وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون بالكفر والمعاصي مستحقون للعقوبة. والحاصل ان الله لا يعذب احدا الا بظلمه واقامة الحجة عليه هذا حظ من الله لعباده على الزهد في الدنيا. وعدم الاغترار بها المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. يذكر تعالى القرآن وصدقه وحقه. وان اهل العلم بالحقيقة يعرفونه ويؤمنون به ويقرون بانه الحق. فقال الذين اتيناهم الكتاب من قبله وهم اهل التوراة والانجيل الذين لم يغيروا ولم يبدلوا هم به. اي بهذا القرآن ومن جاء به يؤمنون واذا يتلى عليهم استمعوا له واذعنوه وقالوا امنا به انه الحق من ربنا بموافقته ما جاءت به الرسل ومطابقته لما ذكر في الكتب واشتماله على الاخبار الصادقة والاوامر والنواهي الموافقة لغاية الحكمة. وهؤلاء الذين تفيد شهادتهم وينفع قولهم لانهم لا يقولون ما يقولون الا عن علم وبصيرة. لانهم اهل الصنف واهل الكتب وغيرهم لا يدل ردهم ومعارضتهم للحق على شبهة فضلا عن الحجة لانهم ما بين جاهل فيه او متجاهل معاند للحق قال الله تعالى قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا. وقوله فلذلك ثبتنا على ما من الله به علينا من الايمان. فصدقنا بهذا القرآن امنا بالكتاب الاول والكتاب الاخر. وغيرنا ينقض تكذيبه بهذا الكتاب. ايمانه بالكتاب الاول اولئك الذين امنوا بالكتابين يؤتون اجرهم مرتين اجرا على الايمان الاول واجرا على الايمان بما صبروا على الايمان وثبتوا على العمل. فلم تزعزعهم عن ذلك شبهة ولا ثناهم عن الايمان رياسة ولا شهوة. ومن خصالهم التي من اثار ايمانهم الصحيح انهم يدرؤون بالحسنة السيئة اي دأبهم وطريقتهم الاحسان لكل احد. حتى للمسيء اليهم بالقول والفعل يقابلونه بالقول الحميد والفعل الجميل. لعلمهم بفضيلة هذا الخلق العظيم. وانه لا يوفق له الا ذو حظ عظيم اذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه وقالوا لنا اعمالنا ولكم اعمالكم. سلام عليكم لا نبتغي واذا سمعوا اللغو من جاهل خاطبهم به قالوا مقالة عباد الرحمن اولي الالباب لنا اعمالنا ولكم اعمالكم اي كل سيجازى بعمله الذي عمله وحده. ليس عليه من وزر غيره شيء. ولزم من ذلك انهم يتبرأون مما عليه الجاهلون من اللغو والباطل والكلام الذي لا فائدة فيه. سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين. سلام عليكم اي لا تسمعون منا الا الخير. ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم. فانكم وان رضيتم لانفسكم هذا المرتع اللئيم. فانا ننزه انفسنا عنه ونصونها عن الخوض فيه لا نبتغي الجاهلين من كل وجه انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء. وهو اعلم بالمهتدين يخبر تعالى انك يا محمد وغيرك من باب اولى لا تقدر على هداية احد ولو كان من احب الناس اليك فان هذا امر غير مقدور للخلق. هداية التوفيق وخلق الايمان في القلب. وانما ذلك بيد الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء. وهو اعلم بمن يصلح للهداية فيهديه ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله. واما اثبات الهداية للرسول في قوله تعالى وانك لتهدي الى صراط مستقيم فتلك هداية البيان والارشاد. فالرسول يبين الصراط المستقيم ويرغب فيه. ويبذل جهده في سلوك الخلق له. واما كونه في قلوبهم الايمان ويوفقهم بالفعل. فحاشى وكلا. ولهذا لو كان قادرا عليها لهدى من وصل اليه احسانه ونصره ومنعه من قومه عمه ابا طالب. ولكنه اوصل اليه من الاحسان بالدعوة للدين والنصح التام. ما هو اعظم مما فعله عمه ولكن الهداية بيد الله تعالى ان اكثرهم لا يعلمون. يخبر تعالى ان المكذبين من قريش واهل مكة يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم ان نتبع الهدى معك نتخطف من ارضنا بالقتل والاسر ونهب الاموال. فان الناس قد عادوك وخالفوك. فلو تابعناك لتعرظنا لمعاداة الناس كلهم ولم يكن لنا بهم طاقة. وهذا الكلام منهم يدل على سوء الظن بالله تعالى. وانه لا ينصر دينه ولا يعلي كلمته. بل يمكن الناس ليس من اهل دينه فيسمونهم سوء العذاب. وظنوا ان الباطل سيعلوا على الحق. قال الله مبينا لهم حالة هم بها دون الناس هو ان الله اختصهم بها فقال اي او لم نجعلهم متمكنين ممكنين في حرم يكثره المنتابون ويقصده الزائرون. قد كرمه البعيد والقريب فلا يهاج اهله ولا ينتقصونه بقليل ولا كثير. والحال ان كل ما حولهم من الاماكن قد حف بها الخوف من كل جانب واهلها غير امنين ولا مطمئنين. فليحمدوا ربهم على هذا الامن التام الذي ليس فيه غيرهم. وعلى الرزق الكثير الذي يجئ اليهم من كل مكان من الثمرات والاطعمة والبضائع. ما به يرتزقون ويتوسعون. وليتبعوا هذا الرسول الكريم لهم الامن والرغد واياهم وتكذيبه والبطر بنعمة الله فيبدلوا من بعد امنهم خوفا وبعد عزهم ذلا وبعد فقرا ولهذا توعدهم بما فعل بالامم قبلهم. فقال وكم اهلكنا من قرية بطرت معيشتها اي فخرت بها والهتها واشتغلت بها عن الايمان بالرسل فاهلكهم الله وازال عنهم النعمة واحل بهم النقمة. لتوالي الهلاك عليهم وايحاشها من بعدهم. وكنا نحن الوارثين للعباد نميتهم ثم الينا جميع ما متعناهم به من النعم. ثم نعيدهم الينا فنجازيهم باعمالهم. ومن حكمته ورحمته الا يعذب الامم مجرد كفرهم قبل اقامة الحجة عليهم بارسال الرسول اليهم. ولهذا قال الا واهلها ظالمون. وما كان ربك مهلك القرى اي بكفرهم وظلمهم. حتى يبعث في امها. اي في والمدينة التي اليها يرجعون. ونحوها يترددون. وكل ما حولها ينتجعها ولا تخفى عليه اخبارها. رسولا يتلو عليهم اياتنا الدالة على صحة ما جاء به. وصدق ما دعاهم اليه. فيبلغ قوله قاصيهم ودانيهم. بخلاف بعث الرسل في القرى البعيدة والاطراف النائية فان ذلك مظنة الخفاء والجفاء. والمدن الامهات مظنة الظهور والانتشار. وفي الغالب انهم اقل جفاء من غيرهم وعلى الرغبة في الاخرى وجعلها مقصود العبد ومطلوبه ويخبرهم ان جميع ما اوتيه الخلق من الذهب والفضة والحيوانات والامتعة والنساء والبنين والمآكل والمشارب واللذات. كلها متاع الحياة الدنيا وزينتها. اي يتمتع به وقتا قصيرا متاعا قاصرا بالمنغصات ممزوجا بالغصص. ويزين به زمانا يسيرا للفخر والرياء. ثم يزول ذلك سريعا وينقضي جميعا لم يستفد صاحبه منه الا الحسرة والندم والخيبة والحرمان وما عند الله من النعيم المقيم. والعيش السليم خير وابقى. اي افضل في وصفه وكميته. وهو دائم ابدا. مستمر اي افلا يكون لكم عقول بها تزنون؟ اي الامور اولى بالايثار؟ واي الدارين احق وللعمل لها فدل ذلك على انه بحسب عقل العبد يؤثر الاخرى على الدنيا وانه ما اثر احد الدنيا الا لنقص في عقله ولهذا العقول على الموازنة بين عاقبة مؤثري الدنيا ومؤثري الاخرة. فقال انه يوم القيامة من المحضرين. افمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه. اي هل يستوي مؤمن ساع للاخرة في سعيها قد عمل على وعد ربه له بالثواب الحسن الذي هو الجنة وما فيها من النعيم العظيم. فهو لاقيه من غير شك ولا ارتياب لانه وعد من كريم صادق الوعد لا يخلف الميعاد لعبد قام بمرضاته وجانب سخطه الدنيا فهو يأخذ فيها ويعطي ويأكل ويشرب ويتمتع كما تتمتع البهائم. قد اشتغل بدنياه عن اخرته. ولم يرفع الله رأسا ولم ينقض للمرسلين فهو لا يزال كذلك لا يتزود من دنياه الا الخسارة والهلاك ثم هو يوم القيامة من المحضرين للحساب. وقد علم انه لم يقدم خيرا لنفسه. وانما قدم جميع ما وانتقل الى دار الجزاء بالاعمال فما ظنكم الى ما يصير اليه؟ وما تحسبون ما يصنع به؟ فليختر العاقل لنفسه ما هو اولى بالاختيار واحق الامرين بالايثار