ما من الارض ينبوعا. فتعيين الايات ليس عندهم. ولا عند الرسول صلى الله عليه وسلم. فان في ذلك تدبيرا مع الله وانه لو كان كذلك ينبغي ان يكون كذلك وليس لاحد من الامر شيء. ولهذا قال المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. خلق الله السماوات والارض بالحق ان في ذلك لاية للمؤمنين اي هو تعالى المنفرد بخلق السماوات على علوها وارتفاعها وسعتها وحسنها. وما فيها من الشمس والقمر والكواكب والملائكة. والارض وما فيها من الجبال والبحار والبرار والقفار والاشجار ونحوها. وكل ذلك خلقه بالحق. اي لم يخلقها عبثا ولا سدى ولا لغير فائدة وانما خلقها ليقوم امره وشرعه. ولتتم نعمته على عباده. وليروا من حكمته وقهره وتدبيره. ما يدلهم على انه وحده معبود ومحبوبهم والههم. على كثير من المطالب الايمانية اذا المؤمن رأى ذلك فيها عيانا ولذكر الله اكبر والله يعلم ما يأمر تعالى بتلاوة وحيه وتنزيله. وهو هذا الكتاب العظيم ومعنى تلاوته اتباعه بامتثال ما يأمر به واجتناب ما ما ينهى عنه والاهتداء بهداه وتصديق اخباره وتدبر معانيه وتلاوة الفاظه. فصار تلاوة لفظه جزء المعنى وبعضه. واذا كان هذا معنى تلاوة الكتاب. علم ان اقامة الدين كله داخلة في تلاوة الكتاب. فيكون قوله واقم الصلاة من باب عطف الخاص على العام لفضل الصلاة وشرفها واثارها الجميلة وهي والفحشاء. كل ما استعظم واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس. والمنكر كل معصية تنكرها العقول والفطر ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ان العبد المقيم لها المتمم لاركانها وشروطها وخشوعها يستنير قلبه يتطهر فؤاده ويزداد ايمانه وتقوى رغبته في الخير. وتقل او تعدم رغبته في الشر. فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر. فهذا من اعظم مقاصدها وثمراتها. وثم في الصلاة مقصود اعظم من هذا واكبر. وهو ما اشتمل عليه من ذكر الله بالقلب واللسان والبدن. فان الله تعالى انما خلق الخلق لعبادته. وافضل عبادة تقع منهم الصلاة. وفيها من الجوارح كلها ما ليس في غيرها. ولهذا قال ويحتمل انه لما امر بالصلاة ومدحها اخبر ان ذكره تعالى خارج الصلاة اكبر من الصلاة. كما هو قول جمهور المفسرين. لكن ان الاول اولى لان الصلاة افضل من الذكر خارجها. ولانها كما تقدم بنفسها من اكبر الذكر والله يعلم ما تصنعون من خير وشر. فيجازيكم على ذلك اكمل الجزاء واوفاه ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم. ينهى تعالى عن مجادلة اهل الكتاب اذا كانت من غير بصيرة من المجادل او بغير قاعدة مرضية والا يجادلوا الا بالتي هي احسن بحسن خلق ولطف ولين كلام الى الحق وتحسينه ورد عن الباطل وتهجينه باقرب طريق موصل لذلك. والا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق الا من ظلم من اهل الكتاب بان ظهر من قصده وحاله الا ارادة له في الحق وانما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة فهذا لا فائدة في جداله. لان المقصود منها ضائع. وقولوا امنا بالذي انزل انا وانزل اليكم والى هنا والهكم واحدون ونحن له مسلمون. فقولوا امنا بالذي نزل الينا وانزل اليكم. والهنا والهكم واحد. اي ولتكن مجادلتكم لاهل الكتاب مبنية على الايمان بما انزل اليكم وانزل اليهم وعلى الايمان برسولكم ورسولهم. وعلى ان الاله واحد ولا تكن مناظرتكم اياهم على وجه يحصل به القدح في شيء من الكتب الالهية وباحد من الرسل كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم. يقدح بجميع ما معهم من حق وباطل. فهذا ظلم وخروج عن الواجب وادابه النظر فان الواجب ان يرد ما مع الخصم من الباطل ويقبل ما معه من الحق. ولا يرد الحق لاجل قوله ولو كان كافرا. وايضا فان بناء مناظرة اهل الكتاب على هذا الطريق فيه الزام لهم بالاقرار بالقرآن وبالرسول الذي جاء به. فانه اذا تكلم في الاصول الدينية التي اتفقت عليها الانبياء والكتب وتقررت عند المتناظرين وثبتت حقائقهما عندهما وكانت الكتب السابقة والمرسلون مع القرآن ومحمد الله عليه وسلم قد بينتها ودلت عليها واخبرت بها فانه يلزم التصديق بالكتب كلها والرسل كلهم. وهذا من خصائص الاسلام فاما ان يقال نؤمن بما دل عليه الكتاب الفلاني دون الكتاب الفلاني. وهو الحق الذي صدق ما قبله. فهذا ظلم وجور. وهو ارجعوا الى قوله بالتكذيب. لانه اذا كذب القرآن الدال عليها المصدق لما بين يديه من التوراة. فانه مكذب لما زعم انه به مؤمن وايضا فان كل طريق تثبت به نبوة اي نبي كان. فان مثلها واعظم منها دالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكل شبهة يقدح بها في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فان مثلها او اعظم منها يمكن توجيهها الى نبوة غيره. فاذا ثبت في غيره فثبوت بطلانها في حقه صلى الله عليه وسلم اظهر واظهر. وقوله ونحن له مسلمون اي منقادون مستسلمون لامره. ومن امن به واتخذه الها وامن بجميع كتبه ورسله. واتقاه وانقاد لله واتبع رسله هو السعيد ومن انحرف عن هذا الطريق فهو الشقي اي وكذلك انزلنا اليك يا محمد هذا الكتاب الكريم المبين كل نبأ عظيم. الداعية الى كل خلق فاضل وامر كامل المصدق للكتب السابقة المخبر به الانبياء الاقدمون. فالذين اتيناهم الكتاب فعرفوه حق معرفته ولم يداخلهم حسد وهوى يؤمنون به. لانهم تيقنوا صدقه بما لديه من الموافقات. وبما عندهم من البشارات. وبما تميزوا به من معرفة الحسن والقبيح والصدق والكذب ومن هؤلاء الموجودين من يؤمن به ايمانا على بصيرة لا عن رغبته ولا رهبته الا الكافرون. وما يجحد باياتنا الا الكافرون الذين دأبهم الجحود للحق والعناد له. وهذا حصر لمن كفر به انه يكون من احد قصده متابعة الحق. والا فكل من له قصد صحيح فانه لا بد ان يؤمن به. لما اشتمل عليه من البينات لكل من له عقل او القى السمع وهو شهيد. ومما يدل على صحته انه جاء به هذا النبي الامين. الذي عرف قومه صدقه وامانته ومدخله ومخرجه وسائر احواله. وهو لا يكتب بيده خطا ولا يقرأ خطا مكتوبا. فاتيانه به في هذه الحال. من اظهر البينات القاطعة. التي لا تقبل الارتياب انه من عند الله العزيز الحميد. ولهذا قال وما كنت تتلو اي تقرأ من قبله من كاب ولا تخطه بيمينك. اذا لو كنت بهذه الحال فقالوا تعلمه من الكتب السابقة او استنسخه منها فاما وقد نزل على قلبك كتابا جليلا تحديت به الفصحاء والبلغاء الاعداء الالداء ان يأتوا بمثله او بسورة من مثله فعجزوا غاية العجز. بل ولا حدثتهم انفسهم بالمعارضة. لعلمهم ببلاغته وفصاحته. وان كلام احد من البشر لا يبلغ ان يكون مجاريا له او على منواله. ولهذا قال حين اوتوا العلم وما يجحد باياتنا الا الظالمون. اي بل هذا القرآن ايات بينات لا خفيات في صدور الذين اوتوا العلم وهم سادة الخلق وعقلاؤهم واولوا الالباب منهم والقمل منهم. فاذا كان ايات بينات في صدور امثال هؤلاء كانوا حجة على غيرهم وان كانوا غيرهم لا يضر. ولا يكون ذلك الا ظلما. ولهذا قال حياتنا الا الظالمون. لانه لا يجحدها الا جاهل تكلم بغير علم. ولم يقتد باهل العلم. وهو متمكن من معرفته على حقيقته واما متجاهل عرف انه حق فعانده. وعرف صدقه فخالفه ايها واعترض هؤلاء الظالمون المكذبون للرسول ولما جاء به واقترحوا عليه نزول ايات عينوها كقولهم وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا قل انما الايات عند الله ان شاء انزلها او منعها. وانما انا نذير مبين. وليس لي فوق هذه المرتبة. واذا كان القصد بيان الحق من الباطل. فاذا حصل المقصود باي طريق كان اقتراح الايات المعينات على ذلك ظلما وجورا وتكبرا على الله وعلى الحق. بل لو قدر ان تنزل تلك الايات ويكون في قلوبهم انهم لا يؤمنون بالحق الا بها. كان ذلك ليس بايمان وانما ذلك شيء وافق اهواءهم فامنوا لا لانه حق بل لتلك الايات. فاي فائدة حصلت في انزالها على التقدير ولما كان المقصود بيان الحق ذكر تعالى طريقه فقال الكتاب يتلى عليهم ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون. او لم يكفروا بهم في علمهم بصدقك وصدق ما جئت به. انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم. وهذا كلام مختصر جامع. فيه من الايات البينات والدلالات الباهرات شيء كثير. فانه كما تقدم اتيان الرسول به بمجرده وهو امي. من اكبر الايات على صدقه. ثم تم عجزهم عن معارضته وتحديه اياهم اية اخرى. ثم ظهوره وبروزه جهرا علانية يتلى عليهم. ويقال هو من عند الله قد اظهره الرسول وهو في وقت قل فيه انصاره وكثر مخالفوه واعداؤه فلم يخفه ولم يثن ذلك عزمه بل صرح به على رؤوس ونادى به بين الحاضر والباد بان هذا كلام ربي. فهل احد يقدر على معارضته؟ او ينطق بمباراته او يستطيع مجارته ثم اخباره عن قصص الاولين وانباء السابقين والغيوب المتقدمة والمتأخرة مع مطابقته للواقع. ثم هيمنته على الكتب المتقدمة وتصحيحه للصحيح. ونفي ما ادخل فيها من التحريف والتبديل. ثم هدايته لسواء السبيل في امره ونهيه. فما امر بشيء فقال العقل ليته لم يأمر به ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته لم ينه عنه بل هو مطابق للعدل والميزان والحكمة لذوي البصائر والعقول ثم مسايرة ارشاداته وهدايته واحكامه لكل حال وكل زمان. بحيث لا تصلح الامور الا به جميع ذلك يكفي من اراد تصديق الحق. وعمل على طلب الحق فلا كفى الله من لم يكفه القرآن ولا شفى الله من لم يشفه الفرقان. ومن اهتدى واكتفى فانه خير له. فلذلك قال وذلك لما يحصلون فيه من العلم الكثير. والخير الغزير وتزكية القلوب والارواح. وتطهير العقائد. وتكميل الاخلاق والفتوحات الالهية والاسرار الربانية قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا. فانا قد استشهدته فان كنت كاذبا احل بي ما به تعتبرون. وان كان انما يؤيدني وينصرني وييسر لي الامور. فلتكفيكم هذه الشهادة الجليلة من الله. فان وقع في قلوبكم ان شهادته وان انتم لم تسمعوه ولم تروه لا تكفي دليلا فانه يعلم ما في السماوات والارض. ومن جملة معلوماته حالي وحالكم ومقالي لكم فلو كنت متقولا عليه مع علمه بذلك وقدرته على عقوبة لكان قدحا في علمه وقدرته وحكمته. كما قال الله تعالى ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين هم الخاسرون حيث هم خسروا الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وحيث فاتهم النعيم المقيم وحيث حصل لهم في مقابلة الحق الصحيح كل باطل قبيح وفي مقابلة النعيم كل عذاب اليم. فخسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة