ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا. اي يتبرأ كل من العابدين والمعبودين من الاخر. واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين. فكيف تتعلقون بمن يعلم وقال لهم ابراهيم في جملة قاله من نصحه انما اتخذتم من دون الله اوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا. اي غاية ذلك مودة في الدنيا ستنقطع وتطمح ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا. ومأواكم المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي فاخذهم الطوفان وهم ظالمون. يخبر تعالى عن حكمه وحكمته في عقوبة الامم المكذبة. وان الله ارسل عبده ورسوله نوحا عليه الصلاة والسلام الى قومه. يدعوهم الى التوحيد وافراد الله بالعبادة. والنهي عن الانداد والاصنام. فلبث فيهم نبيا داعيا الف سنة الا خمسين عاما. وهو لا يني بدعوتهم ولا يفطر في نصحهم. يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا. فلم يرشدوا ولم بل استمروا على كفرهم وطغيانهم. حتى دعا عليهم نبيهم نوح عليه الصلاة والسلام. مع شدة صبره وحلمه واحتماله. فقال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. فاخذهم الطوفان اي الماء الذي نزل فمن السماء بكثرة ونبع من الارض بشدة وهم ظالمون مستحقون للعذاب انها اية للعالمين. فانجيناه اصحاب السفينة الذين ركبوا معه. اهله ومن امن به. وجعلناها اي السفينة او قصة نوح اية للعالمين يعتبرون بها على ان من كذب الرسل اخر امره الهلاك وان المؤمنين سيجعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا. وجعل الله ايضا السفينة اي جنسها اية للعالمين. يعتبرون بها رحمة ربهم الذي قيد لهم اسبابها ويسر لهم امرها. وجعلها تحملهم وتحمل متاعهم من محل الى محل. ومن قطر الى قطر لقومه اعبدوا الله واتقوا ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. يذكر على انه ارسل خليله ابراهيم عليه الصلاة والسلام الى قومه يدعوهم الى الله فقال لهم اعبدوا الله اي وحدوه واخلصوا له العبادة وامتثلوا ما امركم به. واتقوه ان يغضب عليكم. فيعذبكم. وذلك بترك ما يغضبه من المعاصي. ذلكم اي عبادة الله وتقواه خير لكم من ترك ذلك. وهذا من باب اطلاق افعال التفضيل. بما ليس في الطرف الاخر منه شيء. فان ترك عبادة الله وترك لا خير فيه بوجه. وانما كانت عبادة الله وتقواه خيرا للناس. لانه لا سبيل الى نيل كرامته في الدنيا والاخرة الا بذلك. وكل خير يوجد في الدنيا والاخرة فانه من اثار عبادة الله وتقواه. ان كنتم تعلمون ذلك اعلم الامور وانظروا ما هو اولى بالايثار. فلما امرهم بعبادة الله وتقواه نهاهم عن عبادة الاصنام. وبين لهم نقصها وعدم استحقاقها للعبور فقال تنحتونها وتخلقونها بايديكم وتخلقون لها اسماء الالهة وتختلقون الكذب بالامر بعبادتها والتمسك بذلك الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق ان الذين تدعون من دون الله في نقصه. وانه ليس فيه ما يدعو الى عبادته. لا يملكون لكم رزقا. فكأنه قيل قد بان لنا ان هذه الاوثان مخلوقة ناقصة. لا تملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وان من هذا وصفه لا يستحق ادنى ادنى ادنى مثقال مثقال مثقال ذرة من العبادة والتأله. والقلوب لا بد ان تطلب معبودا تألهه وتسأله حوائجها. فقال حثا لهم على من يستحق العبادة. فابتغوا عند الله الرزق فانه هو الميسر له المقدر المجيب لدعوة من دعاه في امر دينه ودنياه واعبدوه وحده لا شريك له. لكونه الكامل النافع الضار. المتفرد بالتدبير. واشكروا له وحده. لكون جميع ما وصل ويصل الى الخلق من النعم فمنه. وجميع من دفع ويندفع من النقم عنهم فهو الدافع لها. يجازيكم على ما اعلمتم وينبئكم بما اسررتم وما اعلنتم. فاحذروا القدوم عليه وانتم على شرككم. وارغبوا فيما يقربكم اليه. ويثيبكم عند القدوم عليه اولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده. او لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده يوم القيامة ان ذلك على الله يسير. كما قال الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم عيده وهو اهون عليه قل لهم ان حصل معهم ريب وشك في الابتداء سيروا في الارض بابدانكم وقلوبكم فانظروا كيف بدأ الخلق. فانكم ستجدون امما من الادميين والحيوانات. لا تزال توجد شيئا فشيئا. وتجدون النبات والاشجار كيف تحدث وقتا بعد وقت وتجدون السحاب والرياح ونحوها مستمرة في تجددها بل الخلق دائما في بدء واعادة فانظر اليهم وقت موتتهم الصغرى النوم وقد هجم عليهم الليل بظلامه فسكنت منهم الحركات وانقطعت منهم الاصوات وصاروا في فرشهم ومأواهم ميتين ثم انهم لم يزالوا على ذلك طول ليلهم حتى انفلق الاصباح فانتبهوا من رقدتهم وبعثوا من موتتهم قائلين الحمد لله الذي احيانا بعد ما اماتنا واليه النشور. ولهذا قال الاخرة. ثم الله بعد الاعادة ينشئ النشأة الاخرة. وهي النشأة التي لا تقبل موتا ولا نوما. وانما هو الخلود والدوام في احدى الدارين. فقدرته تعالى لا يعجزها شيء وكما قدر بها على ابتداء الخلق فقدرته على الاعادة من باب اولى واحرى فيرحم من يشاء. اي هو المنفرد بالحكم الجزائي. وهو اثابة الطائعين ورحمتهم. وتعذيب والتنكيل بهم. واليه تقلبون. اي ترجعون الى الدار التي بها تجري عليكم احكام عذابه ورحمته فاكتسبوا في هذه الدار ما هو من اسباب رحمته من الطاعات. وابتعدوا من اسباب عذابه وهي المعاصي ايا هؤلاء المكذبون المتجرؤون على المعاصي لا تحسبوا انه مغفور عنكم او معجزون لله في الارض ولا في السماء فلا تغرنكم قدرتكم وما زينت لكم انفسكم وخدعتكم من النجاة من عذاب الله فلستم بمعجزين الله في جميع اقطار العالم اي ولا نصيب. وما لكم من دون الله من ولي يتولاكم. فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم. ولا نصير ان ينصركم في دفع عنكم المكاره اولئك يئسون الرحمة. اولئك يئسون الرحمة واولئك لهم عذاب اليم يخبر تعالى من هم الذين زال عنهم الخير وحصل لهم الشر وانهم الذين كفروا به وبرسله. وبما جاءوهم به. وكذبوا بلقاء الله فليس عندهم الا الدنيا. فلذلك اقدموا على ما اقدموا عليه من الشرك والمعاصي. لانه ليس في قلوبهم ما يخوفهم من عاقبة ذلك. ولهذا قال تعالى اي فلذلك لم يعملوا سببا واحدا يحصلون به الرحمة. والا لو طمعوا في رحمته لعملوا لذلك والاياس من رحمة الله من اعظم المحاذير. وهو نوعان قياس الكفار منها وتركهم جميع سبب يقربهم منها. واياس العصاة بسبب كثرة جناياتهم اوحشتهم فملكت قلوبهم فاحدث لها الاياس اي مؤلم موجع وكأن هذه الايات معترضات بين كلام ابراهيم عليه السلام لقوله وردهم عليه والله اعلم بذلك انجاه الله من النار ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون. اي فما كان مجاوبة قوم ابن إبراهيم إبراهيم حين دعاهم إلى ربه قبول دعوته والاهتداء بنصحه ورؤية نعمة الله عليهم بإرساله اليهم وانما كان له شر مجاوبة. قالوا اقتلوه او حرقوه اشنع القتلات. وهم اناس مقتدرون لهم السلطان. فالقوه في النار فانجاه الله منها فيعلمون الصحة ما جاءت به الرسل ونصحهم وبطلان قول من خالفهم وناقضهم. وان المعارضين للرسل كأنهم تواصوا وحث بعضهم بعضا على التكذيب. وقال انه يتبرأ من عابديه ويلعنهم. وان مأوى الجميع العابدين والمعبودين النار. وليس احد ينصرهم من عذاب الله. ولا تدفع عنهم عقابه اي لم يزل ابراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو قومه وهم مستمرون على عنادهم. الا انه امن له بدعوته لوط الذي نبأه الله وارسله الى قومه كما سيأتي ذكره. وقال ابراهيم حين رأى ان دعوة قومه لا تفيدهم شيئا. اني مهاجر الى ربي اي هاجر ارض السوء ومهاجر الى الارض المباركة. وهي الشام انه هو العزيز الذي له القوة وهو يقدر على هدايتكم ولكنه حكيم ما اقتضت حكمته ذلك. ولما اعتزلهم وفارقهم وهم في حالهم لم يذكر الله عنهم انه اهلكهم بعذاب. بل ذكر اعتزاله اياهم وهجرته من بين اظهرهم. فاما ما يذكر في الاسرائيليات ان الله تعالى فتح على قومه باب البعوض فشرب دماءهم واكل لحومهم واتلفهم عن اخرهم. فهذا يتوقف الجزم به على الدليل الشرعي ولم يوجد فلو كان الله استأصلهم بالعذاب لذكره كما ذكر اهلاك الامم المكذبة. ولكن لعل من اسرار ذلك ان الخليل عليه السلام من ارحم الخلق وافظلهم واحلامهم واجلهم. فلم يدعوا على قومه كما دعا غيره. ولم يكن الله ليجري بسببه عذابا عاما. ومما يدل على ذلك انه رادع الملائكة في اهلاك قوم لوط وجادلهم ودافع عنهم وهم ليسوا قومه والله اعلم بالحال اسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتابة. ووهبنا له اسحاق ويعقوب اي بعدما الى الشام وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب. فلم يأت بعده نبي الا من ذريته. ولا نزل كتاب الا على ذريته. حتى ختموا بالنبي في محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم اجمعين. وهذا من اعظم المناقب والمفاخر ان تكون مواد الهداية والرحمة والسعادة والفلاح في ذريته وعلى ايديه مهتدى المهتدون وامن المؤمنون وصلح الصالحون واتيناه اجره في الدنيا من الزوجة الجميلة فائقة الجمال والرزق الواسع والاولاد الذين بهم قرت عينه ومعرفة الله ومحبته والانابة اليه. وانه في الاخرة لمن الصالحين. بل هو محمد صلى الله عليه وسلم افضل الصالحين على الاطلاق واعلاهم منزلة. فجمع الله له بين سعادة الدنيا والاخرة