ايها الحق ولهذا قال لا اله الا هو اي لا معبود الا وجهه. يحيي ويميت اي هو المتصرف وحده بالاحياء والاماتة معكم بعد موتكم فيجزيكم بعملكم ان خيرا فخير وان شرا فشر التي هي ابلغ من المقال. كما قال عن نفسه عليه السلام ربي اني لما انزلت الي من خير فقير فامره الله ان يسري بعباده ليلا واخبره ان فرعون وقومه سيتبعون ليقولن هذان لان الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ. ولئن اذقناه اي الذي لا يسأم من دعاء الخير وان مسه الشر فيؤوس قنوط. رحمة منا. اي بعد ذلك الشر الذي اصابه بان عافاه الله المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي من انثى ولا تضع الا بعلمه. ويوم يناديهم اين شركاء قالوا هذا اخبار عن سعة علمه تعالى واختصاصه بالعلم الذي لا يطلع عليه سواه فقال اليه علم الساعة اي جميع الخلق ترد علمها الى الله تعالى. ويقرون بالعجز عنه. الرسل والملائكة وغيرهم. وما تخرج من ثمرات من اكمامها اي وعائها الذي تخرج منه. وهذا شامل لثمرات جميع الاشجار التي في البلدان والبراري. فلا تخرج ثمرة شجرة من الاشجار الا وهو يعلمها علما تفصيليا تحمل من انثى من بني ادم وغيرهم من انواع الحيوانات الا بعلمه. ولا تضع انثى حملها الا بعلمه. فكيف سوى المشركون به تعالى من لا علم عنده ولا سمع ولا بصر ان كما منا من شهيد. ويوم يناديهم اي المشركين به يوم القيامة توبيخا واظهارا فيقول لهم اين شركائي الذين زعمتم انهم شركائي؟ فعبدتموهم وجادلتم على ذلك. وعاديتم الرسل لاجلهم قالوا مقنين ببطلان الهيتهم وشركتهم مع الله اذناك ما منا من شهيد. اي اعلمناك يا ربنا واشهد انه ما منا احد يشهد بالصحة الاهيتهم وشركتهم. فكلنا الان قد رجعنا الى بطلان عبادتها وتبرأنا منها ولهذا قال وضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله. اي ذهبت عقائدهم واعمالهم التي افنوا فيها اعمارهم على عبادة غير الله. وظنوا انها تفيد وتدفع عنهم العذاب وتشفع لهم عند الله فخاب سعيهم وانتقض ظنهم ولم تغني عنهم شركاؤهم شيئا وظنوا اي ايقنوا في تلك الحال ما لهم من محيص. اي منقذ ينقذهم ولا مغيث ولا ملجأ. فهذه عاقبة من اشرك بالله غيره يبينها الله لعباده ليحذروا الشرك به مسه الشرف يؤوس قنوطة هذا اخبار عن طبيعة الانسان من حيث هو وعدم صبره وجلده. لا على ولا على الشر. الا من نقله الله من هذه الحال الى حال الكمال. فقال لا يسأم الانسان من دعاء الخير اي لا يمل من دعاء الله في الغنى والمال والولد وغير ذلك من مطالب الدنيا. ولا يزال يعمل على ذلك ولا يقتنع بقليل ولا كثير منها فلو حصل له من الدنيا ما حصل لم يزل طالبا للزيادة وان مسه الشر اي المكروه كالمرض والفقر وانواع البلايا. اي ييأس من رحمة الله تعالى ويظن ان هذا البلاء هو القاضي عليه بالهلاك. ويتشوش من اتيان الاسباب على غير ما يحب ويطلب. الا الذين صبروا وعملوا الصالحات فانهم اذا اصابهم الخير والنعمة والمحاب. شكروا الله تعالى وخافوا ان تكون نعم الله عليهم استدراجا وامهالا وان اصابتهم مصيبة في انفسهم واموالهم واولادهم صبروا ورجوا فضل ربهم فلم ييأسوا. ثم قال تعالى من مرضه او اغناه من فقره فانه لا يشكر الله تعالى بل يبغي ويطغى ويقول هذا لي اي اتاني لاني له اهل وانا مستحق له. وما اظن الساعة قائمة. وهذا انكار منه للبعث. وكفر للنعمة والرحمة التي اذاقها الله له ولئن رجعت الى ربي ان لي عنده للحسنى. اي على تقدير اتيان الساعة. واني سارجع الى ربي ان لي عنده للحسنى. فكما حصلت لي النعمة في الدنيا فانها ستحصل لي في الاخرة. وهذا من اعظم الجراءة والقول على الله بلا علم فلهذا توعده الله بقوله اي شديد جدا مسه الشر فذو دعاء عريض. واذا انعمنا على الانسان بصحة او رزق او غيرهما اعرض عن ربه وعن شكره ونأى اي ترفع بجانبه عجبا وتكبرا. وان مسه الشر اي المرض او الفقر او غيرهما عريض. اي كثير جدا لعدم صبره فلا صبر في ولا شكر في الرخاء الا من هداه الله ومن عليه كفرتم به من اضل ممن هو في شقاق بعيد. اي قل لهؤلاء المكذبين بالقرآن المسارعين الى الكفران ارأيتم ان كان هذا القرآن من عند الله من غير شك ولا ارتياب اي معاندة لله ولرسوله لانه تبين لكم الحق ثم عدلتم عنه لا الى حق بل الى باطل وجهل. فاذا تكونون اضل الناس واظلمهم في الافاق وفي شهيد. فان قلتم او شككتم بصحته وحقيقته فسيقيم الله لكم ويريد فيكم من اياته في الافاق كالايات التي في السماء وفي الارض وما يحدثه الله تعالى من الحوادث العظيمة الدالة للمستبصر على الحق وفي انفسهم مما اشتملت عليه ابدانهم من بديع ايات الله وعجائب صنعته. وباهر قدرته وفي حلول العقوبات والمثلات في ونصر المؤمنين. حتى يتبين لهم من تلك الايات بيانا لا يقبل الشك انه الحق. وما اشتمل عليه حق وقد فعل تعالى فانه ارى عباده من الايات ما به تبين لهم انه الحق. ولكن الله هو الموفق للايمان من شاء لمن يشاء. اي اولم يكفهم على ان القرآن حق ومن جاء به صادق بشهادة الله تعالى فانه قد شهد له بالتصديق وهو اصدق الشاهدين وايده نصرا متضمنا لشهادته القولية عند من شك فيها الا انهم في مرية من لقاء ربهم اي في شك من البعث والقيامة وليس عندهم دار سوى الدار الدنيا. فلذلك لم اعملوا للاخرة ولم يلتفتوا لها علما وقدرة وعزة بسم الله الرحمن الرحيم كذلك يوحي اليك والى الذين من قبرك الله العزيز يخبر تعالى انه اوحى هذا القرآن العظيم الى النبي الكريم. كما اوحى الى من قبله من الانبياء والمرسلين. ففيه بيان فضله بانزال الكتب وارسال الرسل سابقا ولاحقا. وان محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل. وان طريقته طريقة من قبله. واحوال تناسب احوال من قبله من المرسلين. وما جاء به يشابه ما جاءوا به. لان الجميع حق وصدق. وهو تنزيل من اتصف بالالوهية في العزة العظيمة والحكمة البالغة. وان جميع العالم العلوي والسفلي ملكه وتحت تدبيره القدري والشرعي. وانه العليم بذاته وقدره وقهره. العظيم الذي من عظمته والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن على عظمها وكونها جمادا. والملائكة الكرام المقربون خاضعون لعظمته. مستكينون لعزته. مذعنون بربوبيته. يسبحون بحمد ربهم ويعظمونه عن كل نقص. ويصف بكل كمال ويستغفرون لمن في الارض. عما يصدر منهم مما لا يليق بعظمة ربهم وكبريائه. مع انه تعالى هو الغفور الرحيم الذي لولا مغفرته ورحمته لعاجل الخلق بالعقوبة المستأصلة. وفي وصفه تعالى بهذه الاوصاف بعد ان ذكر انه اوحى الى الرسل لكلهم عموما والى محمد صلى الله عليهم اجمعين خصوصا. اشارة الى ان هذا القرآن الكريم فيه من الادلة والبراهين والايات الدالة على كمال الباري تعالى ووصفه بهذه الاسماء العظيمة الموجبة لامتلاء القلوب من معرفته ومحبته وتعظيمه واجلاله اله واكرامه. وصرف جميع انواع العبودية الباطنة والظاهرة له تعالى. وان من اكبر الظلم وافحش القول اتخاذ انداد لله من دونه ليس بيدهم نفع ولا ضرر بل هم مخلوقون مفتقرون الى الله في جميع احوالهم. ولهذا عقبه بقوله والذين اتخذوا من دونه اولياء يتولونهم بالعبادة والطاعة. كما يعبدون الله ويطيعونه. فانما اتخذوا وذلك يدل على انه المستحق لانواع العبادة كلها. وان الهية ما سواه باطلة. وما بث فيهما. اي نشر في السماوات والارض من اصناف الدواب التي جعلها الله مصالح ومنافع لعباده باطل وليسوا باولياء على الحقيقة. الله حفيظ عليهم يحفظ عليهم اعمالهم. فيجازيهم بخيرها وشرها فتسأل عن اعمالهم وانما انت مبلغ اديت وظيفتك. ثم منته على رسوله وعلى الناس حيث انزل الله قرآنا عربيا بين الالفاظ والمعاني. لتنذر ام القرى وهي مكة المكرمة من حولها من قرى العرب. ثم يسري هذا الانذار الى سائر الخلق. وتنذر الناس يوم الجمع الذي يجمع الله به الاولين والاخرين وتخبرهم انه لا ريب فيه. وان الخلق ينقسمون فيه فريقين. فريق في الجنة وفريق فريق في الجنة وهم الذين امنوا بالله وصدقوا المرسلين. وفريق في السعير وهم اصناف الكفرة المكذبين واحدة ولكن يدخل من يشاء رحمته. والظالمون ما لهم ومع هذا لو شاء الله لجعل الناس امة واحدة على الهدى انه القادر الذي لا يمتنع عليه شيء. ولكنه اراد ان يدخل في رحمته من شاء من خواص خلقه. واما الظالمون الذين لا يصلحون صالح فانهم محرومون من الرحمة. فما لهم من دون الله من ولي يتولاهم. فيحصل لهم المحبوب. ولا نصير. يدفع عنهم المكروه والذين اتخذوا من دونه اولياء يتولونهم بعبادتهم اياهم فقد غلطوا اقبح غلط. فالله هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته. والتقرب اليه بما امكن من انواع التقربات ويتولى عباده عموما بتدبيره ونفوذ القدر فيهم. ويتولى عباده المؤمنين خصوصا باخراجهم من الظلمات الى النور وتربيتهم بلطفه واعانتهم في جميع امورهم اي هو المتصرف بالاحياء والاماتة. ونفوذ المشيئة والقدرة فهو الذي يستحق ان يعبد وحده لا شريك له عليه توكلت واليه ينيب. يقول تعالى وما اختلفتم فيه من شيء من اصول دينكم وفروعه مما لم تتفقوا عليه فحكمه الى الله يرد الى كتابه والى سنة رسوله. فما حكم به فهو الحق وما خالف ذلك فباطل ذلكم الله ربي. اي فكما انه تعالى الرب الخالق الرازق المدبر. فهو تعالى الحاكم بين عباده بشرعه في جميع امورهم ومفهوم الاية الكريمة ان اتفاق الامة حجة قاطعة. لان الله تعالى لم يأمرنا ان نرد اليه الا ما اختلفنا فيه كما اتفقنا عليه يكفي اتفاق الامة عليه. لانها معصومة عن الخطأ. ولا بد ان يكون اتفاقها موافقا لما في كتاب الله وسنة رسوله وقوله اي اعتمدت في قلبي عليه في جلب المنافع ودفع المضار. واثقا به تعالى في الاسعاف بذلك. واليه انيب. اي اتوجه بقلبي وبدني والى طاعته وعبادته. وهذان الاصلان كثيرا ما يذكرهما الله في كتابه. لانه ما يحصل بمجموعهما كمال العبد ويفوته الكمال بفوتهما او فوت احدهما. كقوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين. وقوله فاعبد وتوكل عليه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فاطر السماوات والارض اي خالقهما بقدرته ومشيئته وحكمته جعل لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها فيها وتنتشر منكم الذرية ويحصل لكم من النفع ما يحصل. ومن الانعام ازواجا. اي ومن جميع اصنافها نوعين ذكرا وانثى لتبقى وتنمو لمنافعكم الكثيرة. ولهذا عداها باللام الدالة على التعليل. اي جعل ذلك لاجلكم ولاجل النعمة عليكم. ولهذا قال يذرأكم فيه اي يبثكم ويكفركم ويكثر مواشيكم. بسبب ان جعل لكم من وجعل لكم من الانعام ازواجا ليس كمثله شيء. اي ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته. لا في ذاته ولا في اسمائه ولا في ولا في افعاله. لان اسمائه كلها حسنى. وصفاته صفات كمال وعظمة. وافعاله تعالى اوجد بها المخلوقات العظيمة قيمة من غير مشارك. فليس كمثله شيء لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه وهو السميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات. على تفنن الحاجات البصير يرى دبيب النملة السوداء في الليلة والماء على الصخرة الصماء. ويرى سريان القوت في اعضاء الحيوانات الصغيرة جدا. وسريان الماء في الاغصان الدقيقة هذه الاية ونحوها دليل لمذهب اهل السنة والجماعة من اثبات الصفات ونفي مماثلة المخلوقات. وفيها رد على المشبهة في قوله ليس كمثله شيء. وعلى المعطلة في قوله وهو السميع البصير. وقوله مقاليد السماوات انه بكل شيء اي له ملك السماوات والارض وبيده مفاتيح الرحمة والارزاق والنعم الظاهرة والباطنة فكل الخلق مفتقرون الى الله في جلب مصالحهم ودفع المضار عنهم في كل الاحوال. ليس بيد احد من الامر شيء. والله تعالى هو المعطي المانع الضار النافع الذي ما بالعباد من نعمة الا منه. ولا يدفع الشر الا هو وما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده. ولهذا قال هنا يبسط الرزق لمن يشاء. اي يوسعه ويعطيه من اصناف الرزق ما شاء. ويقدر ان يضيق على من حتى يكون بقدر حاجته لا يزيد عنها. وكل هذا تابع لعلمه وحكمته. فلهذا قال في علم احوال عباده فيعطي كلا ما يليق بحكمته وتقتضيه مشيئته شرع لكم من الدين ما وصى به وما وصينا به اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه. كبر على المشركين ويهدي اليه من يريد هذه اكبر منة انعم الله بها على عباده. ان شرع لهم من الدين خير الاديان وافضلها. وازكاها واطهرها دين الاسلام الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده. بل شرعه الله لخيار الخيار. وصفوة الصفوة وهم اولو عزمي من المرسلين المذكورون في هذه الاية اعلى الخلق درجة. واكملهم من كل وجه. فالدين الذي شرعه الله لهم لابد ان مناسبا لاحوالهم موافقا لكمالهم. بل انما كملهم الله واصطفاهم بسبب قيامهم به. فلولا الدين الاسلامي ما ارتفع احد من الخلق فهو روح السعادة وقطب رحى الكمال. وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم. ودعا اليه من التوحيد والاعمال والاخلاق الاداب ولهذا قال اي امركم ان تقيموا جميع شرائع الدين اصوله وفروعه تقيمونه بانفسكم وتجتهدون في اقامته على غيركم. وتعاونون على البر والتقوى ولا على الاثم والعدوان. ولا تتفرقوا فيه اي ليحصل منكم الاتفاق على اصول الدين وفروعه. واحرصوا على الا تفرقكم المسائل وتحزبكم احزابا وتكونون شيعا يعادي بعضكم بعضا. مع اتفاقكم على اصل دينكم. ومن انواع الاجتماع على الدين عدم التفرق فيه ما امر به الشارع من الاجتماعات العامة كاجتماع الحج والاعياد والجمع والصلوات الخمس والجهاد وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل الا بالاجتماع لها وعدم التفرق ويهدي اليه من يريد. كبر على المشرك ما تدعوهم اليه اي شق عليهم غاية المشقة. حيث دعوتهم الى الاخلاص لله وحده. كما قال عنهم. واذا ذكر الله وحده واشمئزت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة. واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون. وقولهم اجعل الالهة الها واحدا. ان هذا لشيء عجاب. الله يجتبي اليه من يشاء. اي يختار من خليقته من يعلم انه يصلح رسالته وولايته. ومنه ان اجتبى هذه الامة وفضلها على سائر الامم. واختار لها افضل الاديان وخيرها هذا السبب الذي من العبد يتوصل به الى هداية الله تعالى وهو انابته لربه وانجذاب دواعي قلبه اليه وكونه قاصدا وجهه فحسن مقصد العبد مع اجتهاده في طلب الهداية من اسباب التيسير لها كما قال الله تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. وفي هذه الاية ان الله يهدي اليه من ينيب. مع قوله واتبع سبيل من اناب الي مع العلم باحوال الصحابة رضي الله عنهم وشدة انابتهم دليل على ان قولهم حجة خصوصا الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم اجمعين وان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منهم ريب. لما امر وتعالى باجتماع المسلمين على دينهم ونهاهم عن التفرق. اخبرهم انكم لا تغتروا بما انزل الله عليكم من الكتاب. فان اهل الكتاب لم يتفرقوا حتى انزل الله عليهم الكتاب الموجب للاجتماع. ففعلوا ضد ما يأمر به كتابهم. وذلك كله بغيا وعدوانا منهم فانهم تباغضوا وتحسدوا وحصلت بينهم المشاحنة والعداوة. فوقع الاختلاف. فاحذروا ايها المسلمون ان تكونوا مثلهم. ولولا كلمة سبقت من ربك. اي بتأخير العذاب القاضي الى اجل مسمى لقضي بينهم. ولكن حكمته وحلمه اقتضى تأخير ذلك عنهم وان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منهم ريب. وان الذي حين اورثوا الكتاب من بعدهم اي الذين ورثوهم وصاروا خلفا لهم. ممن ينتسب الى العلم منهم اي لا في اشتباه كثير يوقع في الاختلاف. حيث اختلف سلفهم بغيا وعنادا. فان خلفهم اختلفوا شكا وارتياب والجميع مشتركون في الاختلاف المذموم الله ربنا وربكم الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير. فلذلك فادعوا اي القويم والصراط المستقيم. الذي انزل الله به كتبه وارسل رسله. فادعو اليه امتك وحضهم عليه. وجاهد عليه من لم يقبله واستقم بنفسك كما امرت اي استقامة موافقة لامر الله لا تفريط ولا افراط بل امتثالا لاوامر الله واجتناب لنواهيه على وجه الاستمرار على ذلك. فامره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة. وبتكميل غيره بالدعوة الى ذلك. ومن من المعلوم ان امر الرسول صلى الله عليه وسلم امر لامته اذا لم يرد تخصيص له اي اهواء المنحرفين عن الدين من الكفرة والمنافقين. اما باتباعهم على بعض دينهم او بترك الدعوة الى الله او بترك اقامة فانك ان اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين. ولم يقل ولا تتبع دينهم لان حقيقة دينهم الذي شرعه الله لهم هو دين الرسل كلهم. ولكنهم لم يتبعوه. بل اتبعوا اهواءهم واتخذوا دينهم لهوا ولعبا وقل لهم عند جدالهم ومناظرتهم وامرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم. امنت بما انزل الله من كتاب. اي لتكن مناظرتك لهم نية على هذا الاصل العظيم. الدال على شرف الاسلام وجلالته وهيمنته على سائر الاديان. وان الدين الذي يزعم اهل الكتاب ان عليه جزء من الاسلام. وفي هذا ارشاد الى ان اهل الكتاب ان ناظروا مناظرة مبنية على الايمان ببعض الكتب. او ببعض دون غيره فلا يسلم لهم ذلك. لان الكتاب الذي يدعون اليه والرسول الذي ينتسبون اليه من شرطه ان يكون مصدقا بهذا القرآن وبمن جاء به. فكتابنا ورسولنا لم يأمرنا الا بالايمان بموسى وعيسى والتوراة والانجيل. التي اخبر بها وصدق بها واخبر انها مصدقة له ومقرة بصحته. واما مجرد التوراة والانجيل وموسى وعيسى الذين لم يوصفوا لنا ولم يوافقوا لكتابنا فلم يأمرنا بالايمان بهم. وامرت لاعدل بينكم اي في الحكم فيما اختلفتم فيه. فلا تمنعوني عداوتكم وبغضكم يا اهل الكتاب من العدل بينكم. ومن العدل في الحكم بين اهل الاقوال المختلفة. من اهل الكتاب وغيرهم ان يقبل ما معه من الحق ويرد ما معهم من الباطل. الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم قم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا. الله ربنا وربكم اي هو رب الجميع. لستم باحق به منا لنا اعمالنا ولكم اعمالكم من خير وشر. لا حجة بيننا وبينكم. اي بعدما تبينت الحقائق واتضح الحق من الباطل والهدى من الضلال. لم يبقى للجدال والمنازعة محل. لان المقصود من الجدال انما هو بيان الحق من الباطل يهتدي الراشد ولتقوم الحجة على الغاوي. وليس المراد بهذا ان اهل الكتاب لا يجادلون. كيف والله يقول ولا تجادلوا واهل الكتاب الا بالتي هي احسن. وان المراد ما ذكرنا. لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير. الله يجمع بيننا واليه المصير يوم القيامة. فيجزي كلا بعمله. ويتبين حينئذ صادق من الكاذب داحضة ولهم عذاب وهذا تقرير لقوله لا حجة بيننا وبينكم. فاخبر هنا ان الذين يحاجون في الله بالحجج الباطلة والشبه المتناقضة من بعد ما استجيب له اي من بعد ما استجاب لله اولو الالباب والعقول لما بين لهم من الايات القاطعة والبراهين الساطعة فهؤلاء المجادلون للحق من بعد ما تبين حجتهم داحضة اي باطلة مدفوعة عند ربهم لانها مشتملة على رد الحق. وكل ما خالف الحق فهو باطل. وعليهم غضب لعصيانهم واعراضهم عن حجج الله وبينات وتكذيبها. هو اثر غضب الله عليهم. فهذه هي عقوبة كل مجادل للحق بالباطل الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان. وما يدريك لعل الساعة قريب ما ذكر تعالى ان حججه واضحة بينة. حيث استجاب لها كل ما فيه خير. ذكر اصلها وقاعدتها بل جميع الحجج التي اوصلها الى العباد فقال الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان. فالكتاب هو هذا القرآن العظيم. نزل بالحق واشتمل على الحق الحق والصدق واليقين وكله ايات بينات وادلة واضحات على جميع المطالب الالهية والعقائد الدينية. فجاء باحسن واوضح الدلائل واما الميزان فهو العدل والاعتبار بالقياس الصحيح والعقل الرجيح. فكل الدلائل العقلية من الايات الافاقية والنفسية والاعتبارات الشرعية والمناسبات والعلل والاحكام والحكم داخلة في الميزان الذي انزله الله تعالى على ووضعه بين عباده. ليزنوا به ما اشتبه من الامور. ويعرفوا به صدق ما اخبر به واخبرت رسله. فما خرج عن هذين الامرين عن الكتاب والميزان مما قيل انه حجة او برهان او دليل. او نحو ذلك من العبارات فانه باطل متناقض. قد فسدت اصوله انهدمت مبانيه وفروعه. يعرف ذلك من خبر المسائل ومآخذها. وعرف التمييز بين راجح الادلة من مرجوحها. والفرق بين الحجج والشبه واما من اغتر بالعبارات المزخرفة والالفاظ المموهة ولم تنفذ بصيرته الى المعنى المراد. فانه ليس من اهل هذا الشأن ولا من فرسان هذا الميدان فوفاقه وخلافه سيان. ثم قال تعالى مخوفا للمستعجلين لقيام الساعة. المنكرين لها فقال اي ليس بمعلوم بعدها ولا متى تقوم فهي في كل وقت وقت متوقع وقوعها مخوف وجبتها. عنادا وتكذيبا لربهم والذين امنوا مشفقون منها ويعلمون انها الحقة والذين امنوا مشفقون منها اي خائفون لايمانهم بها. وعلمهم بما تشتمل عليه من الجزاء بالاعمال. وخوفهم لمعرفتهم بربهم. الا تكون اعمالهم منجية لهم ولا مسعدة. ولهذا قال ويعلمون انها الحق الذي لا مرية فيه ولا شك يعتريه ان الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد. اي بعد من تروا فيها ما روا الرسل واتباعهم باثبات بها فهم في شقاق بعيد. اي معاندة ومخاصمة غير قريبة من الصواب. بل في غاية البعد عن الحق. واي بعد ابعد مما كذب بالدار التي هي الدار على الحقيقة. وهي الدار التي خلقت للبقاء الدائم والخلود السرمد. وهي دار الجزاء التي يظهر الله فيها عدله بفضل الله وانما هذه الدار بالنسبة اليها كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها وهي دار عبور وممر لا محل الاستقرار فصدقوا بالدار المنحلة الفانية. حيث رأوها وشاهدوها وكذبوا بالدار الاخرة. التي تواترت بالاخبار عنها الكتب الالهية والرسل الكرام واتباعهم الذين هم اكمل الخلق عقولا واغزرهم علما واعظمهم فطنة وفهما الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز يخبر تعالى بلطفه في عباده ليعرفوه ويحبوه ويتعرضوا للطفه وكرمه. واللطف من اوصافه تعالى معناه الذي يدرك الضمائر والسرائر الذي يوصل عباده وخصوصا المؤمنين الى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون. فمن لطفه بعبده المؤمن ان هداه الى الخير هداية لا تخطر بباله. بما يسر له من الاسباب الداعية الى ذلك. من فطرته على محبة الخلق والانقياد له. وايزاء دعه تعالى لملائكته الكرام ان يثبتوا عباده المؤمنين ويحثوهم على الخير ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيا لاتباعه ومن لطفه ان امر المؤمنين بالعبادات الاجتماعية التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه واقتداء بعضهم ببعض. ومن لطفه ان قيد لعبده كل سبب يعوقه. ويحول بينه وبين المعاصي حتى انه تعالى اذا علم ان الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه اهل الدنيا تقطع عبده عن طاعته او على الغفلة عنه او على معصية صرفها عنه وقدر عليه رزقه. ولهذا قال هنا يرزق من يشاء بحسب اقتضاء لحكمته ولطفه. الذي له القوة كلها فلا حول ولا قوة لاحد من المخلوقين الا به الذي دانت له جميع الاشياء. ثم قال تعالى ان كان يريد حرث الاخرة اي اجرها وثوابها فامن بها وصدق وسعى لها سعيها نزد له في حرثه بان نضاعف عمله له وجزاءه اضعافا كثيرة. كما قال تعالى ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن. فاولئك كان سعيهم مشكورا ومع ذلك فنصيبه من الدنيا لا بد ان يأتيه ومن كان يريد حرث الدنيا بان كانت الدنيا هي مقصودة وغاية مطلوبه. فلم يقدم لاخرته ولا رجا ثوابها ولم يخشى عقابها نؤته منها نصيبه الذي قسم له قد حرم الجنة ونعيمها واستحق النار وجحيمها. وهذه الاية شبيهة بقوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفي اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. الى اخر الايات يخبر تعالى ان المشركين اتخذوا شركاء يوالونهم ويشتركونهم واياهم في الكفر واعماله من شياطين الانس الدعاة الى الكفر. شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله من الشرك والبدع وتحريم ما احل الله وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك مما اقتضت اهوائهم. مع ان الدين لا يكون الا ما شرعه الله تعالى ليدين به العباد ويتقرب به اليه. فالاصل الحجر على كل احد ان يشرع شيئا ما جاء عن الله وعن رسوله. فكيف بهؤلاء الفسق المشتركين هم واباؤهم على الكفر. اي لولا الاجل المسمى الذي ضربه الله فاصلا بين من الطوائف المختلفة وانه سيؤخرهم اليه. لقضي بينهم في الوقت الحاضر بسعادة المحق واهلاك المبطل. لان المقتضي للاهلاك موجود ولكن امامهم العذاب الاليم في الاخرة. هؤلاء وكل ظالم. وفي ذلك اليوم والذين امنوا وعملوا الصالحات في روضات ترى الظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي. مشفقين اي خائفين وجلين مما كسبوا ان يعاقبوا عليه. ولما كان الخائف قد يقع بهما اشفق منه وخافه. وقد لا يقع اخبر انهم واقع بهم عقاب الذي خافوه لانهم اتوا بالسبب التام الموجب للعقاب من غير معارض من توبة ولا غيرها ووصلوا موضعا فات فيه الانذار والامهال والذين امنوا بقلوبهم بالله وبكتبه ورسله وما جاءوا به. وعملوا الصالحات يشمل كل عمل صالح من اعمال القلوب واعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات. فهؤلاء في روضات الجنات. اي الروضات المضافة الى الجنات. والمضاف يكون المضاف اليه فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة. وما فيها من الانهار المتدفقة والفياض المعشبة والمناظر الحسنة والاشجار المثمرة والطيور المغردة والاصوات الشجية المطربة والاجتماع بكل حبيب والاخذ من المعاشرة والمنادمة لي نصيب رياض لا تزداد على طول المدى الا حسنا وبهاء. ولا يزداد اهلها الا اشتياقا الى لذاتها وودادا يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير. لهم ما يشاؤون فيها اي في الجنات فمهما ارادوا فهو حاصل ومها طلب حصل مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على لبشر وهل فوز اكبر من الفوز برضى الله تعالى؟ والتنعم بقربه في دار كرامته اي هذه البشارة العظيمة التي هي اكبر البشائر على الاطلاق. بشر بها الرحيم الرحمن على يد افضل خلق لاهل الايمان والعمل الصالح. فهي اجل الغايات. والوسيلة الموصلة اليها افضل الوسائل عليه اجرا الا المودة في القربى. قل لا اسألكم عليه اي على تبليغي اياكم هذا القرآن. ودعوة الى احكامه اجرا فلست اريد اخذ اموالكم ولا التولي عليكم والترأس ولا غير ذلك من الاغراض لا المودة في القربى احتملوا ان المراد لا اسألكم عليه اجرا الا اجرا واحدا هو لكم. وعائد نفعه اليكم وهو ان تودوني وتحبوني في القرابة. اي لاجل القرابة ويكون على هذا المودة الزائدة على مودة الايمان فان مودة الايمان بالرسول وتقديم محبته على جميع المحاب بعد محبة الله. فرض على كل مسلم. وهؤلاء طلب منهم زيادة على ذلك ان يحبوه لاجل القرابة. لانه صلى الله عليه وسلم قد باشر بدعوته اقرب الناس اليه. حتى انه قيل انه ليس ليس في بطون قريش احد الا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قرابة. ويحتمل ان المراد الا مودة الله تعالى الصادقة وهي التي يصحبها التقرب الى الله والتوسل بطاعته الدالة على صحتها وصدقها. ولهذا قال الا المودة في القربى اي في التقرب الى الله وعلى كلا القولين فهذا الاستثناء دليل على انه لا يسألهم عليه اجرا بالكلية الا ان يكون شيئا ان يعودوا نفعه اليهم فهذا ليس من الاجر في شيء. بل هو من الاجر منه لهم صلى الله عليه وسلم. كقوله تعالى وما نقموا من الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد. وقولهم ما لفلان ذنب عندك الا انه محسن اليك ومن يقترف حسنة من صلاة او صوم او حج او احسان الى الخلق نزد له فيها حسنا. بان يشرح الله صدره وييسر امره وتكون سببا للتوفيق لعمل اخر. ويزداد بها عمل المؤمن ويرتفع عند الله وعند خلقه. ويحصل له الثواب العاجل والاجل ان الله غفور شكور. يغفر الذنوب العظيمة. ولو بلغت ما بلغت عند التوبة منها ويشكر على العمل القليل بالاجر الكثير. فبمغفرته يغفر الذنوب ويستر العيوب. وبشكره يتقبل الحسنات ويضاعفها اضعافا كثيرة يعني ام يقول المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم جرأة منهم وكذبا افترى على الله اذا فرموك باشناع الامور واقبحها وهو الافتراء على الله بادعاء النبوة والنسبة الى الله ما هو بريء منه. وهم يعلمون صدق وامانتك فكيف يتجرأون على هذا الكذب الصراح؟ بل تجرأوا بذلك على الله تعالى فانه قدح في الله حيث مكنك من هذه الدعوة العظيمة المتضمنة على موجب زعمهم اكبر الفساد في الارض حيث مكنه الله من التصريح بالدعوة ثم بنسبتها اليه ثم يؤيده بالمعجزات الظاهرات والادلة القاهرات والنصر المبين والاستيلاء على من خالفه. وهو تعالى قادر على حسم هذه والقرآن تحيا به القلوب والارواح. وتحيا به مصالح الدنيا والدين. لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير. وهو محض منة الله على وعباده المؤمنين من غير سبب منهم. ولهذا قال ما كنت تدري هذه الدعوة من اصلها ومادتها. وهو ان يختم على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم. فلا يعي شيئا ولا يدخل اليه خير. واذا ختم على قلبه ان حسم الامر كله وانقطع. فهذا دليل قاطع على صحة ما جاء به الرسول. واقوى شهادة من الله له على ما قال ولا يوجد شهادة اعظم منها ولا اكبر. ولهذا من حكمته ورحمته وسنته الجارية. ان يمحو الباطل ويزيله. وان كان له صولة في بعض الاوقات فان عاقبته الاضمحلال. ويحق الحق بكلماته الكونية التي لا تغير ولا تبدل الصادق وكلماته الدينية التي تحقق ما شرعه من الحق. وتثبته في القلوب وتبصر اولي الالباب. حتى ان من جملة احقاقه تعالى الحق ان يقيض له الباطل ليقاومه. فاذا قاومه صال عليه الحق ببراهينه وبيناته. فظهر من نوره وهدى ما به يضمحل الباطل وينقمع. ويتبين بطلانه لكل احد. ويظهر الحق كل الظهور لكل احد اي بما فيها وما اتصفت به من خير وشر وما اكنته ولم تبده هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون هذا بيان لكمال كرم الله تعالى وسعة جوده وتمام لطفه. بقبول التوبة الصادرة من عباده حين يقلعون عن ذنوبهم ويندمون عليها ويعزمون على الا يعاودوها اذا قصدوا بذلك وجه ربهم. فان الله يقبلها بعدما انعقدت سببا للهلاك ووقوع العقوبات الدنيوية والدينية. ويعفو عن السيئات ويمحوها ويمحو اثرها من العيوب. وما اقتضته من العقوبات. ويعود التائب عنده كريما كانه ما عمل سوءا قط. ويحبه ويوفقه لما يقربه اليه. ولما كانت التوبة من الاعمال العظيمة التي قد تكون كاملة بسبب تمام الاخلاص والصدق فيها. وقد تكون ناقصة عند نقصهما. وقد تكون فاسدة اذا كان القصد منها بلوغ غرض من الاغراض الدنيوية. وكان محل ذلك القلب الذي لا يعلمه الا الله. ختم هذه الاية بقوله فالله تعالى دعا جميع العباد الى الانابة اليه والتوبة من التقصير. فانقسموا بحسب الاستجابة له الى قسمين مستجيبين ووصفهم بقوله والكافرون لهم عذاب شديد ويستجيب الذين امنوا وعملوا الصالحات ان يستجيبون لربهم لما دعاهم اليه. وينقادون له ويلبون دعوته. لان ما معهم من الايمان والعمل الصالح يحملهم على ذلك. فاذا استجابوا له شكر الله لهم وهو الغفور الشكور. وزادهم من فضله توفيقا ونشاطا على العمل سادهم مضاعفة في الاجر زيادة عما تستحقه اعمالهم من الثواب والفوز العظيم. واما غير المستجيبين لله وهم المعاندون الذين كفروا به وبرسله فلهم عذاب شديد في الدنيا والاخرة. ثم ذكر ان من لطفه بعباده انه لا يوسع عليهم سعة تضر باديانهم. فقال ينزل بقدر ما يشاء انه بعباده خبير بصير ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض. اي لغفلوا عن طاعة الله واقبلوا على التمتع بشهوات الدنيا. فاوجبت لهم الاكباب على ما تشتهيه نفوسهم ولو كان معصية وظلما ولكن ينزل بقدر ما يشاء بحسب ما اقتضاه لطفه وحكمته. انه بعباده خبير بصير. كما في بعض ان الله تعالى يقول ان من عبادي من لا يصلح ايمانه الى الغنى ولو افقرته لافسده ذلك وان من عبادي من لا ايمانه الا الفقر. ولو اغنيته لافسده ذلك. وان من عبادي من لا يصلح ايمانه الا الصحة. ولو امرظته لافسده ذلك وان من عبادي من لا يصلح ايمانه الا المرض. ولو عافيته لافسده ذلك. اني ادبر امر عبادي بعلمي بما في قلوبهم اني خبير بصير وهو الولي الحميد وهو الذي ينزل الغيث اي المطر الغزير الذي به يغيث الى ذوى العباد من بعد ما قنطوا وانقطع عنهم مدة ظنوا انه لا يأتيهم. وايسوا وعملوا لذلك الجدب اعمالا ينزل الله الغيث وينشر به رحمته من اخراج الاقوات للادميين وبهائمهم. فيقع عندهم موقعا عظيما. ويستبشرون قمنا بذلك ويفرحون. وهو الولي الذي يتولى عباده بانواع التدبير ويتولى القيام بمصالح دينهم ودنياهم الحميد في ولايته وتدبيره الحميد على ما له من الكمال وما اوصله والى خلقه من انواع الافضال ايوة ومن ادلة قدرته العظيمة وانه سيحيي الموتى بعد موتهم خلق هذه السماوات والارض على عظمهما وسعتهما. الدال على قدرته وسعة سلطانه وما فيهما من الاتقان والاحكام. دال على حكمته وما فيهما من المنافع والمصالح. دال على رحمته وصدقوا بكل ما جاء به وقالوا انه عبد الله ورسوله. فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم اي ما اشد حزن الظالمين. وما اعظم خسارة هم في ذلك اليوم. هل ينظرون الا الساعة وهو على جمعهم اي جمع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة فقدرته ومشيئته صالحان لذلك. ويتوقف وقوعه على وجود الخبر الصادق وقد علم انه قد تواترت اخبار المرسلين وكتبهم بوقوعه. وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير. يخبر تعالى انه ما اصاب العباد من مصيبة في ابدانهم واموالهم واولادهم. وفيما يحبون ويكون عزيزا عليهم الا بسبب ما قدمته ايديهم من السيئات. وانما يعفو الله عنه اكثر فان الله لا يظلم العباد ولكن انفسهم يظلمون ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة وليس اهمالا منه تعالى تأخير العقوبات ولا عجزا لكم من دون الله من ولي ولا نصيب. وما انتم في الارض اي معجزين قدرة الله عليكم بل انتم عاجزون في الارض. ليس عندكم امتناع عن ما ينفذه الله فيكم. وما لكم من دون الله من ولي يتولاكم. فيحصل لكم المنافع ولا نصير. يدفع عنكم المضار. ومن اياته الجوارح اي ومن ادلة رحمته وعنايته بعباده. الجواري في البحر من السفن والمراكب النارية والشراعية التي من عظمها كالاعلام وهي الجبال الكبار. التي سخر لها البحر العجاج وحفظها من التطام الامواج جعلها تحملكم وتحمل امتعتكم الكثيرة الى البلدان والاقطار البعيدة. وسخر لها من الاسباب ما كان معونة على ذلك. ثم نبه على هذه الاسباب بقوله صبارين شكور. او يبطهن بما كسبوا ويعفو عن كثير. ان يشأ يسكن الريح التي جعلها الله سببا لمشيها فيضللن. اي الجواري رواكد على ظهر البحر. لا تتقدم ولا تتأخر ولا هذا بالمراكب النارية فان من شرط مشيها وجود الريح. وان شاء الله تعالى اوبق الجوار بما كسب اهلها. اي اغرقها في البحر واتلفها ولكنه يحلم ويعفو عن كثير اي كثير الصبر على ما تكرهه نفسه ويشق عليها. فيكرهها عليه. من مشقة طاعة او ردع داع الى معصية او ردع نفسه في عند المصائب عن التسخط شكور في الرخاء وعند النعم يعترف بنعمة ربه ويخضع له ويصرفها في مرضاته. فهذا الذي ينتفع ايات الله. واما الذي لا صبر عنده ولا شكر له على نعم الله فانه معرض او معاند لا ينتفع بالايات. ثم قال تعالى ويعلم الذين يجادلون في اياتنا ما لهم من محيص. ويعلم الذين يجادلون في ليبطلوها بباطلهم. اي لا ينقذهم منقذون مما حل بهم من العقوبة فما اوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وابقار الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. هذا تزهيد في الدنيا وترغيب في الاخرة. وذكر الاعمال الموصلة اليها فقال فما اوتيتم من شيء من ملك ورياسة واموال وبنين. وصحة وعافية بدنية فمتاع الحياة الدنيا لذة منغصة منقطعة. وما عند الله من الثواب الجزيل. والاجر الجليل والنعيم المقيم. خير من لذات الدنيا. خير لا نسبة بينهما وابقى. لانه نعيم لا منغص فيه ولا كدر ولا انتقال. ثم ذكر لمن هذا الثواب قال اي جمعوا من الايمان الصحيح المستلزم لاعمال الايمان الظاهرة والباطنة وبين التوكل الذي هو الالة لكل عمل. فكل عمل لا يصحبه قل فغير تام وهو الاعتماد بالقلب على الله في جلب ما يحبه العبد. ودفع ما يكرهه مع الثقة به تعالى الاثم والفواحش واذا ما غضبوهم يغفرون. والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش والفرق بين الكبائر والفواحش. مع ان جميعهما كبائر. ان الفواحش هي الذنوب الكبار التي في النفوس داع اليها كالزنا ونحوه. والكبائر ما ليس كذلك. هذا عند الاقتران. واما مع افراد كل منهما عن الاخر. فان الاخر يدخل في اي قد تخلقوا بمكارم الاخلاق ومحاسن الشيم. فصار الحلم لهم سجية حسن الخلق لهم طبيعة حتى اذا اغضبهم احد بمقاله او فعاله كظموا ذلك الغضب فلم ينفذوه بل غفروه ولم يقابلوا الا بالاحسان والعفو والصفح. فترتب على هذا العفو والصفح من المصالح ودفع المفاسد في انفسهم وغيرهم شيء كثير. كما قال تعالى ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. وما يلقاها الا الذين صبروا ان يلقاها الا ذو حظ عظيم رزقناهم ينفقون. والذين استجابوا لربهم اي انقادوا لطاعته. ولبوا دعوته وصار قصدهم رضوانه تهم الفوز بقربه ومن الاستجابة لله. اقامة الصلاة وايتاء الزكاة. فلذلك عطفهما على ذلك من باب عطف العام على الخاص الدال على شرفه وفضله فقال واقاموا الصلاة اي ظاهرها وباطنها فرضها ونفلها ينفقون. من النفقات الواجبة كالزكاة والنفقة على الاقارب ونحوهم. والمستحبة كالصدقات على عموم الخلق وامرهم الديني والدنيوي شورى بينهم. اي لا يستبد احد منهم برأيه في امر من الامور المشتركة بينهم. وهذا لا الا فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم. وكمال عقولهم انهم اذا ارادوا امرا من الامور التي تحتاج الى اعمال الفكر والرأي اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها حتى اذا تبينت لهم المصلحة انتهزوها وبادروها وذلك كالرأي في الغزو والجهاد وتولية الموظفين لامارة او قضاء او غيره. وكالبحث في المسائل الدينية عموما. فانها من الامور المشتركة والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله وهو داخل في هذه الاية والذين اذا اصابهم البغي اي وصل اليهم من اعدائهم هم ينتصرون لقوتهم وعزتهم ولم يكونوا هذه اللا عاجزين عن الانتصار. فوصفهم بالايمان والتوكل على الله واجتناب الكبائر والفواحش. الذي تكفر به الصغائر والانقياد التام والاستجابة لربهم واقامة الصلاة والانفاق في وجوه الاحسان والمشاورة في امورهم والقوة والانتصار على اعدائهم فهذه خصال الكمال قد جمعوها. ويلزم من قيامهم فيها فعل ما هو دونها. وانتفاء ضدها وجزاء سيئة سيئة مثلها. فمن عفا واصلح فاجره على انه لا يحب الظالمين. ذكر الله في هذه الاية مراتب العقوبات. وانها على ثلاث مراتب. عدل وفضل وظلم فمرتبة العدل جزاء السيئة بالسيئة مثلها لا زيادة ولا نقص. فالنفس بالنفس وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها والمال يضمن بمثله. ومرتبة الفضل العفو والاصلاح عن المسيء. ولهذا قال يجزيه اجرا عظيما وثوابا كثيرا. وشرط الله في العفو الاصلاح فيه. ليدل ذلك على انه اذا كان الجاني لا يليق العفو عنه وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته فانه في هذه الحال لا يكون مأمورا وفي جعل اجر العافي على الله ما يهيج على العفو وان يعامل العبد الخلق بما يحب ان يعامله الله به. فكما يحب ان يعفو الله عنه فليعف عنهم. وكما يحب ان يسامحه الله فليسامحهم. فان الجزاء من جنس العمل. واما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله انه لا يحب الظالمين. الذين يجنون على غيرهم ابتداء او يقابلون الجاني باكثر من جنايته فالزيادة ظلم قيل ولمن انتصر بعد ظلمه اي انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه جميل اي لا حرج عليهم في ذلك. ودل قوله والذين اذا اصابهم البغي وقوله ولمن انتصر بعد ظلمه انه لابد من اصابة البغي والظلم ووقوعه. واما ارادة البغي على الغير وارادة ظلمه من غير ان يقع منهم شيء. فهذا لا يجازى مثله وانما يؤدب تأديبا يردعه عن قول او فعل صدر منه انما السبيل اي انما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية على الذين يظلمون الناس. ويبغون في الارض بغير الحق. وهذا شامل للظلم والبغي على الناس. في دمائهم واموالهم اقوالهم واعراضهم اولئك لهم عذاب اليم. اي موجع للقلوب والابدان بحسب ظلمهم وبغيهم ولمن صبر على ما يناله من اذى الخلق وغفر له بان سمح لهم عما يصدر منهم. اي لمن الامور التي حث الله عليها واكدها واخبر انه لا يلقاها الا اهل الصبر والحظوظ العظيمة. ومن الامور التي لا يوفق لها الا اولو العزائم والهمم. وذوي الالباب والبصائر فان ترك الانتصار للنفس بالقول او الفعل من اشق شيء عليها. والصبر على الاذى والصفح عنه. ومغفرته ومقابلته بالاحسان اشق واشق. ولكنه يسير على من يسره الله عليه. وجاهد نفسه على الاتصاف به. واستعان الله على ذلك ثم اذا ذاق العبد حلاوته ووجد اثاره تلقاه برحب الصدر وسعة الخلق والتلذذ فيه فما له من ولي من بعده. وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون يخبر تعالى انه المنفرد بالهداية والاضلال. وانه من يضلل الله بسبب وبظلمه فما له من ولي من بعده يتولى امره ويهديه. وترى الظالمين لما رأوا العذاب مرأى ومنظرا فظيعا صعبا شنيعا يظهرون الندم العظيم. والحزن على ما سلف منهم يقولون هل الى مرد من سبيل اي هل لنا طريق او حيلة الى رجوعنا الى الدنيا؟ لنعمل غير الذي كنا نعمل وهذا طلب للامر المحال الذي لا يمكن ولكن جعلناه نورا نهدي به من وانك لتهدي الى صراط مستقيم. وكذلك حين اوحينا الى الرسل قبلك اوحينا اليك روحا من امرنا. وهو هذا القرآن الكريم سماه روحا. لان الروح يحيا به الجسد وتراهم يعرضون عليها اي على النار خاشعين من الذل اي ترى اجسامهم خاشعة للذل الذي في قلوبهم ينظرون من طرف خفي اينظرون الى النار مسارقة وشزرا من هيبة وخوفها يوم القيامة الا ان الظالمين في عذاب وقال الذين امنوا حين ظهرت عواقبهم الخلق وتبين اهل الصدق من غيرهم ان الخاسرين على الحقيقة الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة حيث فوتوا انفسهم جزيل الثواب. وحصلوا على اليم العقاب. وفرق بينهم وبين اهليهم. فلم يجتمعوا بهم اخر ما عليهم الا ان الظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي في سواءه ووسطه منغمرين لا يخرجون منه ابدا ولا يفتر عنهم وهم في مبلسون. وما كان لهم من اولياء ينصرونهن من دون الله آآ وما كان لهم من اولياء ينصرونهم من دون الله كما كانوا في الدنيا يمنون بذلك انفسهم. ففي القيامة يتبين لهم ولغيرهم ان اسبابهم التي املوها تقطعت. وانه حين جاءهم عذاب الله لم يدفع عنهم. ومن يضلل الله فما له من سبيل. فما له من سبيل تحصل به هدايته. فهؤلاء ضلوا حيث زعموا في شركائهم النفع ودفع الضر. فتبين حينئذ ضلالهم استجيبوا لربكم من قبل ان يأتي يوم لا مرد له من الله ما يأمر تعالى عباده بالاستجابة بامتثال ما امر به واجتناب ما نهى عنه. وبالمبادرة بذلك وعدم التسويف. من قبل ان يأتي يوم القيامة الذي اذا جاء لا يمكن نرده واستدراك الفائت وليس للعبد في ذلك اليوم ملجأ يلجأ اليه فيفوت ربه ويهرب منه بل قد احاطت الملائكة بالخير من خلفهم ونودوا يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان وليس للعبد في ذلك اليوم نكير لما اقترفه واجرمه. بل لو انكر لشهدت عليه جوارحه. وهذه الاية ونحوها فيها هذا ام الامل والامر بانتهاز الفرصة في كل عمل يعرض للعبد. فان للتأخير افات وانا اذا انا رحمة فرح بها وان تصبهم سيئة بما قدمت ايديهم فان فان اعرضوا عما جئتهم به بعد البيان التام فما ارسلناك عليهم حفيظا احفظوا اعمالهم وتسأل عنها ان عليك الا البلاغ فاذا اديت ما عليك فقد وجب اجرك على الله سواء استجابوا ام اعرضوا وحسابهم على الله الذي يحفظ عليهم صغير اعمالهم وكبيرها وظاهرها وباطنها. ثم ذكر تعالى حالة الانسان وانه اذا ما اذاقه الله رحمة من صحة بدن ورزق رغد وجاه ونحوه فرح بها اي فرح فرحا مقصورا عليها لا يتعدى ويلزم من ذلك طمأنينته بها واعراضه عن المنعم وان تصبهم سيئة اي مرض او فقر او بما قدمت ايديهم. اي طبيعته كفران النعمة السابقة والتسخط لما اصابه من السيئة آآ يهب لمن يشاء اناسا ويهب لمن يشاء او يزوجهم ذكرانا واناثا ويجعل من يشاء هذه الاية فيها الاخبار عن سعة ملكه تعالى ونفوذ تصرفه في الملك في الخلق لما يشاء. والتدبير لجميع الامور. حتى ان تدبيره تعالى من عمومه انه يتناول المخلوقة عن الاسباب التي يباشرها العباد. فان النكاح من الاسباب لولادة الاولاد. فالله تعالى هو الذي يعطيهم من الاولاد ما يشاء فمن الخلق من يهب له اناثا. ومنهم من يهب له ذكورا. ومنهم من يزوجه. اي يجمع له ذكورا واناثا. ومنهم من يجعل عقيما لا يولد له. انه عليم بكل شيء قدير على كل شيء فيتصرف بعلمه واتقانه الاشياء وبقدرته في مخلوقاته الا وحي او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء لما قال المكذبون لرسول الله الكافرون بالله لولا يكلمنا الله او تأتينا اية من كبرهم تدبرهم رد الله عليهم بهذه الاية الكريمة. وان تكليمه تعالى لا يكون الا لخواص خلقه. للانبياء والمرسلين وصفوته من العالمين وانه يكون على احد هذه الاوجه اما ان يكلمه الله وحيا بان يلقي الوحي في قلب الرسول من غير ارسال ملك ولا مخاطبة منه شفاها او يكلمه منه شفاها لكن من وراء حجاب كما حصل لموسى ابن عمران كليم الرحمن او يكلمه الله بواسطة الرسول الملكي. فيرسل رسولا كجبريل او غيره من الملائكة. فيوحي باذنه اي باذن ربه لا بمجرد هواه. انه تعالى علي الذات. علي الاوصاف. عظيمها. علي الافعال قد قهر كل كل شيء ودانت له المخلوقات. حكيم في وضعه كل شيء في موضعه. من المخلوقات والشرائع اي قبل نزوله عليك ما الكتاب ولا الايمان؟ اي ليس عندك علم باخبار الكتب السابقة ولا ايمان وعمل بالشرائع الالهية بل كنت اميا لا تخط ولا تقرأ. فجاءك هذا الكتاب الذي جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا. يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع والاهواء المرضية. ويعرفون به الحقائق ويهتدون به الى الصراط المستقيم الى صراط مستقيم. اي تبينه لهم وتوضحه وتنيره وترغبهم فيه. وتنهاهم عن ضده وترهبهم منه ثم فسر الصراط المستقيم فقال صراط الله الذين هم في السماوات وما في الارض اي الصراط الذي نصبه الله لعباده. واخبرهم انه موصل اليه والى دار كرامته اي ترجع جميع امور الخير والشر. فيجازي كلا بحسب عمله ان خيرا فخير وان شرا فشر بسم الله الرحمن الرحيم. والكتاب المبين انا جعلناه قرآنا هذا قسم بالقرآن على القرآن. فاقسم بالكتاب المبين واطلق. ولم يذكر المتعلق ليدل على انه مبين لكل ما يحتاج اليه العباد من امور الدنيا والدين والاخرة. انا جعلناه قرآنا عربيا. هذا المقسم عليه انه جعل بافصح اللغات واوضحها وابينها. وهذا من بيانه. وذكر الحكمة في ذلك فقال لعلكم تعقلون الفاظه ومعانيه لتيسرها وقربها من الاذهان. وانه اي هذا الكتاب لدينا في الملأ الاعلى في اعلى الرتب وافضلها. اي لعلي في قدره وشرفه ومحله. حكيم فيما يجتمع عليه من الاوامر والنواهي والاخبار. فليس فيه حكم مخالف للحكمة والعدل والميزان. ثم اخبر تعالى ان حكمته وفضله يقتضي لا يترك عباده هملا لا يرسل اليهم رسولا ولا ينزل عليهم كتابا ولو كانوا مسرفين ظالمين فقال اي افنعرض عنكم ونترك انزال الذكر اليكم ونضرب عنكم لاجل اعراضكم وعدم انقيادكم له. بل ننزل عليكم الكتاب ونوضح لكم فيه كل شيء. فان امنتم به واهتديتم فهو من توفيقكم والا قامت عليكم الحجة وكنتم على بينة من امركم يقول تعالى ان هذه سنتنا في الخلق ان لا نتركهم هملا فكم ارسلنا من نبي في الاولين يأمرونهم بعبادة الله وحده لا شريك له ولم يزل التكذيب موجودا في الامم. جحدا لما جاء به وتكبرا على الحق. فاهلكنا اشد من هؤلاء عطشا اي قوة وافعالا واثارا في الارض. اي مضت امثالهم واخبارهم. وبينا لكم منها ما فيه خبرة ومزدجر عن التكذيب والانكار يخبر تعالى عن المشركين انك لو سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله وحده لا شريك له عزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات. العليم بظواهر الامور ومواطنها. واوائلها واواخرها. فاذا كانوا مقرين بذلك فكيف يجعلون له الولد والصاحبة والشريك؟ وكيف يشركون به من لا يخلق ولا يرزق؟ ولا يميت ولا يحيي ثم ذكر ايضا من الادلة الدالة على كمال نعمته لما خلقه لعباده من الارض التي مهدها وجعلها قرارا للعباد. يتمكنون فيها من كل ما يريدون. وجعل لكم فيها سبلا اي جعل منافذ بين سلاسل الجبال المتصلة تنفذون منها الى ما وراءها من الاقطار لعلكم تهتدون في السير في الطرق ولا تضيعون ولعلكم تهتدون ايضا في الاعتبار بذلك فيه والذي نزل من السماء ماء بقدر لا يزيد ولا ينقص. ويكون ايضا بمقدار الحاجة. لا ينقص بحيث لا يكون فيه نفع. ولا يزيد بحيث يضر العباد والبلاد. بل اغاث به العباد وانقذ به البلاد من الشدة. ولهذا قال فانشرنا به بلدة ميتة. اي احييناها بعد موتها اي فكما احيا الارض الميتة الهامدة بالماء. كذلك يحييكم بعدما تستكملون في البرزخ. ليجازيكم باعمالكم وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون. والذي خلق الازواج كلها اي جميعها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون. من ليل ونهار وحر وبرد وذكر وانثى وغير ذلك وجعل لكم من الفلك اي السفن البحرية الشراعية والنارية ما تركبون. ومن الانعام ما تركبون وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا لتستووا على ظهوره وهذا شامل لظهور ولظهور الانعام اي لتستقروا عليها ثم تذكروا نعمة ربكم اذا استويتم عليه بالاعتراف بالنعمة لمن سخرها والثناء عليه تعالى بذلك ولهذا قال اي لولا لنا ما سخر من الفلك والانعام. ما كنا مطيقين لذلك وقادرين عليه. ولكن من لطفه وكرمه تعالى سخرها وذللها ترى اسبابها والمقصود من هذا بيان ان الرب الموصوف بما ذكره من افاضة النعم على العباد هو الذي يستحق ان يعبد ويصلى له هو يسجد. يخبر تعالى عن شناعة قوله المشركين الذين جعلوا لله تعالى ولدا وهو الواحد الاحد. الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا. ولم يكن له كفوا احد وان ذلك باطل من عدة اوجه. منها ان الخلق كلهم عباده والعبودية تنافي الولادة. ومنها ان الولد جزء من والده والله تعالى بائن من خلقه. وباين لهم في صفاته ونعوت جلاله. والولد جزء من الوالد. فمحال ان يكون لله تعالى الا ولد. ومنها انهم يزعمون ان الملائكة بنات الله ومن المعلوم ان البنات ادون الصنفين. فكيف يكون لله البنات ويصطفيهم بالبنين ويفضلهم بها. فاذا يكونون من الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا مسودة وهو كظيم. ومنها ان الصنف الذي نسبوه لله وهو البنات ادون الصنفين واكرههما لهم حتى انهم من كراهتهم لذلك ظل وجهه مسودا من كراهته وشدة بغضه. فكيف يجعلون لله ما يكرهون ومنها ان الانثى ناقصة في وصفها وفي منطقها وبيانها. ولهذا قال تعالى او من ينشأ في الحلية اي يجمل فيها لنقص جماله فيجمل بامر خارج عنه. وهو في الخصام اي عند الخصام الموجب لاظهار ما عند الشخص من الكلام غير مبين اي غير مبين لحجته ولا مفصح عما احتوى عليه ضميره. فكيف ينسبونهن لله تعالى وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثا. اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ومنها انهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الله اناثا. فتجرأوا على الملائكة العباد المقربين ورقوه عن مرتبة العبادة والذل الى مرتبة المشاركة لله في شيء من خواصه. ثم نزلوا بهم عن المرتبة الذكورية الى مرتبة الانوثية سبحان من اظهر تناقضا من كذب عليه وعاند رسله. ومنها ان الله رد عليهم بانهم لم يشهدوا خلق الله لملائكته. فكيف يتكلمون بامر من المعلوم عند كل احد انه ليس لهم به علم ولكن لا بد ان يسألوا عن هذه الشهادة. وستكتب عليهم ويعاقبون عليها وقوله تعالى وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم لا يخرصون. وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم. فاحتجوا على عبادتهم الملائكة بالمشيئة. وهي حجة لم يزل المشركون يطرقون وهي حجة باطلة في نفسها. عقلا وشرعا. فكل عاقل لا يقبل الاحتجاج بالقدر. ولو سلكه في حالة من احواله لم يثبت عليها قدمه. واما شرع فان الله تعالى ابطل الاحتجاج به. ولم يذكره عن غير المشركين به المكذبين لرسله. فان الله تعالى قد اقام حجة على العباد فلم يبق لاحد عليه حجة اصلا. ولهذا قال هنا ان يتخلصون تخرصا لا دليل عليه ويتخبطون خط عشواء. ثم قال يخبرهم بصحة افعالهم وصدق اقوالهم. ليس الامر كذلك فان الله ارسل محمدا تحذيرا اليهم وهم لم يأتهم نذير غيره. اي فلا عقل ولا نقل. واذا انتفى الامران فلا ثم الا الباطل. نعم لهم شبهة من الشبه وهي تقليد ابائهم الضالين الذين ما زال الكفرة يردون بتقليدهم دعوة الرسل. ولهذا قال هنا انا وجدنا اباءنا على امة. وانا على اثارهم مهتدون. بل قالوا ان انا وجدنا ابائنا على امة اي على دين وملة. وانا على اثارهم مهتدون. اي فلا نتبع ما جاء بهم محمد صلى الله عليه وسلم. وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا على امة وانا على اثارهم مقتلون الا قال مترفوها اي منعموها وملؤها الذين اطرتهم الدنيا وغرتهم الاموال واستكبروا على الحق وجدنا ابائنا على امة وانا على اثارهم مقتدون. اي هؤلاء ليس ببدع منهم وليسوا باول من قال هذه المقالة. وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين. بتقليدهم لابائهم الضالين ليس المقصود به اتباع الحق والهدى وانما هو تعصب محض. يراد به نصرة ما معهم من الباطل. ولهذا كل رسول يقول لمن عارض بهذه الشبهة الباطلة او لو جئتكم باهدى مما وجدتم عليه ابائكم؟ اي فهل تتبعوني لاجل الهدى فعلم بهذا انهما ارادوا اتباع الحق والهدى وانما قصدهم اتباع الباطل والهوى فانتقل اقمنا منهم بتكذيبهم الحق وردهم اياه بهذه الشبهة الباطلة فليحذر هؤلاء ان يستمروا على تكذيبهم فيصيبهم ما اصابهم انني براء مما تعبدون. يخبر تعالى عن ملة ابراهيم الخليل عليه السلام. الذي ينتسب اليه اهل الكتاب والمشركون. وكلهم يزعم انه على طريقته. فاخبر عن دينه الذي ورثه في ذريته فقال واذ قال ابراهيم لابيه وقومه الذين اتخذوا من دون الله الهة يعبدونهم ويتقربون اليهم. انني براء مما اي مبغض له. مجتنب معاد لاهله. الا الذي فطرني فاني اتولاه. وارجو ان يهديني للعلم بالحق والعمل به. فكما فطرني ودبرني بما يصلح بدني ودنياي. فسيهدن حينما يصلح ديني واخرتي. وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون. وجعلها اي هذه الخصلة الحميدة التي هي ام الخصال واساسها. وهي اخلاص العبادة لله وحده. والتبري من عبادة ما سواه. كلمة باقية في عقبه اي ذريته لعلهم اليها يرجعون. لشهرتها عنه وتوصيته لذريته وتوصية بعض بنيه كاسحاق ويعقوب لبعض كما قال تعالى ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه. فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان فقال تعالى بل متعت هؤلاء واباءهم بانواع الشهوات حتى صارت هي غايتهم ونهاية مقصودهم لم تزل يتربى حبها في قلوبهم حتى صارت صفات راسخة وعقائد متصلة. حتى جاءهم الحق الذي لا شك فيه ولا مرية ولا اشتباه ورسول مبين. اي بينوا الرسالة قامت ادلة رسالته قياما باهرا باخلاقه ومعجزاته. وبما جاء به وبما صدق به المرسلين وبنفس دعوته صلى الله عليه وسلم ما به كافرون. ولما جاءهم الحق الذي يوجب على من له ادنى دين ومعقول ان يقبله وينقاد له ان به كافرون. وهذا من اعظم المعاندة والمشاقة. فانهم لم يكتفوا بمجرد الاعراض عنه. بل ولا جحده. فلم يرضوا حتى قدحوا به قدحا شنيعا وجعلوه بمنزلة السحر الباطل. الذي لا يأتي به الا اخبث الخلق واعظمهم افتراء. والذي حملهم على ذلك طغيانهم بما متعهم الله به وابائهم وقالوا مقترحين على الله بعقولهم الفاسدة اي معظم عندهم مبجل من اهل مكة او اهل الطائف كالوليد بن المغيرة ونحوه. ممن هو عندهم عظيم. قال الله ردا الاقتراب اي اهم الخزان لرحمة الله وبيدهم تدبيرها فيعطون النبوة والرسالة من يشاؤون ويمنعونها ممن يشاؤون. نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض ورحمة ربك خير مما يجمعون ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات. اي في الحياة الدنيا. والحال ان رحمة ربك خير مما يجمعون من الدنيا. فاذا كان معاي في العباد وارزاقهم الدنيوية بيد الله تعالى. هو الذي يقسمها بين عباده. فيبسط الرزق على من يشاء. ويضيقه على من يشاء بحسب حكمته فرحمته الدينية التي اعلاها النبوة والرسالة اولى واحرى ان تكون بيد الله تعالى. فالله اعلم حيث يجعل فعلم ان اقتراحهم ساقط لاغ وان التدبير للامور كلها دينيها ودنيويها بيد الله وحده وهذا لهم من جهة غلطهم في الاقتراح الذي ليس في ايديهم منه شيء ان هو الا ظلم منهم ورد للحق. وقولهم لولا نزل اهذا القرآن على رجل من القريتين عظيم لو عرفوا حقائق الرجال والصفات التي بها يعرف علو قدر الرجل وعظم منزلته عند الله وعند خلقه لعلموا ان محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم هو اعظم الرجال قدرا واعلاهم فخرا واكملهم عقلا واغزرهم علما واجلهم رأيا وعزما وحزما. واكملهم خلقا واوسعهم رحمة واشدهم شفقة. واهداهم واتقاهم وهو قطب دائرة الكمال واليه المنتهى في اوصاف الرجال. الا وهو رجل العالم على الاطلاق. يعرف ذلك اولياؤه واعداؤه كيف يفضل عليه المشركون من لم يشم مثقال ذرة من كماله. ومن جرمه ومنتهى حمقه ان جعل الهه الذي يعبده ويدعوه ويتقرب اليه صنما او شجرا او حجرا لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع. وهو كل على مولاه يحتاج لمن يقوم بمصالحه فهل هذا الا من فعل السفهاء والمجانين؟ فكيف يجعل هذا عظيما؟ ام كيف يفضل على خاتم الرسل وسيد ولد ادم صلى الله عليه وسلم ولكن الذين كفروا لا يعقلون. وفي هذه الاية تنبيه على حكمة الله تعالى في تفضيل الله بعض العباد على بعض في الدنيا ليتخذ بعضهم بعضا سخريا. اي ليسخر بعضهم بعضا في الاعمال والحرف والصنائع. فلو تساوى الناس في الغنى ولم يحتج بعضهم قم الى بعض لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم. وفيها دليل على ان نعمته الدينية خير من النعمة الدنيوية. كما قال تعالى في الاية الاخرى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ولا مجازاة على ما خفي منها رد الله عليهم بقوله بلى اي انا نعلم سرهم ونجواهم ورسلنا الملائكة الكرام لديهم يكتبون كل ما عملوه وسيحفظ ذلك عليهم حتى يريدوا القيامة فيجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم خرج عليها يظهرون. يخبر تعالى بان الدنيا لا تسوى عنده شيئا. وانه لولا لطفه ورحمته بعباده. التي لا يقدم عليها فيها شيئا لوسع الدنيا على الذين كفروا توسيعا عظيما. ولجعل لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج. اي درجا من فضة بها يظهرون على سطوحهم ولبيوتهم ابوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وان كل ذلك من فضة ولجعل لهم اي لزخرف لهم دنياهم بانواع الزخارف. واعطاهم ما يشتهون ولكن منعه من ذلك رحمته بعباده. خوفا عليه من التسارع في الكفر وكثرة المعاصي بسبب حب الدنيا. ففي هذا دليل على انه يمنع العباد بعض امور الدنيا منعا عاما او خاصا لمصالحهم ان الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة. وان كل هذه المذكورات متاع الحياة الدنيا منغصة مكدرة فانية. وان الاخرة عند الله تعالى خير للمتقين لربهم بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. لان نعيمها تام كامل من كل وجه. وفي الجنة ما فيه الانفس وتلذ الاعين وهم فيها خالدون. فما اشد الفرق بين الدارين شيطانا فهو له قرين. يخبر تعالى عن عقوبته البليغة لمن اعرض عن ذكره. فقال ومن يعش ان يعرض ويصد عن ذكر الرحمن الذي هو القرآن العظيم. الذي هو اعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده. فمن قبلها فقد قبل ترى المواهب وفاز باعظم المطالب والرغائب. ومن اعرض عنها وردها فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها ابدا. وقيد له الرحمن شيطانا مريدا يقارنه ويصاحبه ويعده ويمنيه ويؤزه الى المعاصي ازا وانهم ليصدونهم عن السبيل اي عن الصراط المستقيم والدين القويم. بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له. واعراضهم عن فاجتمع هذا وهذا فان قيل فهل لهذا من عذر من حيث انه ظن انه مهتد وليس كذلك؟ قيل لا عذر ولهذا وامثاله الذين مصدر جهلهم الاعراب عن ذكر الله مع تمكنهم على الاهتداء. فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه. ورغبوا في الباطل الذنب ذنبهم والجرم جرمهم. فهذه حالة هذا المعرض عن ذكر الله في الدنيا مع قرينه. وهو الضلال والغي. وانقلاب الحقائق اما حاله اذا جاء ربه في الاخرة فهو شر الاحوال. وهو اظهار الندم والتحسر. والحزن الذي لا يجبر مصابه والتبري من قرينه ولهذا قال تعالى كما في قوله تعالى ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني. وكان الشيطان للانسان خذولا. وقوله تعالى ولن اي ولا ينفعكم يوم القيامة اشتراككم في العذاب وقرناؤكم واخلاؤكم وذلك لانكم اشتركتم في الظلم فاشتركتم في عقابه وعذابه. ولن ينفعكم ايضا روح التسلي في مصيبة فان المصيبة اذا وقعت في الدنيا واشترك فيها المعاقبون هان عليهم بعض الهون وتسلى بعضهم ببعض واما مصيبة الاخرين فانها جمعت كل عقاب. ما فيه ادنى راحة حتى ولا هذه الراحة. نسألك يا ربنا العافية وان تريحنا برحمتك يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه مصليا له عن امتناع المكذبين عن الاستجابة له. وانهم لا خير فيهم ولا فيهم زكاء يدعوهم الى الهدى. افانت تسمع اي الذين لا يسمعون او تهدي العم الذين لا يبصرون او تهدي من كان في ضلال مبين. اي بين واضح بعلم بضلاله ورضاه به. فكما ان الاصم لا يسمع الاصوات والاعمى لا يبصر. والضال ضلالا مبينا لا يهتدي. فهؤلاء قد فسدوا فطرهم وعقولهم باعراضهم عن الذكر. واستحدثوا عقائد فاسدة وصفات خبيثة تمنعهم وتحول بينهم وبين الهدى يجيب لهم الازدياد من الردى. فهؤلاء لم يبقى الا عذابهم ونكالهم. اما في الدنيا او في الاخرة. ولهذا قال تعالى اي فان ذهبنا بك قبل ان نريك ما نعدهم من العذاب. فاعلم بخبرنا الصادق ان منهم منتقمون. او نريك الذي وعدناهم فانا عليهم مقتدرون. او نورينك الذي وعد من العذاب. ولكن ذلك متوقف على اقتضاء الحكمة لتعجيله او تأخيره. فهذه حالك وحال هؤلاء المكذبين. واما انت فاستمسك بالذي اوحي اليك انك على صراط مستقيم فاستمسك بالذي اوحي اليك فعلا واتصافا. بما يامر بالاتصاف به. ودعوة اليه وحرصا على تنفيذه في نفسك وفي غيرك انك على صراط مستقيم. موصل الى الله والى دار كرامته. وهذا مما يوجب عليك زيادة التمسك به ربك احدا. اي قل يا ايها الرسول الكريم للذين جعلوا لله ولدا وهو الواحد الاحد الفرد الصمد. الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا. ولم يكن له كفوا احد فانا اول العابدين اهتداء اذا علمت انه حق وعدل وصدق تكون بانيا على اصل اصيل. اذا بنى غيرك على الشكوك والاوهام والظلم والجور وانه اي هذا القرآن الكريم لذكر لك لقومك اي فخر لكم ومنقبة جليلة ونعمة لا يقادر قدرها ولا يعرف وصفها. ويذكركم ايضا ما فيه الخير الدنيوي والاخرى قوي ويحثكم عليه. ويذكركم الشر ويرهبكم عنه. وسوف تسألون عنه. هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم؟ ام لم تقوموا به فيكون حجة عليكم وكفرا منكم بهذه النعمة حتى يكون للمشركين نوع حجة يتبعون فيها احدا من الرسل فانك لو سألتهم واستخبرتهم عن احوالهم لم تجد احدا منهم يدعو الى اتخاذ اله اخر مع الله. مع ان كل الرسل من اولهم الى اخرهم يدعون الى عبادة الله وحده لا شريك له. قال تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وكل رسول بعثه الله يقول لقومه اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. فدل هذا ان المشركين ليس لهم مستند في شركهم لا من عقل صحيح ولا نقل عن الرسل لما قال تعالى واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون بين تعالى حال موسى ودعوته التي هي اشهر ما يكون من دعوات الرسل. ولان الله تعالى اكثر من ذكرها في كتابه. فذكر حاله مع فرعون فقال ولقد ارسلنا موسى باياتنا التي دلت دلالة قاطعة على صحة ما جاء به. كالعصا والحية وارسال الجراد والقمل الى اخر الايات. فدعاهم الى الاقرار ربهم ونهاهم عن عبادة ما سواه. فلما جاءهم باياتنا اذا هم منها يضحكون اي وانكروها واستهزأوا بها ظلما وعلوا. فلم يكن لقصور بالايات وعدم وضوح فيها. ولهذا قال ما نريهم من اية الا هي اكبر من اختها اي الاية المتأخرة اعظم من السابقة. واخذناهم بالعذاب كالجراد والقمل والدم ايات مفصلات لعلهم يرجعون الى الاسلام ويذعنون له ليزول شركهم وشرهم. وقالوا عندما نزل العذاب يا ايها الساحر يعنون موسى عليه السلام وهذا اما من باب التهكم به واما ان يكون هذا الخطاب عندهم مدحا فتضرعوا اليه بان خاطبوه بما يخاطبون به من يزعمون انهم علماؤهم. وهم السحرة. فقالوا يا ايها الساحر ادعو لنا بما عهد عندك اي بما خصك الله به وفضلك به من الفضائل والمناقب ان يكشف عنا العذاب انكشف الله عنا ذلك. اي لم يفوا بما قالوا الغدر واستمروا على كفرهم. وهذا كقوله تعالى فارسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ايات المفصلات استكبروا وكانوا قوما مجرمين. ولما وقع عليهم الردز قالوا يا موسى ادعو لنا ربك بما عهد عندك. لان كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك والمرسلن معك بني اسرائيل. فلما كشفنا عنهم الرزق الى اجل هم بالغوه. اذا هم ينكثون. ونادى فرعون في قومه قال مستعليا بباطله قد غره ملكه واطاه ماله وجنوده. يا قومي اليس لي ملك مصر؟ اي الست المالك لذلك المتصرفة فيه وهذه الانهار تجري من تحتي. اي الانهار المنسحبة من النيل في وسط القصور والبساتين. افلا تبصرون ان هذا الملك الطويل العريض وهذا من جهله البليغ. حيث افتخر بامر خارج عن ذاته. ولم يفخر باوصاف حميدة. ولا افعال سديدة يعني قبحه الله بالمهين. موسى ابن عمران سليم الرحمن الوجيه عند الله. اي انا العزيز وهو الذليل المهان المحتقر. فاينا خير ومع هذا فلا يكاد يبين ما في ضميره بالكلام لانه ليس بفصيح اللسان وهذا ليس من العيوب في شيء اذا كان يبين ما في قلبه ولو كان ثقيلا عليه الكلام ثم قال فرعون فلولا القي عليه اسورة من ذهب. اي فهلا كان موسى بهذه الحالة ان يكون مزينا مجملا بالحلي والاساور يعاونونه على دعوته ويؤيدونه على قوله قومه فاطاعوه اي استخف عقولهم بما ابدى لهم من هذه الشبه. التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا حقيقة تحتها. وليست دليل على حق ولا على باطل. ولا تروج الا على ضعفاء العقول. فاي دليل يدل على ان فرعون محق؟ لكون ملك مصر له وانهار عاره تجري من تحته واي دليل يدل على بطلان ما جاء به موسى لقلة اتباعه وثقل لسانه وعدم تحلية الله له لكنه لقي ملأ لا معقول عندهم. فمهما قال اتبعوه من حق وباطل. فبسبب سبب فسقهم قيد الله لهم فرعون يزين لهم الشرك والشر اجمعين. فلما اسفونا اي اغضبونا بافعالهم لهم اجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للاخرين ليعتبر بهم المعتبرون ويتعظ باحوالهم المتعظون. يقول تعالى ولما ضرب ابن مريم اي نهي عن عبادته وجعلت عبادته بمنزلة عبادة الاصنام والانداد. اذا قومك المكذبون لك منه اي من اجل هذا المثل المبارك يصدون اي يستردون في خصومتهم لك ويصيحون ويزعمون انهم قد غلبوا في حجتهم وافلجوا وقال الهتنا خير امه ما ضربوه لك الا جدلا. بل هم قوم خصمون. وقالوا االهتنا خير ام هو يعني عيسى حيث نهي عن عبادة الجميع وشرك بينهم بالوعيد على من عبدهم ونزل ايضا قوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون ووجه حجتهم الظالمة انهم قالوا قد تقرر عندنا وعندك يا محمد ان عيسى من عباد الله المقربين الذين لهم العاقبة الحسنة فلما سويت بينه وبينها في النهي عن عبادة الجميع؟ فلولا ان حجتك باطلة لم تتناقض؟ ولم قلت انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون وهذا لفظ بزعمهم. يعم اصنام وعيسى فهل هذا الا تناقض؟ وتناقض الحجة دليل على بطلانها. هذا انهى ما يقررون به هذه الشبهة. التي فرحوا بها واستبشروا وجعلوا يصدون ويتباشرون. وهي ولله الحمد من اضعف الشبه وابطلها. فان تسوية الله بين النهي عن عبادة المسيح وبين النهي عن عبادة الاصنام لان العبادة حق لله تعالى لا يستحقها احد من الخلق لا الملائكة المقربون ولا انبياء المرسلون ولا من سواهم من الخلق. فاي شبهة في تسوية النهي عن عبادة عيسى وغيره. وليس تفضيل عيسى عليه السلام. وكونه مقربا عند الله ما يدل على الفرق بينها وبينه في هذا الموضع. وانما هو كما قال تعالى ان هو الا عبد انعمنا عليه بالنبوة والحكمة والعلم والعمل يعرفون به قدرة الله تعالى على ايجاده من دون اب. واما قوله تعالى انكم تعبدون من دون الله حصب جهنم. انتم لها واردون. فالجواب عنها من ثلاثة اوجه. احدها ان قوله انكم وما تعبدون من دون الله ان ما اسم لما لا يعقل. لا يدخل فيه المسيح ونحوه. الثاني ان الخطاب للمشركين الذين بمكة وما حولها وهم انما يعبدون اصناما واوثانا ولا يعبدون المسيح. الثالث ان الله قال بعد هذه الاية ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون. فلا شك ان عيسى وغيره من الانبياء والاولياء داخلون في هذه الاية. ثم قال تعالى اي لجعلنا بدلكم ملائكة يخلفونكم في الارض ويكونون في الارض حتى نرسل اليهم ملائكة من جنسهم. واما انتم يا معشر البشر فلا تطيقون ان ترسل اليكم الملائكة فمن رحمة الله بكم ان ارسل اليكم رسلا من جنسكم تتمكنون من الاخذ عنهم ترن بها واتبعوني هذا صراط مستقيم. وانه لعلم للساعة اي وان عيسى عليه السلام لدليل على الساعة وانا القادر على ايجاده من ام بلا اب قادر على بعث الموتى من قبورهم او وان عيسى عليه السلام سينزل في اخر الزمان ويكون نزوله علامة من علامات الساعة. فلا تمترن بها اي لا تشكن في قيام الساعة. فان الشك فيها كفر واتبعوني بامتثال ما امرتكم واجتناب ما نهيتكم. هذا صراط مستقيم. موصل الى الله عز وجل. ولا ولا يصدنكم الشيطان عن ما امركم الله به فان الشيطان لكم عدو حريص على اغوائكم باذل جهده في ذلك فاتقوا الله واطيعوه. ولما جاء عيسى بالبينات الدالة على صدق نبوته وصحة ما جاءهم به. من احياء الموتى وابراء الاكمه والابرص. ونحو ذلك من الايات قال لبني اسرائيل قد جئتكم بالحكمة النبوة والعلم بما ينبغي على الوجه الذي ينبغي اي ابين لكم صوابه وجوابه. فيزول عنكم بذلك اللبس. فجاء عليه السلام مكملا ومتمما لشريعة موسى عليه السلام ولاحكام التوراة واتى ببعض التسهيلات الموجبة للانقياد له وقبول ما جاءهم به. فاتقوا الله واطيعوه اي اعبدوا الله وحده لا شريك له. وامتثلوا امره. واجتنبوا نهيه. وامنوا بي وصدقوني واطيعون ان الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم. ففيه الاقرار بتوحيد الربوبية بان الله هو المربي جميع خلقه بانواع النعم الظاهرة والباطنة. والاقرار بتوحيد العبودية بالامر بعبادة الله وحده لا شريك له. واخبار عيسى عليه السلام انه عبد من عباد الله ليس كما قال فيه النصارى. انه ابن الله او ثالث ثلاثة. والاخبار بان هذا المذكور صراط مستقيم. موصل الى الله والى جنته. فلما جاءهم عيسى عليه السلام بهذا فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم اختلف الاحزاب المتحزبون على التكذيب من بينهم كل قال بعيسى عليه السلام مقالة باطلة. ورد ما جاء به الا من هدى الله من المؤمنين. الذين شهدوا له بالرسالة يقول تعالى ما ينتظر المكذبون؟ وهل يتوقعون اي فاذا جاءت فلا تسأل عن احوال من كذب بها استهزأ بمن جاء بها. يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين وان الاخلاء يومئذ اي يوم القيامة المتخالين على الكفر والتكذيب ومعصية الله. بعضهم لبعض عدو. لان ومحبتهم في الدنيا لغير الله. فانقلبت يوم القيامة عداوة. الا المتقين للشرك والمعاصي. فان محبتهم تدوم وتتصل بدوام من كانت المحبة لاجله. ثم ذكر ثواب المتقين. وان الله تعالى يناديهم يوم القيامة بما يسر قلوبهم ويذهب عنهم كل افة وشر فيقول يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا اي لا خوف يلحقكم فيما تستقبلونه من الامور ولا حزن يصيبكم فيما مضى منها. واذا انتفى المكروه من كل وجه ثبت المحبوب المطلوب امنوا باياتنا وكانوا اي وصفهم الايمان بايات الله وذلك يشمل التصديق بها وبما لا يتم التصديق الا به من العلم بمعناها والعمل بمقتضاها. وكانوا مسلمين لله منقادين له في جميع احوالهم. فجمعوا بين الاتصال صافي بعمل الظاهر والباطن. ادخلوا الجنة التي هي دار القرار انتم وازواجكم اي من كان على مثل عملكم من كل مقارن لكم من زوجة وولد وصاحب وغيره ان تحظرون اي تنعمون وتكرمون. ويأتيكم من فضل ربكم من الخيرات والسرور والافراح واللذات. ما لا تعبر الالسن عن وصفك يطاف عليهم اي تدور عليهم خدامهم من الولدان المخلدة بطعامهم باحسن الاواني وافخرها. وهي صحاف الذهب وشرابهم بالطف الاواني. وهي الاكواب التي لا عرى لها وهي من اصفى الاواني من فضة اعظم من صفاء القوارير وفيها اي الجنة ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. وهذا جامع يأتي على كل نعيم وفرح وقرة عين وسرور قلب. فكل ما اشتهته النفوس من مطاعم ومشارب وملابس ومناكح ولذته العيون من مناظر حسنة واشجار محدقة ونعم مونقة ومبان مزخرفة. فانه حاصل فيها معد لاهلها على اكمل الوجوه وافضلها. كما قال تعالى لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون فيها خالدون. وهذا هو تمام نعيم اهل الجنة. وهو الخلد الدائم فيها. الذي يتضمن دوام نعيمها وزيادته وعدم انقطاعه. وتلك الجنة الموصوفة باكمل الصفات هي التي اورثتموها بما كنتم تعملون. اي اورثكم الله اياها باعمالكم وجعلها من فضله جزاء لها واودع فيها من رحمته ما اودع. لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكل لكم فيها فاكهة كثيرة. كما في الاية الاخرى فيهما من كل فاكهة زوجان. منها تأكلون اي مما تتخيرون من تلك الفواكه الشهية والثمار اللذيذة تأكلون. ولما ذكر نعيم الجنة عقبه بذكر عذاب جهنم فقال ان المجرمين الذين اجرموا بكفرهم وتكذيبهم بهم في عذاب جهنم اي منغمرون فيه. محيط بهم العذاب من كل جانب. خالدون فيه. لا يخرجون منه ابدا. لا ايفتر عنهم وهم فيه مغلسون. ولا يفتر عنهم العذاب ساعة بازالته ولا بتهوين عذابه اي ايسون من كل خير. خير راجين للفرج. وذلك انهم ينادون ربهم فيقولون ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون. قال اخسئوا فيها ولا تكلمون. وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين وهذا العذاب العظيم بما قدمت ايديهم وبما ظلموا به انفسهم. والله لم يظلمهم ولم يعاقبهم بلا ذنب ولا جرم قال في النار لعلهم يحصل لهم استراحة. يا ما لك ليقضي علينا ربك. اي ليمتنا فنستريح. فاننا في غم شديد وعذاب غليظ لا صبر لنا عليه ولا جلد. فقال لهم ما لك خازن النار. حين طلبوا منه ان يدعو الله لهم ان يقضي عليهم اي مقيمون فيها. لا تخرجون عنها ابدا. فلم يحصل لهم ما قصدوه. بل اجابهم بنقيض قصدهم وزادهم غما الى غمهم ثم وبخهم بما فعلوا فقال لقد جئناكم بالحق ولكن اكثركم لقد جئناكم بالحق الذي يوجب عليكم ان تتبعوه فلو تبعتموه لفزتم وسعدتم فلذلك شقيتم شقاوة لا سعادة بعدها مبرمون. يقول تعالى ام ابرم المكذبون بالحق المعاندون له امرا. اي كادوا كيدا ومكروا للحق ولمن جاء بالحق ليدحضوه بما موهوا من الباطل المزخرف المزوق. اي محكمون امرا ومدبرون يعلو تدبيرهم وينقضه ويبطله. وهو ما قيده الله من الاسباب والادلة لاحقاق الحق وابطال الباطل. كما قال تعالى نقذف بالحق على الباطل فيدمغه كلنا لديهم يكتبون. ام يحسبون بجهلهم وظلمهم انا لا نسمع سرهم الذي لم يتكلموا به. بل هو سر في قلوبهم ونجواهم اي كلامهم الخفي. الذي يتناجون به اي فلذلك اقدموا على المعاصي. وظنوا انها لا تبعة لها لذلك الولد لانه جزء من والده. وانا اولى الخلق انقيادا للامور المحبوبة لله. ولكني اول المنكرين لذلك واشد له نفيا فعلم بذلك بطلانه. فهذا احتجاج عظيم عند من عرف احوال الرسل. وانه اذا علم انهم اكملوا الخلق وان كل خير فهم اول الناس سبقا اليه وتكميلا له. وكل شر فهم اول الناس تركا له وانكارا له وبعدا منه. فلو كان على هذا للرحمن ولد وهو الحق لكان محمد بن عبدالله افضل الرسل اول من عبده ولم يسبقه اليه المشركون. ويحتمل ان معنى الاية لو كان للرحمن ولد فانا اول العابدين لله. ومن عبادتي لله اثبات ما اثبته. ونفي ما نفاه. فهذا من العبادة القولية الاعتقادية ويلزم من هذا لو كان حقا لكنت اول مثبت له فعلم بذلك بطلان دعوى المشركين وفسادها عقلا ونقلا انا رب السماوات والارض رب العرش عما يصفون. من الشريك والظهير والعوين والولد وغير ذلك مما نسبه اليه المشركون. فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي فذرهم يخوضوا ويلعبوا ان يخوضوا بالباطل ويلعبوا بالمحال فعلومهم ضارة غير نافعة وهي الخوض والبحث بالعلوم التي يعارضون بها الحق وما جاءت به الرسل واعمالهم لعب وسفاهة لا تزكي النفوس ولا تثمر المعارف. ولهذا توعدهم لما امامهم من يوم القيامة فقال سيعلمون فيه ماذا حصلوا وما حصلوا عليه من الشقاء الدائم والعذاب المستمر وهو الحكيم العليم. يخبر تعالى انه وحده المألوف المعبود في السماوات والارض. فاهل السماوات كلهم والمؤمنون من اهل الارض. يعبدونه ويعظمونه ويخضعون لجلاله. ويفتقرون كماله تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن. وان من شيء الا يسبح بحمده. ولله يسجد من في السماوات والارض طوعا وكرها فهو تعالى المعبود المألوه الذي يألهه الخلائق كلهم طائعين مختارين وكارهين وهذه كقوله تعالى وهو الله في السماوات وفي الارض. اي الوهيته ومحبته فيهما. واما هو فهو فوق عرشه. بائن من خلقه. متوحد بجلاله متمجد بكماله. وهو الحكيم الذي احكم ما خلقه. واتقن ما شرعه. فما خلق شيئا الا لحكمة. ولا شرع شيئا الا لحكمة وحكمه القدري والشرعي والجزائي مشتمل على الحكمة. العليم بكل شيء يعلم السر واخفى. ولا يعزب عنه مثقال ذرة في العالم العلوي والسفلي ولا اصغر منها ولا اكبر. وتبارك الذي لهم ملك السماوات والارض وما بينهما وعنده علم الساعة واليه ترجعون. وتبارك الذي له ملك السماوات والارض وما بينهم تبارك بمعنى تعالى وتعاظم وكثر خيره واتسعت صفاته وعظم ملكه. ولهذا ذكر سعة ملكه للسموات والارض وما بينهم وسعة علمه وانه بكل شيء عليم. حتى انه تعالى انفرد بعلم كثير من الغيوب التي لم يطلع عليها احد من الخلق لا نبي مرسل ولا ملك مقرب. ولهذا قال وعنده علم الساعة. قدم الظرف ليفيد الحصر. اي لا يعلم متى تجيء والساعة الا هو ومن تمام ملكه وسعته انه مالك الدنيا والاخرة. ولهذا قال واليه ترجعون. اي في الاخرة في حكم بينكم بحكمه العدل. ومن تمام ملكه انه لا يملك احد من خلقه من الامر شيئا. ولا يقدم على الشفاعة عنده احد احد الا باذنه ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة. اي كل من دعي من دون الله من الانبياء والملائكة وغيرهم لا يملكون الشفاعة ولا يشفعون الا باذن الله ولا يشفعون الا لمن ارتضى. ولهذا قال الا من شهد بالحق اين بلسانه مقرا بقلبه عالما بما شهد به. ويشترط ان تكون شهادته بالحق. وهو الشهادة لله تعالى بالوحدانية لرسله بالنبوة والرسالة وصحة ما جاءوا به من اصول الدين وفروعه وحقائقه وشرائعه. فهؤلاء الذين تنفع فيهم شفاعة الشافعين وهؤلاء الناجون من عذاب الله الحائزون لثوابه. ثم قال تعالى ولئن سألتهم من خلقهم ليكونن الله فانى يؤفكون. ليقولن الله ايها سألت المشركين عن توحيد الربوبية ومن هو الخالق لاقروا انه الله وحده لا شريك له كيف يصرفون عن عبادة الله والاخلاص له وحده؟ فاقرارهم بتوحيد الربوبية يلزمهم به الاقرار بتوحيد الالوهية هي وهو من اكبر الادلة على بطلان الشرك لا يؤمنون. هذا معطوف على قوله. وعنده علم الساعة. اي وعنده علم قيله. اي الرسول صلى الله عليه وسلم شاكيا لربه تكذيب قومه متحزنا على ذلك. متحسرا على عدم ايمانهم. فالله تعالى عالم بهذه الحال قادر على عجلتهم بالعقوبة ولكنه تعالى حليم يمهل العباد ويستأني بهم لعلهم يتوبون ويرجعون. ولهذا قال وقل سلام فسوف يعلم اصفح عنهم وقل سلام. اي اصفح عنهم ما يأتيك من اذيتهم القولية والفعلية. واعف عنهم ولا منك الا السلام الذي يقابل به اولو الالباب والبصائر الجاهلين. كما قال تعالى عن عباده الصالحين. واذا خاطبهم الجاهلون اي خطابا بمقتضى جهلهم قالوا سلاما. فامتثل صلى الله عليه وسلم لامر ربه. وتلقى ما يصدر اليه من قومه وغيره من الاذى بالعفو والصفح. ولم يقابلهم عليه الا بالاحسان اليهم. والخطاب الجميل. فالصلوات الله وسلامه على من خصه الله بالخلق العظيم الذي فضل به اهل الارض والسماء. وارتفع به اعلى من كواكب الجوزاء. وقوله اي غب ذنوبهم وعاقبة جرمهم بسم الله الرحمن الرحيم. والكتاب المبين انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين. هذا قسم بالقرآن على القرآن بالكتاب المبين لكل ما يحتاج الى بيانه انه انزله في ليلة مباركة. اي كثيرة الخير والبركة وهي ليلة القدر التي هي خير من الف شهر. فانزل افضل الكلام بافضل الليالي والايام. على افضل الانام بلغة العرب الكرام. لينذر به ومن عمتهم الجهالة وغلبت عليهم الشقاوة فيستضيئوا بنوره. ويقتبسوا من هداه. ويسيروا وراءه فيحصل له الخير الدنيوي والخير الاخروي. ولهذا قال فيها اي في تلك الليلة الفاضلة التي نزل فيها القرآن يفرق كل امر حكيم. اي يفصل ويميز ويكتب كل امر قدري وشرعي حكم الله به. وهذه الكتابة والفرقان الذي يكون في ليلة القدر احد الكتابات التي تكتب وتميز فتطابق الكتاب الاول الذي كتب الله به مقادير الخلائق واجالهم وارزاقهم واعمالهم واحوالهم. ثم ان الله قال قد وكل ملائكة تكتب ما سيجري على العبد وهو في بطن امه. ثم وكلهم بعد وجوده الى الدنيا وكل به كراما كاتبين يكتبون ويحفظون عليه اعماله. ثم انه تعالى يقدر في ليلة القدر ما يكون في السنة. وكل هذا من تمام علمه وكمال حكمته واتقان حفظه واعتنائه تعالى بخلقه. اما من عندنا اي هذا الامر الحكيم امر صادر من عندنا انا كنا مرسلين للرسل ومنزلين للكتب والرسل تبلغ اوامر المرسل وتخبر باقداره رحمة من ربك انه هو السميع العليم. رحمة من ربك اي ان ارسال الرسل وانزال الكتب التي افضلها القرآن رحمة من رب العباد بالعباد. فما رحم الله عباده برحمة اجل من هدايتهم بالكتب والرسل وكل خير ينالونه في الدنيا والاخرة. فانه من اجل ذلك وسببه ان يسمع جميع الاصوات ويعلم جميع الامور الظاهرة والباطنة. وقد علم تعالى ضرورة العباد الى رسله وكتبه فرحمهم بذلك ومن عليهم فله تعالى الحمد والمنة والاحسان رب السماوات والارض وما بينهما اي خالق ذلك ومدبره والمتصرف فيه بما يشاء اي عالمين بذلك علما مفيدا لليقين. فاعلموا ان الرب للمخلوقات هو اله اي رب الاولين والاخرين. مربيهم بالنعم الدافع عنهم النقم. فلما قرر تعالى ربوبيته هو الوهيته بما يوجب العلم التام ويدفع الشك. اخبر ان الكافرين مع هذا البيان اي منغمرون في الشكوك والشبهات غافلون عن ما خلقوا له. قد اشتغلوا باللعب الباطل الذي لا يجدي عليهم الا الضرر فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب اليم ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون. فارتقب اينتظر فيهم العذاب فانه قد قرب ان اوانه يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس ان يعمهم ذلك الدخان ويقال لهم واختلف المفسرون في المراد بهذا الدخان فقيل انه الدخان الذي يغشى الناس ويعمهم حين تقرب النار من المجرمين في يوم القيامة وان الله توعدهم بعذاب يوم القيامة. وامر نبيهم ان ينتظر بهم ذلك اليوم. ويؤيد هذا المعنى ان هذه الطريق هي طريقة القرآن في توعد الكفار والتأني بهم. وترهيبهم بذلك اليوم وعذابه. وتسلية الرسول والمؤمنين بالانتظار بمن هذا هم ويؤيده ايضا انه قال في هذه الاية وهذا يقال يوم القيامة للكفار. حين يطلبون الرجوع الى الدنيا. فيقال قد ذهب وقت الرجوع وقيل ان المراد بذلك ما اصاب كفار قريش حين امتنعوا من الايمان واستكبروا على الحق. فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اعني عليهم بسنينك سني يوسف فارسل الله عليهم الجوع العظيم حتى اكلوا الميتات والعظام وصاروا ويرون الذي بين السماء والارض كهيئة الدخان وليس به وذلك من شدة الجوع. فيكون على هذا قوله يوم تأتي الماء بدخان ان ذلك بالنسبة الى ابصارهم وما يشاهدون وليس بدخان حقيقة ولم يزالوا بهذه الحالة حتى استرحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه ان يدعو الله لهم ان يكشفه الله عنهم. فدعا ربه فكشفه الله عنهم. وعلى هذا قوله اخبار بان الله وسيصرفه عنكم وتوعد لهم ان يعودوا الى الاستكبار والتكذيب واخبار بوقوعه فوقع وان الله سيعاقبهم بالبطشة الكبرى قالوا وهي وقعة بدر وفي هذا القول نظر ظاهر. وقيل ان المراد بذلك ان ذلك من اشراط الساعة. وانه يكون في اخر الزمان دخان يأخذ بانفاس الناس ويصيب المؤمنين منهم كهيئة الدخان والقول هو الاول وفي الاية احتمال ان المراد بقوله ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون. انا لهم الذكرى وقد جاء ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ان هذا كله يكون يوم القيامة. وان قوله تعالى ان هذا ما وقع لقريش كما تقدم. واذا نزلت هذه الايات على هذين المعنيين لم تجد في اللفظ ما يمنع من ذلك. بل تجد مطابقة لهما اتم المطابقة. وهذا الذي يظهر عندي ويترجح. والله اعلم فرعون وجاءهم رسول ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون. لما ذكر تعالى تكذيب من كذب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم. ذكر ان لهم سلفا من المكذبين. فذكر قصتهم مع موسى وما احل الله بهم ليرتدع هؤلاء المكذبون عما هم عليه؟ فقال ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون اي ابتليناهم واختبرناهم بارسال رسولنا موسى ابن عمران اليهم الرسول الكريم الذي فيه من الكرم ومكارم الاخلاق ما ليس في غيره اي قال لفرعون وملأه ادوا الي عباد الله يعني بهم بني اسرائيل اي ارسلوهم واطلقوا من عذابكم وصومكم اياهم سوء العذاب. فانهم عشيرتي وافضل العالمين في زمانهم. وانتم قد ظلمتموهم واستعبدتم بغير حق فارسلوهم ليعبدوا ربهم اني لكم رسول امين. اي رسول من رب العالمين امين على ما ارسلني به لا اكتمكم منه شيئا ولا ازيد فيه ولا انقص. وهذا يوجب تمام الانقياد له والا تعلوا على الله بالاستكبار عن عبادته والعلو على عباد الله. اي بحجة بينة ظاهرة وهو ما اتى به من من المعجزات الباهرات والادلة القاهرات. فكذبوه وهموا بقتله. فلجأ بالله من شرهم. فقال واني عدت اي تقتلوني اشر القتلات بالرجم بالحجارة اي لكم ثلاث مراتب. الايمان بي هو مقصودي منكم. فان لم تحصل منكم هذه المرتبة. فاعتزلوني لا علي ولا لي فاكفوني شركم. فلم تحصل منهم المرتبة الاولى ولا الثانية. بل لم يزالوا متمردين عاتين على الله. محاربين فيه موسى عليه السلام غير ممكنين له من قومه بني اسرائيل. فدعا ربه ان هؤلاء قوم مجرمون اي قد اجرموا جرما يوجب تعجيل العقوبة. فاخبر عليه السلام بحالهم وهذا دعاء بالحال هنا واترك البحر رهوا انهم جند مغرقون واترك البحر رهوا اي بحاله. وذلك انه لما سرى موسى ببني اسرائيل كما امره الله ثم تبعهم فرعون. فامر الله موسى ان يضرب البحر فضربه. فصار اثني عشر طريقا وصار الماء من بين تلك الطرق كالجبال العظيمة فسلكه موسى وقومه. فلما خرجوا منه امره الله ان يتركه رهوا اي بحاله ليسلكه فرعون وجنوده. فلما تكامل قوم موسى خارجين منه وقوم فرعون داخلين فيه امره الله تعالى ان يلتطم عليهم فغرقوا عن اخرهم. وتركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا واورثه الله بني اسرائيل الذين كانوا مستعبدين لهم. ولهذا قال عيون وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك كذلك واورثناها اي هذه النعمة المذكورة قوما اخرين. وفي الاخرى كذلك واورثناها بني اسرائيل اي لما اتلفهم الله واهلكهم لم تبك عليهم السماء والارض اي لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والارض. لانهم ما خلفوا من اثارهم الا ما يسود وجوههم. ويوجب عليهم اللعن والمقت من العالمين. اي ممهلين عن العقوبة بل اصطلمتهم في الحال. ثم امتنت تعالى على بني اسرائيل فقال ولقد نجينا بني اسرائيل من العذاب المهين من العذاب المهين الذي كانوا فيه من فرعون انه كان عاليا من المسرفين من فرعون اذ يذبح ابناءه امنين من انقطاع ذلك وامنين من مضرته وامنين من كل مكدر وامنين من الخروج منها والموت. ولهذا قال ووقاهم عذاب الجحيم. اي ليس فيها موت بالكلية ولو كان فيها موت يستثنى. لم يستثني الموت ويستحيي نساءهم مستكبرا في الارض بغير الحق من المسرفين المتجاوزين لحدود الله المتجرئين على محارمه ولقد اخترناهم اي اصطفيناهم وانتقيناهم. على علم منا بهم وباستحقاقهم لذلك الفضل على العالمين. اي عالم زمانهم ومن قبلهم وبعدهم. حتى اتى الله بامة محمد صلى الله عليه وسلم. ففضل العالمين كلهم وجعلهم الله خير امة اخرجت للناس. وامتن عليهم بما لم يمتن به على غيرهم الايات ما فيه بلاء مبين. واتيناهم اي بني اسرائيل من الايات الباهرة والمعجزات الظاهرة اي احسان كثير ظاهر منا بهم وحجة عليهم على صحة ما جاءهم به نبيهم موسى عليه السلام يخبر تعالى ان هؤلاء المكذبين يقولون مستبعدين للبعث والنشور اي ما هي الا الحياة الدنيا فلا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار ثم قالوا متجرئين على ربهم معجزين له فاتوا وهذا من اقتراح الجهلة المعاندين في مكان سحيق. فاي ملازمة بين صدق الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وانه على الاتيان بابائهم. فان الايات قد قامت على صدق ما جاءهم به. وتواترت تواترا عظيما من كل وجه. قال تعالى اهم خير ام قوم تبع والذين من قبلهم اهلكناهم انهم كانوا مجرمين اهم خير اي هؤلاء المخاطبون انهم كانوا مجرمين فانهم ليسوا خيرا منهم وقد اشتركوا في الاجرام فليتوقعوا من ذاك ما اصاب اخوانهم المجرمين يخبر تعالى عن كمال قدرته وتمام حكمته وانه وما خلق السماوات والارض لعبا ولا لهوا او سدى من غير فائدة. وانه ما خلقهما الا بالحق. اي نفس خلقهما بالحق مشتمل على الحق. وانه اوجدهما ليعبدوه وحده لا شريك له. وليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم ولكن اكثرهم لا يعلمون. فلذلك لم يتفكروا في خلق السماوات والارض ان يوم الفصل وهو يوم القيامة الذي يفصل الله به بين الاولين والاخرين وبين كل مختلفين ميقاتهم اي الخلائق اجمعين. كلهم سيجمعهم الله فيه ويحضرهم ويحضر اعمالهم. ويكون الجزاء عليها ولا ينفع عن مولى شيئا لا قريب عن قريبه ولا صديق عن صديقه. اي يمنعون من عذاب الله الله عز وجل لان احدا من الخلق لا يملك من الامر شيئا فانه هو الذي ينتفع ويرتفع برحمة الله تعالى التي سبب اليها وسعى لها سعيها في الدنيا. ثم قال تعالى لما ذكر يوم القيامة وانه يفصل بين عباده فيه ذكر افتراقهم الى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير وهم الاثمون بعمل الكفر والمعاصي. وان طعامهم شجرة الزقوم شر الاشجار وافظعها. وان طعامها كالمهل اي كالصديد المنتن خبيث الريح والطعم شديد الحرارة يغلي في ويقال للمعذب ذق هذا العذاب الاليم والعقاب الوخيم. اي بزعمك انك عزيز ستمتنع من عذاب الله وانك كريم على الله لا يصيبك بعذاب. فاليوم تبين لك انك انت الذليل المهان الخسيس ولكن اكثر الناس لا يعلمون والا فلو وصل العلم باليوم الاخر الى قلوبهم لعملوا له اعمالا وتهيأوا له السماوات والارض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون. يخبر تعالى عن سعة ان هذا ما كنتم به تمترون. ان هذا العذاب العظيم ما كنتم به تمترون اي تشكون فالانصار عندكم حق اليقين يلبسون من سندس واستبرق هذا جزاء المتقين لله الذين اتقوا سخطه وعذابه بتركهم المعاصي وفعلهم الطاعات فلما انتفى السخط عنهم والعذاب ثبت لهم الرضا من الله. والثواب العظيم في ظلال ظليل من كثرة الاشجار والفواكه عيون سارحة تجري من تحتهم الانهار. يفجرونها تفجيرا في جنات النعيم. فاضاف الجنات الى النعيم. لان كلما اشتملت عليه كله نعيم وسرور. كامل من كل وجه. ما فيه منغص ولا مكدر بوجه من الوجوه. ولباسهم من الحرير الاخضر من والاستبرق اي غليظ الحرير ورقيقه مما تشتهيه انفسهم متقابلين متقابلين في قلوب بهم ووجوههم في كمال الراحة والطمأنينة والمحبة والعشرة الحسنة والاداب المستحسنة كذلك النعيم التام والسرور الكامل اي نساء جميلات من جمالهن وحسنهن انه يحار الطرف في حسنهن. وينبهر العقل بمالهن وينخلب اللب لكمالهن. عين اي ضخام الاعين حسانها فاكهة امنين. يدعون فيها اي الجنة بكل فاكهة مما له اسم في الدنيا ومما لا يوجد له اسم ولا نظير في الدنيا. فمهما طلبوه من انواع الفاكهة واجناسها احضر لهم في الحال من غير تعب ولا كل الاولى التي هي الموتة في الدنيا. فتم لهم كل محبوب مطلوب. ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم. فضلا من ربك اي حصون النعيم واندفاع العذاب عنهم. من فضل الله عليهم وكرمه. فانه تعالى هو الذي وفقهم للاعمال الصالحة. التي بها نالوا خير الاخرة واعطاهم ايضا ما لم تبلغه اعمالهم واي فوز اعظم من نيل رضوان الله وجنته. والسلامة من عذابه وسخطه فان ما يسرناه اي القرآن بلسانك اي سهلناه بلسانك الذي هو افصح الالسنة على الاطلاق واجلها. فتيسر به لفظه وتيسر معناه لعلهم يتذكرون ما فيه نفعهم فيفعلونه. وما فيه ضررهم فيتركونه فارتقب. اي انتظر ما وعدك ربك من الخير والنصر انهم مرتقبون ما يحل بهم من العذاب. وفرق بين الارتقابين. رسول الله واتباعه يرتقبون الخير في الدنيا والاخرة وضدهم يرتقبون الشر في الدنيا والاخرة بسم الله الرحمن الرحيم. تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم يخبر تعالى خبرا يتضمن الامر بتعظيم القرآن والاعتناء به انه تنزيل من الله المألوه المعبود. لما اتصف به من صفات الكمال وانفرد به من النعم. الذي له العزة الكاملة والحكمة التامة ايات لقوم يوقنون. واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياء تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق حديث بعد الله واياته يؤمنون. ثم ايد ذلك بما ذكره من الايات الافقية والنفسية من خلق السماوات والارض وما بث فيهما من الدواب وما اودع فيهما من المنافع وما انزل الله من الماء الذي يحيي به الله البلاد والعباد العباد فهذه كلها ايات بينات وادلة واضحات على صدق هذا القرآن العظيم وصحة ما اشتمل عليه من الحكم والاحكام ودالات ايضا على مال الله تعالى من الكمال وعلى البعث والنشور او ايات الله تتلى عليه كأن لم يسمعها. فبشره بعذاب واذا علم من اياتنا شيئا اتخذها هزوا اولئك لهم عذاب ثم قسم تعالى الناس بالنسبة للانتفاع باياته وعدمه الى قسمين. قسم يستدلون بها ويتفكرون بها وينتفعون فيرتفعون. وهم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. ايمانا تاما من وصل بهم الى درجة اليقين فزكى منهم العقول وازدادت به معارفهم والبابهم وعلومهم. وقسم يسمع ايات الله في سماع تقوم به الحجة عليهم. ثم يعرض عنها ويستكبر كانه ما سمعها. لانها لم تزكي قلبه ولا طهرته. بل سبب استكباره عنها ازداد طغيانه. وانه اذا علم من ايات الله شيئا اتخذها هزوا. فتوعده الله تعالى بالويل فقال ويل لكل افاك اثيم. اي كذاب في مقاله. اثيم في فعاله. واخبر ان له عذابا اليما ان من وراءهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا منا ولهم عذاب من ورائهم جهنم تكفي في عقوبتهم بليغة وانه لا يغني عنهم ما كسبوا من الاموال. ولا ما اتخذوا من دون الله اولياء يستنصرون بهم. فخذلوهم احوج ما كانوا اليهم لو نفعوا فلما بين اياته القرآنية والعيانية وان الناس فيها على قسمين اخبر ان القرآن المشتمل على هذه في المطالب العالية انه هدى فقال وهذا وصف عام لجميع القرآن فانه يهدي الى معرفة الله تعالى بصفاته المقدسة وافعاله الحميدة ويهدي الى معرفة رسله واوليائه. واعدائه واوصافهم. ويهدي الى الاعمال الصالحة ويدعو اليه ويبين الاعمال السيئة وينهى عنها. ويهدي الى بيان الجزاء على الاعمال. ويبين الجزاء الدنيوي والاخروي. فالمهتدون اهتدوا به فافلحوا وسعدوا. والذين كفروا بايات ربهم لهم عذاب من رجز اليم والذين كفروا بايات ربهم الواضحة القاطعة التي لا يكفر بها الا من اشتد ظلمه وتضاعفت طغيانه من رجز اليم. الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بامره ولت ولعلكم تشكرون. يخبر تعالى بفضله على عباده واحسانه اليهم. بتسخير في البحر لسير المراكب والسفن بامره وتيسيره. لتبتغوا من فضله بانواع التجارات والمكاسب ولعلكم تشكرون الله تعالى فانكم اذا شكرتموه زادكم من نعمه واثابكم على شكركم اجرا جزيلا. اي من فضله وهذا شامل لاجرام السماوات والارض. ولما اودع الله فيهما من الشمس والقمر والكواكب والثوابت والسيارات. وانواع حيوانات واصناف الاشجار والثمرات. واجناس المعادن وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني ادم. ومصالح ما هو من ضروراته فهذا يوجب عليهم ان يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته. وان تتغلغل افكارهم في تدبر اياته وحكمه. ولهذا قال ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون. وجملة ذلك ان خلقها وتدبيرها وتسخيرها دال على نفوذ مشيئة الله. وكمال قدرته. وما فيها من الاحكام والاتقان وبديع الصنعة. وحسن الخلقة. دال على كمال حكمته وعلمه وما فيها من السعة والعظمة والكثرة. دال على سعة ملكه وسلطانه. وما فيها من التخصيصات والاشياء المتضادات. دليل على انه الفعال لما يريد. وما فيها من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية. دليل على سعة رحمته وشمول فضله واحسانه وبديع لطفه وبره. وكل ذلك دال على انه وحده المألوه المعبود. الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة الاله. وان له صادقون فيما جاءوا به. فهذه ادلة عقلية واضحة. لا تقبل ريبا ولا شك للذين لا يرجون ايام الله يغفر للذين لا يرجون ايام الله ليجزي يأمر تعالى عباده المؤمنين بحسن الخلق. والصبر على اذية المشركين به الذي لا يرجون ايام الله اي لا يرجون ثوابه ولا يخافون وقائعه في العاصين. فانه تعالى سيجزي كل قوم بما كانوا يكسبون فانتم يا معشر المؤمنين يجزيكم على ايمانكم وصفحكم وصبركم ثوابا جزيلا. وهم ان استمروا على تكذيبهم فلا يحل بكم ما حل به من العذاب الشديد والخزي. ولهذا قال من عمل صالحا فلنفسه ثم قال قال تعالى ولقد اتينا بني اسرائيل اي ولقد انعمنا على بني اسرائيل نعما لم تحصل لغيرهم من الناس. واتينهم الكتاب اي التوراة والانجيل والحكم بين الناس والنبوة التي امتازوا بها. وصارت النبوة في ذرية ابراهيم عليه السلام. اكثرهم من بني اسرائيل ورزقناهم من الطيبات من المآثر والمشارب والملابس وانزال المن والسلوى عليهم. اي على الخلق بهذه النعم نخرج من هذا العموم اللفظي هذه الامة فانهم خير امة اخرجت للناس. والسياق يدل على ان المراد غير هذه الامة. فان الله يقص وعلينا ما امتن به على بني اسرائيل وميزهم عن غيرهم. وايضا فان الفضائل التي فاق بها بنو اسرائيل من الكتاب والحكم والنبوة وغيرها من النعوت قد حصلت كلها لهذه الامة. وزادت عليهم هذه الامة فضائل كثيرة. فهذه الشريعة شريعة بني اسرائيل قيل جزء منها فان هذا الكتاب مهيمن على سائر الكتب السابقة ومحمد صلى الله عليه وسلم مصدق لجميع المرسلين اتيناهم بينات من الامر فما اختلفوا الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا واتيناهم اي اتينا بني اسرائيل بينات اي دلالات تبين الحق من الباطل. من الامر القدري الذي اوصله الله اليهم وتلك الايات هي المعجزات التي رأوها على يد موسى عليه السلام. فهذه النعم التي انعم الله بها على بني اسرائيل. تقتضي الحال ان يقوموا على اكمل الوجوه. وان يجتمعوا على الحق الذي بينه الله لهم. ولكن انعكس الامر. فعاملوها بعكس ما يجب. وافترقوا فيما بالاجتماع به. ولهذا قال انهم اي الموجب لعدم الاختلاف. وانما حملهم على الاختلاف البغي من بعضهم على بعض والظلم انهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. فيميز المحق من المبطل والذي حمله على الاختلاف الهوى او غيره الذين لا يعلمون. اي ثم شرعنا لك شريعة كاملة تدعو الى كل خير وتنهى عن كل شر من امرنا الشرعي فاتبعها فان في اتباعها السعادة الابدية والصلاح والفلاح آآ الذين لا يعلمون. اي الذين تكون اهويتهم غير تابعة للعلم. ولا ماشية خلفه. وهم كل من خالف الرسول صلى الله عليه وسلم هواه وارادته. فانه من اهواء الذين لا يعلمون من الله شيئا وان الظالمين بعضهم اولياء بعض والله ولي المتقين. انهم لن يغنوا عنك من الله شيئا. اي لا ينفعونك عند الله فيحصل لك الخير. ويدفع عنك الشر ان اتبعتهم على اهوائهم ولا تصلح ان توافقهم وتواليهم فانك واياهم متباينون. وبعضهم ولي لبعض ولي المتقين. يخرجهم من الظلمات الى النور بسبب تقواهم وعملهم بطاعته اي هذا القرآن الكريم والذكر الحكيم بصائر الناس يحصل به التبصرة في جميع الامور للناس. فيحصل به الانتفاع للمؤمنين والهدى والرحمة فيهتدون به الى الصراط المستقيم في اصول الدين وفروعه. ويحصل به الخير والسرور. والسعادة في الدنيا والاخرة. وهي الرحمة فتزكو به نفوسهم وتزداد به عقولهم. ويزيد به ايمانهم ويقينهم. وتقوم به الحجة على من اصر وعاند ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات ان نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات سواء ما يحكمون. اي ام حسب المسيئون. المكثرون من ذنوب المقصرون في حقوق ربهم ان نجعلهم كالذين امنوا وعملوا ان نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات بان قاموا بحقوق ربهم واجتنبوا مساخطه ولم يزالوا مؤثرين رضاه على هوى اي احسبوا ان يكونوا سواء في الدنيا والاخرة ساء ما ظنوا وحسبوا وساء ما حكموا به. فانه حكم يخالف حكمته محكم الحاكمين وخير العادلين. ويناقض العقول السليمة والفطر المستقيمة. ويضاد ما نزلت به الكتب. واخبرت به الرسل بل الحكم الواقع القطعي ان المؤمنين العاملين الصالحات لهم النصر والفلاح والسعادة والثواب في العاجل والاجل. كل على قدر باحسانه وان المسيئين لهم الغضب والاهانة والعذاب والشقاء في الدنيا والاخرة الارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون اي خلق الله السماوات والارض بالحكمة. وليعبد وحده لا شريك له. ثم يجازي بعد ذلك من امرهم بعبادته. وانعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة. هل شكروا الله تعالى وقاموا بالمأمور؟ ام كفروا؟ فاستحقوا جزاء الكفور وجعل على بصره غشا افلا تذكرون يقول تعالى افرأيت الرجل الضال الذي اتخذ الهه هواه فما هويه سلكه سواء كان يرضي الله او يسخطه واضله الله على علم من الله تعالى انه لا تليق به الهداية ولا يزكو عليها وختم على سمعه فلا يسمع ما ينفعه وقلبه فلا يعي الخير. وجعل على بصره غشاوة فمن اهديهم من بعد الله. وجعل على بصره غشاوة تمنعه من نظر الحق اي لا احد يهديه. وقد سد الله عليه ابواب الهداية وفتح له ابواب الغواية. وما ظلمه الله ولكن هو ظلم نفسه وتسبب لمنع رحمة الله عليه. افلا تذكرون ما ينفعكم فتسلكونه ما يضركم فتجتنبونه؟ وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وقالوا اي منكر البعث حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر. اي ان هي الا عادات وجري على رسوم الليل والنهار يموت اناس ويحيا اناس ومن مات فليس براجع الى الله ولا مجازيه بعمله. وقولهم هذا صادر عن غير فانكروا المعاد وكذبوا الرسل الصادقين من غير دليل دلهم على ذلك ولا بره ان هي الا ظنون واستبعادات خالية عن الحقيقة. ولهذا قال تعالى وهذا جراءة منهم على الله حيث اقترحوا هذا الاقتراح وزعموا ان صدق رسول الله متوقف على الاتيان بابائهم وانهم لو جاؤوهم بكل اية لم يؤمنوا الا ان تبعتهم الرسل على ما قالوا وهم كذبة فيما قالوا وانما قصدهم دفع دعوة الرسل لا بيان الحق. قال تعالى ملكه وانفراده بالتصرف والتدبير في جميع الاوقات. وانه يوم تقوم الساعة ويجمع الخلائق لموقف القيامة. يحصل الخسار على الذين اتوا بالباطل ليدحضوا به الحق. وكانت اعمالهم باطلة لانها متعلقة بالباطل. فبطلت في يوم القيامة اليوم الذي تستبين به الحقائق واضمحلت عنهم وفاتهم الثواب وحصلوا على اليم العقاب. ثم وصف تعالى شدة يوم القيامة وهوله ليحذره العباد ويستعد له العباد فقال كل امة تدعى الى كتابها يوم تجزون ما كنتم تعملون. وترى ايها الرائي لذلك اليوم كل امة جافية على بها خوفا وذعرا وانتظارا لحكم الملك الرحمن. اي الى نبيهم الذي جاءهم من عند الله وهل قاموا به فيحصل لهم الثواب والنجاة؟ ام ضيعوها؟ فيحصل لهم الخسران. فامة موسى يدعون الى شريعة موسى وامة عيسى كذلك وامة محمد كذلك وهكذا غيرهم. كل امة تدعى الى شرعها الذي كله هذا احد الاحتمالات في الاية وهو معنى صحيح في نفسه غير مشكوك فيه ويحتمل ان المراد بقوله كل امة تدعى الى كتابها اي الى كتاب اعمالها. وما سطر عليها من خير وشر. وان كل احد يجازى بما عمله بنفسه. كقوله تعالى من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها ويحتمل ان المعنيين كليهما مراد من الاية. ويدل على هذا قوله اي هذا كتابنا الذي انزلنا عليكم يفصل بينكم بالحق الذي هو العدل نستنسخ ما كنتم تعملون. فهذا كتاب الاعمال لهذا فصل ما يفعل الله بالفريقين فقال يدخلهم ربهم في رحمته. ذلك هو الفوز المبين فاما الذين امنوا وعملوا الصالحات ايمانا صحيحا وصدقوا ايمانهم بالاعمال الصالحة من واجبات ومستحبات التي محلها الجنة وما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم اي المفاز والنجاة والربح. والفلاح الواضح البين الذي اذا حصل للعبد حصل له كل خير واندفع عنه كل شر ثم كنتم قوما مجرمين. واما الذين كفروا بالله فيقال لهم توبيخا وتقريعا. افلم تكن اياتي تتلى عليكم. افلم تكن اياتي تتلى عليكم وقد دلتكم على ما فيه صلاحكم ونهتكم عما فيه ضرركم وهي اكبر نعمة وصلت اليكم لو وفقتم لها ولكن استكبرتم عنها واعرظتم وكفرتم بها فجنيتم اكبر جناية واجرمتم اشد الجرم. فاليوم تجزون ما كنتم تعملون. ويوبخون ايضا بقوله قلتم منكرين لذلك ما ندري ما الساعة ان نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين. فهذه حالهم في الدنيا وحال البعث الانكار له. ورد قول من جاء به قال تعالى اي وظهر لهم يوم القيامة عقوبات اعمالهم. وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون نزل بهم العذاب الذي كانوا في الدنيا يستهزؤون به وبوقوعه وبمن جاء به انسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار اقواكم النار وما لكم من ناصرين. وقيل اليوم ننساكم اي نترككم في العذاب كما نسيتم لقاء يومكم هذا فان الجزاء من جنس العمل ومأواكم النار اي هي مقركم ومصيركم ينصرونكم من عذاب الله ويدفعون عنكم عقابه انكم اتخذتم ايات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا. وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون. ذلك الذي حصل لكم من العذاب بسبب انكم اتخذتم ايات الله هزوا. مع انها موجبة للجد والاجتهاد. وتلقيها بالسرور والاستبشار ايها الفرح. بزخارفها ولذاتها وشهواتها. فاطمأننتم اليها وعملتم لها وتركتم العمل للدار الباقية. اي ولا ولا يردون الى الدنيا ليعملوا صالحا. فلله الحمد رب السماوات ورب الارض فلله الحمد كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه اي له الحمد على ربوبيته لسائر الخلائق حيث خلقهم ورباهم وانعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة اي له الجلال والعظمة والمجد. فالحمد فيه الثناء على الله بالصفات الكمال ومحبته تعالى واكرامه والكبرياء فيها عظمته وجلاله. والعبادة مبنية على ركنين. محبة الله والذل له وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه وهو العزيز القاهر لكل شيء. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. فلا يشرع ما يشرعه الا لحكمة ومصلحة لا يخلق ما يخلقه الا لفائدة ومنفعة