المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ولما بلغ اشده من القوة والعقل واللب. وذلك نحو اربعين سنة في الغالب. واستوى كملت فيه تلك اتيناه حكما وعلما. اي حكما يعرف به الاحكام الشرعية ويحكم به بين الناس وعلما كثيرا وكذلك نجزي المحسنين في عبادة الله. المحسنين لخلق الله. نعطيهم علما وحكما بحسب احسانهم هذا على كمال احسان موسى عليه السلام يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه. ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها. اما وقت القائلة او غير ذلك من الاوقات التي بها يغفلون عن الانتشار. فوجد فيها رجلين يقتتلان اي يتخاصمان ويتضاربان. هذا من شيعته اي من بني اسرائيل وهذا من عدوه القبط موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه. لانه قد اشتهر وعلم الناس انه من بني اسرائيل. واستغاثته لموسى دليل على انه بلغ موسى عليه السلام مبلغا يخاف منه. ويرجى من بيت المملكة والسلطان فوكزه موسى اي وكزا الذي من عدوه استجابة لاستغاثة الاسرائيلي فقضى عليه. اي اماته من تلك الوكزة لشدة وقوة موسى فندم موسى عليه السلام على ما جرى منه مضل مبين. وقال هذا من عمل الشيطان. اي من تزيينه ووسوسته. انه عدو مضل مبين. فلذلك اجريت ما اجريت بسبب عداوته البينة وحرصه على الاضلال انه هو الغفور الرحيم. ثم استغفر ربه فقال ربياني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له انه هو الغفور الرحيم. خصوصا للمخبتين المبادرين للانابة والتوبة. كما جرى من موسى عليه السلام وقال موسى ربي بما انعمت علي بالتوبة والمغفرة والنعم الكثيرة فلن اكون ظهيرا اي معينا ومساعدا للمجرمين. اي لا اعين احدا على معصية. وهذا وعد من موسى عليه السلام. بسبب منة الله عليه الا يعين مجرما كما فعل في قتل القبطي. وهذا يفيد ان النعم تقتضي من العبد فعل الخير وترك الشر فلما جرى منه قتل الذي هو من عدوه. اصبح في المدينة خائفا يترقب هل يشعر به ال فرعون ام لا؟ وانما خاف لانه قد علم انه لا يتجرأ احد على مثل هذه الحال سوى موسى من بني اسرائيل فبينما هو على تلك الحال يا موسى انك لغوي مبين. فاذا الذي استنصره بالامس على عدوه يستصرخه على قبطي اخر قال له موسى موبخا له على حاله. اي بينوا الغواية ظاهر الجراءة اما ان اراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى اتريد ان تقتلني فلما اراد ان يبطش موسى بالذي هو عدو لهما اي له وللمخاصم المستصرخ اي لم يزل للجاج بين القبطي والاسرائيلي وهو يستغيث بموسى فاخذته الحمية حتى هم ان يبطش بالقبطي قال له القبطي زادرا له عن قتله قال يا موسى اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس جبارا في الارض وما تريد ان تكون من المصلحين ان تريد الا ان تكون جبارا في الارض. لان من اعظم اثار الجبار في الارض قتل النفس بغير حق والا فلو اردت الاصلاح لحلت بيني وبينه من غير قتل احد. فانكف موسى عن قتله وارعوى لوعظه وزجره وشاع الخبر بما جرى من موسى في هاتين القضيتين. حتى تراود ملأ فرعون وفرعون على قتله. وتشاوروا على ذلك وقيض الله ذلك الرجل الناصح وبادرهم الى الاخبار لموسى بما اجتمع عليه رأي ملأهم. فقال رجل من اقصى المدينة يسعى قال يا موسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج وجاء رجل من اقصى المدينة يسعى اي ركضا على قدميه من نصحه لموسى وخوفه ان يوقعوا قبل ان يشعر فقال يا موسى ان الملأ يأتمرون اي يتشاورون فيك ليقتلوك فاخرج من المدينة اني لك من الناصحين. فامتثل نصحه فخرج منها خائفا يترقب ان يوقع به القتل. ودعا الله. وقال ربي نجني من القوم الظالمين. فانه قد تاب من ذنبه. وفعله غضبا من غير قصد منه للقتل. فتوعدهم له ظلم منهم وجراءة ولما توجه تلقاء مدين اي قاصدا بوجهه مدين. وهو جنوبي فلسطين. حيث لا ملك لفرعون قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل. اي وسط الطريق المختصر الموصل اليها بسهولة ورفق فهداه الله سواء السبيل فوصل الى مدين وجد عليه امة من الناس قال تعالى لما ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس يسقون مواشيهم وكانوا اهل ماشية كثيرة ووجد من دونهم اي من دون تلك الامة امرأتين تذودان غنمهما عن حياض الناس. لعجزهما عن مزاحمة الرجال وبخلهم. وعدم مروءتهم عن السقي لهما قال لهما موسى ما خطبكما؟ اي ما شأنكما بهذه الحالة اه اي قد جرت العادة انه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم. فاذا خلا لنا الجو سقينا كبير. اي لا قوة له على السقي فليس فينا قوة نقتدر بها ولا لنا رجال يزاحمون الرعاء. فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما فسقى لهما غير طالب منهما الاجرة ولا له قصد غير وجه الله الله تعالى فلما سقى لهما وكان ذلك وقت شدة حر وسط النهار بدليل قوله ثم تولى الى الظل مستريحا لذلك الظلال بعد التعب فقال في تلك الحالة مسترزقا ربه ربي اني لما انزلت الي من خير فقير. اي اني مفتقر للخير الذي تسوقه الي وتيسره لي. وهذا حال منه بحاله والسؤال بالحال ابلغ من السؤال بلسان المقال. فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا. واما المرأتان فذهبتا الى ابيهما واخبرتاه بما جرى. فارسل ابوهما احداهما الى موسى قالت ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا آآ فجاءته تمشي على استحياء وهذا يدل على كرم عنصرها وخلقها الحسن. فان الحياء من الاخلاق الفاضلة وخصوصا في النساء ويدل على ان موسى عليه السلام لم يكن فيما فعله من السقي لهما بمنزلة الاجير والخادم الذي لا يستحى منه عادة. وانما هو عزيز النفس رأت من حسن خلقه ومكارم اخلاقه ما اوجب لها الحياء منه. فقالت له اي لا ليمن عليك بل انت الذي ابتدأتنا بالاحسان وانما قصده ان يكافئك على احسانك فاجابها موسى قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين فلما جاءه وقص عليه القصص من ابتداء السبب الموجب لهربه الى ان وصل اليه. قال له مسكنا روعة جابرا قلبه لا تخف نجوت من القوم الظالمين. اي ليذهب خوفك وروعك فان الله نجاك منهم حيث وصلت الى هذا المحل. الذي ليس لهم سلطان قالت احداهما اي احدى ابنتيه يا ابتي استأجره اي اجعله اجيرا عندك. يرعى الغنم ويسقيها القوي الامين. اي ان موسى اولى من استأجر فانه جمع القوة والامانة. وخير اجير استأجر من جمع اي القوة والقدرة على ما استأجر عليه. والامانة فيه بعدم الخيانة وهذان الوصفان. ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للانسان عمله بايجارة او غيرها فان الخلل لا يكون الا بفقدهما او فقد احداهما. واما اجتماعهما فان العمل يتم ويكمل انما قالت ذلك لانها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما ونشاطه ما عرفت به قوته وشاهدت من امانته وديانته وانه رحمهما في حالة لا يرجى نفعهما وانما قصده بذلك وجه الله تعالى هاتين على ان تأجرني ثماني حجج. قال صاحب مدين لموسى اني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين على ان تأجرني اي تصير اجيرا عندي ثماني حجج اي ثماني سنين تبرع منك لا شيء واجب عليك وما اريد ان اشق عليك فاحتم عشر السنين او ما اريد ان استأجرك لاكلفك اعمالا شاقة. وانما استأجرك لعمل سهل يسير. لا مشقة فيه فرغبه في سهولة العمل وفي حسن المعاملة وهذا يدل على ان الرجل الصالح ينبغي له ان يحسن خلقه مهما امكنه. وان الذي يطلب منه ابلغ من غيره اجلين قضيت فلا عدوان علي. والله على ما نقول وكيل فقال موسى عليه السلام مجيبا له فيما طلب منه ذلك بيني وبينك. اي هذا الشرط الذي انت ذكرت رضيت به وقد تم فيما بيني وبينك اي ما الاجلين قضيت فلا عدوان علي. سواء قضيت الثماني الواجبة ام تبرعت بالزائد عليها الله على ما نقول وكيل. حافظ يراقبنا ويعلم ما تعاقدنا عليه. وهذا الرجل ابو المرأتين صاحب مدين ليس بشعيب النبي المعروف. كما اشتهر عند كثير من الناس. فان هذا قول لم يدل عليه دليل. وغاية ما ان شعيبا عليه السلام قد كانت بلده مدين. وهذه القضية جرت في مدين. فاين الملازمة بين الامرين؟ وايضا فانه غير معلوم لأن موسى ادرك زمان شعيب فكيف بشخصه؟ ولو كان ذلك الرجل شعيبا لذكره الله تعالى ولسمته المرأتان وايضا فان شعيبا عليه الصلاة والسلام قد اهلك الله قومه بتكذيبهم اياه. ولم يبق الا من امن به. وقد اعاذ الله المؤمنين ان يرضوا لبنتي نبيهم. بمنعهما عن وصد ماشيتهما حتى يأتيهما رجل غريب. فيحسن اليهما ويسقي ماشيتهما. وما كان شعيب ليرضى ان يرعى موسى عنده ويكون خادما له وهو افضل منه اعلى درجة. والله اعلم. الا ان يقال هذا قبل نبوة موسى فلا منافاة. وعلى كل حال لا يعتمد على انه شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم