الخلق ان يأتوا بهذا القرآن الذي هو اجل الكلام واعلاه. وانه لم يجتمع باحد يعينه على ذلك. فقد جاءوا بهذا القول ظلما ومن جملة اقاويلهم فيه ان قالوا هذا الذي جاء به محمد وقالوا اساطير الاولين المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم هذا بيان لعظمته الكاملة. وتفرده بالوحدانية من كل وجه. وكثرة خيراته واحسانه. فقال تبارك اي تعاظم وكملت اوصافه وكثرت خيراته. الذي من اعظم خيراته ونعمه. ان نزل هذا القرآن الفارق بين الحلال والحرام والهدى والضلال. واهل السعادة من اهل الشقاوة على عبده محمد صلى الله عليه وسلم. الذي كمل مراتب العبودية وفاق جميع المرسلين نذيرا ليكون ذلك الانزال للفرقان على عبده للعالمين نذيرا ينذرهم بأس الله ونقمه. ويبين لهم مواقع رضى الله من سخطه. حتى ان من قبل نذارته وعمل بها كان من الناجين في الدنيا والاخرة الذين حصلت لهم السعادة الابدية والملك السرمدي. فهل فوق هذه النعمة وهذا الفضل والاحسان شيء؟ فتبارك الذي من بعض احسانه وبركاته الذي له ملك السماوات والارض. اي له التصرف فيها وحده. وجميع من فيها مماليك وعبيد له. مذعنون لعظمته. خاضعون لربوبيته فقراء الى رحمته. الذي لم يتخذ ولدا كل شيء فقدره تقديرا. ولم يكن له شريك في الملك. وكيف يكون له ولد او شريك؟ وهو المالك غيره مملوك وهو القاهر وغيره مقهور. وهو الغني بذاته من جميع الوجوه والمخلوقون مفتقرون اليه فقرا ذاتيا من جميع الوجوه وكيف يكون له شريك في الملك ونواصي العباد كلهم بيديه فلا يتحركون او يسكنون ولا يتصرفون الا باذنه فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فلم يقدره حق قدره من قال فيه ذلك. ولهذا قال وخلق كل شيء شمل العالم العلوي والعالم السفلي من حيواناته ونباتاته وجماداته فقدروا تقديرا. اي اعطى كل مخلوق منها ما يليق به ويناسبه من الخلق. وما تقتضيه حكمته من ذلك بحيث خسارة كل مخلوق لا يتصور العقل الصحيح ان يكون بخلاف شكله وصورته المشاهدة. بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد لا يناسبه غير محله الذي هو فيه. قال تعالى سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى. والذي قدر فهدى. وقال تعالى ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. ولما بين كماله وعظمته وكثرة احسانه كان ذلك مقتضيا لان يكون وحده محبوب المألوه المعظم المفرد بالاخلاص وحده لا شريك له. ناسب ان يذكر بطلان عبادة ما سواه. فقال من دونه الهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. اي من اعجب العجائب للدليل على سفههم ونقص عقولهم بل ادل على ظلمهم وجرائتهم على ربهم ان اتخذوا الهة بهذه الصفة في كمال العجز انها لا تقدر على خلق شيء بل هم مخلوقون بل بعضهم مما عملته ايديهم ولا حياة ولا نشورا. ولا يملك لانفسهم ضرا ولا نفعا اي لا قليلا ولا كثيرا. لانه نكرة في سياق النفي اي بعثا بعد الموت فاعظم احكام العقل بطلان الهيتها وفسادها وفساد عقل من اتخذها الهة وشركاء للخالق لسائر المخلوقات. من غير مشارك له في ذلك. الذي بيده النفع والضر والعطاء المنع الذي يحيي ويميت ويبعث من في القبور. ويجمعهم ليوم النشور. وقد جعل لهم دارين دار الشقاء والخزي والنكال لمن اتخذ معه الهة اخرى ودار الفوز والسعادة والنعيم المقيم. لمن اتخذه وحده معبودا. ولما قرر بالدليل القاطع واضح صحة التوحيد وبطلان ضده قرر صحة الرسالة وبطلان قول من عارضها واعترضها فقال واعانه عليه قوم ظلما وزورا. اي وقال الكافرون الذي اوجب لهم كفرهم ان قالوا في القرآن والرسول ان هذا القرآن كذب كذبه محمد وافك افتراه على الله واعانه انه على ذلك قوم اخرون. فرد الله عليهم ذلك بان هذا مكابرة منهم. واقدام على الظلم والزور. الذي لا يمكن ان يدخل لا احد وهم اشد الناس معرفة بحالة الرسول صلى الله عليه وسلم وكمال صدقه. وامانته وبره التام. وانه لا يمكنه لا هو ولا سائل اساطير الاولين اكتتبها اي هذا قصص الاولين واساطيرهم التي تتلقاها الافواه وينقلها كل احد استنسخها محمد واصيلا. وهذا القول منهم فيه عدة عظائم. منها رميهم الرسول الذي هو ابر الناس واصدقهم بالكذب. والجرأة العظيمة ومنها اخبارهم عن هذا القرآن الذي هو اصدق الكلام واعظمه واجله. بانه كذب وافتراء. ومنها ان في ضمن ذلك انهم قادرون على ان يأتوا بمثله. وان يضاهي المخلوق الناقص من كل وجه. للخالق الكامل من كل وجه. بصفة من صفاته وهي الكلام منها ان الرسول قد علمت حالته وهم اشد الناس علما بها انه لا يكتب ولا يجتمع بمن يكتب له وهم قد زعموا ذلك. فلذلك رد عليهم ذلك بقوله غفورا رحيما. اي انزله من احاط علمه بما في السماوات وما في الارض. من الغيب والشهادة والجهر والسر. كقوله وانه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين. ووجه اقامة الحجة عليهم ان الذي انزله هو المحيط علمه بكل شيء فيستحيل ويمتنع ان يقول مخلوق ويتقول عليه هذا القرآن ويقول هو من الله وما هو من عندك ويستحل دماء من خالفه واموالهم. ويزعم ان الله قال له ذلك. والله يعلم كل شيء. ومع ذلك فهو يؤيده وينصره على اعدائه. ويمكنه من رقابهم وبلادهم. فلا يمكن احدا ان ينكر هذا القرآن. الا بعد انكار علم وهذا لا تقول به طائفة من بني ادم سوى الفلاسفة الدهرية وايضا فان ذكر علمه تعالى العام ينبهه ويحضهم على تدبر القرآن وانهم لو تدبروا لرأوا فيه من علمه واحكامه ما يدل دلالة قاطعة على انه لا يكون الا من عالم الغيب والشهادة. ومع انكارهم للتوحيد والرسالة من لطف الله بهم انهم لم يدعهم وظلمهم. بل دعاهم الى التوبة والانابة اليه ووعدهم بالمغفرة والرحمة. انهم تابوا ورجعوا. فقال اه اي وصفه المغفرة لاهل الجرائم والذنوب اذا فعلوا اسباب المغفرة. وهي الرجوع عن معاصيه والتوبة منها رحيما بهم. حيث لم يعاجلهم بالعقوبة وقد فعلوا مقتضاها وحيث قبل توبتهم بعد المعاصي وحيث محى ما سلف من سيئاتهم وحيث قبل حسناتهم حيث اعاد الراجع اليه بعد شروده والمقبل عليه بعد اعراضه الى حالة المطيعين المنيبين اليه هذا من مقالة المكذبين للرسول التي قدحوا بها في رسالته وهو انه معترض بانه هل لكان ملكا او ملكا او يساعده ملك؟ فقالوا ما لهذا الرسول؟ اي ما لهذا الذي ادعى الرسالة؟ تهكما منهم واستهزاء يأكل الطعام وهذا من خصائص البشر. فهلا كان ملكا لا يأكل الطعام ولا يحتاج الى ما يحتاج اليه البشر ويمشي في الاسواق للبيع والشراء. وهذا بزعمهم لا يليق بمن يكون رسولا. مع ان الله قال وما ارسلنا قبلك من المرسلين الا انهم ليأكلون الطعام ويمشون في الاسواق لولا انزل اليه ملك اي هلا انزل معه ملك يساعده ويعاونه وبزعمهم انه غير كاف للرسالة ولا بطوقه وقدرته القيام بها كنز او تكون له جنة يأكل منها او يلقى اليه كنز اي مال مجموع من غير تعب او تكون له جنة يأكل منها فيستغني بذلك عن مشيه في الاسواق لطلب الرزق وقال الظالمون حملهم على القول ظلمهم لاشتباه منهم هذا وقد علموا كمال عقل وحسن حديثه وسلامته من جميع المطاعم. ولما كانت هذه الاقوال منهم عجيبة جدا. قال تعالى كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا. انظر كيف ضربوا لك الامثال وهي انه هلا كان ملكا وزالت عنه خصائص البشر او معه ملك لانه غير قادر على ما قال او انزل عليه او جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الاسواق. او انه كان مسحورا قالوا اقوالا متناقضة كلها جهل وضلال وسفه. ليس في شيء منها هداية بل ولا في شيء منها ادنى شبهة تقدح في الرسالة فبمجرد النظر اليها وتصورها يجزم العاقل ببطلانها. ويكفيه عن ردها. ولهذا امر تعالى بالنظر اليها والنظر هل توجب التوقف عن الجزم للرسول بالرسالة والصدق؟ ولهذا اخبر انه قادر على ان يعطيك خيرا كثيرا في الدنيا فقال لك خيرا من دار جعل لك خيرا من ذلك اي خيرا مما قالوا. ثم فسره بقوله مرتفعة مزخرفة فقدرته ومشيئته لا تقصر عن ذلك ولكنه تعالى لما كانت الدنيا عنده في غاية البعد والحقارة اعطى منها اولياءه ورسله ما اقتضت حكمته منها واقتراح اعدائهم بانهم هلا رزقوا منها رزقا كثيرا جدا ظلم وجراءة. ولما كانت تلك الاقوال التي قالوها معلومة الفساد اخبر تعالى انها لم تصدر منهم لطلب الحق ولا لاتباع البرهان وانما صدرت منهم تعنتا وظلما وتكذيبا بالحق فقالوا ما بقلوبهم من ذلك. ولهذا قال بل كذبوا بالساعة والمكذب المتعنت الذي ليس له قصد في اتباع الحق لا سبيل اله ولا حيلة في مجادلته. وانما له حيلة واحدة. وهي نزول العذاب به. فلهذا قال اي نارا عظيمة قد اشتد سعيرها وتغيظت على اهلها واشتد سفيرها تغيضا اذا رأتهم من مكان بعيد اي قبل وصولهم ووصولها اليهم وزفيرا. سمعوا لها تغيظا عليهم. وزفيرا تقلق منه الافئدة. وتتصدع القلوب. ويكاد الواحد يموت خوفا منها وذعرا. قد غضبت عليهم لغضب خالقها. وقد زاد لهبها لزيادة كفرهم وشرهم مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك سبورا اي عذابهم وهم في وسطها جمع في مكان بين ضيق المكان وتزاحم السكان وتقرينهم بالسلاسل والاغلال. فاذا وصلوا ولذلك المكان النحس احبسوا في اشر حبس. دعوا على انفسهم بالثبور والخزي والفضيحة وعلموا انهم ظالمون معتدون. قد عدل فيهم الخالق حيث انزلهم باعمالهم هذا المنزل. وليس ذلك الدعاء والاستغاثة بنافعة لهم ولا مغنية من عذاب الله. بل يقال لهم اي لو زاد ما قلتم اضعاف اضعافه. ما افادكم الا الهم والغم والحزن ما بين جزاء الظالمين ناسب ان يذكر جزاء المتقين فقال التي وعد المتقون كانت لهم جزاء. كان اي قل لهم مبينا لسفاهة رأيهم اختيارهم الضار على النافع. اذلك الذي وصفت لكم من العذاب المتقون كانت لهم جزاء التي زادها تقوى الله فمن قام بالتقوى فالله قد وعده اياها كانت لهم جزاء على تقواهم. ومصيرا وموئلا يرجعون اليها. ويستقرون فيها. ويخلدون دائما ابدا لهم فيها ما يشاؤون خالدين لهم فيها ما يشاؤون اي يطلبون وتتعلق بهم امانيهم ومشيئتهم من المطاعم والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والنساء الجميلات والقصور العاليات والجنات والحدائق المرجحنة والفواكه التي تسر ناظريها واكليها. من حسنها وتنوعها وكثرة اصنافها الانهار التي تجري في رياض الجنة وبساتينها. حيث شاءوا يصرفونها ويفجرونها انهارا من ماء غير اس. وانهارا من لبن لم يتغير طعمه وانهارا من خمر اللذة للشاربين. وانهارا من عسل مصفى. وروائح طيبة ومساكن مزخرفة واصوات شجية تأخذ من حسنها بالقلوب ومزاورة الاخوان والتمتع بلقاء الاحباب واعلى من ذلك كله. التمتع بالنص الى وجه الرب الرحيم وسماع كلامه والحظوة بقربه. والسعادة برضاه والامن من سخطه. واستمرار هذا النعيم ودوامه وزيادته على ممر الاوقات وتعاقب الانات. كان دخولها والوصول اليها يسأله اياها عباده المتقون بلسان حالهم ولسان مقالهم. فاي الدارين المذكورة اخوتين خير واولى بالايثار. واي العاملين عمال دار الشقاء او عمال دار السعادة. اولى بالفضل والعقل والفخر. يا اولي الالباب الباب لقد وضح الحق واستنار السبيل فلم يبق للمفرط عذر في تركه الدليل فنرجوك يا من قضيت على اقوام بالشقاء واقوام بالسعادة ان تجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة. ونستغيث بك اللهم من حالة الاشقياء. ونسألك المعافاة منها يخبر تعالى عن حالة المشركين وشركائهم يوم القيامة وتبريهم منهم وبطلان سعيهم. فقال ويوم يحشرهم اي المكذبين المشركين. وما يعبدون من دون الله. فيقول الله للمعبودين على وجه التقريع لمن عبدهم هل امرتموهم بعبادتكم وزينتم لهم ذلك؟ ام ذلك من تلقاء انفسهم كما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من اولياء ولكن قالوا سبحانك عزه الله عن شرك المشركين به وبرؤوا انفسهم من ذلك. ما كان ينبغي لنا اي لا يليق بنا ولا يحسن منا ان نتخذ من دونك من اولياء نتولاهم ونعبدهم وندعوهم. فاذا كنا محتاجين ومفتقرين الى عبادتك. متبرئين من عبادة غيرك. فكيف يأمر احدا بعبادتنا هذا لا يكون او سبحانك عنان نتخذ من دونك من اولياء. وهذا كقول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله؟ قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما اليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم. وقال تعالى ويوم نحشرهم جميعا. ثم نقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم. بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون. واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين. فلما نزهوا انفسهم ان يدعوا لعبادة غير الله او يكونوا اضلوهم ذكروا السبب الموجب لاضلال المشركين فقالوا ولكن متعتهم واباءهم في لذات الدنيا وشهواتها ومطالبها النفسية حتى نسوا الذكر في لذات الدنيا وانكبابا على شهواتها فحافظوا على دنياهم وضيعوا دينهم اي بائرين لا خير فيهم ولا يصلحون لصالح. لا يصلحون الا للهلاك والبوار. فذكروا المانع من اتباعهم الهدى وهو التمتع في الدنيا الذي صرفهم عن الهدى وعدم المقتضي للهدى. وهو انهم لا خير فيهم. فاذا عدم المقتضي ووجد المانع فلا تشاء من شر وهلاك الا وجدته فيهم. فلما تبرأوا منهم قال الله توبيخا وتقريعا للعابدين فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن فقد كذبوكم بما تقولون انهم امروكم بعبادتهم ورضوا فعلكم وانهم شفعاء لكم عند ربكم. كذبوكم في ذلك الزعم. وصاروا من اكبر اعدائكم. فحق عليكم العذاب فما تستطيعون صرفا للعذاب عنكم بفعلكم او بفداء او غير ذلك. ولا نصرا لعجزكم وعدم ناصركم. هذا حكم الضالين المقلدين الجاهلين. كما رأيت اسوأ حكم واشر مصير. واما المعاند منهم الذي عرف الحق وصدف عنه. فقال قال في حقه ومن يظلم منكم بترك الحق ظلما وعنادا. لا يقادر قدره ولا يبلغ امره. ثم قال تعالى جوابا لقول المكذبين ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق الطعام ويمشون في الاسواق. فما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما جعلناهم ملائكة فلك فيهم اسوة. واما الغنى والفقر فهو فتنة وحكمة من الله تعالى. كما قال بعضكم لبعض فتنة اتصبرون. وجعلنا بعضكم لبعض فتنة. الرسول فتنة للمرسل اليه واختبار للمطيعين من العاصين. والرسل فتناهم بدعوة الخلق. والغني فتنة للفقير. والفقير فتنة للغني هكذا سائر اصناف الخلق في هذه الدار دار الفتن والابتلاء والاختبار. والقصد من تلك الفتنة يقومون بما هو وظيفتكم اللازمة الراتبة فيثيبكم مولاكم ام لا تصبرون فتستحقون المعاقبة يعلم احوالكم ويصطفي من يعلمه يصلح لرسالته. ويختصه بتفضيله. ويعلم اعمالكم فيجازيكم عليها ان خيرا فخير وان شرا فشر او نرى ربنا. لقد استكبروا في امرهم اي قال المكذبون للرسول المكذبون بوعد الله ووعيده الذين ليس في قلوبهم خوف الوعيد. ولا رجاء للقاء الخالق اي هلا نزلت الملائكة تشهد لك بالرسالة وتؤيدك عليها او تنزل رسلا او نرى ربنا فيكلمنا ويقول هذا رسولي فاتبعوه. وهذا معارضة للرسول بما ليس بمعارض. بل التكبر والعلو والعتو. لقد استكبروا في انفسهم مع لقد استكبروا في انفسهم حيث اقترحوا هذا الاقتراح وتجرؤوا هذه الجرأة. فمن انتم يا فقراء؟ ويا مساكين حتى تطلبوا رؤية الله وتزعم ان الرسالة متوقف ثبوتها على ذلك. واي كبر اعظم من هذا اي قسوا وصلبوا عن الحق قساوة عظيمة. فقلوبهم اشد من الاحجار. واصلب من الحديد. لا تلين للحق ولا تصغي للناصحين فلذلك لم ينجح فيهم وعظ ولا تذكير. ولا اتبعوا الحق حين جاءهم النذير. بل قابلوا اصدق الخلق وانصحهم وايات الله البينة بالاعراض والتكذيب والمعارضة. فاي عتو اكبر من هذا العتو؟ ولذلك بطلت اعمالهم واضمحا لك وخسروا اشد الخسران وحرموا غاية الحرمان ويقولون حجرا محجورا يوم يرون الملائكة التي اقترحوا لها لا بشرى يومئذ للمجرمين. وذلك انهم لا يرونها مع استمرارهم على جرمهم وعنادهم الا لعقوبتهم قولوا للبأس بهم فاول ذلك عند الموت. اذا تنزلت عليهم الملائكة قال الله تعالى ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا ايديهم. اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق. وكنتم عن اياته تستكبرون. ثم في القبر حين يأتيهم منكر ونكير. فيسألهم عن ربهم ونبيهم ودينهم. فلا يجيبون جوابا ينجيهم فيحلون بهم النقمة وتزول عنهم بهم الرحمة ثم يوم القيامة حين تسوقهم الملائكة الى النار ثم يسلمونهم جهنم الذين يتولون عذابهم ويباشرون عقابهم. فهذا الذي اقترحوه وهذا الذي طلبوه. ان استمروا على اجرامهم لا بد ان يروه ويلقوه وحينئذ يتعوذون من الملائكة ويفرون ولكن لا مفر لهم يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان وقدمنا الى ما عملوا من عمل اي اعمالهم التي رجو ان تكون خيرا وتعبوا فيها فجعلناه هباء منسورا. اي باطلا مضمحلا. قد حرموا اجره وعوقبوا عليه. وذلك لفقده الايمان وصدوره عن مكذب لله ورسوله. فالعمل الذي يقبله الله صدر عن المؤمن المخلص المصدق للرسل المتبع لهم فيه اي ملازما لاهلها بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه وهذا منهم على وجه التضرع لربهم وبيان شدة حاجتهم اليه وانهم ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب. وليتذكروا منة الله عليهم فان صرف الشدة بحسب شدتها وفظاعتها اي في ذلك اليوم الهائل كثير البلابل اصحاب الجنة الذين امنوا بالله وعملوا صالحا واتقوا ربهم خير مستقرا من اهل النار. اي حرهم في الجنة وراحتهم التي هي القيلولة والمستقر النافع. والراحة التامة لاشتمال ذلك على تمام النعيم. الذي لا يشوبه بخلاف اصحاب النار فان جهنم ساءت مستقرا ومقيلا. وهذا من باب استعمال افعل التفضيل. فيما ليس في الطرف الاخر منه شيء بانه لا خير في مقيل اهل النار ومستقرهم. كقوله االله خير ام ما يشركون بالغمان ويوم تشقق السماء يخبر عن عظمة يوم القيامة وما فيه من الشدة والكروب ومزعجات القلوب. فقال ويوم تشقق السماء بالغمام. وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه ينزل من فوق السماوات فتنفطر له السماوات وتشقق. وتنزل الملائكة كل سماء فيقفون صفا صفا. اما صفا واحدا محيطا بالخلائق واما كل سماء يكونون صفا. ثم السماء التي تليها صفا وهكذا. القصد ان الملائكة على وقوتهم ينزلون محيطين بالخلق مذعنين لامر ربهم. لا يتكلم منهم احد الا باذن من الله. فما ظنك بالادمي ضعيف خصوصا الذي بارز مالكه بالعظائم. واقدم على مساخطه ثم قدم عليه بذنوب وخطايا لم يتب منها. فيحكم فيه الملك الحق بالحكم الذي لا يجور. ولا يظلم مثقال ذرة. ولهذا قال وكان يوما على الكافرين عسيرا. بصعوبته الشديدة وتعسر اموره عليه بخلاف المؤمن. فانه يسير عليه خفيف الحمل. يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا تسوق المجرمين الى جهنم وردا وقوله الملك يومئذ اي يوم القيامة الحق للرحمن. لا يبقى لاحد من المخلوقين ملك ولا صورة ملك كما كانوا في الدنيا بل قد تساوت الملوك ورعاياهم والاحرار والعبيد والاشراف وغيرهم. ومما يرتاح له القلب وتطمئن به النفس وينشرح له الصدر. ان اضاف الملك في يوم القيامة لاسمه الرحمن. الذي وسعت رحمته كل شيء وعمت كل حي وملأت الكائنات وعمرت بها الدنيا والاخرة. وتم بها كل ناقص. وزال بها كل نقص. وغلبت الاسماء الدالة عليه الاسماء الدالة على الغضب. وسبقت رحمته غضبه وغلبته. فلها السبق والغلبة وخلق هذا الادمي الضعيف وشرفه وكرمه ليتم عليه نعمته وليتغمده برحمته. وقد حضروا في موقف الذل والخضوع والاستكانة بين يديه. ينتظرون ما يحكمون فيهم وما يجري عليهم وهو ارحم بهم من انفسهم ووالديهم. فما ظنك بما يعاملهم به ولا يهلك على الله الا هالك سيخرج من رحمته الا من غلبت عليه الشقاوة. وحقت عليه كلمة العذاب يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ويوم يعض الظالم بشركه وكفره وتكذيبه للرسل على يديه تأسفا وتحسرا وحزنا واسفا يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. اي طريقا بالايمان به وتصديقه واتباعه يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا وهو الشيطان الانسي او الجني خليلا اي حبيبا مصافيا. عاديت انصح الناس لي وابرهم بي وفقهم بي وواليت اعداء عدو لي الذي لم تفيدني ولايته الا الشقاء والخسارة والخزي والبوار حيث زين له ما هو عليه من الضلال بخدع وتسويله. يزين له الباطل ويقبح له الحق ويعده الاماني. ثم يتخلى عنه ويتبرأ منه. كما قال لجميع اتباعه حين قضي الامر. وفرغ الله من حساب وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم. وما كان لي عليكم من سلطان الا ان قم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم. ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي. اني كفرت بما اشركتموني من قبل فلينظر العبد لنفسه وقت الامكان. وليتدارك الممكن قبل الا يمكن. وليوالي من ولايته فيها سعادته. ويعادي من عداوته وتضره صداقته. والله الموفق. وقال الرسول يا ربي اتخذوا هذا القرآن مهجورا. وقال الرسول مناديا لربه وشاكيا عليه اعراض قومه عما جاء به ومتأسفا على ذلك منهم يا ربي ان قومي الذين ارسلتني لهدايتهم وتبليغهم اي قد اعرضوا عنه وهجروه وتركوه. مع ان الواجب عليهم الانقياد لحكمه. والاقبال على احكامه المشي خلفه قال الله مصليا لرسوله ومخبرا ان هؤلاء الخلق لهم سلف صنعوا كصنيعهم. فقال وكفى بربك اي من الذين لا يصلحون للخير ولا يزكون عليه. يعارضونهم ويردون عليهم ويجادلونهم بالباطل من بعض فوائد ذلك ان يعلو الحق على الباطل وان يتبين الحق. ويتضح اتضاحا عظيما لان معارضة الباطل للحق مما تزيده وضوحا وبيانا وكمال استدلال. وان يتبين ما يفعل الله باهل الحق من الكرامة. وباهل الباطل من العقوبة فلا تحزن عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات وكفى بربك هاديا يهديك فيحصل لك المطلوب ومصالح دينك ودنياك ونصيرا ينصرك على اعدائك ويدفع عنك وكل مكروه في امر الدين والدنيا فاكتف به وتوكل عليه. وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة. كذلك لنثبت به فؤادك ورد هذا من جملة مقترحات الكفار الذين توحيه اليهم انفسهم فقالوا لولا نزل القرآن جملة واحدة. اي كما انزلت الكتب قبله واي محذور من نزوله على هذا الوجه. فنزوله على هذا الوجه اكمل واحسن ولهذا قال كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا كذلك انزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك. لانه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينة وثباتا. وخصوصا عند ورود اسباب القلق فان نزول القرآن عند حدوثه يكون له موقع عظيم وتثبيت كثير. وابلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه. اي مهلناه ودرجناك فيه تدريجا. وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن. وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. حيث جعل انزال كتابه جاريا على احوال الرسول صالحه الدينية. ولهذا قال ولا يأتونك بمثل الا ولا يأتونك بمثل يعارضون به الحق ويدفعون به رسالتك اي انزلنا عليك قرآنا جامعا للحق في معانيه. والوضوح والبيان التام في الفاظه معانيه كلها حق وصدق لا يشوبها باطل ولا شبهة بوجه من الوجوه. والفاظه وحدوده للاشياء اوضح الفاظا تفسيرا مبين للمعاني بيانا كاملا. وفي هذه الاية دليل على انه ينبغي للمتكلم في العلم من محدث معلم وواعظ ان يقتدي بربه في تدبيره حال رسوله. كذلك العالم يدبر امر الخلق. فكلما حدث موجب او حصل موسم اتى بما يناسب ذلك من الايات القرآنية والاحاديث النبوية والمواعظ الموافقة لذلك. وفيه رد على المتكلفين من الجهل ونحوهم ممن يرى ان كثيرا من نصوص القرآن محمولة على غير ظاهرها ولها معان غير ما يفهم منها. فاذا على قولهم لا يكون القرآن احسن تفسيرا من غيره. وانما التفسير الاحسن على زعمهم. تفسيرهم الذي حرفوا له المعاني تحريفا حين يحشرون على وجوههم الى جهنم اولئك شرهم انك لو اضل سبيلا. يخبر تعالى عن حال المشركين الذين كذبوا رسوله وسوء مآلهم وانهم يحشرون على وجوههم اشنع مرأى وافظع منظر تسحبهم ملائكة العذاب ويجرونهم الى ان الجامعة لكل عذاب وعقوبة اولئك الذين بهذه الحالة شر مكانا ممن امن بالله وصدق رسله وهذا من باب استعمال افعال التفضيل. فيما ليس في الطرف الاخر منه شيء. فان المؤمنين حسن هم مستقرهم واهتدوا في الدنيا الى الصراط المستقيم. وفي الاخرة الى الوصول الى جنات النعيم وقوم نوح لما كدب الرسل اغرقنا ولقد اتوا على القرية التي كانوا لا يرجون نشورا تعالى الى هذه القصص وقد بسطها في ايات اخر. ليحذر المخاطبين من استمرارهم على تكذيب رسولهم. فيصيبهم ما اصاب هؤلاء الامم الذين قريبا منهم ويعرفون قصصهم بما استفاض واشتهر عنهم. ومنهم من يرون اثارهم عيانا كقوم صالح في الحجر. وكالقرية التي امطرت مطر السوء بحجارة من سجيل. يمرون عليه مصبحين وبالليل في اسفارهم. فان اولئك الامم ليسوا شرا منهم ورسلهم ليسوا خيرا من رسول هؤلاء. اكفاركم خير من اولئكم؟ ام لكم براءة في الزبر؟ ولكن الذي منع هؤلاء من الايمان مع ما شاهدوا من الايات انهم كانوا لا يرجون بعثا ولا نشورا. فلا يرجون لقاء ربهم ولا يخشون نكالة. فلذلك استمروا على عنادهم والا فقد جاءهم من الايات ما لا يبقى معه شك ولا شبهة ولا اشكال ولا ارتياب اهذا الذي بعث الله رسوله؟ اي واذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لايات الله المستكبرون في الارض استهزأوا بك واحتقروك وقالوا على وجه الاحتقار والاستسلام اي غير مناسب ولا لائق ان يبعث الله هذا الرجل وهذا من ظلمهم وعنادهم وقلبهم الحقائق. فان كلامهم هذا يفهم ان الرسول حاشاه في غاية الخسة والحقارة. وانه لو كان كانت الرسالة لغيره لكان انسب. وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. فهذا الكلام لا يصدر الا من اجهل للناس واضلهم او من اعظمهم عنادا وهو متجاهل. قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن جاء به. والا فمن تدبر احوال محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وجده رجل العالم وهمامهم. ومقدمهم في العقل والعلم واللب والرزاق كانت يوم مكارم الاخلاق ومحاسن الشيم والعفة والشجاعة والكرم. وكل خلق فاضل وان المحتقر له والشانئ له قد جمع من السفه والجهل والضلال والتناقض والظلم والعدوان ما لا يجمعه غيره. وحسبه جهلا وضلالا ان يقدح بهذا الرسول العظيم والهمام الكريم والقصد من قدحهم فيه واستهزائهم به. تصلبهم على باطلهم وغرورا لضعفاء العقول. ولهذا قال صبرنا عليها العذاب من اضل سبيلا. ان كاد هذا الرجل ليضل كلنا عن الهتنا بان يجعل الالهة الها واحدا. لولا ان صبرنا عليها لاضلنا. زعموا قبحهم الله ان الضلال هو وان الهدى ما هم عليه من الشرك. فلهذا تواصوا بالصبر عليه. وانطلق الملأ منهم. ان امشوا واصبروا على الهتكم. وهنا قالوا والصبر يحمد في المواضع كلها الا في هذا الموضع فانه صبر على اسباب الغضب وعلى الاستكثار من حطب جهنم. واما المؤمنون فهم كما قال الله عنهم وتواصوا بالحق وتواصوا الصبر ولما كان هذا حكما منهم بانهم المهتدون والرسول ضال. وقد تقرر انهم لا حيلة فيهم. توعدهم بالعذاب واخبرهم ترى انهم في ذلك الوقت حين يرون العذاب يعلمون علما حقيقيا من هو اضل سبيلا ويوم يعض الظالم على يديه يقول قولوا يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. وهل فوق ضلال من جعل الهه ومعبوده هواه؟ فما هويه فعله. فلهذا قال ارأيت من اتخذ الهه هواه افانت تكون عليه وكيلا. ارأيت من اتخذ الهه هواه الا تعجب من حاله وتنظر الى ما هو فيه من الضلال وهو يحكم لنفسه بالمنازل الرفيعة انت تكون عليه وكيلا. اي لست عليه بمسيطر مسلط. بل انما انت منذر. وقد قمت بوظيفتك حسابه على الله الانعام بل هم اضل سبيلا. ثم سجل تعالى على ضلالهم البليغ بان سلبهم العقول والاسماع. وشبههم في ضلالهم بالانعام السائمة. التي لا تسمع الا دعاء ونداء. صم بكم عمي لا يعقلون بل هم اضل من الانعام. لان الانعام يهديها راعيها فتهتدي. وتعرف طريق هلاكها فتجتنبه. وهي ايضا اسلم عاقبة من هؤلاء فتبين بهذا ان الرامي للرسول بالضلال احق بهذا الوصف. وان كل حيوان بهيم فهو اهدى منه المتر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء الا جل وعلا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا. اي الم تشاهد ببصرك وبصيرتك كمال قدرة ربك وسعة رحمته انه مد على العباد الظل. وذلك قبل طلوع الشمس ثم جعلنا الشمس عليه اي على الظل دليلا. فلولا وجود الشمس لما عرف الظل ان الضد يعرف بضده. فكل كلما ارتفعت الشمس تقلص الظل شيئا فشيئا حتى يذهب بالكلية. فتوالي الظل والشمس على الخلق الذي يشاهدونه عيانا. وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما. وتعاقب الفصول وحصول المصالح الكثيرة بسبب ذلك. من ادل دليل على كمال قدرة الله وعظمته وكمال رحمته وعنايته بعباده. وانه وحده المعبود المحمود. المحبوب المعظم ذو الجلال والاكرام وهو الذي جعل لكم الليل لباسا وانهم سباتا. وجعل اي من رحمته بكم ولطفه ان جعل الليل لكم بمنزلة اللباس الذي يغشاكم حتى فيه وتهدأوا بالنوم وتثبت حركاتكم. اي تنقطع عند النوم فلولا الليل لما سكن العباد ولا استمروا في تصرفهم فضرهم ذلك غاية الضرر. ولو استمر ايضا الظلام لتعطلت عليهم معايشهم ومصالحهم. ولكنه جعل انهار نشورا ينتشرون فيه لتجاراتهم واسفارهم واعمالهم فيقوم بذلك ما يقوم من المصالح ارسل الرياح بشرى بين يدي رحمته وانزلنا من السماء اي هو وحده الذي رحم عباده وادر عليهم رزقه بان ارسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته وهو المطر. فثار بها السحاب وتألف وصار كسفا والقى وادرته باذن امرها والمتصرف فيها. ليقع استبشار العباد بالمطر قبل نزوله. وليستعدوا له قبل ان يفاجئهم دفعة واحدة وانزلنا من السماء يطهر من الحدث والخبث. ويطهر من الغش والادناس. وفيه بركة من بركته. انه انزله ليحيي به بلدة ميتة فتختلف اصناف النوابت والاشجار فيها مما يأكل الناس والانعام خلقنا انعاما واناسي كثيرا اي نسقيكم انتم وانعامكم. اليس الذي ارسل الرياح المبشرات؟ وجعلها في عملها متنوعات. وانزل من السماء ايماء طهورا مباركا. فيه رزق العباد ورزق بهائمهم. هو الذي يستحق ان يعبد وحده ولا يشرك معه غيره ولما ذكر تعالى هذه الايات العيانية المشاهدة. وصرفها للعباد ليعرفوه ويشكروه ويذكروه. ومع ذلك ابى اكثر الخلق الا كفورا لفساد اخلاقهم وطبائعهم يخبر تعالى عن نفوذ مشيئته. وانه لو شاء لبعث في كل قرية نذيرا. اي رسولا ينذرهم ويحذرهم. فمشيئته غير قاصرة عن ذلك ولكن اقتضت حكمته ورحمته بك وبالعباد يا محمد ان ارسلك الى جميعهم احمرهم واسودهم عربيهم وعجميهم انسهم وجنهم فلا تطع الكافرين في ترك شيء مما ارسلت به. بل ابذل جهدك في تبليغ ما ارسلت به. وجاهدهم بالقرآن جهادا كبيرا اي لا تبقي من مجهودك في نصر الحق وقمع الباطل الا بذلته. ولو رأيت منهم من التكذيب والجراءة ما رأيت. فابذل جهدك واستفرغ وسعك ولا تيأس من هدايتهم. ولا تترك ابلاغهم لاهوائهم وجعل بينهما برزخا اي وهو وحده الذي مرج البحرين يلتقيان. البحر العذب وهي الانهار السارحة على وجه الارض والبحر الملح وجعل منفعة كل واحد منهما مصلحة للعباد وجعل بينهما برزخا. اي حاجزا يحجز من اختلاط احدهما بالاخر. فتذهب المنفعة المقصودة منهما. اي حاجزا حصينا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا اي وهو الله وحده لا شريك له. الذي خلق الادمي من ماء مهين. ثم نشر منه ذرية كثيرة. وجعلهم انسابا واصهابا متفرقين ومجتمعين والمادة كلها من ذلك الماء المهين. فهذا يدل على كمال اقتداره. لقوله ربك قديرا. ويدل على ان عبادته هي الحق. وعبادة غيره باطلة. لقوله ولا يضرهم. وكان الكافر على ربه ظهيرا. اي يعبدون اصناما وامواتا لا تضر ولا تنفع ويجعلونها اندادا لمالك النفع والضر والعطاء والمنع مع ان الواجب عليهم ان يكونوا مقتدين بارشادات ربهم ذابين عن دينه ولكنهم عكسوا القضية الكافر على ربه ظهيرا. فالباطل الذي هو الاوثان والانداد. اعداء لله. فالكافر وظاهرها على ربها. وصار عدوا لربه مبارزا له في العداوة والحرب. هذا وهو الذي خلقه ورزقه. وانعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة. وليس يخرج عن ملكه وسلطانه وقبضته. والله لم يقطع عنه احسانه وبره. وهو بجهله مستمر على هذه بالمعاداة والمبارزة. يخبر تعالى ان انه ما ارسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم مسيطرا على الخلق ولا جعله ملكا ولا عنده خزائن الاشياء وانما ارسله يبشر من اطاع الله بالثواب العاجل والاجل. ونذيرا ينذر من عصى الله بالعقاب العاجل والاجل. وذلك مستلزم لتبيين لما به البشارة وما تحصل به النذارة من الاوامر والنواهي الا من شاء ان يتخذ الى ربه سبيلا. وانك يا محمد اتسألهم على ابلاغهم القرآن والهدى اجرا حتى يمنعهم ذلك من اتباعك. ويتكلفون من الغرامة ان يتخذ الى ربه سبيلا. اي الا من شاء ان ينفق نفقة في مرضات ربه سبيله. فهذا وان رغبتكم فيه فلست اجبركم عليه. وليس ايضا اجرا لي عليكم. وانما هو راجع لمصلحتكم. وسلوك للسبيل الموصلة الى ربكم ثم امره ان يتوكل عليه ويستعين به فقال وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا وتوكل على الحي الذي له الحياة الكاملة المطلقة. الذي لا يموت وسبح بحمده. اي اعبده وتوكل عليه في الامور المتعلقة بك والمتعلقة بالخلق. يعلمها ويجازي عليها فانت ليس عليك من هداهم شيء وليس عليك حفظ اعمالهم وانما ذلك كله بيد الله خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام ثم الرحمن فاسأل به خبيرا. ثم استوى بعد ذلك على العرش الذي هو سقف المخلوقات واعلاها. واوسعها واجملها. الرحمن استوى على عرشه. الذي وسع السماوات الارض باسمه الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء. فاستوى على اوسع المخلوقات باوسع الصفات. فاثبت بهذه الاية خلقه المخلوقات واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم. وعلوه فوق العرش. ومباينته اياهم يعني بذلك نفسه الكريمة. فهو الذي يعلم اوصافه وعظمته وجلاله. وقد اخبركم وابان لكم من عظمته ما تسعدون به من معرفته فعرفه العارفون وخضعوا لجلاله واستكبر عن عبادته الكافرون واستنكفوا عن ذلك. ولهذا قال واذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما قالوا وما الرحمان ونسجد لما تأمرنا واذا قيل لهم اسجدوا للرحمن اي وحده الذي انعم عليكم بسائر النعم ودفع عنكم جميع النقم. قالوا جحدا وكفرا. وما الرحمان الفاسد انهم لا يعرفون الرحمن. وجعلوا من جملة قوادحهم في الرسول ان قالوا ينهانا عن اتخاذ الهة مع الله ويدعو معه الها اخر يقول يا رحمن ونحو ذلك كما قال تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله اسماء الحسنى فاسماؤه تعالى كثيرة. لكثرة اوصافه وتعدد كماله. فكل واحد منها دل على صفة كمال وزادهم نفورا. انسجد لما تأمرنا اي مجرد امرك ايانا وهذا مبني منهم على التكذيب بالرسول. واستكبارهم عن طاعته وزادهم دعوتهم الى السجود للرحمن هربا من الحق الى الباطل وزيادة كفر وشقاء كرر تعالى في هذه السورة الكريمة قوله تبارك ثلاث مرات لان معناها كما تقدم انها تدل على عظمة الباري وكثرة اوصافه وكثرة خيراته واحسانه. وهذه السورة فيها من الاستدلال على عظمته وسعة سلطانه ونفوذ مشيئته. وعموم علمه وقدرته واحاطة ملكه في الاحكام الامرية والاحكام الجزائية. وكمال حكمته. وفيها ما يدل على سعة رحمته وواسع جوده وكثرة خيراته الدينية والدنيوية ما هو مقتض لتكرار هذا الوصف الحسن؟ فقال بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا تبارك الذي جعل في السماء بروجا. وهي النجوم عمومها. او منازل الشمس والقمر التي تنزلها منزلة منزلة وهي بمنزلة البروج والقلاع للمدن في حفظها. كذلك النجوم بمنزلة البروج المجعولة للحراسة. فانها رجوم للشياطين الشياطين وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا. وجعل فيها سراجا فيه النور هو الحرارة وهو الشمس وقمرا منيرا فيه النور لا الحرارة وهذا من ادلة عظمته وكثرة احسانه ان ما فيها من الخلق الباهر والتدبير المنتظم والجمال العظيم. دال على عظمة خالقها في اوصافه كلها. وما فيها من المصالح للخلق والمنافع دليل على كثرة خيراته وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ان يذهب احدهم فيخلفه الاخر هكذا ابدا لا يجتمعان ولا يرتفعان ذكر او اراد شكورا. اي لمن اراد ان يتذكر بهما ويعتبر. ويستدل بهما على كثير من المطالب الالهية. ويشكر اشكر الله على ذلك. ولمن اراد ان يذكر الله ويشكره. وله ورد من الليل او النهار. فمن فاته ورده من احدهما ادركه في الاخرة وايضا فان القلوب تتقلب وتنتقل في ساعات الليل والنهار. فيحدث لها النشاط والكسل والذكر والغفلة والقبض والبسط والاقبال والاعراض فجعل الله الليل والنهار يتوالى على العباد ويتكرران ليحدث لهما الذكر والنشاط. والشكر الله في وقت اخر. ولان اوراد العبادات تتكرر بتكرر الليل والنهار. وكلما تكررت الاوقات احدث للعبد همة غير التي كسلت في الوقت المتقدم. فزاد في تذكرها وشكرها. فوظائف الطاعات بمنزلة سقي الايمان الذي يمده. فلولا ذلك لذوى غرس الايمان ويبس. فلله اتم حمد واكمله على ذلك. ثم ذكر من جملة كثرة خيره منته على عباده الصالحين وتوفيقهم للاعمال الصالحات التي اكسبتهم المنازل العاليات في غرف الجنات. فقال واذا خاطبهم الجاهلون قالوا العبودية لله نوعان عبودية لربوبيته. فهذه يشترك فيها سائر الخلق. مسلمهم وكافرهم برهم وفاجرهم فكلهم عبيد الله مربوبون مدبرون. ان كل من في السماوات والارض الا اتي الرحمن عبدا عبودية لالوهيته وعبادته ورحمته. وهي عبودية انبيائه واوليائه. وهي المراد هنا. ولهذا اضافها الى اسمه الرحمن اشارة الى انهم انما وصلوا الى هذه الحال بسبب رحمته. فذكر ان صفاتهم اكمل الصفات ونعوتهم افضل النعول فوصفهم بانهم يمشون على الارض هونا. اي ساكنين متواضعين لله وللخلق. فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة ادع لله ولعباده. واذا خاطبهم الجاهلون اي خطاب جهل بدليل اضافة الفعل واسناده لهذا الوصف. قالوا سلاما اي خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الاثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله. وهذا مدح لهم بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالاحسان. والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي اوصلهم الى هذه الحال ان يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له كما قال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون. فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين. جزاء بما كانوا يعملون والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم اي ادفع عنا بالعصمة من اسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب يعظم وقعها ويشتد الفرح بصرفها والذين اذا انفقوا النفقات الواجبة والمستحبة لم يسرفوا بان يزيدوا على الحد فيدخل في قسم التبذير واهمال الحقوق الواجبة. ولم يقتروا فيدخلوا في باب البخل والشح. وكان انفاقهم بين بين الاسراف والتقطير قواما. يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة. وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار. وهذا من عدلهم واقتصادهم. والذين لا يدعون مع الله ويخلد فيه مهانا. والذين لا يدعون مع الله الها اخر بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء مقبلين عليه معرضين عما سواه. ولا يقتلون النفس التي ولا يقتلون النفس التي حرم الله وهي نفس المسلم والكافر المعاهد الا بالحق كقتل النفس بالنفس وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله. ولا يزنون. بل يحفظون فروجه لهم الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. ومن يفعل ذلك اي الشرك بالله او قتله النفس التي حرم الله بغير حق او الزنا فسوف يلقى اثاما ثم فسره بقوله يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. ويخلد فيه اي في العذاب مهانا. فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت لا شك فيه. وكذا لمن اشرك بالله وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة لكونها اما شرك واما من اكبر الكبائر. واما خلود القاتل والزاني في العذاب. فانه لا يتناوله الخلود. لانه قد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية ان جميع المؤمنين سيخرجون من النار ولا يخلد فيها مؤمن ولو فعل من المعاصي ما فعل ونصت على هذه الثلاثة لانها اكبر الكبائر. فالشرك فيه فساد الاديان والقتل فيه فساد الابدان. والزنا فيه فساد الاعراض الا من تاب وامن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدو بدلوا الله سيئاتهم حسنات. وكان الله غفورا رحيما. ان لم من تاب عن هذه المعاصي وغيرها بان اقلع عنها في الحال وندم على ما مضى له من فعلها وعزم عزما جازما الا يعود امن بالله ايمانا صحيحا. يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعات. وعمل عملا صالحا مما امر به الشارع. اذا قصد به الله. سيئاتهم حسنات. اي تتبدل افعالهم واقوالهم التي كانت مستعدة لعمل السيئات. تتبدل حسنات فيتبدل شركهم ايمانا. ومعصيتهم طاعة وتتبدل نفس السيئات التي عملوها. ثم احدثوا عن كل ذنب منها توبة وانابة وطاعة. تبدل حسنات كما هو ظاهر الاية وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه. فعددها عليه ثم ابدل مكان كل سيئة حسنة. فقال يا رب ان لي سيئات لا اراها ها هنا والله اعلم كان الله غفورا لمن تاب. يغفر الذنوب العظيمة رحيما بعباده. حيث دعاهم الى التوبة بعد مبارزته بالعظائم. ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم اي فليعلم ان توبته في غاية الكمال. لانها رجوع الى الطريق الموصل الى الله. الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه. فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الاغراض الفاسدة. فالمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة. وايقاعها على افضل الوجوه واجلها ليقدم على من تاب اليه فيوفيه اجره بحسب كمالها. والذين لا يشهدون والذين لا يشهدون الزور اي لا يحضرون الزور اي القول والفعل المحرم فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الاقوال المحرمة او الافعال المحرمة كالخوض في ايات والجدال للباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير والصور ونحوها لذلك واذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب اولى واحرى الا يقولوه ويفعلوه. وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الاية بالاولوية واذا مروا باللغو وهو الكلام الذي الذي لا خير فيه ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم. مروا كراما. اين نزهوا انفسهم واكرموها عن الخوض فيه ورأوا الخوض فيها. وان كان لا اثم فيه فانه سفه ونقص للانسانية والمروءة. فربأوا بانفسهم عنه وفي قوله واذا مروا باللغو اشارة الى انهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه. ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون انفسهم عنه والذين اذا ذكروا بايات ربهم التي امرهم باستماعها والاهتداء بها اي لم يقابلوها بالاعراض عنها والصمم عن سماعها. وصرف النظر والقلوب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق. وانما حالهم فيها وعند سماعها. كما قال تعالى انما يؤمن بايات ان الذين اذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون. يقابلونها بالقبول والافتقار اليها. والانقياد والتسليم لها وتجد عندهم اذانا سامعة وقلوبا واعية. فيزداد بها ايمانهم ويتم بها ايقانهم. وتحدث لهم شاط ويفرحون بها سرورا واغتباطا. والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا قنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما اولئك يجزون الغرفة بما صبروا. ويلقون فيها تحية والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا اي قرنائنا من اصحاب واقران وزوجات اي تقر بهم اعيننا واذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا ما من هممهم وعلو مرتبتهم انهم لا تقر اعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم عالمين عاملين. وهذا كما انه دعاء لازواج وذرياتهم في صلاحهم. فانه دعاء لانفسهم. لان نفعه يعود عليهم. ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم. فقالوا هب لنا بل دعاؤهم يعود الى نفع عموم المسلمين. لانه بصلاح من ذكر يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم وجعلنا للمتقين اماما يجزون اي اوصلنا يا ربنا الى هذه الدرجة العالية. درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين وهي درجة الامامة في الدين. وان يكونوا قدوة للمتقين في اقوالهم وافعالهم. يقتدى بافعالهم ويطمئن لاقوالهم. ويسير اهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون. ومن المعلوم ان الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتم الا به. وهذه الدرجة درجة الامامة في الدين لا تتم الا بالصبر واليقين. كما قال تعالى وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا كانوا باياتنا يوقنون. فهذا الدعاء يستلزم من الاعمال والصبر على طاعة الله. وعن معصيته واقداره المؤلمة. ومن العلم الذي يوصل صاحبه الى درجة اليقين خيرا كثيرا وعطاء جزيلا. وان يكونوا في اعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل ولهذا لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجزاهم بالمنازل العاليات فقال يجزون الغرفة بما صبروا. اي المنازل الرفيعة والمساكن الانيقة الجامعة ولكل ما يشتهى وتلذه الاعين. وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا. كما قال تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. ولهذا قال هنا وسلاما خالدين فيها. من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات. خالدين فيها حسنت والحاصل ان الله وصفهم بالوقار والسكينة. والتواضع له ولعباده وحسن الادب والحلم وسعة الخلق العفو عن الجاهلين والاعراض عنهم ومقابلة اساءتهم بالاحسان وقيام الليل والاخلاص فيه والخوف من النار والتضرع لربهم ان ينجيهم منها واخراج الواجب والمستحب في النفقات والاقتصاد في ذلك. واذا كانوا مقتصدين في الانفاق الذي جرت العادة فيه او الافراط فاقتصادهم متوسطهم في غيره من باب اولى. والسلامة من كبائر الذنوب والاتصاف بالاخلاص لله في عبادته والعفة عن الدماء والاعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك. وانهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية. ولا يفعلونها انفسهم وانهم يتنزهون من اللغو والافعال الردية التي لا خير فيها. وذلك يستلزم مروءتهم وانسانيتهم وكمالهم. ورفعة انفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي. وانهم يقابلون ايات الله بالقبول لها. والتفهم لمعانيها. والعمل بها والاجتهاد في تنفيذ احكامها وانهم يدعون الله تعالى باكمل الدعاء. في الدعاء الذي ينتفعون به وينتفع به من يتعلق بهم. وينتفع به المسلمون من صلاح ازواجهم وذريتهم. ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم. لان من حرص على شيء ودعا الله فيه لابد ان يكون متسببا فيه وانهم دعوا الله ببلوغ اعلى الدرجات الممكنة لهم. وهي درجة الامامة والصديقية. فلله ما هذه الصفات وارفع هذه الهمم واجل هذه المطالب وازكى تلك النفوس واطهر تلك القلوب واصفى هؤلاء الصفوة هؤلاء السادة ولله فضل الله عليهم ونعمته. ورحمته التي جللتهم ولطفه الذي اوصلهم الى هذه المنازل. ولله منة الله على عباده ان بين لهم اوصافهم ونعت لهم هيئاتهم وبين لهم هممهم واوضح لهم اجورهم الى الاتصاف باوصافهم ويبذلوا جهدهم في ذلك. ويسألوا الذي من عليهم واكرمهم. الذي فضله في كل زمان ومكان. وفي في كل وقت واوان ان يهديهم كما هداهم ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم. فاللهم لك الحمد واليك المشتكى وانت المستعان وبك المستغاث. ولا حول ولا قوة الا بك. لا نملك لانفسنا نفعا ولا ضرا. ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير ان لم تيسر ذلك لنا فانا ضعفاء عاجزون من كل وجه. نشهد انك ان وكلتنا الى انفسنا طرفة عين ووكلتنا الى ضعف وعجز وخطيئة فلا نثق يا ربنا الا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا. وانعمت علينا بما انعمت من النعم الظاهرة والباطنة وصرفت عنا من النقم فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك. فلخاب من سألك ورجاك. ولما كان الله تعالى قد اضاف هؤلاء العباد الى رحمته. واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم. ربما توهم متوهم انه وايضا غيرهم فلما لا يدخل في العبودية؟ فاخبر تعالى انه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء. وانه لولا دعاؤكم اياه دعاء العبادة ودعاء المسألة ما عباء بكم ولا احبكم فقال فقد كلبتم فسوف يكون لزاما. اي عذابا لزوما الغريم لغريمه. وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين