المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي لعلي فلما قضى موسى الاجل يحتمل انه قضى الاجل الواجب او الزائد عليه كما هو الظن بموسى ووفائه. اشتاق الى الوصول الى اهله ووالدته وعشيرته ووطنه. وعلم من المدة انهم قد تناسوا ما صدر منه سار باهله قاصدا مصر انس اي ابصر من جانب الطور نارا. قال لاهلهم كثر اني انست نارا لعلي اتيكم منها بخبر او جدوة من النار لعلكم وكان قد اصابهم البرد وتاهوا الطريق اي يا موسى فلما اتاها نود يا موسى اني انا الله رب العالمين. فاخبره بالوهيته وربوبيته. ويلزم من ذلك ان يأمرهم بعبادته وتألهه. كما صرح به في الاية الاخرى فاعبدني واقم الصلاة لذكري وان القي عصاك فالقاها مدبرا ولم يعقب يا موسى اقبل ولا تخف انك من الامنين فلما رآها تهتز تسعى سعيا شديدا ولها صورة مهيلة كانها جان. ذكر الحيات العظيم واللا مدبرا ولم يعقب اي يرجع لاستيلاء الروعي على قلبه فقال الله له وهذا ابلغ ما يكون في التأمين وعدم الخوف. فان قوله اقبل يقتضي الامر باقباله. ويجب عليه الامتثال. ولكن قد يكون اقباله وهو لم يزل الامر المخوف. فقال ولا تخف امر له بشيئين. اقباله والا يكون في قلبه خوف لكن يبقى احتمال وهو انه قد يقبل وهو غير خائف. ولكن لا تحصل له الوقاية والامن من المكروه. فقال انك من الامنين. فحين اندفع المحظور من جميع الوجوه. فاقبل موسى عليه السلام غير خائف ولا مرعوب. بل مطمئنا واثقا بخبر ربه. قد ازداد ايمانه وتم يقينه فهذه اية اراه الله اياها قبل ذهابه الى فرعون. ليكون على يقين تام فيكون اجرأ له واقوى واصلب. ثم اراه الاية الاخرى فقال اسلك يدك اي ادخلها في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء. فسلكها واخرجها كما ذكره الله تعالى واضمم اليك جناحك من الرهن. اي ضم جناحك. وهو عضدك الى جنبك يزول عنك الرهب والخوف فذلك برهانان من ربك الى فرعون وملأه انهم كانوا قوما فاسقين كذلك انقلاب العصا حية وخروج اليد بيضاء من غير سوء. برهانان من ربك اي حجتان قاطعتان من الله. الى فرعون وملأه انهم كانوا قوما فاسقين. فلا يكفيه مجرد الانذار وامر الرسول اياهم. بل لابد من الايات ان نفعت فقال موسى عليه السلام معتذرا من ربه وسائلا له المعونة على ما حمله. وذاكرا له الموانع التي فيه. ليزيل ربه ما يحذره منها ربياني قتلت منهم نفسا اي فاخاف ان يقتلون واخي هارون هو افصح مني لسانا فارسله معي ردءا اي معاونا ومساعدا يصدقني فانه مع تضافر الاخبار يقوى الحق فاجابه الله الى سؤاله فقال فلا يصلون اليكما باياتنا انتما ومن اتبعكما الغالبون سنشد عضدك باخيك. اي نعاونك به ونقويك. ثم ازال عنه محظور القتل. فقال ونجعل لك ما سلطانا. اي تسلطا تمكنا من الدعوة بالحجة والهيبة الالهية من عدوهما لهما. وذلك بسبب اياتنا وما دل عليه من الحق وما ازعجت به من بشرها ونظر اليها. فهي التي بها حصل لكم السلطان. واندفع بها عنكم كيد عدوكم. وصارت لكم ابلغ من الجنود اولي العدد والعدد وهذا وعد لموسى في ذلك الوقت وهو وحده فريد. وقد رجع الى بلده بعد ما كان شريدا. فلم تزل الاحوال تتطور والامور تنتقل حتى انجز الله له موعودة ومكنه من العباد والبلاد. وصار له ولاتباعه الغلبة والظهور. فذهب موسى برسالة ربه جاءهم موسى باياتنا بينات قالوا ما هذا الا سحر وما سمعنا بهذا في فلما جاءهم موسى باياتنا بينات واضحات الدلالة على ما قاله لهم ليس فيها قصور ولا خفاء قالوا على وجه الظلم والعلو والعناد. ما هذا الا سحر مفترى. كما قال فرعون في تلك الحالة التي ظهر فيها الحق. واستعلى على باطل واضمحل الباطل. وخضع له الرؤساء العارفون حقائق الامور. انه لكبيركم الذي علمكم السحر. هذا وهو الذكي الخير الزكي الذي بلغ من المكر والخداع والكيد ما قصه الله علينا. وقد علم ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض. ولكن الشقاء غالب. وقد كذبوا في ذلك فان الله ما ارسل يوسف عليه السلام قبل موسى. كما قال تعالى ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا. وقال موسى ربي اعلم بمن هنا من عنده ومن تكون له عاقبة انه سيفلح الظالمون. وقال موسى حين زعموا الذي جاءهم به سحر وضلال. وان ما هم عليه هو الهدى ربي اعلم بمن جاء بالهدى من عنده. ومن تكون له عاقبة الدار. اي اذا لم تفيد المقابلة معكم وتبيين الايات البينات. وابيتم التمادي في غيكم واللجاج على كفركم. فالله تعالى العالم بالمهتدي وغيره. ومن تكون له عاقبة الدار. نحن ام انتم انه لا يفلح الظالمون. فصار عاقبة الدار لموسى واتباعه والفلاح والفوز. وصار ولاولئك الخسار سوء العاقبة والهلاك وقال فرعون متجرأا على ربه ومموها على قومه السفهاء اخفاء العقول يا ايها الملأ ما علمت لكم من اله غيري. اي انا وحدي الهكم ومعبودكم. ولو كان ثم اله غيري لعلمته انظر الى هذا الورع التام من فرعون. حيث لم يقل ما لكم من اله غيري بل تورع وقال ما علمت لكم من اله غيري. وهذا لانه عندهم العالم الفاضل الذي مهما قال فهو الحق. ومهما امر اطاعوه فلما قال هذه المقالة التي قد تحتمل ان ثم الها غيره. اراد ان يحقق النفي الذي جعل فيه ذلك الاحتمال. فقال لهامان فاجعل لي صرحا لعلي اطلع الى اله موسى. فاوقد لي الامان على الطين ليجعل له لبنا من فخار. فاجعل لي صرحا اي بناء لعلي اطلع الى اله موسى ولكن سنحقق هذا الظن ونريكم كذب موسى فانظر هذه الجراءة على الله التي ما بلغها ادمي. كذب موسى وادعى انه اله. ونفى ان يكون له علم بالاله الحق. وفعل الاسباب ليتوصل الى اله موسى وكل هذا ترويج. ولكن العجب من هؤلاء الملأ الذين يزعمون انهم كبار المملكة المدبرون لشؤونها كيف لعب هذا الرجل بعقولهم واستخف احلامهم وهذا لفسقهم الذي صار صفة راسخة فيهم فسد دينهم ثم تبع ذلك فساد عقولهم. فنسألك اللهم الثبات على الايمان. والا تزيغ قلوبنا بعد اذ هديتنا. وتهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب. قال تعالى واستكبر هو وجنوده في الارض بغير الحق وظن انهم الينا لا يرجعون. واستكبره جنوده في الارض بغير الحق. استكبروا على عباد الله وساموهم سوء العذاب واستكبروا على رسل الله وما جاءوهم به من الايات. فكذبوها وزعموا ان ما هم عليه اعلى منها وافضل فلذلك تجرأوا والا فلو علموا او ظنوا انهم يرجعون الى الله كما كان منهم ما كان فاخذناه وجنوده عندما استمر عنادهم وبغيهم فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبتهم الظالمين كانت اشر العواقب واخسرها. عاقبة اعقبتها العقوبة الدنيوية المستمرة. المتصلة بالعقوبة الاخروية جعلناهم ائمة يدعون الى النار اي جعلنا فرعون وملأهم من الائمة الذين يقتدى بهم ويمشى خلفهم الى دار الخزي والشقاء ويوم القيامة لا ينصرون من عذاب الله. فهم اضعف شيء عن دفعه عن انفسهم. وليس لهم من دون الله من ولي ولا نصير اتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة. واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة اي واتبعناهم زيادة في عقوبتهم وخزيهم في الدنيا لعنة يلعنون ولهم عند الخلق الثناء القبيح والمقت والذم. وهذا امر مشاهد فهم ائمة الملعونين في الدنيا ومقدمتهم. ويوم القيامة هم من المغبوحين ويوم القيامة هم من المقبوحين المبعدين. المستقذرة افعالهم الذين اجتمع عليهم مقت الله ومقت خلقه ومقت انفسهم ولقد اتينا موسى الكتاب من بعد ما اهلكنا القرون الاولى نصارا الناس نصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ولقد اتينا موسى الكتاب وهو التوراة من بعد ما اهلكنا القرون الاولى. الذين كان خاتمتهم في الاهلاك العام فرعون وهذا دليل على انه بعد نزول التوراة انقطع الهلاك العام. وشرع جهاد الكفار بالسيف بصائر للناس اي كتاب الله الذي انزله على موسى فيه بصائر للناس. اي امور يبصرون بها ما ينفعهم وما يضرهم. فتقوم الحجة على العاصي وينتفع بها المؤمن فتكون رحمة في حقه. وهداية له الى الصراط المستقيم. ولهذا قال وهدى ورحمة لعلهم ولما قص الله على رسوله ما قص من هذه الاخبار الغيبية. نبه العباد على ان هذا خبر الهي محو. ليس للرسول طريق الى علم الا من جهة الوحي. ولهذا قال وما كنت بجانب الغربي اي بجانب الطور الغربي وقت قضائنا لموسى الامر وما كنت من الشاهدين على ذلك حتى يقال انه وصل اليك من هذا الطريق فاندرس العلم ونسيت اياته. فبعثناك في وقت اشتدت الحاجة اليك والى ما علمناك واوحينا اليك وما كنت اي مقيم في اهل مدينة تتلو عليهم اياتنا. اي تعلمهم وتتعلم منهم حتى اخبرت بما اخبرت من شأن موسى في مدين اي ولكن ذلك الخبر الذي جئت به عن موسى اثر من اثار ارسالنا اياك ووحي لا سبيل لك الى علمه بدون ارسالنا وما كنت بجانب الطور اذ نادينا موسى وامرناه ان يأتي القوم الظالمين ويبلغهم رسالتنا ويريهم من اياتنا وعجائبنا ما قصصنا عليك والمقصود ان الماجريات التي جرت لموسى عليه الصلاة والسلام في هذه الاماكن فقصصتها كما هي من غير زيادة ولا نقص لا يخلو من احد امرين اما ان تكون حضرتها وشاهدتها او ذهبت الى محالها فتعلمتها من اهلها. فحينئذ قد لا يدل ذلك على انك رسول الله اذ الامور التي يخبر بها عن شهادة ودراسة من الامور المشتركة غير المختصة بالانبياء. ولكن هذا قد علم وتيقن انه ما كان او ما صار فاولياؤك واعداؤك يعلمون عدم ذلك. فتعين الامر الثاني وهو ان هذا جاءك من قبل الله ووحيه وارساله. فثبت بالدليل القطعي صحة رسالتك. ورحمة الله بك للعباد. ولهذا قال اي العرب وقريش. فان الرسالة عندهم لا تعرف وقت ارسال الرسول وقبله بازمان متطاولة. لعلهم يتذكرون تفصيل الخير فيفعلونه والشر فيتركونه. فاذا كنت فبهذه المنزلة كان الواجب عليهم المبادرة الى الايمان بك وشكر هذه النعمة التي لا يقادر قدرها ولا يدرك شكرها انذاره للعرب لا ينفي ان يكون مرسلا لغيرهم فانه عربي. والقرآن الذي انزل عليه عربي. واول من باشر بدعوته العرب فكانت رسالته اليهم اصلا ولغيرهم تبعا كما قال الله تعالى اكان للناس عجبا ان اوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا ربنا لولا ارسلت الينا رسولا لولا ارسلت الينا رسولا ولولا ان تصيبهم مصيبة بما قدمت ايديهم من الكفر والمعاصي. فيقول ربنا لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع اياتك ونكون من المؤمنين. اي فارسلناك يا محمد لدفع حجتهم وقطع مقالتهم فجاءهم الحق من عندنا قالوا لولا اوتي مثل ما اوتي موسى او لم يكفروا بما اوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا انا بكل كافرون. فلما جاء جاءهم الحق الذي لا شك فيه من عندنا وهو القرآن الذي اوحيناه اليك. قالوا مكذبين له ومعترظين بما ليس يعترض به لولا اوتي مثل ما اوتي موسى اي انزل عليه كتاب من السماء جملة واحدة اي فاما ما دام ينزل متفرقا فانه ليس من عند الله واي دليل في هذا واي شبهة انه ليس من عند الله حين نزل مفرقا. بل من كمال هذا القرآن واعتناء الله بمن انزل عليه ان نزل متفرقا. ليثبت الله به فؤاد رسوله. ويحصل زيادة الايمان للمؤمنين. ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. وايضا فان قياسهم على كتاب موسى قياس قد نقضوه. فكيف يقيسونه على كتاب به ولم يؤمنوا ولهذا قال قالوا سحران تظاهرا اي القرآن والتوراة تعاونا في سحرهما واضلال الناس وقالوا انا بكل كافرون. فثبت بهذا ان القوم يريدون ابطال الحق بما ليس ببرهان. وينقضونه بما لا ينقض. ويقولون المتناقضة المختلفة وهذا شأن كل كافر. ولهذا صرح انهم كفروا بالكتابين والرسولين. ولكن هل كفرهم بهما طلبا للحق واتباعا لامر عندهم خير منهما ام مجرد هوى؟ قال الله تعالى ملزما لهم بذلك فاتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما اي من التوراة والقرآن اتبعه ان كنتم صادقين. ولا سبيل لهم ولا لغيرهم ان يأتوا بمثلهما. فانهما طرق العالم منذ خلقه الله مثل هذين الكتابين علما وهدى وبيانا ورحمة للخلق. وهذا من كمال الانصاف من الداعي ان قال انا مقصودي الحق والهدى والرشد قد جئتكم بهذا الكتاب المشتمل على ذلك. الموافق لكتاب موسى فيجب علينا جميعا الاذعان لهما واتباعهما من حيث كونهما هدى وحق فان جئتموني بكتاب من عند الله هو اهدى منه ما اتبعته. والا فلا اترك هدى وحقا قد علمته لغير هدى وحق فان لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون اهواءهم فان لم يستجيبوا لك فلم يأتوا بكتاب كتاب اهدى منهما فاعلم ان ما يتبعون اهواءهم. اي فاعلم ان تركهم اتباعك ليسوا ذاهبين الى حق يعرفونه. ولا الى هدى انما ذلك مجرد اتباع لاهوائهم. فهذا من للناس حيث عرض عليه الهدى والصراط المستقيم الموصل الى الله والى دار كرامته. فلم يلتفت اليه ولم يقبل عليه. ودعاه هو اه الى سلوك الطرق الموصلة الى الهلاك والشقاء. فاتبعه وترك الهدى فهل احد اضل ممن هذا وصفه؟ ولكن ظلمه وعدوانه من محبته للحق هو الذي اوجب له ان يبقى على ضلاله ولا يهديه الله. فلهذا قال اي الذين صار الظلم لهم وصفا والعناد لهم نعتا. جاءهم الحق فرفضوه. وعرض لهم الهوى فتبعوه. سدوا على انفسهم ابواب الهداية وطرقها. وفتحوا ابواب الغواية وسبلها. فهم في غيهم وظلمهم يعمهون. وفي شقائهم وهلاكهم يترددون. وفي قوله فان لم يستجيبوا لك فاعلم ان ما يتبعون اهواءهم دليل على ان كل من لم يستجب للرسول وذهب الى قول مخالف لقول الرسول فانه لم يذهب الى هدى وانما ذهب الى هوى. ولقد وصلنا لهم القول اي تابعناه وواصلناه وانزلناه شيئا فشيئا رحمة بهم ولطفا لعلهم يتذكرون. حين تتكرر عليهم اياته وتنزل عليهم بيناته وقت الحاجة اليها. فصار نزوله متفرقا رحمة بهم. فلما اعترضوا بما هو من مصالحهم اصل في ذكر بعض الفوائد والعبر في هذه القصة العجيبة. فمنها ان ايات الله تعالى وعبره وايامه في الامم السابقة. انما بها ويستنير المؤمنون. فعلى حسب ايمان العبد تكون عبرته. وان الله تعالى انما يسوق القصص لاجلهم. واما غيرهم فلا يعبأ الله بهم وليس لهم منها نور وهدى ومنها ان الله تعالى اذا اراد امرا هيأ اسبابه واتى بها شيئا فشيئا بالتدريج لا دفعة واحدة واحدة ومنها ان الامة المستضعفة ولو بلغت في الضعف ما بلغت. لا ينبغي لها ان يستولي عليها الكسل عن طلب حقها. ولا الاياس من ارتقائها الى اعلى الامور خصوصا اذا كانوا مظلومين كما استنقذ الله امة بني اسرائيل الامة الضعيفة من اسر فرعون وملأه ومكنهم في الارض ارض وملكهم بلادهم ومنها ان الامة ما دامت ذليلة مقهورة لا تأخذ حقها ولا تتكلم به. لا يقوم لها امر دينها ولا ولا يكون لها امامة فيه. ومنها لطف الله بام موسى. وتهوينه عليها المصيبة بالبشارة. بان الله سيرد فيها ابنها ويجعله من المرسلين. ومنها ان الله يقدر على عبده بعض المشاق لينيله سرورا اعظم من ذلك. او يدفع عنه اكثر منه كما قدر على ام موسى ذلك الحزن الشديد. والهم البليغ الذي هو وسيلة الى ان يصل اليها ابنها. على وجه تطمئن به نفسه وتقر به عينها وتزداد به غبطة وسرورا. ومنها ان الخوف الطبيعي من الخلق لا ينافي الايمان ولا يزيله. كما لام موسى ولم موسى من تلك المخاوف. ومنها ان الايمان يزيد وينقص. وان من اعظم ما يزيد به الايمان ويتم به اليقين. الصبر وعند المزعجات والتثبيت من الله عند المقلقات. كما قال تعالى لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين. اي ليزداد ايمانها بذلك يطمئن قلبها. ومنها ان من اعظم نعم الله على عبده. واعظم معونة للعبد على اموره. تثبيت الله اياه. وربط جأشه وقلبه عند المخاوف. وعند الامور المذهلة فانه بذلك يتمكن من القول الصواب والفعل الصواب. بخلاف من استمر قلقه وروعه وانزعاجه فانه يضيع فكره ويذهل عقله. فلا ينتفع بنفسه في تلك الحال. ومنها ان العبد ولو عرف ان القضاء والقدر ووعد الله نافذ لابد منه فانه لا يهمل فعل الاسباب التي امر بها. ولا يكون ذلك منافيا لايمانه بخبر الله. فان الله قد وعد ام موسى ان يرده عليها ومع ذلك اجتهدت على رده. وارسلت اخته لتقصه وتطلبه. ومنها جواز خروج المرأة في حوائجها وتكليمها للرجال من غير محظور كما جرى لاخت موسى وابنتي صاحب مدين. ومنها جواز اخذ الاجرة على الكفالة والرضاع. والدلالة على من يفعل ذلك منها ان الله من رحمته بعبده الضعيف الذي يريد اكرامه ان يريه من اياته ويشهده من بيناته ما يزيد به ايمانه. كما رد الله وموسى على امه لتعلم ان وعد الله حق. ومنها ان قتل الكافر الذي له عهد بعقد او عرف لا يجوز. فان موسى عليه السلام قتله القبطي الكافر ذنبا واستغفر الله منه. ومنها ان الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين الذين يفسدون في الارض ومنها ان من قتل النفوس بغير حق وزعم انه يريد الاصلاح في الارض وتهييب اهل المعاصي فانه كاذب في ذلك. وهو مفسد كما حكى الله قول القبطي. ان تريد الا ان تكون جبارا في الارض. وما ان تكون من المصلحين على وجه التقرر له لا الانكار. ومنها ان اخبار الرجل غيره بما قيل فيه على وجه التحذير له شر يقع فيه لا يكون ذلك نميمة بل قد يكون واجبا. كما اخبر ذلك الرجل لموسى ناصحا له ومحذرا. ومنها انه اذا خاف القتلى والتلف في الاقامة لا يلقي بيده الى التهلكة ولا يستسلم لذلك بل يذهب عنه كما فعل موسى ومنها انه عند تزاحم المفسدتين اذا كان لا بد من ارتكاب احداهما انه ترتكب الاخف منهما والاسلم. كما ان موسى لما دار الامر بين بقائه في مصر ولكنه يقتل او يذهب الى بعض البلدان البعيدة التي لا يعرف الطريق اليها. وليس معه دليل يدله غير ربه. ولكنها هذه الحالة اقرب للسلامة من الاولى فتبعها موسى. ومنها ان الناظر في العلم عند الحاجة الى التكلم فيه. اذا لم يترجح عنده احد القولين فانه يستهدي ربه. ويسأله ان يهديه الصواب من القولين. بعد ان يقصد بقلبه الحق ويبحث عنه. فان الله لا يخيب من هذه حاله كما خرج موسى تلقاء مدين. فقال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل. ومنها ان الرحمة بالخلق والاحسان على من يعرف ومن لا يعرف من اخلاق الانبياء. وان من الاحسان سقي الماشية الماء. واعانة العاجز ومنها استحباب الدعاء بتبيين الحال وشرحها. ولو كان الله عالما بها. لانه تعالى يحب التضرع عبده واظهار ذله ومسكنته كما قال موسى ربياني لما انزلت الي من خير فقير. ومنها ان الحياء خصوصا من الكرام من الاخلاق الممدوحة. ومن المكافأة على الاحسان لم يزل دأب الامم السابقين. ومنها ان العبد اذا فعل العمل لله تعالى ثم حصل له مكافأة عليه من غير قصد من قصد الاول انه لا يلام على ذلك. كما قبل موسى مجازاة صاحب مدينة عن معروفه الذي لم يبتغي له. ولم يستشرف بقلبه على عوض ومنها مشروعية الاجارة. وانها تجوز على رعاية الغنم ونحوها. مما لا يقدر العمل وانما مرده العرف. ومنها انه تجوز الاجارة بالمنفعة ولو كانت المنفعة بضعا. ومنها ان خطة الرجل لابنته الرجل الذي يتخيره لا يلام عليه ومنها ان خير اجير وعامل للانسان ان يكون قويا امينا. ومنها ان من مكارم الاخلاق ان يحسن خلقه خلقه لاجيره ولخادمه. ولا يشق عليه بالعمل لقوله وما اريد ان اشق عليك ستجدني ان شاء الله من الصالحين. ومنها جواز عقد الاجارة وغيرها من العقود من دون اشهاد. لقوله والله على ما نقول وكيل. ومنها ما اجرى الله على يد موسى من الايات البينات والمعجزات الظاهرة من الحية وانقلاب يده بيضاء من غير سوء. ومن عصمة الله لموسى وهارون من فرعون ومن الغرق. ومنها ان من اعظم العقوبات ان يكون الانسان اماما في الشر. وذلك بحسب معارضته لايات الله وبيناته. كما ان من اعظم نعمة انعم الله بها عبده ان يجعله اماما في الخير هاديا مهديا. ومنها ما فيها من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث اخبر بذلك تفصيلا مطابقا وتأصيلا موافقا. قصه قصا صدق به المرسلين. وايد به الحق المبين. من غير حضور شيء من تلك الوقائع ولا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع. ولا تلاوة درس فيها شيئا من هذه الامور. ولا مجالسة احد من اهل العلم. ان هو الا رسالة رحيمة الرحمن وحي انزله عليه الكريم المنان. لينذر به قوما جاهلين. وعن النذر والرسل غافلين. فصلوات الله وسلامه على من مجرد خبره ينبئ انه رسول الله ومجرد امره ونهيه ينبه العقول النيرة انه من عند الله. كيف وقد تطابق على صحة ما جاء به وصدقه خبر الاولين والاخرين. والشرع الذي جاء به من رب العالمين. وما جبل عليه من الاخلاق الفاضلة. التي لا تناسب ولا تصلح الا الا لاعلى الخلق درجة. والنصر المبين لدينه وامته. حتى بلغ دينه مبلغ الليل والنهار. وفتحت امته معظم بلدان الامصار بالسيف والسنان وقلوبهم بالعلم والايمان. ولم تزل الامم المعاندة والملوك الكفرة المتعاضدة. ترميه بقوس واحدة له المكايد وتمكر لاطفائه واخفائه واخماده من الارض وهو قد بهرها وعلاها لا يزداد الا نموا ولا اياته اهينه الا ظهورا. وكل وقت من الاوقات يظهر من اياته ما هو عبرة للعالمين. وهداية للعالمين ونور وبصيرة للمتوسل والحمدلله وحده