المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في جوامع الحكم والقضايا في الاصول والفروع. قال الله تعالى وان احكم بينهم بما انزل الله. وقال لتحكم بين الناس بما اراك الله. وقال وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط فقال فاذا تنازعتم في بشيء فردوه الى الله والرسول. فقال يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض. فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. فقال ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وقال وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. الحكم بين الناس بالحق والقسط وهو الحكم بما انزل الله. وهو الرد الى الله ورسوله فان هذه الايات يصدق بعضها بعضا. فتدل على ان الحق والعدل لا يخرج عما جاء به الرسول. وان حكم الله ورسوله احسن الاحكام على الاطلاق. اي اعدادها واقوامها واصلحها واحسنها للشرور. واعظم احكام توسل بها الى تحصيل المصالح ودرء مفاسد وان رد مسائل النزاع والاختلافات الدينية والدنيوية الى الله والرسول. خير في الحال واحسن عاقبة وان كلمات الله تمت وكملت من كل وجه صدقا في اخبارها عدلا في احكامها واوامرها ونواهيها. فكل مسألة خارجة عن العدل الى الظلم وعن الصلاح الى الفساد فليست من الشرع. وقد جاء شرع الله محكم الاصول والفروع. موافقا للمعقول الصحيح والاعتبار والميزان العادل وقد حكم الله ورسوله باحكام متنوعة متفرعة عن هذا الاصل العظيم. تفصيل لمجمله. فحكم الله بان اقرار من عليه الحق معتبر في القليل والكثير. كما تقدم التنبيه عليه في اية الدين. وحكم ان البينة على المدعي لاثبات حق. او المدعي براءة الذمة من الحقوق الثابتة وان اليمين على من انكر وهاتان القاعدتان عليهما مدار جمهور القضايا. اعتبار اقرار من عليه الحق اذا كان فازا التصرف تكليف المدعين كلهم بالبينات البينة شرعا اسم جامع لكل ما بين الحق والبيان مراتب بعضها يصل الى درب درجة اليقين وبعضها كالقرائن وشواهد الاحوال. والترجيحات كثيرة جدا. وعند تساوي الترجيحات ومقادير الاشياء وكمياتها فبالتوسط بينها اما بقسماتها متساوية وجعل الزيادة والنقص بحسب ذلك والا بالقرعة اذا تعذرت القسمة. ومن احكام الشارع عادلة. الغاؤه المعاملات الظالمة الجائرة كانواع الغرر والظلم والميل على احد المتعاملين بغير حق. ومن احكامه الكلية التراضي بين المتعاملين في عقود المعاوضات وفي عقود التبرعات. وانه لا يحل مال امرئ مسلم او معاهد الا بطيب نفسه. ومن احكامه الكلية منع الضرر والاضرار بغير حق في كل معاملة وخلطة وجوار واتصال. ومن احكامه الكلية ان على العمال تميل اعمالهم ومن احكامه الكلية ان على العمال تكميل اعمالهم بغير نقص. وعلى من عمل لهم تكميل اجورهم. ومن احكامه الكلية ايجابه الوفاء بالعقود والشروط التي يشترطها احد المتعاقدين على الاخر. في ابواب العقود كلها مما لكل منها او لاحدهما في فيه مصلحة الا شرطا احل حراما او حرم حلالا فهذا قد اهدره الشارع والغاه وقال من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد من احكامه الكلية اعتبار المقاصد والنيات في ابواب المعاملات والاعمال. كما تعتبر في باب العبادات وبهذا الاصل ابطل جميع الحيل التي يتوسل بها الى فعل محرم او اسقاط حق مسلم ونحوها. ومن احكامه الكلية ان جميع العقود اللازمة والجائزة عقود معارضتي وعقود التبرع كذلك الفسوخ تنعقد بما دل عليها من الالفاظ التي يتعارفها المتعاقدان ومن الافعال الدالة على ذلك ومن احكامه الكلية ان تلف الشيء بيد الظالم كالغاصب ونحوه فيه الضمان فرط او لم يفرط فان ثبوت يده على وجه الظلم والعدوان وان تلف الشيء تحت يد الامين لا ضمان فيه ان لم يفرط او يتعدى. ومن احكامه الكلية ان الشيء المشكوك فيه يرجع فيه الى اليقين في العبادات والمعاملات. فمن ادعى الاصل فقوله مقبول. ومن ادعى خلاف الاصل لم يقبل الا ببينة. وان الاصل بقاء ما كان على ما كان الاصل براءة الذمة حتى يتيقن اشتغالها. كما ان الاصل بقاء ما كان ثابتا في الذمة. حتى يتيقن البراءة بوفاء او اسقاط او او سقوط وان الاصل في عقود المسلمين الصحة والسلامة حتى نعرف انه جرى ما يفسدها. ومن احكامه الكلية ان جميع الاحكام من اصول طول وفروع لا تتم وتكمل ويحصل مقتضاها الا باجتماع شروطها واركانها ومقوماتها. وانتفاء موانعها ومفسداتها. ومن احكامه الكلية وجوب المماثلة في المتلفات والمضمونات بمثلها ان امكن المثل. وبالقيمة ان تعذر المثل. وكذلك الاعمال. فمن عمل لغيره عملا بعوض لم يسمى او سمي تسمية فاسدة او جهلت التسمية او عاوضه معاوضة تعذر معرفة العوض فيها فانه يرجع في ذلك الى اجرة المثل وعوض المثل. من احكامه الكلية. وجوب العدل بين الاولاد والزوجات. ووجوب العدل بين ذوي الحقوق الذين لا مزية لواحد منهم على الاخر. كالعول الداخل على اهل الفروض بالسوية. وكقسمة المال بين الغرماء اذا لم يف بحقوقهم. يعطون على حقوقهم اذا لم يكن لاحدهم مزية رهن ونحوه. وكاشتراك الملاك في الزيادة المترتبة عليها على قدر املاكهم. وكالنقص على قدر املاكهم اذا اعتراها نقص سواء كان النقص بحق تعلق بها او بتلف او خسارة او وقع ظلما فانهم يشتركون في الزيادة والنقص على قدر املاكهم. ومن احكامه الكلية اثبات الخيار في كل عقد ظهر في العوض المعين او المعوض عيب ينقصه. وانه اذا لم يمكن الرد تعين الارش واسقاط النقص وعلى الصحيح لا فرق بين البيوع وغيرها. فان هذا من قاعدة العدل ومن احكامه الكلية جعل المجهول كالمعدوم ويندرج تحت هذا الاصل الاموال التي جهل ملاكها انه يتصدق بها عنهم او تبذل في المصالح نيابة عنهم وتملك اللقطة ومن مات لا وارث له بفرض ولا تعصيب ولا رحم. تركته في بيت المال للمصالح العامة. جعل للمجهول في ذلك كالمعدوم. ومن احكامه الكلية الرجوع الى العرف اذا تعذر التعيين شرعا ولفظا. في الرجوع للعرف في نفقة زوجاتي والاقارب والاجراء وكالشروط العرفية في المعاملات اذا اطردت بين الناس. وكالقبض والحرز ونحوها مما لا يعد ولا لا يحصى. ومن احكامه الكلية ان الاصل في العبادات الحظر فلا يشرع منها الا ما شرعه الله ورسوله. والاصل في المعاملات والاستعمال ذات كلها الاباحة فلا يحرم منها الا ما حرمه الله ورسوله. وعلى هذا جميع احكام العبادات والمعاملات وغيرها. مما لا يمكن يمكن احصاؤه. ولهذا من شرع في عبادة لم تنقل عن الشارع فهو مبتدع. ومن حرم من العادات شيئا لم يرد عن الشارع فهو مبتدع. ومن احكامه الكلية حثه على الصلح والاصلاح بين من بينهم حقوق. وخصوصا عند اشتباهها او عند تناكرها. واذا تعذر استيفاء الحق في كله او تعسر فقد شرع في ذلك كله الصلح بالعدل. وسلوك الحالة المناسبة لتلك القضية بما تقتضيه الحال. وفيه من الفوائد والثمرات الطيبة ما لا يعد ولا يحصى. ومن احكامه الكلية اعتبار العدالة في الشهود. وان يكونوا ممن يرضى من الشهداء وذلك يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص. فالشارع اعتبر شهادة العدل المرضي من الشهداء. واسقط شهادة الكاذب والقاذف قبل التوبة وامر بالتثبت في خبر الفاسق. وكذلك المجهول لانه اعتبر المرضي العدل عند الناس. فلابد من تحقيق هذا الوصف. واما عدد الشهود ونصابها فذلك يختلف باختلاف المشهود به كما فصله اهل العلم. واما احكامه الكلية ان من سبق الى مباح فهو واحق به ويدخل فيه السبق الى النزول في المساكن والاوقاف التي لا تتوقف على نظر ناظر. ويدخل في ذلك السبق الى المباحات من الصيود البرية والبحرية والى ما يستخرج من البحار والمعادن والى الاحتشاش والاحتطاب وغير ذلك. والى احياء الموات وغيرها من المسائل المتنوعة الداخلة في هذا الاصل. ومن احكامه الكلية قبول قول الامناء على ما في ايديهم مما هم عليه اولياء من قبل الشارع او من قبل المالك بالوكالة او الوصاية او النظارة للاوقاف. وكل هؤلاء مقبول قولهم بما يدعونه من داخل وخارج ومصنع ونحوه اذا كان ذلك ممكنا. هذا معنى تأمينهم وتوليهم ولايتهم. واعلم ان قبول قول هؤلاء في هذه الامور لا يمنع كسبتهم وطلب الوقوف على كيفية تلك المصارف الداخلية والخارجية وتبيين وجه النقص والتلف ونحو ذلك. ليستظهر بذلك على صدقهم وكذبهم. واما تمكينهم من اطلاق سراحهم بحجة انهم امناء. مقبول قولهم فهذا غلط على الشريعة وعلى الحقيقة الشارع حاسب عماله واستدرك عليهم. والحقيقة والوقوف عليها مطلوب باتفاق اهل الاعتبار. فكم من امين ظهرت خيانته ويقينا حين استدرك عليه. ومن احكامه الكلية ان الواجب يسقط بالعجز عنه بالكلية. وانه اذا قدر على بعض الواجب وجب عليه فيهما يقدر عليه منه وسقط عنه ما يعجز عنه. فهذا مضطرد في العبادات والحقوق الواجبة وغيرها. كما ان الضرورة تبيح وتقدر بقدرها. ومن احكامه الكلية انه اقام البدل مقام مبدله في احكام العبادات والمعاملات والحقوق وغيرها فمتى كان للشيء بدل وتعذر الاصل قام هذا مقامه وحكم له باحكامه وان النماء تابع للاصل. ومن احكامه الكلية ان من وجب عليه امر من الامور فانه يجبر عليه بحق. وان من اتلف شيئا لدفع اذاه له دفعا عن نفسه ولا ضمان عليه من اتلفه للانتفاع به ضمنه. وان ما ترتب على المأذون فيه من تلف فغير مضمون. وما ترتب على غير المأذون فانه مضمون ومن احكامه الكلية ان الاستثناءات والقيود والاوصاف الملحقة بالالفاظ تعتبر وتقيد الكلام. ويرتبط بها بشرط الاتصال قال لفظا او حكما ويدخل في هذا الفاظ العقود والفسوخ والوقف والوصايا والعتق والطلاق والايمان والاقرارات وغيرها. ومن احكام الكلية ان الشركاء في الاملاك والمنافع يلزمون بكل ما يعود الى حصول المنافع الضرورية ودفع المضار. ويجبر الممتنع منهما من ذلك من المصارف والنفقات والضرائب التي تلحق الاملاك هم فيها شركاء على كل منهم ويجبر الممتنع منهما من ذلك من الطارف والنفقات والضرائب التي تلحق الاملاك. هم فيها شركاء على ما كان منهم بقدر ملكه. ومن احكامه الكلية ان المباشر لاتلاف اموالي او المتسببة لذلك ضامن لها. متعمدا كان او ناسيا او جاهلا. وانه اذا اجتمع المباشر والمتسبب كان الضمان على المباشر الا ان تعذر تضمينه لفقد او امتناع او عسر او نحوه فيحال الضمان على المتسبب بغير حق. ومنها ان من ادى عن دينا واجبا بنية الرجوع فانه يرجع ولو لم يأذن له في ذلك. ومنها ان الوصف في الشيء الذي بيد الغير وذلك الغير لا يدعي لنفسه بينة. ومنها ان من تعجل شيئا قبل اوانه على وجه محرم عوقب بحرمانه. ومن احكامه الكلية انه اذا تزاحم المصالح قدم الاعلى منها وان تزاحمت المفاسد. وكان لابد من فعل احداها ارتكب الاخف منها لدفع الاشد مفسدة. وعلى هذا من مسائل الفقه ما لا يعد ولا يحصى. لان الشارع شرع الشريعة لتحصيل المصالح او تكميلها. ولتقليل المفاسد وتعطيلها بحسب بالامكان ومنها ان اطلاق التشريك في الوصايا والهبات والاقرارات وايقاع العقود والفسوخ على الاعيان وغير ذلك. كل ذلك يقتضي المساواة بين من شرك بينهم في شيء من ذلك الا ان دل دليل على المفاضلة بينهم. وكذلك في الاشياء المشتبهة التي يعلم ان نهى لهؤلاء الاشخاص ولا يعلم مقدار ما لكل فانهم يتساوون فيها. وادلة هذه الاصول من الكتاب والسنة ظاهرة. وهي اصول جامعة عظيمة النفع ينتفع بها الحاكم والمفتي وطالب العلم وهي من محاسن الشريعة ومن اكبر البراهين على ان ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق من عند الله محكم الاصول. متناسب الفروع. عدل في معانيه. تابع للحكم والصلاح فيما ابانيه. فلنقتصر على هذه القواعد اذ غيرها تبع لها. وهي تغني عن غيرها ولا يغني عنها سواها والله اعلم. فصل كن في ذكر ما قص الله علينا في كتابه من اخبار الانبياء مع اقوامهم. قد قص الله علينا في كتابه قصصا طيبة من اخبار انبيائه ووصفها بانها احسن القصص. فهذا الوصف من الله العظيم يدل على انها اصدقها وابلغها وانفعها للعباد. فمن اهم منافع هذه قصص ان بها يتم ويكمل الايمان بالانبياء صلى الله عليهم وسلم. فاننا وان كنا مؤمنين بجميع الانبياء على وجه العموم والاجمال الايمان التفصيلي المستفاد من قصصهم وما وصفهم الله به من الصدق الكامل والاوصاف الكاملة التي هي اعلى الاوصاف وما لهم من الفضل والفواضل والاحسان على جميع نوع الانسان بل وصل احسانهم الى جميع الحيوانات بما ابدوه للمكلفين في الاعتناء بها والقيام بحقها فهذا الايمان التفصيلي بالانبياء يصل به العبد الى الايمان الكامل. وهو من مواد زيادة الايمان. فمن ذلك ان في قصصهم تقرير الايمان لا وتوحيده واخلاص العمل له والايمان باليوم الاخر وبيان حسن التوحيد ووجوبه وقبح الشرك وانه سبب الهلاك في الدنيا والاخرة وفي قصصهم ايضا عبرة للمؤمنين يقتدون بهم في جميع مقامات الدين في مقام التوحيد والقيام بالعبودية وفي مقامات الدعوة الصبر والثبات عند جميع النوائب المقلقة ومقابلة ذلك بالطمأنينة والسكون والثبات التام. وفي مقام الصدق والاخلاص لله في جميع الحق الحركات والسكنات واحتساب الاجر والثواب من الله تعالى. لا يطلبون من الخلق اجرا ولا جزاء ولا شكورا. الا الامور النافعة للخلق وفيها ايضا عبرة لاتفاقهم على دين واحد واصول واحدة ودعوة الى كل خلق جميل وعمل صالح واصلاح وزجرهم عن كل لما يضاد ذلك وفيها ايضا من الفوائد الفقهية والاحكام الشرعية والاسرار الحكمية شيء عظيم لا غنى لكل طالب علم عنها من الوعظ والتذكير والترغيب والترهيب والفرج بعد الشدة وتيسير الامور بعد تعسرها وحسن العواقب المشاهدة في هذه الدار وحسن الثناء والمحبة في قلوب الخلق ما فيه زاد للمتقين وسرور للعابدين وسلوة للمحزونين. ومواعظ للمؤمنين. فليس المقصود من قصصهم ان تكون فقط سمرة وانما الغرض الاعظم منها ان تكون تذكيرا وعبرا. واعلم قبل الشروع فيها ان كثيرا من قصصهم صلوات الله وسلامه عليهم اعادها الله في كتابه مرات عديدة باساليب مناسبة لمقاماتها. وربما يكون في موضع منها ما ليس في المواضع الاخرى من الزيادات والفوائد او يأتي بها بالفاظ غير الفاظ القصة الاخرى. والمعاني متفقة او متقاربة. على حساب ان هذا التعليق مختصر قرر سوف اتي بهذه القصص واجمع القصة في موضع واحد واحرص على ما دلت عليه الفاظ الكتاب من سياقها. من اولها الى اخرها واتبع كل قصة بما يفتح الله به من الفوائد الاصولية والفروعية والاخلاق والاداب والمواضيع المتنوعة. راجيا من الله ان تقني بذلك للصواب اللفظي والاخلاص الباطني وموافقة رضاه. وان يجعل بذلك النفع العام انه جواد كريم