المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي افلا تسمعون. قل ارأيتم افلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. هذا امتنان من الله على عباده يدعوهم به الى شكره والقيام بعبوديته وحقه. انه جعل لهم من رحمته النهار ليبتغوا من فضل الله. وينتشروا لطلب ارزاق ومعايشهم في ضيائه. والليل ليهدأوا فيه ويسكنوا وتستريح ابدانهم وانفسهم من تعب التصرف في النهار. فهذا من فضله ورحمته عبادة فهل احد يقدر على شيء من ذلك؟ فلو جعل عليكم الليل سرمدا الى يوم القيامة. من اله غير الله يأتيكم بضياء. افلا مواعظ الله واياته سماع فهم وقبول منقيات. ولو جعل عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة. من اله غير الله يأتيكم قم بليل تسكنون فيه. افلا تبصرون مواقع العبر ومواضع الايات؟ فتستنير بصائركم وتسلكوا الطريق المستقيم قال في الليل افلا تسمعون؟ وفي النهار افلا تبصرون؟ لان سلطان السمع ابلغ في الليل من سلطان البصر. وعكسه النهار وفي الايات تنبيه الى ان العبد ينبغي له ان يتدبر نعم الله عليه. ويتبصر فيها ويقيسها بحال عدمها. فانه اذا وازن بين في وجودها وبين حالة عدمها تنبه عقله لمواضع المنة بخلاف من جرى مع العوائد. ورأى ان هذا امر لم يزل مستمرا لا يزال وعمي قلبه عن الثناء على الله بنعمه. ورؤية افتقاره اليها في كل وقت. فان هذا لا يحدث له فكرة شكرا ولا ذكرى ويوم يناديهم فيقول اين شركائي الذين كنتم تزعمون نزعنا من كل امة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم. فعلموا ان حقا لله وضل عنهن ما كانوا يفترون. اي ويوم ينادي الله المشركين به العادلين به غيره الذين يزعمون ان له شركاء يستحقون ان يعبدوا وينفعون ويضرون. فاذا كان يوم القيامة اراد الله ان يظهر جرائتهم كذبهم في زعمهم وتكذيبهم لانفسهم فيناديهم اي بزعمهم لا بنفس الامر. كما قال وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء. ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون فاذا حضروا واياهم نزع من كل امة من الامم الكاذبة شهيدا. يشهد على ما جرى في الدنيا من شركهم واعتقادهم وهؤلاء بمنزلة المنتخبين. اي انتخبنا من رؤساء المكذبين من يتصدى للخصومة عنهم. والمجادلة عن اخوانهم ومن هم واياهم على طريق واحد فاذا برزوا للمحاكمة حجتكم ودليلكم على صحة شرككم هل امرناكم لذلك هل امرتكم رسلي؟ هل وجدتم ذلك في شيء من كتبي؟ هل فيهم احد يستحق شيئا من الالهية؟ هل ينفعونكم او يدفعون عنكم من عذاب الله او يغنون عنكم فليفعلوا اذا ان كان فيهم اهلية وليروكم ان كان لهم قدرة فعلموا حينئذ بطلان قولهم وفسادا ان الحق لله تعالى قد توجهت عليهم الخصومة وانقطعت حجتهم وافلجت الله وظل عنهم ما كانوا يفترون من الكذب والافك اضمحا وتلاشى وعدم وعلموا ان الله قد عدل فيهم. حيث لم يضع العقوبة الا بمن استحقها واستأهلها ان قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم واتيناه من الكنوز ما ان مفاتحه لتنور اذ قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين يخبر تعالى عن حالة قارون وما فعل وفعل به ونصح ووعظ فقال ان قارون كان من قوم موسى اي من اسرائيل الذين فضلوا على العالمين وفاقوهم في زمانهم. وامتن الله عليهم بما امتن به. فكانت حالهم مناسبة للاستقامة لكن قارون هذا بغى على قومه وطغى بما اوتيه من الاموال العظيمة المطغية. واتيناه من الكنوز اي كنوز الاموال شيئا كثيرا ما ان مفاتيحه لتنوء بالعصبة اولي القوة. والعصبة من العشرة الى التسعة الى السبعة. ونحو ذلك. اي حتى ان مفاتح خزائن اموال لتثقلوا الجماعة القوية عن حملها هذه المفاتيح فما ظنك بالخزائن اذ قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين. اذ قال له قومه ناصحين له محذرين له عن الطغيان. لا تفرح. اي لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة وتفتخر بها وتلهك عن الاخرة. فان الله لا يحب الفرحين بها المكبين على محبتها ولا تنسى نصيبك من الدنيا. واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغي الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين. وابتغي فيما اتاك الله الدار اي قد حصل عندك من وسائل الاخرة ما ليس عند غيرك من الاموال. فابتغ بها ما عند الله وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات وتحصيل اللذات. ولا تنسى نصيبك من الدنيا. اي لا نأمرك ان تتصدق بجميع ما لك وتبقى ضائعا. بل انفق لاخرتك. واستمتع دنياك استمتاعا لا يطلب دينك ولا يضر باخرتك واحسن كما احسن واحسن الى عباد الله كما احسن الله عليك بهذه الاموال. ولا تبغي الفساد في الارض بالتكبر والعمل بمعاصي الله. والاشتغال بالنعم عن المنعم ان الله لا يحب المفسدين. بل يعاقبهم على ذلك اشد العقوبة فقال قارون رادا لنصيحتهم كافرا لنعمة ربه انما اوتيته على علم عندي. اي انما ادركت هذه الاموال بكسبي ومعرفتي بوجوه المكاسب. وحذق او على علم من الله بحالي يعلم اني اهل لذلك. فلما تنصحوني على ما اعطاني الله تعالى؟ قال تعالى مبينا ان عطاءه ليس دليلا على حسن حالة المعطى اولم يعلم ان الله قد اهلك من قبله من القرون من هو اشد منه قوة واكثر جمعا آآ فما المانع من اهلاك قارون مع مضي عادتنا وسنتنا باهلاك من هو مثله واعظم اذ فعل ما يوجب الهلاك ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون. بل يعاقبهم الله ويعذبهم على ما يعلمهم منهم. فهم وان اثبتوا لانفسهم حالة حسنة وشهدوا لها بالنجاة فليس قولهم مقبولا وليس ذلك دافعا عنهم من العذاب شيئا. لان ذنوبهم غير خفية فانكارهم لا محل له. فلم يزل قارون مستمرا على عناده وبغيه. وعدم قبول نصيحة قومه فرحا بطلا قد اعجبته نفسه. وغره ما اوتيه من اموال فخرج على قومه في زينته اوتي قارون انه لذو حظ عظيم. فخرج ذات يوم في زينته اي بحالة ارفع ما يكون من احوال دنياه. قد كان له من الاموال ما كان. وقد استعد وتجمل باعظم ما يمكنه. وتلك الزينة في العادة من مثله تكون هائلة جمعت زينة الدنيا وزهرتها وبهجتها وغضارتها وفخرها. فرمقته في تلك الحالة العيون. وملأت بزته القلوب واختلبت النفوس فانقسم فيه الناظرون قسمين. كل تكلم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة اتى الدنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون. قال الذين يريدون الحياة الدنيا اي الذين تعلقت ارادتهم فيها وصارت منتهى رغبتهم ليس لهم ارادة في سواها. يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون من الدنيا ومتاعها وزهرتها وصدقوا انه لذو حظ عظيم. لو كان الامر منتهيا الى رغباتهم. وانه ليس وراء الدنيا دار اخرى فانه قد اعطي منها ما به غاية التنعم بنعيم الدنيا واقتدر بذلك على جميع مطالبه. فصار هذا الحظ العظيم بحسب همتهم. وان همة جعلت هذا غاية مرادها ومنتهى مطلبها فمن ادنى الهمم واسفلها وادناها وليس لها ادنى صعود الى المرادات العالية والمطالب الغالية وقال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن امن وعمل صالحا. ولا يلقاها وقال الذين اوتوا العلم الذين عرفوا حقائق الاشياء ونظروا الى باطن الدنيا حين نظر اولئك الى ظاهرها ويلكم متوجعين مما تمنوا لانفسهم راثين لحالهم منكرين لمقالهم. ثواب الله العاجل من لذة ومحبته والانابة اليه والاقبال عليه. والاجل من الجنة وما فيها مما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. خير من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه فهذا حقيقة الامر. ولكن ما كل من يعلم ذلك يؤثر الاعلى على الادنى. فما يلقى ذلك ويوفق له الا الصابرون ولا يلقاها الا الصابرون. الذين حبسوا انفسهم على طاعة الله وعن معصيته وعلى اقداره المؤلمة وصبروا على جواذب الدنيا وشهواتها ان تشغلهم عن ربهم وان تحول بينهم وبين ما خلقوا له. فهؤلاء الذين يؤثرون ثواب الله على الدنيا الفانية. فلما انتهت بقارون حالة البغي والفخر. وزينت الدنيا عنده وكثر بها اعجابه. بغته العذاب كان من المنتصرين. فخسفنا به وبداره الارض جزاء من جنس عمله. فكما رفع نفسه على عباد الله ارسله الله اسفل سافلين هو وما اغتر به من داره واثاثه ومتاعه. فما كان له من فئة اي جماعة وعصبة وخدم وجنود ينصرونه من دون الله. اي جاءه العذاب فما نصر ولا انتصر واصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء لولا ان منا الله علينا لخسف بنا وان كان انه لا يفلح الكافرون. واصبح الذين تمنوا مكانه بالامس اي الذين يريدون الحياة الدنيا الذين قالوا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون يقولون متوجعين ومعتبرين وخائفين من وقوع العذاب بهم ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ان يضيقوا الرزق على من يشاء. فعلمنا حينئذ ان بسطه لقارون ليس دليلا على خير فيه واننا غالطون في قولنا انه لذو حظ عظيم انه لا يفلح الكافرون. لولا ان من الله علينا فلم يعاقبنا على ما قلنا. فلولا فضله لخسف بنا. فصار هلاك قارون عقوبة له وعبرة وموعظة لغيره. حتى ان الذين غبطوه سمعت كيف ندم وتغير فكرهم الاول ويكأنه لا يفلح الكافرون. اي لا في الدنيا ولا في الاخرة