كاملا لا يحصل الصلاح الا به. وبالجملة فالحكيم متعلقاته المخلوقات والشرائع كلها في غاية الاحكام فهو الحكيم في احكامه القدرية واحكامه الشرعية واحكامه الجزائية. والفرق بين احكام القدر واحكام الشرع ان القدر متعلق بما اوجده وكونه وقدره وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. واحكام الشرع متعلقة بما شرعه. والعبد المربوب لا يخلو منهما او من احدهما. فمن فعل منهم ما يحبه الله ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان. ومن فعل ما يضاد ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري فان ما فعله واقع بقضاء الله وقدره. ولم يوجد فيه الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحب الله ويرضاه. فالخير الشر والطاعات والمعاصي كلها متعلقة وتابعة للحكم القدري. وما يحبه الله منها هو تابع للحكم الشرعي ومتعلقه الله اعلم وهو الحيي فليس يفضح عبده عند التجاهر منه بالعصيان. لكنه او يلقي عليه ستره فهو الستير وصاحب الغفران. هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم ان الله حيي يستحي من عبده اذا مد يديه اليه ان يردهما صفرا. وهذا من رحمته وكرمه وكماله وحلمه ان العبد يجاهره بالمعاصي مع فقره الشديد اليه حتى انه لا يمكنه ان يعصي الا ان يتقوى عليها بنعم ربه. والرب مع كماله غناه عن الخلق كلهم من كرمه يستحي من هتكه وفضيحته واحلال العقوبة به فيستره بما يقيض له من اسباب الستر عنه ويغفر له فهو يتحبب الى عباده بالنعم وهم يتبغضون اليه بالمعاصي. خيره اليهم بعدد اللحظات نازل وشر اليه صاعد ولا يزال الملك الكريم يصعد اليه منهم بالمعاصي وكل قبيح. ويستحي تعالى ممن شاب في الاسلام ان يعذبه وممن يمد يديه اليه ان يردهما صفرا. ويدعو عباده الى دعائه ويعدهم بالاجابة. وهو الحيي الستير يحب اهل الحياء والستر ومن ستر مسلما ستر الله عليه في الدنيا والاخرة. ولهذا يكره من عبده اذا فعل معصية ان يزيعها بل يتوب اليه فيما بعد بينه وبينه ولا يظهرها للناس. وان من امقت الناس اليه من بات عاصيا والله يستره فيصبح يكشف ستر الله عليه. وقال تعالى ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم الدنيا والاخرة. وهذا كله من معنى اسمه الحليم الذي وسع حلمه اهل الكفر والفسوق والعصيان. ومنع عقوبته ان تحل باهل الظلم عاجلا فهو يمهلهم ليتوبوا ولا يهملهم اذا اصروا واستمروا في طغيانهم ولم ينيبوا. ولهذا قال وهو فلا يعاجل عبده بعقوبة ليتوب من عصياني. وهو العفو فعفوه لولاه غار الارض بالسكان. يعني انه تعالى الحليم الذي له الحلم الكامل العفو الذي له العفو الشامل ومتعلق هذين الوصفين العظيمين معصية العاصين وظلم المجرمين. فان الذنوب تقتضي ترتيب اثارها عليها من ان العقوبات العاجلة المتنوعة وحلمه تعالى يقتضي امهال العاصين وعدم معاجلتهم ليتوبوا. وعفوه يقتضي مغفرة ما صدر منهم من الذنوب خصوصا اذا اتوا باسباب المغفرة من الاستغفار والتوبة والايمان والاعمال الصالحة وحلمه وسع السماوات والارض اولى عفوه ما ترك على ظهرها من دابة. وهو تعالى عفو يحب العفو عن عباده. ويحب منهم ان يسعوا بالاسباب التي ينالوا بها عفوه من السعي في مرضاته والاحسان الى خلقه. ومن كمال عفوه ان المسرفين على انفسهم اذا تابوا اليه غفر لهم كل جرم صغير وكبير انه جعل الاسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها وهو الصبور على اداء اعدائه شتموه بل نسبه تبوه للبهتان. قالوا له ولد وليس يعيدنا شتما وتكذيبا من الانسان هذا وذاك بسمعه وبعلمه لو شاء عاجلهم بكل هواني لكن يعافيه ويرزقهم وهم يؤذونه بالشرك والكفران. وهذه الابيات في تفسير اسمه الصبور مأخوذة من قول به صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لا احد اصبر على اذى سمعه من الله يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم. وبما ايضا في الصحيح قال الله تعالى كذبني ابن ادم ولم يكن له ذلك. وشتمني ابن ادم ولم يكن له ذلك. فاما تكذيبه اية فقوله لن يعيدني كما بدأني. وليس اول الخلق باهون علي من اعادته. واما شتمه اي فقوله ان لي ولدا. وانا الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا احد. فالله تعالى يدر على عباده الارزاق. المطيع منه والعاصي والعصاة لا يزالون في محاربته وتكذيبه وتكذيب رسله والسعي في اطفاء دينه. والله تعالى حليم صبور على ما يقولون وما يفعلون يتتابعون في الشرور وهو يتابع عليهم النعم. وصبره اكمل صبر. لانه عن كمال قدرة وكمال غنى عن خلق وكمال رحمة واحسان. فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شيء. الصبور الذي يحب الصابرين ويعينهم في كل امورهم وهو الرقيب على الخواطر واللواحظ كيف بالافعال بالاركان. الرقيب والشهيد وكلاهما يدل على احاطة سمع الله بالمسموعات وبصره بالمبصرات وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية وهو الرقيب على ما دار في الخواطر وما تحركت به اللواحظ. ومن باب اولى الافعال الظاهرة بالاركان. قال تعالى ان الله كان وقال والله على كل شيء شهيد. ولهذا كانت المراقبة التي هي من اعلى اعمال القلوب هي التعبد لله باسمه الرقيب الشهيد. فمتى علم العبد ان حركاته الظاهرة والباطنة قد احاط الله بعلمها استحضر هذا العلم في كل احواله اوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكر وهاجس يبغضه الله. وحفظ ظاهره عن كل قول او فعل الله وتعبد بمقام الاحسان فعبد الله كأنه يراه. فان لم يكن يراه فانه يراه. وهو الحفيظ عليه وهو بحفظهم من كل امر عان. ذكر رحمه الله للحفيظ معنيين احدهما انه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير وشر وطاعة ومعصية. فان علمه محيط بجميع اعمالهم ظاهرها وباطنها. وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ. ووكل بالعباد ملائكة كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون. فهذا المعنى من حفظه يقتضي احاطة علم الله باحوال العباد كلها ظاهرة وباطنها وكتابتها في اللوح المحفوظ وفي المصحف الذي في ايدي الملائكة وعلمه بمقاديرها وكمالها ونقصها ومقادير جزاءها الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بفضله وعدله. والمعنى الثاني من معنيي الحفيظ انه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون ولهذا قال وهو الكفيل بحفظهم من كل امر عاني اي مشق مكروه. وحفظه لخلقه نوعان عام وخاص فالعام حفظه لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها ويحفظ بنيتها. وتمشي الى هدايته والى مصالحها بارشاده وهدايته العامة التي قال عنها اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. اي هدى كل مخلوق الى ما قدر له وقضى له من ضروراته كالهداية للمأكل والمشرب والمنكح والسعي في اسباب ذلك وكدفعه عنهم اصناف المكاره والمضار وهذا يشترك فيه البر والفاجر بل الحيوانات وغيرها فهو الذي يحفظ السماوات والارض ان تزولا ويحفظ الخلائق بنعمه. وقد وكل بالادمي حفظة من الملائكة الكرام يحفظونه من امر الله ان يدفعون عنه كل ما يضره مما هو بصدد ان يضره لولا حفظ الله. والنوع الثاني حفظه الخاص لاوليائه سوى ما تقدم يحفظهم عما يضر ايمانهم او يزلزل ايقانهم من الشبه والفتن والشهوات فيعافيهم منها ويخرجهم منها بسلامة وحفظ وعافية ويحفظهم من اعدائهم من الجن والانس فينصرهم عليهم ويدفع عنهم كيدهم. قال الله تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا. وهذا عام في دفع جميع ما يضرهم في دينهم ودنياهم. فعلى حسب ما عند العبد من الايمان تكون مدافعة الله عنه بلطفه. وفي الحديث احفظ الله يحفظك. اي احفظ اوامره بالامتثال ونواهيه بالاجتناب حدوده بعدم تعديها يحفظك في نفسك ودينك ومالك وولدك. وفي جميع ما اتاك الله من فضله وهو اللطيف بعبده ولعبده واللطف في اوصافه نوعان. ادراك اسرار الامور بخبرة واللطف عند عند موانع الاحسان فيريك عزته ويبدي لطفه. والعبد في الغفلات عن ذا الشام يعني ان اللطيف من اسمائه الحسنى وهو الذي يلطف بعبده في اموره الداخلية المتعلقة بنفسه ويلطف لعبده في الامور عنه فيسوقه ويسوق اليهما به صلاحه من حيث لا يشعر. وهذا من اثار علمه وكرمه ورحمته. فلهذا كان معنى اللطيف انه الخبير الذي احاط علمه بالاسرار والبواطن والخبايا والخفايا ومكنونات الصدور ومغيبات الامور وما لطف ودق من كل كل شيء النوع الثاني لطفه بعبده ووليه الذي يريد ان يتم عليه احسانه ويشمله بكرمه ويرقيه الى المنازل العالية فييسره لليسرى ويجنبه العسر ويجري عليه من اصناف المحن التي يكرهها وتشق عليه وهي عين صلاحه والطريق الى سعادته كما امتحن الانبياء باذى قومهم وبالجهاد في سبيله. وكما ذكر الله عن يوسف صلى الله عليه وسلم وكيف ترقت به الاحوال ولطف الله الله به وله بما قدره عليه من تلك الاحوال التي حصل له في عاقبتها حسن العقبى في الدنيا والاخرة. وكما يمتحن اولياءه لا يكرهونه لينيلهم ما يحبون. ولهذا قال المصنف فيريك عزته اي بامتحانك بما تكره. ويبدي لطفه في العواقب الحميدة في الساعة فكم لله من لطف وكرم لا تدركه الافهام ولا تتصوره الاوهام. وكم استشرف العبد عن مطلوب من مطالب الدنيا من او رئاسة او سبب من الاسباب المحبوبة فيصرفه الله عنها ويصرفها عنه رحمة به. لئلا تضره في دينه. فيظل العبد حزينا من جهله وعدم معرفته بربه ولو علم ما زخر له في الغيب واريد اصلاحه فيه لحمد الله وشكره على ذلك. فان الله صفات الذات ايضا اذ هما بالذات لا بالغير قائمتان. ولذاك قد غلط حين ظن صفاته نوعان مختلفان اذ لم يرد هذا ولكن قد اراد قيامها بالفعل ذي والفعل والمفعول شيء واحد عند المقسم فبعباده رؤوف رحيم لطيف باوليائه. وفي الدعاء المأثور اللهم ما رزقتني مما احب فاجعله قوة لي فيما تحب وما زويت عني مما احب فاجعله فراغا لي فيما تحب. اللهم الطف بنا في قضائك وبارك لنا في قدرك حتى لا نحب جيل ما اخرت ولا تأخير ما عجلت. وهو الرفيق يحب اهل الرفق بل يعطيهم بالرفق فوق اماني. هذا قد اخذه المؤلف من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ان الله رفيق يحب اهل الرفق. وان الله الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. فالله تعالى رفيق في افعاله خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئا فشيئا بحسب ورفقه مع انه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة. ومن تدبر المخلوقات وتدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئا بعد شيء شاهد من ذلك العجب العجيب فالمتأني الذي ياتي الامور برفق وسكينة ووقار اتباعا لسنن الله في الكون واتباع لنبيه صلى الله عليه وسلم فان هذا هديه وطريقه تتيسر له الامور. وبالاخص الذي يحتاج الى امر الناس ونهيهم وارشادهم فانه مضطر الى الرفق واللين. وكذلك من اذاه الخلق بالاقوال البشعة وصان لسانه عن مشاتمتهم. ودافع عن نفسه برفق ولين اندفع عنه من اذاهم ما لا يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفعالهم. ومع هذا فقد كسب الراحة والطمأنينة والرزانة والحلم وهو القريب وقربه المختص وعابده على الايمان. من اسمائه القريبة وقربه نوعان قرب عام وهو احاطة علمه بجميع الاشياء وهو اقرب الى الانسان من حبل الوريد وقرب خاص بالداعين عابدين والمحبين وهو قرب يقتضي المحبة والنصرة والتأييد في الحركات والسكنات. والاجابة للداعين والقبول والاثابة للعابدين قال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب. اجيب دعوة الداعي اذا دعا وهو المجيب يقول من يدعو اجبه انا المجيب لكل من وهو المجيب لدعوة المضطر اذ يدعوه في سر وفي اعلان من اسمائه المجيب لدعوة الداعين. وسؤال السائلين وعبادة المستجيبين. واجابته نوعان اجابة عامة لكل من دعا دعاه دعاء عبادة او دعاء مسألة. قال تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم. فدعاء المسألة يقول العبد اللهم اعطني كذا او اللهم ادفع عني كذا فهذا يقع من البر والفاجر ويستجيب الله فيه لكل من دعاه بحسب بالحال المقتضية وبحسب ما تقتضيه حكمته. وهذا يستدل به على كرم المولى وشمول احسانه للبر والفاجر. ولا يدل بمجرد على حسن حال الداعي الذي اجيبت دعوته ان لم يقترن ذلك بما يدل عليه وعلى صدقه وتعين الحق معه. كسؤال ودعائهم لقومهم وعلى قومهم فيجيبهم الله فانه يدل على صدقهم فيما اخبروا به وكرامتهم على ربهم. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو بدعاء يشاهد المسلمون وغيرهم اجابته. وذلك من دلائل نبوته وايات صدقه وكذلك ما يذكرونه عن كثير من اولياء الله من اجابة الدعوات. فانه من ادلة كراماتهم على الله. واما الاجابة الخاصة فلها اسباب عديدة منها دعوة المضطر الذي وقع في شدة وكربة عظيمة فان الله يجيب دعوته. قال تعالى وسبب ذلك شدة الافتقار الى الله وقوة الانكسار وانقطاع تعلقه بالمخلوقات ولسعة رحمته التي يشمل بها الخلق بحسب حاجتهم اليها. فكيف بمن اضطر اليها؟ ومن اسباب الاجابة طول السفر والتوسل الى الله باحب الوسائل اليه من اسمائه وصفاته ونعمه. وكذلك دعوة المريض والمظلوم والصائم والوالد على ولده اوله وفي الاوقات والاحوال الشريفة وهو الجواد فجوده عم الوجود جميعه بالفضل والاحسان وهو الجواد فلا يخيب سائلاه. ولو انه من امة الكفران. يعني انه على الجواد المطلق الذي عم بجوده الكائنات وملأها من فضله وكرمه ونعمه المتنوعة وخص بجوده السائلين بلسان المقال او لسان حال من بر وفاجر ومسلم وكافر. فمن سأل الله اعطاه سؤله واناله ما طلب فانه البر الرحيم. قال تعالى وما مسكم الضر فاليه تجأرون ومن جوده الواسع ما اعده لاولياءه في دار النعيم مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهو المغيث لكل مخلوقاته. وكذا يجيب اغاثة الله فاني. فالمغيب يتعلق بالشدائد والمشقات فهو المغيث لجميع المخلوقات عندما تتعسر امورها وتقع في الشدائد والكربات. يطعم جائعه ويكسوا عاريهم ويخلص مكروبهم وينزل الغيث عليهم في وقت الضرورة والحاجة. وكذلك يجيب اغاثة الله فان اي دعاء من دعاه في حالة اللهف والشدة والاضطرار. فمن استغاثه اغاثه. وفي الكتاب والسنة من ذكر تفريجه للكربات وازالته الشدائد وتيسيره للعسير شيء كثير جدا معروف. وهو الودود يحبهم ويحبه احبابه والفضل للمنان. وهو الذي جعل المحبة في قلوبهم وجازاهم بحب من ثاني هذا هو الاحسان حقا لا معاة وضكا ولا لتوقع الشكر لكن يحب شكورهم وشكورهم لا الاحتياج منه للشكران وهو الشكور فلن يضيع سعيهم. لكن يضاعفه بلا حسبان. ما للعبادة عليه حق واجب هو اوجب الاجر العظيم الشاني. كلا ولا عمل لديك ان كان بالاخلاص والاحسان ان عذبوا فبعدله او نعموا بفضله والحمد للمنان. هذه الابيات في تفسير الودود الشكور. فالودود هو المحب المحبوب عناوات وبمعنى موجود فهو الواد لانبيائه وملائكته وعباده المؤمنين. وهو المحبوب لهم بل لا شيء احب اليهم منه ولا تعادل محبة الله من اصفيائه محبة اخرى لا في اصلها ولا في كيفيتها ولا في متعلقاتها. وهذا هو الفرض والواجب ان تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة. غالبة كل محبة. ويتعين ان تكون بقية المحاب تبعا لها محبة الله هي روح الايمان. وجميع العبودية الظاهرة والباطنة ناشئة عن محبة الله. ومحبة العبد لربه فضل من الله واحسان ليست بحول العبد ولا قوته فهو تعالى الذي احب عبده فجعل المحبة في قلبه. ثم لما احبه العبد بتوفيقه جازاه الله بحب اخر فهذا هو الاحسان المحض على الحقيقة. اذ منه السبب ومنه المسبب. ليس المقصود منه المعاوضة وانما ذلك محبة منه تعالى للشافيين من عباده ولشكرهم. فالمصلحة كلها عائدة الى العبد. فتبارك الذي جعل واودع المحبة في قلوب المؤمنين. ثم لم يزل ينميها ويقويها حتى وصلت في قلوب الاصفياء الى حالة تتضاءل عندها جميع المحاب وتسليهم عن الاحباب وتهون عليهم المصائب وتلام لهم مشقة الطاعات وتسمر لهم ما يشاؤون من اصناف الكرامات التي اعلاها محبة الله والفوز برضاه والانس بقربه. فمحبة العبد لربه محبوبة بمحبتين من ربه. فمحبة قبلها صار بها محبا لربه ومحبة بعدها شكرا من الله له على محبة صار بها من اصفيائه المخلصين. واعظم سبب يكتسب به العبد محبة ربه التي هي اعظم المطالب. الاكثار من ذكره والثناء عليه كثرة الانابة اليه وقوة التوكل عليه والتقرب اليه بالفرائض والنوافل وتحقيق الاخلاص له في الاقوال والافعال ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا. كما قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. ومن اسمائه تعالى الشاكر الشكور الذي لا يضيع سعي العاملين لوجهه. بل يضاعفه اضعافا مضاعفة. فان الله لا يضيع اجر من احسن عملا. وقد اخبر في كتابه وسنة نبيه بمضاعفة الحسنات. الواحدة بعشر الى سبعمئة الى اضعاف كثيرة وذلك من شكره لعباده. فبعينه ما يتحمل المتحملون لاجله. ومن فعل لاجله اعطاه فوق المزيد. ومن ترك شيئا لاجله عوضه خيرا منه وهو الذي وفق المؤمنين لمرضاته. ثم شكرهم على ذلك واعطاهم من كراماته ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا لا خطر على قلب بشر وكل هذا ليس حقا واجبا عليه. وانما هو الذي اوجبه على نفسه جودا منه وكرما. ولهذا قال المصنف ما للعباد عليه حق واجبوه واوجب الاجر العظيم الشاني. وهذا القيد الذي قيده المصنف احد احسنوا من اطلاق من قال ما للعباد عليه حق واجب. كلا ولا سعي لديه ضائع. وكذلك تقييد المؤلف للسعي بقوله كلا اولا سعي لديه ضائع ان كان بالاخلاص والاحسان اي جامعا للاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول وبذلك يكون العمل الصالح كما قال في موضع اخر وقيام دين الله بالاخلاص والاحسان انهما له اصلا فما اصاب العباد من النعم ودفع النقم فانه من الله تعالى فضلا منه وكرما. وان نعمهم فبفضله واحسانه. وان عذبهم فبعدله وحكمته وهو المحمود على جميع ذلك. فصل وهو الغفور فلو اتى بقرابها من شرك بل من العصيان لاقاه بالغفران ملءها سبحانه هو واحد تسعوا الغفران. وكذلك التواب من اوصافه والتوب فيه اوصافه اذن بتوبة عبده وقبولها بعد المتاب بمنة المنان. فهو تعالى الغفور التواب الذي لم يزل يغفر الذنوب ويتوب على كل من يتوب. ففي الحديث ان الله يقول يا ابن ادم انك لو اتيتني بقراب سينما هما شيئان. فلذاك وصف الفعل ليس لديه الا نسبة عدمية فجميع اسماء الفعال لديه ليست قط ثابتة ذوات معاني موجودة لكن امور كلها نسب ترا عدمية الوجدان. هذا هو في الارض خطاياه ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لاتيتك بقرابها مغفرة. وقال تعالى ان ربك واسع المغفرة. وقد فتح الله اسباب لنيل مغفرته بالتوبة والاستغفار والايمان والعمل الصالح والاحسان الى عباد الله والعفو عنهم وقوة الطمع في فضل الله وحسن بالله وغير ذلك مما جعله الله مقربا لمغفرته. وتوبته على عبده نوعان احدهما انه يوقع في قلب عبده التوبة اليه والانابة اليه فيقوم بالتوبة وشروطها من الاقلاع عن المعاصي والندم على فعلها والعزم على الا يعود اليها واستبدالها بعمل صالح. والثاني توبته على عبده بقبولها واجابتها ومحو الذنوب بها فان التوبة النصوحة تجب ما قبلها فصل وهو الاله السير الصمد الذي صمدت اليه الخلق بالاذعان الكامل الاوصاف من كل الوجوه كماله ما فيه من نقصان. هذا معنى اسمه الصمد. المعنى الجامع الذي يدخل فيه كل ما فسر به هذا الاسم الكريم فهو الصمد الذي تصمد اليه اي تقصده جميع المخلوقات بالذل والحاجة والافتقار. ويفزع اليه العالم باسراره وهو الذي قد كمل في علمه وحكمته وحلمه وقدرته وعظمته ورحمته وسائر اوصافه. فالصمد هو كامل الصفات وهو الذي تقصده المخلوقات في كل الحاجات وكذلك القهار من اوصافه فالخلق مقهورون بالسلطان لو لم يكن حيا عزيزا قادرا. ما كان من قهر ولا سلطان. القهار وهو الذي قهر الكائنات وذلت له جميع المخلوقات. ودانت لقدرته ومشيئته مواد وعناصر العالم العلوي والسفلي. فلا يحدث حادث ولا يسكن ساكن الا باذنه. وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وجميع الخلق فقراء الى الله عاجزون. لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ولا خيرا ولا شرا. ثم ذكر المصنف ان قهره مستلزم لحياته وعزته وقدرته. فلا يتم قهره للخليقة الا بتمام حياته وقوة عزته واقتداره وكذلك الجبار من اوصافه والجبر في اوصافه قسما جبر الضعيف وكل قلب قد غدى. ذا كسرة فالجبر منه داني. والثاني جبر القهر بالعز الذي لا ينبغي لسواه من انسان. وله مسمى ثالث وهو العلو فليس يدنو منه من انسان. من قولهم جبارة للنخلة العليا التي فاتت لكل بناني. يعني ان للجبار من اسمائه الحسنى ثلاثة معان كلها داخلة باسمه الجبار فهو الذي يجبر الضعيف وكل قلب منكسر لاجله. فيجبر الكسير ويغني الفقير وييسر على المعسر كل عسير ويجبر المصاب بتوفيقه للثبات والصبر يعيده على مصابه اعظم الاجر. اذا قام بواجبها ويجبر جبرا خاصا قلوب الخاضعين لعظمته وجلاله وقلوب المحبين بما يفيض عليها من انواع كراماته واصناف المعارف والاحوال الايمانية. فقلوب منكسرين لاجله جبرها دان قريب. واذا دعا الداعي فقال اللهم اجبرني فانه يريد هذا الجبر الذي حقيقته اصلاح ودفع جميع المكاره عنه. والمعنى الثاني انه القهار لكل شيء. الذي دان له كل شيء. وخضع له كل شيء. والمعنى الثالث انه العلي على كل شيء. فصار الجبار متضمنا لمعنى الرؤوف القهار العلي. وقد يراد به معنى رابع وهو المتكبر عن كل سوء وعن مماثلة لاحد وعن ان يكون له كفو او ضد او سمي او شريك في خصائصه وحقوقه. وهو الحسيب اية وكفاية والحسب كاف العبد كل اواني. فالحسيب هو الكافي للعباد جميع ما اهمهم من امر دينه ودنياهم من حصول المنافع ودفع المضار. والحسيب بالمعنى الاخص هو الكافي لعبده المتقي المتوكل عليه كفاية خاصة يوم الذين هم باياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول النبي الامي الاية وقال ان رحمة الله قريب من المحسنين وفي دعاء سليمان ادخلني برحمتك في عبادك الصالحين. وهذه الرحمة الخاصة التي يطلبها الانبياء واتباعهم تقتضي تصلح بها دينه ودنياه. والحسيب ايضا هو الذي يحفظ اعمال عباده من خير وشر. ويحاسبهم عليها ان خيرا فخير وان شر فشر قال تعالى اي كافيك وكافي اتباعك. فكفاية الله لعبده بحسب ما قام به من متابعة الرسول ظاهرا وباطنا. وقيامه بعبودية الله الله تعالى وهو الرشيد فقوله وفعاله رشد وربك مرشد الحيران. وكلاهما ما حق فهذا وصفه والفعل للارشاد ذاك الثاني. يعني ان الرشيد هو الذي قوله وفعله كله رشد وهو مرشد الحيران الضال فيهديه الى الصراط المستقيم. بيانا وتعليما وتوفيقا. فالرشد الدال عليه فيه اسم الرشيد وصفه تعالى والارشاد لعباده فعله. فاقواله القدرية التي يوجد بها الاشياء ويدبر بها الامور. كلها تستحق وكلها حق لاشتمالها على الحكمة والحسن والاتقان. واقواله الشرعية الدينية هي اقواله التي تكلم بها في كتبه وعلى السنة المشتملة على الصدق التام في الاخبار والعدل الكامل في الامر والنهي. فانه لا اصدق من الله قيل ولا احسن منه حديثا قال سبحانه وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. في الامر والنهي وهي اعظم واجل ما يرشد بها العباد بلا وصول الى الرشاد بغيرها. فمن ابتغى الهدى من غيرها اضله الله. ومن لم يسترشد بها فليس برشيد. فيحصل بها الرشد العلمي وهو بيان الحقائق والاصول والفروع والمصالح والمضار الدينية والدنيوية. ويحصل بها الرشد العملي فانها تزكي نفوس وتطهر القلوب وتدعو الى اصلح الاعمال واحسن الاخلاق. وتحث على كل جميل وترهب عن كل ذميم رذيل من استرشد بها فهو المهتدي ومن لم يسترشد بها فهو ضال. ولم يجعل لاحد عليه حجة بعد بعثه للرسل وانزاله الكتب المشرفة اشتملت على الهدى المطلق. فكم هدى بفضله ضالا وارشد حائرا وخصوصا من تعلق به وطلب منه الهدى من صميم قلبه. وعلم انه منفرد بالهداية. والعدل من اوصافه في فعله ومقاله والحكم بالميزان على الصراط المستقيم الى هنا. قولا وفعلا ذاك في القرآن. يعني ان الله فهو الحكم العدل في وصفه وفي فعله وفي قوله وفي حكمه بالقسط. وهذا معنى قوله ان ربي على صراط فان اقواله صدق وافعاله دائرة بين العدل والفضل. فهي كلها افعال رشيدة وحكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه. احكام عادلة لا ظلم فيها بوجه من الوجوه. وكذلك احكام الجزاء والثواب والعقاب فصل هذا ومن اوصافه القدوس ذو التنزيه التعظيم للرحمن وهو السلام على الحقيقة سالم من كل تمثيل ومن نقصان. هذا تفسير قدوس السلام فهو المقدس المعظم المنزه عن كل سوء. السالم من كل مماثلة احد من خلقه. ومن النقصان ومن كل ما ينادي في كمالة فهذا ضابط ما ينزه عنه. ينزه عن كل نقص بوجه من الوجوه. وينزه ويعظم ان يكون له مثيل او شبيه او كفؤ او سمي او ند او مضاد. وينزه عن نقص صفة من صفاته التي هي اكمل الصفات واعظمها واوسعها. ومن تمام تنزيل عن ذلك اثبات صفات الكبرياء والعظمة له. فان التنزيه مراد لغيره. ومقصود به حفظ كماله عن الظنون السيئة. كظن في الجاهلية الذين يظنون به ظن السوء ظن غير ما يليق بجلاله. واذا قال العبد مثنيا على ربه سبحان الله او تقدس الله او تعالى الله ونحوها كان مثنيا عليه بالسلامة من كل نقص. واثبات كل كمال من اوصافه سبحانه هو كثرة الخيرات والاحسان. صدرت عن البر الذي هو وصفه فالبر حينئذ له نوعان. وصف وفعل فهو بر محسن الجميل ودائم الاحسان. وكذلك الوهاب من اسمائه فانظر اهبه مدى الازمان. اهل السماوات العلا والارض عن تلك المواهب ليس من اسمائه تعالى البر الوهاب الذي شمل الكائنات باسرها ببره وهباته وكرمه. فهو مول الجميل ودائم الاحسان وواسع المواهب. وصفه البر واثار هذا الوصف جميع النعم الظاهرة والباطنة. فلا يستغني مخلوق عن احسانه وبره طرفة عين. واحسانه عام وخاص. فالعام المذكور في قوله ربنا وسعت كل شيء رحمة فتا وعلما. وفي قوله ورحمتي وسعت كل شيء. وفي قوله سبحانه وما بكم من نعمة فمن الله. وهذا يشترك فيه البر والفاجر واهل السماوات واهل الارض والمكلفون وغيرهم والخاص رحمته ونعمه على المتقين حيث قال فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة حقيقي بلا بطلان. وهو المذل لمن يشاء بذله الدارين ذل شهر هو مانع معط فهذا فضله. والمنع عين العدل للمنان تاني يعطي برحمته ويمنع من يشاء بحكمة والله ذو سلطان. هذه توفيق للايمان والعلم والعمل وصلاح الاحوال كلها. والسعادة الابدية والفلاح والنجاح. وهي المقصود الاعظم لخواص الخلق وكذلك الفتاح من اسمائه والفتح في اوصافه امران. فتح بحكم من وهو شرع الهنا والفتح بالاقدار فتح ثاني. والرب فتاح بذيل اليهما عدلا واحسانا من الرحمن. فالفتاح هو الحكم المحسن الجواد وفتحه تعالى القسمان احدهما فتحه بحكمه الديني وحكمه الجزائي. والثاني الفتاح بحكمه القدري. ففتحه بحكمه الديني هو شرعه على السنة رسله جميع ما يحتاجه المكلفون. ويستقيمون به على الصراط المستقيم. واما فتحه بجزاءه فهو فتح بين انبيائه ومخالفيهم وبين اوليائه واعدائه باكرام الانبياء واتباعهم ونجاتهم. وباهانة اعدائهم وعقوباتهم وكذلك فتحه يوم القيامة وحكمه بين الخلائق حين يوفي كل عامل ما عمله. واما فتحه القدري فهو ما يقدره على عباده من خير وشر ونفع وضر وعطاء ومنع. قال تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم فالرب تعالى هو الفتاح العليم الذي يفتح لعباده الطائعين خزائن جوده وكرمه ويفتح على اعدائه ضد ذلك وذلك بفضله وعدله وكذلك الرزاق من اسمائه والرزق من افعاله نوعا رزق على يد عبده ورسوله نوعان ايضا ذان معروفان رزق القلوب العلم والايمان والرزق المعجل هذه الابدان. هذا هو والرزق الحلال وربنا رزاقه والفضل للمنان. والثاني سوق القوت الاعضاء في تلك المجاري سوقه بوزاني. هذا يكون من الحلال كما يكون من الحرام كلاهما رزقان. والرب رازقه بهذا الاعتبار قال تعالى قال وما من دابة في الارض الا على الله رزقها. ورزقه لعباده في نوعان عام وخاص. فالعام ايصاله لجميع الخليقة جميع ما تحتاجه في معاشها وقيامها. فسهل لها الارزاق ودبرها وفي اجسامها وساق الى كل عضو صغير وكبير ما يحتاجه من القوت. وهذا عام للبر والفاجر والمسلم والكافر. بل ادميين والجن والملائكة والحيوانات كلها. وعام ايضا من وجه اخر في حق المكلفين. فانه قد يكون من الحلال الذي لا التابعة على العبد فيه. وقد يكون من الحرام ويسمى رزقا ونعمة بهذا الاعتبار. ويقال رزقه الله سواء ارتزق من حلال او حرام وهو مطلق الرزق. واما الرزق المطلق فهو النوع الثاني وهو الرزق الخاص وهو الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والآخرة وهو الذي على يد الرسول صلى الله عليه وسلم رزق القلوب بالعلم والايمان وحقائق ذلك. فان القلوب مفتقرة غاية الافتقار الى ان تكون عالمة بالحق مريدة له. متألهة لله متعبدة. وبذلك يحصل غناها ويزول فقرها البدن بالرزق الحلال الذي لا تبعة فيه. فان الرزق الذي خص به المؤمنين والذي يسألونه منه شامل للامرين. فينبغي للعبد اذا فدعا ربه في حصول الرزق ان يستحضر بقلبه هذين الامرين. فمعنى اللهم ارزقني اي ما يصلح به قلبي من العلم والهدى والمعرفة ومن الايمان الشامل لكل عمل صالح وخلق حسن. وما به يصلح بدني من الرزق من الرزق الحلال الهني الذي لا صعوبة فيه ولا تبع تعتريه هذا ومن اوصافه القيوم والقيوم في اوصافه امران احداهما القيوم قام بنفسه والكون قام به هما الامران. فالاول استغنائه عن غيره والفقر من كل اليه الثاني. والوصف بالقيوم ذو الشهد كذا موصوفه ايضا عظيم الشأن والحي يتلوه فاوصاف الكمال فالحي والقيوم لن تتخلف الاوصاف عنهما ببياني. هذا تفسير الحي القيوم وجمعهما في غاية المناسبة. كما جمعهما الله في عدة مواضع من كتابه كقوله الله لا اله الا هو الحي القيوم. وذلك انهما محتويان على جميع صفات الكمال. فالحي هو الحياة وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية لله كالعلم والعزة والقدرة والارادة والعظمة والكبرياء وغيرها من صفات الذات المقدسة والقيوم هو كامل القيومية الذي قام بنفسه وعظمت صفاته واستغنى عن جميع مخلوقاته. وقامت به الارض والسماوات وما فيها من المخلوقات فهو الذي اوجدها وامدها واعدها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها. فهو الغني عنها من كل وجه. وهي التي انتقلت اليه من كل وجه. فالحي والقيوم من له صفة كل كمال وهو الفعال لما يريد. هو قابض هو باسط هو خافض هو رافع بالعدل والميزان وهو المعز لاهل طاعته وذاع اسماء الكريمة من الاسماء المتقابلات التي لا ينبغي ان يثنى على الله بها الا كل واحد منها مع الاخر. لان الكمال المطلق من الوصفين فهو القابض للارزاق والارواح والنفوس والباسط للارزاق والرحمة والقلوب وهو الرافع لاقوام قائمين بالعلم والايمان الخافض لاعدائه وهو المعز لاهل طاعته. وهذا عز حقيقي فان المطيع لله عزيز. وان كان فقيرا ليس له احد المذل لاهل معصيته واعدائه ذلا في الدنيا والاخرة. فالعاصي وان ظهر بمظاهر العز فقلبه حشوه الذل. وان لم اشعر به لانغماسه في الشهوات. فان العز كل العز بطاعة الله والذل بمعصيته. ومن يهن الله فما له قال سبحانه من كان يريد العزة فلله العزة جميعا. وقال ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. وهو تعالى المانع المعطي فلا معطي لما منع ولا تعطيل للافعال تعطيل للاوصاف بالميزان. فالحق ان الوصف ليس مورد التقسيم هذا مقتضى البرهان. بل مورد التقسيم ما قد قام بالذات التي للواحد فهما اذا نوعان اوصاف وافعال فهذه قسمة لما اعطى وهذه الامور كلها تبع لعدله وحكمته وحمده. فان له الحكمة في خفض من يخفضه ويذله ويحرمه. ولا حجة لاحد على الله كما له الفضل المحض على من رفعه واعطاه وبسط له الخيرات. فعلى العبد ان يعترف بحكمة الله كما عليه ان يعترف بفضله ويشكره بلسانه وجنانه واركانه. وكما انه هو المنفرد بهذه الامور. وكلها جارية تحت اقداره. فان الله جعل لرفعه وعطائه واكرامه اسبابا. ولضد ذلك اسبابا. من قام بها ترتبت عليها مسبباتها. وكل ميسر لما خلق له اما اهل السعادة فييسرون لعمل اهل السعادة. واما اهل الشقاوة فييسرون لعمل اهل الشقاوة. وهذا يوجب للعبد القيام بتوحيد الله اه والاعتماد على ربه في حصول ما يحب ويجتهد في فعل الاسباب النافعة فانها محل حكمة الله. فصل والنور من ايضا ومن اوصافه سبحان ذي البرهان. قال ابن مسعود كلاما قد حكى ما عنده ليل يكون ولا نهار نار قلت تحت الفلك يوجد زاني. نور السماوات العلى من نوره. والارض كيف الشمس والقمراني من نور وجه الرب جل جلاله وكذا حكاه فبه استنار العرش والكرسي مع سبع الطباق وسائر الاكوان الثاني وكتابه نور كذلك شرعه نور كذا المبعوث بالفرقان. وكذلك ذلك الايمان في قلب الفتاة نور على نور مع القرآن. وحجابه نور فلو كشف الحجاب لاحرق السبحات للاكوان. واذا اتى للفصل يشرق نوره في الارض يوم القيامة الابدان نور تلى لا اليس ذا بطلان والنور ذو نوعين مخلوق ووصف ما هما اه والله متحداني وكذلك المخلوق ذو نوعين محسوس ومعقول احذر تزل فتحت رجلك هوة كم قد هوى فيها على الازمان فهوى الى قعر الحضيض الداني. لاحت له انوار اثار العبادة ظنها الانوار للرحمن. فاتى بكل مصيبة وبلية ما شئت من شطح ومن هذياني. وكذا الحلولي الذي هو خدمة منها هنا حقا هما اخواني. ويقابل الرجلين ذو التعطيل والحجب ذا في كثافة طبعه وظلامه وبظلمة تعطيلها هذا الثاني والنور محجوب فلا هذا ولا هذا له من ظلمة يرايا بسط المصنف الكلام على هذا الاسم الكريم لشدة الحاجة الى معرفته ومعرفة متعلقاته. ووقوع الاشتباه الكثير في ذلك وحاصل ذلك ان من اسمائه جل جلاله ومن اوصافه النور. الذي هو وصفه العظيم فانه ذو الجلال والاكرام وذو البهاء هيبة والسبحات التي لو كشف الحجاب عن وجهه الكريم لاحرقت سبحاته ما انتهى اليه بصره من خلقه. وهو الذي استنارت به العوالم كلها فبنور وجهه اشرقت الظلمات. واستنار به العرش والكرسي والسبع الطباق وجميع الاكوان. والنور نوعان كهذه العوالم التي لم يحصل لها نور الا من نوره. ونور معنوي يحصل في القلوب والارواح بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وسنة نبيه. فعلم الكتاب والسنة والعمل بهما ينير القلوب والاسماع والابصار. ويكون نورا عبدي في الدنيا والاخرة. قال سبحانه يهدي الله لنوره من يشاء. لما ذكر انه نور السماوات السماوات والارض وسمى الله كتابه نورا ورسوله نورا ووحيه نورا. ثم ان المؤلف حذر من اغترار من اغتر من اهل التصوف الذين لم يفرقوا بين نور الصفات وبين انوار الايمان والمعارف. فانهم لما تألهوا وتعبدوا من غير فرقان وعلم كامل. ولا انوار التعبد في قلوبهم. لان العبادات لها انوار في القلوب. فظنوا هذا النور هو نور الذات المقدسة. فحصل منهم من الشطح والكلام القبيح ما هو اثر هذا الجهل والاغترار والضلال؟ واما اهل العلم والايمان والفرقان فانهم يفرقون بين نور والصفات وبين النور المخلوق الحسي منه والمعنوي. ايعترفون ان نور اوصاف الباري ملازم لذاته لا يفارقها ولا يحل بمخلوق تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. واما النور المخلوق فهو الذي تتصف به المخلوقات بحسب الاسباب والمعاني القائمة بها والمؤمن اذا كمل ايمانه انار الله قلبه فانكشفت له حقائق الاشياء. وحصل له فرقان يفرق به بين الحق والباطل وصار هذا النور هو مادة حياة العبد وقوته على الخير علما وعملا. وانكشفت عنه الشبهات القادحة في العلم اليقين والشهوات الناشئة عن الغفلة والظلمة. وكان قلبه نورا وكلامه نورا وعمله نورا. والنور محيط به من جهاته. والكافر او المنافق او المعارض او المعرض الغافل كل هؤلاء يتخبطون في الظلمات. كل له من الظلمة بحسب ما معه من موادها واسبابها والله الموفق واحدة فصل وهو المقدم والمؤخر ذلك الصفتان للافعال تابعتان وهما فالوصف بالافعال يستدعي قيام الفعل بالموصوف بالبرهان كالوصف بالمعنى سوى الافعال ما ان بين دينك قط من فرقاني. ومن العجائب لانهم ردوا على من اثبت الاسماء دون معاني. قامت بمن هي وصفه هذا وحال غير لذي الاذهان. واتوا الى الاوصاف باسم الفعل قالوا لم قم بالواحد الديان. فانظر اليهم ابطل الاصل الذي ردوا به اقوالهم بوزاني ان كان هذا ممكنا فكذاك قول خصومكم ايضا فذو ان كان والوصف بالتقديم والتأخير كوني وديني هما نوعان وكلاهما امر حقيقي ونسبي ولا يخفى على الاذهان. والله قدر ذاك معه باحكام واتقان من الرحمن. فصل هذا ومن اسمائه ما ليس سيفرد بل يقال اذا اتى بقران. وهي التي تدعى بمزدوجاتها افراد مرادها خطر على الانسان. اذ ذاك موهم نوع نقص جل رب العرش عن ابن وعن نقصان كالمانع المعطي وكالضار الذي هو نافع وكماله الاب ونظير هذا القابض المقرون باسم الباسط اللفظان مقترنان وكذا المعز مع المذل وخافض مع رافع لفظان مزدوجان. وحديث افراد قد اسمي منتقم فموقوف كما قد قال ذو العرفان. ما جاء في القرآن غيره مقيد بالمجرمين وجابذ نوعان. ذكر المصنف هذه الابيات في تفسير اسمه المقدم المؤخر هما كما تقدم من الاسماء المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده على الله الا مقرونا بالاخر. فان الكمال اجتماعهما فهو تعالى المقدم لمن شاء. والمؤخر لمن شاء بحكمته. وهذا التقديم يكون كونيا كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها عن بعض. وكتقديم الاسباب عن مسبباتها والشروط عن مشروطاتها. وانواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير بحر لا ساحل له ويكون شرعيا كما فضل الانبياء على الخلق وفضل بعض عباده على بعض وقدم في العلم والايمان والعمل والاخلاق وسائر الاوصاف واخر من اخر منهم بشيء من ذلك. وكل هذا تبع لحكمته. وهذان الوصفان وما اشبههما من الصفات الذاتية. لكونهما قائمين بالله والله متصف بهما ومن صفات الافعال. لان التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها وافعالها واوصافها وهي ناشئة عن ارادة الله وقدرته. فهذا هو التقسيم الصحيح لصفات الباري. وان صفات الذات متعلقة بالذات وصفات افعاله متصفة بهذا الذات. ومتعلقة بما ينشأ عنها من الاقوال والافعال. واما تقسيم بعض اهل الكلام الباطل ان صفات الافعال لا تقوم بذات الله بل الفعل عندهم عين المفعول فهذا قول باطل بالكتاب والسنة والاجماع من السلف. وهو مخالف لما يعقل العقلاء في قلوبهم فان صفات الافعال قائمة بمن فعلها. ومتصف بها من قالها او عملها. ولا يتصور في العقل مفعول من من غير فعل ولا مخلوق من غير خلق. كما لا يتصور احد اسما مشتقا دالا على غير صفة في المحل المسمى به. والذي اوجب لهم هذا الغلط الفاحش زعموا انهم اذا لم يقولوا بهذا اقتضى حلول الحوادث في ذات الله. فنفوا بهذا كل صفة فعلية لله فانكر استواءه على عرشه ونزوله وافعاله التي يوجدها شيئا فشيئا. واقواله التي يتكلم بها شيئا بعد شيء. وهذا التعطيل افعاله نظير تعطيل الجهمية ومن تبعهم لجميع صفات الله الذاتية والفعلية ولا فرق بين الامرين. فاذا كان هذا التعطيل لصفاته الذاتية باطلة فكذلك التعطيل لصفاته الفعلية باطل. اما اهل السنة والجماعة فانهم اثبتوا كل ما جاء به الكتاب والسنة من صفات الله واعترفوا بها. لا فرق عندهم بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية المتعلقة بمشيئته وقدرته. وكلها قائمة بالله والله موصوف بها وهو القول الذي دل عليه النقل والعقل ومن اوصاف الافعال الاسماء المزدوجة كالمقدم والمؤخر والضار النافع والمعطي والمانع ونحوها وتقدمت فصل واعلم ان المصنف رحمه الله قد استوفى معظم شرح الاسماء الحسنى المذكورة في الكتاب شرحا جامعا مختصرا كما تقدم وما لم يذكره فانه ذكر نظيره من الاسماء الحسنى او ما يدل عليه ويستلزمه فانه لم يذكر المتين وهو داخل في القوي القدير. ولم يذكر الاعلى وهو في معنى العلي كما تقدم. ولم يذكر الرحمن الرحيم الرؤوف كريم هو في معنى البر الجواد الوهاب. ولم يذكر الرب والله والملك والمالك. وقد ذكر في البدائع انها متضمنة لكثير من اسماء الحسنى. فقال الرب هو القادر الخالق البارئ المصور الحي القيوم السميع العليم البصير المحسن المنعم الجواد المعطي المال الضار النافع الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويسعد من يشاء ويشقي من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء الى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الاسماء الحسنى. واما الملك فهو الآمر الناهي المعز المذل الذي يصرف امه عباده كما يحب ويقلبهم كما يشاء. وله من معنى الملك ما يستحقه من الاسماء الحسنى. كالعزيز الجبار المتكبر الحكيم العدل الخافض الرافع المعز المذل العظيم الجليل الكبير الحسيب المجيد الوالي المتعالي مالك الملك المقسط الجامع الى غير ذلك ذلك من الاسماء العائدة الى الملك. واما الاله فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال. فقد دخل في هذا الاسم جميع الاسماء اسماء الحسنى. ولهذا كان القول الصحيح ان الله اصله الاله وانه اسم الله. وان اسم الله هو الجامع لجميع الاسماء الحسنى والصفات العلا والله اعلم. فصل ودلالة الاسماء انواع ثلاث كلها معلومة ببيان دلت مطابقة كذاك تضمنا. وكذا التزاما واضح البرهان. اما مطابقة مطابقة الدلالة فهي ان الاسم يفهم منه مفهومان. ذات الاله وذلك الوصف الذي يشتق منه الاسم بالميزان. لكن دلالته على احداهما تضمن فافهمه فهم بياني. وكذا دلالته على الصفة التي ما اشتق منها فالتزام واذا اردت لذا مثالا بينا فمثال ذلك لفظة الرحمن الاله ورحمة مدلولها فهما لهذا اللفظ مدلولان. احداهما بعض اذا الموضوع فهيتضمن ذا واضح التبيان. لكن وصف الحي لازم ذلك بك المعنى لزوما العلم للرحمن. فلذا دلالته عليه بالتزام بشيء دلت مطابقة كذلك تضمنا وكذا التزام من واضح البرهان؟ هذه قاعدة ذكرها المصنف نافعة في الاسماء الحسنى. وذلك ان الدلالة نوعان لفظية ومعنوية عقلية. فان اعطيت اللفظ جميع ما دخل فيه من المعاني فهي دلالة مطابقة. لان اللفظ طابق المعنى من غير زيادة ولا فنقص وان اعطيته بعض المعنى فتسمى دلالة تضمن. لان المعنى المذكور بعض اللفظ وداخل في ضمنه. واما الدلالة المعنوية العقلية فيه خاصة العقل والفكر الصحيح. لان اللفظ بمجرده لا يدل عليها. وانما ينظر العبد ويتأمل في المعاني اللازمة لذلك اللفظ الذي لا يتم معناها بدونه. وما يشترط له من الشروط. وهذا يجري في جميع الاسماء الحسنى. كل واحد منها دل على الذات وتلك الصفة دلالة مطابقة. ويدل على الذات وحدها او على الصفة وحدها دلالة تضمن. ويدل على الصفة الاخرى اللازمة المحبة مع خضوع القلب والاركان. يعني ان العبادة روحها وحقيقتها تحقيق الحب والخضوع لا فالحب التام والخضوع الكامل لله هو حقيقة العبادة. فمتى خلت العبادة من هذين الامرين او من احدهما فليست عبادة فان بتلك المعاني دلالة التزام. مثال ذلك الرحمن يدل على الذات وحدها وعلى الرحمة وحدها دلالة تضمن. وعلى الامرين دلالة مطابقة ويدل على الحياة الكاملة والعلم المحيط والقدرة التامة ونحوها دلالة التزام لانه لا توجد الرحمة من دون حياة الراحم وقدرته الموصلة لرحمته للمرحوم. وعلمه به وبحاجته. وكذلك ما تقدم من استلزام الملك جميع صفات الملك الكامل واستلزام الرب لصفات الربوبية. والله لصفات الالوهية. وهي صفات الكمال كلها. وكثير من اسمائه الحسنى عدة اوصاف كالكبير والعظيم والمجيد والحميد والصمد. فهذه قاعدة نافعة. ومن القواعد المتعلقة باسمائه الحسنى انما ذكره المصنف بقوله اسماؤه اوصاف مدح كلها مشتقة قد حملت اياك والالحاد فيها انه كفر معاذ الله من كفراني ثقة الالحاد فيها الميل بالاشراق والتعطيل والنكران. فالملحدون اذا ثلاث طوائف فعليهم غضب من الرحمن. يعني ان اسمائه الحسنى كلها اعلام واوصاف دالة على معانيها وكلها اوصاف مدح وحمد وثناء. ولذلك كانت حسنا فلو كانت اعلاما محضة لم تكن حسنا. ولهذا ان كان الاسم منقسما الى حمد ومدح وغيره لم يدخل بمطلقه باسماء الله كالمريد والصانع والفاعل ونحوها. فهذه ليست من الاسماء الحسنى فصفاته كلها صفات كمال محض فهو موصوف باكمل الصفات. وله ايضا من كل صفة كمال احسن اسم اكمله واتمه. والواجب في اسمائه الحسنى وصفاته العليا ان تثبت على ما جاء به الكتاب والسنة على الوجه اللائق بجلال الله عظمته فلا ينفى منها اسم ولا ينفى من معانيها صفة ولا تشبه بصفات المخلوقين. ولهذا توعد الله الملحدين في اسمائه. اما ان تسموا بها بعض المخلوقات كتسمية الهتهم اللات من الاله والعزى من العزيز ومنات من المنان واما ان تمثل بصفات المخلوقين واما ان تنفى وتعطل. كما يفعل الجهمية ومن تبعهم من كل معطل لصفات الله او بعضها. واعظم انواع الملحدين فيها ملاحدة الاتحادية الذين سموا باسمائه وصفاته كل موجود في الوجود. وهذا تعطيل لذاته وصفاته وافعاله. ولنقتصر في الاشارة الى الالحاد باسمائه وصفاته على ما ذكرنا. مع ان المؤلف بسط الكلام لكننا اتينا بالجمل الكلية فيها فصل في النوع الثاني من نوع توحيد الانبياء والمرسلين المخالف لتوحيد المعطلين والمشركين. هذا تاني نوعية توحيد توحيد العبادة منك للرحمن ان لا تكون لغيره عابدا ولا تعبد بغير شريعة الايمان. فتقوم بالاسلام والايمان الاحسان في سر وفي اعلان والصدق والاخلاص ركنا ذلك التوحيد وكنين للبنيان وحقيقة الاخلاص توحيد المراد فلا يزاحمه مراد لكن مراد العبد يبقى واحدة ما فيه تفريق لدى الانسان ان كان ربك واحدا سبحانه فاخصصه مع احساني. او كان ربك فكذاك ايضا وحده بده لا تعبد سواه يا اخا العرفان والصدق توحيد الارادة وهو بذل ذو الجهد لا كسلا ولا متواني. والسنة المثلى لسالكها فتوحيد الطريق الاعظم فلواحد كن واحدا في واحد اعني سبيل الحق والايمان هذه ثلاث مسعدات للذي قد نالها والفضل للمنان فاذا هي اجتمعت لنفس حرة بلغت من العلياء كل مكان. وهذا النوع زبدة رسالة الله لرسله. فكل نبي يبعثه الله يدعو قومه يقول اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ويقول سبحانه طاغوت. وهو الذي خلق الله الخلق لاجله. وشرع الجهاد لاقامته. وجعل الثواب الدنيوي والاخروي من قام به وحققه والعقاب لمن تركه وبه يحصل الفرق بين اهل السعادة القائمين به واهل الشقاوة التاركين له. فعلى العبد ان يبذل جهده في معرفته وتحقيقه والتحقق به ويعرف حده وتفسيره ويعرف حكمه ومرتبته ويعرف اثاره ومقتضياته شواهده وادلته وما يقويه وينميه وما ينقضه او ينقصه وشروطه ومكملاته ويعرف نواقضه ومفسداته لانه الاصل الاصيل الذي لا تصح الاصول الا به. فكيف بالفروع؟ فاما حده وتفسيره واركانه فهو ان يعلم العبد ويعترف على وجه العلم واليقين ان الله هو المألوه وحده المعبود على الحقيقة وان صفات الالهية ومعانيها ليست موجودة باحد من مخلوقات ولا يستحقها الا الله تعالى. فاذا عرف ذلك واعترف به حقا افرده بالعبادة كلها الظاهرة والباطنة يقوم بشرائع الاسلام الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين صلة الارحام والقيام بحقوق الله وحقوق خلقه. ويقوم باصول الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر بخيره وشره ويقوم بحقائق الاحسان وروح الاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة. مخلصا ذلك كله لله لا يقصد به غرضا من الاغراض غير رضا ربه وطلب ثوابه. متابعا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعقيدته ما دل عليه الكتاب والسنة واعماله وافعاله ما شرعه الله ورسوله واخلاقه وادابه بنبيه صلى الله عليه وسلم في هديه وسمته وكل احواله. ولهذا كمال هذا التوحيد وقوامه بثلاثة اشياء. توحيد الاخلاص لله وحده فلا يكون للعبد مراد غير مراد واحد هو العمل لله وحده وتوحيد الصدق وهو توحد ارادة العبد في ارادته وقوة انابته لربه وكمال عبوديته وتوحيد طريق وهو المتابعة. فلهذا قال فلواحد وهو الله كن واحدا في عزمك وصدقك وارادتك. في واحد اي متابعة ولهذا فسره بقوله اعني طريق الحق والايمان. فمن اجتمعت له هذه الثلاثة نال كل كمال وسعادة وفلاح ولا ينقص من كمال العبد الا بنقص واحد من هذه الثلاثة. واذا كان الله تعالى هو الذي خلقك ورزقك وانعم عليك بالنعم الظاهرة والباطنة لم يشاركه في ذلك مشارك. فعليك الا تتأله ولا تتعبد لغيره. وعليك ان تخصه بالتوحيد والسؤال واللجأ والفزع في امورك كلها. وهذا من اعظم الادلة على توحيد الالهية. وهو الاستدلال بربوبية الله للعبد وللخلق كلهم. والتفرد بتدبير وازداء النعم عليهم على انه هو الاله حقا الذي لا يستحق الالوهية ولا شيئا من العبودية غيره. ومن الادلة على ذلك معرفة تفرد الرب بالكمال المطلق. وان له كل صفة كمال. وان المخلوقات كلها. كل وصف حميد فيها فانه من الله تعالى ليس بها وليس منها. وهذا من اعظم البراهين على انه هو المخصوص بالتأله والعبودية. وكذلك هو المنفرد بالنعم كلها. وهو وحده معطي المانع الضار النافع الخافض الرافع. وسواه فقير الى ربه في كل حال. لا يستغني عنه طرفة عين. فمن اعظم الباطل واكبر المنكرات ان يجعل شيئا منه شريكا لله في شيء من خصائصه. وشيء من حقوقه على عباده. فان حقه عليهم ان يعبدوه هو لا يشرك به شيئا لا نبيا مرسلا ولا ملكا مقربا. وهذا النوع من التوحيد متضمن للنوع الاول الذي هو توحيد الاسماء والصفات الداخل فيه توحيد الربوبية. لان الله هو الذي له صفة الالهية. وهي صفات الكمال كلها. ولهذا كلما قوي ايمان العبد باسماء الله وصفاته. قوي توحيده وتم ايمانه. واما ما يناقض هذا التوحيد فقد ذكره المصنف بقوله والشرك ذره فشرك ظاهر ذا القسم ليس بقابل الغفران. وهو اتخاذ الند الرحمن ايا كان من حجر ومن انسان يدعوه او يرجوه ثم يخاف ويحبه كمحبة الرحمن. يعني ان الشرك المناقض لهذا التوحيد نوعان جلي ظاهر مخرج من دائرة الاسلام وهو الشرك الاكبر. وهذا النوع لا يقبل الغفران. قال تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. وتفسيره ان يتخذ العبد لله ندا يحب كمحبة الله او يرجوه او يخافه كخوفه من الله. او يدعوه او يصرف له نوعا من العبادة الظاهرة والباطنة. وفي هذا المقام لا فرق بين الملائكة والانبياء والاولياء والصالحين والطالحين والاشجار والاحجار وغيرها. فمن صرف لشيء منها نوعا من العبادة فهو مشرك كافر. قد سواها بربه في هذا الحق الذي يختص به. فان العبودية لا حق فيها لملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غيرهما بل هم مفتقرون غاية الافتقار الى تألههم وتعبدهم لله. واما الشرك الاصغر فهو كل وسيلة يتوسل بها ويتطرق الى الشرك الاكبر. بشرط الا يبلغ مرتبة العبادة كالحلف بغير الله. وكالرياء والتصنع للمخلوقين ونحو ذلك من الاقوال والافعال المؤدية الى الشرك. فلا يتم للعبد توحيد حتى يتبرأ من الشرك كله جليه وخفيه ظاهره وباطنه الاقوال منه والافعال. فتكون اعماله كلها خالصة لله؟ متبعا فيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والعبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه مما شرعه من الاعمال الظاهرة والباطنة. وقد حدها المؤلف بقوله ليس العبادة غير توحيد حقيقتها الذل والانكسار لله. ولا يكون ذلك الا مع محبته المحبة التامة التي تتبعها المحاب كلها والله اعلم. وصلى الله الله على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. وعلى التابعين لهم باحسان الى يوم الدين. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات تم هذا التعليق المبارك على يد جامعه الفقير الى الله تعالى عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله بن سعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين وذلك في ثالث ربيع الاخر سنة الف وثلاثمائة وسبع وستين. وتم نقله من خط المصنف في تسعة تسعة عشر من شهر ربيع الاخر سنة الف وثلاثمائة وسبع وستين والحمدلله